الخميس، 3 مايو 2012

شذرات من السيرة النبوية المعطرة - تاليف فالح نصيف الحجية


فالح نصيف الحجية شذ را ت من السيرة النبوية المعطرة دراسة تحليلية في سيرة وحياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم تمهيد بسم الله الرحمن الرحيم ( وما ارسلناك الا رحمة للعالمين) والصلام والسلام على سيدنا محمد نبي الرحمة ورسول الامة وكاشف الغمة ومنير الظلمة بنور الايمان والاسلام وعلى اله واهل بيته الاطهار واصحابه الاخيار . وبعد: السيرة المعطرة هي سيرة الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم . المبعوث رحمة للعالمين وهذه السيرة الطيبة هي من اشرف العلوم وأسناها وأفضلها اعلاها بعد القرآن الكريم . وقد ألهمني الله تعالى في هذا اليوم ان اكتب في هذه السيرة المعطرة بعد ان كتبت الكثير في القران الكريم: ستة كتب لحد الان في سلسة ( التفسير الموضوعي للقران الكريم ) منها: اصحاب الجنة في القران الكريم والقران في القران الكريم والادعية المستجابة ويوم القيامة في القرآن الكريم ....) ولا زلت بحمد لله وفضله اكتب فيه . ونظمت خمسة دواوين شعرية .. وعشرا ت الكتب في الادب والشعر والقصة والثقافة ... اسال الله تعالى ان لا يجف مداد قلمي مادمت على قيد الحياة ... ويفتح ا مامي سمتا واسعا في سبيل خدمة الانسانية ولما يحب ويرضى ... النبي الكريم صلى الله عليه وسلم هو الشخصية العظيمة و الفريدة في التاريخ والكتابة فيها لاتنضب ولا تنتهي انما معادا او مكرورا لما دونه اولئك الافذاذ من علماء الحديث والتاريخ والتراجم وغيرها منذ القدم وقد كتبت فيه ملايين الكتب والدراسات واسال الله تعالى ان يجعل كتابتي فيه بعضا من وفاء لما اسداه للبشرية من نور الايمان والاسلام . فقد كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يمتاز بكمال الاخلاق الحميدة وتمام الخلق العظيم ( وانك لعلى خلق عظيم) سورة القلم - 4 وكان خاتم الانبياء المرسلين الا ان رسالته كانت افضل الرسالات واسناها سموا وهداية ورفعة وخدمة للانسانية جمعاء وان كان الانبياء والرسل من قبله قد ادوا رسالاتهم وما امرهم به الله تعالى الا انها كانت ليست مثل رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم فقد بعثه رحمة للعالمين وارسله للناس جميعا فكل الرسالات التي قبله كانت دون رسالته قال تعالى : ( قل يا ايها الناس اني رسول الله اليكم جميعا الذي له ملك السموات والارض لا اله الا هو يحيي ويميت فامنوا بالله ورسوله النبي الامي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون ) الاعراف - 158 فهو رسول الله تعالى صلى الله عليه وسلم الى الناس جميعا وكل الديانات والرسالات التي اتت قبله قد ا نضوت في رسالته وبامر من الله تعالى وفي هذه الاية امر من الله تعالى لجميع بني البشر من كل الملل والاديان ان يكون ايمانهم المطلق بالله تعالى وبالنبي محمد صلى الله عليه وسلم فهو النبي الامي الذي يؤمن بالله تعالى وبكلماته ( القران الكريم ) وان يتبعوه ولا يتبعون غيره ابدا لعلهم الله تعالى يهديهم الى صراط مستقيم وسبيل مبين وطريق موصل الى الهداية والتقى ففي هذه الاية دعوة من الله تعالى باتباعه صلى الله عليه وسلم . واذا خلصنا – كما سلف – تبين لنا ان النبي محمد تاج البشرية وسناؤها ومصدر علمها وبهاؤها لذا يحق لاي احد ان يكتب فيه ويظهر اي نفحة من نفحات هذه الشخصية الفذة . فاقول – وبالله التوفيق- ان الله تعالى يوم خلق السموات والارض وخلق ادم من تراب خلق فيه نطفة طيبة زكية غرسها في صلب آدم عليه السلام وباركها فتنقلت هذه النطفة من صلب طاهر الى صلب طاهر حتى انحدرت في صلب ابي الانبياء ابر اهيم عليه السلام الذي اتخذه الله خليلا ونبيا ورسولا وانعم الله تعالى عليه بان رزقه اسماعيل واسحاق فمن اسماعيل امة العرب وفيهم رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ومن اسحاق يعقوب والعيص ومن ذرية يعقوب بني اسرائيل اذ ان يعقوب هو اسرائيل ذاته واولاده الاسباط – يوسف اخوته- ومن العيص الروم فهم اولاد العيص بن اسحاق بن ابراهيم عليهم السلام جميعا ومن الائه ان جعل الله تعالى في ذريته النبوة والكتاب حيث جعل كل الانبياء من ذرية ابراهيم عليه وعليهم السلام وجعل كل الانبياء من ذرية اسحاق بن ابراهيم عليهم السلام وبعثهم الى اقوامهم او الى اممهم وجعل النبي محمد صلى الله عليه وسلم وحده من ذرية اسماعيل بن ابراهيم عليهم السلام وجعله خاتم الانبياء والمرسلين وبعثه الى الناس جميعا - كما مربنا – وفضله على انبيائه كلهم وجعله رحمة للعالمين قال تعالى (وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب ) اية 27 ومن الائه ان بين له قواعد البيت الحرام فبناها بمعاونة ابنه اسماعيل عليهما السلام قال تعالى ( واذ يرفع ابراهيم القواعد بيالبيت واسماعيل ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم ) ال عمران الاية\ 127 . ومن الاء الله تعالى على ابراهيم ان ابراهيم كان في العراق فجرى ما جرى عليه من احداث منها مناظراته مع الملك النمرود والذي اضطره ان يبني لابراهيم مكانا عاما يوقد النار فيه مستعرة ثم يلقي ابراهيم فيها بعد تحطيمه لاصنامهم في يوم عيدهم وبمشهد من الناس اجمعين فخرج ابراهيم من النار كما القي فيها بجسده ولباسه حيث لم تمسه النار بسوء ( يانار كوني بردا وسلاما على ابراهيم ) ثم هاجر ابر اهيم من العراق الى الشام فسكن فلسطين وان ابراهيم عليه السلام امره الملك الجبار بنقل ولده اسماعيل وامه هاجر بعيد ا عن اعين سارة زوجته الاولى فنقلهما ابراهيم عليه السلام الى الحجاز وفي بقعة محاطة بالجبال وتركهما ومعهما شنة من ماء وجعبة فيها طعام فتركهما هناك ورجع فجعلت ام اسماعيل تشرب منها فيدر لبنها فترضع ولدها حتى نفد الماء فعطشت وعطش وليدها واصبحت تنظر اليه وهو يتلوى من العطش والجوع واضامها الضيم في نفسها وصارت تتهيب ان تنظر اليه وهو يتلبط من العطش فنظرت الى الصفا فركضت اليه صاعدة فوقه لعلها تجد احدا او تجد ما يروي عطش وجوع ولدها فلم تر شيئا فنزلت ثم نظرت الى جبل بجواره وهو جبل المروة لعلها تجد ضالتها فيه فلم تجد شيئا فبقيت تجري بين الصفا والمروة سبع مرات حتى تعبت ثم قالت في نفسها لأذهب فارى طفلي ماذا يفعل وماذا حل به فاذا هو على حاله كأنه ينشغ للموت واذا بصوت فقالت اغث ان كان عندك خير فاذا بجبريل عليه السلام قال فقال بعقبه على الارض فنظرت الى الطفل وهو يضرب بعقب رجله الارض ينازع الموت والحياة فانبثق الماء من تحت عقب الطفل فجعلت تغرف الماء في سقائها ثم شربت وارضعت ولدها وقال النبي محمد صلى الله عليه وسلم : - (يرحم الله ام اسماعيل لو تركت زمزم – او قال لو لم تغرف الماء- لكانت زمزم عينا معينا) فقال لها جبريل عليه السلام : - لا تخافي الضيعة فان ههنا بيتا لله يبنيه هذا الغلام وابوه ان الله لايضيع اهله . فكانت الاشواط السبع هي السعي بين الصفا والمروة من شعائرالله عند الحج والعمر ة ( ان الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت او اعتمر فلا جناح عليه ان يطوف بهما ومن تطوع خير فان الله شاكر عليم ). وكان البيت مرتفعا قليلا عن الرابية فتاتيه السيول من الجبال المحيطة بها فتاخذ عن يمينه وشماله فيقيت كذلك حتى جاءت قافلة بهم رفقة من جرهم مقبلين من( كداء) فراو ا طيرا تحوم في السماء فقالوا هذا طائر يبحث عن الماء فارسلوا من ينظراليهم فلما جاء الجري وجدوه ماءا فاقبلت القافلة مع من فيها وقالوا لام اسماعيل عليه السلام : - اتقبلين ان ننزل عندك ؟؟ - قالت: نعم ولكن لاحق لكم بالماء -قالوا: نعم فارسلوا الي اهليهم فنزلوا معهم . فتجمعوا عدة ابيات او بيوتات حولها فكانت مكة فلما شب اسماعيل وتعلم العربية فاعجبهم فزوجوه احدى بناتهم ومرت الايام وماتت هاجر زوج ابراهيم ام اسماعيل فجاء ابراهيم يتفقد زوجته وولده فدلوه بيته فعرف ان زوجته ماتت وان ولده تزوج فسا ل زوجة ولده عن حالتهم ومعيشتهم وهيئتهم فاخبرته انهم في ضيق وشده وشكت اليه . فقال لها : اذا جاء زوجك اقرئ عليه السلام وقولي له يغير عتبة بابه فلما جاء اسماعيل فكانه آنس شيئا فقال لزوجته – - فقال هل جاءكم من احد؟ - قالت نعم جاءنا شيخ صفته كذا وكذا فسالنا عنك فاخبرته وسالني كيف عيشنا فا خبرته في جهد وشدة . - فقال اسماعيل لزوجته : فهل اوصاك بشيء ؟ - قالت : نعم امرني ان اقرأ عليك السلام ويقول غير عتبة بابك . - فقال ذاك ابي وقد امرني ان افارقك فالحقي باهلك . فطلقها وتزوج بغيرها . ولبث ابراهيم مدة غير قصيرة في فلسطين ثم قدم الى مكة حيث ترك ولده ليتفقد حالته فلما جاء سال زوجته عن ولده اسماعيل فاعلمته انه ذهب للصيد ورجته النزول عندها لاقرائه . فسالها عن طعامهم وشرابهم فاخبرته ان طعامهم اللحم وشرابهم الماء فقال : اللهم بارك لهم في طعامهم وشرابهم . وسالها عن عيشها وهيئتهم ؟ - فقالت : نحن بخير وسعة واثنت على الله تعالى . - فقال لها اذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام مريه ان يثبت عتبة بابه . - فلما جاء اسماعيل سال امراته ان كان احد جاء اليهم فاخبرته بنعم شيخ حسن الهيئة – واثنت عليه- - وقالت سالني عنك فاخبرته و سالني كيف عيشنا فاخبرته انا بخير - قال لها . وهل اوصاك بشيء - قال نعم هو يقراك السلام ويامرك ان تثبن عتبة بابك . - فقال ذلك ابي وقد امرني ان امسكك ومكث ابراهيم مدة ثم جاء اخرى يتفقد اسماعيل فوجد ه جالسا يبري النبال تحت دوحة فوق زمزم فلما راى اسماعيل اباه قام اليه مشغوفا فتعانقا او صنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد. ثم قال ياسماعيل ان الله امرني بامر. - فاصنع ما امرك به ربك - او تعينني ؟؟ - واعينك - فان الله المرني ان ابني ههنا بيتا واشار الى اكمة مرتفعة على ما حولها فعند ذلك بدءا بالعمل فكان اسميل ياتي بالحجارة ويناوله لابيه وابوه يبني فرفعا القواعد من البيت حتى اذا ارتفع البناء جاء بهذا بالحجر فوضع له وهما يدعوان الله: ( ر بنا تقبل منا انك انت السميع العليم ) ال عمران \ 7 12 وهذا حديث ابن عباس رضي الله عنهما في هذا المجال فصارت ولاية البيت ومكة لاسماعيل وبنيه من بعده انتشرت ذريته في الحجاز وكانوا على دين الاسلام دين سيدنا ابراهيم عليه السلام قرونا طويلة ولم يزالوا على ذلك سيبقى الى اخر الدنيا -الا من شذ منهم - فصححه الانبياء من بعده وكان خاتمهم الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم ولاجله الف هذا الكتاب . فالح نصيف الحجية الكيلاني عضو الاتحاد العام للادباء والكتاب العرب عضو الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق ************************** شذرات من السيرة النبوية المعطرة 1 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله : السيرة المعطرة هي سيرة الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم . المبعوث رحمة للعالمين وهذه السيرة الطيبة هي من اشرف العلوم وأسناها وأفضلها اعلاها بعد القرآن الكريم . وقد ألهمني الله تعالى في هذا اليوم ان اكتب في هذه السيرة العطرة بعد ان كتبت الكثير في القران الكريم ستة كتب لحد الان في سلسة التفسير الموضوعي للقران الكريم منها: اصحاب الجنة في القران الكريم والقران في القران الكريم والادعية المستجابة و....) ولا زلت بحمد لله وفضله اكتب فيه . ونظمت خمسة دواوين شعرية .. وعشرا ت الكتب في الادب والشعر والقصة والثقافة ... . نسبه الشريف : فاستفتح باسم الله تعالى وابدأ بنسبه الشريف فاقول: الحمد لله تعالى رب العالمين ان محمدا صلى الله عليه وسلم هو اكرم خلق الله تعالى وافضل انبيائه ورسله وخاتمهم وان نسبه الشريف معلوم لا شائبة فيه عذب فرات سائغ شرابه رحمة للعالمين . فهو محمد بن عبد الله بن شيبة ( عبد المطلب ) بن عمرو ( هاشم) بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان جد القبائل العدنانية وعدنان من ذرية نبي الله اسماعيل بن ابراهيم الخليل عليهما السلام)) . فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم من ذرية النبي اسماعيل النبي بن النبي ابراهيم الخليل وجاء في الحديث الشريف ان النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( انا دعوة ابي ابراهيم ) وهذه الدعوة جاء ذكرها في القران الكريم قال تعالى : (واذ يرفع ابرهيم القواعد من البيت واسماعيل ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم . ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا امة مسلمة لك وارنا مناسكنا وتب علينا انك انت التواب الرحيم . ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم اياتك ويعلمهم الكتاب و الحكمة ويزكيهم انك انت العزيز الحكيم*) البقرة الايات 127 و128 و129 . فبعث الله تعالى الحبيب المصطفى محمدا نبيا في العرب وهو منهم يتلو عليهم اياته ويعلمهم الكتاب وهو القران الكريم والحكمة والايمان التام ويزكي انفسهم بهذا الايمان استجابة لدعاء ابراهيم الخليل وابنه اسماعيل عليهما السلام وهما يبنيان البيت الحرام ويرفعان قواعده . فهو اذن محمد بن عبد الله ووالده عبد الله كان احب اولاد عبد المطلب اليه وافضلهم واحسنهم وقد تعرض عبد الله الى الذبح كما تعرض اسماعيل نبي الله للذبح في قصة معروفة ومشهورة وهي ان عبد المطلب بعد ان حفر بئر زمزم واجرى الماء منه اخذت بعض فروع قريش تنازعه فنذر نذرا مفاده اذا رزق بعشرة اولاد وبلغوا مبلغ الرجال وبلغوا ان يمنعوه أي بلغوا يحافظون على زمزم ويمنعون من اراد التجاوز عليه يذبح احدهم فداءا وتضحية فلما تم ذلك له جمع اولاده العشرة فأ جرى القرعة بينهم فوقعت على عبد الله فاخذه الى الكعبة ليذبحه فمنعه ملأ من قريش وخاصة اخوانه واخواله ففداه بمائة بعير ذبحها فدية عن عبد الله مثلما تم فداء اسماعيل بن ابراهيم الخليل عليهما السلام حين اخذه والده ابراهيم عليه السلام ليذبحه فانزل الله تعالى كبشا من السماء فداءا عنه. فالحبيب المصطفى محمد هو ابن الذبيحين اسماعيل عليه السلام و عبد الله بن عبد المطلب وابن المفديين فداء اسماعيل بالكبش وفداء عبد الله بمائة من الابل . وعبدالله بن شيبة وهي كنية عبد المطلب وذلك ان والده هاشم مر بقافلته التجارية في ( يثرب ) قاصدا الشام وهي رحلة الصيف فمكث فيها مدة تزوج فيها ( سلمى بنت عمرو بن عدي) من بني النجار فتركها في( يثرب) حاملا وسار بقافلته الى الشام ثم وافته المنية في ارض الشام في مدينة (غزة) من ارض فلسطين فدفن هناك . فولدت سلمى هذه بعد وفاة زوجها هاشم ولدا اسمته ( شيبة) حيث قيل انه لما ولد وجد في رأسه شيب . وقد نشأ ( شيبة ) في يثرب بين اخواله حتى بلغ ثماني سنوات فعلم بذلك اعمامه فطلبه اخوه المطلب بن ها شم واخذه الى مكة فكان اغلب الناس لا تعلم انه اخوه وظنوا انه عبده فقيل ( عبد المطلب ) فكانت هذه شهرته . وعبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم وصف بالجمال والكمال والوسامة وكان اعظم الناس شرفا حيث كان سيد قريش وصاحب عير مكة حتى قيل انه لقب ب( الفياض) لفيض سخائه وجوده وكرمه . ومن العجائب في زمنه حفر بئر زمزم بعد اندثارها بعد رؤيا جاءت لعبد المطلب في منامه حدد له فيها موقع البئر فأمر بحفره وأشرف عليه بنفسه - فكان زمزم ولا زال سقيا الحجاج رواءا وطعاما منذ ذلك الوقت لحد الان ويستمر الى ماشاء الله تعالى. . وقيل ان( جرهم) القبيلة العربية التي كانت تسكن مكة قد ردموا البئر عند جلائهم من مكة وترحيلهم خارجها . وفي زمن عبد المطلب وقعت واقعة الفيل ومفادها ان ملك الحبشة ابرهة الاشرم بعد احتلاله لليمن قدم الى مكة من اليمن لاجل هدم الكعبة في جيش من الاحباش قدره ستين الف مقاتل وفي مقدمة هذا الجيش جعل عددا من الفيلة . فلما وصل الى مشارف مكة . استقر ليريح جيشه ثم يهجم على مكة ليهدم الكعبة المشرفة و السبب انه كان قد بنى كنيسة كبيرة في اليمن اسماها ( القليس ) دعا الناس للحج اليها الا انه لم يستجب له احد . فاشاروا عليه بهدم الكعبة لعل الناس تتجه - بعد هدمها- الى كنيسته حسب رايه و ما اشار ه عليه قومه فقرر هدم الكعبة . ولما تهيأ للهجوم على مكة بركت الفيلة ولم تتقدم ولم يفلح في تحريك الفيلة باتجاه الكعبة بينما تتحرك مسرعة في اي اتجاه اخر وجيشه حتى ارسل الله تعالى عليهم طيرا ابابيل أي جماعات جماعات من الطير ترميهم بحجار ة من سجيل أي ( جهنم ) أي تحمل في مناقيرها طينا متحجرا مفخورا في الجحيم فيه انواع من الامراض القاتلة والمعدية فتساقطت عليهم من مناقيرها ومخالب ارجلها فكانت اينما تقع منهم هذه الاحجار تحرق موضع سقوطها على الجلد فتزيل لحومهم عن جسومهم . فانهزموا شر هزيمة فقتلوا بالموت المحقق فمن لم يمت في مكانه في مكة مات في الطريق وجعلهم الله تعالى عبرة لمن اعتبر . فسمي هذا العا م ب(عام الفيل ) وفي هذا العام ولد الحبيب المصطفى بعد شهرين من واقعة الفيل . بن عمرو المكنى ( هاشم) وذرية الحبيب المصطفى لا تزال تسمى الاسر ة الهاشمية نسبة الى هاشم جد ابيه والذي كنيته غلبت اسمه فقيل عبد المطلب بن هاشم وسبب هذه الكنية ان هاشما كان اعظم اهل زمانه فهو رجل عظيم الشأ ن في قومه فقد كان يؤوي الضيف والجائع والمسكين و يطعم الحجيج في المواسم حيث كان يهشم الخبز ويثرده في مرق اللحم ثم يتركه للناس ليأكلوه فكني ( هاشم ) وكان يلقب بمطعم الناس في السهل ومطعم الوحش والطير في الجبل . وهاشم هو الذي سيّر الرحلتين التجاريتين ( رحلة الشتاء والصيف ) فكانت رحلة الشتاء الى اليمن ورحلة الصيف الى الشام تبعا للظروف المناخية ووجود المواد التجارية في هذين المصرين في هذه المواسم . ابن عبد مناف بن (قصي) وقصي اسمه ( زيد) وزيد اول من جمع قريشا في مكة واسكنهم فيها حول الكعبة بعد ان كانوا خارج مكة وفي اطرافها و ضواحيها وهو اول تولى الكعبة من قريش فكانت له سدانتها وحجامتها فكان الامر اليه فيها و بيده مفا تيح الكعبة يفتح لمن يشاء ومتى يشاء ويمنع من يشاء وقد انشأ فيها السقاية وهو ماء عذ ب يخلط فيه نبيذ التمر او نبيذ العسل او نبيذ الزبيب . كان يعده في احواض من الاديم يشربه الحجيج اثناء حجهم الكعبة و انشأ الرفادة : وهو طعام يصنع للحجاج في موسم الحج وكان قصي قد بنى قرب الكعبة وقيل في شمالها دارا اسماها (دار الندوة ) وهي دار مجلس شورى قريش يجتمعون فيها لمدارسة امورهم - وبلدهم كان مركزا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا لهم - فكانت كل الامور تتم فيها ومن خلالها حتى عقود النكاح والزواج وكان قصي بيده القيادة واللواء فلا تقام الحرب ولا تعقد رايته الا بامره فهو صاحب الراي والمشورة والكلمة المسموعة في قومه . اما قبيلته صلى الله عليه وسلم فهي قبيلة قريش المشهود لها بالشرف الرفيع والمجد المؤثل والقداسة والرفعة بين سائر القبائل العربية . وقريش لقب ل( فهر بن مالك) او قيل ( للنضر بن كنانة ) وكلاهما من آباء النبي محمد صلى الله عليه وسلم . ************************* شذرات من السيرة النبوية المعطرة 2 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله كنت قد تحدثت في الحلقة السابقة عن نسبه صلى الله عليه وسلم واليوم نتحدث عن ولادته الى مبعثه . فاقول وبالله التوفيق توفى والده عبد الله بن عبد المطلب وزوجته امنة بنت وهب لازالت حاملا فيه لم تلد . ولد النبي صلى الله عليه وسلم صباح يوم الاثنين التاسع من شهر ربيع الاول من عام الفيل أي في عام| 571 ميلادية وقيل في الثاني عشر منه وهو الاشهر وقالت قابلته وهي الشفاء بنت عمرو لما وضعته امه وخرج الى الحياة ( خرج نور منها لحظة خروجه أضاءت له الدنيا وحتى قصور الشام ) وكان موضع ولادته بشعب بني هاشم بالقرب من البيت الحرام واليوم حدد موقعه عند المكتبة العامة بجوار المسجد الحرام كما رأينا في زيارتنا للموقع حيث وجدنا لافتة مكتوب عليها ( هنا ولد النبي محمد صلى لله عليه وسلم ) . وفي مولده المبارك نحتفل كل عام وهذه بعض ابيات من احدى قصائدي في ذكرى مولده انا نذرنا رؤى الايمان عابقة فالقلب معدنها الهادي له خشعا لاخير غير الذي تروى منابقه من قاع بحر الهدى اصلا ومفترعا لسنا نهاب الدهر والاحسان رائدنا منذ الطفولة والايمان قد رضعا عفووعفو وهذا جل من حلم من سيدي المصطفى للعالمين رعا عشقا لكم سيدي لا شكوى ولا الم ومن سواك بمن يهواه قد رجعا نبي له في رحاب الله ارفعها من سدرة خصها الرحمن منتجعا كل المروآت من قرآنه انبثقت ومن سناه تجلى النور فارتفعا اكرم بفضلك فالايمان مؤتلق سمحا ويزجي السنى ا لاتي وقد جمعا اجلال فضلك باسم الله محتسبا قد استنرت بنور الحق فالتمعا وكنت نور الهدى شوقا علا امل وكم زينم بناار الكفر قد قبعا اكرم فديت فؤادا ساكنه في لبه حبكم مذ صيغ قد صنعا يا سيدي يا رسول الله معذرة ان تاه قلبي في حبكم فقد ولعا اجلال فضلك باسم الله محتسبا قد استنرت بنور الحق فالتمعا وكنت نور الهدى شوقا علا امل وكم زينم بناار الكفر قد قبعا اكرم فديت فؤادا ساكنه في لبه حبكم مذ صيغ قد صنعا يا سيدي يا رسول الله معذرة ان تاه قلبي في حبكم فقد ولعا اكرم فقلبي قد هاجت هواجسه قد آسر النفس مزهوا بما دفعا ارسل الى جده ببشارة ولادته صلى الله عليه وسلم فحضر مسرورا فأخذه باحضانه ثم ذهب به الى الكعبة وادخله فيها فشكر الله وسماه محمدا ليكون محمودا في السماء ومحمودا في الارض. ارضعته بعد امه مولاة ابي لهب عمه ( ام ثويبة ) بلبن ابنها مسروح فهو اخوه من الرضاعة وقيل انها ارضعت قبله عمه الحمزة بن عبد المطلب وارضعت بعد ه ابا سلمة بن عبد الاسد المخزومي . فاعتقها ابو لهب استبشارا بولادته صلى الله عليه وسلم . من عادة العرب يرضعون اولادهم في البادية خوفا عليهم من الامراض وكثرتها في المدن و لتقويم ألسنتهم واشتداد سواعدهم . وقد جاءت النسوة من البوادي لرضاعة اولاد الذوات من مكة فعرض عليهن محمد الا انهن لم يأ خذنه لكونه يتيما . ثم أخذته حليمة السعدية بعد ان لم تجدا رضيعا لترضعه فارضعته مع اولادها من الحارث وهم كل من ( عبد الله وانيسة والشيماء ) لهذا فقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم اخوة من الرضاعة وهم ( عمه الحمزة بن عبد المطلب ومسروح وابو سلمة بن عبد الاسد المخزومي وعبد الله و انيسة و الشيماء اولاد الحارث الا سدي ). و حليمة هي بنت ابي ذؤيب عبد الله بن الحارث زوجة الحارث بن عبد العزى السعدي . ا لحارث زوج حليمة كان معيلا وحالته المالية ضعيفة جدا وكان جدب قد الم بالناس شديد وكان قد جاء مع زوجته ومعهما دابة من الحمير( اتان ؟) بطيئة لاتقوى على السير لهزالها وناقة لا تدر قطرة من لبن ومعهما ولدهما عبد الله صغيرا يبكي ويتضور جوعا . فلما أخذت حليمة محمدا صلى الله عليه وسلم للرضاعة ووضعته في حجرها در حليبها فأرضعته حتى أشبعته ثم أرضعت ابنها فناما بعد شبعهما . وتقدم الحارث الى ناقتهما فحلبها فدرت لبنا كثيرا خالصا سائغا للشاربين فشربا منه حتى شبعا . ببركة هذا الرضيع صلى الله عليه وسلم . ولما عادا الى ديارهما - وكانا في آخر العير عند مجيئهما لهزال الدابة والناقة وضعفهما - اصبحا في اول العير ولم تستطع العير ان تحلق بهما لسرعة سير الدابة والناقة. ولا زالا في نعيم وخير وفير حتى اكتملت مدة الرضاعة وهي سنتان فقد فطمته مرضعته بعد ان اشتد وقوي في هذه المدة وجاءت به الى امه وكانت قد رغبت في أعادته معها ديار بني سعد ورجت والدته امنة بنت وهب ان تعيده معها حتى يغلظ ويشتد ساعده وأنها تخاف عليه من وباء في مكة فرضيت والدته فرجعت حليمة به الى بيتها وبقي عندها سنتين اخرتين . الا انه حدث حادث قلب كل الموازين فقد جاء عن انس بن مالك رضي الله عنه - ان جبريل عليه السلام اتى النبي محمدا صلى الله عليه وسلم وهو يلعب مع الصبيان فأخذه ثم صرعه وشق صدره فاستخرج قلبه واخرج منه علقة ثم غسله بماء زمزم في طست من ذهب ثم أعاده الى موضعه . فهرع الصبيا ن الى امه حليمة ( مرضعته ) فاخبروها ان ابنها محمدا قد قتل . فاتجهوا اليه مسرعين فاستقبلهم منتقع الوجه متغيرا واخبرهم بالخبر. فخاف عليه زوجها وأعاده الى امه . ذهبت به والدته امنة بنت وهب الى اهلها اخواله في يثرب وبقيت في ضيافتهم شهرا ثم عادت الى مكة وقبل ان تصل مكة مرضت وهي في الطريق فتوفيت في منطقة يقال لها ( الابواء ) ودفنت هناك . هكذا اصبح يتيم الاب والام ثم عاد به جده عبد المطلب الى مكة صحبة خادمة امه ( ام ايمن ) . عاش في كنف جده عبد المطلب فكان له الاب والجد وسهر على تربيته كثيرا وكان يتصور او يعتقد في نفسه ان ولده محمدا صلى الله عليه وسلم سيكون له شأن كبير في المستقبل لنباهته الا انه توفي جده وعمره ثمانية اعوام . فكفله عمه ابو طالب شقيق والده وكا ن قليل المال كثير العيال فبارك له في رزقه وعياله . ولما اراد ابو طالب ان يتاجر الى الشام كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثانية عشرة من عمره وقيل اكثر بقليل رغب في الذهاب معه فاخذه الى الشام .حتى اذا وصلت القافلة الى ( بصرى ) وهي مدينة اثرية تقع على مشارف بلاد الشام خرج لهم الراهب ( بحيرا ) واخذ النبي صلى الله عليه وسلم في يده وقال ( هذا سيد العالمين هذا رسول الله هذا يبعثه الله رحمة للعالمين ) فتعجب من بالقافلة من قوله فقال لهم ( انكم حين اشرفتم من العقبة لم يبق حجر ولا شجر الا خر ساجدا ولا يسجدان الا لنبي واني اعرفه بخاتم النبوه في اسفل غضروف كتفه مثل التفاحة وانا نجده مكتوبا في كتبنا ) وأ لتفت الى عمه ابو طالب ورجاه ان يرده ولا يقدم به الى الشام خوفا عليه من اليهود . فأرجعه عمه الى مكة . ولما كان في العشرين من عمره شهد حرب الفجار التي دارت في سوق عكاظ ثم شهد حلف الفضول وهو حلف قام في دار عبد الله بن جدعان تعاقدت فيه قريش وتحالفت ( على ان لا يجدوا في مكة مظلوما الا ترد اليه مظلمته ) عرف النبي محمد بالصدق والامانة والعفة والخلق القويم وبهذا احبه الناس وأسموه ( الامين ) وعلى هذه الخصال ارسلت اليه خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وكانت افضل نساء مكة واكثرهن مالا وعرضت عليه ماله ليخرج للتجارة فيه الى الشام فوافق على ان يذهب معه غلامها ( ميسرة ) فذهب به الى الشام فربحا ربحا كثيرا . فلما رجع ورأت أمانته والبركة على يديه وحدثها غلامها ( ميسرة ) عن خلقه وفضائله طلبته زوجا لها فرضي بذلك فخطبها من عمها فزوجها له وتم زواجه بها بعد عودته من التجارة بشهرين وكان في الخامسة والعشرين من عمره. اما هي فكانت اكبر منه سنا فقد قيل انها تكبره بثلاث سنوات وقيل بخمس عشرة سنة وكانت تزوجت قبله مرتين وقد سعدت بهذا الزواج سعادة فاضلة غبطها عليها الاخريات وقد انجبت له كل اولاده الا ابراهيم كان من مارية القبطية فقد انجبت له ولدا اسماه ( القاسم ) واربع بنات ( زينب ورقية وام كلثوم وفاطمة ) وقد توفي القاسم وابراهيم صغارا والاناث ادركن النبوة واسلمن وهاجرن الى المدينة ثم توفين في حياته ايضا ا لا فاطمة فقد توفيت بعد وفاته صلى الله عليه وسلم بستة أشهر . في عام \ 606 ميلادية تعرضت الكعبة الى سيل جارف فتصدع جدرانها مما حدى بقريش ان تجدد بناءها وقد خصص لكل قبيلة جزءا يقوم ببنائه وشارك في البناء السادة والاشراف وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل الحجارة في بنائها مع عمه العباس واشترطو ا ان لا يدخل في بنائها مال حرام . فضاقت نفقة البناء ولم تكفي عن اتمامها على ما بناها ابراهيم وابنه عليهما السلام فاضطروا الى ترك قسم منها من جهة الشمال قدّر بستة اذرع أي ما يقارب ثلاثة امتار فقد بني جدار قصير عليه ليكون علامة ان هذا الجزء من الكعبة . ولا يزال لحد الان وهو المسمى بالحجر او الملتزم . وقد رزقنا الله تعالى بفضله واحسانه الصلاة فيه عشرات المرات والحمد لله . ولما وصل البناء الى ارتفاع متر ونصف تقريبا وهو ارتفاع موضع الحجر الاسود فاختلف رؤساء واشراف قريش فيمن يكون له الفضل في وضع الحجر الاسود في مكانه وتوقف العمل واستمر الخلاف عدة ايام وكا د يتطور على اقتتال بينهم الا ان رجلا منهم ( ابو امية بن المهير ة المخزومي ) وكان اكبرهم سنا اقترح عليهم ان يحكموا فيه اول رجل عليهم يدخل باب المسجد فرضي الجميع . فكان النبي صلى الله عليه وسلم اول الداخلين . ففرحوا وهتفوا ( هذا الامين رضيناه هذا محمد ) فلما اخبروه الخبر اخذ رداءا ووضع الحجر الاسود فيه و امرهم ان يمسك كل واحد منهم بطرف الرداء ويرفعوه سوية فرفعوه فاخذه النبي صلى الله عليه وسلم بيده الشريفه ووضعه في مكانه . هكذا حسم النزاع بفضله صلى الله عليه وسلم وسداد رأيه قد حفه الله تعالى بالحفظ والرعاية والصدق والشجاعة والحكمة والعفاف والغني والحلم والحياء والقناعة والتواضع وكل الخصال الحميدة صلوات الله وسلامه عليك ياحبيبي يارسول الله . **************************** شذرات من السيرة النبوية المعطرة 3 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله : تغيرت الاحوال الفكرية والنفسية للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كلما تقدم به العمر وخاصة في السنوات الثلاث قبل ان يبلغ الاربعين اذ اشتد به القلق وهو يرى قومه يعبدون الاصنام في الكعبة المشرفة اذ لم يسجد لصنم منها واخذ رغب بالخلوة والانقطاع لنفسه والتفكر فيما يراهم يعملون ولا يقره وبدأ يفكر في قرارة نفسه بايجاد سبيل لذلك. و تزداد هذه الرغبة كلما تقدمت به السن . فأخذ بالخلوة والتفكر فيه ثم أخذ ت خلوته تطول عندما بنفسه في غار حراء في جبل عال على بعد ميلين عن مكة - وقد وقفنا والحمد لله تحت اقدام هذا الجبل ويسمى الان ب(جبل النور ) وشاهدنا مكان الغار فيه وهو بارتفاع شاهق وقد قرأت من صفاته ان الغار يقع بجنب قمته اسفل منها ولا يمكن الدخول اليه الا بالصعود الى القمة والنزول من القمة اليه وطوله اربعة امتار بعرض مقداره متر ونصف تقريبا . وكان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في السنوات الثلاث قبل مبعثه يتعبد في هذا الغار على دين ابراهيم الخليل عليه السلام – دين التوحيد ويخلو فيه - في كل سنة شهر واحد - في رمضان - ثم ينصرف الى بيته. وكانت تبدأ عليه الرؤيا من نومه فكانت رؤياه صحيحة . فلما اكمل الاربعين من العمر بدأت تباشير النبوة تظهر عليه فبينما كان يتعبد في غار حراء في شهر رمضان من هذا العام نزل عليه الملك جبريل عليه السلام فقد جاء في الاثر ان الرسول الكريم قال فلما جاء الملك اليه فقال له: - اقرأ - قال: ما انا بقارئ – فاخذه فغطه حتى أجهده ثم أرسله مرتان ثم قال له: - ( اقرأ باسم ربك الذي خلق.* خلق الانسان من علق .* اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم * علم الانسان ما لم يعلم *) سورة العلق 1-5. فكان هذا بداية نزول الوحي بالقران الكريم . فرجع الرسول صلى الله عليه وسلم الى بيته مرتجفا خائفا فدخل على زوجته خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وهو يقول : --زملوني زملوني . فزملته حتى ذهب روعه و استقرت نفسه الشريفة فقص عليها ما حدث اليه فاخذته الى ابن عمها ( ورقة بن نوفل) فقص عليه القصص فبشره ( ورقة ) بالنبوة . وكان ذلك في اواخر شهر رمضان قال تعالى : ( شهر رمضان الذي انزل فيه القران للناس وبينات من الهدى والفرقان ) البقرة الاية \ وفي ليلة من افضل لياليه . قال تعالى : ( انا انزلناه في ليلة مباركة انا كنا منزلين . فيها يفرق كل امر حكيم . امرا من عندنا انا كنا مرسلين . رحمة من ربك انه هو السميع العليم. ) الدخان الايات \ 3-6 فبوركت هذه الليلة فهي ليلة مباركة وبورك الشهر الذي فيه هذه الليلة فقيل شهر -رمضان المبارك - وسميت هذه الليلة ب (ليلة القدر) قال تعالى: ( انا انزلناه في ليلة القدر.* وما ادراك ما ليلة القدر.* ليلة القدر خير من الف شهر.* تنزل الملائكة والروح فيها باذن ربهم من كل امر.* سلام هي حتى مطلع الفجر.*) سورة القدر كاملة وفيها يؤكد الله سبحانه وتعالى وبصيغة الجمع وهي صيغة تدل على عظمة الله تعالى وقدرته ان الله تعالى انزل القران الكريم في ليلة القدر وهي ليلة مباركة باركها الله تعالى بنزول القران الكريم وباركها بان جعلها احدى ليالي شهر رمضان المبار ك وهذا الشهر باركه فيها ولأجلها وباركها بأن فضلها على كل ليالي الاشهر والسنين فجعلها خير من الف شهر وباركها وفيها تكتب ارزاق العباد وآجالهم وامور اخرى ذكرها علماء التفسير وقد سميت ليلة القدر بمعنى ليلة الشرف او ليلة التقدير تقدر فيها الامور المستقلبية للانسان وغيره من المخلوقات وقيل ان امور كل سنة من السنين تقدر في هذه الليلة المباركة و روي ان شخصا من بني اسرائيل حمل سلاحه في سبيل الله الف شهر وذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتعجب من ذلك وتمنى ذلك الاجر لأمته فقال: – يارب جعلت امتي اقصر الامم اعمارا وأقلهم اعمالا – فاعطاه الله تعالى له ولأمته ليلة القدر فهي خالصة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم باقية فيهم الى يوم القيامة . انزل فيها القران الكريم من اللوح المحفوظ في السماء السابعة الى بيت العزة في السماء الدنيا جملة واحدة في ليلة القدر ثم انزله جبريل عليه السلام ايات ايات منجما على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من يوم مبعثه الى يوم وفاته وانها ليلة شريفة ازدانت بشرفها ليالي رمضا ن المبارك وانها ليلة تتنقل بين الليالي في رمضان فقد تكون في اوله وقد تكون في اخره وقد ذكر علماء الحديث ورجا ل الصحاح منهم احمد والبخاري ومسلم والترمذي رضي الله عنهم جميعا نقلا عن عائشة ام المؤمنين رضي الله عنها ان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قال: –( تحروا ليلة القدر في العشر الاواخر من رمضان وانها في وتر -أي قد تكون في ليلة 21 او 23 او 25 و27 او 29 من رمضان وانها في ابهام من هذه الليالي لترغيب المسلمين في احياء ليالي رمضان المبارك كلها في سبيل الظفر بها لأن عبادتها خير من الف شهر أي ما يعادل ثلاث وثمانين سنة . ونقل صاحب الطريقة الطحاوية في كتاب حواشي الدر المختار عن بعض علماء الشافعية ان افضل الليالي ليلة مولد النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليلة القدر ثم ليلة الاسراء والمعراج ثم ليلة عرفة ثم ليلة الجمعة ثم ليلة النصف من شعبان ثم ليلة العيد . وقد وجدت في بعض الكتب ان هذه الليلة المباركة كانت ليلة الاثنين الحادي والعشرين من رمضان المبارك يقابله اليوم العاشر من شهر ا ب ( أغسطس ) من سنة\ 610 والله تعالى اعلم . ومضت ايام بعد هذه الليلة ولم ينزل الوحي فيها هدء روعه وسكنت نفسيته وارتاحت سريرته وكان خلالها في استمرارية التعبد في غار حراء حتى اذا كان اليوم الاول من شوال أي بعد تسع ايام منن نزول الوحي على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم اول مرة وبينما كان الحبيب المصطفى ينزل من غار حراء الى الوادي . ويتحدث الرسول الكريم عن هذه الحالة مع نفسه فيقول: - ( فلما استبطنت الوادي – نوديت فنظرت عن يميني فلم ار شيئا ونظرت شمالي فلم ار شيئا ونظرت امامي فلم ار شيئا ونظرت خلفي فلم ار شيئا فرفعت راسي فرايت شيئا فاذا الملك جاءني جالس على كرسي بين السماء والارض فجئشت منه رعبا حتى هويت الى الارض فاتيت خديجة فقلت زملوني زملوني دثروني وصبوا على ماء باردا ) فدثروني وصبوا علي ماءا باردا فنزلت هذه الايات: ( يا أيها المدثر* قم فانذر* وربك فكبر * وثيابك فطهر* والرجز فاهجر*ولا تمنن تستكثر * ولربك فاصبر*) المدثر الايات\1-7 وهذه الايات - من خلال دراستها وتفسيرها- كانت اول بداية الامر بالدعوة الى عبادة الله تعالى وتحذر الناس من عذاب الله في حالة استمرارهم عبادة الاصنام والاوثان . فقام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بالدعوة الى الله تعالى سرا اذ ان قومه كانوا يعبدون الاصنام والاوثان جفاة وانهم كانوا يعبدون ما عبد آباؤهم من قبل وكانوا يشعرون بالانفة والعزة والمكابرة ولا يذلون لشيء واغلب مشاكلهم يحلونها بالسيف والقتال وهذا خلاف ما جاء به الاسلام اوجاء به محمد صلى الله عليه وسلم لذا بدء بالدعوة للاسلام من يعرف انه من ذوي الخير وحب الحق وتطمئن اليه نفسه الشريفة ويبدا با هله وذويه واصدقائه واقاربه . فاسلمت زوجته خديجة بنت خويلد فكانت اول المسلمين ثم امن به ابو بكر الصديق وهو الصديق الودود و الحميم اليه وامن به علي بن ابي طالب وهو ابن عمه وكان في بيته وبكفالته ثم امن به زيد بن حارثة وزيد بن حارثة كان يسمى زيد بن محمد وذلك ان زيدا لما كان طفلا صغيرا اسر او سرق وبيع في ايام الجاهلية فاشتراه حكيم بن حزام . ثم وهبه الى عمته خديجة بنت خويلد فلما تزوجها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وهبته اليه. ولما جاء والده وعمه يبحث عنه ويرجوه الى يعيده لهما . دعا الرسول الكريم زيدا وخيره بين ذهابه مع ابيه وعمه وبين بقائه عنده فاختار بقاءه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عندئذ اخذ الحبيب المصطفى بيد زيد وذهب الى الملا من قريش وقال لهم اشهدوا ان هذا زيد هو ابني وارثا وموروثا فدعته قريش – زيد بن محمد - فكان رابع من ا من بالرسول الكريم واعلن اسلامه وكان هؤلاء قد اعلنوا اسلامهم يوم واحد . ثم اصبحوا يدا مساعدة للنبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة سرا الى الاسلام وخاصة ابو بكر الصديق فاسلم عددا من رجال قريش منهم ( عثمان بن عفان . عبد الرحمن بن عوف. الزبير بن العوام . طلحة بن عبيد الله . سعد بن ابي وقاص . ابو عبيدة الجراح . الارقم بن ابي الارقم . ابو سلمة بن عبد الاسد وزوجته وغيرهم كثير ) وكان هؤلاء هم الرعيل الاول من المسلمين . وبقي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ثلاث سنوات دعوته للاسلام سرية ولم يجهر بها الا ان دعوته صارت معلومة لدي القرشيين في مكة ولم تكن معارضتهم لها ذات اهمية لكون الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم خلال هذه الفترة لم يتعرض لمعتقادتهم الدينية ولم يتحدث عن آلهتهم واصنامهم الا انه اصبح له اصحاب صالحين وطيبين واشداء من قريش ومن غيرها ومن بينهم من هو خيرة رجالها مثل ابو بكر الصديق وعثمان بن عفان الاموي و الزبير بن العوام وغيرهم . وهذه الحالة تدلل على صبر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مستمدا ذلك الصبر من كلام الله تعالى الذي نزل عليه . ( ولربك فاصبر ) . المدثر \ 7 ********************************** شذرات من السيرة النبوية المعطرة 4 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله : قلت في الحلقة الثالثة ان النبي صلى الله عليه وسلم بقي ثلاث سنوات صابرا في دعوته و سريتها وانفراديتها اذ دخل في الاسلام اعداد من قريش ومن غيرها وصارت دعوته معروفة في قريش وقد تعرض بعض المؤمنين للاعتداء ولربما للتعذيب الا انهم لم يبالوا وخلال هذه الفترة كانت قد تهيأت لها الظروف والاجواء المناسبة لأ ظهارها علنية ونزل من القرآن الكريم ما يوضح السبيل امام الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في كيفية الدعوة وانجاحها . قال الله تعالى ( وانذر عشيرتك الأقربين * واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين* فان عصوك فقل اني بريء مما تعملون* ) الشعراء 214-216 . فتوجه النبي صلى الله عليه وسلم الى بني هاشم وبعض بني المطلب في اول الدعوة علانية وخطب فيهم فحمد الله تعالى وتشهد بالشهادتين ( اشهد ان لا اله الا الله وان محمد رسول الله ) وقال : -( ان الرائد لا يكذب اهله . والله لو كذبت الناس جميعا ما كاذبتكم ولو غررت الناس جميعا ما غررتكم والله الذي لا اله الا هو اني رسول الله اليكم خاصة والى الناس كافة . والله لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون ولتحاسبن بما تعملون ولتجزون بالاحسان احسانا وبالسوء سوءا وانها الجنة ابدا او النار ابدا ) . وكان كل الحضور تكلموا بكلام طيب الا ابو لهب فقد تكلم بشدة لمنعه من مواصلة الامر غير ان ابا طالب عمه أيده ووقف بوجه كل من يحاول صده . و كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يطوف في الكعبة المشرفة ويصلي في المسجد الحرام على مسمع ومرأى من كل القرشيين . وما هي الا ايام من اجتماع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم باقاربه حتى صعد الى اعلى قمة في جبل الصفا المجاور للبيت الحرام والكعبة المشرفة ثم وقف هاتفا ( يا صباحاه ) وهذه الكلمة كانت تعني لاهل مكة الانذار او تخبرهم بخطر يدهم مدينتهم كهجوم جيش عليها او وقوع امر عظيم فهرع اهالي مكة الى استجابة النداء وليستكشفوا الخبر من الهاتف فعلموا انه محمد فلما اجتمع الكثير اخذ ينادي او يهتف بالقبائل باسمائهم ثم خطب فيهم قائلا : - ( ايها الناس ارأيتكم لو اخبرتكم ان خيلا بالوادي بسفح هذا الجبل تريد ان تغير عليكم اكنتم مصدقي)؟ اجابوا : نعم ما جربنا عليك الا صدقا . فقال صلى الله عليه وسلم : ( فاني نذير لكم بين يدي عذاب شديد . انما مثلي ومثلكم كمثل رجل رأى العدو فانطلق يربأ اهله فخشي ان يسبقوه فجعل ينادي ياصباحاه . يامعشر قريش اشتروا انفسكم من الله انقذوا انفسكم من النار فاني لا املك لكم ضرا ولا نفعا ولا اغني عنكم من الله شيئا ) ثم اخذ ينادي على القبائل والبيوتات الحاضرة وغير الحاضرة باسمائهم : - ( يابني.... انقذوا انفسكم من النار) حتى انتهى بنداء اقاربه باسمائهم ( ياعباس بن عبد المطلب لااغني عنك من الله شيئا ياصفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله لا اغني عنك من الله شيئا يافاطمة بنت محمد رسول الله سليني بما شئت انقذي نفسك من النار لا اغني عنك من الله شيئا ) ثم توجه الى الجميع فقال: - ( غير ان لكم رحما سابلها ببلالها)- أي ساصلها حسب حقها. بهذا يكون قد انذر القريب والبعيد من القرشيين في مكة ومن معهم انذارا عاما وعلنيا . و بدء النبي صلى الله عليه وسلم يجاهر في دعوته ويدعو الناس الى الاسلام ويتلو عليهم مانزل عليه من القران الكريم: - ( ياقوم اعبدوا الله مالكم من اله غيره ) ويعبد الله تعالى اما م اعينهم جهارا فلقيت دعوته قبولا ودخل في الاسلام عدد من القرشيين ومن غيرهم وكثر عدد المسلمين مما اثار الحفيظة و التباغض بينهم وبين المشركين . كان المسلمون يتعبدون في بيت الارقم بن ابي الارقم في مكة ومما يذكر ان اسلام ثلاثة اشخاص في سرية الدعوة الاسلامية وعلنيتها كان لهم اثرا كبيرا في امرالدعوة الاسلامية: - اولهم ابو بكرالصديق فقد كان من رؤساء تيم كان رجلا عفيفا كريما جوادا معظما في جاهليته عليما بانساب القبائل العربية وايام العرب ذا مال ووجاهة في قريش وكان صديقا حميما لمحمد صلى الله عليه وسلم . اسلم في اليوم الاول للدعوة الاسلامية في يوم مبعث الرسول الكريم امن به دون تردد وصدقه وكان الساعد الايمن للنبي محمد صلى الله عليه وسلم وكان يقصده الناس لعلمه وخلقه وفضله وحسن معاملته في تجارته فدعا اصدقاءه للاسلام فا من فضلاء من قريش منهم عثمان بن عفان الاموي و عبد الرحمن بن عوف الزهري وسعد بن ابي وقاص والزبيربمن العوام و طلحة بن عبيد الله التيمي فقد اتى بهم الى النبي واسلموا جميعا. وثانيهما حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله واخيه من الرضاعة واعز فتى في قريش واشجعهم واقواهم كان اسلامه فضل من الله تعالى ودون قصد منه فقد روي ان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كان عند جبل الصفا فمر به ابو جهل فاذاه ونال منه وقيل اخذ حجرا بيده فضربه فشج راسه ونزف دم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم . ثم ذهب الى نادي قريش بجوار الكعبة المشرفة . وكانت ترقب الحالة مولاة عبد الله بن جدعان عن كثب من فوق سطح الدار فآلمها الامر . فلما مر الحمزة وكان مقبلا من الصيد وبيده قوسه خرجت اليه واخبرته الامر كله فذهب الحمزة يبحث عن ابي جهل حتى جاء اليه في النادي فشتمه قائلا له: - اتشتم ابن اخي وانا على دينه ؟؟ ثم ضربه بالقوس بيده فشجه شجا عميقا . فكان لسانه قال( وانا على دينه دون قصد) ثم شرح الله تعالى صدره للاسلام فاسلم . وكا ن اسلامه في السنة السادسة من مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم . اما الاخر فهو عمر بن الخطاب. كان فتى فتيان قريش شجاعا ذا شكيمة لا يهاب احدا وكان شديد ا على المسلمين قبل اسلامه قيل انه في ليلة من الليالي سمع سرا بعض ايات القران الكريم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في الكعبة المشرفة فوقع في قلبه ان ماقرأه حق . وفي احد الايام خرج متشوحا بسيفه قاصدا قتل الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فلقيه رجل من معارفه فقال له اين انت ذاهب ياعمر فقال له : - ذاهب لاقتل محمدا . - قال له : - وكيف تأمن بني هاشم ان قتلت محمدا - فرد عليه عمر: - مااراك الا قد صبوت - قال له - الا اخبرك باعجب من ذلك ؟ - قال له عمر : - وما ذاك؟؟ - قال : - اختك وزوجها قد صبأوا . فتركه عمر وسار الى بيت اخته ليرى صحة ذلك . وكان عندهما خباب بن الارت يعلمهما القران الكريم فلما سمع صوت عمر اختبأ في البيت وسترت اخته الصحيفة التي فيها آيات القران الكريم فلما دخل عمر البيت قال : - ماهذه الهينمة التي سمعتها ؟ قالت اخته وزوجها : - كنا نتحدث فيما بيننا . قال لهما - فقد قيل لي انكما صبوتما . فقال له زوج اخته -ارايت ان كان الحق في غير دينك؟ فوثب عليه عمر وطرحه ارضا فجاءت اخته لترفعه عن زوجها فضربها على وجهها فأدماها فقالت له وهي غاضبة: - ياعمر ان كا ن الحق في غير دينك ؟– اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله. ندم عمر وخجل من اخته على ما فعل فيها وقال: - اعطوني الذي عندكم لأقرأه قالت له اخته: - انك رجس و الذي عندنا لا يمسه الا المطهرون فقم واغتسل وسنعطيكه . فاغتسل عمر ثم تناول الصحيفة وقرا فيها : ( بسم الله الرحمن الرحيم (. طه * ما انزلنا عليك القران لتشقى – الى قوله (انني انا الله لا اله الا انا فاعبدني واقم الصلاة لذكري* ... ) اربعة عشرة اية من سورة طه \1- 14 فقال ما احسن هذا الكلام واكرمه ؟ دلوني على محمد. عند ذلك خرج خباب من مخبئه فقال له: - ابشر ياعمر فاني ارجو ان تكون دعوة الرسول صلى الله عليه ا جيبت . وكا ن النبي صلى الله عليه وسلم قد دعا في ليلة الخميس: - اللهم اعز الاسلام بأحد الر جلين اليك : بعمر بن الخطاب او بأبي جهل بن هشام - وذكر له الخباب ان النبي صلى الله عليه وسلم موجود في دار الارقم بن ابي الارقم . فقصد عمرالدار ولما وصل ضرب الباب فأطل رجل من ثقب فيها فرأى عمر بن الخطاب متوشحا سيفه فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم وابلغ المسلمين بذلك فقال الحمزة عم النبي : - مالكم ؟؟ . قالو ا : عمر فقال : افتحوا الباب فأن كان يريد خيرا بذلناه وان كان يريد شرا قتلناه بسيفه. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجرة فجذب عمرا جذبة آخذا بمجاميع ثوبه وسيفه قائلا : اما تنتهي ياعمر ثم قال : اللهم هذا عمر بن الخطاب اللهم اعز الاسلام بعمر . فقال عمر بن الخطاب: اشهد ان لااله الا الله واشهد انك رسول الله . فكبر كل من في الدار تكبيرة بصوت عال سمعها من بالمسجد الحرام . وكان اسلامه بعد اسلام الحمزة بثلاثة ايام . وبعد اسلامه ذهب الى اشد الناس كراهة للمسلمين فذهب الى ابي جهل فقال له: - جئت لاخبرك باني امنت بالله وبرسوله محمد. وذهب الى جميل بن معمر الجمحي فاخبره باسلامه فنادى جميل باعلى صوته : ان عمر صبا فقال عمر لمن سمعه: كذب لكنني اسلمت وذهب الى خاله العاصي بن هاشم فاخبره باسلامه ثم دارت معركة بينه وبين عدد من المشركين فقاتلهم. كان المسلمون يصلون سرا فلما اسلم الحمزة وتبعه بثلاثة ايام عمر بن الخطاب فقال عمر للنبي محمد صلى الله عليه وسلم : - يارسول الله ألسنا على الحق ان متنا وان حيينا ؟ قال الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم :( بلى) - فقال عمر : - ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لنخرجن . فخرج المسلمون في صفين احمدهما يتقدمه الحمزة والاخر يتقدمه عمر بن الخطاب حتى دخلوا المسجد الحرام واصبحت الدعوة الاسلامية من ذلك اليوم علنية وجهرية . ********************* شذرات من السيرة النبوية المعطرة 5 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله : كنت قد بينت في الحلقة الرابعة انه حصل بين المسلمين والمشركين في مكة تباغض وتباعد و لما كثر عد د المسلمين واصبح لهم كيان اخذ يزداد او يكبر يوما بعد يوم . وزاد هذا التباغض استمرار النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته واجهاره بها في نواديهم وامكنة تواجدهم حيث كان يتلو عليهم القران الكريم ويدعوهم للدخول في الاسلام( ياقوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره ) ويعبد الله علانية ويصلي في المسجد الحرام علانية . وقد ازداد هذا النتاحر عندما خرج المسلمون من دار الارقم بن ابي الارقم في صفين على راس احدهما الحمزة وعلى راس الا خر عمر بن الخطاب ودخلوا المسجد الحرام يطوفون حول الكعبة . وكان قد قرب موعد موسم الحج - حيث كانت العرب تحج البيت الحرام وتطوف بالكعبة وتحضر الموسم من كل صوب وفج ومن كل القبائل القريبة والبعيدة - لذا اجتمع ملأ من قريش في دار الوليد بن المغيرة -وكان الوليد شيخا طاعنا في السن ذا شرف ومقام معروف بينهم- يتدارسون امر الحج وامر الدعوة الاسلامية وما يفعلونه ازاءها . فقال لهم: - يامعشر قريش انه قد حضر هذا الموسم وان وفود العرب ستقدم عليكم فيه وقد سمعوا بامر صاحبكم – يعني محمد صلى الله عليه وسلم – فاجمعوا فيه رأيا واحدا ولا تختلفوا فيكذّب بعضكم بعضا . فتحيروا ماذا سيقولون في امره صلى الله عليه وسلم واخذ كل منهم يقول خلاف صاحبه : كاهن . مجنون . ساحر..) فقال لهم الوليد : - والله ان لقوله لحلاوة وان عليه لطلاوة وان اصله لعذق وان فرعه لجناة وما انتم بقائلين من هذا شيئا الا عرف انه باطل وان اقرب القول ان تقولوا ساحر فقوله سحر يفرق بيم المرء وأبيه وبين المرء وأ خيه وبين المرء وزوجه وبين المرء وعشيرته . فتفرق القرشيون على هذا القول فلما حضر موسم الحج كانوا يجلسون في طرق الناس القادمين للحج ودروبهم يحذرونهم أمر محمد صلى الله عليه وسلم ويذكرونهم أمره من انه ساحر . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج الى مجاميع الحجيج ورحالهم ومنازلهم او مواقع اقامتهم ويدعوهم الى الايمان والاسلام ويقول لهم: - ( ايها الناس قولوا لا اله الا الله تفلحوا) . انتهى موسم الحج لهذا العام فصدرت العرب وعادت ادراجها وقد عرفوا امر رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتشر ذكره في كل ركن من الجزيرة العربية. قرر القرشيون ان يستمروا في الوقوف بوجه الدعوة الاسلامية فاخذوا يثيرون الشغب ويفعلون الضوضاء بحيث كلما شاهدوا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يستعد ليقوم بالدعوة لا يتركوا له فرصة للتحد ث الى الناس او قراء ة القرآن الكريم على اسماعهم الا وفعلوا ما يغير الامر ويبعدوا الناس عنه وشددوا على ذلك فقال الله تعالى فيهم: ( وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون). حتى ان بعضهم اخذ بسرد القصص للناس في منتدياتهم منهم النضر بن الحارث الذي سافر الى الشام والحيرة ليتعلم قصصا وحكايات اخذ يقصها عليهم لاجل صرف الناس عن الاستماع لرسول الله صلى الله وسلم فكان كلما سمع بمجلس يجلس فيه النبي صلى الله عليه وسلم جاء اليه واخذ يقص على الناس هذه القصص والنوادر التي سمعها وقيل انه اشترى مغنية او قينة تغني فاذا سمع ان فلانا يريد ان يدخل الاسلام اخذ تلك المغنية لتغنيه وتطعمه لاجل الا يذهب الى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فيدخل الاسلام فانزل الله تعالى فيه : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا اولئك لهم عذاب مهين ). وكانوا يعملون على تخذيل الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم والمسلمين فيتهمونه انه رجل مسحور او انه مجنون او كاهن او انه مفتر او انه ساحر بل ويسخرون منه: ( اهذا الذي بعث الله رسولا * ان كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا ان صبرنا عليها ) وكذلك يستهزؤون بالملسمين وخاصة الضعفاء منهم فاذا راؤوهم يقولون: -( جاؤوكم ملوك الارض) وقال تعالى على السنتهم: ( اهؤلاء من الله عليهم من بيننا ) وكان الرسول الكريم يضيق بهم وبما يفعلونه بالمسلمين ذرعا قال تعالى: ( ولقد نعلم انك يضيق صدرك بما يقولون) فثبته الله تعالى على الدين فانزل: ( فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين *واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) ( انا كفينا ك المستهزئين * الذين يجعلون مع الله الها اخر فسوف يعلمون ) والملاحظ ان القران الكريم قد تماشا في نزوله مع الدعوة الاسلامية في كل مساراتها في سريتها وعلانيتها ووصفها وصفا دقيقا و مسهبا فكان ينزل في كل حالة ايات من القران الكريم ليثبت الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم على دينه ويقوّي عزيمته ويشد في عضده : ( ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ماكانوا به يستهزؤون ) . وقد اثاروا الشبهات والدعايات الكا ذبة وكثفوها وتفننوا فيها فقد كانوا يقولون للقران الكريم : - احلام واوهام كاذبة تراود محمد ا اثناء الليل فيقراءها في النهار على الناس او يقولون انما يعينه على القول اخرون ( وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاؤا ظلما وزورا ) وان له شياطينا تعينه على قوله كما كان للشعراء شياطين تملي عليهم قصائدهم وتعينهم على قول الشعر . اما تعذيبهم للمسلمين تعذيبا جسديا فانه كثير فقد أوذي ابو بكر الصديق وطلحة بن عبيد الله فقد شدهما نوفل بن خويلد العدوي في حبل لمنعهما من حضور الصلاة. وكان ابو جهل اذا سمع احدا اسلم من ذوي الجاه والشرف اخزاه وأنبه وهدده بالحاق الخسار ة به وبماله وبجاهه وان كان ضعيفا ضربه مبرحا واغرى الاخرين على ضربه واهانته وعذب عثمان بن عفان حيث كان عمه يلفه بحصير من خوص النخيل ثم يدخنه من تحته . وعذب بلال بن رباح اذ كان عبدا مملوكا لأميه بن خلف حيث كان يضع حبلا في عنقه ويعطيه للاطفال يلعبون به ويضربونه او يخرجه في الحر الشديد فيرميه على الرمل المحرق او يضع على صدره صخرا كبيرا فيدعوه للكفر بمحمد وبما جاء به ويدعوه ليعبد اللات والعزى وقد مر به يوما ابو بكر الصديق وهو على هذه الحالة فاشتراه من امية بن خلف واعتقه لوجه الله تعالى . وكان خباب بن الارت ممن سبي في الجاهلية اشترته ام انمار بنت سباع الخزاعية وكان حدادا فعذبته في النار فتاتي بالحديدة الشديدة الحرارة فتكويه في ظهره لعله يكفر بمحمد وبدينه او يلوون عنقه ويجرونه من شعره او بموضع حجر كبير على صدره لا يستطيع دفعه. وكان عامر بن فهيرة يعذب شديدا حتى يفقد وعيه وعذب ايضا افلح ابو فكيهة الازدي وكان مولى لبني عبد الدار كانوا يضعونه في منتصف النهار في الحر القائض وفي رجليه الحديد ويجردونه من الثياب . وعذب عمار بن ياسر وامه وابوه عذابا شديدا فكان ابو جهل المخزومي يعذبهم عذابا شديد فيخرجهم هو واقاربه الى الابطح فاذا اشتد الحر فيعذبهم فيها وقد مر بهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال - ( صبرا ال ياسر فان موعدكم الجنة ). فمات ياسر والده في التعذيب وكذلك امه وهي ام عمار سمية بنت خياط مولاة ابي حذيفة المخزومي فقد طعنها ابو جهل بحربة في يده فقتلها لذا تعتبر اول شهيدة في الاسلام و اما عما ر فكان المشركون يلبسونه درعا من حديد ويضعون الصخر على صدره او يرمونه بالماء حتى يقول ما لا يعي فانزل الله تعالى قوله: ( من كفر من بعد ايمانه الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم ) وعذب صهيب بن سنان الرومي وعذب مصعب بن عمير حيث منعته امه من الطعام بعد اسلامه وطردته من بيتها حتى تخشف جسده . ومن النساء من عذبت ام عمار سمية بنت خياط حتى ماتت و النهدية وابنتها الا ان ابا بكر الصديق اشتراهما واعتقهما لوجه الله كما اعتق بلال و عامر بن فهيرة وقد لامه ابوه على ذلك قائلا له: ( اراك تعتق رقابا ضعافا فلوا عتقت رجالا جلدا لمنعوك ) فقال ابو بكر : (اعتقتهم لوجه الله) فانزل الله تعالى فيه قرآنا: ( وسيجنبها الاتقى * الذي يؤتي ماله يتزكى * وما لأحد عنده من نعمة تجزى * الا ابتغاء وجه ربه الاعلى * ولسوف يرضى *) فما كان من المسلمين الا ان يزدادون ايماما ويقينا وكلما زاد تعذيبهم يزدادون حرصا في اسلامهم . فلو تتبعنا الامر لوجدنا ان هناك امورا مهمة هي الاساس في خلاف المسلمين في دينهم والمشركين في كفرهم من هذه الامور: . التوحيد فالمسلمون يؤمنون بان الله الواحد الاحد والكافرون لايؤمنون والمشركون لهم اكثر من الاه ولو ان بعضهم كانوا يعرفون التوحيد على دين ابراهيم الخليل وابنه اسماعيل عليهما السلام ويعلمون انهما انبياء ارسلهما الله تعالى وكذلك ارسل موسى عليه السلام من قبل الا انهم كانوا يعبدون الاصنام والاوثان لتقربهم الى الله زلفى. لهذا كان التوحيد اصل الخلاف بينهم ولا يزال لحد الان خلافا بين الوثنية والاسلام فان بعض المشركين يقرون بوحدانية الله تعالى في ذاته وصفاته وافعاله ويعترفون بان الله هو الخلاق العظيم خالق السموات والارض وما بينهما وبيده ملكوت السموات والارض وملكوت كل شيء وهو الرزاق الذي يرزق الناس والدواب وهو المدبر لكل امر كبير او صغير وهو رب العرش العظيم وهو الذي سخر الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والانعام والجن والانس والملائكة وهو يجير ولا يجار عليه . يحيي ويميت ويفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ولا معقب لحكمه ولا راد لقضائه كما يؤمن المسلمون بذلك الا انهم يقولون : ان الله تعالى قد منح بعض عباده المقربين اليه شيئا من التصرف في امور الكون فهم يتصرفون فيه مثل دفع الضر وقضاء الحوائج والولادات من ذكر او انثى وشفاء المرضى وكانوا يقولون ان الله اعطاهم هذا لقربهم منه فهم يقضون هذه الامور عن طريق الغيب فيكشفون الكربات ويدفعون عنهم البلاء ويقربون الى الله من يرضون به ويشفعون لهم عند الله في يوم الشدة وهؤلاء هم الانبياء والصالحين فهم اتخذوهم وسيلة بين الله تعالى وعباده من ذلك انهم بنوا بيوتا وضعوا تماثيل واصناما فيها ينحتونها حسب ما يريدون في صورهم الخيالية او ينحتونها كيفما يريدون ويضعونها في هذه الابنية والضرائح الخاصة يتبركون بها ويطوفون حولها ويقومون بالاجلال والتعظيم لهذه التماثيل ويقدمون لها القرابين والذبائح والنذور وكانوا قد جعلوا لهم مواسم معينة في السنة يقصدونها لغرض التبرك والعبادة معتقدين انها تقربهم الى الله زلفى فكان هذا شركهم في نظر المسلمين في عبادتهم لغير الله تعالى فقد جعلوهم شركاء لله تعالى . ولما قام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بالدعوة الى التوحيد ونبذ كل ما اتخذوه الاها من دون الله تعالى لم يعجبهم وانكروا ذلك على المسلمين وعظّموه لهذا قرر المشركون الدفاع عن شركهم ومعتقداتهم فبعد ت بينهم الشقة وكثر الخلاف واشتد ولما ناقشهم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بهذا الامر قالوا: ( بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا ) فأفحمهم القران الكريم: ( ان الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم ) ( فادعوهم فليستجيبوا لكم ان كنتم صادقين ) ( واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يمكلكون لانفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا) ودعاهم الرسول الكريم صى الله عليه وسلم الى التفكر في الامر فبهتهم وذهبت حجتهم الا انهم أصروا على عبادتهم ذلك لان آباءهم كانوا يعبدونها . واخذ بعض الشركين يخوف النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين لاساءتهم الادب الى آلهتهم ببيان عجزها وانها ستغضب عليهم فتهلكهم . فانزل الله تعالى ايات ليثبت بها نفوس المؤمنين : ( مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وان اوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون* ) لذلك قرر المشركون العمل على تحجيم الدعوة الاسلامية وصدها ولو كان ذلك بالقوة والعنف . اما الامر الاخر فهو : الايمان برسالة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ونبوته فكان ان قالوا : - ألم يجد الله لحمل رسالته الا محمدا اليتيم المسكين . فلو كان غيره لربما آمنا به . أي لو كان الرسول عظيما من او من اكابر قريش او كبار الطائف أي من قريش او من ثقيف وهم عظماء العرب آنذاك لآمنا به فانزل الله تعالى ما يقوض امرهم: ( لولا نزل هذا القران على رجل من القريتين عظيم) يقصدون بها مكة او الطائف بقوله تعالى: ( أهم يقسمون رحمة ربك .