الاثنين، 15 سبتمبر 2014

موسوعة ( شعراء العربية ) 4 شعراء العصر العباسي الا ول - تاليف فالح نصيف الحجية الكيلاني القسم التاسع


 29

الحسين الحلا ج

           هو ابو عبد الله  او ابو مغيث  الحسين بن منصور بن محمي الفارسي البيضاوي الصوفي  ولقب   بالبيضاوي  نسبة  الى  مدينته     ( البيضاء )  وهي مدينة  معروفة  ببلاد  فارس. و قيل  كان  جده (مَحْمِيٌّ ) مجوسيا 
        ولد الحسين بن منصور الحلاج مطلع عام \ 244هجرية الموافق \ 858 ميلادية في بلدة ( طور ) الواقعة في الشمال الشرقي من مدينة البيضاء  اعلاه  وقد استقر والده في واسط بعد ان اساءت حالته المعاشية كونها قريبة الى( طور ) ناشدا العمل والاشتغال وواسط مدينة  كبيرة  بناها  الحجاج بن يوسف الثقفي عندما كان واليا على العراق .
       لقب  ( الحلاج )  لانه كني ب( حلاج الاسرار )  وقيل انه لقب   الحلاج لدخوله الى  مدينة ( واسط)   فاستقبله قطان  فكلفه الحسين إصلاح شغله والرجل يتثاقل فيه  فقال : اذهب فإني أعينك. فذهب   فلما رجع رأى كل قطن عنده محلوجا مندوفا  وكان مقداره أربعة وعشرين ألف رطل. ... وفي رواية اخرى  أن أهل الأهواز أطلقوا عليه هذه التسمية لأنه كان يكاشفهم بما في قلوبهم فسموه ( حلاج الأسرار) )
  نشأ الحلاج في واسط ... وكانت هذه المدينة مركزا من مراكز الاشعاع الفكري والروحي ... أسس بها الأشاعرة مدرستهم الكبرى وفيها نشاط ثقافي وتيار علمي   
وأقام الحنابلة فيها  مدرسة القراء ... ومعهدا للحديث
وكانت المساجد مقاعد للبحث والتدرس والجدل والحوار .
      و  في هذا الجو العلمي نشأ الحلاج ولفت أليه الأنظار منذ طفولته بذكائه المتوثب اللماح وشفافية روحه وتفتح قلبه وحبه للعلم والمعرفة وحفظ القرآن الكريم وهو في العاشرة من عمره وتعمق في فهم معانيه ... تعمقا ليس من طبيعة الطفولة الغضة  واشتهر بالارادة القوية الموجهة والرياضات والمجاهدات الروحية حتى  نسي لهو الطفولة .وكان  كثير الصلاة والتأمل.   
 تعلق كثيرا بالدراسات التي تتناول المعرفة الروحية
وأقبل على علوم عصره من فقه وتوحيد وتفسير وحديث وحكمة وتصوف  واحب  معرفة المعنى الرمزي الذي يرفع دعاء الروح إلى   فتعلق قلبه بالوجد  والحب الالهي . 
أنقطع عن دروسه .. وأقبل على ملكوت السماء والأرض 
يقلب الأفاق ويتأمل أسرارها يبحث عن أسرار وأسرار .... ونذر نفسه لربه سبحانه وأقبل عليه بكل ذاته .... والتهبت عواطفه بالحب والوجد
يستهدف ارتباط قلبه بالله تعالى  وقرب روحه منه  ( قربا يفنى فيه عن كل شئ ليبقى له بعد ذلك كل شئ . يقول :
واللهِ، لو حَلَفَ العُشَّاقُ أنَّهُمُ   
    مَوتى من الحبِّ أو قَتْلى لما حَنَثوا
قومٌ إذا هُجِروا مِنْ بَعْدِ ما وُصِلُوا
  ماتوا، وإنْ عادَ وَصلٌ بَعْدَهُ بُعِثوا
ترى المحبينَ صَرعى في ديارِهُمُ
 كفتيةِ الكَهْفِ : لا يَدرونَ كَمْ لَبَثوا
           ثم  قصد  الحسين مدينة  (تُسْتَر ) فصحب  سهل بن عبد الله التستري  الصوفي المعروف   (وسهل التستري:  هم ابو محمد سهل   بن عبد الله  بن يونس التستري  المتصوف المشهور  ولد عام \200 هجرية - 815 ميلادية  وقيل انه كان من اشد اهل زمانه  ورعا  واعبدهم  وازهدهم  . له مصنفات  عديدة منها  تفسير  مختصر القران  وكتاب رقائق المحبين  في التصوف  توفي  عام\  283 هجرية -896 ميلادية \ راجع القاموس الاسلامي  المجلد الاول صفحة  -466  والرسالة القشيرية  صفحة -24 و المنتظم في تاريخ  الملوك والامم لابن الجوزي  الجزء السادس صفحة- 323)
      لما  بلغ  من العمر  ثماني عشرة  سنة  سافر الى البصرة  وبقي فيها سنتين  .         
          ثم سافر الى الحجاز   فصحب  عمرو بن عثمان المكي  قرابة السنتين .    وكان الحلاج في ابتداء أمره فيه تعبد وتأله وتصوف  كان الحلاج يظهر للغوغاء متلونًا لا يثبت على حال  إذ يرونه تارة بزي الفقراء والزهاد وتارة بزي الأغنياء والوزراء وتارة بزي الأجناد والعمال  وقد طاف البلدان ودخل المدن الكبيرة وانتقل من مكان لآخر داعيا إلى الله الحق على طريقته  فكان له أتباع في شرق الدولة الاسلامية وفي عاصمتها بغداد لاحظ قوله:  
 سبحـان من أظهر ناسُوتُه
                                                        سرَّ سنا لاهوته الثاقــب          
 ثـم بــدا في خلقه ظاهرا
                                                   فـي صورة الآكل والشارب
 حـتى لقـد عاينـه خلقـه
                        كلحظـة الحـاجب بالحاجب                                                   
        وقد اتهمه الؤرخون ممن لم يكونوا يفهمون بالتأثير الروحي  في الدين  والفلسفة  الزرادشتية   وقيل  إنه  كان  مخدومًا   من   الجن  والشياطين وله حيل مشهورة في خداع الناس. يقول :

عَقدُ النبوّةِ مُصباحٌ منَ النورِ  
    معلَّقُ الوحيِ في مِشكاةِ تأمُورِ
بالله ينفَخُ نفخَ الروحِ في خَلَدي
  لخاطِري نفخَ إسرافيلَ في الصُورِ
إذا تجلّى لروحي أن يُكلِّمَني 
  رأيتُ في غَيْبَتي مُوسى على الطُّورِ
  .
       ثم قدم الى بغداد  وصحب ب(بغداد) الجنيد البغدادي (هو ابو القاسم  الجنيد البغدادي  المتصوف المشهور     الجنيد بن  محمد  بن الجنيد  الخزاز  ويلقب القواريري او الزجاج  لان  والده  كان  يصنع الزجاج  والقوارير ويتاجر بهما .ولد الجنيد في القرن الثالث  الهجري  في مطلعه  ولم تعرف سنة ولادته   وكان  ابوه من اهل  نهاوند ( جلولاء الحالية)  اما الجنيد فقد ولد وعاش  في بغداد وتفقه  على يد ابي  ثور صاحب  الامام الشافعي   ومن تلاميذه  ابن سريج  .
           حج من  بغداد الى مكة المكرمة  ثلاث مرات مشيا على قدميه   ويعتبر الجنيد  اول   من اشتغل  بعلم  الكلام \ أي علم التوحيدوهو شيخ مذهب التصوف الاسلامي   توفي  في بغداد عام\ 297 هجرية -910 ميلادية ومرقد ه  في بغداد  ظاهر  ومزار للمسلمين  وبجواره  مسجد كبير  في جانب الكرخ احظ القاموس الاسلامي  المجلد الاول  صفحة\ 643)  الا انه اختلف  مع الجنيد البغدادي فاطلق الجنيد عليه انه مدعي  وليس بصوفي مما اضطره  الى العودة الى مدينة (تستر) بصحبة عائلته  فأقام سنة كاملة  ووقع له القبول التام فيها  يقول:

 مـزجــت روحــي فـي روحـك كمـا
                            تُــمْزَج  الخمــرة  بالماء الزلال                       
 فـــإذا مسك شيء مســني
                                                    فـإذا أنـت أنـا فـي كـل حـال
      وكاتبه عمرو بن عثمان المكي  واستطاع  ان  يؤثر في عقليته  حتى تزع ثياب الصوفية   ولبس القباء   وأخذ في صحبة أبناء الدنيا . لاحظ قوله :  
 أنت بين الشغاف والقلب تجري
                                              مثـل جـري الدموع من أجفاني                 
 وتحل الضمـير جـوف فـؤادي
                        كحـول الأرواح فـي الأبــدان                                           
 يـا هلالا بـدا لأربـع عشـر
                       لثمـــان  وأربــع  واثنتــان                            
           سافر الى  ماوراء النهر تاركا زوجته وعائلته في مدينة ( تستر) وبقي  في ما وراء النهر خمس سنين  رجع بعدها الى فارس ثم سافر الى الاحواز  - وأخذ يتكلم الى الناس  ويعمل المجلس ويدعو إلى الله تعالى  وصنف لهم تصانيف   وكان يتكلم على ما في قلوب الناس  فسُمِّي بذلك حلاج الأسرار , ولُقب به.
           ثم سافر من الاحواز الى البصرة  ثم  خرج الى مكة المكرمة ثم عاد  الى الاحواز  ويمم شطر بغداد مع عائلته  فاقام فيها سنة واحدة  ثم سافر متجها  نحو الشرق  الى الهند وما وراء النهر مرة اخرى . ومكث هناك مدة  عاد بعدها الى بغداد  واستقر فيها وبنى فيها دارا  ليسكنها .
       وكان قد اشتهر كثيرا  شاعرا صوفيا وقد كثرت القابه وكناه بين الناس  فقد كني في الهند  ب(المغيث )  ومن بلاد نصيبين وتُرْكستان ب(المُقِيت )  ومن خراسان ب(أبي عبد الله الزاهد  ) ومن خوزستان ب(الشيخ حلاج الأسرار) ببغداد قوم يسمونه( المُصطلم ) وبالبصرة( المُحيّر).    وكانت حركة الزهد التي  ظهرت في  العصر الاموي قد تطورت الى  حركة صوفية في العصرالعباسي   انتشرت كثيرا في اوساط الناس فانتسب الحلاج اليها  فكان  صوفيا شاعرا . يقول يناجي  ربه:  
اذا ذكرتك كاد الشوق يقلقني
وغفلتي  عنك احزان  واوجاع
وصار كلي قلوبا فيك داعية
للسقم   فيها والالام  اسراع