نحن قسمنا معيشتهم في الحياة الدنيا ) ( الله أعلم حيث يجعل رسالته ) فالرسالة والنبوة رحمة من الله تعالى لعباده والله تعالى هو الذي يقسم رحمته حيث يشاء فكانت هذه الرسالة والنبوة لمحمد صلى الله عليه وسلم دون غيره من عباده . و في هذا رد قاطع لهم ودحض لشكوكهم فان رسول الله هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم أرسله لجميع البشر . اما الامر الاخر الذي اختلفوا فيه فهو: البعث من بعد الموت اذ لم يكن معروفا عندهم فتعجب الكفار والمشركون بذلك واستغربوا الامر فكانوا يقولون : ( أءذا متنا وكنا ترابا وعظاما أءنا لمبعوثون او آباؤنا الاولون ) ( قل ان الا ولين والاخرين لمجموعون الى ميقات يوم معلوم ). فبين الرسول الكريم لهم ان الله جعل الحياة من بعد الموت لكي يأخذ كل ذي حق حقه ويرد اليه ففي هذه الحياة الدنيا يموت الظالم ولم يؤخذ منه ظلمه للاخرين ويموت المظلوم وحقه باق بذمة ظالمه والمحسن يموت قبل ان يلقي جزاء احسانه وصلاحه والمسيئ يموت دون ان يعاقب على اساءته فان لم يكن هناك بعث من بعد الموت يبعث فيه الناس لما اخذ ت الحقوق لذا فالله تعالى باعث الخلق من جديد وباعثهم ليوم تشخص فيه القلوب والابصار وفي هذا اليوم العظيم تتم محاسبة الجميع كل بما فعل في الدنيا وترد المظالم الى اصحابها ويجزى المحسن باحاسنه والمسيئ باساءته . وذلك اليوم وهو يوم القيامة وقد ابطل الله تعالى عقيدتهم التي كانوا عليها فكان في هذا خلاف بينهم وبين المسلمين . فكانو ا يحسبون لهذا حسابا واخذوا يتصدون لكل من دخل الاسلام وآمن بهذه الامور بالاذى والتحوط والحذر منه . احاط الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بهالة من الشرف والوقار ما وقاه اعتداء قريش عليه وكان عمه ابو طالب سيدا مطاعا مكرما معظما في قريش وقبائل العرب وكان من ذروة بني هاشم وبني عبد مناف . تهابه الناس وتعرف له قدره وكان قد حماه وهو عمه وأحاطه برعايته فاضطر المشركون ان يتلمسوا من عمه منعه . فسار رجال من اشراف قريش الى ابي طالب يخبرونه بان ابن اخيه قد سفه دينهم وعيبه وسب الهتهم التي يعبدونها ورجوه ان يكفه عنهم وعن هذه الامور او يخلي بينهم وبينه فتلقاهم ا بو طالب بالقول الرصين المهذب وردهم ردا جميلا فانصرفوا بينما مضى محمد صلى الله عليه وسلم يظهر دين الله ويدعو لاظهاره الا ا ن قريشا لم تصبر طويلا على هذا الامر وطلبوا من ابي طالب ان يكف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تسفيه آلهتهم وشتم آبائهم والا سيحاربونه حتى هلاك احد الفريقين فعز ذلك على ابي طالب ودعا النبي صلى الله عليه وسلم ورجاه ان يحفظ عمه ومكانته في قريش ويحفظ نفسه ويترك هذا الدين فلما راى النبي صلى الله عليه وسلم عمه بهذا الموقف قال قولته الشهيرة : - ( ياعم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على ان اترك هذا الامر ما تركته حتى يظهره الله او اهلك دونه ) ثم استعبر وبكى اما م عمه فهب عمه قائلا: - ( اذهب ياابن اخي فقل ما احببت والله لا اسلمك لشيئ ابدا ) . وفي احد الايام جاء رجال من قريش الى ابي طالب يعرضون عليه امرا ومعهم شاب وسيم هو سيد شباب قريش واجملهم وانهدهم – عمارة بن الوليد – فقالوا : - يا ابا طالب خذ هذا الفتى واتخذه ولدا وسلم لنا ابن اخيك الذي خالفك في دينك ودين آبائك وفرق قومك وسفه احلامهم فنقتله - فطردهم ابو طالب قائلا : - اتعطوني ابنكم اربيه لكم واعطيكم ابني لتقتلونه اما والله لايكون هذا ابدا ما حييت . فرجعوا ناكسوا رؤسهم وقد اضمروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم حقدهم . *********************** ( شذرات من السيرة النبوية المعطرة ) 6 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله: ذكرت في الحلقة الخامسة ان المسلمين تعذبوا عذابا شديدا على ايدي المشركين والكافرين وفي هذه الحلقة ابين ما لاقاه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم من اذاهم واعتدآتهم . الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم كان سيدا ابن سيد من علية القوم واشرافهم يتمتع بشخصية فذة مهاب الجانب محترما مطاعا ذا هيبة في قلوب الناس فلما فشلت قريش في مساوماتهم مع عمه ابي طالب ويئسوا من صده عن غايته ورأوا ان المساومة والتحدي لا تنفع شيئا وحيث لم يجرؤ احد من سوقة الناس وعامتهم وضعفائهم ان يتقدم لأذي الرسول الكريم . فقد تولى أذاه والاعتداء عليه جلاميد قريش ورؤساؤهم فكان اول من آذاه عمه ابو لهب فقد آذاه وعاداه من اول يوم لظهور الدعوة الاسلامية من ذلك ان ابني ابي لهب عتبة وعتيبة كانا قد عقدا على ابنتي رسو ل الله صلى الله عليه وسلم رقية وام كلثوم . لقرابتهما من بعضهما فامرهما ابوهما ابو لهب وزوجته ام جميل من تطليقهما قائلا لهما: - راسي من راسكما حرام ان لم تطلقا بنتي محمد - وقالت زوجته: انهما قد صباتا . أي اصبحتا مسلمتين فطلقاهما . اما زوجته ام جميل وهي اروى بنت حرب فكانت قد اعلنت عداوتها للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وكانت عدوة لدودة له ولرسالته العظيمة فكانت تنقل الاحطاب ذا ت الاشواك وتلقيها في طريق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ليلا لكي يشاك ويتأذى هو واصحابه من المسلمين فيخرج الدم من ارجلهم وهم على وضوء للصلاة فيبطل الوضوء فنزلت بحقها وزوجها سورة اللهب: ( تبت يدا ابي لهب وتب * ما اغنى عنه ماله وما كسب* سيصلى نارا ذات لهب* وامراته حمالة الحطب * في جيدها حبل من مسد*) لتبشر ابا لهب وزوجته باحراقهما في نار جهنم . فلما سمعت هذه المراة بنزول السورة المباركة في حقهما وانهما في النار خالدين فيها طار صوابها . فجاء وفي يدها فهر- وهو صغار الاحجار- تبحث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا مع ابي بكر الصديق عند الكعبة المشرفة فعميت عن رؤيته ورأت ابا بكر فقالت له: - اين صاحبك فقد بلغني انه يهجوني فوالله لو رأيته لضربته بهذا الفهر , اما والله اني لشاعرة ثم انشدت : مذممنا عصينا وأمره ابينا ودينه قلينا ثم حثت ما بيدها على الارض وانصرفت . فالتفت ابو بكر الصديق الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا: يارسول الله اما تراها رأتك ؟؟ فأجابه: ما رأتني فقد اخذ الله ببصرها . اما عتيبة بن ابي لهب فقد جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم في احد الايام فقال: - انا اكفر بالذي ( دنا فتدلى* فكان قاب قوسين او ادنى*) ثم هجم على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وشق قميصه وآذاه وقيل بصق في وجهه الشريف الا ان البصاق رد الى وجهه فدعا عليه رسول الله قائلا ( اللهم ارسل عليه كلبا من كلابك ). وخرج عتيبة بعد مدة الى الشام في قافلة كبيرة فلما نزلوا في الطريق للاستراحة ليلا طاف بالقافلة اسد فقال عتيبة: - هو آكلي لا محالة كما دعا محمد علي بمكة قتلني وهو بمكة وانا بالشام . فلما اراد من بالقافلة النوم وضعوه في وسطهم وناموا فجاء الاسد فاخذه من راسه من بينهم فقتله . كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسمونه القرشيون ( مذمما ) بدلا من محمد وبذلك صرف عنه الشتيمة والكلام الفحش والسباب لانهم كانوا يسبونه بمذمم ولا يسبونه بمحمد وهذه ايضا من منن الله تعالى . اما الرجل الاخر الذي آذى رسول الله صلى عليه وسلم فهو ابو جهل بن هشام فكان ان تحمّل عبئ صد الدعوة المحمدية منذ ظهورها واعلن عداءه لها ويؤذي النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا وينهاه عن الصلاة ويشدد عليه حتى انه توعد ه في احد الايام ان رآه يصلي وكان فخورا بذلك . و قد انتهره الرسول الكريم في احد المرات آخذا بخناقه وهزه هزا عنيفا قائلا له : ( اولى لك فأولى * ثم اولى لك فأولى *) فقال له : - أتتوعدني يا محمد والله لا تستطيع انت ولا ربك شيئا واني لأعز من مشى بين جبليها . وقصد الكعبة المشرفة وجبليها هما الصفا والمروة المحيطان بها وفي احد الايام سأل ابو جهل رفاقه أيعفر محمد وجهه بين ايديكم – أي أيصلي وانتم تشاهدوه فقالوا :نعم فقال : واللات والعزى لئن رايته لأطأن على رقبته ولأعفرن وجهه فجاء الرسول الكريم في ذلك الوقت ليصلي فلم يستطع فعل شيئا ا لا ان جماعته رأوه يتقي بيديه دفاعا عن نفسه . فقالوا له : مالك يا ابا الحكم؟ فقال : ان بيني وبينه خندقا من نار وهولا واجنحة. فقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : تلك الملائكة لودنا مني لأختطفته عضوا عضوا . وفي احد الايام قال ابو جهل لقريش يحرضهم : ام محمدا قد ابى الا ما ترون من عيب آلهتنا وشتمها وشتم آبائنا وتسفيه احلامنا واني اعاهد الله لأجلسن له بحجر ما اطيق حمله فاذا سجد في صلاته فضخت به راسه أي هشمته به فأسلموني عند ذلك او امنعوني فيصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم. فقالوا له : والله لا نسلمك لشئ ابدا فامض لما تريد . فلما كان الصبح اخذ ابو جهل حجرا كبيرا وجاء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي فلما سجد اراد ان يهوي بالحجر على راسه الشريف فرجع منهزما ممتق الوجه مرتجفا مرعوبا وقد يبست يداه علي الحجر ثم سقط من يديه وقريش تنظر اليه فقالوا له : - مالك يا ابا الحكم ؟؟ قال: قمت لأفعل ما قلت البارحة فعرض لي فحل من الابل ما رايت هامته وقصرته وانيابه لفحل قط فهمّ ان يأكلني . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : - ذلك جبريل لو دنا لأخذه . وكان ابي بن خلف يتوعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قد جاءه في احد الايام بعظم بال رميم ففتته بيديه ونفخه في وجه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وقال : - يا محمد ان عندي (العود ) فرسا اعلفه كل يوم فرقا من ذرة اقتلك عليه. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: - بل انا اقتلك انشاء الله. ولما كانت معركة احد قتله الحبيب المصطفى فيها شر قتله ومن ذلك ان خمسة من عظماء قريش كانوا يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم هم: ابو زمعة الاسود بن عبد المطلب الاسدي والوليد بن المغيرة المخزومي و الحارث بن قيس الخزاعي والاسود بن عبد يغوث الزهري والعاص بن وائل السهمي وقد اخبر الله تعالى نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم انه سبحانها وتعالى كفاه شرهم اذ نزلت الاية المباركة: ( انا كفيناك المستهزئين ) اما ابو زمعة فلما تضايق رسول الله صلى الله عليه وسلم من اذاه ومضايقته له دعا عليه قائلا: - اللهم اعم بصره واثكله ولده فرماه جبريل عليه السلام بشوك في وجهه فذهب بصره وعمى ومات ولده زمعة فيها ايضا . واما الاسود بن عبد يغوث فاشار جبريل عليه السلام الى راسه فظهرت فيه قروح فمات فيها. واما الحارث بن قيس فاخذه ماء اصفر في بطنه وقيل كانت قذارته تخرج من فمه حتى مات شر موتة . والوليد بن المغيرة كان قد اصابه خدش بسيط من سهم لم يكن شيئا . فاشار جبريل عليه السلام الى اثر الخدش فاتنفض وتقرح حتى مات فيه . واما العاص بن وائل فقيل انه جلس على شبرقة فدخلت شوكة في قدمه فجرى سمها في جسده فمات . وفي احد الايام بينما النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قام عقبة بن ابي معيط ووطئ على رقبته بينما كان ساجدا حتى اذاه . وفي احد الايام اجتمعت قريش في الحطيم وتحدثوا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينما هم يتحدثون حضر رسول الله وبدأ يطوف بالكعبة المكرمة فلما مر بهم غمزوه فعرف ذلك في وجهه ثم مر بهم المرة الثانية فغمزوه ايضا فلما مر بهم الثالثة غمزوه بمثلها فوقف ثم الفت اليهم قائلا: - يامعشر قريش اتسمعون اما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح . فاخذت كلمته بالقوم أي مأخذ حتى كأن على رؤوسهم طائر وقع حتى ان اشدهم فيه ليرفؤه باحسن ما يجد . فأضمروها له فلما كان الغد اجتمعوا ايضا فما ان طلع عليهم حتى وثبوا عليه وثبة رجل واحد اخذين بمجامع ردائه قائلين له : - اانت الذي تنهانا عما كان يعبد آباؤنا ؟ قال : انا ذاك فانقضوا عليه من كل جانب واقبل عقبة بن ابيّ فلوى ثوبه في عنقه فخنقه بشده فبلغ الامر الى ابي بكر الصديق فجاء واخذ عبقة بين يديه ودفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واخذ يضرب هذا ويزجر ذاك وهو يقول لهم بصوت مرتفع: - ويلكم تقتلون رجلا ان يقول ربي الله . فما كا ن منهم الا ان تركوا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وتجمعوا حول ابي بكر الصديق يضربوه ويجروه ويسحبوه من غدائره حتى حضر جماعة من بني تيم فحملوه في ثوب وادخلوه الى بيته مغميا عليه . فلما افاق قدموا له الطعام فلم يأكل او يشرب حتى يعرف اخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جاء الليل وهدء الناس اوصلوه اليه فوجده بخير . يا سيدي يا رسول الله فداك ابي وامي كم لاقيت من العذاب وصبرت وعلى اثر هذه الحالة عزم ابو بكر على السفر الى الحبشة الا ان احبته واصدقاءه منعوه من ذلك فاعلن مالك بن الدغمة في قريش انه جار لابي بكر الصديق فلم يجرؤ احد ان يؤذيه الا انهم قالوا عليه ان يلزم بيته ويعبد ربه فيه وبقي على ذلك ردحا من الزمن ثم رد على مالك جواره قائلا : - أرضى بجوار الله . احتارت قريش فيما تفعله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشار عليهم عتبة بن ربيعة العبشمي من بني عبد شمس بن عبد مناف وكان سيد قومه مطاعا فيهم انه سيذهب الى محمد ويكلمه ويعرض عليه امورا لعله يقبلها . فارسلوه فذهب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الحرام فقال له: -ياابن اخي انك من حيث علمت من خيارنا حسبا ونسبا وانك قد اتيت قومك بامر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت احلامهم وعبت آلهتهم ودينهم وكفرت من مضى من آبائهم فاسمع اعرض عليك امورا تنظر فيها لعلك تقبل منا بعضها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : - قل يا ابا الوليد اسمع . فقال له : يا ابن اخي ان كنت تريد بما جئت به من هذا الامر مالا جمعنا لك من اموالنا حتى تكون اكثرنا مالا . وان كنت تريد به شرفا سودناك علينا حتى لا نقطع امرا دونك وان كنت تريد به ملكا ملكناك علينا وان كان بك الباءة فاختر أي نساء قريش من شئت فلنزوجك عشرا وام كان الذي ياتيك رئيا من الجن لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب وبذلنا فيه اموالنا حتى نبرءك منه فانه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه . قال عليه الصلاة والسلام : - ( اوقد فرغت يا ابا الوليد ؟) قال : نعم قال :( فاسمع مني ): فقرا رسول الله صلى الله عليه وسلم الايات التالية من سورة فصلت : بسم الله الرحمن الرحيم ( حم * تنزيل من الرحمن الرحيم * كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون * بشيرا ونذيرا فاعرض اكثرهم فهم لايسمعون * وقالوا قلوبنا في اكنة مما تدعوننا اليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل اننا عاملون * قل انما انا بشر مثلكم يوحى الي انما الهكم اله واحد فاستقيموا اليه واستغفروه وويل للمشركين * الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالاخرة هم كافرون * ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم اجر غير ممنون * قل ائنكم لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين وتجعلون له اندادا ذلك رب العالمين * وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها اقواتها في اربعة ايام سواءا للسائلين * ثم استوى الى السماء وهي دخان فقال لها وللارض اءتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين* فقضاهن سبع سموات في يومين واوحى في كل سماء امرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم * فان اعرضوا فقل انذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود* ) فلما تلا عليه الصلاة والسلام هذه الاية وضع عتبة يده على فم رسول الله صلى الله عليه وسلم وناشد الله تعالى والرحم مخافة ان يقع ذلك عليهم وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: - حسبك .حسبك فلما انتهى الرسول الكريم الى اية السجدة( ومن اياته الليل والنهار والشمس والقمر لاتسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن ان كنتم ياه تعبدون *) سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: - (اسمعت يا ابا الوليد ؟؟) - قال: سمعت - قال:( فانت وذاك...) فقا م عتبة ورجع الى قريش فاخبرهم الخبر وقال لهم : - يا معشر قريش .. اطيعوني واجعلوها لي . وخلوا بين هذا الرجل وبين ماهو فيه . فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم فان تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم وان يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم اسعد الناس به . وقد صدق هذا الرجل في قوله فقد كان العرب ولا يزالون يفخرون و يفرحون ان محمد ا صلى الله عليه وسلم منهم وان قريشا سعدت انه منهم وسعد كل احد يقول انه من ال بيته صلى الله عليه وسلم او من بني هاشم او من قريش او من العرب لكونه صلى الله عليه وسلم منهم فانما ارسل رحمة للعالمين . *********************************** ( شذرات من السيرة النبوية المعطرة ) 7 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله: ذكرت في الحلقة السادسة لقاء ابي الوليد عتبة بن ربيعة العبشمي برسول الله صلى الله عليه وسلم ورده عليه بالا يات المباركة من سورة فصلت ورجوعه الى قريش ليخبرهم انه سيكون للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم شأن كبير ومما قاله لهم انه ان يظهر على العرب فملكه ملكهم وعزه عزهم وكان اهل مكة اسعد الناس به فلم يرعووا لما قال وقالوا له : - سحرك محمد يا ابا الوليد. فاجابهم: - هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم وكان كما قال . وبعد هذه الحادثة بايام وبعد فشل المشركين في مساومته وترغيبه مرة وترهيبه اخرى عرضوا عليه امرا جديدا لم يسبق ان طرقوه من قبل فجاؤا اليه وهو في المسجد الحرام فقالوا له: - نعرض عليك خصلة واحدة فيها صلاح لك . فقال لهم : ( ماهي؟؟) قالوا : تعبد آلهتنا عاما ونعبد الهك عاما فاذا كنا على الحق اخذت منه حظا وان كنت على الحق اخذنا منه حظا . فانزل الله تعالى عليه: ( قل يا ايها الكافرون * لا اعبد ماتعبدون * ولا انتم عابدون ما اعبد * ولا انا عابد ما عبدتم * ولا انتم عابدون ما اعبد* لكم دينكم ولي دين *) فابلغهم بذلك بعدم موافقته و ان كل له دينه ( قل افغير الله تامروني اعبد ايها الجاهلون ) الزمر\ 64 فاستشاطوا غضبا اذ وصفهم بالجاهلين . وبعدها نزلت الاية: ( قل اني نهيت ان اعبد الذين تدعون من دون الله ) . فقد أبدوا تنا زلا بغية حسم الخلاف كما يرون الا ان النبي صلى الله عليه وسلم رفض ذلك لان الله تعالى نهاه عن القبول بما ارادوا . ومرت الايام والحيرة تقتلهم فأرسلوا الى اليهود يستفهمون منهم و يسالونهم عن امر محمد صلى الله عليه وسلم فاقترح عليهم احبار اليهود ان يسالوه عن ثلاثة امور فان اجاب عليها فهو نبي مرسل وان لم يجب عليها فيعملون على قتله وهذه الامورهي: الاول : فتية ذهبوا في الزمن الماضي فما مصيرهم وما حكايتهم ؟ الثاني : يسالونه عن الروح ما هي وما علمها ؟؟ الثالث: عن رجل طاف الا رض ووصل مشارقها ومغاربها فما هو خبره؟؟ فتجمع رؤساء قريش وزعماؤهم وعظماؤهم ليسألون النبي صلى الله عليه وسلم هذه الاسئلة فانزل الله تعالى اجوبتها اليه : فاما الفتية فهو اصحاب الكهف قال تعالى : ( ام حسبت ان اصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا* اذ اوى الفتية الى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من امرنا رشدا* فضربنا على آذنهم في الكهف سنين عددا * ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين احصى لما لبثوا امدا* نحن نقص عليك نباهم بالبحق انهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى*) الكهف\9- 13 وفي عددهم يقول سبحانه وتعالى: ( سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم . قل ربي اعلم بعدتهم ما يعلمهم الا قليل )الكهف \22 وفي مدة بقائهم في الكهف يقول تعالى: ( ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا*) الكهف\25 والفارق تسع سنين جاءت باحتساب مدة بقائهم في الكهف بين التقويم الشمسي (الرومي) و التقويم القمري( الاسلامي الهجري) بحيث تكون المدة بين التقويمين بزياة سنة واحدة كل ثلاثة وثلاثين سنة تقريبا أي ثلاث سنوات كاملة لكل مائة سنة . وبتعبير اخر كل مائة سنة شمسية تساوي مائة وثلاث سنوات قمرية واما الروح فجاء خبرها في سورة الاسراء: ( يسالونك عن الروح قل الروح من امر ربي وما اوتيتم من العلم الا قليلا * ) الاسراء اية \ 85 اما الرجل الطوّاف فهو ذو القرنين قال تعالى: ( ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكرا * انا مكنا له في الارض واتيناه من كل شيئ سببا * فاتبع سببا * حتى اذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا يا ذا القرنين اما ان تعذب واما ان تتخذ فيهم حسنا * قال اما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد الى ربه فيعذبه عذابا نكرا* واما من آمن وعمل صالحا فله جزاءا الحسنى وسنقول له من امرنا يسرى * ثم اتبع سببا * حتى اذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا * كذلك وقد احطنا بما لديه خبرا * ثم اتبع سببا * حتى بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا *) الكهف\82- 93 فلما علموا صحة الاجابة وتحققوا من نبوته وتبين لهم انها الحق من ربهم وانه صلى الله عليه وسلم رسولا ونبيا ابدوا بعض المرونة اولا واستعدادهم لسماع ما يقوله لهم ولكنهم اشترطوا ان يقيم لهم مجلسا لا يحضره ضعفاء المسلمين وهم فقراء قريش وعبيدهم وهم السابقون في الاسلام وهم اصحاب التقوى والايمان وكان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كاد يوافق على هذا الراي بغية حرصه على اسلامهم لولا انزل الله عليه : ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه . ما عليك من حسابهم وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين * ) الانعام \52 وقال تعالى ( ولولا ان ثبتناك لقد كدت تركن اليهم شيئا قليلا*) الاسراء\74 فنهاه الله تعالى عن ذلك فلم يوافق على رغباتهم . فأبى الظالمون الا كفورا وطفقوا يتظاهرون بالوعيد والعناد والمكابرة ولم يبق عندهم الا السيف والقتال ومعناه التناحر والحرب والمقاتلة فاحتاروا فيما يفعلونه . في هذه الظروف الصعبة كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يتخذ من منزل الارقم بن ابي الارقم المخزومي موقعا ثابتا لتعليم المسلمين العبادة فكان يجتمع مع اصحابه كل يوم سرا فيه فيتلو عليهم القران الكريم ويعلمهم الايات التي تنزل عليه تباعا وآنا جهرا فكان يعبد الله تعالى على مرأى ومسمع من المشركين لا يهاب . فكان الكفار يمتعضون من ذلك ويعملون على ايذاء المسلمين مما جعل الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم ان يشير على المسلمين بالهجرة الى الحبشة حيث يوجد النجاشي وهو ملك اشتهر بالعدالة فلا يظلم عنده احدا . فهاجر جماعة من المسلمين اليها وفي الحقيقة هي هجرتان تمت الى الحبشة : الاولى في رجب من السنة الخامسة للنبوة هاجر جماعة من المسلمين وعددهم اثنا عشر رجلا واربع نساء يتراسهم عثمان بن عفان ومعه زوجته رقية بنت النبي محمد صلى الله عليه وسلم ويعتبر عثمان بن عثمان الرجل الثالث الذي هاجر مع عائلته في سبيل الله . اذ كان اول من هاجر سيدنا ابراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام حيث انه وزوجته هاجر من بابل في العراق الى فلسطين وثانيهما لوط عليه السلام . هاجر هؤلاء سرا في جنح الظلام قاصدين مدينة جدة حيث وجدوا سفننا على وجه الانطلاق فركبوا الى الحبشة وكان ممن هاجر الزبير بن العوام و عبد\ الرحمن بن عوف وابن مسعود و ابو سلمة وزوجته . بينما قريش لما علمت سفرهم هاجوا وماجوا واسرعوا في اثرهم كي يمنعونهم من السفر ويعيدونهم الى مكة فيصرفونهم عن الاسلام او يعذبونهم وينكلون بهم فلما وصل القرشيون الى جدة كان المسلمون قد سافروا . فرجعوا خائبين . وفي هذه الاثناءحدث امر عظيم الشأن حيث نزلت على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم سورة النجم في رمضان أي بعد شهرين من هجرة المسلمين الى الحبشة . فخرج عليه الصلاة والسلام الى المسجد الحرام فوجد جمعا كبيرا من قريش يطوفون حول الكعبة ومنهم رؤساؤهم وعظماؤهم فقام بهم يتلو عليهم هذه السورة المباركة وقريش تسمع لهذا الكلام الرائع والذي ما سمعوا بمثله ابدا فاخذتهم الدهشة من روعة هذا الكلام فبقوا يستمعون اليه مبهورين ومبهوتين حتى هذه الايات التالية : ( وان الى ربك المنتهى* وانه اضحك وابكى * وانه امات واحيا * وانه خلق الزوجين الذكر والانثى* من نطفة اذا تمنى* وان عليه النشأة الاخرى * وانه اغنى واقنى * وانه هو رب الشعرى * وانه اهلك عادا الاولى * وثمود فما ابقى * وقوم نوح من قبل انهم كانوا اظلم واطغى * والمؤتفكة اهوى * فغشاها ما غشى* فباي الا ء ربك تتمارى * هذا مذير من النذر الاولى * ازفت الازفة * ليس لها من دون الله كاشفة * افمن هذا الحديث تعجبون * وتضحكون ولا تبكون * وانتم سامدون *) النجم\42- 61 ( راجع كتابي - يوم القيامة في القران الكريم – الجزء الثاني) وهي خواتيم هذه السورة المباركة ولما فيها ردع وزجر وقوارع خشعت لها الانفس والقلوب فلما وصل الى الاية : ( فاسجد واقترب *) النجم \ 62 خر الحبيب المصطفى ساجدا لله تعالى فلم يتمالك القرشيون انفسهم فسجدوا جميعا الا رجل واحد هو امية بن خلف اذ اخذ حفنة من تراب بيده ورفعها الى وجهه وجاء عن ابن مسعود رحمه الله انه قال : ( ان النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم فسجد بها فما بقي احد من القوم الا سجد فاخذ رجل من القوم كفا من حصى او تراب فرفعه الى وجهه وقال: يكفيني هذا . فلقد رايته قتل كافرا – وهو امية بن خلف قتل يوم بدر) فلما شاع الخبر ووصل الى الحبشة ظن المسلمون ان قريشا اسلمت فعادوا من الهجرة فرحين الا انهم قبل ان يصلوا مكة بمسيرة يوم واحد وقيل ساعة من نهار عرفوا حقيقة الامر فرجع قسم منهم والقسم الاخر دخل مكة سرا . القرشيون ندموا على سجودهم مع المسلمين فشددوا العذاب عليهم والتنكيل بهم فاشار النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة الى الحبشة خاصة وقد عرفوا بحسن جوار النجاشي للمهاجرين من اخوانهم الذين هاجروا من قبل . وهذه الهجرة الثانية فشد الرحال ثلاثة وثمانون رجلا و ثماني عشرة امراة استطاعوا السفر رغم تيقظ قريش وحرصهم على منعهم منه . فلما علموا بهجرتهم شق الامر عليهم فارسلوا في اثرهم اثنين من اشد رجالهم حنكة ودهاءا: عمرو بن العاص و عبد الله بن ربيعة . نزل الرجلان الحبشة فاتصلا بالبطارقة وقدما اليهم الهدايا وشرحوا الامر الذي جاؤوا من اجله اليهم فقدموهم الى النجاشي وقدما له الهدايا التي ارسلها له عظماء قريش وقالا له : -( ايها الملك انه ضوى الى بلدك غلمان سفهاء فارقوا دينهم ولم يدخلوا في دينك وجاؤوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن والا انت وقد بعثنا اليك اشراف قومهم من آبائهم واعمامهم وعشائرهم لتردهم اليهم فهم اعلى بهم عينا واعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه ) فايدهم البطارقة. الا ان النجاشي قرر سماع قول المهاجرين فاحضرهم وسألهم عن هذا الدين الجديد الذي جاؤوا به ومن اجله فارقوا قومهم واهلهم . فتقدم جعفر بن ابي طالب فقال قولته المشهورة: ( ايها الملك كنا قوما اهل جاهلية نعبد الاصنام وناكل الميتة وناتي الفواحش ونقطع الارحام ونسئ الجوار وياكل منا القوي الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث الله الينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وامانته وعفافه فدعانا الى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نحن وآباؤنا نعبد من دونه الحجارة والاوثان وامرنا بصدق الحديث واداء الامانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور واكل مال اليتيم وقذف المحصنات وامرنا ان نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا وامرنا بالصلاة والزكاة والصيام فصدقناه وامنا به واتبعناه على ما جاء به من دين الله وعبدنا الله وحده ولم نشرك به شيئا وحرمنا ما حرم الله علينا واحللنا ما احل لنا فعدا علينا قومنا وفتنونا عن ديننا ليردونا الى عبادة الاوثان عن عبادة الله تعالى وان نستحل ما كنا نستحل من الخبائث فلما قهرونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا الى بلادك واخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك ورجونا ان لا نظلم عندك ايها الملك ) وتحاور جعفر مع عمرو بن العاص في حضرة النجاشي : فقال عمرو لجعفر :تكلم فقال جعفر موجها كلامه الى النجاشي: - سله اعبيد نحن ام احرار ؟ فقال عمرو بن العاص: بل احرار كرام فقال جعفر: هل اهرقنا دما بغير حق فيقتص منا ؟ مقال عمرو: ولا قطرة دم قال جعفر: هل اخذنا اموال الناس بغير حق فعلينا قضاؤها ؟ قال عمرو: ولا قيراط فقال النجاشي : فماذا تطلبون منهم ؟ قال عمرو : كنا نحن وهم على امر واحد على دين آبائنا فتركوا ذلك واتبعوا غيره. قال جعفر: كنا نعبد دين الشيطان ونكفر بالله ونعبد الحجارة . اما الان فنعبد الله وحده ولا نشرك به احدا فنحن على دين الاسلام جاءنا به رسول من الله وكتاب مبين . فقال له النجاشي: تكلمت في امر عظيم فعلى رسلك. ثم امر بضرب الناقوس فاجتمع اليه كل قس وراهب . فقال لهم : اخبروني هل تجدون من بعد عيسى الى يوم القيامة نبيا؟ فقالوا: اللهم نعم فقد بشرنا به عيسى فقال من آمن به فقد آمن بي ومن كفر به فقد كفر بي . فالتفت النجاشي الى جعفر وقال له: ماذا يقول لكم نبيكم وما يأمركم به وما ينهاكم عنه ؟ فقال جعفر: يقرا علينا كتاب الله ويامرنا بعبادة الله وحده ويامرنا بالمعروف وينهانا عن المنكر ويامرنا بحسن الجوار وصلة الرحم وبر الوالدين واليتيم فقال النجالشي له : اقرا ما عندك منه . - فقرا عليهم جعفر بن ابي طالب سورتي العنكبوت والروم فاستزادوه فقرا عليهم سورة الكهف . ثم التفت النجاشي الى عمرو بن العاص وصاحبه فقال لهما : - انطلقا فلا والله لا اسلمهم اليكما . الا ان عمروا بن العاص احتال حيلة اخرى على الملك فقال له : - ان المسلمين يقولون في عيسى قولا عظيما. فسأل النجاشي جعفرا ماذا يقولون بعيسى ؟ فقال له جعفر: - نقول فيه الذي جاءنا به نبينا صلى الله عليه وسلم : هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته القاها الى مريم العذراء البتول . فاخذ النجاشي من الارض عودا ثم قال : - والله ماعدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود اذهبوا فانتم سيوم- آمنون- في ارضي – ثم امر النجاشي برد الهدايا على عمرو بن العاص وصاحبه فرجعا الى قريش خائبين . *********************** شذرات من السيرة النبوية المعطرة 8 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله : ذكرت في الحلقة السابعة اسئلة اليهود و مشركي مكة للنبي صلى الله عليه وسلم واجابة القرآن الكريم عليها وذكرت هجرة المسلمين الى الحبشة وما لاقوا في هاتين الهجرتين من صعاب ومن احترام النجاشي ملك الحبشة لهم. وفي هذه الحلقة اذكر ردة فعل القرشيين على المسلمين فاقول: لحق المشركين الخيبة والفشل في استعادة المسلمين الذين هاجروا الي الحبشة ومن شدة غيضهم وكمدهم كادو ا ينقضّون على المسلمين في مكة فيقتلونهم حيث استشاطوا غضبا ولم يهدء لهم بال خاصة وانهم يرون النبي صلى الله عليه وسلم مستمرا في دعوته الى الاسلام والايمان بالله تعالى وازدياد عدد المسلمين يوما بعد يوم و اذ شاهدوا عمه ابا طالب يساعده ويحميه فاحتاروا في امرهم تكاد نفوسهم تميز من الغيض وصدق الله تعالى في قوله في القرآن الكريم رادا عليهم مخاطبا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( قل موتوا بغيضكم) وعرض بعضهم عدة امور بين الترغيب والترهيب للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فمن ذلك تعذيبهم للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وللمسلمين وقد مر بنا مافعلوه بهم فكانوا يرجون من كل ذلك ايقاف دعوة الاسلام ولملمة شعث الكافرين والمشركين من قريش وغيرهم . اما ابو طالب فقد استعلم ان قريش تحاول قتل النبي محمد صلى الله عليه وسلم فقد طالبوه بتسليمه اليهم لقتله وتعويضه بشاب هو عمارة بن الوليد سيد شبابهم وافضلهم وانهدهم واجملهم يعطونه الى ابي طالب بدلا من ابن اخيه فردهم ردا جميلا . جمع ابو طالب بني عبد المطلب وبني هاشم لما راى قريش عازمة على قتل ابن اخيه محمد صلى الله عليه وسلم ودعاهم لحمايته فوافقوا على ذلك مسلمهم وكافرهم وتعاهدوا وتعاقدوا على ذلك عند الكعبة . الا رجل واحد من بني عبد المطلب فقد انحاز الى جانب قريش - هو عمه ابو لهب - فقد فضل ان يكون بجانب قريش ضد اقرب الناس اليه . وقد قال ابو طالب في ذلك : والله لن يصلوا اليك بجمعهم حتى ا وسّد في التراب دفينا فاصدع بامرك ما عليك غضاضة وابشر وقر بذاك منك عيونا وعرضت دينا قد عرفت بانه من خير اديان البرية دينا اما القرشيون فقد اجتمعوا في خيف بني كنانة – لما علموا باجتماع بني عبد المطلب وبني هاشم وقرارهم بحماية النبي محمد صلى الله عليه وسلم - لدراسة الموقف واخذ التحوطات له بعد ان زادت حيرتهم ونفدت حيلهم وتصميم بني عبد المطلب وبني هاشم هلى حمايته والقيام دونه مهما كانت الامور وتوصلوا الى امر خطير وحل غاشم ظالم وتحالفوا عليه وهذا الحلف او اقرار كتبوه في صحيفة وعلقوها في داخل الكعبة - كتبها لهم بغيض بن عامر بن هاشم . وقد دعى عليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فشلت يده . وينص هذا الحلف على ان ( لا يجالسون بني عبد المطلب وبني هاشم و لا يكلمونهم ولا يد خلون بيوتهم ولا يخالطونهم ولا يناكحونهم أي لا يزوجونهم ولا يتزوجون منهم ولا يقبلون منهم صلحا ولا تاخذهم بهم رأفة حتى يسلموا اليهم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم اليهم لقتله ). فامر ابو طالب بني عبد المطلب وبني هاشم ان يدخلوا شعبه فدخلوه ولبثوا فيه ثلاث سنين حتى اشتد عليهم الخطب وخاصة ان قريش قطعوا عليهم كل معونة او تجارة حيث ان اية مواد تاتي الى مكة فيشتريها تجار قريش باغلى الاسعار ويحرمون بني عبد المطلب وبني هاشم منها فلا يتركون طعاما يدخل مكة الا واشتروه ومنعوه عنهم حتى قتلهم الجوع وحتى قيل ان نساءهم واطفالهم كانوا يضاغون جوعا في الشعب لذا عظمت الفتنة وزلزلوا زلزالا شديدا وكان ابو طالب اذا اوى الناس لفراشهم للنوم ليلا امر رسول الله ان يضطجع في فراشه حتى يرى من اراد اغتياله فاذا نام الناس وخلدوا للنوم امر احد ابنائه او بني عمومته حمايته او المنام في فر اشه وينام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مكانه . وفي ذلك يقول ابو طالب في لامية ابياتها اكثر من خمسين بيتا : ولما رايت القوم لا ود بينهم ولا قطعوا كل العرى والوسائل وقد صارحونا العداوة والاذى وقد طاوعوا امر العدو المزايل وصرت لهم نفسي بسمراء سمحة وابيض عضب من تراث المقاول واحضرت عند البيت رهطي واسرتي وامسكت من اثوابه بالوصائل اعوذ برب الناس من كل طاعن علينا بسوء او ملح بباطل الى ان يقول: فو الله لولا ان اجيء بسبة تجر على اشياخنا في المحافل لكنا اتبعناه على كل حالة من الدهر جدا غير قول التهازل لقد علموا ان ابننا لا مكذب لدينا ولا يعني بقول الاباطل حدبت بنفسي دونه وحميته ودافعت عنه يالذرى والكلاكل وكان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مستمرا في دعوته الاسلامية رغم كل هذه الظروف وخاصة في موسم الحج حيث كانت القبائل تقبل الى مكة من كل حدب وصوب لاداء مناسك الحج . وقد قيض الله تعالى بعد هذه السنوات الثلاث العجاف خمسة رجال من قريش من بعد ما هالهم ما لحق ببني عبد المطلب و بني هاشم وهم : هشام بن عمرو من بني عامر بن لؤي حيث كان ياتي بالطعام خفية بالليل الى بني هاشم وبني عبد المطلب والثاني هو زهير بن ابي امية المخزومي وامه عاتكة بنت عبد المطلب فهم اخواله وقد جاء اليه هشام بن عمرو وقال له : يازهير ايرضيك ان تاكل الطعام وتشرب الشراب واخوالك يتضورون جوعا ؟؟ فقا له : ويحك وما افعل وانا رجل واحد ؟؟ فاما والله لو كان معي رجل اخر لقمت بنقض الصحيفة. فاجابه : انا يا زهير. قال له : ابغنا ثالثا فاشارعليه بابي البختري بن هشام فقال له : ابغنا رابعا فقال له : زمعة بن الاسود فقال : ابغنا خامسا . فاجابه : المطعم بن عدي . لذا فقد هيء الله تعالى قلب هاشم بن عمرو من بني عامر بن لؤي ورقق قلبه في العمل على نقض الوثيقة وفك الحصار الظالم على بني عبد المطلب وبني هاشم . فمشى الى زهير وكلمه في فيه وتداولا الحديث مع الثلاثة الاخرين فاجتمع الخمسة عند الحجون وتعاهدوا على نقض الصحيفة وفك الحصار. وقال زهير : غدا انا لها فلما اصبح الصبح جاؤوا الى الكعبة وقريش طوافون بها ومحدقون من كل جانب جاء زهير وعليه حلة فطاف الكعبة ثم وقف ونادى باعلى صوته : - يا اهل مكة انا ناكل الطعالم ونشرب الشراب وتلبس الثياب وبنو هاشم جياع وهلكى والله لا اقعد حتى تشق هذه الصحيفة - فقال له ابو جهل: كذبت والله لا تشق. - فقال زمعة : انت والله اكذب مارضينا كتابتها حين كتبت . - وقال ابو البختري: صدق زمعة لا نرضى ما كتب فيها ولا نقر عليه - فقال المطعم بن عدي : وكذب من قال غير ذلك نبرأ الى الله منها ومما كتب فيها . وايدهم القول هشام بن عمرو في نقض الصحيفة وتمزيقها فقال ابو جهل: هذا امر قد قضي بليل تشاوروا فيه بغير هذا المكان وكان الله سبحانه وتعالى قد ارسل على هذه الصحيفة حشرة الارضة او دابة الارض فاكلتها ولم تترك منها غير اسم الله . واخبرالله رسوله محمد صلى الله عليه وسلم فاطلع عمه ابو طالب على الامر فاتى يمشي في جماعة من بني عبد المطلب الى المسجد وقريش مجتمعون فيه فحسب القرشيون ان بني عبد المطلب خرجوا من الشعب من شدة الجوع وجاؤوا ليعطوا الرسول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم الى قريش لتقتله ازاء فك الحصار ونقض الصحيفة. فقال ابو طالب للقرشيين – حدث امر مهم لعله يكون صلحا بيننا وبينكم . قال ذلك لينظر اهل مكة في الصحيفة فيجدونها ماكولة وقال لهم ابو طالب ايضا : لاعطينكم امرا فيه نصف ان ابن اخي اخبرني – ولم يكذبني - ان الله عز وجل قد برء من هذه الصحيفة التي في ايديكم وانه محا كل اسم فيها – الاباسمك اللهم – فان كان ما قال حقا وصدقا فوالله لا نسلمه اليكم حتى نموت عن اخرنا وان كان ما قال لنا باطلا دفعناه اليكم لتقتلوه فقالوا: رضينا فلما فتحوا الصحيفة وجدوها كما اخبر ابو طالب فقالوا ومنهم ابو جهل : هذا سحر جاء به صاحبكم وهكذا انتهى الحصار ومزقت الصحيفة وما فيها من ظلم وخرج الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم من الشعب وانتهى الحصار . وفي هذا يقول ابو طالب : جزى الله رهطا بالحجون تتابعوا على ملأ يهدي بحزم ويرشد اعان عليها كل صقر كانه اذا ما مشى في رفرف الدرع اجرد قعودا لدى جنب الحجون كانهم مقاولة بل هم اعز وامجد عادت المياه الى مجاريها بعد فك الحصار وظل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يدعو الى الله الواحد الاحد فما انقضت اشهر الا ومرض ابو طالب واشتد مرضه وكان قد جاوز الثمانين من العمر. وشعر القرشيون ان المرض آخذه فتشاوروا بينهم واوفدوا وفدا الى ابي طالب وهوعلى فراش الموت ليحدثوه في امر ابن اخيه خشية ان تعييرهم العرب في تركه وتقول انهم تركوه حتى اذا مات عمه تناولوه فجاؤوا اليه وطلبوا منه ان يكف ابن اخيه عن آلهتهم وهم يدعونه والهه . فدعاه اليه وعرض عليه ماقاله القرشيون فقال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: ( ياعم اريدهم على كلمة واحدة سواء يقولونها تدين لهمم بها العرب وتؤدي لهم العجم الجزية وهو قول- لااله الا الله) والعجم نعني بها كل من تكلم غيرالعربية مهما كان او اينما سكن فهو اعجمي. فلما سمعوا قوله فزع القوم وانفضوا من حول ابي طالب وهم ينفضون ثيابهم . *********************************** شذرات من السيرة النبوية المعطرة 9 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله: ذكرت في الحلقة الثامنة حصار بني عبد المطلب وبني هاشم في شعب ابي طالب وفك هذا الحصار الظالم عنهم . لقد اثقل المرض على ابي طالب واشتد به وحين حضرته الوفاة دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه فوجد عبد الله بن امية وابا جهل جالسين عنده فقال له : - (أي عم قل – لااله الا الله- كلمة احاج لك بها عند الله ). فقالا : يا ابا طالب اترغب عن ملة ابيك عبد المطلب ؟؟ وردداها مرات عديدة على سمعه وهو في نزعات الموت حتى لفظ انفاسه الاخيرة وهو يقول: - على ملة عبد المطلب . وذلك في رجب من العام العاشر من النبوة وبعد من انهاء الحصار و انهاء المقاطعة فحزن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كثيرا وقال : -(لأستغفرن لك ما لم انه عنك ). فنزلت الاية الكريمة : ( ما كان للنبي والذين آمنوا ان يستغفروا للمشركين ولو كانوا اولي قربى من بعد ما تبين لهم انهم اصحاب الجحيم ) سورة التوبة \113 ونزلت الاية الاخرى وفيها بيان الى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : ( انك لا تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو اعلم بالمهتدين ) سورة القصص\56 كان ابو طالب له القدح المعلى في تربية ابن اخيه محمد صلى الله عليه وسلم بعد وفاة امه آمنة بنت وهب وجده عبد المطلب فكفله ابو طالب وعمره ثمان سنوات . اخذه الى داره ليعيش واحدا مع اولاده سواءا بسواء فهو ايضا واحد منهم فقد قال الواقدي: ( قام ابو طالب من سنة ثمان من مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم الى السنة العاشرة من النبوة ثلاث واربعين – يحوطه ويقوم بامره ويذب عنه ويلطف به وكان يقر بنبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ) وقد انشد ابو طالب في ذلك شعرا : الا ابلغا عني على ذات بيننا لؤيا وخصا من لؤي بني كعب بأنا وجدنا في الكتاب محمدا نبيا كموسى خط في اول الكتب الا انه مات على ملة عبد المطلب . ولما مات رثاه ولده علي كرم الله وجهه بهذه الابيات : ابا طالب مأوى الصعاليك ذا الندى جوادا اذا ما اصدر الامر اوردا فامست قريش يفرحون بموته ولست ارى حيا يكون مخلدا يرجون تكذيب النبي وقتله وان يفترى قدما عليه ويجحدا كذبتم وبيت الله حتى نذيقكم صدورالعوالي والحسام المهندا وقد انجب ابو طالب اربعة اولاد وابنتين وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: - ( ما نالت مني قريش شيئا اكرهه حتى مات ابو طالب ) . وقال العباس بن عبد المطلب للنبي محمد صلى الله عليه وسلم لما حضر وفاة عمه ابي طالب قال له : - ما اغنيت عن عمك ؟؟ فانه كان يحوطك ويغضب لك . وقد كان كما قال اخوه العباس اليد العليا في ثبيت الدعوة الاسلامية وحماية النبي محمد صلى الله عليه وسلم من جور قريش فاجابه النبي صلى الله عليه وسلم : - ( هو في ضحضاح من النار ولو لا انا لكان في الدرك الاسفل من النار ) وضحضاح النار هو اقلها لهبا وتمثل كشاطئ البحر الذي فيه الماء الى كعب الارجل او اكثر بقليل وشتان بين من يكون حصب جهنم وفي دركها الاسفل ومن في ضحضاحها . وبعد مرور شهرين وعدة ايام فجع النبي صلى الله عليه وسلم بفاجعة اخرى لا تقل رزءا عن سابقتها فقد فقد زوجته الاولى الاثيرة على قلبه ام المؤمنين خديجة بنت خويلد- طهر الله ثراها - فقد توفت في شهر رمضان في السنة العاشرة من النبوة . وكانت خديجة اليد اليمنى لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهي ( وزير صدق لرسول الله صلى الله عليه وسلم على الاسلام ) فهي او ل المسلمين من الرجال والنساء فقد آمنت برسول الله عندما جاءها يرتجف من غار حراء بعد ان جاءه الوحي واخذته الى ابن عمها ورقة بن نوفل فاعلمه انه صلى الله عليه وسلم النبي الموعود وكانت قبل ذلك قد اعطته مالها ليتاجر به ولما رات صدقه وامانته وخلقه القويم تزوجته وآسته بمالها ونفسها وشاركته همومه و كل اذى المشركين فكان يأتيها مغموما فتحتضنه وتزيل عنه الهم والغم فيرتاح قلبه الشريف و قد قال فيها وهي مسجاة في موتها: - ( امنت بي حين كفر بي الناس وصدقتني حين كذبني الناس واشركتني في مالها حين حرمني الناس ورزقني الله ولدها وحرم ولد غيرها ) وقد حزن عليها حزنا شديدا . وبعد وفاتها بايام جاء جبريل عليه السلام الى النبي محمد صلى الله عليه وسلم فقال له : - ( هذه خديجة قد اتت و معها اناء في ادام فاذا هي اتتك اقرأ عليها السلام من ربها وبشرها ببيت في الجنة ). ولشدة محبته لها كان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يذ كرها باستمرار ويلهج في ذكرها وتاخذه الرافة والرقة بها كلما ذكرها وفي المناسبات كان يذبح شاة ليوزع لحمها على صديقاتها ومعارفها . اشتد بالحبيب المصطفى الحزن الشديد بعد وفاة عمه ابو طالب وزوجته الاثير ة على قلبه الشريف خديجة بنت خويلد وسمي هذا العام بعام الحزن او (عام الاحزان) فاضافة الى مصيبته في عمه وزوجه فقد اشتد اذى قريش عليه وتجرؤا عليه وصارحوه ان لم يكف عن هذا الدين والدعوة له سيقتلونه لذلك تغيرت احوال الحبيب المصطفى بحيث اصبح يتأثر لاي اثارة او امر يمر عليه او يتعرض له . وحاول المشركون والكافرون من قريش وغيرها فاوعدهم بالعذاب او ربما كذلك فلما لم ينزل بهم العذاب قريبا طفقوا يستعجلونه ويسخرون من النبي صلى الله عليه وسلم واسمعوه ان وعيده لهم ابدا لن يؤثر فيهم وسوف لا يحدث ولا يستطيع هو ان يجلبه عليهم ولن يتحقق ابدا وغير ذلك مما قالوه له صلى الله عليه وسلم فانزل الله تعالى : ( يستعجلونك بالعذاب وان جهنم لمحيطة بالكافرين ) سورة العنكبوت-54 وكذلك قوله تعالى: ( أفامن الذين مكروا السيآت ان يخسف الله بهم الارض او ياتيهم العذاب من حيث لا يشعرون * او يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين * او يأخذهم على تخوف فان ربكم لرؤوف رحيم*) النحل 54- 74 و في زحمة هذه الاحزان وشدتها وهذه الظروف القاسية الصعبة التي اجمتعت عليه رحل الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الى الطائف وهي مدينة كبير ة انذاك ولا زالت بغية دعوتهم الى الاسلام لعلهم يستجيبون له او ينصرونه او يأوونه فخرج اليها ماشيا على قدميه مصطحبا مولاه زيد بن حارثة معه وفي الطريق اليها كان يتوقف ليمر على تلك القرى الموجودة فيه يدعوها الى الايمان بالله تعالى .و كانت هذه القرى ترفض الاستجابة لدعوته و الدخول في الاسلام حتى وصل الى الطائف فنزل عند ثلاثة اخوة من ثقيف فدعاهم الى الاسلام والى نصرته صلى الله عليه وسلم ا لا انهم لم يستجيبوا وردوه ردا سيئا فاضطر الى تركهم وذهب الى اخرين غيرهم فلم يستجيبوا له ايضا ثم اخذ يتنقل في الطائف على رؤساء القبائل والرجال المشهورين بها ويدعوهم الى الايمان وقبول الاسلام فلم يستجب له احد وبقي في الطائف عشرة ايام متنقلا بين رؤسائهم واشرافهم يدعوهم الى الله تعالى فلم يستجب له منهم احد . وقد اجمعوا ان يطردوه من قريتهم واشاروا اليه بالخروج من الطائف سريعا فقر ر الخروج منها فلما اراد ان يخرج اوعزوا الى اولادهم وصبيانهم وسفائهم وعبيدهم ان يؤذوه فلما اراد الخروج وقف هؤلاء له صلى الله عليه وسلم على الطريق صفين في كل جانب من الطريق صف واخذوا يشتمونه ويسبونه ويتقولون عليه اقوالا كثيرة ثم اخذوا يرمونه بالحجارة حتى قيل ان قدميه الشريفتين وعقبيه صلى الله عليه وسلم قد أدميتا وتخضب نعلاه بالدم - السلام عليك يارسول الله بابي انت وامي كم صبرت في سبيل نشر هذا الدين العظيم وكم تحملت من مصاعب واحزان – تصور ان رجلا ما يسير في الطريق في وسط مدينة كبير ة وقد تجمع عليه الخلق ترميه بالحجارة من كل طرف وصوب واينما توجه ماذا سيكون مصير ه ماذا يلم به وما شدة الاذى والانكسار الذي سيصاب فيه – والله اني لأكتب وعيوني تتغورق بالدموع - ياحبيبي يارسول الله . كان زيد بن حارثه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقيه بنفسه ويحجز عنه الحجارة ويدافع عنه من كل جانب يحميه بنفسه وجسده فاصابه حجر شج راسه فأدماه وساروا به كذلك مسافة طويلة خارج المدينة الى ان وصلوا الى بستان عتبة و شيبة ابني ربيعة وتبعد قرابة ثلاثة اميال من الطائف فدخل اليها فرجع الناس وانصرفوا عنه صلى الله عليه وسلم . جلس الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم مستظلا بقمريات من العنب جلس تحتها ليستريح مسندا ظهره الشريف الى الحائط والتعب والهم قد اخذا منه كل مأخذ واثر في نفسه الشريفة ما لاقاه من نصب وعذاب وما لاقاه من هوان من هؤلاء القوم فرفع يديه الى السماء واخذ يناجي ربه سبحانه وتعالى في هم وحزن يقول : -( اللهم اليك اشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس. ياارحم الراحمين انت رب المستضعفين وانت ربي . الى من تكلني ؟؟ الى بعيد يتجهمني ام الى عدو ملكته امري ان لم يكن بك غضب علي فلا ابالي . ولكن عافيتك هي اوسع لي . اعوذ بنور وجهك الذي اشرقت له الظلمات . وصلح عليه امر الدنيا والاخرة من ان تنزل بي غضبك او يحل بي سخطك . لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة الا بك .) فما ان انتهى الرسول الكريم محمد من هذا الدعاء العظيم الا وارسل الله سبحانه وتعالى اليه صلى الله عليه وسلم ملك الجبال يستأمره ان يطبق على اهل مكة الاخشبين . وهما جبلاها الكبيران التي تكونت هي بينهما فاجاب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بحلم ودعاء . فقال النبي صلى الله عليه وسلم للملك: ( بل استأني – انتظر - بهم لعل الله ان يخرج من اصلابهم من يعبده ولا يشرك به شيئا .) وقيل في بعض الروايات انه صلى الله عليه وسلم لما ترك الطائف وقرب من مكة اظلته سحابة فاذا بها جبريل عليه السلام و ملك الجبال فقال جبريل عليه السلام للنبي محمد صلى الله عليه وسلم : ان الله بعث اليك ملك الجبال لتأمره بما شئت . ثم سلم ملك الجبال وقال : - يامحمد ذلك فما شئت ان شئت اطبقت عليهم الاخشبين . - وهما جبلا مكة ابو قبيس والذي يقابله فقال النبي صلى الله عليه وسلم : - ( بل استأني بهم لعل الله ان يخرج .......) فلما راى ابنا ربيعة النبي صلى الله عليه وسلم ومولاه حارثه على هذه الحال الصعبة اخذتهما العاطفة والرحمة والرقة فارسلا اليهما اناءا في عناقيد من عنب مع مولى لهم اسمه عداس على دين النصرانية فلما مد النبي صلى الله عليه وسلم يده الشريفة ليتناول حبات العنب قال : ( بسم الله ) ثم اكل فقال هذا الشخص : - هذا الكلام ما يقوله اهل هذه البلاد .؟ فقال له الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: - (ومن أي البلاد انت وما دينك؟؟) اجابه الرجل: انا من اهل نينوى قال النبي صلى الله عليه وسلم :( من قرية الرجل الصالح يونس بن متي )؟ قال الرجل: وما يدريك ما يونس بن متي؟؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( ذاك اخي كان نبيا وانا نبي ) ثم تلا عليه قصة يونس عليه السلام من القران الكريم فاسلم الرجل ثم خرج الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من البستان وسار في طريق مكة المكرمة وفي قلبه الشريف هم وحزن حتى وصل قرب مكة فنزل في قرية (نخلة) فاقام بها عدة ايام . وفي احدى الليالي والرسول الكريم يتلو القران الكريم قيض الله نفرا من الجن يستمعون القران الكريم وقيل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر في اصحابه رضوان الله عليهم فلما انتهى من الصلاة رجعوا الى قومهم او: ( ولوا الى قومهم منذرين ) وقد امنوا بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وبما جاء به دون ان يشعر بهم حتى انزل الله في ذلك قرآنا ايات في سورة الاحقاف وسورة الجن . بعد عدة ايام قضاها في ( نخلة) توجه النبي صلى الله عليه وسلم الى مكة وكان يرجو الله ان ينصره ويفرج عليه حيث كا ن يخشى قريشا ان يقتلوه او يخرجوه منها فاراد ان يحتاط لنفسه فدخل غار حراء ومكث فيه. فقال له زيد بن حارثة: - كيف تدخل عليهم وقد اخرجوك ؟ - فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : - ( يازيد ان الله جاعل لما ترى فرجا ومخرجا وان الله ناصر دينه ومظهر نبيه ). وارسل الى الاخنس بن شريق لعله يجيره فاعتذر ثم ارسل الى سهيل بن عمرو فاعتذر ثم ارسل رجلا من خزاعة الى المطعم بن عدي يستوثقه ان يدخل في جواره فوافق واجاب وتسلح هو واولاده فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ودخل المسجد وطاف الكعبة المشرفة وصلى بها والمطعم واولاده محيطون به من كل جانب وقد اعلن جيرته للنبي صلى الله عليه وسلم فاصبح في مأمن . . ************************************** شذرات من السيرة النبوية المعطرة 10 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله : ذكرت في الحلقةالسابقة سفره صلى الله عليه وسلم الى الطائف وما تجشم من مصاعب واعباء . وقبل ان ادخل في هذه الحلقة اود ان اعرج على امر قد نسيت ان اذكره وهو قول العباس بن عبد المطلب للنبي محمد صلى الله عليه وسلم لما حضر وفاة عمه ابي طالب قال له : - ما اغنيت عن عمك ؟؟ فانه كان يحوطك ويغضب لك . وقد كان كما قال اخوه العباس اليد الطولى في ثبيت الدعوة الاسلامية وحماية النبي محمد صلى الله عليه وسلم من جور قريش واذاهم ومحاولتهم قتله فاجابه النبي صلى الله عليه وسلم : ( هو في ضحضاح من النار ولولا انا لكان في الدرك الاسفل من النار ) وضحضاح النار هو اقلها لهبا وتمثل كشاطئ البحر الذي فيه الماء الى كعب الارجل او اكثر بقليل وشتان من يكون حصب جهنم وفي دركها الاسفل ومن يكون في ضحضاحها او جرفها . عاد المشركون الى جدالهم وعنادهم ومكابرتهم بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف الى مكة وكانوا يطلبون منه الايات عنادا او تعجيزا وقد اجتمعوا في احد الايام في المسجد الحرام وتشاوروا بينهم ثم ارسلوا الى النبي صلى الله عليه وسلم وحيث كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا كل الحرص على الحضور بغية ارشادهم فانزل الله تعالى: ( فلعلك باخع نفسك على آثارهم ان لم يؤمنوا بهذا الحديث اسفا ) الكهف الاية \6 فقد جاء مسرعا يأمل ايمانهم بالله واسلامهم فقالوا له: - انك تخبرنا ان الرسل كانت لهم ايات فقد كانت لموسى عصا وكانت لثمود ناقة هي ناقة صالح وكان عيسى يحيي الموتى فأتنا انت بآية كما ارسل الاولون فاذا اتيتنا بذلك فاننا سننظر في امر ايماننا بك . فانزل الله تعالى الاية المباركة : ( واقسموا بالله جهد ايمانهم لئن جاءتهم آ ية ليؤمنن بها قل انما الايات عند الله وما يشعركم انها اذا جاءت لا يؤمنون ) الانعام – 109 ونزلت اية اخرى جوابا على ما افتراه او اقترحه المشركون عليه صلى الله عليه وسلم . فاجابهم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ( قل سبحان ربي هل كنت الا بشرا رسولا ) الاسراء - 93 وكانت مقترحاتهم تعجيزية للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فقد اقترحوا عليه ان يجعل لهم جبل الصفا ذهبا او ينقل الجبال عن مكة الى مكان اخر بحيث تكون اراضيها منبسطة مسطحة صالحة للزراعة ويجري خلالها انهارا من المياه العذبة لكي يزرعونها ويستفيدون منها او ان يحيي اباءهم واجدادهم الاولين لكي يسألونهم هل صحيح انه رسول الله فدعا الحبيب المصطفى ربه ان يريهم ما ارادوه فنزل جبريل عليه السلام عليه صلى الله عليه وسلم بهذه الايات المباركة : ( وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا * او تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الانهار خلالها تفجيرا * او تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا او تاتي بالله والملائكة قبيلا * او يكون لك بيت من زخرف او ترقى في السماء ولن نؤمن لرقييك حتى تنزل علينا كتابا نقرأه قل سبحان ربي هل كنت الا بشرا رسولا * وما منع الناس ان يؤمنوا اذ جاءهم الهدى الا ان قالوا ابعث الله بشرا رسولا*) الاسراء \90-94 فاخبرهم الرسول الكريم ان هذه الامور كلها بيد الله انشاء استجاب وان شاء لم يستجب - ولا يستجيب رب العباد لمشرك او كافر او منافق مهما دعاه - وهذه الايات لو اجيبوا اليها ثم لم يؤمنوا لاتاهم عذاب الاستئصال وهي لا توجب الايمان با قامة الحجة والتي هي قائمة بغيرها بمقتضى تفجيرها تفجيرا بمكة فتصير واديا ذا زرع والله تعالى قضى بسابق حكمته ان جعل بيته العتيق بواد غير ذي زرع لئلا يكون عنده ما ترغب النفوس فيه من الدنيا او الحياة فيكون الحج لمطمح الدنيا وانما يكون للاخرة . ومن حكمة الله تعالى ورحمته انه تعالى لما ارسل النبي محمدا صلى الله عليه وسلم خاتما للمرسلين ان لا يهلك قومه بعذاب الاستئصال بل عذب بعضهم مفردا بانواع العذاب كما ذكرنا انفا وقال تعالى : ( وما منعنا ان نرسل بالايات الا ان كذب بها الاولون* ) وانزل الله تعالى الايات المباركة تعليما لنبيا وتفهيما قال تعالى : ( ولو ان قرآنا سيرت به الجبال او قطعت به الارض او كلم به الموتى بل لله الامر جميعا افلم ييأس الذين آمنوا ان لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ولا يزال الذين كفروا ان تصيبهم قارعة او تحل قريبا من دارهم حتى ياتي وعد الله ان الله لا يخلف الميعاد *) الرعد \ وقد اخبر الله رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بشدة كفرهم ذلك بانهم لو انزل الله تعالى عليهم كتابا في قرطاس فلمسوه بايديهم لكذبوا به وبين الله تعالى انه تعالى لو جعل الرسول ملكا على مثل صورة رجل ايضا لم يؤمنوا اذ كانوا لا يستطيعون ان يروا الملائكة في صورهم الحية التي خلقوا عليها وعندئذ يقع اللبس . و هذه الايات المباركة تبين ان القوم الذين يطلبون من رسلهم آيات او دلالات ثم لم يؤمنوا . فانه تعالى يهلكهم جميعا كما حدث لأقوام الرسل صلوات الله عليهم وسلامه قبل رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم مثل قوم لوط وقوم هود او قوم صالح وغيرهم فهذه الامورعند الله تعالى لا تتبدل ولا تتغير لذلك لم تنزل هذه الامور في قريش ولم تتحقق طلباتهم . قال تعالى: ( ولو اننا نزلنا اليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا الا ان يشاء الله ولكن اكثرهم يجهلون ) الانعام \111 وروى رجال التفسير و رجال الحديث عن ابن عباس رحمهما الله تعالى ( قال : سأله اهل مكة ان يجعل لهم الصفا ذهبا وان ينحي عنهم الجبال حتى يزرعوا فقيل لو شئت نستأني بهم وان شئت ان نؤتيهم الذي الذي سالوه فان كفروا هلكوا كما هلك من قبلهم فقال بل نستأني بهم فنزلت الاية المباركة : ( ما تأتيهم من اية من آيات ربهم الا كانوا عنها معرضين ) فظن القرشيون انه لما لم يجبهم صلى الله عليه وسلم على ما طلبوا منه افضل حالة لتعجيزه فانزل الله تعالى : ( وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في امها رسولا*) فقرروا ان يقنعوا الناس انه متقول وليس بنبي وانه عاجز عن اجابتهم وجاؤوا اليه ليطلبوا منه اية اخرى لعله لا يستجيب لهم فتسكته وتدفعه عنهم اما م الناس لعل الناس تستبين ضعفه وعدم قدرته فقالوا له : - هل من اية تبين لنا انك رسول الله ؟؟ فسأل النبي صلى الله عليه وسلم الله تعالى ان يريهم اية تبين مقدرته ومكانته عند الله تعالى .