                  لقد طور الحلاج النظرة العامة للتصوف  فجعله جهاداً ضد الظلم والطغيان  في المجتمع  والنظام  السياسي الحاكم في حينه . رأى الحجاج في بغداد  صراعا فكريا وعصبيات مختلفة  بين العرب والفرس والترك وبين القبائل العربية المختلفة .ورأى ترفا ماجنا ونظاما فاسدا وظالما وخلافة متكبرة.فتأمل  ما يدور من حوله باحثا عن حل واعتبر أن بمقدورالتصوف  -0 هذا المنهج  الديني والروحي الذي اعتنقه  احتواء المذاهب الفكرية المتعارضة ويوحدها في منهجه الإيماني
ويمحو العصبيات الجامحة بروحانيته العالية وما يشع   منه  صفاء  وما يلهم من اعتقده من  محبة حيث ان التصوف يستطيع بطبيعته النقية المترفعة أن يحارب الترف والفساد والتأله الذي فرضته الخلافة العباسية على المجتمع الاسلامي.يقول:
يا نسيم الريح قولي للرشا
لـم يـزدني الورد إلا عطشا
روحه روحي وروحـي فله
إن يشا شئت وإن شـئت يشا
   للحلاج نظرة فلسفية  تعتمد جوهر الإنسان وليس ظاهر سلوكه فالجوهر هو  الاساس يقول:
أَنا  مَن  أَهوى وَمَن أَهوى أَنا
نَحنُ    روحانِ    حَلَنا    بَدَنا
نَحنُ مُذكُنّا عَلى عَهدِ الهَوى
تُضرَبُ   الأَمثالُ   لِلناسِ  بِنا
فَإِذا       أَبصَرتَني      أَبصَرتَهُ
وَإِذا        أَبصَرتَهُ       أَبصَرتَنا
أَيُّها    السائِلُ    عَن   قِصَّتِنا
لَو    تَرانا   لَم   تُفَرِّق   بَينَنا
روحُهُ  روحي  وَروحي  روحُهُ
مَن  رَأى  روحَينِ  حَلَّت  بَدَنا
       صحب الحلاج عمرو بن عثمان  الجاحظ وقيل  سرق منه كتبا فيها شيء من علم التصوف   فدعا عليه عمرو :
   - اللهم اقطع يديه ورجليه  
 يقوله الحلاج  في فلسفته : ومما
 النقطة أصل كل خط  والخط كله نقط مجتمعة. فلا غنى للخط عن النقطة  ولا للنقطة عن الخط. وكل خط مستقيم أو منحرف فهو متحرك عن النقطة بعينها، وكل ما يقع عليه بصر أحد فهو نقطة بين نقطتين. وهذا دليل على تجلّي الحق من كل ما يشاهد  وترائيه عن كل ما يعاين. ومن هذا ُقلت:  
ما رأيت شيئاً  إلاّ  ورايت الله فيه
وقيل : إن الحلاج كتب مرة إلى أبي العباس بن عطاء :
كـتبت ولم أكـتب إليك وإنما
كـتبت إلـى روحـي بغـير كتاب
وذاك لأن الروح لا فرق بينها
وبيـن محبيهــا بفصـل خطـاب
فكل كتاب صـادر منـك وارد
إليــك بـلا رد الجـواب جـوابي
            اختلف الناس في ارائه وفلسفته بين مؤيد ومعارض فهناك  من وافقوه  وفسروا مفاهيمه فإنهم يقدسون أقواله ويؤكدون نسبتها إليه ولكنهم يقولون أن لها معان باطنية غير المعان الظاهرية  وأن هذه المعاني لا يفهمها سواهم.  ومن معارض اختلفوا  معه وكفروه  واعتبروه    وقال  فيه   الشيخ بن تيمية :   (مَنْ اعْتَقَدَ مَا يَعْتَقِدُهُ (الْحَلاجُ مِنْ الْمَقَالاتِ الَّتِي قُتِلَ الْحَلاجُ عَلَيْهَا فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ; فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ إنَّمَا قَتَلُوهُ عَلَى الْحُلُولِ وَالاتِّحَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مَقَالاتِ أَهْلِ الزَّنْدَقَةِ وَالإِلْحَادِ كَقَوْلِهِ :
-أَنَا اللَّهُ.
 -وَقَوْلِهِ : إلَهٌ فِي السَّمَاءِ وَإِلَهٌ فِي الأَرْضِ...
وَالْحَلاجُ كَانَتْ لَهُ مخاريق وَأَنْوَاعٌ مِنْ السِّحْرِ وَلَهُ كُتُبٌ مَنْسُوبَةٌ إلَيْهِ فِي السِّحْرِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَلا خِلافَ بَيْنِ الأُمَّةِ أَنَّ مَنْ قَالَ بِحُلُولِ اللَّهِ فِي الْبَشَرِ وَاتِّحَادِهِ بِهِ وَأَنَّ الْبَشَرَ يَكُونُ إلَهًا وَهَذَا مِنْ الآلِهَةِ : فَهُوَ كَافِرٌ مُبَاحُ الدَّمِ وَعَلَى هَذَا قُتِلَ الْحَلاجُ (وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ذَكَرَ الْحَلاجَ بِخَيْرِ لا مِنْ الْعُلَمَاءِ وَلا مِنْ الْمَشَايِخِ ; وَلَكِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَقِفُ فِيهِ  لأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ أَمْرَه 
ويقول  الحلاج في صوفياته :
ُكم دمعةٍ فيكَ لي ما كنتُ أجريها    
                                           وليلةٍ ـ لستُ أفني فيكَ ـ أُفنيها
لمْ أُسلِمِ النفسَ للأسقامِ تُتلِفُها         
                                              إلا لعلمي بأنَّ الوصلَ يُحييها
ونظرةٍ منكَ يا سؤلي ويا أملي       
                                               أشهى إليَّ من الدُّنيا وما فيها
نفسُ المحبِّ على الآلامِ صابرةٌ      
                                                لعلّ  مُسقِمُها  يوماً يُداويها
اللهُ يعلمُ : ما في النفسِ جارحةٌ        
                                               إلا وذكراكِ فيها قبلَ ما فيها
ولا تنفَّستُ إلا كنتَ في نَفَسي   
                                       تجري بكَ الروحُ منّي في مجاريها
إن كُنتُ أضمرتُ غَدراً أو هَمَمْتُ به 
                                           يوماً، فلا بلغتْ روحي أمانيها
أو كانت العينُ مذْ فارَقتُكُمْ نظرتْ     
                                               شيئاً سواكُمْ فخانَتْها أمانيها
أو كانت ِالنفسُ تدعوني إلى سكنٍ
                                             سواك فاحتكمت فيها أعاديها  
حاشا فأنتَ محلُّ النّورِ منْ بَصَري
                                      تجري بكَ النفسُ منها في مجاريها
وقال الصولي فيه :
  (رأيت الحلاج مرات كثيرة وخاطبته  فرأيته جاهلا يتعاقل وعييا يتبالغ، وفاجرا يتزهد، وظاهره أنه ناسك صوفي، فإن قيل له أن أهل بلدة أو قرية يرون الاعتزال صار عندهم معتزليا، وإذا رأى قوما يميلون إلى الإمامية صار إماميا عندهم، وإذا رأى قوما من اهل السنة صار سنيا، وكان خفيف الحركة مشعوذا عالج بالطب وجرب الكيمياء، وما يغتر به الناس )
 ومما يقول:
أَنْعـى إليـك نفوسـا طـاح شاهدها
                                           فيما وراء الغيب أو في شاهد القدم
أنعى إليـك علومـا طالمـا هطلـت
سحائب الوحـي فيهـا أبحر الحكم                                                 
         
 أنعـى إليـك لسـان الحـق مُذْ زمن
                       أودى وتذكاره كالوهم فـي العـدم                                          
 أنـعى إليــك بيانــا تستسـر لـه
                                   أقوال كــل فصيـح مِقْـوَل فهـم                     
           
 أنعـى إليـك إشـارات العقـول معـا
                       لــم يَبْـقَ منهـن إلا دارس العلم                                  
أنعى -وحــقك- أحلامــا لطائفـة
                                              كانت مطاياهم مـن مكمـد الكـظم
مضى الجــميع فلا عيـن ولا أثـر
                                               مضي عـاد وفقــدان الأولـى إرم
وخلفوا معشــرا يجــدون لبسـتهم
أعمى مـن البهم با أعمى من النعم                                              
            وفي يوم الثلاثاء \24 من ذي القعدة سنة 309هـجرية  تم تنفيذ حكم الخليفة المقتدر  بالله  به ونفذ  فيه حكم الاعدام  ثم الحرق  وبهذا  يكون  قد قتل بعد عمر يناهز الخامسة والستين .
  عند إخراجه لتنفيذ الحكم فيه ازدحم الناس لرؤيته. وقيل أن سبب مقتله   ان اعرابيا  سال الحلاج عن ما في جبته  فرد عليه الحلاج :
- (مافي جبتي إلا الله)
 فاتهم بالزندقة واقيم عليه الحد.                        
و مما يروى في حادثة قتله انه قال ابن الخفيف:
( وكنت قد عزمت على الخروج إلى بلدي فتبصرت حتى أرى ما يكون من شأن الحلاج  فكان لما كان اليوم الخامس عشر إذا بالحلاج يصلب فدعا الخليفة فقطع يداه ورجلاه، فمشى تسعة عشر خطوة على كراسيع رجليه، فجاءه حامد بن العباس البلخي عند خشبته فقال له:
الحمد لله الذي امكن منك يا عدو الله فكيف رأيت تقبيل الناس يديك ورجليك وقولهم لك سيدي ومولاي وأنت راض بذلك؟
فالتفت إليه الحلاج وقال له: إسمع يا لكع؛ إن  كنت تحسن أن تسمع   ثم أنشأ يقول:
تأمل الوجد الوجد          والفقد والوجد وجد
والبعد لي منك قبل         والقبل لي منك بعد
فكيف  يثبت  ثاني          وأنت   للفرد  فرد
تحوز قلبي العاني        وليس لي من ذاك بد
والشيء إثبات غير       والشيء لا شك جحد
أعد في الناس مولى     لأنـنـي   فيه   عبد
وقال ابن الخفيف:
( فقدمت إليه من الليلة الثانية التي صلب فيها فلما رأيته على خشبته التي صلب عليها قال لي: أذعنّا بالحقيقة ففعل بنا ما ترى، فلما أصبحنا جاءه حامد بن العباس الوزير ومنعه موكب وصاحب الشرطة محمد بن عبد الصمد فأخرج من كمه درجا فناوله لمحمد بن عبد الصمد فنشره  فغذا فيه شهادة أربعة وثمانين رجلا من الفقهاء والقراء (أن قتل الحلاج فيه صلاح للمسلمين، ودمه في رقابنا، ) فقال الزير : أريد الشهود
 فهرعوا إليه، وقال لهم:
 (هل هذه هي شهاداتكم وخطوطكم )
 فقالوا نعم،
فنزل من على الخشبة وتقدم السياف ليضرب عنقه  فقال الوزير للشهود:
 أمير المؤمنين بريء من دمه وصاحب الشرطة محمد بن عبد الصمد وأنا بريئان من دمه.
 فقالوا: نعم
: فتقدم إليه السياف فتبسم الحلاج وأنشأ يقول
ونديم  ليس  منبوس
إلى  شيء  من الحيف
سقاني  مثل  ما يسقى
كفعل الضيف بالضيف
فلما  دارت  الخمر
دعا  بالنطع  والسيف
كذا من يشرب الراح
الممزوج  في  الصيف
  ثم ضربت عنقه فبقي جسده ساعتين من النهار قائما ورأسه بين رجليه يتكلم بكلام غير مفهوم وكان آخر كلامه  ( أحد أحد أحد )
  وقيل تقدم إليه ابن الخفيف الشيرازي فإذا بالدم الذي يجري مكتوب على الأرض( الله الله أحد أحد) في نيف وثلاثين موضعا.
     ثم اوقدت  في  جدثه النار  حتى احترق  وجمع  رماده  ثم  ذروه  في الهواء   فلم يبق  له اثرا  .
   هكذا تصوروه  الا ان الحلاج  الشاعرالصوفي لم يمت فقد بقيت طواسينه  وقصائده  خالدة  خلدته بخلودها .
  ومن  صوفياته الشعرية  هذه الابيات :
لبَّيكَ لبِّيكَ يا سرِّي ونجوائي             لبَّيك لبِّيك يا قصدي ومعنائي

أدعوكَ بل أنت تدعوني إليك فهل           ناديتُ إيَّاك أم ناديتَ إيَّائي

يا عين َ عينِ وُجُودي يا مَدى هِمَمي      يا منطقي و عباراتي وإيمائي

يا كلَّ كُلِّي ويا سمعي ويا بصري        يا جملتي وتباعيضي وأجزائي

يا كلَّ كلِّي وكلُّ الكلِّ ملتبِسٌ                   وكلُّ كلِّكَ ملبوسٌ بِمعنائي

يا مَنْ به عَلِقَتْ روحي فقد تَلِفتْ        وَجْداً فَصرتُ رَهيناً تحتَ أهوائي

أبكي على شجَني من فُرقتي وطني        طَوْعاً ويُسعدني بالنوحِ أعدائي

أدنو فَيُبعدني خوفي، فيُقلقَني (1)          شوقٌ تَمكَّنَ في مَكنون أحشائي

فكيفَ أصنعُ في حبٍّ كَلِفتُ به ؟        مولايَ، قد ملَّ مِنْ سُقمي أطبائي

قالوا : تداوَ بهِ منهُ فقلتُ لهم :            ياقومُ هل يتداوى الداءُ بالداءِ؟!