فنزلت الايات ( اقتربت الساعة وانشق القمر * وان يروا اية يقولوا سحر مستمر وكذبوا واتبعوا اهواءهم وكل امر مستقر* ولقد جاءهم من الانباء مافيه مزدجر * حكمة بالغة فما تغني النذر*) القمر\1-5 فأراه آية انشقاق القمر فقد اصبح القمر شقتين في السماء وظهر منشقا فوق جبل ابي قبيس حتى رؤا حراء من بين الشقين فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اشهدوا ..) فلما شاهدوا آية انشقاق القمر عيانا ووضوحا ولوقت طويل فكبر عليهم وبهتت انفسهم لكنهم لو يؤمنوا واستمروا في طغايانهم وكفرهم سادرين وقالوا : – هذا سحر مبين - لقد سحرنا محمد . وقال بعض رجالهم ان كان قد سحركم محمد فانه لا يستطيع ان يسحر النا س كلها فانتظروا القوافل الآتية الى مكة فاسأ لوهم عن انشقاق القمر فلما سالوا الآتين من السفر عن ذلك تأكد لديهم ان انشقاق القمر كان حقيقة . الا انهم اصروا على بقائهم في كفرهم واتباعهم اهواءهم. ان حادثة انشقاق القمر على عظمتها وقدسيتها اذ كانت حدثا عظيما اراها كانت مقدمة لحالة اكبر واعظم فان رؤية القمر منشقا فلقتين متباعدتين عن بعضهما بعين الحقيقة واليقين ربما يسهل او يقرب الحدث الاعظم في الاذهان والقلوب والذي سياتي بعد هذه الحادثة الا وهو حادثة الاسراء والمعراج والتي سنتاولها في الحلقة القادمة انشاء الله تعالى . ******************************* شذرات من السيرة النبوية المعطرة 11 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله: الاسرا ء و المعراج مذكوران في القران الكريم فالاسراء لغة : هو السير ليلا ومنها ( والليل اذا يسري ) سورة الفجر\2 وأسرى به أي سار به ليلا آ خذا بخطام بعيره او بخطام دابته فالسرى لا يكون الا بالليل . والاسراء اصطلاحا: هو التوجه او الذهاب بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ليلا من المسجد الحرام بمكة المكرمة في الحجاز الى بيت المقدس في مدينة القدس بفلسطين. اما المعراج لغة : فمعناه السلم الذي يرتقى عليه الى الاعلى والعروج هو عملية الارتقاء الى الاعلى وتجمع معارج ومعاريج أي مصاعد . والمعراج اصطلاحا : هو صعود الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم من بيت المقدس الى العالم العلوي الى السموات العلى بجسده الشريف وبروحه الطاهرة الزكية . والاسراء جاء في القران الكريم في اول سورة الاسراء في قوله تعالى ( سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا انه هو السميع البصير *) الاسراء \1 والمعراج ذكر في سورة النجم قال تعالى ( وهو بالافق الاعلى * ثم دنى فتدلى * فكان قاب قوسين او ادنى * فاوحى الى عبده ما اوحى * ماكذب الفؤاد ما رأى*افتمارونه على ما يرى *ولقد رآه نزلة اخرى * عند سدرة المنتهى * عندها جنة المأوى* اذ يغشى السدرة ما يغشى * مازاغ البصر وما طغى * لقد رأى من آيات ربه الكبرى* ) سورة النجم\ 7-18 اما وقت الاسراء والمعراج ومتى حدث ففيه اختلاف كثير ورويات متعددة فقد قيل انه كان في السنة الاولى من النبوة وفي رواية اخرى انه كان في ليلة السابع والعشرين من رجب في السنة الخامسة من النبوة ورواية اخرى في السابع عشر من رمضان في العام الثاني عشر من مبعثه صلى الله عليه وسلم وقيل في محرم الحرام من نفس العام وفي رواية اخرى قيل فيها انه حدث في السابع عشر من ربيع الاول في السنة الثالثة عشرة من النبوة . والمعول عليه انه في السابع والعشرين من رجب في العام الخامس من النبوة والله تعالى اعلم . وتفاصيل هذه الرحلة المباركة حسبما جاء في الروايات المعتمدة الصحيحة هو ان جبريل عليه السلام جاء بدابة البراق وهي دابة اكبر من الحمار واصغر من البغل وطبيعة مشيه ان يضع حافره او قدمه الخلفي عند منتهى طرفه الامامي والنبي صلى عليه وسلم كان في المسجد الحرام فاشار اليه ان يركبه فركبه وجاء به من المسجد الحرام في مكة المكرمة الى بيت المقدس في مدينة القدس في هذه الحادثة وقبل ان يعرج به الى السماء شق صدره مرة اخرى فقد جاء في الاخبار مايلي : (أماالمرةالثانية فهذه المرة التي شق فيه صدره عليه الصلاة والسلام بعد النبوة، قال أنس : (كنا نرى أثر المخيط في صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ولذلك كان صدره رحباً واسعاً، فما كان يأتيه الغضب إلا في حدود الله إذا انتهكت، فكان كثيراً ما يحلم، بل هو صلى الله عليه وسلم رسول الحلم والكرم والعظمة، يقول الله عز وجل: ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ )القلم الاية \4 وأن ذلك كان ليلة الإسراء حين عرج به إلى السماء بعدما بعث بأعوام وفيه أنه أتي بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا ، فأفرغ في قلبه . وقيل ان الرسول صلى الله عليه وسلم شق صدره ثلاث مرات في حياته . فلما وصل الى بيت المقدس وبصحبته جبريل عليه السلام فنزل وربط دابته ( البراق ) في الحلقة التي ربط الانبياء دوابهم فيها ثم دخل المسجد ثم قام ا ما ما بالانبياء فصلى بهم ركعتين وبعد الانتهاء من الصلاة جاء اليه جبريل بأناء فيه خمر ولبن فاخذ الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم اللبن وترك الخمر فقال له جبريل عليه السلام : -( اصبت الفطرة هديت وهديت امتك اما انك لو اخذت الخمر لغوت امتك) ومن هنا يتضح لنا ان الامة الاسلامية امة مهدية بفضل الله تعالى وانعامه عليها . بعد ذلك عرج به من بيت المقدس الى السموات العلى فعند السماء الاولى فتحت السماء الاولى له وهناك راى آدم ابا البشر فسلم عليه بتحية الاسلام فرد عليه السلام ورحب به وأقر بنبوة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ثم نظر الى يمينه فراى ارواح السعداء فتبسم فسعد ثم التفت الى يساره فراى ارواح التعساء و الاشقياء فبكى صلى الله عليه وسلم . ثم عرج به عليه الصلاة والسلام الى السماء الثانية فاستفتح له جبريل ففتح فشاهد فيها النبي يحيى بن زكريا وابن خالته النبي عيسى بن مريم عليهما السلام فسلم عليهما فردا عليه السلام وأ قرا بنبوته صلى الله عليه وسلم. ثم عرج الى السماء الثالثة ففتحت له فرأى فيها يوسف الصديق عليه السلام فسلم عليه فرد عليه السلام ورحب به وكا ن الله سبحانه وتعالى قد منحه الحسن والجمال والكمال وأقر بنبوته صلى الله عليه وسلم. ثم عرج الى السماء الرابعة فرأى فيها ادريس عليه السلام فسلم عليه فرد سلامه ورحب به وأقر بنبوته صلى الله عليه وسلم. ثم صعد به الى السماء الخامسة فراى فيها هارون بن عمران عليه السلام فسلم النبي صلى الله وسلم فرد عليه هارون السلام ورحب به مقرا بنبوته . ثم صعد به الى السماء السادسة فراى فيها موسى بن عمران عليه السلام فسلم الحبيب المصطفى فرد عليه السلام ورحب به وأقر بنبوته عليه الصلاة والسلام وقيل لما جاوزه الحبيب المصطفى صلوات الله عليه وسلامه بكي موسى عليه السلام فقيل له: - ما يبكيك يانبي الله فقال : - ابكي على امتي . لأ ن نبيا بعث من بعدي يدخل الجنة من امته اكثر مما يدخلها من امتي . وهذه هي الامة المحمدية المرحومة امة خاتم الانبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم . ثم عرج به الى السماء السابعة فلقي فيها سيدنا ابراهيم عليه السلام ابا الانبياء فسلم عليه فرد عليه السلام وأقر بنبوته وقيل ان ابراهيم عليه السلام رآه سيدنا محمد مسندا ظهره الى البيت المعمور وهو بيت يدخله كل يوم سبعون الف من الملائكة ولا يعودون اليه وقيل هناك راى جبريل عليه السلام على صورته الحقيقية التي خلقه الله تعالى بها وله ستمائة جناح. ثم رفع الى سدرة المنتهى التي عندها جنة المأوى فرأى اوراق هذه الشجرة كانها أذان الافيلة وثمراتها مثل القلال الكبير ة والقلال جمع قلة وهي الجرة من الفخار يوضع فيها الماء للشرب سابقا - ثم غشيها فراش من ذهب وغشيها من امر الله تعالى ما غشيها فتغيرت فما من احد من الخلق يستطيع ان يصفها او ينعتها لشدة سنائها وحسنها وبهائها. ثم عرج به صلى الله عليه وسلم الى الله الملك الجبار المتكبر فدنى حتى كان قاب قوسين او ادنى فاوحى اليه الله تعالى ما اوحى وفرض عليه صلوات الله عليه وسلامه وعلى امته خمسين صلاة في اليوم والليلة . ثم قفل راجعا حتى اذا عاد الى السماء السادسة تلقاه موسى عليه السلام فقال له : - بم امرك ربك ؟؟ قال له: (امرني بخمسين صلاة في اليوم والليلة) . قال له موسى عليه السلام : - امتك لاتطيق ذلك ارجع الى ربك فاساله الخفيف. فالتفت الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الى جبريل فاشاراليه جبريل عليه السلام انه نعم اذا شئت فارجع. فرجع فوضع عنه عشر صلوات وقيل خمس ثم عاد الى موسى عليه السلام فاشاراليه بالتخفيف مرة اخرى فقال له نفس مقالته الاولى . فاخذ الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بالرجوع ثم التخفيف حتى فرضها الله تعالى خمس صلوات في اليوم والليلة . ثم نزل به الى السماء السادسة حيث موسى عليه السلام فاشار عليه بالرجوع ورجاء ربه التخفيف وقال له : - والله لقد طلبت من بني اسرائيل اقل من هذا فضعفوا عنه وتركوه . فقال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم : (يا اخي ياموسى قد استحييت من ربي لذا فأني ارضى بها واسلم ) . فلما بعد نودي في العلى ان ( قد امضيت فريضتي وخففت عن عبادي هي خمس وهن خمسون ولا يبدل القول لدي) والله تعالى اعلم فربما تكون الخمس باجرالخمسين في اليوم والليلة . وفي هذه الليلة المباركة عاد الحبيب المصطفى الى مكة المكرمة فلما اصبح الصباح واجتمع بقومه واخبرهم خبر مسراه و معراجه صلى الله عليه وسلم فتعجبوا واشتد تكذيبهم له وأذاهم عليه واستهزائهم به لكذبه - كما يتوقعونه - فمنهم من وضع يديه على راسه استنكارا وتعجبا ومنهم من صفق بيديه تعجبا من هول الحادثة وعظمتها – بابي انت وامي ياسيدي يارسول الله كم عانيت وأوذيت في سبيل الاسلام ودعوته – وفي هذه الاثناء اخبروا ابا بكر بالخبر فقال لهم: - اهو قال هذا ؟؟ ان كان قاله فقد صدق . فقالوا له: اتصدقه على ما يقول؟؟ فقال لهم : اني لأصدقه على ابعد من ذلك . اصدقه على خبرالسماء في غدوه ورواحه . من هنا اطلق عليه الصديق وكني ب(ابي بكر الصديق ) رضي الله عنه . الا ان كفار مكة ومشركيها ورؤساءها لم يصدقوا بهذا الحديث ولم يؤمنوا به وحاولوا امتحانه صلى الله عليه وسلم فسألوه ان يصف لهم بيت المقدس فوصفه وصفا دقيقا - بعد ان جلاه الله تعالى اليه - وتكلم عنه كأنما واقفا عنده و بجانبه ويصف لهم مافيه من الايات ويصف ابوا به ومواضعه واحدا واحدا فلم يستطع احد منهم ان يرد عليه بخطئ وقالوا لمن حضر: - والله لقد اصاب في وصفه فهو كما وصف . ثم التفتوا اليه وسألوه – على سبيل الامتحان –عن القوافل التي مر بها في مسراه اين هي ومتى تصل وما عدد جمال كل قافلة فأخبرهم عنها وبكل ما فيها وحتى اخبرهم عن البعير الذي يقدم القافلة ولونه وحمله فوصفها لهم وصفا دقيقا . لكنهم مع ذلك بقوا على كفرهم وضلالهم ولم يؤمنوا بذلك . في هذه الصبيحة ذاتها نزل جبريل عليه السلام وعلم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس وكيفية ادائها وعدد ركعاتها واوقاتها - فكانت قرة عين رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة - فكانت هذه الصلوات التي بين ايدينا خمس صلوات - عند الفجرقبل شروق الشمس ركعتان - وعند الظهرعندما تكون الشمس قد تزاولت اربع ركعات – وعند العصر عندما يكون ظل الشيء بقدره اربع ركعات- وعند غروب الشمس ثلاث ركعات – وعند العشاء واشتداد الظلام اربع ركعات – فكانت هذه هي الصلاة المكتوبة: ( ان الصلاة على المؤمنين كتابا موقوتا ) صدق الله العلي العظيم وبه نستعين والحمد لله رب العالمين . **************************************** شذرات من السير ة النبوية المعطرة 12 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله: وقفنا في الحلقة السابقة على ظاهرة الاسراء والمعراج وفي هذه الحلقة نتكلم عن تمهيد للهجرة النبوية المباركة . دأب رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجهر بالدعوة الاسلامية بعدما كانت سرية وفي هذه الفترة كان يعرض الدعوة في العلن على كل من يأتي الى مكة للحج او للتجارة وقد خرج هذه المرة ايضا الى اسواق العرب خارج مكة يدعو الناس فيها الى الاسلام . كانت للعرب اربعة اسواق هي اشهر اسواقهم : الاول سوق عكاظ : هو اشهر الاسواق واكبرها وعكاظ قرية تقع بين نخلة والطائف كانت العرب تقيم فيها سوقها في شيء فيها وبضمنها سوق الادب والثقافة والشعر ونقده. فهو سوق ثقافي اكثر مما هو سوق تجاري فكان ياتي اليه الشعراء واصحاب الكلمة فينشدون قصائدهم واشعارهم ويحكم بينهم شعراء العرب المشهورين مثل النابغة الذبياني وزهير بن ابي سلمى والا عشى فيحتكم اليهم الشعراء في تقييم شعرهم والقبائل في تقييم شعرائهم وكان هذا السوق يعقد في الاول من شهر ذي القعدة الى العشرين منه ثم ينفض . والسوق الثاني : سوق مجنة وموقعه في وادي مر الظهران في اسفل مكة ينعقد بعد الانتهاء من سوق عكاظ الى من العشرين من شهر ذي القعدة وحتى نهاية الشهر وينتهي في اليوم الاخير منه . السوق الثالث : سوق ذي المجاز وينعقد في موضع خلف جبل الرحمة اي خلف جبل عرفة ويبدأ من اول يوم من ايام ذي الحجة الى اليوم الثامن منه وبانتهائه يتفرغ العرب القادمون من خارج مكة و اهل مكة ايضا للقيام بشعائر الحج . وهذه الاسواق متقاربة في وقت عقدها فهي تكون خلال ذي القعدة والثامن من ذي الحجة وتنتهي بموسم الحج الذي يبدأ من التاسع من ذي الحجة لذا يشترك به اغلب العرب القادمين للحج من كل ابناء الجزيرة العربية . و السوق الرابع : هو سوق المربد بالقرب من البصرة وقد اهتم هذا السوق بالشعر والثقافة فهو سوق ثقافي اكثر مما هو سوق تجاري . وقد عمل الرسول الكريم صلى الله صلى الله عليه وسلم ان يقصد هذه الاسواق ويدعو الناس من رواد هذه الاسواق الى الاسلام ويعرضه عليهم ويعرفهم بنفسه راغبا في دعوتهم لايمائه ونصرته وقد دعى رؤساء الوفود القادمين للاسواق ورؤساء القبائل الحاضر ة من شتى بقاع الجزيرة العربية فقد دعى بني عامر بن صعصعة وبني فزارة و بني محارب وبني حنيفة وبني سليم وبني الحارث بن كعب وبني البكاء وقبائل كنده وغسان ومرة و كلب والحضارمة وعذرة وغيرها من القبائل . وكانت القبائل تسمع منه ثم ترد عليه فاغلب القبائل ردت النبي صلى الله عليه وسلم ردا جميلا ومنهم من رده بالموافقة على الاسلام به شريطة ان تكون له الرئاسة في الاسلام من بعده بينما رده بنو حنيفة ردا قبيحا ومنهم رهط مسليمة الكذاب . واود ان اذكر ان عددا من الرجال آ منوا بالدعوة الاسلامية من غير ابناء مكة ووجهائها اذكر منهم : ضماد الازدي اليماني : من قبيلة ازد شنؤ ة من اليمن وكان ضماد يرقي الناس المصابين بالجنون من الجن والشياطين وفيطببهم فلما جاء الى مكة وسمع الناس من المشركين والكفار يقولون ان محمدا صلى الله عليه وسلم مجنون او مصابا بالجنون فعمد ليرقيه ويشفيه مما هو فيه فلما كا ن بين يديه قال النبي صلى الله عليه وسلم: - الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلله فلا هادي له اشهد ان لااله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله. فاستعاد الرجل كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات ثم قال له : - سمعت قول السحرة والكهنة والشعراء فما سمعت مثل كلماتك هذه لقد بلغن قاموس البحر .هات يدك ابايعك على الاسلام فبايعه واعلن اسلامه . و الشاعر طفيل بن عمرو الدوسي : كان رئيس قبيلة دوس اليمانية وكان شاعرا بليغا لبيبا قدم الى مكة المكرمة في السنة الحادية عشرة من النبوة وسمع بأمر النبي صلى الله عليه وسلم فحذره اهل مكة منه الا انه جاء الى المسجد الحرام فوجد ه يصلي عند الكعبة فاصغى اليه وهو يقرأ في صلاته فاستحسن ما سمع وتحدث مع نفسه قائلا: - انا شاعر لبيب وما يخفى علي الحسن من القبيح فما يمنعني ان اسمع من هذا الرجل ما يقوله فان كان قوله حسنا رضيته وقبلته وان كان فيه قبحا رفضته وتركته . فلما انتهى النبي صلى الله عليه وسلم من صلاته ورجع الى بيته تبعه طفيل الدوسي حتى دخل البيت فاستاذنه بالدخول ودخل وذكر ما سمع وطلب من النبي صلى الله عليه وسلم ان يعرض عليه امره فعرض عليه الاسلام وتلا عليه القران فلما سمعه استحسنه واعلن اسلامه وتشهد( ان لا اله الا الله وان محمد رسول الله ) وقال للحبيب المصطفى: - انا رجل مطاع في قومي فاذا رجعت اليهم سادعوهم للاسلام والايمان فادع الله ان يجعل لي آية . فدعا له الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ربه تعالى. فلما قرب من قومه علا وجهه النور واشرق كالمصباح فدعا الله تعالى ان يجعل هذا النور في غير وجهه فتحول النور الى سوطه او عصاه فلما وصل اليهم ودخل عليه قومه دعاهم للايمان والاسلام فاسلم ابوه واسلمت زوجته وتأخر قومه . فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة المنورة كان معه سبعون وقيل ثمانون بيتا من قومه . والشاعر سويد بن الصامت : من مدينة يثرب وكان يسمى ( الكامل ) لكمال شرفه وشخصيته و بلاغته و شاعريته الفذة وكان مشهورا معروفا بين قومه قدم الى مكة حا جا فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم الى الاسلام . فعرض سويد بن الصامت على النبي صلى الله عليه وسلم حكمة لقمان الحكيم فعرض النبي صلى الله عليه وسلم القرآن فأسلم وقال عنه : ان هذا لقول حسن . واخر من اذكر من هؤلاء الرجال الافذاذ ا بو ذر الغفاري فقد سمع بمبعث الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد اسلام اياس بن معاذ وسويد بن الصامت فارسل اخاه الى مكة ليستطلع الخبر ويرجع اليه فلما رجع اليه لم يفهم منه شيئا وقرر ان يستطلع الامر بنفسه فقدم الى مكة ونزل في المسجد الحرام وبقي فيه شهرا كاملا متخذا من ماء زمزم طعاما وشرابا ولا يسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم احدا خوفا على نفسه ان يقتله مشركو قريش اوكفارها وقيل بعدها استتبعه علي بن ابي طالب كرم الله وجهه حتى ادخله على النبي صلى الله عليه وسلم فطلب ابو ذر ان يعرض عليه الاسلام فعرضه عليه فاسلم ثم جاء الى المسجد الحرام وقال: - اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا رسول الله . فانقض عليه بعض رجال من قريش حتى كاد ان يقضى عليه لولا العباس بن عبد المطلب حيث انقذه منهم . فلما اصبح صباح الغد قال ما قاله بالامس فتجمعوا عليه وضربوه فانقذه العباس منهم . فرجع ابو ذر الى اهله ومساكن قومه بني غفار فلما هاجر النبي الى المدينة هاجر اليها وسكن فيها . وفدان من يثرب قدموا الى مكة الاول من الاوس والاخر من الخزرج التقى بهما الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم كل عند قدومه اليها : ففي السنة الحادية عشرة من النبوة قدم وفد من الاوس من يثرب الى مكة وكانوا يلتمسون عقد تحالف من قريش على الخزرج حيث كانت بين القبليتين نزاعات وحروب. فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم بقدوم هذا الوفد حضرهم ودعاهم الى الاسلام وكان فيهم اياس بن معاذ قيل انه كان غلاما حدثا او يافعا فقال لجماعته : - هذا والله خير مما جئتم به . فرمى احد اعضاء هذا الوفد ترابا في وجه اياس قائلا له : - لقد جئنا لغير هذا . واسكته . الا انه شاع الخبر في المدينة اذ ان اياسا رجع وكان عليه سمة الاسلام ظاهرة فكان يهلل ويكبر ويحمد الله ويسبحه حتى ادركه الموت قبيل الهجرة النبوية الشريفة . وفي هذه السنة ايضا وفد من يثرب وفد الى مكة كلهم من الخزرج. جاؤوا للحج وكان اهل يثرب يسمعون من اليهود ان نبيا سيبعث الان و قرب زمان مبعثه وستيعاهدون معه على قتلهم . فلما وصلوا الى- منى - لقيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم : - من انتم ؟؟ فقالوا : نفر من الخزرج فقال لهم : موالي اليهود ؟؟؟ اي حلفائهم قالوا : نعم قال صلى الله عليه وسلم : افلا تجلسون اكلمكم ؟ قالوا : بلى نجلس . فجلسوا فطفق الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم يشرح لهم حقيقة الاسلام ويدعوهم الى الايمان وتلا عليهم القرآن ودعاهم للايمان بالله تعالى . فقال بعضهم لبعض: تعلمون والله انه النبي الذي توعدكم به اليهود فلا تسبقكم اليه فاسرعوا الى الاسلام . ثم التفتوا الي النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له : - انا تركنا قومنا وبينهم من العداوة والشر ما بينهم فان يجمعهم الله عليك فلا رجل اعز منك عندنا . فاسلموا ووعدوه بالدعوة الى الاسلام وان يقابلونه في موسم الحج القادم وهؤلاء الرجال هم: رافع بن مالك بن عجلان اسعد بن زرارة عوف بن الحارث بن رفاعة قطبة بن عامر بن حديدة جابر بن عبد الله عقبة بن عامر ثم عادوا الى يثرب دعاة للاسلام . *************************** شذرات من السيرة النبوية المعطرة 13 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله: بعد عودة النفر الستة من الخزرج الى يثرب دعوا الناس فيها الى الاسلام وكان اليهود في يثرب كثير وكانوا يرهبون الاوس والخزرج بالنبي صلى الله عليه وسلم ويقولون لهم انه سيبعث نبي في هذا الزمان نقاتلكم معه وننتصر عليكم به . فلما بعث قدر الله تعالى ان يكفر به اليهود ويحتضنه الانصار من الاوس والخزرج ويؤمنون به فلعن الله تعالى اليهود في محكم كتابه العزيز فقال تعالى: ( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين *) ال عمران \ 89 الاوس والخزرج قبيلتان عربيتان هاجرتا من اليمن وسكنتا يثرب وكلاهما من سبأ وكانوا اخوة اشقاء من ام واب كما تذكر الروايات وامهم اسمها قيلة بنت كاهل من قبيلة قضاعة من اليمن وكانوا يسمونهم ابناء قيلة وفي ذلك يقول الشاعر: بهاليل من اولاد قيلة لم يجد عليهم خليط في مخالطة عتبا وتكاثروا بمرور الزمن فوقع بينهم دم فنشبت بينهم العداوة بسبب هذا القتيل واستمرت الحرب والقتال بينهم امدا طويلا قيل اكثر من مائة وعشرين سنة قتل فيه الكثيرمنهم وقد اطفأ الله تعالى بالاسلام هذه الحرب بعد ان آخا النبي صلى الله عليه وسلم بين الاوس والخزرج في الاسلام وفي ذلك يخاطب الله المؤمنين من الاوس والخزرج فيقول : ( واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداءا فالف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته اخوانا * وكنتم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها.. ) النساء\ 103 و104 . كبرت بيضة الاسلام في يثرب بعد دعوة النفر الستة الى الاسلام فلما انقضت السنة جاء وفد يثرب الى النبي صلى الله عليه وسلم وهم اثنا عشر رجلا عشرة رجال من الخزرج واثنان من الاوس وهما عويم بن ساعدة و ابو الهيثم بن التيهان والعشرة من الخزرج هم : رافع بن مالك بن عجلان اسعد بن زرارة عوف بن الحارث بن رفاعة قطبة بن عامر بن حديدة عقبة بن عامر معاذ بن الحارث عبادة بن الصامت ذكوان بن عبد القيس العباس بن عابادة بن نضلة يزيد بن ثعلبة فاجتمع كلهم برسول الله صلى الله عليه وسلم بعقبة منى فعلمهم الاسلام واخذ عليهم العهد والميثاق فبا يعوه على ان ( لايشركوا بالله شيئا ولا يسرقون ولا يزنون ولا يقتلون اولادهم عن ا ملاق ولايأتون ببهتان يفترونه بين ايديهم وارجلهم ولا يعصونه في معروف ) فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ( من وفى منكم فأجره على الله ومن اصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له ومن اصاب من ذلك شيئا فستره الله تعالى فامره الى الله ان شاء عاقبه وان شاء عفا عنه ) فبايعوه على ذلك وهذه هي بيعة العقبة الاولى . عاد هؤلاء القوم الى يثرب ومعهم مصعب بن عمير رضي الله عنه وكان قد سيّره النبي صلى الله عليه وسلم معهم ليقرئهم القران الكريم ويعلمهم اصول الدين والاسلام . نزل مصعب بن عميرعند بيت ابي امامة اسعد بن زرارة ضيفا عليه ونشط الرجلان في نشر الاسلام والايمان في يثرب . وبينما كان الرجلان في بستان ومعهم بعض الرجال يعلمونهم الاسلام وقد شاهدهما سعد بن معاذ رئيس الاوس فنادى ابن عمه اسيد بن حضير وطلب منه ان يقصد الرجلين – مصعب و اسعد- ليزجرهما عن هذا العمل حيث يتصورهما يسفهان الضعفاء من ابنائهم فاخذ اسيد حربته بيده وذهب اليهما فلما رآه اسعد بن زرارة قال لمصعب بن عمير : - هذا سيد قومه قد جاءك فاصدق الله فيه . فجاء ووقف عندهما وقال لهما : - ماجاء بكما الينا ؟ تسفهون ضعفاءنا . اعتزلانا ان كانت لكما بنفسيكما حاجة . فقال مصعب بن عمير له : - او تجلس فتسمع فان رضيت امرا قبلته وان كرهته كففنا عنك ما تكرهه. فقال له : لقد انصفت . ثم ركز حربته في الارض وجلس اليهم فحدثه مصعب بالاسلام والايمان وتلا عليه القرآن الكريم فاستحسن اسيد الاسلام فنطق بالشهادتين واعتنق الاسلام دينا . ولما رجع الى عمه سعد بن معاذ وقال له: - كلمت الرجلين فو الله ما رأيت بهما بأسا وقد نهيتهما فقالا: - نفعل ما احببت . ثم قال لعمه سعد بن معاذ يستفزه لعله يذهب اليهما : - حدثت ان بني حارثة خرجوا الى اسعد بن زرارة ليقتلوه لانه ابن خالتك يريدون ان يخفروك . فغضب سعد بن معاذ وذهب اليهما بعصبية فتلقاه مصعب بن عمير فكلمه عن الاسلام والايمان وتلا عليه القرآن الكريم ولم يتركه حتى تشهد واعتنق الاسلام . عندها رجع سعد بن معاذ الى قومه فجمعهم وقال لهم : - ( يابني عبد الاشهل كيف تعلمون امري فيكم ؟؟) قالوا – سيدنا وافضلنا رأيا . فقال لهم : فان كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله. فاسلم قومه جميعا رجالا ونساءا ولم يبق منهم على الكفر الا رجل واحد فلم يسلم الا في يوم احد حيث اسلم وحمل سيفه في سبيل الاسلام وقتل شهيدا في هذا اليوم ويدعى (الاصيرم ). ثم عاد مصعب بن عمير الى مكة قبل موعد الحج ومعه بشرى الى الحبيب المصطفى هي انتشار الاسلام في يثرب . اما بيعة العقبة الثانية فكانت في ذي الحجة في العام الثالث عشر من البعثة النبوية الشريفة . فقد قدم كثير من الناس من يثرب لاداء الحج من المسلمين والمشركين وقد قرر المسلمون ان لا يدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف في جبال مكة مطاردا من قبل مشركيها لخوفهم عليه فاتصلوا به سرا واتفقوا على ان يجتمعوا سرا في الرابع عشر من ذي الحجة وهو ا وسط ايام التشريق وفي ضوءالقمر وفي الشعب الذي فيه جمرة العقبة (ا يام التشريق هي الثاني عشر و الثالث عشر والرابع عشر من كل شهر قمري) . فلما كان الموعد تهيؤوا له وقيل ناموا على رحالهم مع قومهم ثم تسللوا من الركب واحدا واحدا بعد ان نام المشركون واجتمعوا عند العقبة. وكان عددهم من الخزرج \ 62 ومن الاوس \ احد عشر ومعهم ايضا امرأتان هما اسماء بنت عمرو من بني سلمة ونسيبة بنت كعب من بني النجار اخوال النبي صلى الله عليه وسلم وكان مجوع عددهم \ 73 فردا . اما النبي صلى الله عليه وسلم فجاء ومعه رجل او رجلان و عمه العباس بن عبد المطلب وكان على دين قومه فاراد ان يحضر امر ابن اخيه ويطمئن عليه . فلما نظر العباس في وجوههم قال: هؤلاء قوم لا نعرفهم هؤلاء احداث . فتكلم العباس اولا فقال لهم : - يامعشر الخزرج ( وكانت العرب تسمي الجميع الخزرج) ان محمدا منا حيث علمتم لا يزال في عز من قومه ومنعة في بلده الا انه ابى الا الانقطاع اليكم واللحوق بكم فان كنتم ترون انكم وافون له بما دعوتموه اليه ومانعوه ممن خالفه فانتم وما تحملتم من ذلك وان كنتم مسلموه وخاذلوه بعد خروجه اليكم فمن الان فدعوه فانه في عز ومنعة . - فتكلم البراء بن معرور عن الانصار فقال: - نريد الوفاء والصدق وبذل الارواح دون رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم يا رسول الله فخذ لنفسك ولربك ما احببت . فتكلم النبي صلى الله عليه وسلم فتلى ايات من القران الكريم ودعى الى الله تعالى ورغب في الاسلام وقال: ( ابايعكم على ان تمنعوني – اذا قدمت عليكم – مما تمنعون منه نساءكم وابناءكم) واشترط ما يلي : 1-ان يعبدوا الله وحده ولا يشركوا به احدا 2-السمع والطاعة في النشاط والكسل 3-الامر بالمعروف والنهي عن المنكر 4-النفقة في اليسر والعسر 5-ان يقوموا في الله ولا تأخذهم في الله لومة لائم 6-ان ينصروه اذا قدم اليهم ويمنعونه مما يمنعون انفسهم واهليهم ( نساءهم واولادهم ) ولهم الجنة فكان اول من بايعه البراء بن معرور فقال : - والذي بعثك بالحق لمنعنك مما نمنع منه ازرنا فبايعنا يارسول الله فنحن اهل الحرب والحلقة ورثناها صاغر عن كابر. فتكلم ابو الهيثم بن التيهان فقال : - ان بيننا وبين الناس حبالا ونحن قاطعوها فهل عسيت _ ان اظهرك الله – ان ترجع الى قومك وتدعنا ؟ فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: - (لا والله بل الدم الدم والهدم الهدم انتم مني وانا منكم احارب من حاربتم واسالم من سالمتم ). فقال اسعد بن زرارة : - رويدا يا اهل يثرب انا لم نضرب اليه اكباد الابل الا ونحن نعلم انه رسول الله وان اخراجه اليوم مفارقة للعرب كافة وقتل خياركم وان تعضكم السيوف فاما انتم تصبرون على ذلك فخذوه واجركم على الله واما انتم تخافون من انفسكم خيفة فذروه فهو اعذر لكم عند الله فقالوا: فوالله ما نذر هذه البيعة ولا نستقيلها . ثم قام الجميع الى النبي صلى الله عليه وسلم فبايعوه على ذلك فقال لهم صلى الله عليه وسلم :- ( اخرجوا الي منكم اثني عشر نقيبا كفلاء على قومهم ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم وانا كفيل قومي ) وفي بعض الروايات انه صلى الله عليه وسلم قال : ( ان موسى اتخذ من قومه اثني عشر نقيبا فاخرجو ا الي منكم اثني عشر نقيبا ) فكان النقباء كما يلي : 1- اسعد بن زرارة نقيب بني النجار 2و3- البراء بن معرور وعبد الله بن عمرو بن حرام نقيبا بني سلمة 4و5 سعد بن عبادة و المنذر بن عمرو نقيبا بني ساعدة 6 – رافع بن مالك بن عجلان نقيب بني زريق 7 و8- عبد الله بن رواحة وسعد بن الربيع نقيبا بني الحارث بن الخزرج 9 – عبادة بن الصامت نقيب القوافل 10و11 اسيد بن حضير والهيثم بن التيهان نقيبا الاوس 12- سعد بن خيثمة نقيب بني عوف وهكذا تمت بيعة العقبة الثانية فلما اصبح الصباح شاع الخبر بين اهل مكة اجتمع رؤسائها بمن جاء من يثرب فقالوا لهم : - انه بلغنا انكم جئتم صاحبنا البارحة تستخرجونه من بين اظهرنا وتبايعونه على حربنا . واما الله ما من حي من العرب ابغض الينا من ان تنشب حرب بيننا وبينكم . - فانبعث رجال كانوا مشركين من يثرب يحلفون لهم ان هذا لم يكن . فلما سافر الانصار وفيهم اهل البيعة الى يثرب صح الخبر فخرج رجال مكة في طلبهم فادركوا المنذر بن عمرو و سعد بن عبادة فاستطاع المنذر ان يناجزهم ويعجزهم فمضى الى يثرب اما سعد فامسكوه وقالوا له : - اانت على دين محمد ؟ قال – نعم. فشدوا وثاقه وسحبوه مع راحلته الى مكة فجاء المطعم بن عدي والحارث بن حرب فخلصاه منهم ورجع الى يثرب . وقيل اسره ضرار بن الخطاب الفهري وفي ذلك انشد : تداركت سعدا عنوة فاسرته وكان شفائي لو تداركت منذرا ولو نلته هناك جراحة احق دماء ان تهان وتهدرا وقيل سمعت قريش قائلا يقول على جبل ابي قبيس: فان يسلم السعدان يصبح محمد بمكة لا يخشى خلاف المخالف فقالوا :من هما؟؟ فقال ابو سفيان : هذا والله سعد بن عبادة و سعد بن معاذ ************************************** شذرات من السيرة النبوية المعطرة 14 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله: في الحلقة السابقة تحدثت عن بيعتي العقبة الاولى والثانية لاهل يثرب للنبي صلى الله عليه وسلم وما حدث فيهما من امور . رجع المسلمون المبايعون الى يثرب واخذوا ينشرون الاسلام وقد بدات هجرة عامة المسلمين الى يثرب وقد هاجر بعض الصحابة اليها قبل البعثة وجاء في بعض الروايات ان النبي صلى الله وسلم رأى دار هجرة المسلمين فاخبرهم بها فقال : - ( رأيت اني اهاجر من مكة الى ارض بها نخل فذهب ظني الى اليمامة او هجر فاذا هي المدينة يثرب) وفي رواية انه قال - ( اريت دار هجرتكم سبخة بين ظهراني حرتين فاما ان هجر او يثرب ). ان اول من هاجر من المسلمين الى يثرب هو ابو سلمة المخزومي مع زوجته ام سلمة فمنعها قومها من السفر بعد ما علموا بذلك وانتزعوا ولده من زوجته الا انه هاجر بمفرده ثم اطلقوا زوجته وابنه فلحقت به مع ولدها وذلك قبل بيعة العقبة الثانية بنحو سنة . ثم هاجر عامر بن ربيعة مع زوجته ليلى بنت ابي حثمة وكذلك هاجر عبد الله بن مكتوم . ثم تتابعت هجرة المسلمين من مكة الى يثرب فلما هاجر عمر بن الخطاب خرج علنا وتحديا لقريش حيث لم يجرء احد ان يمنعه او يقف بوجهه ثم هاجر قرابة عشرين من الصحابة من مكة الى المدينة ثم هاجر المسلمون جميعا من مكة الى يثرب وفي نفس الوقت عاد المسلمون الذين هاجروا الى الحبشة في او ل الدعوة الاسلامية رجعوا الى المدينة مباشرة ولم يبق احد في مكة من المسلمين الا علي بن ابي طالب كرم الله وجهه وصهيب وزيد بن حارثة وبعض من فقراء المسلمين حيث لم يقدروا على الهجرة . اما ابو بكرالصديق فقد تجهز للهجرة فلما علم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بذلك قال له : - (على رسلك فاني ارجو ان يؤذن لي). فقال ابو بكر : وهل ترجو ذلك ؟؟ قال النبي صل ى الله عليه وسلم :( نعم ) فترك الهجرة انتظارا للنبي صلى الله عليه وسلم وهيأ راحلتين استعدادا للسفر . فلما شاهد مشركو قريش ورؤساؤها هجرة المسلمين الى يثرب وعرفوا انها ستكون لهم دار منعة وان القوم اهل حرب وبأس فخا فوا ان يخرج الرسول صلى الله عليه وسلم بعدهم اليها فيشتد بذلك جمعهم فاجتمعوا في دار الندوة وهي الدار التي تحدث فيها كل الاجتماعات المهمة لاهل مكة كما سبق وان شرحتها في اول الحلقات فلما اجتمعوا حضر معهم ابليس لعنه الله تعالى في صورة شيخ نجدي . تذاكر المجتمعون امر النبي صلى الله عليه وسلم واخذ كل واحد يدلو بما عنده من رأي وكان الشيخ النجدي ( ابليس) يرده ولا يرضاه فلما جاء دور ابي جهل في الكلام قال : - قد فرق لي فيه براي ما اراكم وقعتم عليه - قالوا : وما هو. - قال ابو جهل : اراى ان نأخذ من كل قبيلة من قريش غلاما جلدا ثم نعطيه سيفا صارما ثم يضربونه ضربة رجل واحد في وقت واحد فيتفرق دمه في القبائل . فلا تدري بنو عبد مناف بعد ذلك ما تصنع ولا يمكنها من معاداة القبائل كلها عند ئذ نسوق ديته اليها . فقال الشيخ النجدي ( ابليس) : لله در هذا الفتى هذا والله الراي الصائب . فتفرقوا على هذا المقترح الذي اقترحه ابو جهل وباركه ابليس لعنهما الله . واخذوا يعملون على تنفيذه. نزل جبريل عليه السلام فاخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وطلب منه ان لا ينام تلك الليلة في فراشه . قصد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ابا بكر في منتصف النهار في ساعة لم يأته فيها احد – اي عند الظهيرة – متخفيا فقال له: -( اخرج من عندك ) -فقال ابو بكر انما هم اهلك يارسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (ان الله قد اذن لي بالخروج). فقال ابو بكر : الصحبة يارسول الله. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نعم) فقال ابو بكر: بابي انت وامي فخذ احدى راحلتي هاتين فقال النبي صلى الله عليه وسلم :( بثمن) وهكذا ابرم النبي صلى الله عليه وسلم مع ابي بكر امور الهجرة فجهزا راحلتين افضل الجهاز واستأجرا عبد الله بن اريقط الليثي دليلا لهما في سفرهما وكان - على دين قريش- فاستأمناه وسلما اليه الراحلتين وكان خبيرا بمعرفة كل الطرق فواعداه جبل ثور بعد ليال ثلاث . واستمر النبي صلى الله عليه وسلم في اعماله اليومية كي لا يشعر احدا انه نوى السفر من قريش وكان من عادته صلى الله عليه وسلم ان ينام في اوائل الليل بعد صلاة العشاء ويخرج في النصف الاخر من الليل الى المسجد الحرام ليقيم صلاة التهجد اوصلاة القيام فامرعلي بن ابي طالب كرم الله وجهه ان يبيت تلك الليلة في فراشه كما علمه جبريل عليه السلام واخبره ان لا يصيبه مكروه . في هذه الليلة ( ليلة الهجرة المباركة ) اجتمع نفر من قريش يتطلعون الى باب بيت النبي صلى الله عليه وسلم يرصدون مبيته في بيته وطوقوا البيت الا ان النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج من بيته اخذ حفنة من التراب فذرها على رؤسهم من حيث لا يشعرون وهو يقرأ: ( وجعلنا من بين ايديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون *) يس\9 ومضى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الى بيت ابي بكرالصديق وخرجا من خرجة في بيت ابي بكر ليلا . فجاء رجل والقوم محيطون ببيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم : - ماذا تنتظرون ؟؟؟ - فقالوا : محمدا - فقال لهم : خبتم وخسرتم والله قد خرج من بينكم وحثى على رؤوسكم التراب - -فقالوا والله ما ابصرنا ه واخذوا ينفضون التراب عن رؤوسهم ثم اقتحموا البيت فشاهدوا عليا نائما في فراش النبي صلى الله عليه وسلم فقا م من الفراش فقالوا له: - اين محمد؟؟ - فقال : لا علم لي به . وفي رواية اخرى انهم لما قال لهم علي لا علم لي به ضربوه وسحبوه الى الكعبة وحبسوه ساعة من نهار ثم تركوه . وهكذا ذهب مكرهم سدا قال تعالى: ( واذ يمكر بك الذين كفروا لثبتوك او يقتلوك او يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) الانفال \30 مضى النبي صلى الله عليه وسلم ورفيقه ابو بكر قاصدين غار ثور فوصلاه قبل الفجر فجائوا الى بيت ابي بكر وسألوا عنه اسماء ابنته فقالت : لا ادري فلطمها ابو جهل لطمة طرح عنها اقراطها ثم جدوا في طلبه صلى الله عليه وسلم ورفيقه . فلما وصلا الغار دخل ابو بكر فيه اولا ليتفقده ان كان فيه شيء يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصيبه هو دون رسو ل الله صلى الله عليه وسلم فوجد فيه ثقوبا وقد قام بسدها بخرق من ازاره وبقي ثقب او ثقبين وضع قدميه فيهما ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم غلبه النوم فنام في حجر ابي بكر وكان العنكبوت قد جاء ونسج على باب الغار بيته وقيل ان حمامة بنت عشها في تلك الساعة وباضت فيه ونامت على بيضتيها فلما وصل القرشيون وهم يبحثون عن النبي صلى الله عليه وسلم ورفيقه الى الغار وجدوا نسيج العنكبوت و عش الحمامة فقالوا لبعضهم البعض : - لم يدخل احد هنا ولو دخل احد هنا لتمزق نسيج العنكبوت وسقط عش الحمامة فرجعوا خائبين وقد جعلوا لمن ياتي بهما احياءا او امواتا مائة بعير . - فقال ابو بكر الصديق: يارسول الله لو ان احدهم نظر الى ما تحت قدميه لابصرنا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : -(ماظنك باثنين الله ثالثهما . لا تحزن ان الله معنا ). فنزلت الاية الكريمة: ( الا تنصروه فقد نصره الله اذ اخرجه الذين كفروا ثاني اثنين اذ هما في الغار اذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا فانزل الله سكينته عليه وايده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم *) التوبة \ 40 وقد لدغ ابو بكر من احدى قدميه التي يسد بهما الجحر لكنه آثر ان لا يتحرك لئلا يستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فلما استيقظ سأله ما به فقال : - لدغت فداك امي وابي فمسح النبي صلى الله عليه وسلم مكان اللدغ واضعا عليه من لعابه شيئا فانزاح الالم وكانا يسمعان كلامهم الا ان الله تعالى اعمى ابصارهم فغم عليهم امرهما . قالت عائشة فجهزناهما احث الجهاز وصنعنا لهما سفرة في جراب فقطعت اسماء قطعة من نطاقها فاوكت به فم الجراب – اي شدته- وقطعت الاخرى عصاما للقربة فشدتها لذلك لقبت اسماء- ذات النطاقين بقي النبي صلى الله عليه وسلم وابو بكر ثلاث ليال في غار ثور حتى خمد البحث عنهما قليلا فجاء اليهما( اريقط ) ذلك الرجل الذي استأجراه واسلماه الراحلتين فارتحلا قاصدين يثرب . ************************ شذرات من السير ة النبوية المعطرة 15 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله: في ليلة الاثنين الاول من ربيع الاول من العام الرابع عشر من النبوة ركب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم راحلته صحبة ابي بكرالصديق والدليل ( عبد الله بن اريقط الليثي ) وصحبهم عامر بن فهيرة مولى ابي بكرالصديق وتحرك الركب من غار ثور متجها الى يثرب وسلك بهما الدليل طريقا غير مسلوك الا قليلا باتجاه الجنوب نحو اليمن حتى ابعد كثيرا ثم اخذ بهم الى الغرب نحو البحر- وهذه اول خطوات البعثة النبوية المعطرة – ثم اتجه الركب الى الشمال على مقربة من ساحل البحر وسلكت القافلة المهاجرة طريقا لم يسلكه احد من قبلهم الا قليلا . وكان هذا العام هو العام الهجري الاول في التقويم الاسلامي القمري الذي يبدأ باول محرم الحرام وينتهي بانتهاء ذي الحجة من كل عام . وقالت اسماء بنت ابي بكر : لما خرج والدي اخذ معه كل ماله فدخل علينا جدي ابو قحافة وكان فاقد البصر فقال : -اني والله لأراه فجعكم بماله مع نفسه فقلت له: كلا والله لقد ترك لنا خيرا واخذت حجارة فوضعتها في كوة البيت وقلت له: - ضع يدك على المال. فوضعها وقال : لا باس ان كان قد ترك لكم هذا فقد احسن وقالت : والله ماترك لنا شيئا وانما اردت ان اسكت الشيخ . والت القافلة سيرها الليل كله وانتصف النهارالتالي واصبح الطريق قفرا خاليا عندئذ نزل الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ليستريح تحت ظل صخرة بينما راح ابو بكرالصديق يستكشف ما حوله فشاهد راع يرعى فاستحلب منه ابو بكر فلما استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم سقاه ابو بكر حتى شبع ثم ارتحلوا. في اليوم الثاني من هجرتهم الميمونة مروا على خيمة ام معبد - وام معبد هذه امراة من كعب وفي رواية اخرى من خزاعة وزوجها يسكنون في موضع يسمى ( المشلل) في ناحية قرية ( القديد) التي تبعد عن مكة بحوالي\ 130 كم وكانت تطعم من مر بها وتسقيه يعرفها القاصي والداني فنزلوا عندها وسألوها ان كان عندها شيء ياكلونه فاعتذرت عن اقرائهم واخبرتهم ان الشياه عازب – بعيد المرعى والكلا . فشاهد النبي صلى الله عليه وسلم نعجة قرب الخيمة اجهدها الهزال والضعف ولم يكن فيها قطرة من لبن فاستاذن ام معبد بحلبها فحلبها فبارك الله فيها ودرت لبنا كثيرا سائغا طيبا ملأ الاناء الكبير وفاض منه . فسقى النبي صلى الله عليه وسلم ام معبد حتى رويت ثم سقى اصحابه حتى شبعوا ثم شرب فارتوى ثم حلبها ثانية بملئ الاناء وتركه عندها وارتحلوا . فلماء جاء زوجها يسوق اغناما عجافا وفي رواية اخرى عنوزا عجافا فتعجب حين شاهد اللبن الكثير فقا ل لها: - من اين هذا ؟؟؟ قاخبرته القصة بان رجل مبارك مر بها مع اخرين ووصفت النبي صلى الله عليه وسلم من مفرقه الى قدمه فقالت ( انه رجل ظاهر الوضاءة حسن الخلق لم تعبه ثجلة ولم تزور به صعلة وسيم قسيم في عينيه دعج وفي اشفاره وطف وفي صورته صحل وفي عنقه سطع وفي لحيته كثاثة احور اكحل ازج اقرن شديد سواد الشعر اذا صمت عليه الوقار واذا تكلم علاه البهاء اجمل الناس وابهاه من بعيد واحسنه واحلاه من قريب حلو المنطق لا نذر ولا هذر كأن منطقه خرزات نظم يتحدون ربعة لا تقتحمه عين من قصر ولا شنوءة من طول غصن بين غصنين فهو انضر الثلاثة منظرا واحسنهم قدرا له رفقاء يحفون به اذا قال استمعوا لقوله واذا امر تبادروا الى امره محفود محشود لا عابس ولا مفند) فقال ابو معبد: والله هذا صاحب - قريش الذي تطلبه ولقد هممت ان اصحبه ولأفعلن ان وجدت الى ذلك سبيلا . وفي صباح ذلك اليوم صاح صوت بمكة عاليا يسمعه الجميع ولا يرون القائل وهو ينشد: جزى الله رب الناس خير جزائه رفيقين حلا خيمتي ام معبد هما نزلا بالبر وارتحلا به فافلح من امسى رفيق محمد فيا لقصي ما زوى الله عنكمو به من فخار لا يحاذى وسؤدد ليهن بنو كعب مكان فتاتهم ومقعدها للمؤمنين بمرصد سلوا اختكم عن شاتها وانائها فاكموا ان تسألوا الشاة تشهد دعاها بشاة حائل فتحلبت له بصريح ضرة الشاة مزيد لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم وقدس من يسري اليه ويغتدي وعن اسماء بنت ابي بكر قالت : - مكثنا ثلاث ليال لا ندري اين توجه النبي صلى الله عليه وسلم اذ اقبل رجل من الجن من اسفل مكة يتغنى بابيات غناء العرب والناس يتبعونه ويسمعون منه ولا يرونه حتى خرج من اعلى مكة فعرفنا حدسا اين توجه رسول الله . ثم ساروا حتى جاوزوا ( القديد) فتبعهم سراقة بن مالك بن جهشم المدلجي آملا في جائزة قريش ( مائة بعير لمن ياتي بمحمد وصاحبه حيا اوميتا ) فلما وصل قريبا منهما كبت فرسه حتى سقط عنها ثم نهض فاستقسم بالازلام ايضرهم ام لا يضرهم فخرج الذي لايضرهم لكنه عصى الازلام وركب ثانية هم اللحاق بهم حتى دنا منهم بحيث يسمع ما يقرأ النبي صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت اليه وابو بكر يكثر الالتفات في كل جانب . فساخت ارجل الفرس الامامية حتى ركبتيها فخر عنها الى الارض ثم زجرها فاخرجت يديها من الارض فلما استوت قائمة صار لاثر يديها غبار ساطع في السماء مثل الدخان عاليا فوقف سراقة استقسم بالازلام ثانية فظهر الذي يكرهه فداخله رعب كبير وفطن ان امر رسول الله صلى الله عليه وسلم لابد سيظهر فسألهم الامان فوقفوا حتى لحق بهم واخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما قرره اهل مكة وعرض عليه الزاد والمتاع فلم يأخذ منه شيئا وطلب منه ان يخفي امرهما ورجاه سراقة ان يستكتبه الامان فكتبه عامربن فهيرة في اديم ودفعه اليه ورجع سراقة. فكان كل من لقيه في الطريق يؤكد له بعد م رؤيته لهم . و قد لقيهما في الطريق بريدة بن الحصيب الاسلمي في سبعين رجلا فارسا فاسلموا وصلى بهم صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء الاخرة ثم لقيهما الزبير بن العوام في بطن وادي (الريم) في ركب من المسلمين كانوا في تجارة من الشام فكسى الزبير النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه بملابس بيضاء. ولما بلغ الانصار في يثرب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خرج من مكة قاصدا مدينتهم كانوا يخرجون في كل يوم الى ( الحرة ) ينتظرون قدومه فاذا اشتد حر الشمس رجعوا الى منازلهم وفي يو م الاثنين الثاني عشر من ربيع الاول خرجوا كعادتهم فلما حميت الشمس رجعوا فصعد رجل من اليهود على اطم من آطام المدينة فراى ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه من بعيد يزول بهم السراب بملابس بيضاء فصرخ باعلى صوته : يابني قيلة ( وهي ام الاوس والخزرج كما سبق واشرنا له ) هذا صاحبكم . قد جاءكم من تنتظرونه . هب الانصار راكضين نحو القافلة بحر الظهيرة الى (السلام) موضع معروف ليلتقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعوا التهليل والتكبير في بني عمرو بن عوف فكبرالمسلمون وخرجوا الى لقياه وحيوه بتحية النبوة والاسلام واحدقوا به رافلين بالفرح والسرور . فنزل بهم في بني عمرو بن عوف في (قباء) على مقربة من المدينة المنورة ( يثرب ) التي نورها النبي الحبيب المصطفى بنوره فاصبحت تسمى المدينة المنورة من ذلك الوقت وقد نزل رسول الله في (قباء) على كلثوم بن الهدم وقيل في رواية اخرى على سعد بن خيثمة حيث مكث فيها اربعة ايام وقد اسس في اثنائها مسجد قباء المعروف اليوم وهو اول مسجد اسس وبني في الاسلام. وقد زرناه وتباركنا وصلينا فيه هذا العام والحمد لله. وفي يوم الجمعة اليوم الخامس من وصوله ركب صلى الله عليه وسلم بامر من الله تعالى وابو بكر معه فارسل الى اخواله بني النجار فحضروا متقلدين سيوفهم فسار فيهم نحو المدينة المنورة وادركته الجمعة في بني سالم بن عوف فصلى الجمعة فيهم في بطن الوادي في موضع المسجد الموجود الان في بطن الوادي وهم قرابة مائة رجل . ثم ركب متجها نحو مركز المدينة وقد زحف الناس لاستقباله وارتجت البيوت والسكك والشوارع بالتحميد والتقديس وخرج النساء والصبان والاولاد وهم يتغنون : طلع الفجر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعا لله داع ايها المبعوث فينا جئت بالامر المطاع وكان الانصار كل منهم ياخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم وهم يقولون .: - هلم الى العدد والعدة والسلاح والمنعة فيجيبهم صلى الله عليه وسلم : - خلوا سبيلها فانها مامورة فلما وصلت الناقة الى مكان المسجد النبوي الشريف بركت فلم ينزل عنها حتى نهضت وسارت قليلا ثم التفتت ورجعت ثم بركت مرة تخرى في موضع بروكها الاول فنزل النبي صلى الله عليه وسلم عنها . فاخذ الناس يترجونه ويكلمونه في النزول عليهم فاحب ان ينزل على اخواله تكريما لهم . فبادر ابو ايوب الانصاري فادخل رحله الى بيته فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: - المرء مع رحله . واخذ اسعد بن زرارة بزمام راحلته فكانت عنده . فتسابق سراة الانصار الى استضافة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فكانت تاتيه الجفان مليانة . تاتيه منهم في كل ليلة وعلى بابه ثلاث او اربع جفان. واصبح كما قال شاعرهم قيس بن صرمة : ثوى في قريش بضع عشرة حجة يذكر لو يلقي حبيبا مواتيا فلما اتانا واستقر به النوى واصبح مسرورا بطيبة راضيا واصبح لايخشى ظلامة ظالم بعيد ولا يخشى من الناس باغيا بذلنا له الاموال من جل مالنا وانفسنا عند الوغى والتآ سيا نعادي الذي عادى من الناس كلهم جميعا وان كان الحبيب المصافيا ونعلم ان الله لا رب غيره وان كتاب الله اصبح هاديا وقال الشاعر حسان بن ثابت : قومي الذين هموا آووا نبيهمو وصدقوه واهل الارض كفار الا خصائص اقوام همو تبع في الصالحين مع الانصار انصار مستبشرين بقسم الله قولهموا لما اتاهم كريم الاصل مختار وقال ايضا : نصرنا وآوينا النبي محمدا على انف راض من معد وراغم قال البراء : اول من جاءنا مصعب بن عمير وابن مكتوم فجعلا يقرآن النا س القرآن ثم جاء عمار بن ياسر وبلال وسعد ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين راكبا ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ) فاقام النبي عند ابي ايوب حتى بنى بيته ومسجده . بعث النبي صلى الله عليه وسلم- وهو مقيم في منزل ابي ايوب الانصاري – زيد بن حارثة وابا رافع الى مكة فقدما اليه بابنتيه فاطمة وام كلثوم وزوجته سودة بنت زمعة واسامة بن زيد وام ايمن . وكذلك خرج معهم عبد الله بن ابي بكر وفيهم عائشة ايضا . اما علي بن ابي طالب رضي الله عنه فبقي بمكة ثلاثة ايام بعد هجرة النبي ادى الودائع التي كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لاهل مكة ثم هاجر ماشيا على قدميه فلحق بركب الرسول صلى الله عليه وسلم وهو بقباء فنزل على كلثوم بن الهدم . ثم هاجر صهيب فحجزه مشركو مكة فتنازل عن امواله لهم على كثرتها فسمحوا له بالهجرة فلما وصل المدينة واخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك قال : - (ربح البيع ابا يحيى ). - حيث كانت كنية صهيب ( ابو يحيى ) *********************** شذرات من السيرة النبوية المعطرة 16 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله: ذكرت في الحلقة الخامسة عشرة من هاجر من المسلمين الى المدينة المنورة واذكر ان بعض المسلمين حبسهم المشركون من قريش ولم يسمحوا لهم بالهجرة وعذبوهم لعلهم يرجعون عن دينهم منهم هشام بن العاص وعياش بن ربيعة والوليد بن الوليد وغيرهم فكان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يدعو لهم في صلاته ومن هنا شرع دعاء القنوت في الصلاة الواجبة – الوتر – ( وهي ثلاث ركعات بعد صلاة العشاء الاخرة ). وكان صلى الله عليه وسلم يدعو على من حبسهم وكفهم عن الهجرة وبعد مدة قام بعض المسلمين باخراجهم من مكة بعملية جريئة واخرجوهم من قيود المشركين كفار مكة فهاجروا الى المدينة. ولما نزل المهاجرون بالمدينة المنورة فتغير الطقس عليهم وشعروا بالحزن والهم لفراقهم ديارهم وارضهم فاخذوا يحنون اليها ويذكرونها كثيرا فمرض اغلبهم واصابتهم الحمى وبعض الامراض وقيل ان المدينة كانت ارضا موبوءة بالمرض فمرض ابو بكر وكان يقول حين تشتد به الحمى : مل امرئ مصبح في اهله والموت ادنى من شراك نعله وقيل ان بلالا الحبشي اذا اصابته الحمى ثم اقلعت عنه يقول: الا ليت شعري هل ابيتن ليلة بواد وحولي اذخر وجليل ؟ وهل اردن يوما مياه مجنة وهل يبدون لي شامة وطفيل اللهم العن ابن ربيعة وامية بن خلف وشيبه بن ربيعة كما اخرجونا من ارضنا الى ارض الوباء. وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم ربه سبحانه وتعالى ( اللهم حبب الينا المدينة كحبنا مكة او اشد حبا .اللهم صححها وبارك في صاعها ومدها وانقل حماها فاجعلها بالجحفة) فاستجيب دعاء المصطفى صلى الله عليه وسلم فاستراح المسلمون من الامراض ولقد تعود المسلمون مناخ المدينة فاحبوها . بعد استقرار النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة بدأ ينسق امور المسلمين ويدعو الناس الى الاسلام والايمان . وقد بدأ تشكيل اول حكومة اسلامية و قيام دولة الاسلام من يوم هجرة النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة المنورة . واتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخطوة الاولى في بناء هذا الحدث العظيم( الاسلام ودولته ) في بناء المسجد النبوي – يعمره الله على مدى الازمنة والدهور – فقام بشراء الارض التي بركت فيها ناقته وكانت لغلامين يتيمين وكانت مساحتها مائة ذراع في مائة ذراع وتذكر اغلب الروايات انها كانت قبل ذلك مقبرة مهجورة فيها بعض قبور المشركين وكذلك فيها نخيلات وتحتها شجيرات الغرقد – هذا الشجر المقدس عند اليهود - وفي رواية اخرى كان هذا الموضع مربدا لسهل وسهيل غلامين يتيمين من الانصار كانا قد رباهما اسعد بن زرارة الانصاري فساوم النبي صلى الله عليه وسلم الغلامين في ثمن الارض ليتخذها مسجدا فقالا : - بل نهبها لك يارسول الله . فابى النبي صلى الله عليه وسلم فاشتراها بعشرة دنانير منهما . وجاء في الصحيح( ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ( يابني النجار ثامنوني بحائطكم قالوا : لا يارسول الله لا نطلب ثمنه الا الى الله ). امر النبي صلى الله عليه وسلم ان يزال كل مافي الارض من شجر او قبر وجمعت جذوع النخل في قبلة المسجد التي جعلت شمال المسجد حيث جعلت القبلة باتجاه بيت المقدس ثم خطط طوله مما يلي القبلة الى اخره مائة ذراع وعرضه بقدر طوله وفي رواية اقل بقليل . وجعل اساسات البناء ثلاثة اذرع واستمرالبناء بالطين واللبن وسقّف بجريد النخل وجذوعها وبالعمد وفرشت ارضيته بالحصى والرمل وجعل له ثلاثة ابواب وقبلته في شماله الى بيت المقدس وقد اشترك الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بالبناء فكان ينقل الحجارة واللبن مع المهاجرين والانصار ويرتجز ليزيدهم نشاطا في العمل ويقول : اللهم ان العيش عيش الاخرة فاغفر للانصار والمهاجرة فجعل الانصار والمهاجرين يرتجزون ايضا ومن ذلك قولهم : ولئن قعدنا والرسول يعمل لذلك منا العمل المضلل وشيد حجرتين بجانب المسجد بالحجارة واللبن ايضا وسقّفهما بالجذوع والجريد واحدة لزوجته سودة بنت زمعة والاخرى لعائشة رضي الله عنهما وقد دخل بعائشة بنت ابي بكر بعد وصولها الى المدينة المنورة في شوال في السنة والاولى من الهجرة . وفي المسجد النبوي نظمت قصيدة حيث كنت في المدينة المنورة اذكر منها : الله يجعل في الانسان رحمته ... والشوق يكبر والايمان يرتفع أحببت نور الهدى والشوق يدفعني نحو الحبيب وبالانوار ينسطع في المسجد النبوي في نور روضته أرواحنا أشرقت كالعطر تندفع هبت علينا رياح الشوق عابقة في هيبة خشعت والوجد يرتجع هبت علينا رياح الروض عاطرة ممزوجة اعطارها بالمسك تندلع واشتد شوقي وبا لانفاس في سحر او ضجّت الاحلام بالروح تنسفع والفكر راح الى صرح يشيّده ذكراه نور من القران يرتفع يا ويح قلبي وما نفسي بعالمة حبي وشوقي فكالينبوع يندفع هذ ا الضريح - ضريح الشوق أعشقه - للمصطفى المختار والخلق تجتمع أبكيك يا سيدي دمعا ينازعني شوقا يؤ رّ قني و الر وح تنصدع القلب حاطت به الأنوار في ألق قد رحت أبكي لرب العرش أرتجع ان الصلاة لرب العرش تسعدني في روضة حزمت لله ترتفع والقلب شاق وللمحبوب في ولع والفكر راق وبالاوصال تنسجع نفسي جناب رسول الله يشغلها في هيبة عظمت والروح تنصدع وانحل نهر الدمع يشكو عند روضته شوقا اليه وفيها القلب ينخلع يا دمع أهمل بلا عيب ولا وجل في روضة . أبحر للدمع تتسع كل الرجال حشود عند روضته والدمع منهمل والنفس تنصرع يا سيدي يا رسول الله معذرة الكل في حضرة التقريب يستمع وثاني عمل عمله النبي صلى الله عليه وسلم بعد بناء المسجد النبوي انه آخى بين المهاجرين والانصار حيث كان الانصار يتنافسون في استضافة المهاجرين في بيوتهم وقد ذكر الله في القرآن الكريم . ( والذين تبوؤا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر اليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما اؤتوا ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فاؤلئك هم المفلحون *) الحشر \9 وقد زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحب والايثار بعقد هذه المؤاخاة قوة ومودة بين المهاجرين والانصار فجعل كل رجل مهاجر في بيت اخيه الانصاري وكانوا تسعين رجلا نصفهم مهاجرين ونصفهم انصار فآخى بينهم على المؤآخاة والمؤآساة وقرر انهم يتوارثون فيما بينهم بعد الموت دون ذوي الارحام . الا ان هذا التوارث نسخه القرآن الكريم بالتوارث الرحمي الذي نزل في سورة النساء . وبقيت المؤاخاة وعقدت هذه المؤاخاة في دار انس بن مالك رضي الله عنهم جميعا . وكان من شدة محبة الانصار لاخوتهم المهاجرين انهم عرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم نخيلهم او بساتينهم ليقسمها بينهم وبين اخوتهم المهاجرين فلم يوافق فقالوا له : - اذن تكفونا المؤونة ونشرككم في الثمرة . فرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك . ومن هذه الاخوة ان سعد بن الربيع – وكان اكثرالناس ما لا واغناهم – وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد آخا بينه وبين عبد الرحمن بن عوف قال لاخيه عبد الرحمن بن عوف : - اقسم مالي بيني وبينك نصفين ولي زوجتان فانظر ايهما تعجبك فسمها لي لكي اطلقها فاذا اعتدت وانقضت عدتها فتتزوجها انت . فقال عبد الرحمن : بارك الله لك في اهلك ومالك ثم قال لبعض الناس:- اين سوقكم ؟؟ فدلوه على سوق في بني قينقاع فقصدها وتسوق منها فضلا واقطا وسمنا وجاء بها الى بيت اخيه سعد بن الربيع . وما هي الا ايام قليلة الا وتزوج عبد الرحمن بن عوف بابنة احد الانصار . وفي المسجد شيد ركن لايواء الفقراء والمساكين من المهاجرين ونزل اهل الصفة في هذا الركن من المسجد وهم الفقراء الذين لا اهل لهم ولا مأوى والذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفرقهم بين اصحابه فاذا جاء الليل تجمعوا في المسجد النبوي وكان جماعة منهم يتعشى مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم حتى اغناهم الله من فضله . بدأ المسلمون يحضرون الصلوات الخمس في المسجد النبوي يصلونها جماعة في امامة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقترحوا ان يدق ناقوس لكي يجتمعون على صوته في وقت الصلاة واقترح اخرون ان يكون بوقا ينفخ فيه الا ان عمر بن الخطاب اقترح ان يبعث رجل فينادي ( الصلاة جامعة ) فاستحسنه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وبعد مدة راى الصحابي عبد الله بن زيد بن عبد ربه الانصاري الاذان في منامه فاخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : - (انها لرؤيا حق) . ثم امر ان يحفّظ الاذان لبلال فاذن بلال للصلاة في هذا الاذان الموجود في كل بلاد الاسلام ويؤذن فيه في كل مساجد المسلمين للصلاة فقال عمربن الخطاب : - والله لقد رايت مثله فتاكد من الرؤيا واعتمد الاذان فكان بلال يصعد المسجد النبوي فيصيح باعلى صوته في الاذان لكل صلاة وهكذا صار الاذان شعار الاسلام منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا وسيبقى الى قيام الساعة انشاء الله تعالى . وتوفي في هذا العام وهو الاول من الهجرة المباركة اسعد بن زرارة قبل ان يتم بناء المسجد النبوي وكان من الاعيان وتوفي ضمرة بن جندب وكان مريضا قبل هجرته الى المدينة المنورة حيث قال لاولاده اخرجوا بي منها –يريد من مكة – فخرجوا به مهاجرا فادركه الموت في منطقة ( اضاة بني عقار) اي في موقع ( التنعيم) الحالي وقيل انزل الله تعالى هذه الاية المباركة فيه : ( ومن يخرج من بيته مهاجرا الى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع اجره على الله *) المائدة\ 100 المجتمع المدني انذاك متكون من ثلاث مكونات اساسية اولا من المسلمين حيث آخا النبي صلى الله عليه وسلم بينهم فصاروا امة واحدة لهم كيانهم الا انهم بحاجة الى تنظيم اجتماعي جديد وتوحيدهم فجمعهم النبي صلى الله عليه وسلم في تنظيم مستقل في اطار الاسلام وجعل منهم امة مستقلة عن الاخرين في المدينة . اما الاخران فيختلفان عن المسلمين في العقيدة والدين والميول والمصالح وهم اليهود والمشركون . فعقد النبي صلى الله عليه وسلم ميثاقا بين المسلمين بعضهم مع بعض من المهاجرين والانصار وميثاقا اخر بين المسلمين وبين اليهود وميثاقا ثالثا بين المسلمين والمشركين من جهة اخرى . ****************************************** شذرات من السير ة النبوية المعطرة 17 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله: ذكرت في الحلقة السادسة عشرة وجود اكثر من كيان حيوي في مجتمع المدينة واختلاف هذه الكيانات عن بعضها في المصلحة والتعامل والدين والعقيدة . فاول عمل عمله النبي صلى الله عليه وسلم عقد ميثاقا بين المسلمين من المهاجرين والانصار وهو ميثاق التآخي بينهم وجعل الاخوة الاسلامية فوق كل شيء حتى فوق الاخوة الحقيقية بادئ ذي بدء فجعل لكل فرد من الانصار اخا من المهاجرين يرث احدهما الاخر حتى بعد وفاته واشركهم في الامور صغيرها وكبيرها وجعلهم كعائلة واحدة اضافة الى الاخوة الاسلامية وهي الرابط الاسمى قال تعالى ( انما المؤمنون اخوة فاصلحوا بين اخويكم ) الحجرات \ اضافة الى تعريفهم بالحقوق لهم والواجبات عليهم وتثبيت الاسس التي تجعل منهم امة واحدة مستقلة عن الاخرين وهذه الشروط هي كالاتي : 1- المسلمون من قريش ويثرب ومن تبعهم وجاهد معهم امة واحدة من دون الناس الاخرين 2- اداء واجبات دينهم وفداء الاسرى يكون كما كانوا عليه قبل هذا اليوم وعلى المؤمنين والمسلمين النصر في الدية والفداء بعضهم للبعض الاخر. 