حُبَّي لِمولايَ أضناني وأسقَمَني        فكيفَ أشكو إلى مولايَ مَوْلآئي؟!

إني لأَرْمُقُهُ والقلبُ يَعرفُهُ                     فما يترجِمُ عنهُ غير إيْمائي

يا ويحَ روُحيَ من روحي، فواأسفي         عليَّ مني فإني أصلُ بَلْوائي

كأنني غَرِقٌ تبدو أنامِلُهُ                   تَغَوُّثاً وهوَ في بحرِ من الماءِ

وليٍسَ يَعلَمُ ما لاقيتُ من أحدٍ            إلا الذي حلَّ مني في سُويدائي

ذاك العليمُ بما لاقيتُ مِنْ دَنَفٍ               وفي مَشيئتهِ موتي وإحيائي

أغايةَ السؤلِ والمأمولِ يا سَكني        يا عيشَ روحيَ، يا ديني ودُنيائي

قل لي، فديتُك يا سمعي ويا بصري   لِمْ ذي اللجاجة في بُعدي وإقصائي

إن كنتَ بالغيبِ عن عَيْنَيَّ مُحتجباً   فالقلبُ يرعاكَ في الإبعادِ والنائي   

          
*************************










                                   


                             
                  محمود بن الحسين الرملي
                     ( كشاجم )


            هو ابو الفتح محمود بن الحسين بن إبراهيم بن السندي الرملي  ولقب بـ (كشاجم)  وقد اختلفت المصادر  العربية في  نسبه  وقيل انه من اصول  فارسية  وقيل من اصول هندية حيث قيل له السندي  والسند مقاطعة هندية واسعة . واهله  كانوا  يقيمون  في العراق  وكان لعائلته  اتصال  بخدمة  الخلفاء والامراء في الدولة العباسية  في خلافة المنصور والهادي والمهدي وهارون الرشيد  وكان جده سندي بن شاهك  يشتغل سجانا  عند الرشيد  وقيل هو الذي  دس السم في  طعام  الامام الكاظم  موسى بن جعفر  رضي الله عنه  فمات  مسموما . وسكنت عائلته بغداد  وكان لها شان  ومقام  اجتماعيا  وثقافيا  فيه .

   القرن الرابع الهجري  يمثل الحالة الافضل  ( الفترة الذهبية)  لما توصلت اليه  الامة العربية والاسلامية  في  تاريخ العلوم  والمعارف الاسلامية إذ شهد هذا القرن حركة علمية وأدبية  شاملة  على  ايدي الكثير من العلماء والأدباء والمفكرين الذين كانوا أقطاب مجالس الفقه والتفسير  والحديث والمنطق  والفلسفة  والتاريخ  والأدب في الشعر والنثر  والنحو واللغة  والبلاغة  والبيان اذ بلغت  به  أوج  كمالها واتساق معالمها  ولعل من أهم الاسباب التي ساعدت على نمو هذه الحركة هو حرية الرأي وتتبع  العلاقات  الواشجة  بين الأمم وتلاقح الثقافات  وتمازجها وغيرها من العوامل المؤثرة والمتأثرة التي اتكأت عليها هذه الحركة  الثقافية  الا أن العامل الأهم في إزدهار هذه الحركة هو أنها  اعتمدت  الثقافة الاسلامية اساسا في  تراثها العظيم ومنهلا  نهلت بذرتها منها  فكان هذا هو المحور الذي  ارتكزت  عليه هذه  العلوم والمعارف لهذه الحركة التي ازدهرت بتعدد عناصرها وتشكيل سماتها فآتت ثمارها  يانعة . وكانت المجالس العلمية في ذلك الوقت تزخر بمختلف العلوم فلم يكن المجلس الواحد يقتصر على علم واحد  وانما  يشمل  اغلبها  ويقاس بمقياس   مفقيه وعلمائه وادبائه وشعرائه  وهذا ما جعل روادها  يبدعون  في أكثر من مجال علمي .

          وقد نشأ  محمود بن  الحسين  في  مدينة الرملة  من فلسطين  فقيل له (الرملي )  . ولما شب واكتمل  احب التنقل  والترحال فهو يقول  في كثرة  ترحاله  وسفره :

هذا  على  أنني لا  استفيق  ولا
                                       أفيق  من  رحلةٍ  في  إثرها  رِحلَه

وما على البدر نقص في إضاءته
                                     أن  ليس ينفك  من  سيرٍ  ومن نَقلَه

 ويقول ايضا :

متى أراني بمصر جارهم  نسبي بها كل غادةٍ  خضِره

            والنبل مستكمل  زيادته  مثل  دروع  الكماة   منتثره

تغدو الزواريق فيه مصعدة بنا وطوراً تروح  منحدره

            وتارة   في الفرات  طامية   أمواجه  كالخيال معتكره

          حتى كأن  العراق  تعشقني  أو طالبتني  يد النوى بِتِره

      فقد رحل عن الرملة  الى الموصل  ودخل عند صاحب الموصل في حلقة من الشعراء  بينهم الخالديان. وقيل إن جعفر بن علي بن حمدان أمير الزاب أعطاه  ألف دينار على  مديحه إياه .

     دخل  في خدمة  الامير  ابي  الهيجاء  عبد الله  بن حمدان واشتغل  طباخا ثم رئيس طباخين  ومنجما  الا ان هذا البقاء  لم يدم  طويلا  حيث ارتحل  عنه  متجها  نحو مصر  فبقي  فيها عدة  سنوات  عاد بعدها الى  الشام  فزار الرملة  ثم تنقل بين  القدس  ودمشق  وبغداد وحلب  حيث استقر به  المقام في حلب في  بلاط  الامير سيف الدولة  الحمداني  . يقول في مدحه :

أَخِي بَلْ رَئِيْسِي بَلْ أَمِيْرِي وَسَيِّدِي
                                        وَمَنْ لَمْ يَزَلْ لِلْفَضْلِ وَالبِرِّ مَأْمُولاَ

أَغِثْنَا فَإِنَّا قَدْ ظَمِئْنَا وَرَوِّنَا      مِنَ
                                          الرَّائِقِ المَطْبُوخِ وَلْيَكُ مَعْسُولاَ

فَنَحْنُ  بِحَالٍ لَوْ تَرَانَا  لَخِلْتَنَا
                                              لِئَامَاً وَإِنْ كُنَّا كِرَامَاً بَهَالِيْلاَ

سِتَارَتُنَا  مَهْجُورَةٌ  وَكُؤُوسُنَا
                                               تُعَلَّلُ بِالنَّزْرِ الصُّبَابَةِ تَعْلِيْلاَ

تَرَى مَاءَهَا أَضْعَافَ دَرٍّ رَحِيْقِهَا
                                            فَتَحْسَبُهَا فَوْقَ الأَكُفِّ قَنَادِيْلاَ

وَحَدَّثَنَا السَّقِي لِيَبْقَى شَرَابُهُ
                                     وَقَدْ قِيْلَ فِي السَّاقي المُحَدِّثِ مَا قِيْلاَ
  
       كان كثير الشوق  والحنين الى  مصر  وقد ذكرها كثيرا في  شعره  ومما قال  فيها:

قد كان شوقي إلى مصر يؤرقني 
                                       فاليومَ عدتُ وعادت مصرُ لي دارا

أغدو إلى الجيزة الفيحاء مصطحباً  
                                        طوراً وأزجي إلى شـيراز أطوارا

       كان هذا الشاعر  في رحلاته الكثيرة يجتمع مع الملوك والامراء والوزراء ويتصل بأرباب العلم  والفقه والحديث  والأدب فيقرأ  عليهم ويسمع  منهم كما جرت بينه  وبينهم  محاضرات ومناظرات  ومكاتبات كثيرة دللت على تضلعه في مختلف العلوم وتمكنه وكانت علامة على  علوهمته وسلامة  نفسه  وطيب سريرته ومكارم اخلاقه  والترفع عن الوقوف عند أبواب السلاطين والاشغال في أبواب الملوك والولاة فهو  يرى الدخول في هذه الأمور من مرديات النفوس وضعفها  يقول:

       رأيت الرئاسة مقرونة         بلبس  التكبّر  والنخوه

       إذا ما تقمصها لابس         ترفّع في الجهر والخلوه

       ويقعد عن حق أخوانه      ويطمع أن يهرعوا نحوه

      وينقصهم من جميل الد      عاء ويأمل عندهم خطوه

      فذلك إن أنا كاتبته فلا        يسمع   الله   لي   دعوه

      ولستُ بآتٍ له منزلاً         ولو  أنه   يسكن  المروه

    قيل أنه هو الذي لَقّب نفسه (كشاجم) فعُرف بهذا اللقب في الاوساط  الاجتماعية  والثقافية  وعلل سبب  تلقبه هذا بهذا اللقب   بأنه مجموع  من  أوائل اسماء  حروف  العلوم  التي  كان  يتقنها  فالكاف من (كاتب) حيث كان كاتبا  ملهما  والشين من (شاعر) وهو  من  فحول الشعراء ، والألف من (أديب) أو (إنشاء) حيث كان اديبا  بارعا  ومنشئا  ناضجا ، والجيم من (جدل)  لما  له  من  باع  طويل في  علم الجدل وقيل من (جواد) حيث كان جوادا كريما ، والميم من (منطق)  لتضلعه  بعلم المنطق أو من (منجم) حيث كان  يشتغل  منجما  عند ابي الهيجاء  عبد الله  الحمداني ،  وقيل  إنه  كان  يعمل  طباخاً  عند  سيف الدولة الحمداني ، فأضاف إلى لقبه طاءا فصار (طكشاجم) إلا أنه لم يعرف به  ولم يشع  لثقله  لغة  بين الناس   وقيل  كان مغنياً  حسن الصوت وقيل  كان  طبيبا ًحاذقا ايضا  . فاجتمعت كل هذه العلوم في شخيته  الفذة   ويكفيه ان يصف نفسه في شعره فيقول:

     لو يحق تناول النجم خلــــــق   نلت أعلى النجوم باستحقــــاق

    أو ليس اللسان مني أمضــــى   من ظبات المهندات الرقــــاق؟

    ويدي تحمل الأنامل منهـــــــا    قلما ليس دمعه بالراقــــــــــي

     وسطور خططتها في كتـــاب    مثل غيم السحابة الرقــــــراق

      ويعد كشاجم في فحول الشعراء  ومتقد ميهم  فقيل فيه :
( فقد طبق ذكره الخافقين  وأقر له شعراء عصره ومن جاء بعدهم بالمنزلة السامية  والقريحة الجيدة والأسلوب الرصين، والديباجة المشرقة، والمعاني البديعة، والعاطفة الصادقة ).

       ونلاحظ  في  شعره معظم  فنون الشعر العربي من مدح  وفخر وهجاء ورثاء وشكوى وخمريات وغزل  إضافة فن  وصف الطبيعة وجمالها  الذي اشتهر  في ذلك الوقت لدى شعراء معاصرين له مثل الصنوبري  وغيره  يقول في وصف مدينة حلب :

   وما متعت جارها بلدة
                                                كما  متعت  حلب جارها

هي الخلد تجمع ما تشتهي
                                               فزرها فطوبي لمن زارها

ولله فيها شهور الربيع
                                                 حين    تعطر  اسحارها

فما تقع العين الا علي
                                                رياض  تصنف  انوارها


 وكذلك  ذكر الأطعمة وأدوات الحضارة، والصيد والطرد. وله ديوان شعر.  ومن شعره :


عَجَبِي مِمَّن تَعَالَتْ حَالُهُ
                                            وكَفَاهُ اللّهُ ذَلاَّتِ الطلَبْ

كيفَ لا يقسمُ شَطْري عُمْرِهِ
                                            بين حالينِ  نعيمٍ  وأدَبْ

فإذا ما نَالَ دَهْراً حظّهُ
                                           فحديثٌ   ونشيدٌ   وكُتُبْ

مرّةً جِدّاً وأُخرى راحةً
                                        فإذا مَا غَسَقَ اللَّيلُ انتصَبْ

يَقْتَضِي الدّنْيَا نهاراً حَقّها
                                         وقَضَى  للّهِ  ليلاً  ما يَجِبْ

تِلكَ أقسامٌ متى يَعْمَلْ بها
                                      عاملٌ يَسْعَدْ وَيَرشُدْ وَيُصِيبْ

وقيل فيه :
      (وإن من يدقق فيما خلف لنا من شعره يجد براعة فائقة في وصف الطبيعة وأزاهيرها وحقولها وأراضيها وسمائها وفصولها وأوقاتها، كما يجد فيه كثيراً من أوصاف مجالي الحياة ومجالس الأنس وجلسات الطعام والشراب).