3- يكون المسلمين يد واحدة على الظالم والمفسد والباغي ولو كان مسلما. 4- لا يجوز قتل مؤمن بكافر ولا يجوز نصر كافر على مسلم باي حال من الاحوال. 5- ان سلم المسلمين واحدة 6- ذمة الله واحدة فيجير عليهم ادناهم 7- لليهود حق النصر والاسوة اذا تبعوا المسلمين وواثقوهم . 8- لايحق لمؤمن ان ينصر محدثا او ايوائه 9- من يقتل مؤمنا متعمدا او قصدا يقتص منه الا ان يرضي ولي امرالقتيل 10- يجب على المؤمنين الوقوف ضد القاتل و المعتدي 11- اذا حدث اختلاف بين السلمين فان مرده الى الله والى الرسول . وجعل هذه البنود ثابتة في الامة الاسلامية فللمسلمين حق الاخوة الاسلامية والوقوف معهم في كل الامور والتكاتف والتعاون والتناصر والمؤآساة واسداء النصح والارشاد الى الخير والايمان وقد تاكد فيما مضى من الزمن ان هذه الاخوة سمت شموخا على مدى الحقب الزمنية التي عرفها التاريخ الاسلامي ولحد اليوم . ثم التفت الى المشركين فرتب امورهم حيث كان كيانهم على وشك الانهيار حيث اسلم اغلبهم سواء كانوا رعاعا او سوقة ورؤساء وكبراء واصبحوا لايستطيعون الوقوف امام المسلمين فقرر النبي صلى الله عليه وسلم مايلي: (لايجير مشرك مالا لقريش ولا نفسا ولا يحول دونه على مؤمن .) بذلك انتهى كل شيء يخشاه النبي صلى الله عليه وسلم منهم اذ جعلهم دون المسلمين درجة . اما اليهود فقد عقد النبي صلى الله عليه وسلم معهم اتفاقا حسب للبنود التالية : 1- اليهود امة مع المؤمنين . لهم دينهم وعليهم نفقتهم وللمسلمين دينهم وعليهم نفقتهم . 2- يجب على كل منهم نصرالطرف الاخر في حالة الحرب وفي اي مداهمة للمدينة من اي طرف من الاطراف وكل يدافع او يحمي جبهته 3- بين المسلمين واليهود النصح والنصيحة والبر بدون اثم 4- لايؤخذ الحليف باشم حليفه. 5- نصر للمظلوم على الظالم 6- اليهود ملزمين بالانفاق على المؤمنين مادامو ا محاربين 7- كل يثرب حرام على اهل هذه الصحيفة 8- اذا حدث حادث او شجار بين المسلمين واليهود فان مرده الى الله ورسوله 9- انه لاتجار قريش ولا من نصرها 10- لا يحول هذا الكتاب دون ظالم اوآثم ولو تفحصنا هذه الامور والمواثيق لوجدناها قد رجحت فيها كفة المسلمين اذ تحولت المدينة المنورة الى دولة ذات سيادة الكلمة النافذة فيها للمسلمين ويرأس هذه الدولة الصغيرة النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا اصبح المسلمون سادة الموقف . تفرغ النبي صلى الله عليه وسلم الى الدعوة الالهية الاسلامية ونشرها يعاونه المسلمون في ذلك فقد كان يحضر مجالس المسلمين وغيرالمسلمين من اليهود والمشركين يتلو عليهم القرآن الكريم ويدعوهم للايمان بالله تعالى ونبذ الشرك دون ان يستطيع احد ان يرده او يمنعه او يقف بوجهه صلى الله عليه وسلم . سمع المشركون بهذه الامور والاحداث فازدادوا حقدا وكراهة ليس على شخص النبي صلى الله عليه وسلم وحسب وانما عليه وعلى المسلمين كافة . واخذوا يحرضون المشركين في المدينة بقتال المسلمين فيها واخراجهم من المدينة المنورة فقد شعر المسلمون- بعد ان ارتاحوا في المدينة من خبائث المشركين في مكة – بملاحقتهم لهم الى المدينة المنورة فقد هدد مشركو مكة مشركي المدينة المنورة بقتلهم واستباحة نسائهم ان هم لم يقاتلوا المسلمين ويطردونهم وهددوهم بمنعهم من دخول مكة ويقطعوا علاقاتهم بهم مما اضطر بعض منهم بالتجمع لقتال المسلمين في المدينة المنورة . الا ان النبي صلى الله عليه وسلم علم بذلك فاجتمع بهم ووعظهم ونصحهم فتفرقوا وغيروا رايهم عن قتال المسلمين . كما ان خطر المشركين في مكة احدق بالسلمين الذين يذهبون الى مكة فمشركو مكة قرروا الوقوف بالمرصاد لكل مسلم تطأ رجله ارض مكة . فقد اراد سعد بن معاذ رضي الله عنه وهو رئيس الاوس ان يخرج الى مكة معتمرا فلما ذهب اليها وبينما هو يطوف حول الكعبة ومعه ابو صفوان امية بن خلف لقيهما ابو جهل فلما تعرف على سعد بن معاذ هدده وتوعده بالقتل لمن يصل الى مكة من المسلمين وقال له : - تطوف بمكة آمنا وقد آويتم الصبأة وصبأتم معهم اما والله لولا انك مع ابي صفوان ما رجعت الى اهلك سالما . فعرف المسلمون ان هذا خبر لهم بصدهم عن المسجد الحرام وتحريم دخوله على المسلمين ومن دخله سيعرض نفسه للقتل والاذى . وكان عبد الله بن سلام حبر اليهود الاعظم في المدينة قد اسلم وبينما لم يسلم بقية اليهود وبقوا على يهوديتهم رغم دعوته لهم الى الاسلام . وكان لرجال قريش وسادتها صلات وعلاقات بيهود المدينة فاوعزوا اليهم فعل اي شيء ضد المسلمين – واليهود مشهود لهم بخلق الفتنة ونشر الضغائن عبر التاريخ – فاخذوا يثيرون الفتنة والحقد والكراهية والضغينة القديمة بين المسلمين منها اثارة الفتنة بين الاوس والخزرج ومحاولتهم خلق جو مضطرب بينهم . وكان في المدينة ثلاث قبائل يهودية هم بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة وقد نقضوا عهدهم بعد اسلام عبد الله بن سلام فحاربهم النبي صلى الله عليه وسلم و قرر المن على بني قينقاع فعفى عنهم و بينما اجلى بني النضير عن المدينة وقتل بني قريظة . وشاع نوع من الخوف والفزع بين المسلمين فكان المسلمون لا ينامون الا وبايديهم السلاح حتى قيل انهم كانوا ينامون فيه واخذوا يحرسون النبي صلى الله عليه وسلم خوفا عليه . فانزل الله تعالى الاية ( والله يعصمك من الناس ) فخرج اليهم وقال لهم : ( ايها الناس انصرفوا فقد عصمني الله ) . في هذه السنة وهي الثانية للهجرة المباركة فرض الله تعالى صيام شهر رمضان على المسلمين وبهذا نسخ صوم عاشوراء واصبح صومه نافلة مستحبة . و اصبح صوم رمضان فرضا على المسلمين وركنا من اركان الاسلام فانزل الله الايات ( كتب عليكم الصيام كما كتب على ا لذين من قبلكم لعلكم تتقون * اياما معدودات فمن كان منكم مريضا او على سفر فعدة من ايام اخر وعلى الذين يطيقونه فديو طعام مسكين . فمن تطوع خيرا فهو خير له وان تصوموا خير لكم ان كنتم تعلمون * شهر رمضان الذي انزل فيه القران هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا او على سفر فعدة من ايام اخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ماهداكم ولعلكم تشكرون *) البقرة 183- 185 وفي هذا العام الثاني للهجرة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ابته فاطمة الزهراء الى علي بن ابي طالب رضي الله عنهما . كان النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل المدينة ونورها الله تعالى به جعل القبلة الى بيت المقدس وبيت المقدس كان قبلة اليهود وقبلة النصارى واصبح قبلة المسلمين ايضا وبقي كذلك ستة عشرا شهرا . وكان اليهود يقولون : ان محمدا يستقبل قبلتنا ويعبد غير ديننا فاستكثرها النبي صلى الله عليه وسلم وكان يرغب ان تكون القبلة الكعبة المشرفة فاخبر جبريل عليه السلام بذلك فقال له: - انا انما عبد فادعو ربك وسأله. وجعل يقلب وجهه في السماء يرجو رحمة الله بذلك . وفي شعبان من السنة الثانية للهجرة تحولت القبلة من بيت المقدس في فلسطين الى الكعبة المشرفة في مكة . فانزل الله تعالى الايات المباركة ( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وان الذين اوتوا الكتاب ليعلمون انه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون * ولئن اتيت الذين اوتوا الكتاب بكل اية ما تبعوا قبلتك وما انت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت اهواءهم من بعد ما جاءك من العلم انك اذا لمن الظالمين * الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون ابناءهم وان فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون * الحق من ربك فلا تكونن من الممترين * ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات اين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا ان الله على كل شيء قدير* ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وانه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون * ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس حجة الا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم وتهتدون *) البقرة 144- 150 . فحول النبي صلى الله عليه وسلم القبلة الى المسجد الحرام تنفيذا لامر الله تعالى . وكان هذا التغيير لحكمة عظيمة وحل محنة للناس المسلمين والكافرين فاما المسلمون فقالوا ( آمنا به كل من عند ربنا ) ال عمران \6 وهم الذين هداهم الله للايمان . اما المشركون فقد قالوا( ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ) البقرة\142 اما المنافقون فقالوا ان كانت القلبلة الاولى حقا فقد تركها فلماذا عاد اليها واما اذا كانت الثانية هي الحق فانه كان على باطل وهكذا كان الخلاف بين المسلمين وبين اليهود والمشركين . وعلى كل حال فقد عادت الكعبة البيت الحرام قبلة المسلمين وهو مارغب به المسلمون وارتاحوا له وعلى راسهم رسول الله لصى الله عليه وسلم فهم يتوجهون اليها في صلاتهم لئلا يكون للناس حجة عليهم اتماما لنعم الله تعالى عليهم ولعلهم يزدادون هداية وايمانا الذين ارهم الله تعالى بذكره وشكره ولا يتم الا بهما والا ستعانة بالصبر والصلاة لانه تعالى مع الصابرين . ****************************** شذرات من السيرة النبوية المعطرة 18 بسم الله الرحن الرحيم الحمد لله: ذكرت في الحلقة السابعة عشرة ان القبلة تحولت الى الكعبة المشرفة في شعبان من السنة الثانية للهجرة مما احدث امورا كثيرة منها ايجاد محنة في الناس وقد اختلفت رؤاهم حول هذا التغيير كل حسب رايه ومعتقده منها ارتداد بعض المنافقين و بتحريض من اليهود وقيامهم ببث الفرقة بين المسلمين واشعال نار الفتنة بينهم هذا خزرجي وهذا اوسي بالنسبة للانصار وهذا مهاجر وهذا انصاري وفي اي مجال يرتأؤونه يخدمهم في عداوتهم للاسلام وموقف الكفار الشديد من المسلمين وفي خضم هذه الاحداث اذن للمسلمين بالقتال وخاصة الذين يقاتلونهم فانزل الله تعالى في القران الكريم : ( اذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير ) ثم انزلت الكريمة : ( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلو نكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين )البقرة\ 190 وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع اصحابه في الحرب ان لا يفروا وربما تصل المبايعة حد المبايعة على الموت في سبيل الله في القتال بعدما بايعوه على الاسلام وبايعهم على التوحيد والتزام طاعة الله ورسوله كما بايع نفرا من المسلمين ان لا يسألوا الناس شيئا فكان اذا سقط سوط احدهم من يده وهو راكب على فرسه ينزل ليأخذه ولا يسال احدا ان يعطيه اياه حيث علمهم الاعتماد على النفس وعلى عزتها والاباء. وفي هذه الظروف الصعبة التي تحيط بالمسلمين اذن الله تعالى بقتال قريش باعتبارهم يقاتلون المسلمين كما ورد في الاية اعلاه وبهذا يمكن ان نقول ان مشركي قريش كانوا يحاربون المسلمين لأنهم بدءوا بالعدوان عليهم فيحق للمسلمين قتالهم او اذن لهم به وفي ضوء ذلك اعتبر كل من تمالأ مع قريش من المشركين من غيرها عدوا او تفرد بالاعتداء على المسلمين وجب قتاله سواءا من قريش او من غيرها. ويدخل في هذا الامر كل من خان او تحيز للمشركين من اليهود او النصارى ونكث العهود التي ابرمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم شرع قتال كل من بدء بالعدوان على المسلمين او قاتلهم مع وجوب الكف عن قتال من دخل الاسلام من المشركين والكفار واليهود والنصارى ويكون قد حفظ نفسه وماله فلا يتعرض لنفسه وماله الا بحق الاسلام وحسابه على ربه قال تعالى : ( وقاتلوا الشركين كافة كمكا يقاتلونكم كافة) فما ان اذن بالقتال حتى تحرك النبي صلى الله عليه وسلم حتى اخذ يرتب جند ه والدوريات اخذ يجعل لكل دورية آمرا من اصحابه وربما يخرج بنفسه صلى الله عليه وسلم لاستكشاف حركات المشركين والكفار وتامين حماية المدينة واطرافها وتسمى هذه الدوريات ( السرايا) . كانت اول سرية بعثها النبي صلى الله عليه وسلم بامرة عمه الحمزة بن عبد المطلب وتتكون من ثلاثين رجلا اتجهت نحو سيف البحر الاحمر من جهة العيص ( سيف البحر: بكسر السين _ تعني ساحل البحر ) فاعترضت قافلة لقريش قادمة من الشام يقودها ابو جهل ومعها ثلاثمائة رجل وكاد القتال يبد ء بينهما لولا تداركها مجدي بن عمرو الجهني فذهب كل منهم الى سبيله وكانت هذه اول عمل عسكري في الاسلام حمل لواءها ابو مرثد كناز بن حصين الغنوي وكان لون اللواء المحمول ابيضا . ثم ارسلت سرية اخرى بقيادة عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب في شوال من نفس السنة وفيها ستين رجلا من المهاجرين وفي رواية اخرى سبعين رجلا في موقع في( بطن رابغ ) فوقع التراشق بالسهام بينه وبين جماعة من قريش عددهم مائتي رجل عليهم ابو سفيان وكا ن سعد بن ابي وقاص او ل من رمى بسهم في سبيل الله . ثم ارسلت سرية اخرى في ذي القعدة في عشرين رجلا من المهاجرين بقيادة سعد بن ابي وقاص الى منطقة( الخرار )القريبة من( رابغ) وعهد عليه النبي صلى الله عليه وسلم ان لا يتجاوز الخرار مهمتهم اعتراض عيرا لقريش فخرجوا سيرا على اقدامهم فكانوا يسيرون ليلا ويتخفون نهارا فلم تظفر باحد من المشركين حيث ان العير قد سبقتهم بيوم واحد الى الشام . وفي صفر من السنة الثانية للهجرة خرج النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه لاول مرة في سبعين رجلا من المهاجرين قاصدا منطقة ( الابواء) او (ودان) وهذه اول غزوة غزاها النبي صلى الله عليه في الاسلام وسلم في سبيل الله فلم يلق احدا وهناك عقد عهدا للامان والمناصرة مع عمرو بن مخشي الضمري حيث وادعهم على ان لا يغزوهم ولا يغزونه ولا يعينوا احدا عليه . ثم خرج في مائتين من المهاجرين في الشهر التالي ربيع الاول الى منطقة( رضوى ) فلم يجد احدا ايضا . وفي هذا الشهر هجم على مراعي المدينة\ كرز بن جابر الفهري فساق بعض الاغنام والمواشي في طريقه فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في سبعين رجلا من المهاجرين الى منطقة (سفوان ) من جهة بدر الا انه لم يظفر به وقد سميت هذه الغارة بغزوة بدر الاولى . وفي جمادي الاولى من السنة الثانية للهجرة خرج النبي صلى الله عليه وسلم في ماءتي رجل من المهاجرين وثلاثين بعيرا الى منطقة( ذي العشيرة )لاعتراض عيرا لقريش تقصد الشام الا ان القافلة كانت قد مرت قبل ايام ولم يلحقوا بها وقيل هي نفس العيرالتي اعترضوا طريقها يوم بدر الكبرى عند رجوعها من الشام فمر النبي صلى الله عليه وسلم ب(بني مدلج ) وعقد معهم عهدا بعدم العدوان فيما بينهم . اما في رجب - وهو من الاشهر الحرم- من السنة الثانية للهجرة فقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش الاسدي الى منطقة ( نخلة ) ما بين الطائف ومكة في اثني عشر رجلا من المهاجرين للاستطلاع ويأتونه باخبار عير قريش وكان المهاجرون كل اثنين على بعير وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كتب كتابا وامره ان لا ينظر فيه حتى يكون على مسيرة يومين من المدينة. فلما مضت المدة فتح الكتاب وجد فيه ( اذا نظرت كتابي هذا فأمض حتى تنزل بنخلة بين مكة والطائف فترصد قريشا وتعلم لنا اخبارها ) فاخبر اصحابه بذلك فلما كان في الطريق اضل سعد بن ابي وقاص وعتبة بن غزوان بعيرهما فتخلفا في طلبه ثم مضوا حتى وصلوا ( نخلة ) فمرت بهم عيرلقريش تحمل زبيبا وتجارة لعمرو بن الحضرمي فقتلوه واسروا نوفل وعثمان ابني عبد الله بن المغير ة والحكم بن كيسان مولى بني المغيرة وكانوا في اخر يوم من شهر رجب الاصم ( وهو من الاشهرالحرم ) فقال المسلمون : - ان قاتلناهم انتهكنا حرمة الشهرالحرام وان تركناهم الليلة سيدخلون الحرم . وتشاوروا بينهم ثم اجمعوا على قتالهم فقاتلوهم فهجموا على العير وساقوها الى النبي صلى الله عليه وسلم حيث اسروا رجلين وقتلوا وقيل ثلاثة واحدا . مما ادى الى غضبه صلى الله عليه وسلم فاطلق الاسرين و دفع دية المقتول لقريش . فاثارالمشركون ضجة بين العرب بان المسلمين انتهكوا حرمة الاشهر الحرم وخرجوا عن الحدود المتعارف عليها وان محمدا قد احل حرمة الاشهر الحرم فانزل الله تعالى: ( يسالونك عن الشهرالحرام قتال فيه . قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفربه. والمسجد الحرام واخراج اهله منه اكبر عند الله . والفتنة اكبرمن القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم ان استطاعوا . ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فاؤلئك حبطت اعمالهم في الدنيا والاخرة واؤلئك اصحاب النار هم فيها خالدون *) البقرة \ 217 وبهذا اصبحت مشروعية القتال في الاشهرالحرم اذا ما حورب فيها المسلمون او انتهكت بعض محارمهم . وقد دون أبو بكر الصديق غزوة هذه السرية بشعر نورد منها : تدعون قتلاً في الحرام عظيمة وأعظم منه لو يرى الرشد راشد صدودكـم عما يقول محمـد وكفـر بـه والله راءِ وشاهـد واخراجكم من مسجد الله اهله لئلا يرى لله في البيـت ساجـد ومن هنا يتبين ان هذه الغزوات كانت اغلبها تهدف لحفظ المدينة من الاعداء . ولايصال صوت المسلمين وقوتهم الى قريش لعلها تهدأ وتقف عن التعالي والاستكبار على المسلمين الا انها استمرت في شرورها ونظرتها الى المسلمين . ومن خلال نشاة النبي صلى الله عليه وسلم نجد ان نشاته لم تكن عسكرية بينما نجده في واقع الامر وفي المجتمع المدني قائدا عسكريا فذا يحسن القيادة ويدير امور الحرب كاحذق قائد عسكري في التخطيط في الهجوم والدفاع وسائر المهارات الحربية والموقف القتالية وهي صفة مستديمة ثابتة في شخصيته المدنية والعسكرية قال الله تعالى : ( واذ غدوت من اهلك تبؤء المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم *) ال عمران\121 فهذه الحالة لا تنشأ عن تعليم احد او تفهيمه لفنون القتال انما تكون متأصلة في الشخصية القتالية فشخصية الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم العسكرية تنصرف الى القضاء على العدو بكل سلاحه ومتاعه ودحره دحرا شديدا خاصة وان المحارب القادم لا يمتلك سلاح العقيدة والفكر المقاتل لاجله وهذه هي العقلية الاسلامية بقيادتها التي لا تتسامح في القتال . هذا ما ظهر جليا من خلال الغزوات السالف ذكرها او في المعارك الكبرى حتى حدثت بعد ذلك ومنها معركة بدر والتي تعتبر اولى المعارك في الاسلام . ********* ***************** شذرات من السيرة النبوية المعطرة 19 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله: معركة بدر تعد اول معركة فاصلة في الاسلام كانت بقيادة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم واسبابها تتلخص بخروج النبي صلى الله عليه وسلم في شهر جمادي الاخرة من السنة الثانية للهجرة للتصدي لعير لقريش قاصدة الشام يقودها ابو سفيان وبعد وصولهم الى منطقة( ذي العشيرة) القريبة من بدر كانت العير قد تعدت ولم يلحقوا بها . فرجع النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة مع رجاله وعزم على ارسال رجلين لمتابعة العير وترقبها في عودتها عند الخروج من الشام قافلة الى مكة فلما وصلت العير منطقة( الحوراء) جنوب الشام اسرعا الى المدينة واخبرا رسول الله صلى الله عليه وسلم فندب النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين لاعتراض العير فهيأ لها ثلاثمائة وثلاثة عشر او اربعة عشر رجلا وفي رواية اخرى ثلاثمائة وسبعة عشر رجلا منهم مائة وسبعون من المهاجرين ومائة وسبعة واربعين من الانصار منهم ستة وثمانين من الخزرج وواحد وستون من الاوس ولم يكن معهم الخيل الا فرسين احداهما للزبير بن العوام والاخرى للمقداد بن الاسود وكان معهم سبعون بعيرا فكان كل اثنين او ثلاثة على بعيرواحد . واستخلف على المدينة المنورة عبد الله بن مكتوم فلما وصلو ا الى منطقة (الروحاء) اعاد ابا لبابة بن عبد المنذر الى المدينة واستعمله عليها بدلا من عبد الله بن مكتوم . ثم عقد اللواء الى مصعب بن عمير وعقد راية المهاجرين الى علي بن ابي طالب و راية الانصار الى سعد بن معاذ ولما وصلوا الى منطقة ( الصفراء) بعث بسبس بن عمرو وعدي بن ابي الزغباء يتحسسان اخبار القافلة القرشية الاتية من الشام . خرج النبي صلى الله عليه وسلم قاصدا موضع (بدر) على بعد مائة وخمسين كم تقريبا جنوب غرب المدينة حيث تحيط بهذا المكان جبال عالية مكان محصن لا يوجد فيه الا ثلاثة منافذ وهذه المنافذ هي( العدوة الدنيا) في الشمال( والعدوة القصوى) في الجنوب ومنفذ في الشرق قريبا من منفذ يدخل منه اهل المدينة اليه وكان طريق القوافل الرئيسي بين مكة والشام يمر عبر داخل هذا المحيط وكان فيها مساكن ونخيل و آبار تنزل عندها القوافل لغرض المشرب والمأكل لفترات مختلفة . فسلك النبي صلى الله عليه وسلم طريقا اخر غير الطريق الموصل الى بدر ثم تأخر في التقدم الى جهة بدر والسبب في ذلك لكي لا يعلم من في العير القادمة بخروج المسلمين لعلهم ينزلون ببدر فيرتاحون ويريحون ابلهم . وكانت العير القادمة من الشام لقريش في الف بعير محملة باموال وامتعة و مواد تجارية مختلفة وعليها ابو سفيان بن حرب ومعه اربعين رجلا وكان ابو سفيان متيقظا وحذرا . بلغ ابو سفيان بخروج النبي صلى الله عليه وسلم للتصدي للقافلة وكان على مقربة من بدر فعرج فيها الى طريق اخر باتجاه الغرب بناحية البحر بعيدا عن بدر وبعث الى مكة ضمضم بن عمرو الغفاري يستصرخ قريش بالنفير الى عيرهم لحمايتها ودفاعا عن اموالهم من ان تسلب فهبوا مستصرخين مسرعين حفاظا على اموالهم ولم يتخلف من اشرافهم الا ابو لهب فانه استاجر رجلا مكانه اخر وحشدوا معهم كل القبائل التي مروا عليها ولم يتخلف من بطون قريش الا بني عدي. بلغ النبي صلى الله عليه وسلم بخروج قريش فاستشار اصحابه فتكلم المهاجرون فاحسنوا ثم استشارهم فقال : - اشيروا علي ايها المسلمون قاصدا بذلك الانصار فقال سعد بن معاذ: - ( كانك يارسول الله – وكان يعنيهم بالامر لانهم بايعوه – وكانك تخشى ان تكون الانصار ترى عليهم ان لا ينصروك الا في ديارهم واني اقول عن الانصار واجيب عنهم فامض بنا حيث شئت وصل منا من شئت واقطع حبل من شئت وخذ من اموالنا ما شئت واعطنا منها ماشئت وما اخذت منها كان احب الينا مما تركت فوالله لئن سرت بنا حتى تبلغ البرك في غمدان لنسير معك ووالله لئن استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك ) ثم تقدم الى بدر فوصلها في نفس الليلة التي وصل لها المشركون من قريش فنزل في داخل موقع بدر قريبا من( العدوة الدنيا) فاشار عليه الحباب بن المنذر ان يتقدم فينزل على مقربة من الماء لكي يتمكن المسلمون من صنع حياض يجمعون فيها الماء لانفسهم ويغورون الابار فلا يبقى للعدو ماء يشربه ففعل ذلك صلى الله عليه وسلم ثم بنى له المسلمون عريشا يكون مقرا لقيادته وعينوا عليه حراسا من الانصار تحت امرة سعد بن معاذ. ثم تقدم النبي القائد صلى الله عليه وسلم ليعبئ جيشه وليتجول في ميدان القتال وهو يشير بيده الكريمة فيقول: - هذا مصرع فلا ن وهذا مصرع فلان وغدا انشاء الله ثم بات ليلته يصلي الى جذع شجرة بينما بات المسلمون مستريحين تغمرهم الثقة بالنصر وكانت ليلة غائمة نزل فيها المطر وقد وصف الله تعالى المسلمين بقوله تعالى: ( اذ غشيكم النعاس امنة منه وينزل عليكم من السماء ماءا ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الاقدام *) الانفال \11 وفي صباح هذا اليوم الجمعة السابع عشر من رمضان المبارك من السنة الثانية للهجرة ترآاى الجمعان فلما راى النبي قريشا وجيشهم رفع يديه وعينيه الى السماء داعيا ( اللهم هذه قريش قد اقبلت بخيلائها وفخرها تحاك وتكذب رسولك . اللهم فنصرك الذي وعدتني . اللهم احنهم الغداة ) ثم عدل صفوف الجند وامرهم ان لا يبدؤا القتال حتى يأتيهم الامر وقال: - (اذا اكثبوكم فارموهم واستبقوا نبلكم ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم) ثم رجع الى العريش يرافقه ابو بكرالصديق فابتهل الى الله تعالى ودعاه: ( االلهم ان تهلك هذه العصابة اليوم لاتعبد ابدا اللهم ان شئت لم تعبد اليوم ابدا) وبالغ في التضرع الدعاء والتوسل بربه حتى سقط رداءه عن منكبيه فرده ابو بكر الصديق وقال له : - حسبك يارسول الله الححت على ربك كثيرا ابشر فوالذي نفسي بيده لينجزن الله ما وعدك. واستنصر المسلمون الله واستغاثوه فاوحى الله الى الملائكة ما نزلت به الاية المباركة : ( اذ يوحي ربك الى الملائكة اني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الاعناق واضربوا منهم كل بنان *)- الانفال \ 12 واوحى الى النبي صلى الله عليه وسلم: ( اذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم اني ممدكم بالف من الملائكة مردفين*) الانفال \ 9 ثم اقبلت قريش في كتائبها وجيوشها فقلل الله تعالى المسلمين في اعين القرشيين وقلل القرشيين في اعين المسلمين لامر الله تعالى اعلم به . وفي الايات السابقة حالة جديدة من القتال علّمها الله تعالى لملائكته وللمسلمين وهي الضرب بالسيف فوق الاعناق اي على الراس وضربة الراس مميتة حتما واضربوا منهم كل بنان واضربوهم على اصابع ايديهم فانها سهلة القطع ومن قطعت اصابعه لا يستطيع ان يفعل شيئا ولا يستطيع المقاتلة فيكون حاله كمن قتل . فهذان موضعان في الانسان مهمان جدا فاذا ضرب العدو على راسه فانه يموت وينتهي منه واذا ضرب على اصابع يديه فقطت بنانه اصبح في عداد الموتى في حالة القتال السوقي للمعارك وكذلك الاية الاتية : ( يا ايها الذين امنوا اذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار * ومن يولهم يومئذ دبره- الا متحرفا لقتال او متحيزا الى فئة – فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير *) الانفال 15و 16 ويبين الله تعالى حالة المقاتلين اثناء الحرب اذا تم الزحف والتقى المؤمنون بالكافرين وحمي الوطيس فلا يمكن لاحد من المؤمنين ان يتراجع الى الخلف ابدا ا لا في حالتين وهي حالتا استثناء : الاولى اذا وجد ان موقعه غير ملائم وانه سيكون في موضع افضل والثانية ان يتراجع لينحاز الى جماعة تحتاجه اثناء القتال – وحرم الله تعالى الادبار في غير هذين الامرين على المؤمنين معتبرا من رجع الى الخلف او ادار ظهره في المعركة فان الله تعالى سيغضب عليه و بحكم الكافر فمصيره الى النار وبئس المصير. وهذا من فنون الحرب ايضا . ثم عدل الحبيب المصطفى الجند وتهيؤوا للقتال. اما المشركون فقد تراصوا واستفتح بالكلام او الدعاء ابو جهل فقال: ( اللهم اقطعنا للرحم وآتانا بما لا نمعرفه فاحنه الغداة . الله اينا كان احب اليك وارضى عندك فانصره اليوم ). لا ثم تقدم الجيشان للمبارزة فخرج ثلاثة فرسان من قريش هم شيبة وعتبة اولاد ربيعة والوليد بن عتبة وخرج من المسلمين ثلاثةايضا من الانصار فصاح المشركون : - نريد ابناء عمومتنا . فخرج لهم الحمزة بن عبد المطلب وابن اخيه علي بن ابي طالب و عبيدة بن الحارث فقتل علي الوليد بن عتبة وقتل حمزة شيبة وتقارع عبيده وعتبة القتال فالتقت ضرباتهما واثخن كل واحد منهما الاخر فكرّ علي وحمزة على عتبة فقتلا ه ثم اخذا عبيدة بعد ان حملاه مجروحا وقد قطعت رجله فمات فيها بعد ان رجع الى المدينة بثلاثة او اربعة ايام. فلما راى المشركون هذا الموقف استشاطوا غضبا وهجموا على المسلمين هجمة رجل واحد والنبي في عريشه فغفى اغفاءة قليلة ثم رفع راسه قائلا : ( ابشر ابا بكر اتاك نصر الله .هذا جبريل آخذ بعنوان فرسه يقوده على ثناياه النقع ) اي على ارجله الغبار وكان الله تعالى امد المسلمين بالف من الملائكة مردفين كما نزلت الاية المباركة الوارد ذكرها اعلاه في ذلك . ثم تقدم النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ( سيهزم الجمع ويولون الدبر ) واخذ حفنة من تراب الارض ورمى بها في وجوه المشركين وهو يردد: - شاهت الوجوه ... . شاهت الوجوه ...... وكانت هذه الحفنة من التراب قد اصابت كل المقاتلين من المشركين في عيونهم وانوفهم وفيها يقول الله تعالى: ( فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى* ) الانفال \18 ثم امر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بالهجوم على المشركين فراح المسلمون اليهم مسرعين بكل قوة وعزيمة ونشاط وقد ازدادوا وحماسا ونشاطا ان بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرضهم على القتال فاخذوا يقلبون الصفوف ويقطعون الاعناق والبنان كما علمهم الله تعالى فنون القتال اضافة الى وجود الملائكة بينهم تقاتل معهم واستمرالقتال ساعات حتى انهزمت قريش ولاذت بالفرار من هول المعركة وكثرة ما قطع من روؤس المشركين فلحقهم المسلمون يطاردونهم فيقتلون او يؤسرون من لحقوا به . وكان سعد بن معاذ واقفا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجال من الانصار في العريش فراى النبي الكراهية في وجه سعد فقال له :( كانك تكره ما يصنع الناس)؟ فقال سعد : ( اجل يارسول الله كانت اول وقعة او قعها الله في الشركين وكان الاثخان في القتل احب الي من استبقاء الرجال ). ولما بردت الحرب قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من ينظر لنا ما صنع ابو جهل ؟) وكان ابو جهل يتخفى في جماعة من المقاتلة المشركين تشكل سوفهم ورماحهم سياجا عليه لئلا يقتله المسلمون وكان بجانب عبد الرحمن بن عوف فارسان من الانصار بعمرالشباب هما معاذ ومعوذ ابنا عفراء فقال له احدهما : ياعم ارني ابا جهل فقال له: وما تصنع به؟؟ قال له: اخبرت ان كان يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالذي نفسي بيده لئن رأيته لايفا رق سوادي سواده حتى يموت الاعجل منا فلما كثرت هزيمة قريش وبان ابو جهل دلاهما عليه عبد الرحمن فابتدراه بسيفيهما فضرباه ضربة رجل واحد فكان ان قطعت رجله واثخناه حتى سقط وبه رمق حي فذهب الشابان الى رسول الله صلى الله عليه وسلا سيفيهما وكل وحدا منهما يقول : - انا الذي قتلته فراي النبي سيفيهما فقال لهما : كل منكما قتله فاعطى النبي سلب ابي جهل الى معاذ بعد انتهاء المعركة حيث استشهد معوذ في هذه المعركة وبقي معاذ حيا حتى خلافة عثمان بن عفان . ولما بردت الحرب قال النبي صلى الله عليه وسلم: وفي رواية اخرى فلما انتهت المعركة اخذ المسلمون ىيبحثون عن ابي جهل بين القتلى فوجده عبد الله بن مسعود لا يزال حيا في رمقه الاخير فاخذ بلحيته ليحتز راسه وهو يقول له : - اخزاك الله ياعدو الله . فقال ابو جهل : اخبرني لمن الغلبة ؟؟ فقال عبد الله : لله ورسوله. فقال ابو جهل : ارتقيت مرتقى صعبا يا رويعي الغنم . ثم احتز راسه وجاء به الى النبي صلى الله عليه وسلم فكبر النبي صلى الله عليه وسلم وقال : ( الله اكبر الله اكبر الحمد لله الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده). ثم قال:( هذا فرعون هذه الامة ). ثم اخذ النبي صلى الله عليه وسلم يتفحص القتلى فوقف عليهم وهو يقول: ( بئس عشير ة النبي كنتم كذبتموني وصدقني الناس وخذلتموني ونصرني الناس واخرجتموني وآواني الناس) ثم امر بسحبهم فسحبوا حتى ألقي بهم في بئر يسمى قليب فوقف عليهم فقال لهم ( ياعتبة بن ربيعة وياشيبة بن ربيعة ويافلان بن فلان ويافلا ن هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فاني وجدت ما وعدني ربي حقا ) فقال له عمر بن الخطاب : - يارسول الله ما تخاطب من اقوام قد جيفوا؟؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما انت بأسمع لما اقول منهم) . وهذا يدلل ان الميت يسمع من يتحدث معه او يتكلم معه و انه يعرف من يتكلم معه لكنه لا طاقة له على الرد حيث سلبها الموت منه . وسميت هذه المعركة بمعركة بدرالكبرى وسمي اليوم الذي حدثت فيه بيوم الفرقان قال تعالى: ( وما انزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان )) الانفال \11 وهو يوم الجمعة السابع عشر من شهر رمضا ن المبارك. وقد استشهد في هذه المعركة من المسلمين اربعة عشر شهيدا ثمانية من الانصار وستة من المهاجرين وقد دفنوا في ساحة بدر ومقابرهم لاتزال معروفة ومعرفة ببعض الحجارة وقد وقفت عليهم في رمضان من هذا العام 1434 هجرية عند ذهابي لاداء العمرة واهديت لهم ثواب سورة الفاتحة طيب الله تعالى ثراهم فنعم الشهداء شهداء احد . اما قتلى المشركين فقد قتل منهم سبعون رجلا معظمهم من صناديد قريش وشجعانهم وسحبت وقذفت في قليب وهو بئر خبيث مخبث في بدر واسر منهم سبعون رجلا . وفي رواية اخرى ان النبي صلى الله عليه وسلم اقام ببد ر ثلاثة ايام فلما استعد للرجوع جاء الى القليب ووقف على شفته ونادى القتلى باسمائهم واسماء ابائهم : ( يافلان بن فلان ويافلان بن فلان ايسركم انكم اطعتم الله ورسوله ؟؟ فانا وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا ؟) فقال له عمر يارسول الله ما تكلم من اجساد لا ارواح لها؟؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما انتم بأسمع لما اقول منهم لكن لا يجيبون. عاد النبي صلى الله عليه وسلم وجنده الى المدينةالمنورة منصورا قرير العين ومعه الغنائم والاسرى فلما وصل قريبا من ( الصفراء ) انزل الله تعالى حكم الغنيمة : ( واعلموا انما غنمتم من شيء فان خمسه لله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ان كنتم امنتم بالله وما انزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير *) الانفال \ 11 فاخذ النبي صلى الله عليه وسلم الخمس وقسم الاربعة الاخماس الباقية بين المقاتلين بالتساوي ثم امر بقتل النضر بن الحارث قتله علي بن ابي طالب بتوجيه من النبي صلى الله عليه وسلم ولما وصل الى (عرق الظبية ) امر بقتل عقبة بن ابي المعيط فقتله عاصم بن ثابت الانصاري وفي رواية اخرى قتله علي بن ابي طالب . ثم تابع سيره الى المدينة المنورة فتلقوه رؤوس المسلمين وابناء المدينة عند ( الروحاء) وهم يهللون ويكبرون فدخلها منصورا مظفرا فدخل الى الاسلام اناس كثيرون وقد تظاهر بدخوله الاسلام عبد الله بن ابي سلول وزملاؤه من اليهود . بعد ان استقر الامر واستراح النبي صلى الله عليه وسلم استشار اصحابه في الاسرى وماذا سيفعل بهم فاشار عليه ابو بكرالصديق باخذ الفدية بينما اشار عليه عمر بن الخطاب بقتلهم . فقرر النبي اخذ الفدية وكانت فدية الواحد ثلاثة الاف درهم وقيل اربعة الاف درهم وبعضهم افتدي بالف درهم وكان من بينهم من يقرا ويكتب فقرر انبي ان تكون فديته تعليم عشرة من اولاد المسلمين القراءة والكتابة وبعضهم اطلق سبيلهم من غير فدية . وكانت بنت النبي صلى الله عليه وسلم ( زينب ) قد ارسلت بمال فيه قلادة لها لفداء زوجها الاسير ابي العاص. وكانت هذه القلادة عند امها خديجة بنت خويلد رضي الله عنهما قد اهدتها الى ابنتها يوم زفافها الى ابي العاص فلما رآها النبي تاثر كثيرا ورق لها فاستاذن اصحابه في اطلاق سراحه من غير فدية فاطلقه بعد ان اشترط عليه ان يخلي سبيل زينب ابو العاص فلما وصل الى مكة اخلى سبيلها فجاءت الى المدينة مهاجرة . واود ان اذكر حالة اخرى لها مساس في معركة بدر وهي ابنة النبي صلى الله عليه وسلم( رقية) زوجة (عثمان بن عفان )فقد كانت مريضة في اثناء المعركة فامره النبي صلى الله عليه وسلم ان يتخلف عن القتال في المعركة لتمريضها ومعه اسامة بن زيد ايضا وله اجر من حضر للقتال في بدر ونصيبه من الغنائم الا انها توفيت قبل رجوع النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة فقال اسامة بن زيد: - اتانا الخير – اي بشارة النصر - حين دفنا( رقية) بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وساوينا عليها التراب . فلما استقر النبي صلى الله عليه وسلم بعد عودته من معركة بدر زوج عثمان بن عفان ابنته الثانية (ام كلثوم) وبذلك سمي عثمان ( ذي النورين ). ان انكسار المشركين في موقعة بدر وهزيمة قريش فيها وصدى انتصارالمسلمين هز الدنيا فقد كبت الله تعالى الكافرين والمشركين واخزاهم ونصر الاسلام واعزه . فلما وصلت فلول قريش منكسرة مهزومة الى مكة حتى نهو ا الناس عن البكاء والنحيب والنياحة على القتلى لئلا يشمت المسلمون بهم وقيل كان للاسود بن عبد المطلب ثلاثة قتلى في هذه المعركة فكان قلبه يتصفد قيحا والما وحسرة ويهم بالبكاء والنياح عليهم فسمع صوت نائحة في الليل فبعث من يستكشف الخبر فقيل له انها امراة اضاعت بعيرها فهي تبكيه . فبكى وهو يقول : اتبكي ان يضل لها بعير ويمنعها من النوم السهود فلا تبكي على بكر ولكن على بدر تقاصرت الجدود ***************************** شذرات من السير ة النبوية المعطرة 20 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله : بعد ان تم النصر المؤزر للمسلمين في معركة بدر وخسر الكافرون والمشركون ويئس المنافقون وماتت احلامهم اخذوا يدبرون المكائد والحيل لكي ينمتقموا من المسلمين الا ان الله رد مكائدهم الى نحورهم وكان النصر للمؤمنين ابدا: ( ان الله يدافع عن آ منوا ان الله لايحب كل خوان كفور*) الحج\37 ففي محرم الحرام من السنة الثالثة للهجرة المباركة تجمع بنو سليم وتحشدوا لغزو المدينة المنورة بعد اسبوع من عودة المسلمين من معركة بدر فعلم بذلك المسلمون فقرر النبي صلى الله عليه وسلم ان يداهموهم في منازلهم وقبل خروجهم منها لغزو المدينة المنور ة فداهموهم في عقر دارهم وانتصروا عليهم وكسبوا غنائم كثيرة منهم . وفي جمادي الاخرة من السنة الثالثة للهجرة المباركة سمع النبي صلى الله عليه وسلم بان قافلة تجارية ارسلتها قريش الى الشام عن طريق نجد فالعراق ثم الشام يقودها صفوان بن امية فارسل النبي صلى الله عليه وسلم مائة فارس بقيادة زيد بن حارثة فاعترضها زيد ورجاله وهي تنزل في ماء بنجد تسمى( قردة ) وداهمهم ففر رجال القافلة واستولى المسلمون على القافلة بما فيها وكانت تحمل اموالا ومود تجارية كثيرة اغتنمها المسلمون واسر دليل القافلة – فرات بن حيان ثم اعلن اسلامه وتعتبر هذه ض ربة جديدة وموجعة لقريش بعد معركة بدر الكبرى . اما يهود المدينة فقد كشف الله شرهم وبانت نواياهم في العداء للمسلمين فارسل اليهم النبي صلى الله عليه وسلم ونصحهم وذكرهم بالعهد الذي قطعوه له فقالوا له : - يامحمد لا يغرنك من نفسك انك قتلت نفرا من قريش كانوا اغمارا لا يعرفون القتال . انك لو قاتلتنا لعرفت انا نحن الناس. فصبر النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الجواب الذي يتضمن التهديد ونقض العهد مما جعلهم يتمادون في جرأتهم فيثورون في سوق المدينة ويقتلون احد المسلمين فقتل المسلمون يهوديا بدله وهكذا توترت الامور في المدينة مما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يحاصرهم في يوم السبت منتصف شوال واستمر حصارهم خمسة عشر يوما مما اضطرهم للانصياع اليه في غرة ذي القعدة من نفس السنة فنزلوا على حكمه وشفع فيهم عبد الله بن ابي سلول حيث الح على النبي صلى الله عليه وسلم فيهم وكانوا سبعمائة رجلا فاطلقهم وفك الحصار عنهم وكانوا من بني قينقاع رهط الصحابي - عبد الله بن سلام ثم اجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة الى منطقة اذرعات في الشام حيث مات اغلبهم هناك . اليهود كما وصفهم نبيى الله عيسى بن مريم عليه السلام افضل وصف - فهم حيات اولاد الافاعي -وكان هناك شاعر يهودي ومن اثريائهم واشرافهم شدد على معاداة المسلمين هو كعب بن الاشرف وكان قد هجا النبي صلى الله عليه وسلم وشبب بنساء المسلمين انتقاصا بهم ومدح قريش وحرضهم على مقاتلة المسلمين يوم بدر وذهب الى قريش بعد معركة بدر وحرضهم على قتال المسلمين وانشد في ذلك اشعارا واعتبر المشركين والكفار من قريش اهدى من المسلمين سبيلا ولم بعتبر بما حل ببني قينقاع وحصارهم وجلاؤهم عن المدينة فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم بأمره اراد ان يتخلص منه فقال : - من لكعب بن الاشرف؟؟ ثم اختار محمد بن سلمة اميرا لجماعة ندبهم لقتله وهم :عباد بن بشر والحارث بن اوس وابو نائلة و ابو عبس بن جبر فاستاذنه محمد بن سلمة ان يقول شيئا فاذن له . جاء محمد بن سلمة الى كعب بن الاشرف فقا له: - ان هذا الرجل – ويقصد به النبي صلى الله عليه وسلم – قد سألنا صدقة وانه قد عنانا . يعني جرعنا العذاب والعناء والمشقة ففرح كعب بذلك وقال له : - والله لتملنه . ثم رجى محمد كعبا ان يعطيه طعاما وتمرا يعيدها اليه بعد مدة فوافق كعب ان ان يرهن محمد سلاحه عنده مدة الدين . ثم جاء ابو نائلة فتحاور معه مثل زميله محمد بن سلمة واخبره ان معه اصحابا على مثل رأيه وقال له انه ساتيه بهم ليبيعهم مثل بيعه له فوافق كعب على ذلك . ثم جاءت الليلة الرابعة عشرة من شهر ربيع الاول من السنة الثالثة للهجرة المباركة الجماعة المذكورة اعلاه ومعهم السلاح فنادوا على كعب بن الاشرف وهو في حصنه الحصين في المدينة وكان قد تزوج حديثا ولا يزال عريسا فام لينزل لهم فقالت له عروسته : - اين تخرج ياكعب في هذه الساعة اني لاسمع صوتا كانه بقطر الدم منه ؟؟ الا انه لم يعبه بقولها ولم يعره اية اهمية فنزل لهم . فلما نزل وشاهد السلاح لم يهتم له لانهم وعدوه به ليرهنوه عنده ثم اخذوا يتمشون معه على ضوء القمر ليتنزهوا وكانت تفوح من جسده وشعر راسه رائحة العطر فاستاذنه ابو نائلة ليشم رائحة راسه فوافق مزهو ا ثم مسح يده على راسه وجعل يشمم اصحابه هذه الرائحة الطيبة وفعل ذلك ثلاث مرات وفي المرة الاخيرة مسكه من راسه وقال لاصحابه : - دونكم عدوالله وعدوكم . فانهالت عليه السيوف من كل جانب فقتلوه فصاح صيحة منكرة افزعت الناس في الحصون واوقدت الانوار في كل جانب فوجدوه مقتولا وكان جماعة المسلمين قد رجعوا بسلام دون ان يراهم احد وهكذا اسكتوا صوتا كان يلعلع في ذمهم وشتمهم وبمقتله كمنت اصوات هذه الافاعي اليهودية فترة من الزمن . بعد انكسار ابي سفيان قائد المشركين في معركة بدر الكبرى ورجوعه الى مكة مع جنده ومناصريه يرسفون في ذل الهوان والخسران نذر ان لا يمس راسه ماء نتيجة جنابة او غيرها الا بعد ان يغزو محمدا وينتصر عليه لذا خرج ليغزو المدينة ووصل منطقة ( العريض) في ناحية المدينة فقطعوا النخيل واحرقوها وقتلوا رجلين ورجعوا . فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بالخبر طاردهم الا انهم ولوا هاربين ولم يلحقوا بهم ولما وصل السلمون الى ( قرقرة الكدر) وجدوا الكثير من السويق والازواد كان الغزاة قد رموها تخلصا منها لاجل سرعة الفرار وسميت هذه المعركة ب( غزوة قرقرة الكدر)او (غزوة السو وفي هذا الوقت تآمر عمير بن وهب الجمحي وصفوان بن امية وعزموا على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم غيلة وقد قصد عمير هذا المد ينة لتنفيذ مبتغاه فالقى المسلمون القبض عليه واحضروه اما م النبي محمد صلى الله عليه وسلم فاخبره بمقصده وصاحبه وما تآمرا عليه . ومما تقدم يتبين ان المسلمين من يوم الهجرة النبوية الى هذا اليوم الرابع عشر من ربيع الاول السنة الثالثة للهجرة لم يروا الراحة والسكون وانما قضوها في القتال و المقارعة من حرب الى حرب ومن قتال الى قتال بدءا من ارسال اول سرية بقيادة حمزة بن عبد المطلب في رمضان من السنة الاولى للهجرة مرورا بغزوة الابواء وغزوة جبل بواط وغزوة ذي العشيرة ومعركة بدر الكبرى ثم معركة قينقاع ومعركة السويق والقردة وغيرها من المناوشات الصغيرة ثم المعارك الاخرى الكثير ة التي حدثت بعد هذا اليوم وكان الجها د في سبيل الله هو الوازع الاول لهم فمن قتل منهم فالجنة مثواه قال تعالى : ( ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله اموات بل احياء ولكن لا تشعرون*) البقرة \ 154 ثم ناتي الى معركة احد **************************** شذرات من السيرة النبوية المعطرة 21 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله : في شوال من السنة الثالثة للهجرة المباركة وذلك ان قريش لما خسرت في معركة بدر وقتل اسيادهم وشجعانهم اخذت تستعد للانتقام من المسلمين فاصابتها نكبة اخرى في غزوة( قردة) فاستشاطوا غضبا وازدادوا حقدا . فاستعدوا لقتال المسلمين والقضاء عليهم فجمعوا اكثر من ثلاثة الاف مقاتل وثلاثة الاف بعير ومائتي فرس وسبعمائة درع من قريش والاحلاف معهم والاحابيش وفيهم الشعراء يؤلبونهم ويحمون نفوسهم للقتال صا ر الجمع نحو المدينة المنورة وترأس القيادة ابو سفيان بن امية بن حرب وحامل لواء قريش احد ابطال بني عبد الدار فنزل في ميدان فسيح قرب ماء قريبا من عينين و جبل احد . وعلم النبي صلى الله عليه وسلم بالخبر قبل اسبوع و كان رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لا تخرج اليهم فاذا دخلوا المدينة هجم المسلمون عليهم فقاتلوهم رجلا ونساءا وصبيانا من فوق البيوت- فوافقه عبد الله بن سلول راس المنافقين على ذلك وحسن له هذا الراي فقال النبي صلى عليه وسلم : - امكثوا في المدينة واجعلوا النساء والضراري في الاكام هي البيوت المرتفعة فان دخل علينا قاتلناهم في الازقة فنحن اعلم بها منهم ورموا من فوق الصياصي اي من فوق الحصون . لكن النبي صلى الله عليه وسلم استشار فضلاء اصحابه في الخروج اليهم فاشاروا عليه بالخروج واكدوا عليه . ثم دخل النبي صلى الله عليه وسلم - دون ان يعطي رأيه في ذلك – بيته فلبس لأمته وخرج اليهم فقالوا: - لقد استكرهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخروج للقتال. ثم قالوا له : - ان احببت ان تمكث في المدينة فافعل . فقال لهم : ( ما ينبغي لنبي اذا لبس لأمته ان يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه ). فخرج النبي صلى الله عليه وسلم بعد صلاة العصر من يوم الجمعة في السادس من شهر شوال من السنة الثالثة للهجرة المباركة لقتال قريش في الف من اصحابه بعد استعمل عبد الله بن ام مكتوم على المدينة وقال لقومه ( عليكم بتقوى الله والصبر عند البأس اذا لقيتم العدو وانظروا ماذا امركم الله فافعلوا) فلما وصل الى منطقة ( الشوط) وهي ما بين المدينة وجبل احد تخاذل عبد الله بن ابي بن سلول راس المنافقين من اليهود او تظاهر بالتخاذل لكي ينكسر جيش الملسمين فرجع معه ومعه ثلاثمائة من جيش المسلمين بعدما قال للجند محرضا : - علام نقتل انفسنا هاهنا ايها الناس ؟ ثم تبعه عبد الله بن عمرو يحرض الناس على الرجوع وهو يقول لهم متهكما : -( قاتلوا في سبيل الله او ادفعوا) فاجابوه: لو نعلم انكم تقاتلون لم نرجع . وكذلك سرى الاضطراب والضعف في بني سلمة وبني حارثة لولا ان الله ثبتهم . ثم اشار جماعة من الانصارعلى النبي صلى الله عليه وسلم ان يستعينوا بحلفائهم من اليهود فلم يوافق وقال لهم : - من يخرج بنا على القوم من كثب ؟ فخرج بعض الانصار حتى سلك في بستان ليهودي اعمى اسمه – مربع بن قيظي – وكان من المنافقين فقام يصرخ وينثر التراب في وجوه المسلمين ويقول للنبي صلى الله عليه وسلم: - لا احل لك ان تدخل في حائطي ان كنت رسول الله . فحاول المسلمون قتله فمنعهم النبي صلى الله عليه وسلم قائلا لهم: - لا تقتلوه فهذا اعمى القلب اعمى البصر. ثم تابع النبي صلى الله عليه وسلم السير بالمسلمين نحو احد فنزل في( عدوة الوادي الدنيا ) وجعل ظهره نحو الجبل ونهى الناس عن القتال حتى يأمرهم به . فلما اصبح صباح يوم السبت استنهض قومه وتعبؤا للقتال والحرب وكانوا سبعمائة وخمسين فارسا فاستعمل على الرماة وهم خمسون رجلا عبد الله بن جبير وامرهم بعدم مفارقة موقعهم ابدا وامرهم بنضح المشركين بالنبل لئلا يأتوا المسلمين من الخلف . ثم اعطى اللواء الى مصعب بن عمير وجعل الميمنة الى الزبير بن العوام وعلى الميسرة المنذر بن عمرو ثم تفقد المقاتلين فرد من رأه صغيرا على القتال فأرجع اسامة بن زيد وابن عمر والبراء وزيد بن الارقم وزيد بن ثابت وعرابه الاوسي . ثم دفع النبي صلى الله عليه وسلم الى ابي دجانة . وفي رواية اخرى ان النبي صلى الله عليه وسلم قسم جيشه الى ثلاث كتائب كتيبة للمهاجرين وعليها مصعب بن عمير والاخرى للاوس وحمل لوءها اسيد بن حضير والثالثة للخزرج وحمل لواءها الحباب بن المنذر فلما وصلوا الى موضع ( الشيخين ) صلى المغرب والعشاء ثم بات في الموضع وعين حراسا لحراسة المعسكر ثم نهض بالجيش قبل لا صلاة الفجر فصلاها بالجند في موضع (الشوط ). اما قريش فكانوا ثلاثة الاف مقاتل فعبأ ابو سفيان جيشه فجعل خالد بن الوليد على الميمنة وعكرمة بن ابي جهل على الميسرة . ثم بدت المبارزة فاول من خرج من الكافرين ابو عامر عبد عمرو بن صيفي وكانوا يسمونه الراهب وكان في الجاهلية راس الاوس فلما كان الاسلام اعلن العداوة للمسلمين وجاهر بها ثم ذهب الى قريش يؤلب قلوبهم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين . واخبر قريش ان بني اوس اذا رأوه فسيطيعونه ويخرجون من معسكر المسلمين وينحازوا له الا انه خاب وخسر فقد نادى بعضهم وتعرف عليهم باسمائهم الا انهم قالوا له: - لا انعم الله بك عينا ايها الفاسق فقال لقريش وقال لهم : - لقد اصاب قومي من بعدي الشر ثم تقدم الجيشان على بعضهما فخرج طلحة بن ابي طلحة العبدري حامل لواء قريش ومعه اشجع فرسان قريش ودعا للمبارزة وهو على البعير فخرج اليه الزبيبر بن العوام فوثب عليه حتى صار معه على بعيره ثم اخذه معه الى الارض وذبحه بسيفه البتار فكبر النبي صلى الله عليه وسلم وكبر المسلمون : الله اكبر... الله اكبر... وركز المسلمون هجومهم على حملة لواء الكافرين حتى قتلوهم جميعا وهم احد عشرا مقاتلا بحيث بقيت ا لويتهم ساقطة على الارض وقد حاول خالد بن الوليد – قبل اسلامه - ثلاث مرات ليبلغ الى ظهور المسلمين ولكن رشقه الرماة بسهامهم فلم يفلح . ثم قاتل المسلمين قتالا شديدا حتى قيل انه رماهم بالحجارة ايضا فانحاز عليه ابو دجانة وقاتل حمزة بن عبد المطلب وعلي بن ابي طالب والنضر بن سعد وسعد بن الربيع وابلوا بلاءا حسنا فانهزم جيش قريش وانتصرالمسلمون فلما شاهد الرماة هزيمة قريش تركوا اماكنهم وهم يقولون ( الغنيمة الغنيمة ) فذكرهم قائدهم عبد الله بن جبير بامر رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهم بالا يتركوا مكانهم فلم يسمعوا له فنزلوا من سفح الجبل وتركوه خلافا لامر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما راى القرشيون ذلك كر فرسانهم على المسلمين منه وعبؤا جيشهم من جديد وتقدموا ثانية الى ساحة القتال والنساء تحرضهم على القتال وتشد في ازرهم يضربن بالدفوف وثرن الرجال ويذكرن الا بطال بواجباتهم قائلا : ( ويها بني عبد الدار ويها حماة الادبار ضربا بكل بتار ) واقبلت امراة ابي سفيان هند بنت عتبة وهي تنشد : ان تقبلو نعانق --- ونفرش النمارق او تدبروا نفارق --- فراق غير وامق ثم شدد المسلمون الا انه اثناء القتال استشهد حمزة بن عبد المطلب وقد قتله برمية حبشية وحشي بن حرب باشارة من هند بنت عتبة وقد وعده مولاه جبير بن مطعم ايضا ان يعتقه ان قتله فاختبأ الاسود الملعون خلف صخرة يرصده وبينما كان حمزة يهم بضرب راس سباع بن عرفطة صوب اليه الوحشي الحربة فصوب بها احشائه فسقط الى الارض ميتا . رحم الله الحمزة اسد الله واسد رسوله محمد صلى الله عليه وسلم . المسلمون ربحوا حرب احد الا انهم خسروها بسبب طمع الرماة حيث نزل اربعين منهم لغرض جمع الغنائم وهذه خلاف امر القيادة العسكرية – اي خلاف امرالنبي صلى الله عليه وسلم وبقي عشرة رماة فقد فلاحظ ذلك خالد بن الوليد فانتهز الفرصة فهجم على الرماة وهم فوق الجبل – وقد سمي هذا الجبل بعد هذه الحرب( جبل الرماة ) وقتلهم واستدار حول الجبل حتى وصل خلف المسلمين وبهذا تكون قريش قد احاطت بالمسلمين من كل جانب ورجع المنهزمون منهم الى القتال ورفعت احدى النساء اللواء فالتفوا حوله من جديد . كان النبي صلى الله عليه وسلم في المؤخرة ومعه سبعة مقاتلين يحرسونه فلما راى فرسان خالد تخرج من خلف الجبل نادى اصحابه: - هلموا الي عباد الله . فسمع المشركون صوته فاسرعت فرقة منهم نحو الصوت وهاجمت النبي صلى الله عليه وسلم هجوما شديدا وسريعا لعلهم يقفتلونه قبل وصول المسلمين فصاح النبي صلى الله عليه وسلم : - من يردهم عنا وله الجنة وفي رواية اخرى- هو رفيقي في الجنة فقاتلهم رجل من الانصار حتى قتل وتقدم اخر فقتل وهكذا حتى قتل السبعة . فلم يبق حول النبي صلى الله عليه وسلم الا اثنان هما سعد بن ابي وقاص وطلحة بن عبيد الله وشدد الاعداء هجومهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وقع على جنبه واصيبت رباعيته وجرحت شفته السفلى وشج راسه وضرب بالسيف على وجنته وكان متدرعا بدرعين فدخلت زردتان من زرد الدرع في وجنته وضرب اخرى على عاتقه وكان سعد بن ابي وقاص يدافع عنه حتى فرغت جعبته من السهام وقاتل طلحة بن عبيد الله حتى اصيب بخمسة وتلاثين جرحا وفي رواية اخرى تسعة وثلاثين جرحا ثم قطعت اصابعه فقال: - حس فقال النبي صلى الله عليه وسلم : - لو قلت بسم الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون . وفي هذه الساعة الحرجة رجع عدد من المسلمين للدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم اشد الدفاع واول المدافعين كان ابو بكرالصديق وابو عبيدة الجراح وداويا النبي صلى الله عليه وسلم من جراحه ثم وصل علي بن ابي طالب ابو دجانة وعمربن الخطاب ومصعب بن عمير وكان اللواء لايزال بيده اليمنى فضربوه على يده فقطعوها فاخذه باليسرى فضربوه عليها فقطعت ايضا فبرك عليه بصدره وعنقه حتى قتل . قتله عبد الله بن قمئة وكان يظن انه النبي صلى الله عليه وسلم فصاح : - ان محمدا قد قتل . فاخذ اللواء علي بن ابي طالب فداهمه المشركون فحالوا بينهم وبينه عشرة من المسلمين حتى قتلوا ودافع عنه طلحة بن عبيد الله وحماه بظهره ابو دجانة فكان النبل يقع فيه وهو لايتحرك وهنا اصيب قتادة بن النعمان بعينه وخرجت من مكانها فجاء بها الى النبي صلى الله عليه وسلم يحملها في يده فردها في موضعها بيده الكريمة فكانت احسن عينيه انتشرالخبر سريعا بين المشركين وكان المسلمون قد تفرقوا فمنهم من فر من القتال حتى وصل المدينة ومنهم من لاذ بالمعسكر ومنهم من قصد موقع النبي صلى الله عليه وسلم وهم الاغلب لكن بدون قيادة بحيث قتل المسلم اخيه المسلم من حيث لايعرفه فلما سمعوا خبر مقتل النبي صلى الله عليه وسلم حتى خارت عزائم بعضهم فترك بعضهم القتال فمر انس بن النضر بقوم من المسلمين وقد القوا ايديهم قائلين له بان النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل ثم استقبل الناس ولقي سعد بن معاذ فقال له : - ياسعد اني لاجد ريح الجنة من دون احد فقاتل حتى قتل وقيل وجد فيه سبعون جرحا . بينما تشجع اخرون واستماتوا في الحرب وهم يقولون : - نموت على ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم في هذا الموقف فراى كعب بن مالك النبي صلى الله عليه وسلم وهو يشق الصفوف اليهم فعرفه من عينيه فنادى كعب باعلى صوته : - يامعشرالمسلمين .. ابشروا هذا رسول الله. فتجمع المسلمون حوله وبلغ عددهم ثلاثين مقاتلا فشق طريق قتال المشركين ونجح في فك الطوق عن جيشه المحاصر وفشل الكفار من ردهم وبهذا يكون قد فك الحصار عن جنده واخرجهم من دائرة التطويق وتمكن المسلمون من الشعب بعد مناوشات تكاد تكون فردية بينهم وبين االاعداء الا انهم بقوا في ساحة القتال يمثلون في اجساد شهداء المسلمين بقع اعضائهم وانوفهم وهنا تقدمت هند بنت عتبة زوجة ابي سفيان فشقت بطن الحمزة بن عبد المطلب واخرجت كبده وقطعت باسنانها قطعة منه واكلتها واتخذ من اذان المسلمين وانوفهم قلائد لبستها . وفي هذا الموقف قدم الى ساحة القتال ابي بن خلف متغطرسا ويزعم انه قتل النبي صلى الله عليه وسلم فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم الا ان طعنه بحربة اصابة ترقوته فسقط عن فرسه وعاد الى قريش وعند وصوله الى ( سرف) القريبة من مكة مات . ولا يغرب عن البال بان نذكر انه كان في جيش المسلمين نساء شاركن الرجال المعركة فكن اربع عشرة امراة منهم فاطمة وعائشة وام ايمن كن يحملن الطعام والشراب على ظهورهن للمقاتلين و يداوزين الجرحى ومنهن من قاتلت قتالا شديدا دفاعا عن الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم في ساعةالشدة وتلك هي نسيبة بنت كعب الانصارية من بني النجار كانت مع زوجها واولادها كانت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انهزم المسلمون اخذت تقاتل دفاعا عن النبي صلى الله عليه وسلم فلما اقبل ابن قمئة يريد قتله اعترضته فضربها بن قمئة على عاتقها بقي اثرها حتى وفاتها وضربته عدة ضربات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : - لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من فلان وفلان والتفت يمينا وشمالا الا وانا اراها تقاتل دوني . ومن المفارقات في هذه الحرب ان الاصيرم وهو عمرو بن ثابت بن وقش من بني عبد الاشهل كان يابى الاسلام وفي هذا اليوم القى الله تعالى الاسلام في قلبه للحسنى التي سبقت منه فاسلم ثم اخذ سيفه وراح يقاتل دون علم احد فقاتل حتى آذته الجراح فسقط على الارض فلما انتهت المعركة طاف بنو الاشهل يتفقدون موتاهم وجرحاهم وجدوا الاصيرم وبه قليل من رمق فقالوا : - والله ان هذا الاصيرم . - ثم سالوه : ما الذي جاء بك ؟ احدب على قومك ام رغبة في الاسلام ؟؟ فقال لهم : بل رغبة في الاسلام آمنت بالله وبرسوله واسلمت وخرجت جهادا في سبيله ثم خرجت روحه فذكروه للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: انه من اهل الجنة . وجاء القرشيون بقيادة ابي سفيان وخالد بن الوليد وحاولوا صعود الجبل فقاتلهم عمربن الخطاب في جماعة من المسلمين وفي رواية اخرى ان سعد بن ابي وقاص قتل منهم ثلاثة فرسان فانهزموا و بعدها استعدوا للرجوع الى مكة . وكان قتلى المسلمين في هذه المعركة سبعين رجلا واحد واربعون من الخزرج واربعة وعشرون من الاوس واربعةمن المهاجرين ويهودي واحد اما قريش فقتل منهم اثنين وعشرين وقيل سبعة وثلاثين واختلاف بين الروايات كثير في هذا المجال . فلما انتهت الحرب اشرف ابو سفيان على الجبل مناديا : - افيكم محمد؟؟ فلم يجبه احد فنادى ثانية : - افيكم بن ابي قحافة ؟؟؟ فلم يجبه احد فنادى الاخرى : افيكم عمر بن الخطاب ؟؟ فلم يجبه احد فلم يتمالك عمر بن الخطاب نفسه حتى صاح فيه :- - ياعدو الله ان هؤلاء الذين ذكرتهم احياء وقد ابقى الله لك معهم ما يسؤك. فقال ابو سفيان: - اعل هبل .. اعل هبل .. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : - الا تجيبوه ؟؟ فقالوا : مانقول له .. قال: - قولوا الله اعلى واجل قال ابو سفيان : - لنا العزى ولا عزى لكم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : - الا تجيبوه ؟؟؟ قالوا : مانقول؟؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم - قولوا له : الله مولانا ولا مولى لكم . - ثم جرت مناظرة بينه وبين عمر بن الخطاب : ثم قال ابو سفيان: - انعمت فعال يوم بيوم بدر والحرب سجال فقال عمر بن الخطاب : - لا سواء . قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار فقال ابو سفيان : انكم لتزعمون ذلك لقد خبنا اذن وخسرنا فقال ابو سفيان : انشدل الله ياعمر اقتلنا محمدا ؟ فقال عمر بن الخطاب : لا وانه ليسمع كلامك الان فقال ابو سفيان : انت اصدق عندي من ابن قمئة وابر ثا نادى ابو سفيان وهو ذاهب: موعدكم بدر في العام القابل . فامرالنبي احد اصحابه ان يرد عليه : نعم هو بيننا وبينك موعد . ثم عاد ابو سفيان الى قومه واخذ الجيش بالر حيل الى مكة وركب الابل وجعل الخيل في الجوانب . وقيل ان الملائكة جبريل وميكائيل قاتلت مع النبي دفاعا عنه يوم احد فقد جاء في الصحيحين عن سعد انه قال: ( رايت رسول الله يوم احد ومعه رجلان يقاتلان عليهما ثياب بيض كأشد القتال وما رايتهما قبل ولا بعد ) وفي معركة احد نزلت احدى وستون اية من القران الكريم اولها الاية 121 واخرها الاية 180 من سورة ال عمران وهكذا انتهت معركة احد فنزل المسلمون الى ساحة القتال يتفقدون الجرحي ويدفنون الشهداء ووجدوا حنظلة بن ابي عامر من ناحية من الارض يقطر منه الماء فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( ان الملائكة تغسله) وقصة هذا الشهيد انه كان عريسا فلما سمع النداء للحرب ترك عروسته وذهب الى ساحة القتال فقاتل بضراوة حتى قتل وهو جنب فسمي ( غسيل الملائكة ) وقد امرالنبي صلى الله عليه وسلم برد الشهداء الذين نقلوا الى المدينة الى احد فدفنوا في مواضعهم بغير غسل ولا صلاة فان الشهيد تغسلته الملائكة ودمه غسوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( انا شهيد على هؤلاء يوم القيامة ) وفي رمضان من العام الماضي زرت- والحمد لله - جبل احد وشاهدت مواقع القتال وجبل الرماة ثم زرت مقبر ة الشهداء وترحمت عليهم كثيرا وتلوت في من تلا سورة الفاتحة . والحمد لله رب العالمين *************************************** شذرات من السير ة النبوية المعطرة 22 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله: حاول المتقاتلون كل الى الى موقعه الاصلي بعد ان توعد احدهما الاخر الحرب في العام القادم في احد فقد رجع القرشيون الى مكة بقيادة ابي سفيان ورجع المسلمون بقيادة النبي محمد صلى الله عليه وسلم الى المدينة . وعند رجوع النبي صلى الله عليه وسلم خرجت النساء يتلقينه والمسلمين وقد قتل اقاربهن او اخوتهن او ازواجهن فعزاهن على ذلك ودعا لهن وجاءت امراة قد قتل ابوها وزوجها واخوها تسال عن النبي صلى الله عليه وسلم فقيل لها انه بحمد الله وفضله فقالت : - اريد ان اراه فلما راته قالت له : - كل مصيبة بعدك جلل . اي كل المصائب تهون وتصغر. عاد المسلمون الى المدينة المنورة يحرسونها ويحرسون النبي محمد ويداوون جراحهم ويستراحون من اتعابهم في الحرب فلما اصبح الصباح نادى المسلمين للخروج للقاء الاعداء واشترط ان لا يخرج الا من شهد القتال في احد وساروا الى حتى وصلوا الى منطقة ( حمراء الاسد) التبي تبعد قرابة ثمانية اميال عن المدينة وعسكروا فيها وذلك النبي صلى الله عليه وسلم سمع ان القرشيين يحاولون الرجوع الى المدينة لمقاتلة المسلمين ويتاسوف على الفرصة ذهبت منهم وهي الاستمرار في القتال في احد وقد نزلوا في منطقة ( الروحاء) وهي قرابة خمسة وثلاثين ميلا عن المدينة وجاء معبد بن ابي معبد الخزاعي الى النبي صلى الله عليه وسلم في حمراء الاسد يعزيه على ما اصابه في احد فاشار اليه النبي بالذهاب الى ابي سفيان فيخذله وقومه ويخوفهم من المسلمين فسار معبد الى (الروحاء) فلقي فيها ابا سفيان وقومه يتاهبون للعودة الى المدينة فقال لهم : - ان محمدا خرج في جمع لم ار مثله قط يتحرقون عليكم تحرقا فيهم الحنق عليكم شيء لم ار مثله قط ولا ارى ان ترحلوا حتى يطلع اول الجيش من وراء الاكمة . فصدقوا قوله فخافوا وخارت قواهم ونهارت معنوياتهم فاسرعوا بالمسير قاصدين مكة خوف مطاردة المسلمين لهم . بقي المسلمون يومين في ( حمراء الاسد) وفي صبيحة يوم الاربعاء رجعوا الى المدينة قال تعالى ( فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم *) \ 174 كانت خسارة المسلمين في احد قد منحت من حولهم من الاعداء الفرصة للنيل منهم لما لها من تاثير سيء عليهم . ففي صفر من السنة الرابعة للهجرة ان ملاعب الاسنة او هكذا كنيته وهو ابو البراء عامربن عاصم قدم الى المدينة المنورة فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم للاسلام فرفض الا انه عاد بعد عدة ايام وابدى رغبته في الاسلام كذبا وقال للنبي صلى الله عليه وسلم : - ان اهل نجد سيسلمون معه ويجيبونه للاسلام ان بعث اليهم من يعلمهم الاسلام واني جار لهم اي كافلهم ومتعهد بهم . فبعث النبي صلى الله عليه وسلم معه الى نجد سبعين رجلا من الدعاة ومن قراء القران لاجل تعليم من يدخل الاسلام في ارض نجد بكفالة عامربن مالك . فلما وصلوا الى( بئر معونة ) ذهب حرام بن ملحان بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم الى عامر بن الطفيل فلم ينظر فيه وامر رجلا من اتباعه ان يطعن حرام بن ملحان من خلفه فطعنه فقتله فقال حرام بصوتعال : فزت ورب الكعبة. واستنفر عامر بن الطفيل بني عامر فلم يجيبوه بسبب عهد حوار بينهم وبين ابي براء فاضطر لاستنفار بني سليم فاجابته بعض بطونها مثل ذكوان وعصية ورعل فاحاطوا بالمسلمين وقتلوهم جميعهم ولم ينجو منهم غير عمرو بن امية الضمري وكعب بن زيد فقد جرح زيد في المعركة هذه والتي سميت معركة ( بئر معونة ) وبقي بين القتلى فارتث من بينهم فعاش واما عمرو فقيل ان المنذر بن عقبة كان في السرح فشاهد الطييور تحوم على ارض الموقعة فعرف الامر فتقدم وقاتل قتالا الابطال حتى قتل فلم يبق الا عمروا بن امية الضمري فاسروه فلما تقدم الى عامر بن طفيل جز ناصيته وعرف انه مضري فاعتقه وقيل انه عتق عن رقبة كانت على امه لهم . فرجع الى المدينة فلما وصل الى ( القرقرة ) لاحظ في الطريق رجلين من بني كلاب فظن انهما من الاعداء جاءا ليقتلانه فقتلهما وكان هذين الرجلين لهما عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما وصل المدينة وقص الخبر علم رسول الله صلى الله عليه وسلم انهما الرجلان اللذان اعطاهما العهد . و منها في نفس هذا الشهر من السنة الرابعة للهجرة قدوم رجال من( قارة وعضل ) القريبتين من المدينة وذكروا له ان فيهما مسلمين ورجوه ان يرسل معهم من يعلمهم الاسلام والقرآن فصد قهم وبعث معهم عشرة من اصحابه بامرة عاصم بن ثابت فساروا معهم حتى اذا وصلوا منطقة ( الرجيع ) غدروا بهم فاحاطوا بهم فقتل منهم سبعة وبقى ثلاثة لم يسلموا انفسهم فاعطوهم العهد بالامان فلما نزلوا اليهم غدروا بهم ايضا وربطوهم فقال احدهم : - هذا ا ول الغدر فقتلوه . بقي منهم اثنان مربوطين هما زيد بن الدثنة و خبيب بن عدي فذهبوا بهم الى مكة فباعوهما . اما زيد بن الثنة فهو قاتل امية بن محرث يوم بدر فاشتراه ابنه صفوان بن امية فقتله في ابيه واما خبيب بن عدي فقد قتل الحارث بن عامر بن نوفل في بدر فاشتراه اخوه وسجنه فترة ثم خرجوا به الى (التنعيم) ( وهي ميقات اهل مكة . منطقة احرام لاهل مكة وفيها مسجد عائشة رضي الله عنها حاليا وعنده تحرم اهل مكة ومن وجد فيها لاجل الحج والعمرة وقد احرمنا منها لاداء عمرة اخرى كوننا قد سكنا في مكة اكثر من شهر فاعتمرنا مرة اخرى ) فطلب ان يمهلوه فترة وجيزة من الوقت فصلى ركعتين ثم دعا عليهم وقال : ولست ابالي حين اقتل مسلما على اي جنب كان في الله مصرعي وذلك في ذات الاله وان يشأ يبارك على اوصال شلو ممزع فقال له ابو سفيان : ايسرك ان محمدا عندنا نضرب عنقه وانك لفي اهلك؟ فقال له: والله ما يسرني اني في اهلي وان محمدا في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة فتؤذيه . عند ذلك قتله عقبة بن الحارث في دم ابيه . حزن النبي صلى الله عليه وسلم حزنا شديدا على ما حدث في بئر معونة وفي الرجيع وقيل النبي صلى الله عليه وسلم ظل يدعو على القتلة ثلاثين يوما عند صلاة الفجر وفي شهر ربيع الاول من السنة الرابعة للهجرة المباركة وقعت غزوة بني النضير وبنو النضير كانوا من يهود المدينة ويسكنون على مسافة ميلين منها كانوا قد عقدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم صلحا مفاده ان يكون بنو النضير على الحياد لا له ولا عليه فلما انتصرالنبي صلى الله عليه وسلم على قريش يو م احد اظهروا الفرح والابتهاج وقالوا: هذا هو النبي الذي قرانا نعته وصفته في التوراة ولما خسر المعركة يوم احد ارتابوا فيه ونقضوا العهد الذي كان بينهم وبينه وتحالفوا مع قريش لمحاربته ومحاولتهم اغتياله فقد تامروا اخبث مؤامرة فقد طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم ان يجتمع بهم في موضع هم يسمونه ويسمعون منه القران والاسلام فاذا اقتنعوا فسيسلمون فوافق النبي صلى الله عليه وسلم وقرر يهود بني النضير انه اذا خرج النبي صلى الله عليه وسلم اليهم فعلى كل رجل ان يحمل خنجرا تحت ملابسه فيغتالون النبي صلى الله عليه وسلم غيلة وبغتة . فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم قرر اجلاؤهم من المدينة وفي رواية اخرى انه لما رجع عمرو بن امية الضمري واخبر النبي صلى الله عليه وسلم انه قتل رجلين من بني كلاب وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد اعطاهم العهد والامان فخرج النبي صلى الله عليه وسلم قاصدا بني النضير ليعينوه في دفع دية الرجلين الذين قتلهما الضمري وحسب العهد والميثاق بينهم فلما وصل اليهم اقعدوه في تحت جدار ينتظر لحين ما يجلبون له المعونة بينما قرروا فيما بينهم ان يقوم احدهم باخذ حجر رحى كبير ويلقيه عليه من فوق الجدار فيقتله فبعثوا اشقاهم عمرو بن جحاش ليقوم بهذا العمل فنزل جبريل عليه السلام ليخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما اضمروه فقا م مسرعا وتوجه الى المدينة فتبعه اصحابه ثم اخبرهم بالمؤامرة وقرر اجلاؤهم . فبعث اليهم محمد بن مسلمة ليخبرهم بامرالجلاء وخلا ل عشرة ايام من لم يخرج سيقتل فارسل اليهم عبد الله بن ابي سلول ان لايخرجوا من ديارهم وان معه الفي مقاتل فما عليهم الا ان يدخلو حصونهم وديارهم وان بني قريضة وغطفان ينصرونهم فشعوا بالقوة وامتنعوا لذا ذهب النبي صلى الله عليه وسلم بجيشه وامرهم بالجلاء عن المدينة والتخلص من شرهم فابوا ان يخرجوا واصروا على حرب المسلمين فحاصرهم المسلمون واحد وعشرين يوما وقطع نخيلهم فخارت قواهم وضعفوا فطلبوا الصلح فوافق النبي صلى الله عليه وسلم على الصلح على شرط جلاءهم من المدينة فوافقوا على الجلاء ولكل ثلاثة بعير واحد ويحملون كل ما يحتاجونه من متاع وطعام فتم جلاء اكابرهم واكثرهم الى خيبر ونزلت طائفة منهم الحيرة والشام وقد نزلت فيهم سورة الحشر . وقسم النبي صلى الله عليه وسلم ارضهم وديارهم بين المهاجرين بين المهاجرين الاولين- وقد وجد عندهم من السلاح خمسين درعا وخمسين بيضة وثلاثمائة واربعين سيفا - وتغطية نفقات الدولة الاسلامية وشراء السلاح والخيل والعدة للحرب مثل السيوف والدروع باعتبار هذا المال جاء فيئا وليست غنيمة . كان النبي صلى الله عليه وسلم على موعد مع ابي سفيان رئيس قريش في تجديد القتال في احد كما بينا ه في الحلقة الحادية والعشرين في نهاية معركة احد . فلما حل شهر شعبان من السنة الرابعة للهجرة المباركة جهز النبي صلى الله عليه وسلم نفسه وخرج الى احد لملاقاة ابي سفيان ومشركي قريش في الف وخمسمائة مقاتل وعشرة افراس واعطى اللواء الى علي بن ابي طالب واستخلف عبد الله بن رواحة على المدينة ونزلوا ببدر ينتظرون قريش وقائدها ابا سفيان . اما ابو سفيان فقد خرج في الفي مقاتل وخمسين فرسا الا انه قذف في قلبه الرعب منذ خروجه ولم تكن له الرغبة في الخروج الا عن موعد وعده المسلمين بملاقاتهم في السنة القادمة عند احد فنزل على ( مجنة ) وهي ماء معروف يقع في ( مر الظهران ) وبعد استراحة التفت الى قريش وقادتها وقال : - والله ارى انه لا يصلحكم الا عام خصب ترعون فيه الشجر وتشربون اللبن وهذا عالم جدب واني راجع فارجعوا فرجع الى مكة ورجع معه القرشيون وحلفاؤهم . اما المسلمون فقد بقوا اياما ببدر وكان معهم اموالا فباعوها بارباح مجزية ورابحة عندما وصلهم خبر رجوع ابي سفيان وجيشه الى مكة ة ثم عادوا الى المدينة المنورة واستطاع النبي صلى الله عليه وسلم من فرض الامن في المدينة والتفرغ لتامين اقصى الحدود وتاديب من تحرك للنيل منها او الاتداء عليها واخر ما نؤشره خروجه صلى الله عليه وسلم الى (دومة الجندل) فبسط الامن والسلام . ************************************** شذرات من السيرة النبوية المعطرة 23 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله: اثبتت الاحداث بعد الهجرة النبوية ان اليهود كانوا اشد كراهية للنبي صلى الله عليه وسلم وللمسلمين – وهم كذلك في كل وقت وزمان _ من قريش وخاصة بعد اجلائه بني النضير من المدينة المنورة كما جاء في الحلقات السابقة فاخذوا يؤلبون قريش والقبائل العربية على محاربة المسلمين فخرج جماعة منهم وعلى راسهم حيي بن اخطب الى قريش ليحرضوهم على مقاتلة المسلمين ومحاربة محمد صلى الله عليه وسلم واصحابه ثم ذهبوا الى قبائل اشجع وسليم وغطفان وبني مرة وبني عامر وبني فزارة بل الى كل من لهم ثأر واستطاعوا ان يؤلبوا اكبر حشدا للقتال حيث بلغ هذا الحشد من قريش وحدها ستة آ لا ف مقاتل وعلى راسهم ابو سفيان وعدد كبير ايضا من القبائل العربية المذكورة يفوق عدده عن اربعة الاف بحيث اصبح عدد المقاتلين اكثر من عشرة الاف مقاتل قصدوا المدينة المنورة وتحت راية ابي سفيان وعند وصولهم الى المدينة اجتمع رؤساءالقبائل في رئاسة قيادة الحرب واتفقوا ان يكون لكل زعيم يوم على التوالي . ولما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه فهالهم ما سمعوا من ائتلاف هؤلاء الالوف المؤلفة من جند وابل وخيل وعدة وذخيرة وميرة قال تعالى ( اذ جاؤوكم من فوقكم ومن اسفل منكم واذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا * هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا*) الاحزاب\10و11 فشاور اصحابه في القتال وما ذا يفعلون فاشار سلمان الفارسي بحفر خندقا كبيرا حول المدينة لما له من خبرة في امورالحرب عندما كان في فارس . فامر النبي صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق واشترك في عمليات الحفر وكان الجو باردا قارصا فلما راى النبي بهم شدة الجوع والتعب ارجز : اللهم لا عيش الا عيش الاخرة فاغفر للانصار والمهاجرة فاجابوه وقد ذهب التعب عنهم : نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بيقينا ابدا بينما تباطأ اليهود والمنافقين وقد ا تم المسلمون حفر الخندق بستة ايام وقد تم اخلاء البيوت القريبة من الخندق . ولما وصلت قريش وحلفاؤها الى المدينة تفاجؤوا بالخندق ولم يعهدوا بمثله في حروبهم وكان عائقا كبيرا ورأوا ان لا سبيل الى اجتيازه فعسكروا خلفه وخرج النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة الاف مقاتل من المسلمين وجعلوا ظهورهم الى ( سلع ) فاقاموا فيها معسكرهم وبينهم وبين الاعداء الخندق وتبادل الفريقان الترامي بالنبال لعدة ايام . كان الجو قارصا شديد البرد وكانت الحلفاء تتوقع انها ستحارب فترة قصيرة فيقضون على المسلمين ويعودون بينما خيب امالهم الخندق وتوقع حيي بن اخطب ان هذه الفرصة في القتال ستفلت منه ومن جماعته اليهود فقصد كعب بن اسد سيد بني قريظة ويذكرهم بما فعله محمد وجماعته باليهود وما سيفعله بهم اذا لم تنجح هذه الاحزاب بالقضاء على المسلمين وطلب منه ان ينقض عهده مع المسلمين ويقطع المير ة و المدد عن المسلمين ويفتح الطريق للاحزاب فتحركت اليهودية في نفسيته فوافق على ذلك ونقض المعاهدة وتبرء من العهد بينه بين النبي صلى الله عليه وسلم . علم النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين انحياز بني قريظة الى الاحزاب ففزعوا وارسل النبي صلى الله عليه وسلم وفدا منهم سعد بن معاذ سيد الاوس فاخذ اليهود يخوضون في امرالنبي صلى الله عليه وسلم فقال له كعب : - من رسول الله ؟؟؟ لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد . وتشاءم الفريقان وعاد سعد بن معاذ مغضبا . وعاد حيي بن اخطب الى الاحزاب واخبرهم بانضمام بني قريضة لهم على ان يمهلوهم عشرة ايام ليعدوا انفسهم للحرب والقتال فالفت الاحزاب ثلاث كتائب فكانت الاولى بقيادة ابن الاعور السلمي وموقعها من فوق الوادي من جهة الشرق والثانية بقيادة عيينة بن حصن الفزاري من اسفل الوادي من جهة الغرب واقام ابو سفيان على كتيبته اما م الخندق . اشتد فزع المسلمون من ذلك وزلزلز زلزالا شديدا فقد جاءهم العدو من كل مكان من فوقهم ومن اسفل منهم وظن اهل المدينة الظنون واظهر المنافقون ما كانوا يضمرونه من الكيد والحقد للمسلمين فقال احدهم : - كان محمد يعدنا على كنوز قيصر وكسرى بينما لا يامن احدنا على نفسه ان يخرج فيتبرز وقال اخر للنبي صلى الله عليه وسلم علانية امام قومه : - ان بيوتنا عورة معرضة لهجمات الا عداء فاذن لنا ان نرجع الى دورنا ندافع عنها. وقال الله تعالى: ( واذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله الا غرورا * وقالت طائفة منهم يااهل يثرب لامقام لكم فارجعوا ويسئذن فريق منهم النبي يقولون ان بيوتنا لعورة وما هي بعورة ان يريدون الا فرارا* ولو دخلت عليهم من اقطارها ثم سئلوا الفتنة لآتوها وما تلبثوا بها الا يسيرا* ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الادبار وكان عهد الله مسؤولا * قل لن ينفعكم الفرار ان فررتم من الموت او القتل واذا لا تمتعون الا قليلا *) الاحزاب \ 12- 16 وهكذا خارت قواهم ومعنوياتهم وسمت معنويات الاعداء من الاحزاب قال الله تعالى ( ولما راى المؤمنون الاحزاب قالوا هذا وا وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم الا ايما نا وتسليما *) الاحزاب \23 حتى اندفع الاحزاب فقصدوا مكانا ضيقا من الخندق فاجتازوه بخيلهم ومنهم عمرو بن عبد ود العامري هذا الرجل البطل الذي كان يعده العرب بالف فارس وعكرمة بن ابي جهل حتى صاروا بين الخندق و(سلع) فخرج من بين صفوف المسلمين علي بن ابي طالب كرم الله وجهه فبارز عمرو بن عبد ود العامري فقتله فلما قتل ولى من معه هاربين . اما النبي صلى الله عليه وسلم فقد راى ان يلجأ الى اسلوب المخادعة - والحرب خدعة – فقال لنعيم بن مسعود: - (انما انت رجل واحد فينا من غطفان فخذّل عنا القوم ان استطعت) . فخرج نعيم بن مسعود حتى اتي بني قريظة – وكان نديمهم في الجاهلية ولم يعلموا انه اسلم بعد - فذكرهم بما بينه وبينهم من محبة ومودة ثم قال لهم : - انكم ظاهرتم قريشا وغطفان على محمد وربما لا تطيق قريش وغطفان المقام طويلا فيرتحلان عنكم فتواجهون محمدا وحدكم ولا قبل لكم به فينكل بكم فانصح لكم الا تقاتلون حتى تاخذوا من قريش وغطفان رهنا من اشرافهم يكونون عندكم . فاقتنع بنو قريظة بهذا الراي بما اشار به عليهم نعيم بن مسعود ثم ذهب نعيم الى قريش فقال لهم : - قد عرفتم محبتي وودي لكم وانكاري دين محمد وقد علمت امرا رأيت ان اقوله لكم نصيحة لكم فاسمعوه واكتموه عني . فقالوا نفعل ذلك. فقال لهم : ان بني قريظة قد ندموا على نكث عهدهم مع محمد وانهم يعملون على ا سترضائه الان وانهم راؤا ان ياخذوا من اشراف قريش عندهم رهينة فيقدموهم الى محمد فيضرب اعناقهم فاذا بعث بنو قريظة يطلبون منكم رجالا رهنا منكم فلا تبعثوا اليهم احدا فانهم سيقدمونهم الى محمد فيقتلهم . ثم ذهب الى غطفان فقال لهم : - يا معشر غطفان انتم اهلي وعشيرتي واحب الناس الي ولا اظن انكم تكذبوني بما اقوله لكم : - قالوا نعم صدقت. - قال فاكتموا عني . ثم قال لهم مثل ما قال لقريش وحذرهم من بني قريظة شديدا ورجاهم ان لا يبعثوا رجا لا منهم اليهم رهنا فانهم سيسلمونهم الى محمد فيقتلهم . ثم ارسل ابو سفيان وبعض قادة غطفان الى الى كعب سيد بني قريظة من يقول له انهم طالت اقامتهم وحصارهم ورايهم ان يفاجئي بنو قريظة المسلمين في غد الحرب وهم من ورائهم فرجع الرجال الى ابي سفيان فقالوا له : - ان كعبا يقول ان غدا السبت ولا نقاتل في السبت ولسنا نقاتل حتى تعطونا رهنا من اشرافكم يكونون بين ايدينا . فظنت قريش وغطفان ان ما قاله لهم نعيم صحيحا وانه على حق في نصحه لهم . فلما جن الليل هبت ريح عاصف وهطل مطر غزير مع برق ورعد شديد فتقوضت الخيام وانقلبت القدور وتبعثرت ا لاموال فاخذ هم الرعب و قيل ان الملائكة كبرت في جوانب المقاتلين من قريش وغطفان قائلين : الله اكبر ... الله الكبر .. الله اكبر .. باصوات شديدة ومرتفعة فتزلزلو ا زلزالا شديدا فظنوا ان المسلمين قد هجموا عليهم فما كان من ابي سفيان الا ان نادى في قومه : - الرحيل ... الرحيل... فاضطر الاعداء الى الهزيمة ليلا وحملوا ما استطاعوا حمله من متاع وتركوا ما لا يستطيعون حمله . وتبعهم بقية الاحزاب فلما اصبح الصباح لن يكن احد موجودا في مكان المعركة الا المتاع الذي لم يقدروا عل ى حمله فتعجب المسلمون من ذلك اذ انهم لم يجدوا من الاحزاب احدا . وهكذا نصرالله دينه فقال تعالى : (و رد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا*) اخذ النبي صلى الله عليه وسلم بعد رحيل الاحزاب وخذلانهم من الله تعالى يفكر في امر بني قريظة ونقضهم العهد . فلما اضحى النهار امر مؤذن يؤذن في المسلمين : - من كان سميعا مطيعا فلا يصلين العصر الا ببني قريظة نفر المسلمون للقتال سريعا رغم ما اصابهم من نصب وتعب في هذه المعركة في حفر الخندق وطول حصار الاحزاب لهم فحاصر المسلمون حصون بني قريظة خمسا وعشرين ليلة يتارمون بينهم بالنبال فلما احس بنو قريظة بالجهد والتعب ولم يجرؤ منهم على الخروج وايقنوا ان حصونهم لم تنفعهم ولا تجديهم نفعا مع طول الحصار تشاوروا بينهم فتشفعوا بالاوس حلفاؤهم القدامى فسار جماعة من الاوس الى النبي صلى الله عليه وسلم قائلين له : - يارسول الله بني قريظه حلفاؤنا فاطلقهم كما اطلقت بني قينقاع حلفاء الخزرج فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : - ( الا ترضون ان يحكم فيهم رجل منكم ؟؟ ) فقالوا: بلى يارسول الله . فقال لهم صلى الله عليه وسلم : ( فقولوا لليهود فليختاروا من شاؤوا منكم فليحكم في ذلك). فاختاراليهود سعد بن معاذ رئيس الاوس ونسوا ان سعدا هو الذي فاوضهم في عدم نقضهم العهد فاغلظوا له وخاضوا ماخاضوا في حق النبي صلى الله عليه وسلم وسبهم للمسلمين امامه . وكان سعد في المدينة بسبب جرح اصيب به في غزوة الاحزاب فلما جاؤوا به راكبا حمارا فلما قرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: -( قوموا الى سيدكم ) فاحاطوا بسعد من جانبيه يقولون: - ياسعد احسن في مواليك . وهو ساكت لا يجيبهم فلما اكثروا في ذلك قال : - لقد ان لسعد ان لا تاخذه في الله لومة لائم. فاخذ سعد بن معاذ ا لعهد والميثاق من بني قريظة انهم يقبلوا بحكمه وينزلون عنده عند ذلك امر سعد بني قريظة ان ينزلوا من حصونهم ويلقوا سلاحهم ففعلوا . ثم حكم عليهم بان تقتل رجالهم وتسبى نساؤهم وذراريهم وتقسم اموالهم. فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون الى المدينة حبسوا رجال بني قريظة في بعض دور الانصار ثم حفرت لهم خنادق ثم قتل يهود بني قريظة ودفنوا في الخنادق وفرق النبي صلى الله عليه وسلم اموالهم ونساءهم واولادهم بين المسلمين . بعد ان اخرج خمسها كونها غنائم حرب وفي رواية اخرى ارسلت السبايا الى نجد فبيعت وتم شراء السلاح بهذه المبالغ واصطفى النبي صلى الله عليه وسلم( ريحانة بنت زيد) فيقال انه تسرى بها ويقال انه اعتقها ثم تزوجها وقد توفيت بع حجة الوداع . قال تعالى : ( وانزل الله الذين ظاهروهم من اهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا وأورثكم ارضهم وديارهم واموالهم وارضا لم تطؤوها وكان الله على كل شيء قديرا *) الاحزاب \ 27 ************************************* شذرات من السيرة النبوية المعطرة 24 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله : في شعبان من السنة الخامسة للهجرة المباركة اخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن رئيس بني المصطلق الحارث بن أبي ضرار الخزاعي سار في قومه ومن استطاع ان يجمعه معه من العرب - وبني المصطلق بطن من خزاعة - يرومون حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث بُرَيْدَة بن الحصيب الأسلمي للتحقق من الخبر، فلما وصل اليهم ولقي الحارث بن أبي ضرار الخزاعي وكلمه ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بصحة الخبر‏ وفي رواية ابن اسحاق في السنة السادسة للهجرة . ‏فندب النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة، وأسرع في الخروج وكان خروجه في الثاني من شعبان، وخرج معه جماعة من المنافقين لم يخرجوا من قبل معه في معركة وكان معه ثلاثون من الخيل عشرة للمهاجرين وعشرون للأنصار. ، وخرجت معه زوجتاه عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما. استعمل على المدينة زيد بن حارثة، وقيل‏:‏ أبا ذرالغفاري وقيل‏:‏ نُمَيْلَة بن عبد الله الليثي، وكان الحارث بن أبي ضرار قد وجه شخصا منهم ليأتيه بخير المسلمين فما كان من المسلمين الا ان القوا القبض عليه وقتلوه . فلما بلغ الحارث بن أبي ضرار ومن معه مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتل المسلمين الشخص الذي ارسله للا ستطلاع خافوا خوفاً شديداً وتفرق عنهم من كان معهم من العرب ووصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى (المُرَيْسِيع) ـ وهو ماء لبني خزاعة يقع في ناحية ( قُدَيْد) القريبة من الساحل ـ فتهيأوا للقتال‏.‏ وَصَفَّ النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، و دفع راية المهاجرين الى أبي بكر الصديق وراية الأنصار الى سعد بن عبادة . ترامى المتقاتلون بالنبل ساعة ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقتال فحمل المسلمون حملة رجل واحد وما هي الا ساعة من نهار حتى كان النصر للمسلمين فانهزم المشركون وقتل منهم من قتل وسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء والذراري والنعم و المتاع وقيل لم يستشهد من المسلمين إلا رجل واحد قتله عبادة بن الصامت رجل من الأنصار خطأ ظاناً أنه من العدو وهو هشام بن صبابة . ‏.‏ وفي رواية اخرى لم يجر بينهم قتال انما اغارالنبي صلى الله عليه وسلم عليهم في ( المريسيع) فلم يقا و موا فسبى ذراريهم ونساءهم وغنم اموالهم . وكان من جملة السبي: جُوَيرية بنت الحارث بن أبي ضرار رئيس بني المصطلق، وكانت زوجة لمسافع بن صفوان وقد قتل في هذه الغزوة وكان اسمها ( برة) فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم ( جُويرية) . وعن عائشة قالت: لما قسم رسول الله سبايا بني المصطلق وقعت (جويرية بنت الحارث) في السهم ( لثابت بن قيس بن شماس) أو لابن عم له فكاتبته على نفسها وكانت امرأة حلوة مُلاّحة لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه، فأتت رسول الله تستعينه في كتابتها و قالت عائشة: - فوالله ما هو إلا أن رأيتها فكرهتها وقلت: - يرى منها ما قد رأيت. فلما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: - يا رسول الله أنا( جويرية بنت الحارث) سيد قومه وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك، وقد كاتبت على نفسي فأعني على كتابتي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : - (أو خير من ذلك أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك). فقالت: نعم ففعل رسول الله فبلغ الناس أنه تزوجها فقيل أصهار رسول الله فأرسلوا ما كان في أيديهم من بني المصطلق واخلوا سبيلهم فقد أعتق بها مائة من أهل بيت بني المصطلق فكانت امرأة مباركة ولا توجد امرأة أعظم بركة منها على قومها ولما تزوجها رسول الله حجبها وقَسم لها وكانت حين تزوجها رسول الله عمرها عشرين سنة وتوفيت في السنة الخمسين للهجرة وهي في الخامسة والستين وبسبب زواجها هدى الله أكثر بني المصطلق للإسلام ثم أسلم الحارث بن ضرار الخزاعي رئيس بني خزاعة و في هذا الزواج نلمس حكمة من حكم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم . وفي هذه المعركة حدثت حادثة الافك ومفادها ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يصحب احدى زوجاته معه للمعركة – اي معركة - وعن طريق القرعة بينهم فكان في هذه القرعة تصيب زوجته عائشة بنت ابي بكرالصديق رضي الله عنهما وملخص هذه الحادثة كما رواها الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما عن كلام أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين أزواجه، فأيّهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه قالت عائشة: - فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما أنزل الحجاب، فكنت أُحمل في هودجي وأنزل فيه فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك وقفل، ودنونا من المدينة قافلين آذن ليلا بالرحيل فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلت إلى رَحلي، فلمست صدري فإذا عقد لي قد انقطع، فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه. وقالت: وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي، فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب عليه، وهم يحسبون أني فيه وكان النساء إذ ذاك خفافاً لم يَهْبلن، ولم يغشهنّ اللحم إنما يأكلن العلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وحملوه وكنت جارية حديثة السنّ. فبعثوا الجمل فساروا . ووجدت عقدي بعدما استمر الجيش. فجئت منازلهم وليس بها منهم داع ولا مجيب فيممت منـزلي الذي كنت فيه، وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إليّ. فبينا أنا جالسة في منـزلي غلبتني عيني فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمي الذكواني من وراء الجيش. فأدلج فأصبح عند منـزلي فرأى سواد إنسان نائم فعرفني حين قد رآني وكان قد رآني قبل الحجاب فقال ( لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم) فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي ووالله ما كلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه وَهَوَى حتى أناخ راحلته، فوطيء على يديها، فقمت إليها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش موغرين في نحر الظهيرة وهم نزول. و قالت: فهلك من هلك، وكان الذي تولى كبر الإفك عبد الله بن أبيّ بن سلول وقال عروة: أُخْبِرْتُ أنه كان يشاع ويتحدث به عنده فيقره ويستمعه ويستوشيه. فقال عروة أيضا ً: لم يُسَمّ من أهل الإفك إلاّ حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش، في ناس آخرين لا علم لي بهم غير أنهم عصبة كما قال الله تعالى وإن كِبْرَ ذلك يقال له عبد الله بن أبيّ بن سلول. قال عروة: كانت عائشة تكره أن يسب عندها حسان وتقول: إنه الذي قال: فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء قالت عائشة -رضي الله عنها-: فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمت شهراً، والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك، لا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي إنما يدخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول: ((كيف تيكم؟)). ثم ينصرف فذاك الذي يريبني ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعدما نقَهت، فخرجت معي أم مسطح قبل ( المناصع ) - وهو متبرزنا - وكنا لا نخرج إلاّ ليلاً وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريباً من بيوتنا فكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا- فانطلقت أنا وأم مسطح -وهي ابنة أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب- فأقبلت أنا وأم مسطح قبل بيتي حين فرغنا من شأننا، فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت: - تعس مسطح ......... فقلت لها: بئس ما قلت! أتسبين رجلاً شهد بدراً؟ فقالت: أي هنتاه ولم تسمعي ما قال؟ قلت: وما قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك، فقالت: فازددت مرضاً على مرضي، فلما رجعت إلى بيتي ودخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال: (كيف تيكم؟). فقلت له: أتأذن لي أن آتي أبويِّ؟ قالت: وأنا حينئذٍ أريد أن أستيقن الخبر من قِبلهما، قالت: فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أبويّ فقلت لأمي: يا أمتاه، ماذا يتحدث الناس؟ قالت: يا بنية هوني عليك فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا كثرّن عليها قالت: فقلت: سبحان الله، أو لقد تحدث الناس بهذا؟ قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم حتى أصبحت أبكي. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي، يسألهما ويستشيرهما في فراق أهله قالت: فأما أسامة فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم لهم في نفسه من الودّ، فقال: يا رسول الله أهلك ولا نعلم إلا خيراً. وأما علي فقال: - يا رسول الله لم يضيّق الله عليك والنساء سواها كثير وإن تسأل الجارية تصدقك قالت: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال: (أي بريرة، هل رأيت من شيء يريبك) قالت له بريرة: لا والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها أمراً قط غير أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها، فتأتي الداجن فتأكله. قالت: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه فاستعذر من عبد الله بن أبيّ بن سلول وهو على المنبر، فقال: ( يا معشر المسلمين، من يعذرني من رجل قد بلغني عنه أذاه في أهل بيتي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيراً ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً وما كان يدخل على أهلي إلا معي). قالت: فقام سعد بن معاذ أخو بني عبد الأشهل فقال: أنا يا رسول الله أعذرك منه فإن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. قالت: فقام رجل من الخزرج وكانت أم حسان بنت عمه من فخذه وهو سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج، قالت: وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً ولكن احتملَته الحمية فقال لسعد: كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله ولو كان من رهطك ما أحببت أن يقتل فقام أسيد بن حضير، وهو ابن عم سعد. فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين. قالت: فتثاور الحيان الأوس والخزرج حتى همّوا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر. وقالت: فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفِّضهم حتى سكتوا. قالت: فبكيت يومي ذلك كله لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. قالت: وأصبح أبواي عندي وقد بكيت ليلتين ويوماً لا أكتحل بنوم ولا يرقأ لي دمع حتى إني لأظن أن البكاء فالق كبدي، فبينا أبواي جالسان عندي وأنا أبكي فاستأذنت عليّ امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي معي. قالت: فبينا نحن على ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا فسلم ثم جلس. قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها وقد لبث شهراً لا يوحى إليه في شأني بشيء. قالت: فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال: (أما بعد: يا عائشة، فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه). قالت: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي: - أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم عني فيما قال فقال أبي: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لأمي: أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال قالت أمي والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت وأنا جارية حديثة السنّ لا أقرأ من القرآن كثيراً: إني والله لقد علمت: لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به، فلئن قلت لكم إني بريئة لا تصدقوني بذلك ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة لَتُصَدِّقُنِّي فوالله لا أجد لي ولكم مثلاً إلا أبا يوسف حين قال (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ) سورة يوسف\18 ثم تحولتُ فاضطجعتُ على فراشي والله يعلم إني حينئذٍ بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن الله منـزل في شأني وحياً يتلى لشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله فيّ بأمر يتلى ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها، فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى إنه ليتحدر منه من العرق مثل الجمان وهو في يوم شاتٍ من ثقل القول الذي أنزل عليه. قالت: فسرِّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك فكانت أول كلمة تكلم بها أن قال: - (يا عائشة أما الله فقد برأك) - قالت: فقالت لي أمي: قومي إليه - فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله -عز وجل-. قالت: وأنزل الله تعالى: (إِنَّ ٱلَّذِينَ جَاءوا بِٱلإفْكِ عُصْبَةٌ مّنْكُم لاتحسبوه شر لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الاثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم *) العشر الآيات كلها فلما أنزل الله هذا في براءتي. - قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره: - والله لا أنفق على مسطح شيئاً أبداً بعد الذي قال لعائشة ما قال. - فأنزل الله: ) وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) سورة النــور\22 - قال: أبو بكر الصديق: بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي فأرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه - وقال: والله لا أنزعها منه أبداً. - وهكذا برأ الله تعالى ام المؤمنين من فوق سبع سموات وكان حسان بن ثابت شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم في الافك في من تكلم به فقال يعتذر لعائشة وقال يمدحها : حصان رزان ما ترن بريئة تصبح غرثى من لحوم الغوافل عقيلة حي من لؤي بن غالب كرام المساعي مجدهم غير زائل مهذبة قد طيب الله خيمها طهرها من كل سوؤ وباطل لئن كان ما قد قيل عني قلته فلا رفعت سوطي الي اناملي وكيف وودي ما حييت ونصرتي لآل رسول الله زين المحافل وقد ذكرت هذه الحالة في القران الكريم في سورة النور من الاية: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالاِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الاثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النور:11) الى الاية (وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) النور 22 هذه هي القصة بتمامها والمعاناة بكاملها روتها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن نفسها وكما جاءت في الصحيحين اعلاه . ********************* شذرات من السيرة النبوية المعطرة 25 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وفي شهر ذي القعدة من السنة الخامسة للهجرة بعد ان تم امر بني قريظة اجيبت دعوة سعد بن معاذ وكان في خيمة في المسجد النبوي الشريف لاجل ان يعوده النبي صلى الله عليه وسلم عن قرب باستمرار فمرت عليه شاة فنكأت جرحه العميق فانتقض وانفجر من لبته فسال الدم غزيرا فتوفي فيه . فحملت جنازته الملائكة مع المسلمين واهتز عرش الرحمن لموته . وبعدها انتدب من المسلمين خمسة من الخزرج ليحوزوا شرف قتل ابورافع سلام بن ابي الحقيق رئيس يهود خيبر وتاجر اهل الحجاز واحد المؤلبين والمحركين للاحزاب ضد المسلمين فلما وصل هؤلاء الى حصنه في جهة خيبر مساءا قال قائدهم عبد الله بن عتيك: - مكانكم فاني سانطلق الى الحصن واتلطف للبواب لعلي ادخل. فاقبل حتى دنا من الباب ثم تقنع بثوبه كأنه يقضي حاجته فهتف البواب به: - يا عبد الله ان كنت تريد ان تدخل فا دخل فاني اريد ان اغلق الباب . فدخل عبد الله بن عتيك واختبأ حتى نام الناس فأخذ المفاتيح وفتح الباب ليسهل عليه الهروب عند الحاجة فكان كلما فتح بابا اغلقه من الداخل خلفه على رأ ي انه كي لا يقدر احد لا يصل اليه لأنهم سيجدون الابواب مغلقة من الداخل فلما انتهى الى بيت سلام بن ابي الحقيق فاذا هو في بيت مظلم وسط عياله لايدري اين هو فناداه : - يا ابا رافع يا ابا رافع . قال : من هذا ؟؟؟ فاهوى نحو الصوت بالسيف وهو في دهشته فلم يصبه فخرج ثم جاء وقد غير صوته كأنه يغيثه وقال: - ما هذا الصوت يا ابا رافع ؟؟ - فقال : لأمك الويل ان رجلا في البيت ضربني بالسيف. فعمد اليه وضربه ضربة جرحته ثقيلا الا انه لم يمت فوضع السيف في بطنه ونام عليه من الخلف حتى اظهره من ظهره ثم خرج مسرعا يفتح الابواب التي قفلها واحدا واحدا وكان بصره ضعيفا والليل مقمرا فظن انه وصل الى الارض فقدم رجله فوقع من السلم فجرحت رجله فشدها بعمامته واختفى عند الباب فلما اصبح الصباح سمع رجلا فوق السور ينادي بوفاة ابي رافع تاجر اهل الحجاز فعرف انه مات فجاء الى اصحابه ثم رجعوا الى المدينة فجائوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدثوه بما حدث فمسح النبي صلى الله عليه وسلم رجل عبد الله فشفيت فكأنها لم يشتكي منها ابدا . اما ابو لبابة فقد ربط نفسه بجذع اتخذ سارية في المسجد النبوي ومضى عليه ست ليال تاتي زوجته كي تحله للصلاة ثم يعود فيربط نفسه بعدها بالجذع ثم نزلت توبته في بيت ( ام سلمة) فبشرته بها فجاؤوا الناس ليطلقوه فأبى حتى يطلقه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ففعل حين مر عليه في صلاة الفجر . وفي المحرم من السنة السادسة للهجرة خرج ثمامة بن اثال سيد اليمامة يريد اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم بامر من مسيلمة الكذاب وكان ثمامة اشد الناس كراهية للنبي صلى الله عليه وسلم و للاسلام . وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد ارسل سرية من ثلاثين فارسا بأمرة محمد بن مسلمة لتاديب بني كلاب بن بكر الساكني في ناحية ( ضرية ) على مسافة سبعة ليال من المدينة في طريق البصرة فلما كانوا راجعين وجدوا ثمامة في طريقهم فاسروه وجاؤوا به الى المدينة المنورة وربطوه في سواري المسجد فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : -( ماعندك ياثمامة ؟؟) فقال : عندي خيرا يامحمد ان تقتل تقتل ذا دم وان تنعم تنعم على شاكر وان كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت . فتركه النبي صلى الله عليه وسلم مشدودا ومشى. ثم مر به في اليوم الثاني فدار بينهما نفس الحديث . ثم في اليوم الثالث دار بينهما نفس الحديث فقال النبي صلى الله عليه وسلم: - اطلقوا ثمامة . فاطلقوه فاغتسل واسلم فقال للنبي صلى الله عليه وسلم : - والله ما كان على ظهر الارض من وجه ابغض الي من وجهك فقد اصبح وجهك احب الوجوه الي ووالله ما كان على وجه الارض من دين ابغض الي من دينك فاصبح دينك احب الاديان الي . وعند العودة ذهب ثمامة الى مكة معتمرا فلاموه مشركو مكة على اسلامه فقال لهم: - والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى ياذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. - فلما انصرف الى اليمامة راجعا منع بيع الحنطة الى تجار مكة واهلها فتعبوا واستشرى الغلاء حتى كتبوا الى النبي صلى الله عليه وسلم يتوسلونه ويسأ لونه الرحمة في ارحامهم ان يكتب الى ثمامة بالسماح بيع الحنطة لهم ففعل. وفي ربيع الاول من السنة السادسة للهجرة خرج النبي صلى الله عليه وسلم يريد غزو بني لحيان وهم الذين قتلوا المسلمين ب( الرجيع) - كما بينت سابقا - وكانوا متوغلين في الحجاز الى حدود ( عسفان ) فأخر النبي صلى الله عليه وسلم امرهم الى ان تسنح الفرصة فخرج اليهم في ما ئتين من الصحابة ومعهم عشرين فرسا بعد ان استعمل ابن ام مكتوم على المدينة فاسرع اليها السير حتى بلغ ( بطن غران ) وهو وادي بين ( امج وعسفان ) حيث كان مصرع صحابته صلى الله عليه وسلم فترحم عليهم ودعا لهم واقام فيها يومين . اما بنو لحيان فلما سمعوا بالخبر فروا الى رؤوس الجبال لذا لم يجدوا احدا فارسل عشرة فرسان الى عسفان لتسمع بهم قريش فيداخلهم الخوف والرعب فذهبوا الى ( كراع الغميم) . ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة بعد ان غاب عنها اربع عشرة ليلة . وفي جمادي الاولى من السنة ذاتها بعث النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة الى ( العيص ) ومعه ومائة وسبعين راكبا بغية اعتراض عير لقريش قادمة من الشام كان يرأسها ابو العاص بن الربيع زوج ( زينب) ابنة النبي فوصلوا اليها وغنموها واسروا رجالها وأفلت ابو العاص فجاء الى المدينة ثم استجار ( بزينب) ورجاها ان تتوسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسأله ان يرد عليه اموال العير ففعلت ورجت اباها فوافق النبي صلى الله عليه وسلم ورد عليه كل ما كان فيها . ابو العاص من ابطال مكة المعدودين ورجالها - تجارة ومالا وامانة فرجع الى مكة وأدى الامانات الى اصحابها ثمن اعلن اسلامه ثم هاجر الى المدينة فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم( زينب ) . ثم ارسل النبي صلى الله عليه وسلم عدة سرايا لبسط الامن في المدينة وما حولها وكبح جماح الاعداء حتى بسط الامن والامان في كل الربوع . ************************ شذرات من السيرة النبوية المعطرة 26 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله: لم تخمد مشاعر المسلمين في المدينة شوقاً إلى مكة التي حيل بينهم وبينها ظلماً وعدواناً وما برحوا ينتظرون اليوم الذي تُتاح لهم فيه فرصة العودة إليها والطواف ببيتها العتيق إلى أن جاء ذلك اليوم الذي طل فيه النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه ليخبرهم برؤياه فقد رأى في منامه دخوله مكة وطوافه بالبيت الحرام هو واصحابه امين محلقين رؤوسهم ومقصرين فاستبشر المسلمون بهذه الرؤيا لعلمهم أن رؤيا الأنبياء حق واخبرهم انه يريد العمرة فتهيّؤوا لهذه الرحلة العظيمة والفرح يغمرهم .. وفي يوم الإثنين غرة ربيع الاول من السنة السادسة للهجرة المباركة خرج النبي صلى الله عليه وسلم يريد العمرة ومعه ألف وأربعمائة من الصحابة وليس معهم إلا سلاح السفر فأحرموا بالعمرة من( ذي الحليفة) وذو الحليفة ميقات اهل المدينة بحرمون منه اذا رغبوا بالحج والعمرة - وقد احرمنا منها في رمضان الماضي لاداء العمرة بعد زيارتنا للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وبقائنا في المدينة المنورة خمسة ايام – بفض الله ومنته . فلما فلما بلغوا ( عسفان ) واقتربوا من مكة بلغهم عينه أن قريشاً جمعت الجموع لمقاتلتهم وصدهم عن البيت الحرام . وكانت قريش قد تهيات للقتال وقد جمعوا الاحابيش ليعينوهم في القتال ونزلوا ب ( ذي طوى ) وارسلوا خالد بن الوليد ومعه مائتي فارس الى ( كراع الغميم ) قريبا من عسفان ليسد الطريق النافذ الى مكة عليهم . استشار الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم اصحابه في الهجوم على اهل المجتمعين لقتاله من الاحابيش ام يقصد البيت الحرام فمن صده يقاتله فاشار عليه ابو بكرالصديق قائلا : - يارسول الله جئنا معتمرين لا مقاتلين فمن حال بيننا وبين البيت الحرام قاتلناه - قال النبي صلى الله عليه وسلم : (هذا هو الراي) راى خالد بن الوليد ان الملسمين اثناء صلاة الظهر وهم يقومون ويسجدون فاراد ان ياخذهم على غفلة منهم وهم في صلاتهم ساجدون . ثم قرران يباغتهم في صلاة العصر. فشرعت صلا ة الخوف بين الظهر والعصر وهي ان ينقسم المسلمون في صلاتهم قسمين فاذا ام النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين فيها يكونون باسلحتهم فيسجد قسم منهم والاخر يحرسهم ثم في الركعة الثانية يسجد الاخرون ويحرسهم الاولون وهكذا لحين تنتهي الصلاة فيكونون في امان من العدو اثناء الصلاة . اخذ الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم طريقا غير طريقهم فيمم يمينا من اسفل مكة حتى بلغ ( ثنية المرار) وهي مهبط الحديبية فبركت ناقته القصواء فقال صلى الله عليه وسلم: -( ما خلأت القصواء وما ذاك لها خلق ولكن حبسها حابس الفيل ) ثم قال : -( والله لايسالوني خطة يعظمون فيها حرمات الله الا اعطيتهم اياها) ثم زجر الناقة فوثبت وتقدم فنزل الحديبية . فجاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة – وكانوا ناصحين للمسلمين في اقوالهم- فاخبرالنبي صلى الله عليه وسلم ان قريشا تستعد لقتالهم وصدهم عن المسجد الحرام . فاخبرو النبي صلى الله عليه وسلم انه ماجاء الا معتمرا وما جاء لقتال قريش وانه مستعد للهدنة والمصالحة الا اذا ابت قريش فانه سيقاتلهم حتى يحكم الله وهو خيرالحاكمين . ثم ارسلوا عروة بن مسعود الثقفي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم مثلما قال لبديل قبله . فرجع الى قريش ونصحهم بقبول الهدنة فلما حل الليل تسلل بعض شباب قريش فهبطوا جبل ( التنعيم) الى معسكر المسلمين وارادو القضاء على محاولات الصلح فالقى المسلمون عليهم القبض ثم اطلقهم المنبي صلى الله عليه وسلم وعفا عنهم فكان هذا الفعل له اثره الكبير في نفوس القرشيين وتخويفهم من قوة المسلمين فمالت قلوبهم لعقد صلح بينهم قال تعالى ( وهو الذي كف ايديهم عنكم وايديكم عنهم ببطن مكة من بعد ان اظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا *) الفتح \ 24 قرر النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ان يرسل عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى قريش وقال له : -(أخبرهم أنا لم نأت لقتال وإنما جئنا عماراً ، وادعهم إلى الإسلام ) وأَمَرَه أن يأتي رجالاً بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات ، فيبشرهم بالفتح ، وأن الله عز وجل مظهر دينه بمكة ، حتى لا يستخفى فيها بالإيمان . فانطلق عثمان حتى دخل في جوار ابان بن سعيد الاموي ولماء جاء قريش قالوا له : - إلى أين ؟ - فقال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعوكم إلى الله وإلى الإسلام ، ويخبركم :( أنه لم يأت لقتال ، وإنما جئنا عماراً ). - قالوا : قد سمعنا ما تقول فانفذ إلى حاجتك . فعرضوا عليه ان يطوف بالبيت الحرام فابى ان يطوف النبي صلى الله عليه وسلم يمنع من الطواق ثم قالوا له : - إلى أين ؟ ولكن عثمان احتبسته قريش فتأخر في الرجوع إلى المسلمين ، فخاف الرسول صلى الله عليه وسلم عليه وان قتل الرسول في الاعراف معناه اعلان الحرب فقال النبي صلى الله عليه وسلم - ( لانبرح حتى نناجز القوم ) وخاصة بعد أن شاع أنه قد قتل فدعا إلى البيعة فتبادروا إليه وهو تحت الشجرة فبايعوه على أن لا يفروا وهذه هي بيعة الرضوان وقد أنزل الله تعالى فيها قوله ) لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم مافي قلوبكم فانزل السكينة عليهم واثابهما فتحا قريبا * ) سورة الفتح\ 18 . ثم اطلقوا عثمان وكانت قد اخذت البيعة . وأرسلت قريش عروة بن مسعود إلى المسلمين فرجع إلى أصحابه فقال لهم : أي قوم ، والله لقد وفدت على الملوك -كسرى وقيصر والنجاشي- والله ما رأيت ملكاً يعظمه أصحابه كما يعظم أصحاب محمد محمداً . والله إذا أمر ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على فضلة وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم وما يحدون إليه النظر تعظيماً له . ثم قال : وقد عرض عليكم خطة رشد فا قبلوها . ولما سمع القرشيون بامرالبيعة داخلهم رعب شديد ثم أسرعت قريش في إرسال سهيل بن عمرو لعقد الصلح فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال : -( قد سهل لكم أمركم أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل ) فتكلم سهيل طويلاً ثم اتفقا على قواعد الصلح وهي : الأولى : رجوع الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من عامه هذا وعدم دخول المسلمين مكة فإذا كان العام القادم دخلها المسلمون بسلاح الراكب( وهو السيف في قرابه) فيقيمون بها ثلاثة ايام . الثانية : وضع الحرب بين الطرفين عشر سنين ، يأمن فيها الناس . الثالثة : من أراد أن يدخل في عقد مع محمد وعهده دخل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد مع قريش وعهدهم دخل فيه . الرابعة : من أتى محمداً من قريش من غير إذن وليه رده إليهم ومن جاء قريشاً ممن مع محمد لا ترده إليه . ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم : - (هات اكتب بيننا وبينك كتاباً ) فدعا الكاتب -وهو علي بن أبي طالب – فقال : اكتب : (بسم الله الرحمن الرحيم). فقال سهيل : أما الرحمن فما أدري ما هو ؟ ولكن اكتب : باسمك اللهم كما كنت تكتب . فقال المسلمون : والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم فقال صلى الله عليه وسلم : (اكتب : باسمك اللهم ). ثم قال : اكتب : (هذا ما صالح عليه محمد رسول الله) فقال سهيل : والله لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولكن اكتب محمد بن عبد الله. فقال :( إني رسول الله ، وإن كذبتموني . اكتب محمد بن عبد الله) ثم تمت كتابة الصحيفة ودخلت قبيلة خزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلت بنو بكر في عهد قريش . فبينما هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل ، وقد خرج من أسفل مكة يرسف-يمشي مقيداً- في قيوده حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين . فقال سهيل : هذا يا محمد! أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي فقال النبي صلى الله عليه وسلم :( إنا لم نقض الكتاب بعد) فقال : إذاً والله لا أصالحك على شئ أبداً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم :( فأجزه لي ) قال : ما أنا بمجيزه لك . قال :( بلى فافعل ) قال : ما أنا بفاعل . قال أبو جندل : يا معشر المسلمين كيف أرد إلى المشركين وقد جئت مسلماً؟ ألا ترون ما لقيت ؟ وكان قد عذب في الله عذاباً شديداً فقال النبي صلى الله عليه وسلم :( اصبر واحتسب فان الله جاعل لك وامن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا) فلما فرغ من قضية الكتاب ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : -( قوموا فانحروا ثم احلقوا) فما قام منهم رجل حتى قالها ثلاث مرات . فلما لم يقم منهم أحد قام ولم يكلم أحداً منهم حتى نحر بدنه وقد نحر النبي صلى الله عليه وسلم جملا كان لابي جهل في انفه حلقة من فضة لبغيض المشركين ودعا حالقه فحلق . فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا الابل عن سبعة افراد والبقرة عن سبعة ايضا وجعل بعضهم يحلق بعضاً حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً كمدا . وقد حزن المسلمون لامرين : الاول: رجوعهم الى المدينة منغير ان يعتمروا . والثاني: ان صحيفة الحديبية لم تساوي بين الطرفين في احد بنودها وهو البند الرابع منها حيث ينص على ان المسلمين ملزمون برد من جاء اليهم وقريش لايردون ما جاء اليهم من المسلمين فطمانهم النبي صلى الله عليه وسلم في الاول انهم سوف يعتمرون في العام القادم فرؤيا الانبياء حقيقة وصدق وطمانهم في الثاني بان من ذهب من المسلمين الى قريش فهو مرتد وقد ابعده الله عنهم ومن جاء من من قريش فسيجعل الله فرجا ومخرجا وفي قوله هذا بعد نظر وانتظار المستقبل .لكن في ظاهر الامر كان في صالح قريش مما كان له تاثير على نفوس المسلمين ومن ذلك مادار بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين عمر بن الخطاب فقد جاء اليه عمر الى النبي صلى الله عليه وسلم قال عمر بن الخطاب : والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ . فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : - يا رسول الله ! ألست نبي الله ؟ قال :( بلى.) قلت : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال :( بلى) . قلت : علام نعطى الدنية في ديننا ؟ ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبين أعدائنا ؟ فقال : (إني رسول الله وهو ناصري ولست أعصيه) . قلت : ألست كنت تحدثنا : أنا نأتي البيت ونطوف به . قال : (بلى أفاخبرتك أنك تأتيه العام ؟) قلت : لا قال :( فإنك آتيه ومطوف به ). قال : فأتيت أبا بكر ، فقلت له مثلما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورد علي كما رد علي رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء وزاد : فاستمسك بغرزه حتى تموت فوالله إنه لعلى الحق . ثم جاء نسوة مؤمنات فأنزل الله : (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله اعلم بايمانهن فان علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن الى الكفار لاهن حل لهم ولاهم يحلون لهن وآتوهم ما انفقوا ولا جناح عليكم ان تنكحوهن اذا آ تيتموهن اجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر واسألوا ما انفقتم وليسألوا ما انفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم * ) الممتحنة\ 10 . وعند رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة : أنزل الله سورة الفتح : (إنا فتحنا لك فتحا مبينا * ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما * وينصرك الله نصرا عزيزا*) الفتح \1-3 فقال عمر : أو فتح هو يا رسول الله ؟ قال :( نعم ) قال الصحابة : هذا لك يا رسول الله ، فما لنا ؟ فأنزل الله : ( هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السموات والارض وكان الله عليما حكيما* ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ويكفرعنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما *) الفتح \ 4-5. ولما رجع إلى المدينة جاءه أبو بصير –رجل مسلم من قريش- فأرسلوا في طلبه رجلين الى النبي صلى الله عليه وسلم لاجل رده اليهم وقالوا : - العهد الذي بيننا وبينك . فدفعه إلى الرجلين ، فخرجا به حتى بلغا( ذا الحليفة ). فنزلوا يأكلون من تمر لهم فيه. فقال أبو بصير لأحدهما: - إني أرى سيفك هذا جيداً. - فقال: أجل ، والله إنه لجيد ، لقد جربت به ثم جربت - فقال : أرني أنظر إليه فاخذ السيف فقتله بسيفه وانهزم الاخر ورجع أبو بصير إلى المدينة فقال : يا نبي الله ! قد أوفى الله ذمتك، قد رددتني إليهم فأنجاني الله منهم . فقال صلى الله عليه وسلم ) ويل أمه مسعر حرب ، لو كان له أحد ) وزجره . فلما سمع ذلك عرف ابو بصير أنه سيرده إليهم خرج حتى أتى سيف البحر ثم تفلت أبو جندل من قريش فلحق بأبي بصير ثم اصبحت حالة جديد ة اي شخص يفلت من قريش يلتحق بابي بصير وابي جندل في سيف البحر حتى اصبحوا كثر واخذوا يهددون القوافل القرشية الذاهبة الى الشام والقافلة منها فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحم أن أتاه منهم فهو آمن . . فلا يخرج من قريش رجل -قد أسلم- إلا لحق به حتى اجتمعت منهم عصابة . فما سمعوا بعير لقريش خرجت إلى الشام إلا اعترضوا لها فقاتلوهم وأخذوا أموالهم فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحم أن أتاه منهم فهو آمن . وكان هذا الصلح فتحاً عظيماً ، ونصراً مبيناً للمسلمين فقد دخل في الاسلام الكثير وقد اسلم اعظم وافضل قادة قريش وكبرائها هثل خالد بن الوليد و عمرو بن العاص و عثمان بن طلحة ، وذلك لما ترتب عليه من منافع عظيمة حيث اعترفت قريش بالمسلمين وقوتهم وتنازلت عن صدارتها الدنيوية وزعا متها الدينية فلا عجب إذاً أن يسمّيه الله تعالى في القران الكريم ( فتحا مبينا) . ******************************** شذرات من السيرة النبوية المعطرة 27 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله : بعد ابرام صلح الحديبية عاد النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة المنورة فقد امن جانب قريش واصبح له متسعا من الوقت للعمل وتنسيق الامور والدعوة الى الاسلام واهم حدث يذكر في هذا المجال قيام النبي صلى الله عليه وسلم بارسال رسائل الى الملوك والامراء يدعوهم الى الاسلام ويذكرهم بمضاعفة مسؤلياتهم وكان اول رسائله الى هرقل امبراطورالروم البيزنطي وقد وقد بعث الكتاب مع دحية ابن خليفة الكلبي يحمله الى ملك الروم وامره ان يدفعه الى عظيم بصرى ليدفعه الى القيصر وكان القيصر قد جاء من حمص الى بيت المقدس مشيا على الاقدام شكرا لله على ما حصل عليه من الانتصار على الفرس فلما جاءه ارسل الى رجل من العرب له معرفة كبيرة بمحمد صلى الله عليه وسلم فوجد ابا سفيان وجماعته من قريش فاتوا بهم الى هرقل فدعاهم هرقل الى مجلسه وكان حوله عظماء وكبراء ورؤساء الروم فسالهم بحضورهم ايهم اقرب الى النبي صلى الله عليه وسلم نسبا فاشاروا الى ابي سفيان فادناه القيصر واجلس بقية القرشيين خلفه وقال لهم : اني سائل الرجل يعني اباسفيان عن الرجل ويعني به النبي صلى الله عليه وسلم فان كذبني فكذبوه فاستحى ابو سفيان ان يكذب فيرد عليه احدهم بانه كاذب فقال القيصر: - كيف نسبه فيكم ؟ - هو فينا ذونسب - فهل قال هذا القول منكم احدج قبله؟ - لا. - افاشراف الناس اتبعوه ام ضعفاؤهم؟ - بل ضعفاؤهم - ايزيدون ام ينقصون؟؟ - بل يزيدون - فهل يرتد احد منهم سخطة لدينه بعد ان يدخل فيه ؟ - لا - فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل ان يقول ما قال ؟ - لا - فهل يغدر؟ - لا لكنا منه في مدة لاندري ماهو فاعل فيها - فهل قاتلتموه؟؟ - نعم - فكيف كان قتالكم اياه ؟ - الحرب بيننا وبينه سجال ينال منا وننال منه - وماذا يامركم؟ - يقول اعبدوا الله ولاتشركوا به شيئا واتركوا مايقول اباؤكم ويامر بالصلاة والصدق والعفاف والصلة. فقال هرقل معلقا على هذا الحوار: ذكرت انه فيكم ذو نسب وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها . وذكرت انه لم يقل احد منكم هذا القول قبله. وذكرت انه لم يكن من ابائه من ملك: قلت فلو كان من ابائه من ملك قلت يطلب ملك ابيه. وذكرت انكم لم تكونوا تتهمونه بالكذب فعرفت انه لم يكن ليذر الكذب علىالناس ويكذب على الله وذكرت ان ضعفاء الناس اتبعوه وهم اتباع الرسل وذكرت انهم يزيدون وكذلك الايمان حتى يتم وذكرت انه لايغدر وكذلك الرسل لايغدرون وذكرت انه يامركم ان تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وينهاكم عن عبادة الاوثان ويامركم بالصلاة والصدق والعفاف فان كان ماقلت حقا فسيلك موضع قدمي هاتين وقد كنت اعلم انه خارج ولم اكن اظنه منكم فلو اني اعلم اني اخلص اليه لتجشمت لقاءه ولو كنت عنده لغسلن عن قدميه . ثم دعا بالكتاب فقراه وهذا نصه : بسم الله الرحمن الرحيم (( من محمد عبدالله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى)) أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين، (يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون.)) فارتفعت الاصوات وكثراللغط فاخرج ابو سفيان ومن معه فلما خرج ابو سفيان قال لاصحابه: لقد امر امر ابن كبشة انه ليخافه ملك بني الاصفر ولم يزل ابو سفيان موقنا بعده بظهور امر النبي صلىالله عليه وسلم وحتى وفقه الله تعالى بالاسلام . ثم اجاز هرقل دحية بن خليفة الكلبي بمال وكسوة ثم جمع عظماء الروم في دسكرة وامر بغلق ابوابها فاغلقت . فقال لهم : - يامعشرالروم هل لكم من الفلاح والرشد وان يثبت ملككم فتتابعوا هذا النبي فحاصوا حيصة حمر الوحش الى الابواب فوجدوها مغلقة فلما راي قيصر نفرتهم قال: - ردوهم علي. فقال لهم : اني قلت مقالتي اختبر بها شدتكم عن دينكم فقد رايت فسجدوا له ورضوا عنه . من هنا يتبين ان القيصر عرف انه النبي المرسل الموجود هة صفاته في التوراة والانجيل وصدق بنبوته بتمام المعرفة ولكنه ان صرح به والزم الناس بما اعتقد يذهب ماله وملكه فباء باثم نفسه واثم الاخرين من رعيته الى يوم القيامة كما اخبرالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم . اما ماكان من امر دحية الكلبي فانه سلك الطريق راجعا الى المدينة فلما وصل (بني جذام ) خرج عليه قطاع طرق وانتهبوا ماله فلم يتركوا له شيئا الاانه واصل مسيره الى ان وصل المدينة فمثل بين يدي رسول الله صلى لله عليه وسلم فاخبره بما جرىله فبعث النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وبامرته خمسمائة مقاتل الى (بني جذام ) فاغاروا عليهم فقتلوهم وغنموا غنائم كثيرة منها الف بعير وخمسة الاف شاة ومن السبي مائة صبي وامراة فاسرع زيد بن رفاعة الجذامي رئيسهم الى المدينة واسلم هو ورجاله و وكانوا قد نصروا دحية الكلبي حين قطع الطريق عليه. فرد النبي صلى الله عليه وسلم الى زيد بن رفاعة الغنائم والسبايا . * اما الرسالة الاخرى فقد ارسلها النبي صلى الله عليه وسلم الى النجاشي اصمحة بن الابجر ملك الحبشة فقد اوكل به عمرو بن امية الضمري فلما وصل الكتاب اليه اخذه النجاشي ووضعه على عينيه ونزل عن السرير واسلم على يد جعفر بن ابي طالب وكتب الى النبي صلىالله عليه وسلم باسلامه وبيعته وزوج ام المؤمنين ام حبيبة لنت ابي سفيان الىالنبي صلى الله عليه وسلم واصدقها من ماله اربعمائة دينار وارسلها مع المهاجرين في سفينتين مع عمرو بن امية الضمري فلما وصلوا المدينة كان النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر . وهذا نص الرسالة: (( بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الإسلام إلى النجاشى ملك الحبشة: سلام عليك إنى أحمد الله إليك ،الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن، وأشهد أن عيسى بن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة، فحملت بعيسى فخلقه الله من روحه كما خلق آدم بيده، وإنى أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل، وقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصحى، والسلام على من اتبع الهدى. وقد أدت الرسائل كلها مهمتها خير أداء.)) مات النجاشي في رجب من السنة التاسعة للهجرة المباركة فنعاه النبي صلى الله عليه وسلم يو م وفاته وادى عليه صلاة الغائب فخلفه على الحبشة نجاشي اخر فكتب اليه يدعوه للاسلام. * اما الر سالة الاخرى فقد ارسلها النبي صلى الله عليه وسلم الى كسرى ابرويز ملك الفرس وقد ندب لحملها عبد الله بن حذافة السهمي وامره ان يدفعه الى عظيم البحرين ليدفعه عظيم البحرين الى كسرى انو شروان . فلما وصل الكتاب الى كسرى فقرأه وهذا نصه: (( بسم الله الرحمن الرحيم . من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى، وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأدعوك بدعاية الله، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة، لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين فأسلم تسلم، فإن أبيت فإن إثم المجوس عليك.)) ثم مزقه ورماه لحقده على العرب والذي يعتبرهم عبيدا من عبيده وقال: - عبد حقير من رعيتي يكتب اسمه قبل اسمي . فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم الخبر فقال داعيا عليه : -( مزق الله ملكه ) فكان كما احب النبي صلى الله عليه وسلم فقد انهزم جيشه امام جيش الروم هزيمة منكرة ثم اتلب عليه ابنه (شيرويه) فقتله واخذ ملكه واسمتر تمزق مملكته حتى جاء الفتح الاسلامي في معركة القادسية زمن الخلفة عمر بن الخطاب فقضى عليهم وذهب ملكهم ولم تقم للفرس قائمة لحد هذا اليوم ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عليه . وكذلك وجه كتابا الى المقوقس ملك الاسكندية في مصر حيث بعث بالكتاب حاطب بن ابي بلتعة فلما وصل حاطب وابلغ الكتاب اكرمه المقوقس ووضع الكتاب في حق من عاج اكراما للحبيب المصطفى وختم عليه واحتفظ به وهذا نصه : ((بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الإسلام إلى المقوقس عظيم القبط: سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإني أدعوك بدعوة الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ).)) ثم كتب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقر فيه بان نبيا قد بقي كما تشير رسالته وانه كان يظن انه سيخرج في الشام الا انه لم يسلم وبقي على دينه كما انه اهدى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم جاريتين ( مارية القبطية)و( سيرين ) وكانت لهما في القبط مكانة عظيمة واهدى اليه كسوة وبغله اسمها ( دلدل ) فاختار النبي صلى الله عليه وسلم ( مارية) وركب البغلة اما سيرين فقد وهبها الى شاعره حسا ن بن ثابت . * اما الرسالة الاخرى فقد كتبها النبي صلى الله عليه وسلم الى امير بصرى في الشام بعث فيها الحارث بن عمير الازدي فلما بلغ الحارث ( بلدة مؤتة) من اعمال ( البلقاء) جنوب الاردن تعرض له شرحبيل بن عمرو الغساني فقتله . وقد انزعج النبي صلى الله عليه وسلم اينما انزعاج من هذه الحادثة الاليمة وكان ذلك احد اسباب معركة ( مؤتة ) التي سناتي انشاء الله على ذكرها وتعد هذه الحادثة حادثة قتل الرسل اول حادثة من نوعها فما كان قد قتل لنبي او رسول قبله . *وكتب النبي صلى الله عليه وسلم رسالة الى هوذة بن علي صاحب اليمامة وبعث بها اليه مع سليط بن عمرو العامري فلما وصل سليط اكرمه هوذه بن علي واجازة وقيل انه كساه من نسيج هجر المشهور وكتب جوابا الى النبي صلى الله عليه وسلم هذا نص الجواب : ( ما احسن ماتدعوا اليه واجمله وانا شاعر قومي وخطيبهم والعرب تهابني اجعل لي بعض الامر اتبعك .) فحمل سليط العامري الجواب الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( لو سألني قطعة من الارض ما فعلت باد وباد ما في يديه ) وقد مات سليط العامري في فتح مكة . *و كتب النبي صلى الله عليه وسلم الى ملك البحرين المنذر بن ساوي بعث فيها العلاء بن الحضرمي فاسلم المنذر واسلم اهل البحرين وبقي منهم من على دين اليهودية والمجوسية . وهذا نص الرسالة : (( بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله، إلى المنذر بن ساوى، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك إلى الإسلام، فأسلم تسلمْ يجعل الله لك ما تحت يديك. واعلم أن ديني سيظهر إلى مُنتهى الخفّ والحافر» «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوي، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله. أما بعد فإني أذكرك الله عز وجل، فإنه من ينصح فإنما ينصح لنفسه، ومن يطع رسلي ويتبع أمرهم فقد أطاعني، ومن ينصح لهم فقد نصح لي، وإنّ رسلي قد أثنوا عليك خيراً، وإني قد شفعتُكَ في قومكَ، فاتركْ للمسلمين ما أسلموا عليه، وعفوتُ عن أهل الذنوب فاقبل منهم، وإنك مهما تصلح، فلن نعزلكَ عن عملك، ومن أقام على يهودية أو مجوسية فعليه الجزية.)) وكتب المنذر ملك البحرين الى النبي صلى الله عليه وسلم يستفتيه فكتب له المبي صلى الله عليه وسلم يامره بترك المسلمين وما اسلمو عليه وياخذ الجزيةمن اليهود والمجوس . * وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة بايام قلائل برسالة الى ملكي عمان جيفر واخيه. وقد انتدب لايصالها اليهما عمرو بن العاص فلما وصل الى عمان لقي عبد بن الجلندي فساله عبد عما يدعو اليه فقال: - الى الله وحده لاشريك له وتخلع ما عبد من دونه وتشهد ان محمدا عبده ورسوله. بعد حوار طويل بينهما ساله عبد الجلندي عما يا مر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : يامر بطاعة الله وينهى عن العدوان والزنى وشرب الخمرة وعن عبادة الحجر والوثن والصليب . فقال له عبد : ما احسن هذا الذي يدعو له لوكان اخي يتابعني عليه لركبنا حتى نؤمن بمحمد ونصدق به لكن اخي اضن بملكه من ان يدعه ويصير ذنبا – اي تابعا لغيره - فقال عمرو بن العاص : ان اسلم اخوك ملكه رسول الله صلى الله عليه على قومه فاخذ الصدقة من غنيهم فيردها على فقيرهم . فقال له -:ان هذا لخلق حسن. ثم ساله عن الصدقة فاخبره عمرو بن العاص بتفاصيلها واحكامها فلما جاء على ذكرالمواشي قال له : - ما اظن ان قومي يرضون بهذا . ثم اوصل عبد عمرو بن العاص الى اخيه جيفر فاعطاه الكتاب فقراه وسال عمرا عما فعلته قريش فاخبره انهم اسلموا وانه ان اسلم يسلم والا وطاته الخيل وتبيده خضراءه . فارجأ جيفر امره الى الغد فلما كان الغد ابدى القوة والصمود ولكنه اختلى باخيه للاستشارة . ثم اسلم الاثنان وخليا بين عمرو بن العاص وبين اخذه الصدقة وكانا عونا عمن خالفه او امتنع عنها . *********************************** شذ رات من السيرة النبوية المعطرة 28 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله: من فضائل صلح الحديبية على المؤمنين انهم تفرغوا واستراحوا من اكبر واعظم عدو لهم في الجزيرة العربية وهم قريش حيث تفرغ النبي صلى الله عليه وسلم لأخبث عدو للاسلام وهم اليهود وكانوا يسكنون في ( خيبر ) وما خلفها من جهة الشام . فبينما كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعد للخروج الى ( خيبر ) حدثت معركة جديدة هي( معركة الغابة ) . وسببها ان النبي صلى الله عليه وسلم قد ارسل ا بلا لقاحا ترعى في جهة الغابة بناحية جبل ( احد) ومعها غلامه رباح وكان راعي الابل سلمة بن الاكوع فأغار عبد الرحمن بن عيينة بن حصن الفزاري في بني عبد الله بن غطفان على الابل اللقاح للنبي صلى الله عليه وسلم التي ترعى بالغابة فاستاقها واعطى الراعي فرسه الى رباح ليسرع الى المدينة فيخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالامر وقام الراعي على اكمة واخذ يصيح باعلى صوته : - ياصباحاه .. ياصباحاه .. ياصباحاه.. ثم خرج في اثارالقوم وهو يرميهم النبال ويرتجز : خذها انا ابن الاكوع اليوم يوم الرضّع واستمر في رميه عليهم حتى رجع اليه احدهم فجلس الى اصل شجرة ورماه ثم دخلوا في مضيق جبل فاصبح سلمة فوق الجبل وهو مستمر في رميهم بالنبال وفي رواية اخرى في النبل والحجارة حتى تركوا الابل كلها ولم يزل يتبعهم حتى ألقوا ثلاثين بردا وثلاثين رمحا فاضطر اربعة منهم ان يصعدوا اليه وهو يجمع الحجار ة ليرميهم بها فجلسوا في ثنية لا يراهم فجلس سلمة بن الاكوع على راس قرن في الجبل فقال لهم : - هل تعرفونني ؟؟ انا سلمة بن الاكوع لا اطلب منكم رجلا الا ادركته ولا يطلبني احد فيدركني . فرجعوا عنه. ثم التفت صوب المدينة فراى فرسان النبي صلى الله عليه وسلم قادمون اليه وفيهم الاخرم وقتادة و المقداد والتقى اخرم وعبد الرحمن الفزاري فعقر اخرم فرس عبد الرحمن وطعنه عبد الرحمن فقتله فلحقه ابو قتادة فقتله طعنا . وانهزم رجاله . فطاردهم الفوارس وسلمة معهم يركض برجليه حتى وصلوا قبيل الغروب الى ماء يسمى ( ذي قرد) حيث نزل عليه فرسان العدو ليشربوا منه لعطشهم فاجلاهم سلمة بنبله ولحق بهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال سلمة ابن الاكوع للنبي صلى الله عليه وسلم : - يارسول الله القوم عطاشى فلو بعثتني في مائة رجل اخذت باعناقهم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ملكت فاسجع ) - تريث ثم قال صلى الله عليه وسلم :( انهم ليقرون الان في بني غطفان) واعطاه سهم الفارس والراجل واردفه العضباء وقال صلى الله عليه وسلم :( خير فرساننا اليوم ابو قتادة وخير رجالتنا سلمة) وفي رواية اخرى قال النبي صلى الله عليه وسلم -( ياخيل الله اركبي ..) ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم مقنعا في الحديد فكان أول من قدم إليه المقداد بن عمرو في الدرع والمغفر. فعقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء في رمحه وقال : ( امض حتى تلحقك الخيول إنا على أثرك قادمون ) واستخلف النبي صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم ثم أدرك سلمة بن الأكوع القوم وهو على رجليه فجعل يرميهم بالنبل ويقول: ( خذوها وانا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع ) حتى انتهى إلى( ذي قرد) وقد استنقذ منهم جميع اللقاح وثلاثين بردة . و قال سلمة : فلحقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفوارسه ينوون فتحاً لحِصْون ( خَيْبَر) بعد أن نقض اليهود العهد مع المسلمين في معركة الخندق وعاقبهم رسول الله في غزوة بني قريظة وتم طردهم خارج المدينة فاتجه أغلبهم إلى (خيبر) ما كاد رسول الله عليه وسلم يعود من صلح الحديبية ، ويستريح بالمدينة حتى أمر بالخروج إلى (خيبر) وليتخلص من هذه البؤرة الوسخة فاليهود اظهروا العداء للاسلام من اول يوم ولد فيه وهم يعلمون انه الحق من ربهم وكان سلاحهم الاقوي المكائد والحيل والنفاق ولا يزالون لحد الان فقد كان يهود خيبر يعادون المسلمين وقد بذلوا جهدهم في جمع الأحزاب في غزوة( الخندق) لمحاربة المسلمين يوم خرج رسول الله صلى الله عليه الصلاة والسلام للقتال . ففي مطلع محرم الحرام من السنة السابعة للهجرة المباركة وبعد ثلاثة ايام من انتهاء معركة( الغابة ) استخلف النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري ونادى في الناس الا يخرجوا معه الا رغبة في الجها د اما الغنيمة فلا يعطي لهم منها شيئ فلم يخرج للقتال الا اصحاب الشجرة وكان عددهم الف واربعمائة مقاتل . كانت( خيبر) مدينة يهودية تبعد عن المدينة المنورة قرابة \ مائة وسبعين كيلومترا باتجاه الشام شمال المدينة متكونة من عدة محلات اهمها ثلاث: الكتيبة والنطاة والشق وكل منها مكون من عدة حصون وقلاع فالكتبية متكونة من : حصن القموص وحصن السلالم ومحصن النزار والنطاة متكونة من : حصن ناعم وحصن الصعب بن معاذ وحصن قلعة الزبير. والشق متكونة من : حصن القموص وحصن الوطيح وحصن السلالم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم لغزو ( خيبر ) وسلك الطريق الموصل اليها حتى وصل الى منتصف الطريق ثم غير طريقه باخر يوصله الى ( خيبر ) من جهة الشام ليحول بينهم وبين هروبهم الى الشام . وفي الطريق اليها قال رجل لعامر بن الاكوع الا تسمعنا من هنياتك فنزل يحدو ويقول : لاهم لولا انت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فانزلن سكينة علينا وثبت الاقدام ان لاقينا انا اذا صيح بنا اتينا وبالصيح عولوا علينا وان ارادوا فتنة ابينا فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من هذا السائق؟؟ ) قالوا: عامر بن الاكوع فقال صلى الله عليه وسلم:(رحمه الله) فقال رجل من القوم : وجبت يارسول الله لولا متنعا به ؟ فلما وصلوا الى خيبر باتوا ليلتهم قريبا منها ولم تشعر اليهود بهم فلما فجرالفجر اقام صلاة الفجر صلى الله عليه وسلم بغلس ثم ركب بالمسلمين متجهين الى مساكن( خيبر) فلما وصلوها كان اليهود يهمون بالذهاب كل الى عمله الاعتيادي فلما رأؤا الجيش رجعوا هاربين وهم يرددون بخوف وفزع : محمد محمد الله محمد والخميس . .. فقال النبي صلى الله عليه وسلم :( الله اكبر انا اذا نزلنا بساحة فساء صباح المنذرين ) ولما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من (خيبر) قال للجيش (قفوا ) فوقف الجيش فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه الى السماء قائلا ( اللهم رب السموات السبع وما اظللن ورب الارضين السبع وما اقللن ورب الشياطين وما اضللن ورب الرياح وما اذرين فانا نسألك خير هذه القرية وخير اهلها ونعوذ بك من شر هذه القرية وشر اهلها وشر مافيها . اقدموا باسم الله ..) فحاصر المسلمون اليهود في( خيبر ) عشرين ليلة وكانت ارضا وخمة شديدة الحر فجهد المسلمون جهدا وتعبا شديدا فقام النبي صلى الله عليه وسلم فيهم فوعظهم وحرضهم على القتال ( وحرض المؤمنين على القتال ) وكان بين المسلمين عبد اسود فقال : - يارسول الله اني رجل اسود اللون قبيح الوجه منتن الريح لا مال لي فان قاتلت هؤلاء حتى اقتل ادخل الجنة ؟؟) فقال النبي صلى الله عليه وسلم له :( نعم ) فقاتل حتى قتل فقال النبي صلى الله عليه وسلم لما راه قد قتل: ( لقد حسن الله وجهك وطيب ريحك وكثر مالك ) وقال ايضا : ( لقد رايت زوجتيه من الحور العين تتنازعان جبة عليه وتدخلان بين جلده وجبته ) وكانت حصون (خيبر ) صعبة المرتقي و فيهم مرحب فارس يعد بالف رجل فوقعت بينهم المراماة عدة ايام ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين بعد ان بشرهم بالفتح : ( لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله) فبات المسلمون يتشوقون اليها وكل يتمنى ان يعطيها له فلما اصبح الصباح قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( اين علي ؟؟) قالوا : هو يشتكي عينيه... فارسل اليه فلما حضر فبصق خفيفا في عينيه ودعا له فبرئ وكانه لم يكن فيه وجع او الم من ذي قبل فاعطاه الراية امره ان يدعوهم الى الاسلام قبل ان يقاتلهم . وكان اليهود قد نقلوا نساءهم واولادهم الى حصن اخر ليلا فلما ذهب اليهم علي بن ابي طالب ودعاهم للاسلام رفضوا بشده ودعا مرحب- وهو مقاتل يهودي يعد بالف فارس- الى المبارزة وهو يلاعب سيفه ويقول : قد علمت خيبر اني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب اذا الحروب اقبلت تلهب فنزل اليه عامر بن الاكوع وهو يرتجز : قد علمت خيبر اني عامر شاكي السلاح بطل مغامر ثم اشتبكا بضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر فعضه فذهب عامر يسفل له- وكان سيفه قصيرا- فرجع اليه سيف فاصاب ركبته فمات فيها فقال سلمة بن الاكوع للنبي صلى الله عليه وسلم : - -زعموا ان عامرا حبط عمله فقال النبي صلى الله عليه وسلم : - ( كذب من قال ذلك ان له اجران-وجمع بين اصبعيه- انه لجاهد مجاهد قل عربي مشى بها مثله ) فنزل علي بن ابي طالب لمبارزة مرحب وهو يرتجز: انا الذي سمتني امي حيدرة كليث غابات كريمه منظره اوفيهم بالصاع كيل السندرة ثم ضرب راس مرحب فقتله شر قتلة ثم خرج اخو مرحب واسمه ياسر يدعو المبارزة فبرز له الزبير بن العوام والحقه باخيه ثم دارالقتال المرير فقتل فيه عدد من فرسان اليهود فانهارت قواهم فانهزموا من حصن الى حصن اخر والمسلمون يتبعونهم ويغنمون كثيرا من الطعام والسلاح والتمر . فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ايقنوا بالهول والفجيعة فسالوه الصلح ونزل اليه سلام بن ابي الحقيق . فصالحهم النبي صلى الله عليه وسلم على حقن الدماء وعلى الذرية ويخرجون من( خيبر) ويتركون ماكان لهم من مال وارض وعلى الصفراء والبيضاء والحلقة الا ثوبا على ظهر انسان اي يخرجون بثيابهم التي عليهم ولا يحملون شيئا . فغنم المسلمون مائة درع واربعمائة سيف والف رمح وخمسمائة درع وصحفا كثيرة من التوراة وزعوها على من ارادها وكان ان غدر كل ابن ابي الحقيق واخوه حيث اخفوا الذهب والفضة والجواهر فبرئت منهما الذمة فقتلا لغدرهما . فلما اراد النبي صلى الله عليه وسلم ان يجليهم منها قالوا : نحن اعلم بهذه الارض منكم فدعنا نكون فيها. فاعطاها لهم على شرط مناصفة الغلة او شطر ما يخرج من ثمارها وزرعها وكان عدد قتلى اليهود في هذه المعركة ثلاثة وتسعين رجلا وقتلى المسلمين خمسة عشر شهيدا وقيل ثمانية عشر . وفي هذا الوقت عاد المسلمون المهاجرون الى الحبشة الى المدينة المنورة صحبة عمرو بن امية الضمري حامل كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى النجاشي ملك الحبشة فاتجه طائفة منهم الى ( خيبر) وهم ستة عشر رجلا فيهم جعفر بن ابي طالب وابو موسى الاشعري لموافاة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حين فتح ( خيبر) وقبل ان يقسم الغنائم فقبل النبي صلى الله عليه وسلم جعفرا وقال : -( والله ما ادري بأيهما افرح ؟؟ بفتح خيبر ام بقدوم جعفر فلما قسم الغنائم اعطاهم منها وكذلك وافي النبي ب( خيبر ) صلى الله عليه وسلم بعد فتحها ابو ذرالغفاري فاسلم واستاذن النبي صلى الله عليه وسلم فاعطاه المصطفى صلى الله عليه وسلم من غنائم( خيبر) اما ابان بن سعيد الذي كان قد خرج بسرية الى نجد فقد عاد بعد انجاز مهمته ووافى النبي صلى الله علبيه وسلم ا لا ان( خيبر) كانت قد فتحت . واما القسم الاخر من مهاجري الحبشة فذهبوا مع نسائهم وذراريهم الى المدينة المنورة فدخلوها مرحب بهم من قبل الانصار المهاجرين كثيرا . قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم ( خيبر ) الى ستة وثلاثين سهما كل سهم مجموع مائة سهم ثم قسمها الى قسمين فاخذ ثمانية عشر سهما الى امور المسلمين عامة بما فيها احتياجات الفقراء والنوائب التي تصيبهم والنصف الاخر قسمه على الغزاة فاعطى للراجل سهما واحدا والفارس اعطاه ثلاثة اسهم اثنين لفرسه وواحد له وكان عدد الفوارس مائتي فارس فكان نصيبهم ستة اسهم والراجلة الفا ومائتين فكان نصيبهم اثنا عشر سهما . ******************************************* شذرات من السيرة النبوية المعطرة 29 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله : بعد وصول النبي صلى الله عليه وسلم الى( خيبر ) ارسل محيصة بن مسعود الى (فدك) يدعوهم الى الاسلام و( فدك) قرية تقع في شرق (خيبر) على مسافة يومين منها وتعرف اليوم ب( حائط) ومضت الايام ولم يعد محيصة بن مسعود الى النبي صلى الله عليه وسلم وابطاؤوا عليه . فلما سمع يهود (فدك ) بفتح ( خيبر) داخلهم الرعب وخافوا القتل وطلبوا ان يعاملهم معاملة اهل خيبر فقبل ذلك منهم فاعتبرت ( فدك ) ارضا خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق منها على نفسه واقاربه من بني هاشم . ثم سارالنبي صلى الله عليه وسلم بعد ان فرغ من (خيبر) الى وادي القرى ودعا اهلها الى الاسلام فلم يسلموا وخرجوا لقتال المسلمين فلما تراى الجمعان برز منهم رجل للمبارزة والقتال فخرج اليه الزبير بن العوام فقتله ثم خرج اخر فقتله ثم خرج ثالث فخرج اليه علي بن ابي طالب فقتله وقيل قتل منهم احد عشر رجلا وانتهى اليوم. وفي صبيحة اليوم التالي ومع ارتفاع الشمس قدر رمح تقدم لهم النبي صلى الله عليه وسلم حتى انهزموا فغنم المسلمون غنائم كثيرة ثم طلبوا ان يعاملوا معاملة اهل خيبر فقبل النبي صلى الله عليه وسلم منهم ذلك واقرهم عليه وترك النخل والارض بايدي اليهود ولما رجع النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة رد المهاجرون ما منحهم الانصار من النخيل اليهم . تناقلت الاخبار الى يهود (تيماء) ما جرى لليهود في خيبر وفدك ووادي القرى فلم يخرج اليهم احد لقتالهم انما صالحوا على دفع الجزية واستسلموا فيقوا في بلادهم واموالهم . بعد معركة خيبر عاد الهدوء وذهب الخوف وارتاح الناس عاد اليهود الى الى الخباثة والمكر والكراهية والحقد فتآمروا على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاهدوا اليه شاة مسمومة بواسطة امراة اسمها (سلام بن مشكم ) احد كبراء اليهود وقد علمت ان النبي صلى الله عليه وسلم يفضل لحم الذراع على غيره فاكثرت من وضع السم فيه فاكل منه النبي صلى الله عليه وسلم الا انه لم يبلعه فلفظ اللحم من فيه قائلا : (انها شاة مسمومة ) وسال المرأة واليهود فاعترفوا بجريمتهم وقالوا : - قلنا ان كان ملكا نستريح منه وان كان نبيا لايضره السم . فعفا عنهم وعن هذه المراة الا ان بشر بن معرور كان قد اكل من الشاة المسمومة فمات من ساعته فقتلت المرأة قصاصا بدم بشر . ولما جعلت صفية بنت حيي بن اخطب في السبي فاذن النبي صلى الله عليه وسلم الى دحية بن خليفة الكلبي باخذها الا ان صحبته اشاروا عليه انها لا تصلح الا له وخاصة انها سيدة بني النضير وسيد بني قريظة . فدعا ها النبي صلى الله عليه وسلم وعرض عليها الاسلام فاسلمت فاعتقها النبي صلى الله عليه وسلم ثم تزوجها با ن جعل صداقها عتقها فلم تم له فتح خيبر وفدك ووادي القرى واستسلام يهود تيماء وهم بالرجوع الى المدينة ووصل الى ( الصهباء ) حلت له صفية وعرس بها ثم عاد الى المدينة في اواخر صفر وفي روايةاخرى اواوئل ربيع الاول من السنة السابعة للهجرة . ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية الى ( الحرقات) قرية قرب (جهينة) فلما قربوا منهم بعث الامير طلائعه فلما رجعوا بخبرهم اقبل حتى دنا منهم ليلا وقد هدؤا وسكنوا ثم قام فحمد الله واثنى عليه ثم قال : - (اوصيكم بتقوى الله وحده لا شريك له وان تطيعوني ولا تعصوني ولا تخالفوا امري فانه لا راي لمن لا يطاع ) ثم رتبهم فقال: - (يافلان انت وفلان ويافلان انت وفلان لايفاق كل منكم صاحبه وزميله واياكم ان يرجع احد منكم فاقول اين صاحبك ؟ فيقول لا ادري فاذا كبرت فكبروا وجردوا السيوف ثم كبروا واحملوا حملة واحدة) . فاحاطوا بالاعداء واخذتهم السيوف أخذة واحدة . وايضا في السنة السابعةمن الهجرة المباركة و بعد ان استقر النبي صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه الى المدينة واطمان بها سمع خبرا بتجمع البدو من بني ثعلبه وبني انمار وبني محارب فأوكل امرالمدينة الى عثمان بن عفان وركب في سبعمائة من الصحابة وقصد موقعا يقال له ( نخل ) على مسيرة يومين من المدينة وكان هذا الموقع يتميز بوعورة ارضه وجباله وذات ألوان مختلفة آذت أرجل المسلمين فشدوا عليها خرقا (رقاعا) تقيهم وعورة الارض فلقي جمعا من غطفان فلما تقارب الفريقان اذنت الصلاة فاقيمت الصلاة ( صلاة الخوف ) فصلى بالمسلمين رسو ل الله صلى الله عليه وسلم حيث قسمهم الى قسمين فصلى بالجماعة الاولى ركعتين ثم بالاخرى ركعتين فصلى النبي صلى الله عليه وسلم اربع ركعات بهم لكل فريق ركعتين . فلما انتهت الصلاة القى الله الرعب في قلب الاعداء فتفرق جمعهم وعاد النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه الى المدينة . وسميت هذه الغزوة ب (ذات الرقاع) . ومن احداث هذه الغزوة ان النبي صلى الله عليه وسلم نزل لينام في ظل شجرة كبيرة وارفة الظلال وعلق سيفه بالشجرة وغلبه النوم وتفرق المسلمون تحت الاشجار فناموا فجاء رجل من المشركين حتى وصل الى النبي صلى الله عليه وسلم واخذ سيفه فاخترط السيف فاستيقظ . فقال المشرك للنبي صلى الله عليه وسلم : - اتخافني ؟؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا قال المشرك : فمن يمنعك مني ؟؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : الله . فسقط السيف من يد المشرك فاخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: - من يمنعك مني .. - فقال : من خير آخذ . فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم للاسلام فلم يسلم الا انه اعطى للنبي صلى الله عليه وسلم عهدا انه لايقاتله ولا يكن مع قوم يقاتلونه فاخلى النبي صلى الله عليه وسلم سبيله . ثم ذهب الى قومه وقال لهم : جئتكم من عند خير الناس . وقد اشترك في هذه الغزوة ايضا ابو هريرة وابو موسى الاشعري رحمهما الله تعالى. وفي شهر ذي القعدة من هذه السنة السابعة للهجرة المباركة توجه النبي صلى الله عليه وسلم قاصدا مكة المكرمة للعمرة التي تم الانفاق عليها في صلح الحديبية . ان تكون في العام القادم فاستخلف على المدينة المنورة ابا ذر الغفاري فخرج ومعه ستين بدنة بحماية ناجية بن جندب الاسلمي كما حمل معه السلاح بحماية بشير بن سعد خشية من تمرد قريش وغدرها وكان معه مائة فرس وعليها محمد بن سلمة . احرم النبي صلى الله عليه وسلم من ( ذي الحليفة ) القريبة على المدينة المنورة ولبى والتلبية ( لبيك اللهم لبيك ان الحمد والنعمة والملك لك لاشريك لك لبيك ) تتكرر من ساعة الاحرام حتى وصول مكة المكرمة ومشاهدة الكعبة المشرفة وكان المسلمون قد احرموا و ساروا ملبين وراءه وواصل سيره حتى بلغ وادي ( يأجج) حيث توقف ووضع السلاح و امر عليها اوس بن خولي الانصاري ومائتي رجل من الصحابة وتقدم و والباقون بسلاح الراكب - اي كل معه سيفه في قرابه غيرمصلت منه- فدخل مكة المكرمة من موضع يقال له ( ثنية كداء ) وهذه توصله الى (الحجون) دخل النبي المسجد الحرام على ناقته ( القصواء) والمسلمون محدقون به من كل صوب ومتوشحون سيوفهم فلما دخل استلم الحجر الاسود بمحجنه ثم طاف حول البيت سبعا وهو على ناقته وطاف معه المسلمون كاشفي عن مناكهم اليمين مشمرين عنها دليل القوة والفتوة وكان بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن ابي رواحة الشاعرالمشهور وهو ينشد: خلوا بني الكفارعن سبيله خلوا فكل الخير في رسوله قد انزل الرحمن في تنزيله في صحف تتلى على رسوله بان خيرالقتل في سبيله يارب اني مؤمن بقيله اليوم نضربكم على تاويله كما ضربناكم على تنزيله ضربا يزيل الهام عن مقيله ويذهل الخليل عن خليله اما القرشيون فكانوا ينظرون اليهم من فوق جبل( قعيقعان ) شمال الكعبة وقد تجمعوا رجالا وزنساءا وصبيانا والمسلمون يرملون في ثلاثة اشواط الا بين الركن اليماني والحجر الاسود فيمشون براحتهم وبهذه الحالة يكونون لايراهم المشركون ويكون بناء الكعبة قد حجبهم عن نظرالمشركين كما امرهم النبي صلى الله عليه وسلم اظهرا للقوة والفتوة وكانوا يتوقعون ان المسلمين اتعبهم السكن في المدينة فلما راوهم يرملون بقوة ونشاط تعجبوا . فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الطواف حول الكعبة والمسلمون معه تقدموا للسعي بين الصفا والمروة سبعة اشواط فلما انتهوا نحرالهدي عند المروة ونحروا وحلق راسه وحلقوا وبهذ ا يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد تحلل وانتهت عمرته وكذلك المسلمون معه . ثم بعث النبي رجالا من اصحابه الى جماعته الذين بقوا بحماية السلاح لياتون فيؤدوا عمرتهم . ومكث ثلاثةايام بلياليها في مكة المكرمة وفي هذه الايام تزوج من ميمونة بنت الحارث من بني هلال التي كانت زوجة لعمه الحمزة بن عبد المطلب وكانت زوجة عمه العباس فاوكلت العباس في تزويجها فزوجها العباس الى النبي صلى الله عليه وسلم. اتى الى النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك من قريش سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى فصاح حويطب : نناشدك الله والعقد لما خرجت من ارضنا بعدها امرالنبي صلى الله عليه وسلم ابا رافع ان يؤذن بالرحيل . وفي اليوم الرابع غادر النبي صلى الله عليه وسلم مكة المكرمة الى المدينة مسرورا وقد تحققت رؤياه ( لتدخلن المسجد الحرام امنين محلقين رؤوسكم ومقصرين ) فلما بلغ ( سرف) وهي على مسافة تسعةاميال من مكة المكرمة زفت اليه ميمونة فبنى بها . وهذه هي العمرة الاولي التي طاف النبي صلى الله عليه والمسلمون فيها حول الكعبة المباركة واتموها فكانوا فرحين مستبشرين . يتبع ********************************************** شذرات من السير ة النبوية المعطرة 30 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله: بعد ان عاد النبي صلى الله عليه وسلم من عمرة القضاء والتي اعتمرها في ذي القعدة من السنة السابعة للهجرة المباركة جهز جيشا الى (مؤتة) ومؤته ماء وقرية قرب البلقاء في الشام . ولو رجعنا الى الحلقة السابعة والعشرين من هذه الشذرات لوجدنا ان النبي صلى الله عليه وسلم ارسل كتبا ورسائل الى ملوك وامراء البلدان المجاورة ومن جملتهم عظيم بصرى فقد ارسل اليه كتابا وا وفد فيه الحارث بن عمير فقتله شرحبيل بن عمرو الغساني وكان هذا بمثابة اعلان حرب على المسلمين . وبغية الرد على هذه السابقة التي لم يسبق مثلها فقد جهز النبي صلى الله عليه وسلم جيشا قوامه ثلاثة الاف مقاتل بقيادة زيد بن حارثة واوصاهم انه لو قتل زيد فالقائد يكون جعفر بن ابي طالب وان قتل جعفر ايضا فالقائد عبد الله بن ابي رواحة الشاعرالمعروف . وعقد رسول الله صلى الله عليه وسلم لواء الجيش ابيضا حمله زيد بن حارثة . واوصاهم ان ياتوا مكان استشهاد الحارث بن عمير فيدعوهم الى الاسلام فان ابوا فحق قتالهم وقال لهم : ( اغزوا باسم الله وفي سبيل الله قاتلوا من كفر بالله ولاتغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليدا ولا امراة ولا كبيرا فانيا ولا منعزلا بصومعة ولا تقطعوا نخلا ولا شجرة ولا تهدموا بناءا ) وهذه وصية من الله ورسوله الى جيوش المسلمين عامة وفيها الخلق الانساني العظيم مالم يكن له مثيل . ثم جمع الجيش وشيّعه الى ( ثنية الوداع) ثم رجع وفي هذا يقول الشاعر عبد الله بن ابي رواحة : لكنني اسال الرحمن مغفرة وضربة ذات فرع تقذف الزبدا او طعنة بيدي حران مجهزة بحربة تنفذ الاحشاء والكبدا حتى يقال اذا مروا على جدثي يارشد الله من غاز وقد رشدا فكان كما اراد. سار الجيش شمالا حتى وصل ( معان ) بجنوب الاردن فاخبروا ان هرقل نزل بجيشه في موقع اسمه ( مآب ) قرب البلقاء ومقداره مائتا الف فارس وانضم اليه من العرب مائة اخرى من لخم وجذام وبلي وغيرهم من قبائل العرب فكان جيش الاعداء مائتي مقاتل مقابل جيش المسلمين ثلاثة الاف مقاتل . فتشاور القادة بينهم وهموا ان يكتبوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبون منه ايمدهم بالمدد ام يقدمون على الحرب ؟؟ فشجعهم عبد الله بن ابي رواحة بان الذي يكرهونه هو الشهادة وهو الذي خرجوا يطلبونه ويبغونه في كل المعارك في سبيل الله ونصرة الاسلام وقال لهم : - نحن ما خرجنا نقاتل بعدد ولا بعدة ولا بقوة ولا بكثرة انما نقاتل بهذا الدين الذي اكرمنا الله به . فاما الظهور واما الشهادة . فقالوا : صدق ابن ابي رواحة. فتقدموا للقتال ونزلوا بمؤتة وتعبؤوا متهيئين للقتال والاستشهاد جميعهم ولقيهم جيش الاعداء الجرار بتخوم البلقاء . وكان في هذه المعركة عجائب رحمة الله بالمؤمنين وكان قتال المسلمين في هذه المعركة من العجائب في تاريخ البشرية والا فكيف يقاتل ثلاثة الاف مقاتل مائتي الف اي بزيادة مائة وسبعه وتسعين الف مقاتل بمعادلة حسابية بسيطة يكون على كل مقاتل مسلم ان يقاتل ( 667 ) مقاتلا من الكفار وهذا مالا يدركه العقل الواعي . ودارت معركة عظيمة عجيبة لم يشهد تاريخ البشرية مثلها فقد كان جيش الروم بهذا العدد الهائل مدججا بالسلاح ويهجمون طوال النهار على المسلمين الذين هم اقل منهم سلاحا وعدة وعددا و فقد الروم كثيرا من ابطالهم. كانت راية المسلمين بيد زيد بن حارثة فقاتل وقاتل وقاتل حتى استشهد في سبيل الله وكان عمره ثلاثة وثلاثين عاما استشهد وأخذ الراية بعده جعفر بن أبي طالب فقاتل وهو ينشد : يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارداً شرابهـا والروم روم قد دنا عذابها علي إذا لاقيتها ضرابها وقاتل حتى اذا ارهقه التعب حتى اقتحم عن فرسه الشقراء فعقرها ثم قاتل قتالا مستميتا حتى قطعت يمينه فتناول الراية بشماله حتى اذا قطعت شماله احتضنها بعضديه فابقاها خفاقة عالية حتى خر صريعا وبه بضع وتسعون جرحا مابين رمية وطعنة فتناولها عبد الله بن رواحة فاخذ الراية وتقدم نحو جيش الروم وهو يرتجز او ينشد يخاطب نفسه : اقسم بالله لتزلنه ولتنزلنه او لتكرهنه ياظالما قد كنت مطمئنة ان اجلب الناس وشدوا الرنة مالى اراك تكرهين الجنة وكذلك قال ايضا : يانفس ان لم تقتلي تموتي هذا حمام الموت قد صليت وما تمنيت فقد اعطيت ان تفعلي فعلهما هديت فقاتل وقاتل حتى استشهد في سبيل الله وقد قال زيد بن ارقم فيه وكان يتيما عند عبد الله بن ابي رواحة : خرج بي عبد الله في سفره مردفي على حقيبة رحله فسمعته ينشد شعرا فيقول : اذا اديتني وحملت رحلي مسيرة اربع بعد الحسام فشأنك فانعمي وخلاك ذم ولا ارجع الى اهلي ورائي وجاء المسلمون وغادروني بارض الشام مستنهي الثواء وردك كل ذي نسب قريب الى الرحمن منقطع الاخاء هنالك لا ابالي طلع بعل ولا نخل اسافلها ورائي قال زيد بن الارقم : فبكيت فخفقني بالسوط وهو يقول لي: - ماعليك يالكع ان يرزقني الله الشهادة وترجع بين شعبتي الرحل . فتقدم ثابت بن الارقم وفتناول الراية لكي لا تسقط على الارض وقال للمسلمين : - اصطلحوا على رجل .. اي اختاروا قائدا للمعركة من بينكم . فاصطلح المسلمون على خالد بن الوليد فتقدم خالد وهو اهل لها فقاتل قتالا عجيبا شرسا منقطع نظيره حتى قيل تقطعت في يده تسعة سيوف وانتهى النهار . ولما اخبر النبي صلى الله عليه وسلم بمقتل القادة الثلاثة وانتقال القيادة الى خالد بن الوليد اسماه ( سيف الله المسلول ) فكني بها . وقد رثا الشاعر حسان بن ثابت جعفر بن عقيل وعبد الله بن رواحة وزيد بن حارثة وقتلى المسلمين (بمؤتة) بقصيدة منها هذه الابيات : تأوبني ليل بيثرب أعـــسرٌ وهَـمٌّ إذا مانوّم الناس مسهر لذكرى حبيب هيجت ثم عبرة سفوحاً وأسباب البكاء التذكر بلى إنّ فقدان الحــبيب بليةُ وكـم من كريم يبتلى ثم يصبر فلا يبعــدن الله قتلى تتابعوا بمـؤتة منهم ذو الجناحين جعفر وزيدٌ وعبــدالله حين تتابعوا جميعاً وأسبـــاب المنية تخطر غـداة غدوا بالمؤمنين يقودهم إلى المـوت ميمون النقيبة أزهر رجع في الليل الفريقان كل الى موضعه فلما اصبح الصباح رتب خالد جنده بغير الترتيب الذي كان عليه فجعل الميمنة ميسرة وجعل الساقة في المقدمة والمقدمة في الساقة والميسرة في الميمنة فظن الاعداء ان امدادا جاءت للمسلمين فداخلهم الخوف بل قذف الله تعالى الرعب في قلوبهم فلما بدء القتال وتمت مناوشة خفيفة بين الطرفين . بدأ خالد يتاخر فلم تتقدم الاعداء حيث ظنوا ان المسلمين تاخروا ليخدعوهم فالتمس المسلمون مؤتة ومكثوا يناوشون العدو سبعة ايام ثم تحاجز الفريقان وتوقف القتال. اذ ان الروم ساورهم الظن او الشك ان المسلمين تتوالى عليهم الامدادات وانهم يكيدون بهم ليسحبوهم في قتالهم الى الصحراء وفيقتلونهم وبهذا رجحت كفة القتال للمسلمين وانتهت المعركة بهذا الاتجاه . خسر المسلمون اثناعشر مقاتلا وخسرالروم ما لا يعد فقد قتل منهم الكثير وكان ذلك في جمادى الاولى من السنة الثامنة للهجرة . وفي جمادي الاخرة من السنة الثامنة للهجرة المباركة اي بعد شهر واحد على انتهاء معركة (مؤتة ) كان بعض القبائل العربية في الشام قد خانت عروبتها في معركة مؤتة فقاتلت بجانب الروم ضد ابناء عروبتهم واخوتهم العرب المسلمين لذا فقد راى النبي صلى الله عليه وسلم القيام بعمل جريء يكفهم عن نصرة الروم ويلزمهم نصرة العرب المسلمين والوقوف بجانبهم فارسل اليهم ثلاثمائة من الصحابة بقيادة عمرو بن العاص حيث ان ام ابيه ( جدته ) كانت من قبيلة بلي وهي احدى القبائل التي اشتركت بالقتال بجانب الروم ضد المسلمين العرب يدعوهم للاسلام اولا فان لم يسلموا فسيلقنهم درسا لن ينسوه فلما اصبح قريبا منهم اخبر انهم جمعوا جمعا كبيرا في منطقة تدعى( ذات السلاسل ) وهو موضع ماء يقع وراء( وادي القرى) فاخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقرر امداده بماءتي مقاتل من المهاجرين والانصار واوعز الى ابي عبيدة عامر بن الجراح قيادتهم فان يصل الى المعركة يكون عمرو بن العاص هو قائد الحملة وامام الجند في الصلاة فلما وصل اليهم هجم عليهم فولوا هاربين وتفرق جمعهم . *************************************************** شذرات من السيرة النبوية المعطرة 31 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله: فى النصف الثاني من رمضان من السنة الثامنة من الهجرة المباركة وكان ان فتح الله لحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم مكة المكرمة وهو الفتح الاعظم او الفتح المبين ( انا فتحنا لك فتحا مبينا ) سورة الفتح \ 1 وكان الله تعالى بهذا الفتح قد اعز الاسلام وانقذ المسجد الحرام وطهره من الاصنام والاوثان واعز رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم . كان قد مضى على صلح الحديبية سنتان والذي كان من بين شروطه كما ذكرنا أن من أحب أن يدخل فى عهد محمد دخل فيه ومن أحب ان يدخل في عهد قريش دخل فيه ولهذا فقد دخلت قبلية خزاعة فى حلف مع النبى محمد صلى الله عليه وسلم ودخلت قبيلة بنى بكر فى حلف مع قريش وكانت القبيلتان تسكنان في أحياء من مكة وضواحيها وكان بينهما خلافات قديمة وعداء متوارث منذ الجاهلية . وكانت هذه الاحقاد قد اختفت نيرانها بظهور الاسلام وذات يوم تحركت هذه الأحقاد فاغتنم بنو بكر حلفاء قريش هدنة الحديبية واغاروا ليلا في شهر شعبان من السنة الثامنة للهجرة المباركة على خزاعة حلفاء النبى محمد صلى الله عليه وسلم وكانوا على ما ء يقال له ( الوتير) وأمدتهم قريش بالخيل والسلاح وقيل في رواية اخرى انهم اشتركوا معهم في القتال سرا مثل صفوان بن أمية وعكرمة بن أبى جهل وسهيل بن عمرو مع غيرهم وعبيدهم وقد بلغ بهم الحمق والطغيان أن يطاردوا خزاعة حتى الحرم ويقاتلونهم فيه وهذا محرم وغير جائز . فلما انتهوا الى المسجد الحرام قال نفر من بنى بكر لرئيسهم نوفل بن معاوية إنا قد دخلنا الحرم إلهك إلهك فقال كلمة عظيمة: - لا إله اليوم يا بنى بكر أصيبوا ثأركم فلعمرى إنكم لتسرقون فى الحرم أفلا تصيبون ثأركم فيه . ولعل السر فى تورط قريش ومساعدتها لبنى بكر هو أنها فسرت تفسيرا خاطئا ما جرى لجيش المسلمين فى معركة ( مؤته) إذ اعتقدت أن ما جرى كان هزيمة كبيرة لحقت بالمسلمين فاضعفتهم وهذا خطأ كبير وقعت فيه قريش وترتب عليه ارتكابها هذا الخطأ انتهاكها لشروط صلح الحديبية . وكانت خزاعة قد دخلت في حلف مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم ودخلت مع المسلمين في صلح الحديبية وشملت به وكان قد اسلم رجال من خزاعة . وقد تظاهرت بنو بكر وقريش على خزاعة وأصابوا منهم ما أصابوا ونقضوا ما كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد والميثاق بما استحلوا من خزاعة فخرج عمرو بن سالم الخزاعي وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المدينة وأنشده أبياتا يناشده فيها الحلف الذي كان بينه وبين خزاعة ويسأله المعونة والنجدة ويخبره بأن قريشا اخلفوه الموعد ونقضوا الميثاق المؤكد: يارب اني ناشد محمدا حلف ابينا وابيه ولاتلدا قد كنتموا ولدا وكنا والدا ثمت اسلمنا ولم ننزع يدا فانصر هداك الله نصرا ايدا وادع عباد الله ياتوا مددا فيهم رسول الله قد تجردا ابيض مثل البدر يسموا صعدا ان سيم خسفا وجهه تربدا في فيلق كالبحر يجري زبدا ان قريشا اخلفوك الموعدا ونقضوا ميثاقك المؤكدا وجعلوا لي في كداء رصدا وزعموا ان لست ادعوا احدا وهم اذل واقل عددا هم بيتونا بالوتير هجدا وقتلونا ركعا وسجدا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: -( نصرت يا عمرو ابن سالم). أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يستوثق منهم الخبر ويعتذر إلى قريش فبعث إليهم رجلاً يخيرهم بين ثلاث: 1 – أن يدفعوا دية قتلى خزاعة 2 – او يبرأوا من حلف بنى نفاثة (بطن من بكر) الذين قادوا هذه الحملة على خزاعة 3– أو ينبذ إليهم على سواء. فأجابه بعض زعمائهم : - لكن ننبذ إليهم على سواء . وبذلك برئت ذمة قريش وقامت عليهم الحجة. ولكن قريشا لما فكرت في الأمر مليا اقتنعت أن المسلمين قد أصبحوا قوة لا يمكن مواجهتها وأن فيهم ألان من أبطالهم السابقين خالد بن الوليد وعمرو ابن العاص وقبائل كثيرة قد اعتنقت الإسلام، ولذلك ندمت علي ما أجاب به بعض سفهائها من إجابة متهورة، وانتهى رأيهم أن يبعثوا أبا سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجدد العهد ويزيد في المدة ويتدارك الأزمة قبل استفحال خطرها. قدم أبو سفيان الى رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ونزل على ابنته ( أم حبيبة) زوج النبى صلى الله عليه وسلم وحاول ان يجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه فقال لها: يا بنية: ما أدرى أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عنى؟ قالت: بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت رجل مشرك نجس ولاأحب أن تجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: والله لقد أصابك بعدي شر . وخرج من عندها غضبان أسفا حتى جاء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه أبو سفيان فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فذهب ابو سفيان إلى أبي بكر ليكلم النبي صلى الله عليه وسلم فأعرض عنه وكذلك أعرض عمر بن الخطاب و علي بن ابي طالب فعاد أبو سفيان دون ان يحصل من النبي صلى الله عليه وسلم على وعد باستمرارية صلح الحديبية و لكنه ظهر بعهد الجوار حتى وصل إلى مكة. فلما قدم على قريش قالوا لابي سفيان: - ما ورائك ؟ قال: جئت محمدا فكلمته فوالله ما رد على شيئاً ثم جئت ابن أبى قحافة فلم أجد فيه خيراً ثم جئت ابن الخطاب فوجدته أدنى للعدو ثم جئت علياً فوجدته ألين القوم وقد أشار علي بشئ صنعته فوالله ما أدرى هل يغنى ذلك شيئا أم لا ؟ قالوا: وبم أمرك ؟ قال: أمرني أن اجير بين الناس ففعلت قالوا: فهل أجاز ذلك محمد ؟ قال: لا قالوا:ويلك والله ما زاد الرجل على أن لعب بك فما يغني عنك ما قلت قال: لا والله ما وجدت غير ذلك . واضطربت الأحوال فى مكة عقب عودة أبى سفيان وإبلاغه لهم بما حدث لكن النبى صلى الله عليه وسلم لم يتركها طويلا فى اضطرابها فقد عقد العزم على فتح مكة، وتجهز النبى صلى الله عليه سلم والمسلمون للخروج واستعان على أمره بالكتمان ثم أعلم الناس أنه سائر إلى مكة وأمرهم بالجد والاستعداد وقال:( اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها فى بلادها) . وكان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يحب سفك الدماء وكان يرغب بدخول مكة فى سلام حتى لا تمس حرمتها وأن يدخل أهلها في الإسلام لينعم أهلها بنعمة الإيمان. ولزيادة في الكتمان والتحوط له فقد جهز النبي صلى الله عليه وسلم ابا قتادة الى بطن ( اضم) التي تبعد عن المدينة المنورة ستة وثلاثين ميلا ليظن الاخرون انه صلى الله عليه وسلم يجهز جيشه لغزو هذه الناحية وبينما الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون على أمرهم من الاستعداد والكتمان حدثت محاولة من أحد الصحابة كادت أن تكشف نية المسلمين لمشركي مكة، فقد كتب حاطب بن أبى بلتعة كتابا إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغزو، ثم أعطى حاطب كتابه الى امرأة وجعل لها جعلا على أن تبلغه قريشا فجعلته فى قرون رأسها ثم خرجت به. وأتى رسول الله الخبر من السماء بما صنع حاطب فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم : على بن أبى طالب والزبير بن العوام وفي رواية اخرى والمقداد ومرثد الغنوي وقال لهم : -( انطلقوا الى روضة خاخ فان بها ضعينة معها كتاب فخذوه منها ) فأدركوا المرأة وكان قد كتب فيه الى قريش يحذرهم ما قد أجمع المسلمون عليه فى أمرهم فخرجوا حتى أدركوها ب(ذي الحليفة) فاستنزلوها من رحلها وفتشوا رحلها فلم يجدوا شيئاً وطالبوها في الكتاب فقال لهم : - ما معي اي كتاب فقال على بن ابي طالب رضى الله عنه: – انى أحلف ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا كذبنا ولتخرجين الكتاب أو لنكشفنك، فلما رأت الجد منه قالت: أعرض فأعرض عنها فحلت قرون رأسها فاستخرجت الكتاب منها فدفعته إليه، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطبا. فقال: ( يا حاطب ما حملك على هذا ؟ ) فقال: يا رسول الله أما والله إني لمؤمن بالله ورسوله ما غيرت ولا بدلت ولكنى كنت امرأ ليس لى فى القوم أصل ولا عشيرة وكان لي بين أظهرهم و لد وأهل فصانعتهم عليهم . فقال عمر بن الخطاب دعني يا رسول الله أضرب عنقه فإنه قد نافق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنه قد شهد بدرا وما يدريك يا عمر لعل الله أطلع على أهل بدر فقال أعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) . و شفع لحاطب ماضيه الطيب مع الإسلام والمسلمين ونيته التي جعلته يتخذ هذا الموقف لا عن كفر او بغض للإسلام وإنما مصانعة لقريش من أجل أهله وأولاده وقد سامحه رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الضعف الانساني الذي تعرض له فى هذا الموقف. وفى حاطب هذا نزل قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيل) سورة الممتحنة – الآية 1. وفي اليوم العاشر من شهر رمضان تحرك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة واستعمل ابو ذرالغفاري على المدينة المنورة وكلما تقدموا انضم إليهم من سائر القبائل من يزيد فى عدد المسلمين ومنعتهم حتى بلغوا مالا يقل عن عشرة آلاف مسلم، وصام الرسول وصام الناس معه حتى إذا كانوا ( بالجحفة ) لقي النبي صلى الله عليه وسلم عمه العباس ومعه اهله مسلما مهاجرا ولقيه (بالابواء) ابن عمه ابو سفيان بن الحارث وابن عمته عبدالله با ابي امية فارض عنهما لانه صلى الله عليه وسلم كان يلقي الاذى منهما فقالت له ام سلمة: - لايكن ابن عمك وابن عمتك اشقى الناس بك . وقال علي بن ابي طالب لابي سفيان: - ااته من قبل وجهه وقل له ما قال اخوة يوسف ليوسف - ( قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وان كنا لخاطئين ) يوسف الاية\91 فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تثريب عليكم اليوم يغفرالله لكم وهو ارحم الراحمين ) يوسف الاية\92 فلما وصل الى (الكديد )قرية قرب مكة وراى ان الصوم قد شق على الناس أفطر وامر الجيش بالافطار ثم مضى في سيره حتى نزل (مر الظهران) على بعد ثلاثين كيلو مترا شرقي مكة فضربوا خيامهم فيه وامر النبي صلى الله عليه وسلم ان يوقدوا نارا فكل رجل يوقد نارا فاوقدوا عشرة الاف وحينما رأى القرشيون فجأة هذه المشاعل الكثيرة دهشوا ولم يعلموا حقيقة ما يرون فخرج أبو سفيان بن حرب و حكيم بن خزام وبديل بن ورقاء يتحسسون الأخبار . فقال ابوسفيان: -.مارايت كالليلة نيرانا قط ولا عسكرا. قال بديل: هذه خزاعة قال ابو سفيان : خزاعة اقل واذل من ان تكون هذه نيرانها وعسكرها وكان العباس بن عبد المطلب قد خرج من مكة قبل ذلك بأهله وعياله مسلما مهاجرا إلى المدينة فقابلوا النبي صلى الله عليه وسلم فى الطريق – كما اسلفت آنفا - مقبلا بجيشه على مكة. فأمره الرسول صلى الله عليه وسلم العودة معه إلى مكة ويرسل أهله إلى المدينة وقال له : -( هجرتك يا عم آخر هجرة كما أن نبوتي آخر نبوة ). ورأى العباس بن عبد المطلب قوة جيش المسلمين ففكر فى أمر قريش وماذا ستصنع أمام الرسول صلى الله عليه وسلم وجيشه وكان فى قلق شديد على مكة أن تفتح عنوة فقال: (واصباح قريش والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر) وهداه تفكيره أن يخرج عسى أن يقابل أحدا يرسله إلى مكة ليخبر قريشا بما عزم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرجوا إليه فيستأمنوه قبل أن يدخلها عليهم عنوة، وبذلك يدخل الرسول مكة من غير أن تسفك دماء. وبينما هو كذلك سمع كلام أبى سفيان وبديل بن ورقاء (الذين بعثت بهم قريش ليتعرفوا لها خبر الجيش فى مر الظهران كما ذكرنا) وهما يتراجعان، وأبو سفيان يقول: ما رأيت كالليلة نيرانا قط ولا عسكرا. فرد عليه بديل بن ورقاء: هذه والله خزاعة حمشتها (أحرقتها) الحرب. فرد عليه أبو سفيان: خزاعة أذل وأقل من أن تكون هذه نيرانها عسكرها ، فعرف العباس صوت أبى سفيان فنادى: يا أبا حنظلة فعرف صوته فقال: أبو الفضل فقال العباس: نعم فقال أبو سفيان: مالك ؟ فداك أبي و أمي فقال العباس: ويحك يا أبا سفيان هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الناس واصباح قريش والله قالابو سفيان : فما الحيلة ، فداك أبي و أمي فقال له العباس: والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك فاركب عجز هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله فأستأمن لك وأركبه العباس وخشى عليه أن يدركه أحد المسلمين فيقتله وأتى بأبي سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال: -( ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله). قال أبو سفيان: بأبي أنت و أمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك والله لقد ظننت أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى عنى شيئا بعد. قال النبي صلى الله عليه وسلم : _ (ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله ؟ ) قال ابو سفيان : بأبي أنت و أمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك أما هذه والله فإن فى النفس منها حتى الآن شيئا. فقال العباس: ويحك أسلم وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله قبل أن تضرب عنقك. فأسلم وشهد شهادة الحق ثم أسلم حكيم بن خزام وبديل أبن ورقاء. وقال العباس لرسول الله صلى الله عليه وسلم : - إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئا قال النبي صلى الله عليه وسلم: - (نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن) وقد أرضاه الرسول صلى الله عليه وسلم بما لا يضر أحد ولا يكلف جهدا فلما ذهب لينصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : -( يا عباس احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل حتى تمر به جنود الله فيراها – فلا تبقى فى نفسه أثارة لمقاومة –) فخرج حتى حبسه بمضيق الوادي حيث أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحبسه. وتحركت كتائب الفتح قريبا من مكة المكرمة ولتدخلها في نفس اليوم وامر رسول الله صلى الله عليه وسلم قادته ، وأصدر أوامره المشددة إلى جميع الفرق ألا تقاتل أو تسفك دما إلا إذا أكرهت على ذلك إكراها، وأن يعف الجيش عن أموال أهل مكة وممتلكاتهم وأن يكفوا أيديهم عنها. وكانت القبائل تمر في راياتها راياتها و كلما مرت قبيلة سأل ابو سفيان العباس عنها فيقول هذه لبني فلان؟ فيقول مالي ولبني فلان حتى مرت كتيبة الانصار يحمل راتيتها سعد بن عبادة : - فقال: يا ابا سفيان اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الكعبة فقال ابوسفيان : ياعباس هذا يوم الذمار ثم مر رسول الله صلى الله عليه وسلم فى كتيبته الخضراء و فيها المهاجرون والأنصار لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد. فقال ابو سفيان : سبحان الله يا عباس من هؤلاء ؟ قال العباس : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المهاجرين والأنصار فقال أبو سفيان: ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما. فقال: العباس يا أبا سفيان إنها النبوة قال: فنعم إذن. ثم اخبر النبي صلى الله عليه وسلم بمقالة سعد بن عبادة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: -( كذب سعد هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة ويوم تكسى فيه الكعبة) فاخذ النبي صلى الله عليه وسلم الراية من سعد ودفعها الى ابنه قيس . وقام أبو سفيان فصرخ بأعلى صوته: - يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن. فقامت إليه زوجته هند بنت عتبة فأخذت بشاربه فقالت: - ايها الناس اقتلوا الحميت (الضخم) الدسم الاحمس (الذي لا خير عنده) قبح من طليعة قوم. فقال أبو سفيان : - ويلكم لا تغرنكم هذه من أنفسكم فإنه قد جاءكم ما لا قبل لكم به ، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن. قالوا: قاتلك الله وما تغني عنا دارك فقال: ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن فتفرق الناس إلى الكعبة وإلى دورهم وأغلقوا أبوابهم ينتظرون ما يراد بهم. ودخلت الجيوش كلها مكة فلم تلق فيها مقاومة إلا مناوشات قليلة بقيادة صفوان بن أمية وعكرمة بن أبى جهل وسهيل بن عمر من قريش فقد تجمع بعض سفهاء قريش بالخندمة ليقاتلوا وكان حماس بن قيس يعد سلاحا قبل مجيء النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له امراته : - والله ما يقوم لمحمد واصحابه شيء - فقال لها : والله اني لارجو ان اخدمك بعضهم ثم انشد: - ان يقبلوا اليوم فمالي علة هذا سلاح كامل واله وذو غرارين سريع القتلة فلما لقيهم أصحاب خالد بن الوليد فى الخندمه وهو مكان أسفل مكة، وأصيب من المشركين كما يقول ابن اسحق ثلاثة عشر رجلا ثم انهزموا فدخل حماس على امراته فقال: - اغلقي علي بابي - فقالت: اين ماكنت تقول ؟؟ - فقال منشدا: انك لو شهدت يوم الخندمة اذ فر صفوان وفر عكرمة وابو يزيد قائم كالمؤتمة واستقبلنا بالسيوف المسلمة يقطن كل ساعد وجمجمة وضربا فلا يسمع الا غمغمه لهم نهيت خلفنا وهمهمة لم تنطقي باللوم ادنى كلمة وتم الاستيلاء على جميع مكة و أطرافها وضواحيها. ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وهو خافض رأسه تواضعا لله عز وجل حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح حتى أن ذقنه ليكاد يمس واسطة الرحل ودخل وهو يقرأ سورة الفتح، وكان ذلك صبح يوم الجمعة لعشرين ليلة خلت من رمضان سنة ثمان من الهجرة. قدم الزبير فنصب رايته فوق الحجون عند مسجد الفتح وضرب قبة فيها ام سلمة وميمونة وبقي هناك الى ان جاء النبي صلى الله عليه وسلم فاستراح قليلا عندهما ثم سار يرافقه ابو بكرالصديق يحادثه والنبي صلى الله عليه وسلم يتلو سورة الفتح حتى دخل المسجد الحرام استلم الحجر الاسود وطاف في البيت راكبا ناقته ولم يكن محرما وكان المهاجرون والانصار يحيطون به وكان حول البيت الحرام يلاثمائة وستون صنما فجعل يطعنها بعصا كانت في يده الشريفة وهي تتهاوي على وجوهها وهو يتلو: ( وقل جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا *) الاسراء الاية\ 81 و ( قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد*) سبا الاية \ 49 ورأى النبي صلى الله عليه وسلم فى الكعبة صورا وتماثيل فأمر بالصور فطمست وبالتماثيل فكسرت ، وكان مما رآه صور الملائكة وغيرها ورأى إبراهيم عليه السلام مصورا فى يده الأزلام ويستقسم بها فقال: ( قاتلهم الله جعلوا شيخنا يستقسم بالأزلام ما شأن إبراهيم والأزلام) وتلا : (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) سورة آل عمران آية \67. ولما اتم عليه الصلاة والسلام طوافه دعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة ففتحت له ودخل فلما خرج منها وفي يده مفتاح الكعبة قال علي بن ابي طالب : - رسول الله اجمع لنا الحجابة مع السقاية صلى الله عليك . - فقال النبي صلى الله عليه وسلم الى عثمان بن طلحة : - ( هاك مفتاحك ياعثمان اليوم بر ووفاء) وفي رواية اخرى أعادها لعثمان قائلاً:( خذوها يا بنى طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم) وتكاثر الناس حول الرسول فى المسجد حتى امتلأ وهم ينظرون ماذا سيصنع الرسول صلى الله عليه وسلم بهم وقد مكنه الله تعالى منهم فنظر إليهم ا ثم قال: ( لا اله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده يا معشر قريش إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء الناس من آدم وآدم من تراب) ثم تلا هذه الآية: ( َا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)... سورة الحجرات \ آية 13. ثم قال: (يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم ؟ ) قالوا: خيراً أخ كريم وابن أخ كريم. فقال صلى الله عليه وسلم : (( فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته (لا تثريب عليكم اليوم) أذهبوا فانتم الطلقاء)). و كانت قد حضرت صلاة الظهر فأمر بلالا أن يصعد فيؤذن من فوق الكعبة ورؤساء قريش وأشرافهم يسمعون كلمة الله تعلو وصداها يتردد فى أرجاء مكة. ثم دخل الرسول صلى الله عليه وسلم دار أم هانئ بنت أبى طالب فاغتسل وصلى ثماني ركعات صلاة الفتح شكر الله تعالى على ما انعم به عليه. وتناسى الحبيب المصطفى كل إساءة وتجاوز عن افعال قريش وما صدر منها بحقه صلى الله عليه وسلم حتى لقد امتد عفوه فشمل من كان قد أهدر دماءهم عند دخول مكة وإن تعلقوا بأستار الكعبة وقبل شفاعة من لم ينفذ فيه القتل منهم ورأت قريش تلك السماحةو الكرم ففتحت للرسول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم قلوبها فكان هذا الفتح بلا شك فتح القلوب والنفوس للاسلام فهو أجل وأعظم من أن تصل إليه سيوف المسلمين فقد لانت أفئدة ما كانت لتلين ابدا ورقت قلوب قاسية . ثم التفت الجموع حول النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا حين جلس للبيعة. جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا واجتمع الناس حوله لبيعته على الإسلام فأخذ عليهم العهد بالسمع والطاعة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم فيما استطاعوا . وهنا اسلم ابو قحافة والد ابي بكر الصديق ففرح النبي صلى الله عليه وسلم باسلامه ولما فرغ من بيعة الرجال بايع النساء وفيهن هند بنت عتبة زوج أبى سفيان متنقبة متنكرة لما كان من صنيعها بحمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم يوم احد اذ شقت صدره واخرجت كبده ولاكته بفمها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهن: ( تبايعنني على ان لا تشركن بالله ). فقالت هند: والله إنك لتأخذ علينا أمرا لا تأخذه على الرجال وسنؤتيكه فقال النبي: (ولا تسرقن ) فقالت: والله إني كنت أصبت من مال أبى سفيان الهنة وما كنت أدري أكان حلا لي أم لا؟ فقال أبو سفيان وكان شاهدا لما تقول: - أما ما أصبت فيما مضى فأنت منه في حل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وإنك لهند بنت عتبة ؟ قالت: نعم فاعف عما سلف عفا الله عنك فقال النبي صلىالله عليه وسلم : قد عفونا . ثم قال: (ولا تزنين ) فقالت: يا رسول الله وهل تزني الحرة ولما قال:( ولا تقتلن أولادكن ) قالت: ربيناهم صغارا وقتلتهم يوم بدر كبارا فأنت وهم أعلم فضحك عمر بن الخطاب من قولها حتى استغرب أي بالغ فى الضحك فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ولا تأتين بهتان تفترينه بين أيديكن وأرجلكن ) قالت: والله إن إتيان البهتان لقبيح ولبعض التجاوز أمثل ثم قال:( ولا تعصينني في معروف ) قالت: ما جلسنا هذا المجلس ونحن نريد نعصيك فى معروف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( لا يصافح النساء ولا يمس امرأة ولا تسمه إلا امرأة أحلها الله له أو ذات محرم منه ) ثم تلا الاية المباركة: ( ان لايشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن اولادهن ولا ياتين ببهتان يفترينه بين ايديهم وارجلهن ولا يعصينك في معروف ) . فلما تمت بيعة النساء وقفت هند بنت عتبة زوجة ابي سفيان فقالت : - يارسول الله ما كان على وجه الارض من اهل خباء احب الي ان يذلوا من اهل خبائك ثم ما اصبح اليوم على وجه الارض اهل خباء احب الي ان يعزوا من اهل خبائك . - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( وايضا والذي نفس محمد بيده ) وتمت مبايعة النساء بالكلام فقط دون المصافحة . وجاء بعض القرشيين ليبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة فقال لهم( ذهب اهل الهجرة بما فيهم ولا هجرة بعد فتح مكة ولكن جهاد ونية واذا استنفرتم فانفروا ) ولما فتح الله مكة على رسوله –وهى بلده و وطنه وأحب بلاد الله الى قلبه-تحدث الأنصار فيما بينهم فقالوا: - أترون رسول الله إذ فتح الله عليه أرضه وبلده يقيم بها؟ وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار عن حديثهم ولا يعرفه غيرهم فاستحيوا فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (معاذ الله المحيا محياكم والممات مماتكم) فاطمأنت قلوبهم وضرب الرسول بذلك أروع المثل فى البر والوفاء. وعندما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسجد يطوف بالبيت اقترب منه فضالة بن عمير وهم بقتله فلما دنا منه قال له: - ( أي فضالة) قال: نعم يا رسول الله فقال له الرسول:( ماذا كنت تحدث به نفسك ؟) قال: لا شئ كنت اذكر الله فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال:-( استغفر الله) ثم وضع يده الشريفة على صدره فسكن قلبه . وكان فضالة يقول : - والله ما رفع يده عن صدري حتى ما خلق الله شيئا أحب إلى منه ورجع فضالة إلى أهله فمر بأمراة كان يتحدث إليها فقالت: هلم إلى الحديث فقال :لا وانبعث فضالة يقول: قالت هلم إلى الحديث فقلت لا يأبى عليك الله والإسلام لو ما رايت محمدا وقبيله بالفتح يوم تكسر الأصنام لرأيت دين الله أضحى بيننا والشرك يغشى وجهة الإظلام وفر يومئذ صفوان بن امية وعكرمة بن ابي جهل و فاستامن عمير بن وهب رسول الله صلى الله عليه وسلم لصفوان ثم لحقه حيث وجده يريد البحر فرده واستأمنت ام حكيم بنت الحارث بن هشام لزوجها عكرمة فلحقت به وهو يريد اليمن فارجعته . وأقام الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة تسعة عشر يوما ينظم شئونها ويفقه أهلها فى الدين ويطهرها من اثار الجاهلية ونادى مناديه ( من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلا يدع في بيته صنما الا كسره ) وفى هذه الأثناء بعث السرايا للدعوة الى الإسلام ولتحطيم الأصنام من غير سفك دماء . وهكذا فتحت مكة ودخل النبي صلى الله عليه وسلم بلده الاصلي وهو في غمرة الفرح والانشراح ومعه المسلمون جميعا وسمي هذا العام ب( عام الفتح) و هذا الفتح ب( الفتح الاعظم ). *************************************************** شذرات من السيرة النبوية المعطرة 32 بسم الله الرحمن الرحيم فتحت مكة وعادة حاضرة للاسلام وارتفع صوت الله اكبر من على الكعبة المشرفة وفرح المؤمنون بنصر الله وفتحه العظيم ولما تم الفتح واخذت البعة للنبي صلى الله عليه وسلم من الرجال والنساء على جبل الصفا واطمأن من عدم وجود معارض له ودخول كل القرشيين في الاسلام . تخوف الانصار ان يستقر النبي صلى الله عليه وسلم في مكة اذ انها بلده الاصلي وذويه وبلدعشيرته وقومه وذلك حين كان النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا رافعا يديه يدعو الله تعالى فلمل فرغ وعلم بالامر طمأنهم قائلا( معاذ الله المحيا محياكم والممات مماتكم ) ففرحوا واستقرت نفوسهم وذهب عنهم الهاجس بانتقال النبي صلى الله عليه وسلم الى مكة . وبالفعل بقي النبي صلى الله عليه وسلم في مكة تسعة عشر يوما جدد معالم الاسلام وتطهيرها من اثار الجاهلية وجدد انصاب الحرم ونادى المنادي بامر منه ( من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلا يدع في بيته صنما الا كسره). ثم اعلن النبي صلى الله عليه وسلم حرمة مكة المكرمة فقام فيها خطيبا فأعلن حرمة مكة( البلد الحرام) إلى يوم القيامة قائلا: ( ايها الناس ان الله حرم مكة يوم خلق السموات والارض فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دما أو يعضد (يقطع) بها شجرة فان احد ترخص بقتال رسول الله صلى الله فقولوا له ان الله اذن لرسوله ولم يأذن لك وانما احلت لي ساعة من نهار) وكانت هذه الساعة ساعة الفتح العظيم وقال: (لم تحلل لأحد كان قبلي ولا تحل لأحد يكون بعدي) وبهذا تكون مكة البلد الحرام حرام فيها القتال وسفك الدماء . ثم أنصرف النبي صلى الله عليه وسلم راجعا إلى المدينة. وكان للعرب عدة اصنام كبيرة تعبد وقد ورد اسماء بعض منها في القران الكريم منها: اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرة وسواع ويعوق ونسرا.. وفي الخامس والعشرين من رمضان من شهر رمضان المبارك بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية تعدادها ثلاثين فارسا بقيادة خالد بن الوليد الى ارض( نخلة ) وفيها صنم ( العزى )و كانت عن يمين المسافر من مكة إلى العراق ، وكانت قريش تخصه ا بالإعظام في وادي نخلة فوق( ذات عرق )وبنوا عليها بيتا وكان لها صوت ، فلما نزل القرآن يندد بها وبغيرها من الأصنام ، أشتد ذلك على قريش ، وقيل لما مرض أبو أحيحة وهو سعيد بن العاص بن أمية مرضه الذي مات فيه ، دخل عليه أبو لهب يعوده ، فوجده يبكي ، فقال : - ما يبكيك يا أبا أحيحة ؟ أمن الموت تبكي ولا بد منه ؟ - - قال : لا ، ولكني أخاف ألا تعبد العزى بعدي ! - قال أبولهب : والله ما عبدت في حياتك لأجلك ، ولا تترك عبادتها بعدك لموتك ، - فقال أبو أحيحة : الآن علمت أن لي خليفة ! - .. وأعجبه شدة نصبه في عبادتها . فلما كان عام الفتح دعا النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد ، وأمره أن ينطلق بهدمها ، فلما جاءه خالد، قال سادنها دينبة بن حرمي الشيباني : أعُزاء شدِّي شدة لا تكذبي على خالد القي الخمار وشمري فانك إلا تقتلي اليوم خالدا تبوئي بذلّ ٍ عاجل وتنصرَّي وقال خالد: يا عُّزّ َ كُفْرانك لا غفرانك اني رأيت الله قد أهانك و قيل أنها كانت حبشية ، ناقشة شعرها ، واضعة يدها على عاتقها في داخل شجرة كان قد قطعها خالد ، فبرزت له بهذا الشكل، فضربها خالد ففلق رأسها ، فاذا هي حممة ( أي كالفحم ) والسام. - فقال السادن :( تلك العزى ، ولا عزى بعدها للعرب، ام انها لاتعبد بعد اليوم ) فتوجه اليها وهدمها وكان هذا الصنم اكبر اصنام قريش في الجاهلية . ثم ارسل عمرو بن العاص الى هذيل وهذيل قبيلة كبيرة تسكن خارج مكة وقد نصب صنمها واسمه ( سواع) وهم اعظم اصنامها في ( رهاط) على مسافة مائة وخمسين كيلومترا تقريبا شمال شرقي مكة المكرمة وقد قال عمروبن العاص: فذهبت اليه لأهدمه فاتيته وعنده السادن فقال السادن: - وماذا تريد ؟؟ فقلت : اهدمه ... قال السادن: لاتقدر على ذلك قلت: ولم؟؟ قال السادن : تمنع قلت : حتى الان انت على الباطل ؟؟ ويحك .. وهل يسمع او يبصر ..؟؟ فدنوت منه فكسرته وامرت اصحابي فهدموا بيت خزانته فلم نجد فيه شيئا فقلت للسادن : كيف رايت؟؟ ودخل سادنه في الاسلام . ثم بعث سعد بن زيد بن مالك الاشهلي الانصاري مع عشرين فارسا الى (المشلل) في (القديد) حيث نصب صنم ( مناة ) وهو صنم منصوب على ساحل البحر بناحية المشلل ب( قديد) وكانت تقدسه قبائل كلب وغسان وخزاعة والاوس والخزرج وفي رواية اخرى هي لغسان والاوس والخزرج فلما قدم منها قال سادنها: - ماتريد؟؟ - قال هدمها - قال السادن: انت وذاك فتقدم سعد ماشيا الى (مناة) فخرجت اليه امراة عريانة سوداء ثائرة الراس تدعو بالوسل والثبور وتضرب على صدرها فقال لها السادنن : مناة دونك بعض عصاتك فضربها سعد بالسيف فقتلها ثم اقبل الى الصنم فكسرها وهدم هيكلها ولم يجد في خزانتها اي شيء. ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في شهر شوال الى بني جذيمة في ثلاثمائة وخمسين رجلا من الانصار والمهاجرين ومن بني سليم يدعوهم الى الاسلام فقالوا ( صبأنا ..صبأنا .. ) فقاتلهم فقتل من قتل واسر من اسر منهم ثم امر خالد بن الوليد جنده ان يقتلوا اسراهم كل يقتل اسيره فابى عمرو واصحابه ذلك ولما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال مرتين : ( اللهم ابرأ اليك مما صنع خالد ) ثم بعث علي بن ابي طالب بديات المقتولين الى ذويهم فوداهم واعطى لكل منهم بدل ما ضاع من اموالهم وفضل فضلة مال تركه علي لهم . وكان بين عبد الرحمن بن عوف وخالد بن الوليد سوء تفاهم وكلام وشر بسبب ما فعله خالد فلما رجعوا اخبروا النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فاشار الى خالد وقال له: (مهلا ياخالد دع عنك اصحابي فوالله لوكان (احد) ذهبا ثم انفقته في سبيل الله ما ادركت غدوة رجل من اصحابي ولا روحته ) اما (اللات) فكانت بالطائف ، وهي صخرة مربعة ، وكانت قريش وجميع العرب تعظمها ، فلما جاء وفد ثقيف بعد عودة النبي صلى الله عليه وسلم من فتح مكة إلى المدينة ، طلب وفدها منه عليه الصلاة والسلام أن يدع لهم (اللات) ثلاث سنين لا يهدمها ، فأبي ذلك عليهم ، فلا زالوا يسألونه سنة سنة وهو يأبى عليهم ، حتى سألوه شهراً واحداً ، فأبى عليهم . قال ابن هشام :(وإنما يريدون بذلك فيما يظهرون أن يسلموا بتركها من سفهائهم ، ونسائهم وذراريهم ، ويكونون أن يروعوا قومهم بهدمها حتى يدخلهم الاسلام ، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يبعث أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة فيهدماها ،فلما أخذ المغيرة يضربها بالمعول ، خرج نساء ثقيف حسراً يبكين عليها ويقلن : لتُبْكينّ َ دُفَّاع أسْملها الرُّضَّاع لمْ يُحْسِنُوا المِصَاع يردن بذلك : واحسرتا عن التي كانت تدفع عنا أعداءنا ، وتدفع عنا البلاء ، قد أسلمها اللئام للهدم ،فلم يدافعوا عنها ، ولم يجالدوا بالسيوف في سبيلها . فارسل النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة الثقفي وهو من رجال الطائف ليهدموها فهدموا بنيانها وكسروها . وهذه اهم اصنام العرب وهي التي ذكرها القرآن الكريم بقوله: ( أفَرَأيْتُمْ اللاتَ وَالعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَة الأخْرَى ) سورة النجم \ 19ـ 20 في شوال سنة ثمان قال ابن سعد قالوا‏:‏ بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الطائف الطفيل ابن عمرو إلى ذي الكفين صنم عمرو بن حممة الدوسي يهدمه وأمره أن يستمد قومه ويوافيه بالطائف فخرج سريعاً إلى قومه فهدم( ذا الكفين) وجعل يحش النار في وجهه وفاحرقه وهو ويقول‏:‏ يا ذا الكفين لست من عبادكا ميلادنا أقدم من ميلادكا أنا حششت النار في فؤادكا وانحدر معه من قومه أربعمائة سراعاً فوافوا النبي صلّى الله عليه وسلّم بالطائف بعد مقدمه بأربعة أيام وقدم بدابة ومنجنيق وقال : ‏(‏ يا معشر الأزد من يحمل رايتكم ؟؟ ‏) فقال الطفيل‏:‏ من كان يحملها في الجاهلية قالوا النعمان بن الرزاية اللهيي قال ‏: أصبتم ‏ ‏‏.‏ ******************************************** شذرات من السيرة النبوية المعطرة 33 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله: بعد ان تم فتح مكة و حطم المسلمون بامر من النبي صلى الله عليه وسلم الاصنام في اغلب الجزيرة العربية وعاد ليستقر في المدينة المنورة اجتمعت القبائل العربية تحت اشراف رؤساء قبائل قيس عيلان للشورى وفي مقدمة هذه القبائل ثقيف وهوازن وبعد التشاور اجتمعوا على امر فقالوا : -لقد فرغ محمد من قتال قومه ومن معهم ولا ناهية له عنا فلنغزوه قبل ان يغزونا فما غزي قوم في عقر دارهم الا ذلوا . ثم اجمعوا امرهم على الحرب . واختاروا لقيادتها مالك بن عوف النصري الغطفاني من بني نصر بن مالك وبنو جشم وفيهم دريد بن الصمة الشاعر المشهور وهو شيخ كبير فان استصحبوه للاسترشاد بـرأيه وانضمت اليهم ثقيف وهم اهل الطائف وهم الذين ارتضع النبي صلى الله عليه وسلم فقد تحرك هذا القائد في العاشر شوال من السنة الثامنة للهجرة المباركة لجمع المقاتلين في وادي( حنين) وهو واد لهوازن يقع بين مكة المكرمة و الطائف من ناحية الجنوب فكانت قبيلتي هوازن و ثقيف وهي فرع من هوازن العربية والتي لاتزال تقيم في الطائف واجزاء من مكة . معتدا في تحريك ضغائن القبائل العربية المنافسة لمضر عمومًا وقريش خصوصًا، وكانت بطون قيس عيلان بالأخص في حالة عداء تقليدية وقديمة مع بطون مضر، لذلك لما فتح المسلمون مكة، جاءت قبيلة هوازن وقررت محاربة المسلمين مدفوعة بعداوة الإسلام وعداوة القبلية والعصبية. قرر القائد العام لقبيلة( هوازن) مالك بن عوف أن يسوق مع الجيش الأموال والعيال والنساء ليزيد ذلك من حماس المشركين في القتال ويجعلهم يقاتلون حتى الموت، إن لم يكن للنصر فللدفاع عن الحرمات، وسار جيش القبيلة حتى وصل إلى وادي( أوطاس ) وهو على مسيرة يوم من( مكة) تقريبًا، ولم يعجب هذا الرأي أحد قادة الجيش المجربين ذوي الخبرة وهو (دريد بن الصمة) ولكن مالك بن عوف قائد المعركة أصر على ذلك ، وهدد بالانتحار إذا لم يطيعوه، فأطاعوه على سفاهة رأيه ولما وصلت أخبار هذا الجيش الى النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، فاستعد للحرب وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حدرد الاسلمي عينا على جيش الاعداء فعاد ليخبره بما شاهد من امرهم واستعدادهم للحرب وخرج في السادس من شوال من السنة الثامنة للهجرة بجيش كبير تعداده اثنا عشر الف مقاتل من الانصار والمهاجرين و الصحابة الذين ثبتوا في هذه المعركة هم الذين حضروا في دار الارقم ابن ابي الارقم في مكة عندما كان المسلمون مستضعفين فتربوا على يد الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) وثبتوا معه فيها . و يضم كثيرًا من مسلمي الفتح الذين لم يدخل الإسلام في قلوبهم بصورة كاملة وقد استعار من صفوان بن امية مائة درع كاملة واستعمل عتاب بناسيد على مكة وكان الجيش كبيرًا بصورة أعجبت كثيرًا من المسلمين فقد وداخلهم الثقة الكاملة لحد الغرور في النصر الكؤزر على المشركين، وانزعج الرسول صلى الله عليه وسلم من مقولة بعضهم:( لن نغلب اليوم ). وفي الطريق راى المسلمون شجرة من سدر كبيرة جدا كانت تعلق عليعا العرب اسلحتهم ويذبحون ويعتكفون في ظلها يقال لها ( ذات انواط) فقال بعضهم للنبي صلى الله عليه وسلم : - اجعل لنا ذات انواط كما لهم ذات انواط . فقال النبي صلى الله عليه وسلم: - ( الله اكبر قلتم كما قال قوم موسى: اجعل لنا الاها كما لهم الهة قال انكم قوم تجهلون . انها السنن لتركبن سنن من كان قبلكم ) وفي هذه الليلة جاء فارس واخبره بخروج هوازن بضعنهم ونعمهم وشائهم فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وقال : - (تلك غنيمة المسلمين غدا انشاء الله) . في اليوم العاشر من شوال وصل النبي صلى الله عليه وسلم وجيشه الى وادي ( حنين ) فعبأ جيشه في السحر قبل ان يدخل في الوادي: فاعطى لواء المهاجرين الى علي بن ابي طالب . ولواء الاوس لاسيد بن حضير ولواء الخزرج لحباب بن المنذر واعطى الوية القبائل كل لقائد منها ثم لبس درعين وبيضة ومغفر عندها بدات مقدمة الجيش تنحدر في الوادي . قام مالك بن عوف بوضع جيشه على شكل كمائن في مداخل ومضايق وشعب وادي (حنين ) ويقع في منطقة جبلية وعرة بين مكة والطائف وقد سبق المسلمين في تقدمه لهذا الوادي، ووضع خطته على مفاجأة المسلمين بالسهام القاتلة وبينما جيش المسلمين ينزل بالوادي انهالت السهام عليهم من كل مكان والعدو يهجم عليهم هجمة رجل واحد. فضطربت مقدمة الجيش بهذه المفاجأة وانكشف عامة من كان فيها من المسلمين وتبعهم من كان خلفهم فوقعت بالمسلمين هزيمة عامة وفرح الذين في قلوبهم مرض من حديثي الاسلام مثل ابي سفيان حيث قال: - لاتنتهي هزيمتهم دون البحر وقال اخر لصفوان : الا بطل السحر وقال ثالث : الشر بهزيمة محمد واصحابه فوالله لا يجبرونها ابدا فغضب عليهم صفوان- وهم مشرك - وعكرمة بن ابي جهل – وهو حديث العهد بالاسلام وانتهراهما. اما الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فقد ثبت ثبات الابطال والقادة في قليل من المهاجرين والانصار منهم علي بن ابي طالب وابو بكرالصديق وعمر بن الخطاب والعباس بن عبد المطلب وابنه الفضل و ربيعة بن الحارث وايمن بن عبيد وابو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وطفق يركض ببغلته نحو العدو وهو ينشد: انا النبي لا كذب انا ابن عبد المطلب فاخذ ابو سفيان بن الحارث لجام بغلته والعباس بن عبد المطلب بركابه لئلا يسرع نحو العدو فنزل النبي صلى الله عليه وسلم عن البغلة ودعا ربه واستنصره وطلب من العباس ان ينادي بصوته الجهوري اصحابه فنادى حتى ملا الوادي صوته : ( الا اين اصحاب السمرة ؟؟ ) اي اصحاب الشجرة التي بايعوا النبي تحتها في بيعة الرضوان عام الحديبية . فانعطفوا نحو الصوت وجاؤوا اليه مسرعين وهم يقولون :( لبيك .. لبيك..) حتى اجتمع منهم مائة او يزيدون استقبلوا العدو واقتتلوا معهم بشدة . وممن ثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المعركة المرأة المؤمنة المسلمة (ام سليم) اذ كانت يوم (حنين) مع زوجها ابي طلحة وهل حامل بولدها عبد الله فقد شدت وسطها ببرد لها وقد خشيت ساعة الفزع الشديد وفرارالمسلمين ان يغلبها الجمل فينفر منها فادخلت يدها في خزامته ماسكة به مع الخطام . فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : - (ام سليم ؟؟؟؟؟) - قالت : نعم بابي انت وامي يارسول الله اقتل هؤلاء الذين يفروع عنك كما تقتل هؤلاء الذين يقاتلونك - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: - ( الا يكفي الله يا ام سليم فيقاتلهم ؟؟ ) وكان معها خنجر فقال لها زوجها ابو طلحة: - ماهذا الذي معك يا ام سليم ؟؟ - قالت : خنجر اخذته معي ان دنا مني احد من المشركين بعجته به - ثم وجهت الدعوة الى الانصار ثم الى بني الحارث من الخزرج وتلاحقت الكتائب واجتمع المسلمون من جديد وانزل الله تعالى سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وانزل جنودا من السماء لم يروها الاعداء واحتدم القتال وطيسا . واخذ النبي صلى الله عليه وسلم حفنة من تراب الارض ورماه على الاعداء وهو يقول ( شاهت الوجوه ) فملئت اعين الاعداء ترابا ولم يبصورا حتى تفرقوا منهزمين وتبعهم النساء والولدان فتبعهم المسلمون يقتلون فريقا وياسرون فريقا حتى اخذوا النساء والذراري واسروا كثيرا من الاعداء ولا يفوتني ان اذكر ان خالد بن الوليد اصيب بهذه المعركة بعدة جراحات . وفي رواية اخرى( عن جابر بن عبد الله الانصاري قال في حرب الطائف (قالوا : يا رسول الله، أحرقتنا نبال ثقيف، فادع الله عليهم. فقال : (اللهم اهد ثقيفا) رواه الترمذي وجاء في كتابه سنن الترمذي : فأصيب المسلمون بالدهشة المربكة وتراجعوا بدون نظام، فركبوا بعضهم بعضًا من شدة الصدمة، وصاح بعض حديثي العهد بالإسلام مثل أبي سفيان بن حرب وكلدة بن الجنيد بما في صدورهم وعندها قام الرسول صلى الله عليه وسلم بعمل جريء، إذ عرض نفسه لمخاطرة كبيرة، إذ انحاز إلى جهة اليمين ثم نادى على المسلمين وخصص النداء بالمهاجرين والأنصار وأهل بيعة الرضوان، حتى اجتمع عنده مائة من خاصة أصحابه، وقد ذكرت هذه المعركة في القران الكريم قال تعالى( لقد نصركم الله في موطن كثيرة ويوم حنين اذ اعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الارض بما رحبت ثم وليتم مدبرين * ثم انزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وانزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين ) سورة التوبة الايتان 12 و13 . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : - (الآن حمي الوطيس) ثم أخذ قبضة من تراب الأرض ورمى بها في وجوه القوم الاعداء وقال: (شاهت الوجوه) ولم تمر سوى ساعات قلائل حتى انهزم العدو هزيمة منكرة، وفروا إلى عدة أماكن مختلفة، فطائفة إلى (أوطاس) وأخرى إلى (نخلة) ومعظم الفارين إلى حصون الطائف، فأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم عدة فرق لمطاردة الفارين، وذلك من أجل منعهم من التجمع ومعاودة الهجوم على المسلمين. استطاعت فرق المطاردة القضاء على الفارين، وبعدها اتجه النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون مباشرة إلى الطائف حيث منازل وحصون ثقيف، وقد لجأ إليها مالك بن عوف قائد المعركة ومعظم الفارين من غطفان ، وضربوا على الطائف حصارًا شديدًا، وقع خلاله مناوشات حامية بين المدافعين عن الحصن والمسلمين، حدثت خلالها إصابات كثيرة بين المسلمين جعلتهم يغيرون مكان معسكرهم. حاول النبي صلى الله عليه وسلم الضغط على المحاصرين بقطع حدائق أعنابهم (والطائف مدينة كثيره الفواكه وخاصة الاعناب إلى يومنا هذا وقد اكلنا من اعنابها يوم كنا في مكة المكرمة ) ثم نادى سفيان الثقفي : - يا محمد لم تقطع اموالنا اما ان تاخذها ان ظهرت علينا واما تدعها لله و للرحم كما زعمت . فقال الرسول صلى الله عليه و سلم: - ( فاني ادعها لله و للرحم ) ثم أعلن أن من خرج من عبيد ثقيف للمسلمين فهو حر، فخرج إليهم ثلاثة وعشرون رجلاً، وكان فيهم عبد تسور حصن الطائف وتتدلى منه ببكرة يستقي عليها فكناه النبي صلى الله عليه وسلم ب(ابي بكرة) . ثم حاول الهجوم بشدة ولكن أهل الحصن قد أعدوا فيه ما يكفيهم لحصار سنة، فحاصرهم قرابة ثلاثة اسابيع وثيل شهرا كاملا وبعد المشاورة قرر الرسول صلى الله عليه وسلم الرجوع ورفع الحصار عن الطائف ورجع جيش المسلمين والنبي صلى الله عليه وسلم يدعو فيقول : -( اللهم اهد ثقيفا وآت بهم مسلمين ). ولما عاد رسول الله بعد رفع الحصار عن الطائف، مكث بالجعرانة، وهو المكان الذي تم تجميع فيه غنائم حنين، وكانت كثيرة وضخمة بالمقارنة بغنائم المعارك السابقة، فقام الرسول صلى الله عليه وسلم بتوزيعها على رؤساء القبائل وأشراف مكة والمؤلفة قلوبهم، وأفاض في العطاء، حتى ازدحم عليه الأعراب والناس طمعًا في المـال ولم يعط لاحد من الأنصار من هذه الغنيمة الضخمة شيئا، فوجد الأنصار في أنفسهم حسا وهضما من هذا الأمر وتكلموا فيه حتى كثرت فيهم القالة، فجمعهم النبي صلى الله عليه وسلم وعظهم موعظة بليغة مؤثرة أزالت من نفوسهم أي أثر للحزن ووجد في النفوس. فقد وقف فيهم خطيبا وقال لهم : ‏( ‏يا معشر الأنصار، مقَالَهٌ بلغتني عنكم، وَجِدَةٌ وجدتموها عليّ في أنفسكم‏ ؟‏ ألم آتكم ضلالاً فهداكم اللّه‏ ؟‏ وعالة فأغناكم اللّه‏ ؟‏ وأعداء فألف اللّه بين قلوبكم ‏؟ )‏ قالـوا‏ :‏ بلى، اللّه ورسولـه أمَنُّ وأفْضَلُ ‏.‏ ثم قال ‏:‏ ‏( ‏ألا تجيبوني يا معشر الأنصار ؟ ) ‏ قالوا‏ :‏ بماذا نجيبك يا رسول اللّه‏ ؟‏ للّه ورسوله المن والفضل ‏.‏ قال‏ :‏ ‏( ‏أما واللّه لو شئتم لقلتم، فصَدَقْتُمْ ولصُدِّقْتُمْ ‏:‏ أتيتنا مُكَذَّبًا فصدقناك، ومخذولاً فنصرناك، وطريداً فآويناك، وعائلاً فآسَيْنَاك.‏‏أوَجَدْتُمْ يا معشر الأنصار في أنفسكم في لَعَاعَةٍ من الدنيا تَألفَّتُ بها قوماً ليُسْلِمُوا، ووَكَلْتُكم إلى إسلامكم ‏؟‏ ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وترجعوا برسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) إلى رحالكم‏ ؟‏ فو الذي نفس محمد بيده، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس شِعْبًا، وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار، اللّهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار‏ )‏‏.‏ فبكى القوم حتى أخضلت لِحَاهُم وقالوا‏ :‏ - رضينا برسول اللّه صلى الله عليه واله وسلم قَسْمًا وحظاً، ثم انصرف رسول اللّه صلى الله عليه واله وسلم وتفرقوا‏. وقد ذكرت أحداث غزوة حنين وما جرى فيها للمسلمين من اعتداد وإعجاب بالنفس آيات من الذكر الحكيم في سورة التوبة، ليتأسى المسلمون بهذه الحادثة العظيمة جيلا بعد جيل وما فيها من دروس وعبر. وبعد هذه الاحداث وتوزيع الغنائم قدم وفد من هوازن يراسه زهير بن صرد فاسلموا وبايعوا ثم قال زهير : - يارسول الله ان فيمن اصبتم الامهات والاخوات والبنات والعمات والخالات وهن مخازي الاقوام ثم انشد: فامنن علينا رسول اله في كرم فانك المرء ونرجوه وننتظر امنن على نسوة قد كنت ترضعها اذ فوك تلؤه من محضها الدرر فقا ل النبي صلى الله عليه وسلم : ( ان معي ممن ترون وان احب الحديث اصدقه فاختاروا اما السبي واما المال ) فقالوا : ما كنا نعدل بالاحساب شيئا اردد الينا نساءنا وابناءنا ولا نتكلم في شاء وبعير فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( اذا صليت الظهر فقوموا واظهروا اسلامكم وقولوا: نحن اخوانكم في الدين ثم قولوا : انا نستشفع برسول الله صلى الله عليه وسلم الى المسلمين وبالمسلمين الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يرد الينا سبينا ) ففعلوا فقال النبي صلى الله عليه وسلم :( اما ما كان لي و لبني عبد المطلب فهو لكم وسأسال الناس.. ) فقال المهاجرون والانصار: - ( ماكان لنا فهو لرسول الله صلى اللفه عليه وسلم ) وامتنع بعض الاعراب كعيينة بن حصر والاقرع بن حابس والعباس بن مرداس فقال النبي صلى الله عليه وسلم: -( من طابت نفسه ن يرد فسبيل ذلك والا فليرد وله بكل فريضة ست فرائض من اول فيئ الله الينا ) . فرد الناس كلهم عن طيب خاطر الا عيينة بن حصر فكسا النبي صلى الله عليه وسلم السبايا قبطية قبطية وردهم الى اليهم . وكانت من بين السبايا الشيماء بنت الحارث اي بنت حليمة السعدية فقدمت الشيماء وهي اخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة فقالت له : - يارسول الله انا اختك الشيماء فبسط لها رداءه واجلسها عليه وقال لها : -( ان احببت فعندي مكرمة وان احببت ان امتعك وترجعي الى قومك ) فقالت : بل تمتعني وتردني الى قومي ففعل النبي صلى الله عليه وسلم فاسلمت وقد اعطاها ثلاثة عبيد وجارية ونعماء وشاة . ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قسمة الغنائم احرمك للعمرة من منطقة ( الجعرانة) فاعتمر واعتمر معه المسلمون وسميت هذه العمرة ( عمرة الجعرانة ) ثم بعد انتهاء العمرة قفل عائدا الى المدينة المنورة فبلغها في الثالث وفي رواية اخرى في السادس من ذي القعدة . ************************************* شذرات من السيرة النبوية المعطرة 34 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله : هرب المشركون الخاسرون في معركة حنين الى ثلاث مواقع : الاول : فرقة هربت الى( الطائف) وهي الفرقة الاكبر . والثاني : فرقة هربت الى قرية( نخلة) و الثالث : فرقة عسكرت ب(اوطاس). فارسل النبي صلى الله عليه وسلم ابا عامر الاشعري وهو عم ابي موسى الاشعري الى (اوطاس) في جماعة من المسلمين فبددهم وظفر بما كان معهم من الغنائم وقد استشهد في هذه المعركة ابوعامر الاشعري وخلفه على قيادتها ابو موسى الاشعري فهزم الاعداء ورجع منصورا مظفرا . ولما وصل خبر استشهاد ابي عامر الى النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اللهم اغفر لابي عامر واجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك ) وامر النبي صلى الله عليه وسلم بجمع الغنائم والسبي فكان السبي ستة الاف والابل اربعة وعشرين الف بعير والغنم اربعون الف شاة وانتظر النبي صلى الله عليه وسلم اكثرمن عشرة ايام على امل ان يقدموا موالين ثم قسم الغنائم فاعطى للمؤلفة قلوبهم اول الناس واعطى لابي سفيان مائة من الابل واربعين اوقية واعطى لابنه يزيد مثله واعطى لابنه معاوية مثل ذلك واعطى حكيم بن حزام مائة من الابل ثم ساله مائة اخرى فاعطاه ثم امر يزيد بن ثابت باحصاء الغنائم وقسمها على الناس . وطاردت فرسان من المسلمين فلول المنهزمين ناحية( نخلة ) وكان فيهم دريد بن الصمة فقتلوه. ثم تقدم النبي صلى الله عليه وسلم نحو الطائف ومر في الطريق بحصن مالك بن عوف النصيري فامر بهدمه فهدم ولما وصل الى الطائف وجد المشركين قد تحصنوا وكان معه قوت سنة كاملة ففرض عليهم الحصار وكان المسلمون قد نزلوا قريبا من الاعداء فرشقوهم بالنبال واصيب عدد من المسلمين فغيروا موقعهم الى الموقع الحالي لمسجد الطائف اليوم . وذكر بن هشام في سيرته انه نصب عليهم المنجنيق اربعين يوما وضربوا به وهذا هو اول منجنيق يرمى به في الاسلام . وقال ابن إسحاق حتى وكان يوم (الشدخة) عند جدار الطائف دخل نفر من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تحت دبابة ثم ر جعوا بها إلى جدار الطائف ليخرقوه فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنار فخرجوا من تحتها فرمتهم ثقيف بالنبل فقتلوا منهم رجالاً فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقطع اشجار أعناب ثقيف فوقع الناس يقطعونها ‏.‏قال ابن سعد ثم سألوه أن يدعها لله وللرحم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ‏( فإني أدعها لله وللرحم ‏)‏‏.‏ واستشار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نوفل بن معاوية الدبلي فقال : ‏(‏ ما ترى ؟؟) فقال : كأنهم ثعلب في حجر إن أقمت عليه أخذته وإن تركته لم يضررك فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عمر بن الخطاب فأذن في الناس بالرحيل فضج الناس من ذلك وقالوا : - كيف نرحل ولم يفتح علينا الطائف - فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ‏(‏ فاغدوا على القتال ‏) فتقدموا للقتال فأصابت المسلمين جراحات كثيرة فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ‏:(‏ إنا قافلون إن شاء الله ‏) ‏ ففرحوا بذلك وأذعنوا وجعلوا يرحلون ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يضحك وقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ‏: ( قولوا لا إله إلا الله وحده صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ‏) فلما ارتحلوا واستقلوا قال النبي صلى الله عليه وسلم ‏( قولوا آيبون تائبون لربنا حامدون ‏)‏‏.‏ وقيل انه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم ادعو الله على ثقيف فقال :( اللهم اهد ثقيف ) اما من قتل في معركة الطائف من المسلمين ابن إسحاق سعيد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس وعرفطة بن خباب حليف لهم من الأزد بن الغوث قال ابن هشام ويقال حباب وعبد الله ابن أبي بكر الصديق رمي بسهم فمات منه بالمدينة بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعبد الله بن أمية المخزومي وعبد الله بن عامر بن ربيعة العدوي حليف لهم والسائب بن الحارث السهمي وأخوه عبد الله‏.‏ ومن بني سعد بن ليث جليحة بن عبد الله ومن الأنصار ثابت بن الجذع السلمي والحرث بن سهل بن أبي صعصعة المازني النجاري والمنذر بن عبد الله الساعدي ومن الأوس رقيم بن ثابت بن ثعلبة ثم خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن (الطائف) إلى( الجعرانة) وبها قسم غنائم حنين كما تقدم‏. ثم احرم ودخل مكة محرما في عمرة من الجعرانة وسميت عمرة( الجعرانة ) . بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المصدقين قالوا لما رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هلال المحرم سنة تسع بعث المصدقين يصدقون العرب فبعث عيينة بن حصن إلى بني تميم وبعث يزيد بن الحصين إلى أسلم وغفار و بعث كعب بن مالك وعباد بن بشر الأِشهلي إلى سليم ومزينة وبعث رافع بن مكيف إلى جهينة وبعث عمرو بن العاص إلى بني فزارة وبعث الضحاك بن سفيان الكلابي إلى بني كلاب وبعث بسر بن سفيان الكعبي إلى بني كعب وبعث ابن الأتبية الأزدي إلى بني ذبيان وبعث رجلاً من بني سعد هذيم على صدقاتهم وأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مصدقيه أن يأخذوا العفو منهم ويتوقوا كرائم أموالهم‏.‏ ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم المهاجر ابن أمية إلى صنعاء فخرج عليه العنسي وهو بها وبعث زياد بن لبيد إلى حضرموت وبعث عدي بن حاتم على طيء وبني أسد وبعث مالك بن نويرة على صدقات بني حنظلة وفرق صدقات بني سعد على رجلين‏: هما الزبرقان بن بدر على ناحية وقيس بن عاصم على ناحية والعلاء بن الحضرمي على البحرين وبعث علي بن ابي طالب إلى نجران ليجمع صدقاتهم ويقدم عليه بجزيتهم‏.‏ فلما كانوا فيما بين (السقيا) وأرض ( تميم) وذلك في المحرم من السنة التاسعة للهجرة المباركة بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عيينة بن حصن الفزاري إلى بني تميم في خمسين فارساً من العرب ليس فيهم احد من المهاجريٌن ولا الأنصار فكان يسير الليل ويكمن النهار فهجم عليهم في صحراء فدخلوا وسرحوا مواشيهم فلما رأوا الجمع ولوا وأخذ منهم أحد عشر رجلاً ووجدوا في المحلة إحدى وعشرين امرأة وثلاثين صبياً فجلبهم إلى المدينة فأمر بهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فحبسوا في دار رملة بنت الحارث. وقد قدم وفد من تميم فيهم عدة من رؤسائهم منهم : عطارد بن حاجب والزبرقان ابن بدر وقيس بن عاصم والأقرع بن حابس وقيس بن الحارث ونعيم بن سعد وعمرو بن الأهتم ورباح بن الحارث بن مجاشع فلما رأوهم بكت إليهم النساء والذراري فجاء الوفد إلى بيت النبي صلّى الله عليه وسلّم فنادوا من وراء الحجرات : - يا محمد اخرج إلينا. فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأقام بلال الصلاة وتعلقوا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكلمونه فوقف معهم قليلا ثم مضى فصلى الظهر ثم جلس في صحن المسجد فقدموا عطارد ابن حاجب فتكلم وخطب فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثابت بن قيس بن شماس فأجابهم فنزلت فيهم الاية المباركة ‏( إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون* ولوا انهم صبروا حتى تخرج اليهم لكانت خيرا لهم والله غفور رحيم* ‏) سورة الحجرات الاية\ 3و4 فرد عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الأسرى والسبي‏.‏ وذكر ابن إسحاق ما وقع بينهما من المفاخرة وما وقع بين الشاعر حسان بن ثابت وبين الزبرقان بن بدرمن المفاخرة نظماً فأنشد الزبرقان‏:‏ نحن الكرام فلا حي يعادلنا منا الملوك وفينا تنصب البيع وكم قسرنا من الأحياء كلهم عند النهاب وفضل العز يتبع ونحن نطعم عند القحط مطعمنا من الشواء إذا لم يؤنس الفزع بما ترى الناس يأتينا سراتهم من كل أرض هوياً ثم نصطنع فننحر الكوم عبطاً في أرومتنا للنازلين إذا ما أنزلوا شبعوا فلا ترانا إلى حي نفاخرهم إلا استقادوا فكانوا الرأس يقتطع إنا أبينا ولم يأب لنا أحد إنا كذلك عند الفخر نرتفع وأنشد حسان بن ثابت شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم رادا على الزبرقان ‏: ‏ إن الذوائب من فهر وإخوتهم قد بينوا سنة للناس تتبع يرضى بهم كل من كانت سريرته تقوى الإله وكل الخير يصطنع قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا سجية تلك منهم غير محدثة إن الخلائق فاعلم شرها البدع إن كان في الناس سباقون بعدهم فكل سبق لأدنى سبقهم تبع لا يرفع الناس يوماً فاز سبقهم أو وازنوا أهل مجد بالندى متعوا أعفة ذكرت في الوحي عفتهم لا يطبعون ولا يؤذي بهم طبع لا يبخلون على جار بفضلهم ولا يمسهم من مطمع طمع إذا نصبنا لحي لم ندب له كما يدب إلى الوحشية الذرع نسموا إذا الحرب نالتنا مخالبها إذا الزعانف من أظفارها خشعوا فإن في حربهم فاترك عداوتهم شراً يخاض عليه السم والسلع أكرم بقوم رسول الله شيعتهم إذا تفاوتت الأهواء والشيع أهدي لهم مدحتي قلب يؤازره فيما أحب لسان حائك صنع فإنهم أفضل الأحياء كلهم إن جد بالناس جد القول أو شمعوا فلما فرغ حسان قال الأقرع بن حابس إن هذا الرجل لمؤتى له- ويقصد النبي صلى عليه وسلم - لخطيبه أخطب من خطيبنا ولشاعره أشعر من شاعرنا ولأصواتهم أعلى من أصواتنا فلما فرغ القوم أسلموا وجوزهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأحسن جوائزهم‏.‏ ‏.‏ وذكر أن قيس بن عاصم كان يبغض عمرو بن الأهتم الذي ضرب أباه فهتم فاه فشهر الأهتم واسمه سنان بن سمي فغض منه بعض الغض عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومع ذلك فأعطاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما أعطى القوم‏.‏ و في صفر سنة تسع بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم‏إلى خثعم بناحية بيشة قريباً من تربة قطبة في عشرين رجلاً إلى حي من خثعم بناحية تباة وأمره أن يشن الغارة فخرجوا على عشرة أبعرة يتعقبونها فأخذوا رجلاً فسألوه فاستعجم عليهم فجعل يصيح بالحاضرة ويحذرهم فضربوا عنقه ثم أقاموا حتى نام الحاضر فشنوا عليهم الغارة فاقتتلوا قتالاً شديداً حتى كثر الجرحى في الفريقين جميعاً وقتل قطبة بن عامرفي من قتل وساقوا النعم والشاء والنساء إلى المدينة وجاء سيل قوي أتى فحال بينهم وبينه فيما يجدون إليه سبيلاً . وفي شهر ربيع الأول السنة التاسعة من الهجرة المباركة بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جيشاً إلى القرطاء بقيادة الضحاك ابن سفيان بن عوف بن أبي بكر الكلابي ومعه الأصيد بن سلمة بن قرط فلقوهم ب(الزخ لاوة) فدعوهم إلى الإسلام فأبوا فقاتلوهم فهزموهم فلحق الصيد أباه سلمة وسلمة على فرس له على غدير ب(الزخ )ودعا أباه إلى الإسلام وأعطاه الأمان فسبه وسب دينه فضرب الأصيد عرقوبي فرس أبيه فلما وقع الفرس على عرقوبيه ارتكز سلمة على رمحه في الماء ثم استمسك حتى جاء أحدهم فقتله ولم يقتله ابنه‏.‏ وفي شهر ربيع الآخر السنة التاسعة بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن ناساً من الحبشة تراآهم أهل (جدة) فبعث إليهم علقمة بن محرز في ثلثمائة رجل فانتهى إلى جزيرة في البحر وقد خاض إليهم البحر فهربوا منه‏ .‏ فلما رجع تعجل بعض القوم إلى أهليهم فأذن لهم فتعجل عبد الله بن حذافة السهمي فيهم فأمره على من تعجل وكانت فيه دعابة فنزلوا ببعض الطريق وأوقدوا ناراً يصطلون عليها ويصطنعون فقال : -عزمت عليكم إلا تواثبتم في هذه النار. فقام بعض القوم فتحجزوا حتى ظن أنهم واثبون فيها فقال: اجلسوا إنما كنت أضحك معكم. فذكروا ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال ‏لهم: ( من أمركم بمعصية فلا تطيعوه ‏).‏ ثم بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم علي بن أبي طالب في مائة و خمسين رجل من الأنصار على مائة بعير وخمسين فرساً ومعه راية سوداء ولواء أبيض إلى الفلس- وفلس بضم الفاء وسكون اللام صنم يعبد في ديار طي من الجزيرة - ليهدمه فشنوا الغارة على محلة (آل حاتم الطائي )مع الفجر‏.‏ فهدموا الفلس وحرقوه وملؤا أيديهم من السبي والنعم والشاء وكانوا قد وجدوا في خزانة الصنم ثلاثة ادرع وثلاثة سيوف ‏.‏ وقسمت الغنائم في الطريق ولم يقسم السبي من ال حاتم حتى قدم بهم الى المدينة. وقال عدي بن حاتم الطائي : ما كان رجل من العرب اشد كراهة لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني حين سمعت به وكنت رجلا شريفا نصرانيا وكنت اسير في قومي بالمرباع فقلت لراعي ابلي : - اعدد لي من ابلي جمالا ذللا سمانا فاذا سمعت بجيش بجيش محمد قد وطئ هذه الب لاد فاآذني . فأتاني ذات غداة فقال : - ماكنت صانعا اذا غشيك جيش محمد فاصنع الان . فاني قد رايت رايات فسالت عنها فقيل لي هذا جيش محمد - قلت : قرب لي جمالي . فاحتملت باهلي وولدي ثم قلت : - ألحق باهل ديني من النصارى في الشام وخلفت بنتا في الحاضرة لحاتم فلما اقدمت الشام اقمت بها وتخالفني خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتصيب ابنة حاتم فقدم بها على النبي صلى الله عليه وسلم في سبي طي ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم هروبي الى الشام فمر بها فقالت : - يارسول الله غاب الوافد وانقطع الوالد وانا عجوز كبيرة مابي من خدمة فمن علي من ممنن الله عليك. - فقال النبي صلى الله عليه وسل : ( من وافدك ؟؟) - قالت عدي بنا حاتم - قال النبي صلى الله عليه وسلم) الذي فر من الله ورسوله ) وكررت القول عليه ثلاثة ايام فمن عليها في اليوم الثالث وسالته الحملان فامر لها به وكساها وحملها واعطاها نفقة . فذهبت الى اخيها في الشام فقالت لاخيها واصفة رسول الله صلى الله عليه وسلم: - لقد فعل فعلة ما كان ابوك يفعلها - أا ته راغبا او راهبا. فجاء عدي بن حاتم الطائي الى النبي صلى الله عليه وسلم بغير امان ولا كتاب فلما كلمه اسلم . وبينما عدي عند النبي صلى الله عليه وسلم جاء رجل يشكو الفاقة ثم جاء اخر يشكو قطع السبيل فقال النبي صلى الله عليه وسلم له : ( ياعدي هل رايت الحيرة ؟؟ فلئن طالت بك حياة فلترين الضعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف الكعبة لاتخاف احدا الا الله ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملئ كفه من ذهب او فضة يطلب من يقبله فلا يجد احدا يقبله منه ) وقد حضر عدي فتح كنوز كسرى لاشتراكه في معركة القادسية وقد راى عدي خروج الضعينة ايضا . الا وان الثالثة لم تحصل لحد الان . ************************************ شذرات من السير ة النبوية المعطرة 35 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله : لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف في ربيع الاخرة من السنة التاسعة للهجرة المباركة كتب بجير بن زهير بن ابي سلمى إلى أخيه الشاعر المعروف كعب بن زهير يخبره أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قتل رجالاً بمكة ممن كانوا يهجونه ويؤذونه ولم يبق من شعراء قريش الا ابن الزبعري وهبيرة ابن أبي وهب و قد هربوا في كل وجه فإن كانت لك في نفسك حاجة فطر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإنه لا يقتل أحداً جاءه تائباً وإن أنت لم تفعل فانج إلى نجائك وكان كعب قد قال‏:‏ ألا أبلغا عني بجيراً رسالة فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا فبين لنا إن كنت لست بفاعل على أي شيء غير ذلك دلكا على خلق لم تلف أماً ولا أباً عليه ولم تدرك عليه أخا ً لكا فإن كنت لم تفعل فلست بآسف ولا قائل إما عثرت لعاً لكا سقاك بها المأمون كأساً روية فأنهلك المأمون منها وعلكا وبعث بها إلى بجير فلما أتت بجيراً كره أن يكتمها عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاتى اليه فأنشده إياها فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : -(‏ سقاك بها المأمون صدق وإنه لكذوب وأنا المأمون ‏‏ ولما سمع على خلق لم تلف أماً ولا أباً عليه) قال ‏:‏ أجل لم يلف عليه أباه ولا أمه ‏.‏ ثم قال بجير بن زهير هذه الابيات ‏:‏ من مبلغ كعبا فهل لك في التي تلوم عليها باطلا وهي احزم إلى الله لا العزى ولا اللات وحده فتنجو إذ ا كان النجاء وتسلم لدى يوم لا ينجو وليس بمفلت من النار إلا طاهر القلب مسلم فدين زهير هو لا شيء دينه ودين أبي سلمى علي محرم فلما بلغ اصل الكتاب كعبا ضاقت به الأرض وأشفق على نفسه وأرجف به من كان ارجف حضور من عدوه فقالوا هو مقتول فلما لم يجد من شيء بداً قال قصيدته التي يمدح فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويذكر خوفه وإرجاف الوشاة به من عدوه ثم خرج حتى قدم المدينة فنزل على رجل كانت بينه وبينه معرفة من جهينة فغدا به إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين صلى الصبح فصلى مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم أشار له إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: - هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقم إليه واستأمنه وقام إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى جلس إليه فوضع يده في يده وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يعرفه فقال: - يا رسول الله إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمن منك تائباً مسلماً فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به - قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ‏(‏ نعم ‏)‏ - وقال : أنا يا رسول الله كعب بن زهير‏.‏ وقيل أنه وثب عليه رجل من الأنصار فقال: - يا رسول الله دعني وعدو الله أضرب عنقه - قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: - ‏( دعه عنك فإنه قد جاء تائباً نازعاً ‏).‏ فغضب كعب على هذا الحي من الأنصار لما صنع به صاحبهم وذلك أنه لم يتكلم فيه رجل من المهاجرين إلا بخير. فقال قصيدته على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم‏:‏ بـانَتْ سُـعادُ فَـقَلْبي اليَوْمَ مَتْبولُ مُـتَـيَّمٌ إثْـرَها لـم يُـفَدْ مَـكْبولُ وَمَـا سُـعَادُ غَـداةَ البَيْن إِذْ رَحَلوا اّلا أَغَـنُّ غضيضُ الطَّرْفِ مَكْحُولُ هَـيْـفاءُ مُـقْبِلَةً عَـجْزاءُ مُـدْبِرَةً لا يُـشْتَكى قِـصَرٌ مِـنها ولا طُولُ تَجْلُو عَوارِضَ ذي ظَلْمٍ إذا ابْتَسَمَتْ كـأنَّـهُ مُـنْـهَلٌ بـالرَّاحِ مَـعْلُولُ شُـجَّتْ بِـذي شَـبَمٍ مِنْ ماءِ مَعْنِيةٍ صـافٍ بأَبْطَحَ أضْحَى وهْوَ مَشْمولُ تَـنْفِي الـرِّياحُ القَذَى عَنْهُ وأفْرَطُهُ مِـنْ صَـوْبِ سـارِيَةٍ بِيضٌ يَعالِيلُ أكْـرِمْ بِـها خُـلَّةً لـوْ أنَّها صَدَقَتْ مَـوْعودَها أَو ْلَوَ أَنَِّ النُّصْحَ مَقْبولُ لـكِنَّها خُـلَّةٌ قَـدْ سِـيطَ مِنْ دَمِها فَـجْـعٌ ووَلَـعٌ وإِخْـلافٌ وتَـبْديلُ فـما تَـدومُ عَـلَى حـالٍ تكونُ بِها كَـما تَـلَوَّنُ فـي أثْـوابِها الـغُولُ ولا تَـمَسَّكُ بـالعَهْدِ الـذي زَعَمْتْ إلاَّ كَـما يُـمْسِكُ الـماءَ الـغَرابِيلُ فـلا يَـغُرَّنْكَ مـا مَنَّتْ وما وَعَدَتْ إنَّ الأمـانِـيَّ والأحْـلامَ تَـضْليلُ كـانَتْ مَـواعيدُ عُـرْقوبٍ لَها مَثَلا وما مواعيدها الا الاباطيل أرْجـو وآمُـلُ أنْ تَـدْنو مَـوَدَّتُها ومـا إِخـالُ لَـدَيْنا مِـنْكِ تَـنْ أمْـسَتْ سُـعادُ بِـأرْضٍ لا يُـبَلِّغُها إلاَّ الـعِتاقُ الـنَّجيباتُ الـمَراسِيلُ ولَـــنْ يُـبَـلِّغَها إلاَّ غُـذافِـرَةٌ لـها عَـلَى الأيْـنِ إرْقـالٌ وتَبْغيلُ مِـنْ كُلِّ نَضَّاخَةِ الذِّفْرَى إذا عَرِقَتْ عُ عـرْضَتُها طـامِسُ الأعْلامِ مَجْهولُ تَـرْمِي الـغُيوبَ بِعَيْنَيْ مُفْرَدٍ لَهِقٍ إذا تَـوَقَّـدَتِ الـحَـزَّازُ والـمِيلُ ضَـخْـمٌ مُـقَـلَّدُها فَـعْمٌ مُـقَيَّدُها فـي خَلْقِها عَنْ بَناتِ الفَحْلِ تَفْضيلُ غَـلْـباءُ وَجْـناءُ عَـلْكومٌ مُـذَكَّرْةٌ فــي دَفْـها سَـعَةٌ قُـدَّامَها مِـيلُ وجِـلْـدُها مِـنْ أُطـومٍ لا يُـؤَيِّسُهُ طَـلْحٌ بـضاحِيَةِ الـمَتْنَيْنِ مَهْزولُ حَـرْفٌ أخـوها أبـوها مِن مُهَجَّنَةٍ لاوعَـمُّـها خـالُها قَـوْداءُ شْـمِليلُ يَـمْشي الـقُرادُ عَـليْها ثُـمَّ يُزْلِقُهُ مِنْـها لِـبانٌ وأقْـرابٌ زَهـالِيلُ عَـيْرانَةٌ قُذِفَتْ بالنَّحْضِ عَنْ عُرُضٍ مِـرْفَقُها عَـنْ بَـناتِ الزُّورِ مَفْتولُ كـأنَّـما فـاتَ عَـيْنَيْها ومَـذْبَحَها مِـنْ خَـطْمِها ومِن الَّلحْيَيْنِ بِرْطيلُ تَـمُرُّ مِـثْلَ عَسيبِ النَّخْلِ ذا خُصَلٍ فـي غـارِزٍ لَـمْ تُـخَوِّنْهُ الأحاليلُ قَـنْواءُ فـي حَـرَّتَيْها لِـلْبَصيرِ بِها عَـتَقٌ مُـبينٌ وفـي الخَدَّيْنِ تَسْهيلُ تُـخْدِي عَـلَى يَـسَراتٍ وهي لاحِقَةٌ ذَوابِــلٌ مَـسُّهُنَّ الأرضَ تَـحْليلُ سُمْرُ العَجاياتِ يَتْرُكْنَ الحَصَى زِيماً لـم يَـقِهِنَّ رُؤوسَ الأُكْـمِ تَـنْعيلُ كــأنَّ أَوْبَ ذِراعَـيْها إذا عَـرِقَتْ وقــد تَـلَـفَّعَ بـالكورِ الـعَساقيلُ يَـوْماً يَـظَلُّ به الحِرْباءُ مُصْطَخِداً كـأنَّ ضـاحِيَهُ بـالشَّمْسِ مَـمْلولُ وقـالَ لِـلْقوْمِ حـادِيهِمْ وقدْ جَعَلَتْ و ُرْقَ الجَنادِبِ يَرْكُضْنَ الحَصَى قِيلُوا شَـدَّ الـنَّهارِ ذِراعـا عَيْطَلٍ نَصِفٍ قـامَـتْ فَـجاوَبَها نُـكْدٌ مَـثاكِيلُ نَـوَّاحَةٌ رِخْـوَةُ الـضَّبْعَيْنِ لَيْسَ لَها لَـمَّا نَـعَى بِـكْرَها النَّاعونَ مَعْقولُ تَـفْرِي الُّـلبانَ بِـكَفَّيْها ومَـدْرَعُها مُـشَـقَّقٌ عَـنْ تَـراقيها رَعـابيلُ تَـسْعَى الـوُشاةُ جَـنابَيْها وقَـوْلُهُمُ إنَّـك يـا ابْـنَ أبـي سُلْمَى لَمَقْتولُ وقــالَ كُـلُّ خَـليلٍ كُـنْتُ آمُـلُهُ لا أُلْـهِيَنَّكَ إنِّـي عَـنْكَ مَـشْغولُ فَـقُـلْتُ خَـلُّوا سَـبيلِي لاَ أبـالَكُمُ فَـكُلُّ مـا قَـدَّرَ الـرَّحْمنُ مَفْعولُ كُـلُّ ابْـنِ أُنْثَى وإنْ طالَتْ سَلامَتُهُ يَـوْماً عـلى آلَـةٍ حَـدْباءَ مَحْمولُ أُنْـبِـئْتُ أنَّ رَسُـولَ اللهِ أَوْعَـدَني والـعَفْوُ عَـنْدَ رَسُـولِ اللهِ مَأْمُولُ وقَـدْ أَتَـيْتُ رَسُـولَ اللهِ مُـعْتَذِراً والـعُذْرُ عِـنْدَ رَسُـولِ اللهِ مَقْبولُ مَـهْلاً هَـداكَ الـذي أَعْطاكَ نافِلَةَ الْـقُرْآنِ فـيها مَـواعيظٌ وتَـفُصيلُ لا تَـأْخُذَنِّي بِـأَقْوالِ الـوُشاةولَـمْ اُذْنِـبْ وقَـدْ كَـثُرَتْ فِـيَّ الأقاويلُ لَـقَدْ أقْـومُ مَـقاماً لـو يَـقومُ بِـه أرَى وأَسْـمَعُ مـا لـم يَسْمَعِ الفيلُ لَـظَلَّ يِـرْعُدُ إلاَّ أنْ يـكونَ لَهُ مِنَ الَّـرسُـولِ بِــإِذْنِ اللهِ تَـنْـويلُ حَـتَّى وَضَـعْتُ يَـميني لا أُنازِعُهُ فـي كَـفِّ ذِي نَـغَماتٍ قِيلُهُ القِيلُ لَــذاكَ أَهْـيَبُ عِـنْدي إذْ أُكَـلِّمُهُ وقـيـلَ إنَّـكَ مَـنْسوبٌ ومَـسْئُولُ مِـنْ خـادِرٍ مِنْ لُيوثِ الأُسْدِ مَسْكَنُهُ م مِـنْ بَـطْنِ عَـثَّرَ غِيلٌ دونَهُ غيلُ يَـغْدو فَـيُلْحِمُ ضِـرْغامَيْنِ عَيْشُهُما ل َـحْمٌ مَـنَ الـقَوْمِ مَـعْفورٌ خَراديلُ إِذا يُـسـاوِرُ قِـرْناً لا يَـحِلُّ لَـهُ أنْ يَـتْرُكَ الـقِرْنَ إلاَّ وهَوَ مَغْلُولُ مِـنْهُ تَـظَلُّ سَـباعُ الـجَوِّ ضامِزَةً ولا تَـمَـشَّى بَـوادِيـهِ الأراجِـيلُ ولا يَــزالُ بِـواديـهِ أخُـو ثـقَةٍ مُـطَرَّحَ الـبَزِّ والـدَّرْسانِ مَأْكولُ إنَّ الـرَّسُولَ لَـسَيْفٌ يُـسْتَضاءُ بِهِ مُـهَنَّدٌ مِـنْ سُـيوفِ اللهِ مَـسْلُولُ فـي فِـتْيَةٍ مِـنْ قُـريْشٍ قالَ قائِلُهُمْ بِـبَطْنِ مَـكَّةَ لَـمَّا أسْـلَمُوا زُولُوا زالُـوا فـمَا زالَ أَنْكاسٌ ولا كُشُفٌ عِـنْـدَ الِّـلقاءِ ولا مِـيلٌ مَـعازيلُ شُــمُّ الـعَرانِينِ أبْـطالٌ لُـبوسُهُمْ مِـنْ نَـسْجِ دَاوُدَ في الهَيْجَا سَرابيلُ بِـيضٌ سَـوَابِغُ قـد شُكَّتْ لَهَا حَلَقٌ كـأنَّـها حَـلَقُ الـقَفْعاءِ مَـجْدولُ يَمْشونَ مَشْيَ الجِمالِ الزُّهْرِ يَعْصِمُهُمْ ضَـرْبٌ إذا عَـرَّدَ الـسُّودُ التَّنابِيلُ لا يَـفْـرَحونَ إذا نَـالتْ رِمـاحُهُمُ قَـوْماً ولَـيْسوا مَـجازِيعاً إذا نِيلُوا لا يَـقَعُ الـطَّعْنُ إلاَّ فـي نُحورِهِمُ ومـا لَهُمْ عَنْ حِياضِ الموتِ تَهْليلُ وذكر عاصم بن عمر بن قتادة فلما قال كعب (إذا عرّد السود التنابيل )وإنما يريد معشر الأنصار لما كان صاحبنا صنع به وخص المهاجرين من قريش من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمدحته غضبت عليه الأنصار فقال بعد أن أسلم يمدح الأنصار ويذكر بلاءهم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وموضعهم من اليمن‏: ‏ من سره كرم الحياة فلا يزل في مقنب من صالحي الأنصار ورثوا المكارم كابراً عن كابر إن الخيار هم بنو الأخيار الباذلين نفوسهم لنبيهم يوم الهياج وفتية الأحبار والذائدين الناس عن أديانهم بالمشرفي وبالقنا الخطار المكرهين السمهري بأدرع كسوالف الهندي غير قصار والناظرين بأعين محمرة كالجمر غير كليلة الإبصار والبائعين نفوسهم لنبيهم للموت يوم تعانق وكرار يتطهرون يرونه نكساً لهم بدماء من علقوا من الكفار دربوا كما دربت ببطن خفية غلب الرقاب من الأسود ضوار لو يعلم الأقوام علمي كله فيهم لصدقني الذين أماري قوم إذا خوت النجوم فإنهم للطارقين النازلين مقاري في العز من غسان في جرثومة أعيت محافرها على المنقار ولا يغيب عن خاطري ان اذكر ان كعب - هو بن الشاعر الجاهلي المشهور زهير بن ابي سلمى بن ربيعة بن رباح من بني مزينة من قبيلة غطفان التي كانت تسكن نجد فقد نشا كعب بن زهير في بيئة شعرية فكان ابوه شاعرا واخوه شاعرا وجده شاعرا وخاله شاعرا وزوج جدته شاعرا وخال ابيه الذي تبناه واحسن تربيته كان شاعرا وسيد قومه فهو شاعر بن شاعر بن شاعر وكذلك ابنه عقبة بن كعب كان شاعر وابن عقبة بن كعب كان شاعرا وهو القائل‏:‏ ألا ليت شعري هل تغير بعدنا ملاحة عيني أم عمرو وجيدها وهل بليت أثوابها بعد جدة ألا حبذا أخلاقها وجديدها ومن جيد شعر كعب قوله‏:‏ لو كنت أعجب من شيء لأعجبني سعي الفتى وهو مخبوء له القدر يسعى الفتى لأمور ليس يدركها فالنفس واحدة والهم منتشر والمرء ما عاش ممدود له أمل لا تنتهي العين حتى ينتهي الأثر ومن قوله في مدح النبي صلّى الله عليه وسلّم‏: ‏ تخدي به الناقة الأدماء معتجر بالبرد كالبدر جلى ليلة الظلم للبرد كالبدر جلي ليلة الظلم ما يعلم الله من دين ومن كرم لقد أنقذ الله تعالى كعب بن زهير من الكفر إلى الإسلام ومن الجاهلية إلى النور المبين، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، وفاز بشرف صحبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو شرف مات بعده شرف و رفعة ما بعدها رفعة . ******************************************** شذرات من السيرة النبوية المعطرة 36 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله : ان خسارة الروم في معركة (مؤتة )سابقة الذكر كانت سمعتها سيئة للروم فقد كام لنجاح المسلمين وهم ثلاثة الاف فقط على جيش الروم وعدده مائتي الف مقاتل اثر كبير في نفوسهم وتحطيم معنوياتهم واثر بالغ غي نفوس القبائل العربية التي ساعدتهم فكانت وصمة خزي في حياتهم لذا رادوها لن تتكرر واخذت هذه القبائل تتطلع الى الاستقلال . مما حدى بالروم ان يقوموا بغزوة على المسلمين يردون فيها اعتبارهم ويقضون عل ى المسلمين في عقر دارهم في المدينة المنور ة . وسمع النبي صلى الله عليه وسلم بتجمعهم واستعدادهم فاستنفرالمسلمين في كل مكان واعلن عن جهة الغزوة صراحة وجاء فقراء المدينة المنورة يطلبون ما يحملهم في القتال . وجاء البكاؤون وهم سبعة يستحملون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : -(‏ لا أجد ما أحملكم عليه ‏)‏ تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون وهم سالم بن عمير وعلبة بن زيد وأبو ليلى المازني وعمرو بن عتمة وسلمة ابن صخر والعرباض بن سارية‏.‏ وفي رواية اخرى يضاف اليهم عبد الله بن مغفل ومعقل بن سيار . وقيل البكاؤون هم بنو مقرن السبعة وهم من مزينة‏.‏قال ابن سعد وهم اثنان وثمانون رجلاً وكان عبد الله بن أبي بن سلول قد عسكر على ثنية الوداع في حلفائه من اليهود والمنافقين فكان يقال ليس عسكره بأقل العسكرين‏. قال تعالى: ( ولا على الذين اذا ما اتوك لتحملهم قلت لا اجد ما احملكم عليه تولوا واعينهم تفيض من الدمع حزنا الا يجدوا ماينفقون *) التوبة \ 92 منهم علبة بن يزيد حيث رجع من عند النبي صلى الله عليه وسلم مهموما فصلى من الليل وبكى كثيرا .. ثم قال مبتهلا الى الله تعالى : - اللهم انت امرت بالجها د ورغبت فيه ثم لم تجعل عندي ما اتقوى به مع رسولك ولم تجعل في يد رسولك ما يحملني عليه واني اتصدق على كل مسلم بكل مظلمة اصابني فيها من مال او جسد او عرض ثم اصبح مع الناس ) فجاء خبره الى النبي صلى الله عليه وسلم من السماء فقال النبي صلى الله عليه وسلم : - ( اين المتصدق في هذه الليلة .؟؟ ) فلم يقم احد . ثم قال : - (اين المتصدق؟؟) فلم يقم . فقام النبي صلى الله عليه وسلم اليه فاخبره بخبره وقال له : - ( ابشر فوالذي نفس محمد بيده لقد كتبت في الزكاة المتقبلة ) فنزلت الاية الكريمة: ( ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما بنفقون حرج اذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم * ولا على الذين اذا ما اتوك لتحملهم قلت لا اجد ما احملكم عليه تولوا واعينهم تفيض من الدمع حزنا الا يجدوا ما ينفقون *) التوبة الايتان 91و92 فحث النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين الميسورين من تجهيز المعسرين للقتال فكان اول من جاء بكل ماله ابو بكر الصديق فقد جاء باربعة الاف درهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: - (هل ابقيت لاهلك شيئا .؟ ) - ابقيت لهم الله ورسوله . وقيل جاء عمر بن الخطاب بنصف ماله . وانفق عثمان بن عفان مالا كثيرا فقيل عشرة الاف دينار وثلاثمائة بعير باحلاسها واقتابها وخمسين فرسا وفي رواية اخرى عشرة الاف دينار وتسعمائة بعير ومائة فرس وقد وفد على النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ماضر عثمان ماعمل بعد اليوم . وجاء عبد الرحمن بن عوف بمائتي اوقية وجاء العباس بمال كثير وجاء كل من محمد بن سلمة وسعد بن عبادة وعاصم بن عدي باموال وارسلت النساء تبرعاتهن من الحلي والجواهر. و في شهر رجب من السنة التاسعة للهجرة المباركة توجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لصد غزو الروم وكان ذلك في زمن وجدت عسرة في الناس وجدب في البلاد وحين طابت الثمار فالناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم ويكرهون الشخوص على الحال من الزمان الذي هم عليه وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قلما يخرج في غزوة إلا كني عليها وورى بغيرها إلا ما كان من غزوة (تبوك ) لبعد الشقة وشدة الزمان فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم وهو في جهازه ذلك للجد بن قيس أحد بني سلمة ‏: ‏- ( يا جد هل لك العام في جلاد بني الأصفر؟ ‏)‏ فقال يا رسول الله : أتأذن لي ولا فتني فوالله لقد عرف قومي أنه ما من رجل بأشد عجباً بالنساء مني وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر. فأعرض عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال ‏: -( قد أذنت لك )‏‏ وفيه نزلت الاية الكريمة: ( ‏ ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ‏ الا في الفتنة سقطوا وان جهنم لمحيطة بالكافرين ) التوبة الاية \49 وقال قوم من المنافقين بعضهم لبعض لا تنفروا في الحر ‏فأنزل الله فيهم ‏قوله: (‏ فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وقالوا لا تنفروا في الحر ‏قل نار جهنم اشد حرا لوكانوا يفقهون *) التوبة الآية\ 81 ثم إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جد في سفره ‏.‏ و بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن الروم قد جعت جموعاً كثيرة بالشام وأن هرقل قد رزق أصحابه لسنة كاملة وأجلبت معه من يساعده من القبائل العربية مثل لخم وجذام وعاملة وغسان وقدموا مقدماتهم إلى البلقاء ‏وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يستخلف على عسكره أبا بكر الصديق يصلي بالناس واستخلف على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري وقيل سباع بن عرفطة‏.‏فلما سار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تخلف عبد الله بن أبي ومن كان معه وتخلف نفر من المسلمين من غير شك ولا ارتياب منهم كعب بن مالك هلال بن أمية ومرارة بن الربيع وأبو خيثمة السالمي وأبو ذر الغفاري‏.‏ وقيل بلغ جيش السلمين بقيادة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ثلاثين ألفاً من الناس والخيل عشرة آلاف فرس وأقام بها عشرين ليلة يصلي ركعتين ولحقه بها أبو خيثمة السالمي وأبو ذر بينما كان هرقل وجيشه ( بحمص)‏.‏ ويذكر ابن إسحاق في روايته أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عندما أراد الخروج خلف علي بن أبي طالب على أهله فأرجف به المنافقون وقالوا ما خلفه إلا استثقالاً وتخفيفاً منه فأخذ علي سلاحه ثم خرج حتى أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو نازل ب(الجرف) فقال: - يا نبي الله زعم المنافقون أنك إنما خلفتني أنك استثقلتني وتخففت مني. - فقال صلى الله عليه وسلم لعلي : ‏(‏ كذبوا ولكني خلفتك لما تركت ورائي فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك أفلا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ‏).‏ فرجع علي الى المدينة ثم إن أبا خيثمة رجع - بعد أن سار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم -أياماً إلى أهله في يوم حار فوجد امرأتين في عريشين لهما في حائطه قد رشت كل واحدة منهما عريشها وبردت له فيها ماءً وهيأت له فيه طعاماً فلما دخل قام على باب العريش فنظر إلى امرأتيه وما صنعتا له فقال : - رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الضح والريح والحر وأبو خيثمة في ظل بارد وطعام مهيأ وامرأة حسناء ما هذا بالنصف - ثم قال والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلّى الله عليه وسلّم فهيآ لي زاداً . ففعلتا ثم قدم ناضحه فارتحله ثم خرج في طلب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى أدركه حين نزل( تبوك) وقد كان أدرك أبا خيثمة عمير بن وهب الجمحي في الطريق يطلب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فترافقا حتى إذا دنوا من( تبوك) قال أبو خيثمة لعمير ابن وهب: - إن لي ذنباً فلا عليك أن تخلف عني حتى آتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ففعل حتى إذا دنا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو نازل ب(تبوك) قال الناس هذا راكب على الطريق مقبل فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ‏: - ( كن أبا خيثمة ‏) - ‏ قالوا يا رسول الله هو والله أبو خيثمة . فلما أناخ أقبل فسلم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ‏ -( أولى لك يا أبا خيثمة ‏)‏ ثم أخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الخبر فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ‏(‏ خيراً ‏) ودعا له بخير ولما مر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ب(الحجر وهي ديار ثمود ) قال ‏لجنده: -(‏ لاتدخلوا على هؤلاء القوم المعذبين الاان تكونوا باكين فان لم تكونوا ياكين فلا تدخلوا عليهم كي لايصيبكم مثل ما اصابهم و لا تشربوا من مائها شيئاً ولا تتوضئوأ منه للصلاة وما كان عجين عجنتموه فاعلفوه الإبل ولا تأكلوا منها شيئا ً ولا يخرجن أحد منكم الليلة إلا ومعه صاحب له ‏)‏ وامرهم ان يهرقوا الماء الذي حملوه منها وان يستقوا من البئر التي كانت تشرب منه ناقة صالح عليه والسلام . ففعل الناس إلا أن رجلين من بني ساعدة خرج أحدهما لحاجته وخرج الآخر في طلب بعيره فأما الذي خرج لحاجته فإنه خنق على مذهبه‏ وأما الذي ذهب في طلب بعيره فاحتملته الريح حتى طرحته بجبلي( طيء) فأخبر بذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم - فقال ‏( ألم أنهكم أن يخرج أحد منكم إلا ومعه صاحبه ‏)‏ ثم دعا للذي خنق على مذهبه فشفي‏.‏ وأما الآخر الذي وقع بجبلي طيء فإن طيئاً أهدته لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين قدم المدينة‏. أنه قال لما من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ب(الحجر) سجى ثوبه على وجهه واستحث راحلته ثم قال: - ‏(‏ لا تدخلوا بيوت الذين ظلموا إلا وأنتم باكون خوفاً أن يصيبكم ما أصابهم ‏)‏‏.‏ وفي رواية اخرى فلما أصبح الناس ولا ماء معهم شكوا ذلك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأرسل الله سبحانه وتعالى سحابة فأمطرت حتى ارتوى الناس واحتملوا حاجتهم من الماء . ثم إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سار حتى كان ببعض الطريق ضلت ناقته فقال زيد بن اللصيت وكان منافقاً : - أليس محمد يزعم أنه نبي ويخبركم عن خبر السماء وهو لا يدري أين ناقته فقال النبي صلى الله عليه وسلم: - (‏ إن رجلاً يقول ‏-- ذاكرا مقولته ‏- وإني والله لا أعلم إلا ما علمني الله وقد دلني الله عليها وهي في الوادي في شعب كذا وكذا قد حبستها شجرة بزمامها فانطلقوا حتى تأتوني بها ‏)‏ - فذهبوا فجاؤوه بها ثم مضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجعل يتخلف عنه الرجل فيقولون تخلف فلان فيقول ‏: - ( دعوه فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه ‏)‏‏.‏ - وقيل تاخر ابو ذر الغفاري فلما أبطأ عليه أخذ متاعه فحمله على ظهره ثم خرج يتبع أثر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ماشياً ونزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بعض منازله فنظر ناظر من المسلمين فقال يا رسول الله إن هذا الرجل يمشي على الطريق وحده فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ‏: (‏ كن أبا ذر ‏) ‏ فلما تأمله القوم قالوا: - يا رسول الله هو والله أبو ذر فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ‏ - ‏ (رحم الله أبا ذر يمشي ويموت وحده ويبعث وحده ‏)‏‏.‏ فكان كما قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فيه فلما نفى عثمان بن عفان أبا ذر إلى (الربذة) وأصابه بها قدره لم يكن معه أحد إلا امرأته وغلامه فأوصاهما أن يغسلاه ويكفناه ثم يضعانه على قارعة الطريق فاذا مر أول ركب يمر بهم يقولوا هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأعينونا على دفنه فلما مات فعلا ذلك به وأقبل عبد الله بن مسعود في رهط من أهل العراق عمار فلم يرعهم إلا بالجنازة على ظهر الطريق قد كادت الإبل تطأها وقام إليهم الغلام فقال : -هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأعينونا على دفنه . قال فاستهل عبد الله يبكي ويقول: صدق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ‏اذ تمشي وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك ‏ يا ابا ذر .‏ ثم نزل هو وأصحابه فواروه الثرى ثم حدثهم عبد الله بن مسعود حديثه وما قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مسيره إلى( تبوك) وقد كان رهط من المنافقين منهم وديعة بن ثابت أخو بني عمرو بن عوف‏.‏ومنهم رجل من أشجع حليف لبني سلمة يقال له مخشن بن حمير يشيرون إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو منطلق إلى( تبوك )فقال بعضهم لبعض: - أتحسبون جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضاً والله لكأنكم غداً مقرنين في الحبال. وكانو ا يقولون ذلك إرجافاً وترهيباً للمؤمنين فقال مخشن بن حمير: - والله لوددت أني أقاضى على أن يضرب كل منا مائة جلدة وأنا ننفلت أن ينزل فينا قرآنا لمقالتكم هذه وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعمار بن ياسر ‏: - (‏ أدرك القوم فإنهم قد احترقوا فسلهم عما قالوا فإن أنكروا فقل بلى قلتم كذا وكذا ‏) فانطلق إليهم عمار فقال ذلك لهم فأتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعتذرون إليه فقال وديعة بن ثابت إنما كنا نخوض ونلعب فأنزل الله فيهم قوله تعالى : - ‏( ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب ‏)‏ - وقال مخشن بن حمير: -والله يا رسول الله قعد بي اسمي واسم أبي فكان هو الذي عفى عنه في هذه الآية فتسمى عبد الرحمن وسأل الله أن يقتله شهيداً لا يعلم بمكانه فقتل يوم اليمامة فلم يوجد له أثر‏.‏ وذكر ابن عائذ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نزل بئر (تبوك) في وقت قل ماؤها فيه فاغترف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غرفة بيده من ماء فمضمض بها فاه ثم نفثه فيها ففارت عينها حتى امتلأت فهي كذلك حتى الساعة‏.‏ ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الى( تبوك )اتاه صاحب (ايلة ) فصالحه واعطاه الجزية واتاه اهل( جوبا) و(اذرح) كذلك فاعطوه الجزية وكتب لهم كتابا فهو عندهم. ثم بعث خالد بن الوليد الى اكيدر في( دومة الجندل ) في اربعمائة وعشرين فارسا وقال له : - (انت تجده يصيد البقر ) فخرج خالد حتى فخرج خالد حتى اذا صبح قريبا من حصنه على مرأي العين وكانت الليلة مقمرة – وهو على سطح قصره- فبانت البقر تحك بقرونها بباب القصر فقالت له امراته : - هل رايت مثل هذا قط ؟؟؟ - فقال لها لا والله . - قالت فمن يترك مثل هذه ؟؟ - قال : لا احد. - ثم نزل بفرسه فاسرج له فرسه وركب معه نفر من اهل بيته فلما خرجوا قليلا تلقتهم خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيادة خالد فاخذته وقتل اخاه فجاء به خالد الى النبي صلى الله عليه وسلم فحقن دمه وصالحه على الجزية وفي رواية اخرى صالحه عل ى الفي بعير وثلاثمائة راس واربعمائة درع واربعمائة رمح واقر باعطاء الجزية على قضية ايلة وميناء ثم اخلى سبيله فرجع الى قريته . و حدث محمد بن ابراهيم بن الحارث التميمي عن ابن مسعود قال : ( قمت في جوف الليل وانا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فرايت شعلة من نار في ناحية العسكر فاتبعتها انظر اليها فاذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وابو بكر الصديق وعمر بن الخطاب واذا عبد الله ذو البجادين المزني – والبجاد يعني الكساء الاسود- قد مات واذا هم قد حفروا له ورسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته وابو بكر وعمر يدليانه اليه وهو يقول : - ( ادليا الي اخاكما ) فادلياه اليه فلما هياءه لشقه قال : -( اللهم اني قد امسيت راضيا عنه فارض عنه ) فقال قال ابن مسعود :( يالتني كنت صاحب الحفر ة )) واقا م النبي صلى الله عليه وسلم في (تبوك) بضعة عشر ليلة ثم انصرف قافلا الى المدينةالمنورة ************************************************** شذرات من السيرة النبوية المعطرة 37 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله : اقبل النبي صلى الله عليه وسلم من( تبوك ) حتى كان بينه وبين المدينة ساعة من وقت جاءه اصحاب مسجد الضرار وكانوا قد جاؤوا من اليه عندما كان يتجهز الى غزوة ( تبوك) فقالوا له : - يارسول الله انا بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة وانا نحب ان تصلي فيه . فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : ( اني على جناح سفر ولو قدمنا انشاء الله لأتيناكم ) فلما عاد من تبوك ووصل الى ( ذي اوان ) جاءه خبر المسجد من السماء اذ جاءه جبريل عليه السلام فاخبره بخبر المسجد ونية الذين بنوه من المنافقين فدعا مالك بن الدخشم ومعن بن عدي فقال لهما : ( انطلقا الى هذا المسجد الظالم اهله فاهدماه واحرقاه ) فخرجا مسرعين حتى ا تيا بني سالم بن عوف – وهم رهط مالك بن الدخشم فقال لمعن: - انظرني حتى اخرج اليك بنار من اهلي . فدخل الى اهله فاخذ سعفا من النخل فاشعل فيه نارا ثم خرجا يشتدان حتى دخلا المسجد وفيه اهله فأحرقاه ثم هدماه فانزل الله تعالى: ( والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وارصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن ان اردنا الا الحسنى والله يشهد انهم لكاذبون * لاتقم فيه ابدا لمسجد اسس على التقوى من اول يوم احق ان تقوم فيه فيه رجال يحبون ان يطّهروا والله يحب المطهرين *) التوبة الايتان\107 و108 والذين بنوا المسجد هم من الانصار فقال لهم ابو عامرالفاسق : - ابنوا مسجدكم واستعدوا ما استطعتم من قوة ومن سلاح فاني ذاهب الى قيصر الروم فآت بجند الروم فاخرج محمد ا واصحابه. فلما اتموا بناءه اتوا الى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له : - انا فرغنا من بناء المسجد ونحب ان تصلي فيه وتدعو لنا بالبركة فانزل الله تعالى الايتان اعلاه ولما دنا النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة وكان رجوعه اليها في اوائل رجب من السنة التاسعة للهجرة المباركة خرج الناس للقائه مع النساء والصبيان والاولاد وهم يتغنون: طلع الفجر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكلا علينا ما دعا لله داع وبعد رجوعه الى المدينة توفي النجاشي ملك الحبشة واسمه( اصحمة بن الابجر) فلما وصل الخبر صلى النبي صلى الله عليه وسلم عليه صلاة الغائب في المدينة المنورة ثم توفيت ابنته ام كلثوم في شهر شعبان من نفس السنة فصلى عليها ودعنت في (البقيع) وحزن النبي صلى الله عليه وسلم عليها حزنا شديدا وقال لعثمان بن عفان ( لوكان عندي ابنة ثالثة لزوجتكها ) وقيل توفي في ذي القعدة من نفس السنة راس المانافقين عبد الله بن ابي سلول لقد كانت ( غزوة تبوك ) اخر غزوة قادها النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه وانزل فيها سورة براءة ( التوبة ) وكانت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم تسمى ( المبعثرة ) لما كشفت من اسرار المنافقين وما اضمروه في قلوبهم المريضة وقد فضحهم الله تعالى فيها كما تحدث فيها عن قصص كثيرة رافقت هذه الغزوة منها قصة تخلف كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن امية الثقفي ممن شهدوا معركة (بدر) بدون عذر فلما عاد النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة فجاء المعذرون من الاعراب من المنافقين يحلفون انهم كانوا معذورين . فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وارجأ كعب بن مالك وصاحبيه حتى انزل الله في شأنهم وفي توبتهم وكانوا من خيرة المؤمنين قال الله تعالى : ( لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والانصارالذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم انه بهم لرؤوف رحيم * وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى اذا ضاقت عليهم الارض بما رحبت وضاقت عليهم انفسهم وظنوا ان لا ملجا من الله الا اليه ثم تاب الله عليهم ليتوبوا ان الله هو التواب الرحيم * ) التوبة الايتان\ 117 و118 فقد خلفهم الله تعالى واخر توبتهم ليمحصهم ويطهرهم من ذنب تاخرهم عن المعركة لانهم كانوا صادقين . ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة ( تبوك) واسلام ( ثقيف ) ضربت الى النبي صلى الله عليه وسلم اكباد الابل تحمل وفود العرب من كل وجه وصوب في السنة التاسعة للهجرة المباركة والتي سميت( سنة الوفود) وبعد ان كانت العرب تتربص في الاسلام الدوائر للقضاء عليه بدءا من قريش في داخل مكة المكرمة وذلك ان قريش كانوا ائمة الناس وهداتهم واهل البيت والحرم وصريح ولد اسماعيل عليه السلام وكل قادة العرب لا ينكرون ذلك . فقد كانت قريش هي التي نصبت وهيأت لحرب النبي محمد صلى الله عليه وسلم . ولما فتحت مكة المكرمة على يد النبي صلى الله عليه وسلم دانت قريش له تبين للعرب ان لا طاقة لهم بمحاربة النبي صلى الله عليه وسلم ولا عداوته مما اضطرهم للانصياع للامر الواقع في تابعيته وبدء العرب يدخلون في الاسلام افواجا افواجا كما جاء في سورة النصر: ( اذا جاء نصرالله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله افواجا * فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا *) ومن هذه الوفود وفد طيئ فقد قدم الى النبي وفدها وفيهم زيد الخيل وكان هو سيدهم فعرض عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الاسلام فدخلوا فيه وحسن اسلامهم وقال ابن اسحاق : - حدثني رجال من طيئ ممن لا اتهمهم في شيء يعني صادقين ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : - ( ما ذكر لي رجل من العرب بفضل من ثم جاءني الا رأيته دون ما يقال فيه الا زيد الخيل فانه لم يبلغ كل ما فيه ) ثم اطلق النبي صلى الله عليه وسلم لقب ب( زيد الخير ) بدلا من( زيد الخيل ) وقد اقطعه ( فيدا ) وارضين معه وكتب له بذلك كتابا . وقد خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا الى قومه فلما وصل الى ( فردة ) وهي مياه في نجد اصابته الحمى فمات فعمدت امرأته الى ماكان معه من الكتب التي اقطع له بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فحرقتها بالنار . ثم قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وفد عبد القيس وكانوةا من سكان شرق الجزيرة العربية وكانوا اول من اسلم من خارج المدينة وكانوا قد وفدو على النبي صلىالله عليه وسلم مرتين الاولى في السنة الخامسة للهجرة المباركة في ثلاثة عشرا نفرا فلما وصلوا المدينة وراءوا النبي صلىالله عليه وسلم رموا بانفسهم من ركائبهم بباب المسجد النبوي وتبادروا بالسلام على الحبيب المصطفى صلىالله عليه وسلم وكان فيهم عبد الله بن الاشج . فتخلف عنهم عند الركائب حتى اناخها وجمع المتاع ثم اخرج ثوبين فلبسهما ثم جاء يمشي على مهل ثم سلم على رسول الله فقاله له النبي صلى الله عليه وسلم( ان فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله الحلم والاناة ) كان النبي قد حدث اصحابه انه قائلا: - (سيطلع عليهم اليوم وفد خير من اهل الشرق ولم يكرهوا الاسلام وقد انضوا الركاب وافنوا الزاد اللهم اغفر لعبد القيس ) فلما وصلوا قال لهم النبي صلى الله عليه سلم: - ( مرحبا بكم غير خزايا ولا ندامى ) فسالوه عن الاسلام واركانه وماذا يعملون به وماذا يبلغون منهم وراءهم اذا رجعوا اليهم فامرهم النبي صلى الله عليه وسلم بما يلي وكان الحج لم يفرض بعد : الاول : شهادة لااله الا الله وان محمد رسول الله الثاني : اقامة الصلاة في اوقاتها وشروطها والثالث: ويتاء الزكاة . والرابع: صيام شهر رمضا ن والخامس : ان يعطوا من كل مغنم الخمس . كما نهاهم الخمر والميسر التي كانوا يكثرون فيها . اما في الوفادة الاخيرة فكانت فيها الجارود وكان على دين المسيحية ( نصراني ) فلما مثل بين يدي الحبيب المصطفى قا ل له : - يارسول الله اني على ديني واني تارك ديني لدينك فتضمن لي بما فيه؟؟ قال له النبي صلى الله عليه وسلم : - ( نعم . انا ضامن لذلك ان الذي ادعوك اليه خير من الذي كنت عليه) فاسلم الرجل واسلم اصحابه معه وكان حسن الاسلام شديد في دينه حتى مات وكان قد ادرك الردة عن الاسلام التي حدثت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث العلاء بن الحضرمي- قبل فتح مكة – الى المنذر بن ساوي العبدي فاسلم وحسن اسلامه وكان المنذر يعتبر العلاء بن الحضرمي رسول النبي صلى الله عليه وسلم على البحرين وقد مات المنذر العبدي بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وردة اهل البحرين . ومن الوفود التي قدمت على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وفد بني حنيفة من اليمامة وفيهم مسلمة الكذاب فقد جاؤوا اليه وتركوا مسيلمة الكذاب في حراسة رحالهم وفي رواية اخرى نزلوا في بيت رجل من الانصار فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم الى الاسلام فاسلموا جميعا وذكروا مكان مسيلمة الى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: - يارسول الله انا خلفنا صاحبا لنا في رحالنا يحفها لنا فامر له النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ما امر لقومه وقال : - ( اما انه ليس بشركم مكانا ) يعني لحفظه ضيعة اصحابه وفي رواية اخرى ان اللنبي صلى الله عليه وسلم راى في المنام انه اوتي بخزائن الارض فلاقع في يديه سواران من ذهب فكبرا عليه فاوحي اليه ان انفخهما فنفخهما فذهبا فاول النبي صلى الله عليه وسلم ان كذابين من بعده سيخرجان ثم يزولان كما ذهب السوران بنفخه عليهما . ثم انصرفوا فلما وصلوا الى اليمامة ارتد مسيلمة عن الاسلام وادعى النبوة وقال : - اني اشركت في الامر معه . ثم قال للوفد معه : - ا لم يقل لكم ( انه ليس بشركم مكانا ؟) ما ذاك الا لما كان يعلم اني اشركت في الامر معه. ثم اخذ يسجع لهم سجعات مضاهاة للايات القران الكريم وكذلك كان يشهد للنبي صلى الله عليه وسلم بالنبوة الا انه يضع نفسه في امره شريكا . وقد تجرأ فكتب الى النبي صلى الله عليه وسلم كتابا في ذلك ارسله صحبة رجلين من جماعته : - من مسيلمة رسول الله الى محمد رسول الله اما بعد فاني اشركت في الامر معك وان لنا نصف الارض ولقريش النصف ولكن قريشا لا يعدلون . - فكتب اليه النبي صلى الله عليه وسلم : ( من محمد رسول الله الى مسيلمة الكذاب السلام على من اتبع الهدى اما بعد فان الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ). وقال النبي صلى الله عليه وسلم للرجلين اللذين اتيا بكتاب مسيلمة الى النبي صلى الله عليه وسلم : - ( ما تقولان انتما ؟؟ ) فقالا : نقول كما قال . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : -( اما والله لولا ان الرسل لا تقتل لضربت لاقابكما ). فرجعا بالكتاب الى مسيلمه واخبراه الخبر بقي مسيلمة يدعي الاشتراك مع النبي صلى الله عليه وسلم في نبوته فلفق سجعات كان ياتي بها واحل لقومه الزنا والخمر وافتتن به قومه فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم زاد في دعواه افتتن به قومه اكثر فارسل له ابو بكرالصديق جيشا بقيادة خالد بن الوليد في معارك شديدة بين المسلمين وبينه وقومه من المرتدين حتى قتل وكان قاتل مسليمة الكذاب هو وحشي بن حرب قاتل الحمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم . ********************************** شذرات من السيرة النبوية المعطرة 38 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله : كان العرب اغلبهم يزعمون انهم على دين ابراهيم الخليل عليه السلام وكانوا يتمسكون بالشعائر التي كانت في دين ابراهيم عليه السلام ومنها حج بين الله الحرام فكانوا يقيمون الحج في كل عام في موسمه المعتاد في ذي الحجة وكانوا قد ادخلوا بعض البدع والتغييرات فيه فلما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة في السنة الثامنة للهجرة المباركة جعل عليها اعتاب بن اسيد فلما كان موعد الحج حج المسلمون معه والمشركون كما كانوا يحجون في الجاهلية بدون تغيير في شعائرالحج . اما في العام القابل وهو عام السنة التاسعة للهجرة المباركة فقد ارسل النبي صلى الله عليه وسلم ابا بكر الصديق اميرا على الحج ليقيم مناسك الحج فيهم . فخرج من المدينة المنورة في ذي القعدة ومعه ثلاثمائة من المسلمين قاصدين بيت الله الحرام بقصد الحج ومعه ايضا عشرين بدنة وسمها النبي وخمس لنفسه اي معه خمس وعشرين بدنة . ثم ارسل النبي صلى الله عليه وسلم علي بن ابي طالب ليبلغ الناس ماجاء في سورة( التوبة ) من نبذ للعهود التي كانت بين المسلمين والمشركين الا ان المشركين قطعوها وان يمهلهم اربعة اشهر يسيحون خلالها في الارض كيفما يشاؤون ويختارون حتى يعلموا انهم غير معجزي الله وان الله مخزي الكافرين كما يبلغ المسلمين باتمام العهود الى مدتها للمشركين الذين لم ينقضوا عهودهم من قبل الى نهاية مدتها . فلما وصل علي بن ابي طالب الى مكة وهو ب(العرج) قال له ابو بكر الصديق: امير ام مامور ؟؟ فاجاب علي بن ابي طالب : مامور . فكان يصلي خلف ابي بكر الصديق واقام ابو بكرالصديق للناس حجهم فلما كان يوم النحر قام علي بن ابي طالب عند الجمرة فقرا اوائل سورة (التوبة) وما فيها ما سبق من عهود ونبذها او الامهال فيها او اتمام مدتها اي كانت وفق ماجاء بالسورة المباركة. ثم بعث ابو بكرالصديق رجالا ينادون : الا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف في البيت احد عريا ن . ومن كان له عهد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الى مدته . وبعد انتهاء موسم الحج عادوا الى المدينة المنورة ومن الوفو د التي قدمت وفد ضمام بن ثعلبة فقد كان رجل من بني سعد بن بكر وكان جافيا شديدا من اهل البادية وكان قد ضفر شعره جديلتين فلما وصل المدينة نزل بباب المسجد النبوي واناخ بعيره في داخل المسجد ثم عقله ثم قال للحاضرين : ايكم ابن عبد المطلب ؟؟ فاشاروا الى النبي صلى الله عليه وسلم فدنا منه وقال له: - يامحمد اني سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تجد علي في نفسك - فقال النبي صلى الله عليه وسلم :( سل ما بدا لك ) - قال : اتانا رسولك فزعم لنا انك تزعم ان الله ارسلك؟ - فقال النبي :( صدق ) - قال : فمن خلق السماء؟؟ - قال النبي ( الله ) - قال : فمن خلق الارض؟ - قال النبي : الله - قال: فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ماجعل ؟ - قال النبي ( الله ) - قال : فبالذي خلق السماء وخلق الارض ونصب الجبال االله ارسلك ؟ - قال النبي ( نعم) - قال : وزعم رسولك ان علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا؟ - قال النبي : ( صدق ) - قال : فبالذي ارسلك االله امرك بهذا ؟ - قال النبي ( نعم ) - قال: وزعم رسولك ان علينا زكاة في اموالنا ؟ - قال النبي : ( صدق) - قال فبالذي ارسلم االله امرك بهذا؟ - قال النبي : ( نعم ) - قال : وزعم رسولك ان علينا صوم شهر رمضان في سنتنا ؟ - قال النبي :( نعم ) - قال فبالذي ارسلك الله امرك بهذا ؟؟ - قال النبي ( نعم ) - قال وزعم رسولك ان علينا حج البيت من استطاع اليه سبيلا ؟ - قال النبي ( صدق ) - قال فبالذي ارسلك االله امرك بهذا؟ - قال النبي ( نعم ) ثم قال ضمام : والذي بعثك بالحق لا ازيد عليهن ولا انقص منهن ثم ولى مسرعا فقال النبي : ( لئن صدق ليدخلن الجنة) ولما عاد الى قومه عاد مسلما وقد خلع الانداد واخبرهم بما امرهم به ونهاهم عنه النبي صلى الله عليه وسلم فما بقي من قومه رجل ولا امراة الا اسلم واعلنوا اسلامهم جميعا . وقد م الى النبي صلى الله عليه وسلم في محرم الحرام من السنة التاسعة للهجرة المباركة عشرة رجال من بني اسد بن خزيمة في المسجد النبوي وكان الانبي صلى الله عليه وسلم مع اصحابه فيه فقال احدهم : - يارسول الله انا شهدنا ان الله وحده لا شريك به ولانك عبده ورسوله وجئناك يارسول الله ولم تبعث الينا بعثا فاسلمنا ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان ونحن لمن وراءنا سلم . فانزل الله تعالى ( يمنون عليك ان اسلموا قل لا تمنوا علي اسلامكم بل الله يمن عليكم ان هداكم للايمان ان كنتم صادقين .) سورة الحجرات الاية \17 وسالوه عما كانوا يعملونه في الجاهلية فيضرب الحصباء و زجر الطير وهو ما يسمى العيافة ومايفعلونه من الكهانة فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم .ثم سالوه عن ضرب الرمل وهو معرفة الحظ والمستقبل فيه فقال لهم صلى الله عليه وسلم : -( علمه نبي فمن صادف مثل علمه فذاك والا فلا ) ومن المعروف ان مثل هذه المصادفة مستحيلة . وان كل هذه الامور تخرص في الغيب وافتراء على الله تعالى . وقد بقي هذا الوفد في المدينة عدة ايام يتعلمون اركان الاسلام وفرائضه ثم اجازهم النبي واجزل هداياهم وعادوا الى قومهم مهتدين . وفي شهر صفر قدم وفد بني عذرة في اثني عشر فارسا الى المدينة ولما حضروا الى النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد النبوي فاسلمواجميعا ذكروا قرابتهم من قصي ( من اجداد النبي صلى الله عليه وسلم ) وكيف كان اجدادهم ينصرونه على قبائل كلب وخزاعة واخراجهم من مكة ابقائها في ايدي قصي حيث ان قبيلة غبشان الخزاعية وليت البيت الحرام بدون منافس وقريش كانت ضعيفة ( حلول وصروم وبيوتات ) غير مجتمعه فتزوج قصي من امراة منهم فلما عظم شان قصي راى انه اولى بالكعبة فاجتمع برجال قريش فاخذها بعد معارك ساعده فيها قبائل عذرة على خزاعة وبكر فاجابوه لما اراد فاصبح واليا على الكعبة فرحب بهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم بشرهم بفتح الشام . وقد نهاهم ايضا عن الكهانة والعرافة والذبح على النصب وكانوا قد اسلموا جميعا فاقاموا اياما بالمدينة المنورة يتعلمون امور دينهم ثم رجعوا مهتدين مهديين الى بلادهم . وعلى اثرهم قدم وفد وبلي في ربيع الاول فاسلموا واقاموا ثلاثة ايام في المدينة ثم رجعوا الى ديارهم راشدين . اما قبيلة كندة فقد وفد منها فرع تجيب وقد جاء هؤلاء القوم مسلمين وجاؤوا بصدقات قبيلتهم بعد ان اتموا توزيع حصة الفقراء من ابناء قبيلتهم منها وقد اظهر النبي صلى الله عليه وسلم السرور بهم وبفعلهم واكرمهم ايما اكرام وفيهم قال ابو بكرالصديق: - ما قدم علينا وفد من العرب مثل هذا - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: - ( ان الهدى بيد الله فمن اراد به خيرا شرح صدره للايمان ) وقد مكثوا عدة ايام في المدينة يتعلمون القران الكريم والسنن فلما ارادوا العودة الى ديارهم اجازهم النبي صلى الله عليه وسلم بافضل ماكان يجيز الوفود القادمة اليه ثم سالهم ان كان احد بقي منهم لم يجزه فقالوا: - بقي لنا غلام تركناه في رحالنا وهو احدثنا سنا . - فقا النبي صلى الله عليه وسلم: - ( ارسلوه) فلما اقبل قال : - يارسول الله انا من الرهط الذين اتوك ى انفا فقضيت حاجتهم فاقض حاجتي . - قال النبي صلى الله عليه وسلم له: - ( وما حاجتك ؟) - قال : ان تسال الله ان يغفرلي ويرحمني ويجعل غناي في قلبي. فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم بما اراد وامر له بجائزة بمثل جوائز اصحابه . فكان هذا الغلام اقنع جماعته وافهمهم وقد ثبت عندما حدثت الردة في الاسلام فكان داعية لهم على الثبات والايمان فثبتوا ولم ترتد قبيلتهم . ومن الوفود التي جاءت الى النبي صلى الله عليه وسلم وفد نجران - ونجران منطقة كبيرة على حدود اليمن مقدارها مسيرة يوم للراكب في السير السريع وفيها ثلاثة وسبعين وفيها مائة الف فارس مقاتل وجميعهم نصارى - فقد كتب النبي صلى الله عليه وسلم الى اسقف نجران يدعوه والنجرانيين يدعوهم الى الاسلام فلما وصل كتابه وقراه الاسقف فزع وارتجف واستشار جماعته ومن حوله وشعب نجران واخلصوا واستقر رايهم على ارسال وفد متكون من ستين رجلا الى المدينة المنورة للتفاوض مع النبي صلى الله عليه وسلم . فجاؤو اليه لابسين افخر الحلل الحريرية وخواتم من ذهب فلما وصوا لم يكلمهم النبي صلى الله عليه . فاشار بعض الصحابة ان ييبدلوا ملابسهم بملا بس بسيطة وينزعوا خواتيمهم فلما فعلوا ذلك تحدث اليهم النبي صلى الله عليه وسلم ودعاهم للاسلام فلم يوافقوا وقالوا : - كنا مسلمين قبلكم . فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : -( يمنعكم عن الاسلام ثلاث: عبادتكم الصليب و واكلكم لحم الخنزير و وزعمكم ان لله ولدا ) هو عيسى بن مريم عليه السلام . فقالوا : من مثل عيسى ؟؟ خلق من غير اب فانزل الله تعالى: -( ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال كن فيكون * الحق من ربك فلا تكن من الممترين * فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله عل ى الكاذبين *) ال عمران 59-61 فتلاها النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ودعاهم الى المباهلة فطلبوا منه مدة للتشاور بينهم فقالوا بينهم : - ان كان نبيا ولا عناه لا يبقى منا شعر ولاظفر الا هلك . ثم وافقوا على دفع الجزية ومقدارها الف حلة في صفر والف حلة في رجب مع كل حلية اوقية وجعل لهم الامان والذمة والحرية في الشعائر الدينية ثم قالوا : - ارسل معنا رجلا امينا لاستلام الجزية فكلف النبي صلى الله عليه وسلم ابا عبيدة عامر بن الجراح معهم لذا كني ب(امين الامة) وقد اسلم اثنان منهم عند عودتهم الى نجران ثم انتشر بينهم الاسلام لحد ما شمل الجميع - اما قبيلة فزارة فقد قدم وفد فزارة وهو متكون من بضعة عشرة فارسا وجاؤوا مقرين بالاسلام فرحب بهم النبي صلى الله عليه وسلم وسالهم عن بلادهم فشكوا جدبها وضعفهم ورجوه ان يدعو الله لهم فقالوا : - فادع الله لنا ربك يغيثنا واشفع لنا الى ربك وليشفع لنا ربك اليك. - فقال النبي صلى الله عليه وسلم : - ( سبحان الله ويلكم هذا انا اشفع الى ربي فمن ذا الذي يشفع ربنا اليه ؟؟ لا اله الا هو العلي العظيم وسع كرسيه السموات والارض فهي تئط من عظمته وجلاله كما يئط الرحل الحديث ) ثم صعد المنبر ودعا الله تعالى فنزل الغيث غزيرا فربعت الارض وازدهرت وعمتهم رحمة الله تعالى . ووفد على النبي بنوعامر بن صعصعة وكان فيهم اربد بن قيس وجابر بن اسلم وعامر بن الطفيل الذي غدر بالمسلمين يوم غزوة ( بئر معونة) وكان الثلاثة رؤساء قومهم وشياطينهم ودهاتهم وقد تآمر عامر بن الطفيل واربد بن قيس على قتل النبي صلى الله عليه وسلم غيلة . فلمال وصلوا المدينة دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم الى الاسلام فقال عامر بن الطفيل وهو متكلم الوفد : - اخيرك بين ثلاث خصال: الاولى ان يكون لك اهل السهل ولي اهل المدر والثانية او ان اكون خليفتك من بعدك والثالثة فان لم توافق اغزوك بغطفان بالفاشقر والف شقراء فرفض النبي صلى الله عليه وسلم هذه الاختيارات وقال : -( اللهم اكفني عامرا واهد قومه ) وبينما كان عامر يكلم النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتكلم معهم تحرك اربد وصار خلف النبي صلى الله عليه وسلم واستل سيفه في قرابه قدر شبر فشل الله يده فلم يستطع ان يخرجه من القراب . ورجعوا خائبين. ولما كانوا بطريق العودة الى ديارهم نزل عامر عند امرأة من قومه من بني سلول فنام في بيتها فاصيب بالطاعون وظهرت في خده غدة كبيرة فلما اصبح لاحظ ذلك فكان يقول عن نفسه : - اغدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية... ااتوني بفرسي فلما ركب عليها خرجت روحه من جسده . اما اربد فارسل الله عليه صاعقة فاحرقته وبعيره في الطريق . وقد نزل في القران الكريم: ( ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال ) سورة الرعد الاية \ 13 وكان في الوفد مؤثلة بن جميل العامري فاسلم فبايعه النبي صلى الله عليه وسلم فساق ابله الى رسو ل الله صلى الله عليه وسلم فصدقها بنت لبون وعاش اكثر من مائة وعشرين سنة منها عشرين في الجاهلية قبل اسلامه ومائة في اسلامه وكان يلقب ب( ذي اللسانين ) لفصاحته . اما وفد الطائف فقد وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان من السنة التاسعة للهجرة المباركة فقد بعثوا عبد ياليل ومعه خمسة من اشراف الطائف فلما وصلوا المدينة ضرب عليهم النبي صلى الله عليه وسلم قبة في ناحية المسجد ليسمعهم القران الكريم وهو يتلى في المسجد النبوي ويرون الناس اذا جاؤوا اليه ومكث الوفد مدة يختلفون الى النبي صلى الله عليه وسلم ويدعوهم الى الاسلام وهم لا يسلمون وقد طلبوا شروطا لاسلامهم منها : 1- السماح لهم بالزنا 2- السماح لهم بشرب الخمر و اكل الربا 3- اعفاؤهم من الصلاة 4- عدم تحطيم اصنامهم بايديهم . فرفض النبي صلى الله عليه وسلم كل ذلك ثم اخيرا رضخوا للامرالواقع فاسلموا بشرط ان يقوم النبي صلى الله عليه وسلم بهدم ( اللات ) وهو صنمهم كما مر في هذه الشذرات . وكان فيهم عثمان بن ابي العاص اصغرهم سنا فكانوا يخلفونه في رحالهم فكان اذا رجعوا الى رحالهم يذهب الى النبي صلى الله عليه وسلم فيسمع القران الكريم منه وفي بعض الاوقات يجده نائما فيستمع اليه من ابي بكر الصديق حتى حفظ الكثيرمنه واصحابه لايعلمون به فلما اسلمو ا جعله النبي صلى الله عليه وسلم اميرا عليهم لما استحفظ من كتاب الله ولحرصه على الاسلام وثباته في قلبه . فلما رجع الوفد الى الطائف كتموا اسلامهم وخوفوا قومهم من الحرب والقتال وقوة المسلمين فاستعد القوم لقتال المسلمين ومكثوا يستعدون يومين او ثلاثة ايام فالقى الله الرعب في قلوبهم ثم طلب اهل الطائف من رجال الوفد ان يعودوا لوفادتهم فيعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اراد فقال لهم رجال الوفد : - لقد قاضيناه واسلمنا . - وبهذا اسلمت ثقيف و قد بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة الثقفي في رجال الى الطائف لهدم( اللات ) فهدموها كما اسلفنا سابقا . ثم جاء وفد قبيلة همدان الى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وهمدان احدى القبائل اليمنية المعروفة والكبيرة وكان ضمن الوفد الشاعر مالك بن النمط فلما حضروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم انشد قائلا: حلفت برب الر اقصات الى منى صوادر بالركبان من هضب قر دد بان رسول الله فينا مصدق رسول اتى من عند ذي العرش مهتد فما حملت من ناقة فوق رحلها اشد على اعدائه من محمد فكتب لهم النبي صلى الله عليه وسلم كتابا واقطعهم فيه ما ارادوه وما سالوه ثم ولى الشاعر مالك بن النمط على من اسلم من قومه . وهكذا توافد القبائل العربية وفودها على النبي صلى الله عليه وسلم من كل ارجاء الجزيرة وقيل وفد عليه اكثر من سبعين وفدا اكرمهم بعد اسلامهم وعادوا الى قبائلهم دعاة للسلام والاسلام . ********************************************************* شذرات من السيرة النبوية المعطرة 39 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله : وقبل ان اختم امرالوفادة اذكر ان النبي صلى الله عليه وسلم قد ارسل وفودا الى بعض القبائل وخاصة في جهة اليمن ليدعوهم الى الاسلام فقد ارسل خالد بن الوليد في ربيع الاخرة من السنة العاشرة الى بني عبد المدان من ارض اليمن فيدعوهم الى الاسلام فان امتنعوا عن الدخول فيه قاتلهم وقد حدد فترة ثلاثة ايا م لذلك فلما وصل الى ارضهم وديارهم بعث اليهم الركبان في كل صوب ووجه فاسلم الجميع فاقام فيهم خالد يعلمهم الاسلام ثم كتب خالد بن الوليد كتابا بذلك الى النبي صلى الله عليه وسلم فكتب اليه النبي صلى الله عليه وسلم يستقدم وفودهم اليه فارسلهم خالد الى المدينة المنورة فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم ولما اجتمعوا به سالهم النبي صلى الله عليه وسلم : - (بم كنتم تغلبون من قاتلكم في الجاهلية ؟؟) - فقالوا : كمنا نجتمع ولا نفترق ولا نبدا احدا بظلم - فقال النبي صلى الله عليه وسلم : صدقتم ومكثوا في المدينة لغاية شهر شوال من نفس السنة وفي رواية اخرى الى شهر ذي القعدة ثم عادوا وقد امر عليهم قيس بن الحصين وارسل اليهم عمرو بن حزم ليعلمهم السنة ويفقههم في الدين وياخذ الصدقات منهم. وقبيلة مذحج اليمانية ارسلها اليها رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن ابي طالب في شهر رمضان من السنة العاشرة للهجرة المباركة ليدعوهم الى الاسلام وامره ان لا يقاتلهم الا اذا بدئوا بقتاله فلما وصل اليهم دعاهم للاسلام فامتنعوا من دخوله ورموا المسلمين معه بالنبال فحل له ان يقاتلهم فقاتلهم حتى انتصر عليهم فانهزموا فتبعهم ودعاهم للاسلام فاسلموا ثم جمع رؤساءهم فبايعوه عن انفسهم ومن معهم من القبيلة واعطوه الصدقات فاخذ حق الله منها ووزعها على الضعفاء منهم والمستحقين والباقي ارسله الى المدينة ثم رجع بعد استتباب الامن الى النبي صلى الله عليه وسلم وانتهاء مهمته فوافاه في مكة المكرمة النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع . اما ملوك قبائل حمير وهم كا من : نعيم بن كلال و الحارث بن عبد كلال ومعافر بن كلال و همدان بن كلال والنعمان بن كلال فقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل وابا موسى الاشعري اليهم فاسلموا وارسلو ا معاذ بن جبل الى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فكتب النبي صلى الله عليه وسلم كتابا بين لهم فيه مالهم وما عليهم في الاسلام وبين ذ مة المعاهدين . ثم رجع معاذ بن جبل اليهم مرسلا من النبي صلى الله عليه وسلم مع رجال من اصحابه الى الكورة العليا من جهة عدن بين السكاسك والسكون حيث اصبح قاضيا لهم وحاكما اثناء الحروب وعاملا على اخذ الجزية واما في الصلاة. ثم بعث الى الكورة السفلى وفيها مأرب وزبيد والساحل وزمع واوصى النبي صلى الله عليه وسلم ابا موسى الاشعري معاذ بن جبل قائلا لهما : - يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا ولا تختلفا . فرجع ابو موسى الى المدينة الا انه وافى النبي صلى الله عليه وسلم في مكة في حجة الوداع . اما معاذ بن جبل فقد بقي في اليمن حتى توفي النبي صلى الله علايه وسلم . وكان في اليمن ايضا قبيلتا بجيلة وخثعم وفيها ايضا صنم وله معبد كبير كانوا يسمونه ( ذو الخلصة ) وكانوا يضاهون به الكعبة المشرفة فيقولون لها الكعبة الشامية ويسمون معبدهم الكعبة اليما نية فلما وفد الصحابي جرير بن عبد الله البجلي على النبي مسلما قال له النبي صلى الله عليه وسلم .: - الا تريحني من ذي الخلصة ؟؟ فاخبر النبي صلى الله عليه وسلم انه لم يستطع الثبات على ظهر الخيل فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده على صجر عبج الله البجلي وقال : - اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا فثبت ولم يسقط عن ظهر فرس بعد هذا الدعاء . فذهب جرير الى الصنم في مائة وخمسين فارسا من بجيلة فرع الاحمس فاحرق ذا الخلصة وهدم المعبد ولما استقر له الامر ارسل ابا ارطاة الى النبي صلى الله عليه وسلم يبشره بتهديم الصنم واحراق المعبد. فما كا ن من النبي الا ان فتح يديه داعيا لرجال احمس من بجيلة بالبركة و النصر خمس مرات. وبعد ان استتب الامن وانتشار الاسلام في ربوع اليمن ظهر الاسود العنسي في بلدة ( كهف حنان ) وجمع حوله سبعمائة فارسا وادعى النبوة لنفسه و تقدم بهم الى صنعاء ففتحها واشتد امره وكثر ملكه وقويت شدته واصبح لايهاب احدا حتى قيل ان رجال النبي صلى الله عليه وسلم في اليمن تعاملوا معه بالتقية وبقي اربعة اشهر وفي رواية اخرى ستة اشهر حتى احتال عليه فيروز الديلمي وجماعته وكانوا قد اسلموا فاستطاع فيروز من قتله فاحتز راسه ورمى به خارج ا سوار صنعاء وكان قتله قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بيوم وليلة فانهزم اصحابه وتفرقوا وظهر الاسلام مرة اخرى في اليمن وربوعها ورجع عما ال النبي صلى الله عليه وسلم الى اعمالهم وكتبوا بذلك اليه الا ان الكتاب وصل بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. .. وهنا اقف قليلا لاقول ان الشعب العربي منذ ان كان ولحد الان يمتاز بالانفة وعزة النفس و يابى الخضوع لاي احد فالعربي يتصف بالشجاعة والقوة والانفة ولو نظرنا لتاريخ الامة العربية لوجدنا هذه الشيم والاخلاق تسري في النفوس سريان الدم في الجسم وان النفس العربية كانت تواقة لحماية المظلوم من الظالم . صحيح ان الحرب تعني قديما وحاليا الدمار والقتل واللتحريق والنهب والسلب واكل الاخر بحيث تكون هلاك الحرث والنسل ا لا انها انتشرت بين القبائل العربية فكانت الحروب سجالا فيما بينها فقد دامت بعضها اكثر من مائة عام وبعضها اقل من ذلك وراح فيها مئات الالاف من كل قبيلة الا انهم لم تخضع قبيلة لاخرى لانفة وكبرياء نفوسهم . وجاء الا سلام فغير معنى هذه الكلمة وجعلها خالصة لنشر الدين والقيم الانسانية ولنصرة المظلومين واقامة العدل بين الناس وانقاذ الفقير من مخالب الظالمين وانقاذ البشرية و الاتجاله بها الى عبادة الله الواحد الاحد وفي ظل عدالة الاسلام واذا كانت الحروب بين القابل العربية قد اكلت نيرانها التي استمرت مئآت السنين الكثير من البشر فقد قتل في كل غزوات وحروب المسلمين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم التي استمرت قرابة ثمان سنوات ودارت فيها معارك حامية الوطيس وتعد بعشرات المعارك وتعد بعضها من المعارك المشهورة في التاريخ العالمي فما قتل في هذه المعارك كلها لايتجاوز الف قتيل . وبهذا القدرالقليل من الدم العربي اخضع النبي صلى الله عليه وسلم كل القبائل العربية وبسط السلام والاسلام في كل ربوع الجزير ة العربية ويغير ما في نفوسهم نحو محدثات الاسلام وما جاء به من تحريم لاهراق الدم الانساني عامة بحيث كانت تحقيق نبوءة جديدة لرسا لة عظيمة ودعوة في اعجاز عظيم وفضل من الله ونعمة انعمها الله تعالى على البشر في ظل الاسلام وبهذا تم ابلاغ الدعوة الاسلامية في كل ا رجاء الجزيرة العربية وتهيأت فيها طائفة من دعاة المسلمين تكفلت حفظ الاسلام ونشره وابلاغ كل ماجاء به من معتقدات وقيم وتعاليم الى كل ارجاء العالم بحيث قدر الله تعالى للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ان يرى ثمار جهده المتواصل في نشر ما تقدم واظهار الاخوة الاسلامية مكان غيرها من العلاقات بحيث اصبحت الاخوة في الاسلام اساسا لمجتمع سدادته الفضيلة والخلق القويم وغلبت عليه الانسانية . ********************************************** شذرات من السيرة النبوية المعطرة 40 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله : اذا كان العام الهجري العاشر قد ا نتهى بقيام ابي بكرالصديق في الحج بالمسلمين با مر من رسول الله صلى الله عليه وسلم فان السنة الحادية عشرة شهدت حج النبي صلى الله عليه وسلم بالمسلمين. فقد اذّن النبي صلى الله عليه وسلم في الناس بالحج امتثالا لامرالله تعالى: ( واذن في الناس بالحج ياتوك رجالا وعلى كل ضامر ياتين من كل فج عميق*) فلما اعلن المسير للحج تجمع الناس في المدينة ينوون قصد مكة لاداء فريضة الحج وفي اليوم السادس والعشرين من شهر ذي القعدة من العام الحادي عشر للهجرة المباركة تهيأ النبي صلى الله عليه وصحبه للسفر وقد ترجل وادههن وتوزر ولبس رداءه وصلى بالناس في المسجد النبوي صلاة الظهر وانطلق راشدا الى بيت الله الحرام . حتى اذا بلغ ( ذا الحليفة ) وصلها قبل صلاة العصر فصلاها بالناس قصرا ثم بات في ( ذي الحليفة ) فلما اصبح الصباح قال النبي صلى الله عليه وسلم : -( اتاني الليلة آت من ربي فقال لي : صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة ) ولم يتكن هذه الحالة مباحة من ذي قبل بل يعتبرها الجاهليون من اسوء حالات الفجور فكان النبي صلى الله عليه وسلم قد شرع بها للمسلمين بحيث اصبح مجازا من اراد ان يعتمر في ايام الحج بشرط النية بها اثناء الاحرام . وقبل صلاة الظهر اغتسل النبي صلى الله عليه وسلم وتطيب في راسه وجسده الشريف بطيب فيه مسك ولبس الازار والرداء ثم صلى الظهر بالناس قصرا ركعتين ونوى الحج والعمرة في مصلاه وقرن بينهما ثم لبنى قائلا : ( اللهم لبيك عمرة وحجا ... لبيك اللهم لبيك .. لا شريك لك لبيك... ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.. لبيك..) وفي رواية اخرى ( لبيك اله الحق البيك ..) لذا فهي جائزة ثم ركب القصواءواهل مرة اخرى فلما خرج الى البرية واستوت به البيداء اهل ثالثة وكان قد اشعر هديه بعد الصلاة وقلدها في ( ذي الحليفة ) فلما كان على مشارف مكة نزل في وادي ( ذي الطوى ) وبات فيها ليله وصلى الفجر بهذا الوادي ثم اغتسل وقصد المسجد الحرام فدخلها في اليوم الرابع من ذي الحجة وكان يوم احد فطاف بالكعبة سبعا ثم سعى بين الصفا والمروة ثم اقا م باعلى مكة عند الحجون وبقي في احرامه لجمعه بين احرام العمرة واحرام الحج وسياقه الهدي وامر الناس - من ساق منهم هديه معه - ان يستمر في احرامه . واما من لم يسق الهدي معه فامره النبي صلى الله عليه وسلم ان يقصر من شعر راسه بعد الطواف بالكعبة سبعا والسعي بين الصفا والمروة سبعا . ثم يحل حلالا تاما ويجعل عمله هذا عمرة سواءا احرم بنية الحج او العمرة او بكليهما وقال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: -( لو استقبلت من امري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة ولأحللت فحل من لم يكن) وفي اليوم الثامن من ذي الحجة وهو يوم التروية فقد توجه الى وادي منى واحرم للحج كل من كان تحلل اما النبي صلى الله عليه وسلم فلم يحل لانه احرم الحج والعمرة معا واقرنهما فصلى بمنى خمس صلوات هي الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر الاتي هنا لابد ان اذكر انه صلى قصرا حيث صلى الظهر والعصر والعشاء ركعتين فقط وبعد شورق الشمس ترك منى متوجها الى عرفة فوجد القبة قد نصبت له في نمرة فنزل فيها وبقي فيها حتى زوال الشمس فلما غربت ركب ناقته (القصواء) واتجه الى وادي عرنة وكان الحجيج قد اجتمعوا حوله من كل جانب يستمعون ماذا سيقول لهم فقام خطيبا فقال في خطبته: ( الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحثكم على طاعته وأستفتح بالذي هو خير. أما بعد أيها الناس اسمعوا مني أبين لكم فإني لا أدري لعلى لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا. أيها الناس إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا – ألا هل بلغت اللهم فاشهد، فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها. وإن ربا الجاهلية موضوع ولكن لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وقضى الله أنه لا ربا. وإن أول ربا أبدأ به عمي العباس بن عبد المطلب. وإن دماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم نبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية والعمد قود وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر وفيه مائة بعير، فمن زاد فهو من أهل الجاهلية – ألا هل بلغت اللهم فاشهد. أما بعد أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه، ولكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحرقون من أعمالكم فاحذروه على دينكم، أيها الناس إنما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً ليوطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله ويحرموا ما أحل الله. وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق الله السماوات والأرض، منها أربعة حرم ثلاثة متواليات وواحد فرد: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان – ألا هل بلغت اللهم فاشهد. أما بعد أيها الناس إن لنسائكم عليكم حقاً ولكم عليهن حق. لكم أن لا يواطئن فرشهم غيركم، ولا يدخلن أحداً تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم ولا يأتين بفاحشة، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، واستوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئاً، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيراً – ألا هل بلغت....اللهم فاشهد. أيها الناس إنما المؤمنون إخوة ولا يحل لامرئ مال لأخيه إلا عن طيب نفس منه – ألا هل بلغت اللهم فاشهد. فلا ترجعن بعدى كافراً يضرب بعضكم رقاب بعض، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعده: كتاب الله وسنة نبيه، ألا هل بلغت ... اللهم فاشهد. أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب أكرمكم عند الله اتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى – ألا هل بلغت....اللهم فاشهد قالوا نعم – قال فليبلغ الشاهد الغائب. أيها الناس إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث ولا يجوز لوارث وصية، ولا يجوز وصية في أكثر من ثلث، والولد للفراش وللعاهر الحجر. من ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل. والسلام عليكم.) وقد نزل ايات من القران الكريم بعد هذه الخطبة تبين ان الله تعالى اكمل تعاليم الاسلام وكانت اخر اية نزلت من القرن الكريم قال (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا ) هذه الخطبة جاءت نقلا من كتاب العقد الفريد لابن عبد ربه الاندلسي لاعتماد الجمهور عليها وهناك نقول اخرى ايضا الا اني استقر رايي عله هذا النقل وبالله التوفيق ثم اذن بلال بعد هذه الخطبة ثم اقام الصلاة فصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة الظهرقصرا ثم اقام فصلى صلاة العصر قصرا ايضا فقد جمع الصلاتين الظهر والعصر وصلاهما قصرا في وقت واحد ولم يصل بينهما غيرهما . ثم جاء الى الموقف فجعل بطن ناقته الى الصخرات مستقبلا القبلة وبقي واقفا في مكانه حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا حيث جاء الى المزدلفة وفيها صلى النبي صلى الله عليه وسلم بمزدلفة المغرب والعشاء في اذان واحد واقام لصلاة المغرب فصلاها ثم اقام لصلاة العشاء فصلاها . ثم اضطجع النبي صلى الله عليه وسلم حتى بزوغ الفجر فاذن بلال واقام الصلاة في الغبش فصلاها النبي صلى الله عليه وسلم مبكرا . ثم جاء الى المشعرالحرام فاستقبل القلبة ثم كبر ثم هلل ووحد حتى اسفر . ثم تحول الى منى قبل طلوع الشمس حتى جاء الى الجمرة الكبرى فالتقط سبع حصيات فرماها بعد ان كبر قبل رمي كل حصية ثم اتي الجمرة الوسطى ملبيا فرمى الحصيات ثم الى الجمرة الاخيرة او الثالثة فرماها كما فعل في الثانية ثم قطع التلبية ووقف صلى الله عليه وسلم قائلا للناس: ( خذوا عني مناسككم فلعلي لا احج بعد عامي هذا ) ثم جاء الى سكنه في وادي منى فنحر ثلاثا وستين بدنة ثم اكل علي بن ابي طالب نحر المائة بعير فنحر سبع وثلاثين بدنة ثم امر بان يؤخذ من كل بدنة بضعة اوقطعة فجعلت في قدر وطبخت فاكلوا من لحمها وشربوا من مرقها . ثم دعى الحلاق فحلق له شق راسه الايمن فقسم شعره بين الناس كل شعرة او شعرتين ثا حلق له الشق الايسر فاعطاه الى ابي طلحة . ثم تحلل ولبس ثيابه وتطيب . ثم ركب القصواء وقصد البيت الحرام فطاف طواف الافاضة ولم يطف بين الصفا والمروة ثم صلى الظهر ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم الى ابناء عبد المطلب وهم يسقون الحجيج على زمزم فقال لهم : -( انزعوا بني عبد المطلب فلولا ان يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم ) فنا ولوه دلوا فشرب منه حتى ارتوى. وقد خطب النبي صلى الله عليه وسلم بالحجيج يوم النحر عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر فقال: ( يا أيها الناس، أي يوم هذا؟ قالوا يوم حرام قال فأي بلد هذا؟ قالوا بلد حرام قال فأي شهر هذا؟ قالوا شهر حرام قال فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا) قال فأعادها مرارا، ثم رفع رأسه فقال( اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت ) ثم قال:( فليبلغ الشاهد الغائب لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ) -قال ابن عباس: فوالذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته- ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم الى منى مرة اخرى فبقي فيها ثلاثة ايام \ 11 و12 و13 ذي الحجة لرمي الجمرات الثلاث فكان كل يوم يرمي واحدة بعد زوال الشمس بدا بالجمرة الصغرى فرماها بسبع حصيات مكبرا مع كل رمية حصية في يوم 11 ذي الحجة ثم رمى الجمرة الوسطى رماها في يوم 12 ذي الحجة الحجة وفي الصباح خطب بالناس مؤكدا ماجاء بخطبته فيهم في يوم عرفة وزاد عليها ثم رمى الجمرة الكبرى رماها يوم 13 ذي الحجة . وفي ثالث ايا م التشريق كان يو م ثلاثاء وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة وثاني يوم النفر نفر النبي صلى الله عليه وسلم من ( منى ) بعد رمي الجمرات فنزل الى الابطح وفي الابطح صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء كل في وقتها . كانت معه في سفره الميمون هذا زوجته ام المؤمنين عائشة بنت ابي بكر الصديق و بهذا تكون قد اتمت الحج فارسلها النبي صل ى الله عليه وسلم صحبة اخيها عبد الرحمن لتتم عمرتها بعد الحج فذهبا الى (التنعيم ) وهو ميقات اهل مكة - والحمد لله قد احرمنا منه عندما سكنا في مكة اشهرا كاملا واعتمرنا ثانية - فاحرمت ثم اتت ال ى البيت الحرام فطافت سبعا حول الكعبة وسعت سبعا بين الصفا والمروة ثم تحللت من احرامها ثم جاءته بالابطح قرب صلاة الفجر وكان عليه الصلاة والسلام قد رقد بالابطح نومة خفيفة فلما وصلت عائشة اليه صلى الله عليه وسلم اذن بالرحيل فركب القصواء واتجه الى بيت الله الحرام فطاف طواف الوداع ثم صلى الفجر ثم اذن بالرحيل متجها نحو المدينة المنورة . ولما قرب من المدينة وظهرت له معالمها كبر ثلاثا ثم قال : ( لا اله الا الله وحده لاشريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عابدون ساجدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده ) . وهكذا انتهت حجة الوداع وعا د النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة والمنورة. ************************************************* شذرات من السيرة النبوية المعطرة 41 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله: كان النبي صلى الله عليه وسلم قد اعتكف في رمضان من السنة العاشرة للهجرة المباركة عشرين يوما وفي هذه المدة كان ياتيه جبريل عليه السلام من السماء ليعارضه في القران الكريم كان النبي يقرأ وجبريل يستمع وكان معارضته للقران الكريم مرتين فتاكد من حفظه للقران الكريم بجملته دون نقص حرف واحد عاد النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة المنورة من حجة الوداع يسبح بحمد ربه ويحمده على ما انعم الله عليه في هذه الحجة المباركة بين ظهراني المسلمين وهم يحيطون به من كل صوب من يوم خروجه من المدينة حتى رجوعه لها وفي ما رآه من دخول الناس في دين الله افواجا. وفي نجاح دعوته الى الاسلام دين الحضارة والرقي الديني . وبعد ان استقر واستراح من عناء السفر . واستقرت احوال المدينة وما حولها وبسط الامن والامان في الجزيرة العربية . امرالنبي صلى الله عليه وسلم الناس بالتهيؤ لغزو الروم في الشام وكان ذلك في يوم الاثنين السادس والعشرين من صفر سنة احدى وعشرة للهجرة المباركة . ولما كان صبيحة يو م الثلاثاء السابع والعشرين منه دعا النبي صلى الله عليه وسلم اسمة بن زيد وامره بالمسير الى الموضع الذي قتل فيه اباه زيد بن حارثة وجعفر بن عقيل بين ابي طالب وعبد الله بن رواحة الى موقع معركة( مؤتة) و امره ان يوطئ الخيل تخوم (البلقاء) و(الدوارم ) من ارض فلسطين فتجهز لذلك