      توفي  الشاعر محمود بن الحسين( كشاجم )  سنة\  330 للهجرة – 940 ميلادية  وقيل توفي سنة \350 هجرية وقيل 360 هجرية – 970 ميلادية وهو الاصوب . 

       اضافة الى شاعريته الفذة  كان أديباً وخطيبا ً فصيحاً وبليغا فنثره لا يقل جودة عن شعره  وله عدد من الكتب المشهورة، منها:  

1-المصايد والمطارد
2-أدب النديم
3- كتاب الرسائل» جمع فيه ما كتبه من الرسائل الأدبية والإخوانية
4-خصائص الطرب
5- الطبيخ

      توفي  الشاعر محمود بن الحسين( كشاجم )  سنة\  330 للهجرة – 940 ميلادية  وقيل توفي سنة \350 هجرية وقيل 360 هجرية – 970 ميلادية وهو الاصوب . 

 ومن  شعره  في الغزل  هذه الابيات :

 أما منكَ شَمٌّ يُستفادُ ولا عَضُّ             
                                           تَعَطَّفْ علينا أيُّها الغُصُنُ الغَضُّ

جَنَاكَ جَنى ً فيهِ شِفَاءٌ وصحَّة ٌ
                                        نحولي بعينٍ ما يُسَامِحهَا غَمْضُ
      
 تركتَ طبيبي حائراً باكياً على
                                       وقَدْ كان يَخْفَى في مَجَسَّتِهِ النَّبْضُ      

 وأعجبَ منِّي اَنْ أُطيقَ جَوَابَهُ
                                          غلائلُ   نورٍ حَشْوُهَا  بَرَدٌ بَضُ            
بَدتْ مَوهناً في درعِة اللونِ تحتَه
                                            بأحسنَ مُسْوَدٍّ بدا فيه مُبيضُّ            
وَمَاسَتْ كَمْيسِ الخيزرانِ وأَلّقَتْ
                                         أُناسٌ هواهمُ في عهودِهمُ النَّقْضُ    

وقد نقضَتْ عَهدَ الصباءِ كأَنَّها
                                          فلا زالتِ النّعمى ولا بَرِحِ البُغْضُ  

   وقد أكسبتني نعمة ُ اللّهِ بغضَهُمْ
                                           يسابقُ بغضٌ من فؤادٍ لهُ مَضُّ     

وكنتُ إذا ما عابَنِي ذُو نباهة ٍ
                                          وحاسا سماءٌ أَنْ يشاكِلها أَرْضُ     

 أبى لِي مجدي أنْ أُساجِلَ مثلَهُ
                                            وليسَ لهُ بَسْطٌ عليَّ ولا قَبْضُ           
وما لِيَ أَخشَى حاسداً ومُعانداً
                                            بهِ الدهرَ أبكارَ البلاغة ِ أفتَضُّ     

  نِبَالِي أَقلامي وَسَيْفيَ مِقْوَلِي
                                            ويوضحُ مسودَّ الأَمورِ فَيَبْيضُّ           
 يريكَ وجوهَ المكرماتِ ضواحَكاً
                                       وكَمْ دَحَضَ الحقَّ الذي مَالهُ دَحْضُ     

وكَمْ خَفَقَ الأَمرَ الذي هو باطلٌ
                                         وَمَنْ جَادَ لَمْ يَدْنَسْ لهُ أَبداً عِرْضُ    

وأَكرمْتُ أَعْراضِي بمالي فَصُنْتُهَا
                                            فَوُدُّكَ  باقٍ لا يحولُ  ولا ينضُو   

وَحُمّلتُ اسرارَ الصديقِ أَخِي الصّفا
                                             وهمُّهُمُ  فيناً  التَّيَقُّظُ  لا الغَضُّ         
 مُنِينا بِمَنْ نُغْضِي لَهُمْ من عثارهِمْ
                                          وتحلو إذا ما شَابَ وَدَّهُمُ حَمْضُ     

 وأنتَ امرؤٌ تصفو إذا كدرَ الورى
                                        خؤونٍ فحظِّي من مودَّتِكَ الخَفْضُ     
             



                      *****************************










ابو الفتح  البستي  

          هو أبو الفتح علي بن محمد بن الحسين بن يوسف بن محمد بن عَبْد العَزِيز البستي وقد اختلف في اسم ابيه  فقيل انه ( احمد ). كما اختلف في اسم جده  فقيل ان اسمه ( الحسن ) فهو اما  علي  بن احمد بن الحسن  بن يوسف  واما  علي بن محمد بن الحسين بن يوسف بن عبد العزيز البستي  .
ولد في مدينة (بست)  من اعمال  سجستان  سنة ٣٣٠ هجرية ـ  941 ميلادية  ونسبته اليها :
الا  انه  يؤكد عروبيته او اصله العربي   بقوله :
أنا العبد ترفعني نسبتي         إلى عبد شمس قريع الزمان
وعمي شمس العلا هاشم       وخالي من رهط عبد المنان
       فهو اذن  من الارومة  القرشية  فهو  كما قال  في  شعره  من  بني  امية  من فرع  عبد شمس  ولم  يذكر ذلك احد من  المؤرخين  ولا يوجد اعتراض  على نسبه .
تتلمذ  على يد وحيد عصره أبي حاتم محمد بن الحِبَّان  في العلم والمعرفة   والشعر والنثر .
          وكا ن   احد   شعراء العصر العباسي المجيدين ومن الكتّاب المبرزين. ويوجد الكثير من شعره في بطون الكتب  ولم يذكر  كله  وله ديوان مطبوع  يحتوي  على  بعض قصائده  ومن خلال   الاطلاع على  قصائده وشعره يتبين انه كان زاهدا في الدنيا  وله في الحكمة  وتذكر الاخرة  يقول:
يا ناعماً بسُرورِ عَيشٍ زائلٍ  
                                   ستزولُ عنهُ طائعاً أو كارِها
إنَّ الحوادِثَ تنقُلُ الأحرارَ عن
أوطانِهِمْ  والطَّيْرَ عن أوكارِها                        
         وكان من كتّاب الدولة السامانية في خراسان  وقد ارتفعت مكانته عند الأمير (سبكتكين)  وقد مدحه   بقصيدة  نذكر منها هذه الابيات :

ما إنْ سمِعْتُ بنُوّارٍ لهُ ثَمرٌ
                                  في الوَقتِ يُمِتعُ سَمْعَ المَرءِ والبَصَرا

حتَّى أتاني كِتابٌ مِنكَ مُبتسِماً
                                         عن كُلِّ لَفظٍ ومعنىً أشبَهَ الدُّرَرا

فكانَ لفظُكَ في آلائِه زَهَراً
                                               وكانَ معناكَ في أثنائهِ ثَمَرا

تسابَقا فأصابا القَصْدَ في طَلقٍ
                                               للهِ من ثَمَرٍ قد سابَقَ الزَّهَرا

           ولما  توفي   الامير   دخل في خدمة ابنه يمين الدولة (السلطان محمود بن سبكتكين)  الا ان السلطان محمد اختلف معه  فنفاه او أخرجه إلى ما وراء النهر فساءت حالته كثيرا  .

        مات غريباً في بلدة (أورزجند) ببخارى سنة \400 هجرية -  1010 ميلادية .

        وفي كتب الأدب كثير من نظمه غير مدوّن. وهو صاحب القصيدة المشهورة المسماة ( عنوان الحكم )   وقيل  (  نونية البستي) و التي  تعد من روائع الشعرالعربي  وهذه هي :

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم
                                          فطالما استعبد الإنسان إحسان

يا خادم الجسم كم تشقى بخدمته
                                          أتطلب الربح فيما فيه خسران

أقبل على النفس واستكمل فضائلها
                                          فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان

وإن أساء مسيء فليكن لك في
                                           عروض  زلته  صفح وغفران

وكن على الدهر معوانا لذى أمل
                                           يرجو  نداك  فإن الحر معوان

واشدد يديك بحبل الله معتصما
                                          فإنه  الركن  إن خانتك  أركان

من يتق الله يحمد في عواقبه
                                         ويكفه شر من عزوا ومن هانوا

من استعان بغير الله في طلب
                                             فإن   ناصره  عجز  وخذلان

من كان للخير مناعا فليس له
                                           على  الحقيقة  إخوان  وأخدان

من جاد بالمال مال الناس قاطبة
                                              إليه   والمال  للإنسان  فتان

من سالم الناس يسلم من غوائلهم
                                          وعاش وهو قرير العين جذلان

من كان للعقل سلطان عليه غدا
                                         وما على نفسه للحرص سلطان

من مد طرفا لفرط الجهل نحو هدى
                                    أغضى على الحق يوما وهو خزيان

من عاشر الناس لاقى منهم نصبا
                                          لأن   سوسهم   بغى   وعدوان

ومن يفتش عن الإخوان يقلهم
                                           فجل إخوان هذا العصر خوان

من استشار صروف الدهر قام له
                                           على  حقيقة طبع الدهر برهان

من يزرع الشر يحصد في عواقبه
                                             ندامة   ولحصد  الزرع  إبان

من استنام إلى الأشرار نام وفي
                                           قميصه   منهم   صل   وثعبان

كن ريق البشر إن الحر همته
                                           صحيفة وعليها البشر عنوان

ورافق الرفق في كل الأمور فلم
                                             يندم رفيق ولم يذممه إنسان

ولا  يغرنك  حظ   جره  خرق
                                          فالخرق هدم ورفق المرء بنيان

أحسن إذا كان إمكان ومقدرة
                                            فلن يدوم على الإحسان إمكان

فالروض يزدان بالأنوار فاغمة
                                           والحر بالعدل والإحسان يزدان

صن حر وجهك لا تهتك غلالته
                                           فكل  حر  لحر  الوجه  صوان

فإن لقيت عدوا فألقه أبدا
                                       والوجه بالبشر والإشراق غضان

دع التكاسل في الخيرات تطلبها
                                            فليس يسعد بالخيرات كسلان

لا ظل للمرء يعرى من تقى ونهى
                                           وإن   أظلته   أوراق   وأفنان

والناس أعوان من والته دولته
                                          وهم  عليه  إذا  عادته  أعوان

سحبان من غير مال باقل حصر
                                           و باقل في ثراء المال سحبان

لا تودع السر وشاء يبوح به
                                        فما رعى غنما في الدو سرحان

لا تحسب الناس طبعا واحدا فلهم
                                         غرائز  لست  تحصيهن  ألوان

ما كل ماء كصداء لو ارده
                                            نعم ولا كل نبت فهو سعدان

لا تخدشن بمطل وجه عارفة
                                            فالبر  يخدشه   مطل  وليان

لا تستشر غير ندب حازم يقظ
                                            قد استوى فيه إسرار وإعلان

فللتدابير فرسان إذا ركضوا
                                            فيها أبروا كما للحرب فرسان

وللأمور   مواقيت      مقدرة
                                              وكل   أمر له  حد   وميزان

فلا  تكن عجلا  بالأمر  تطلبه
                                           فليس يحمد قبل النضج بحران

كفى من العيش ما قد سد من عوز
                                           ففيه  للحر إن  حققت   غنيان

وذو القناعة راض من معيشته
                                   وصاحب الحرص إن أثرى فغضبان



**********************************



                                           



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق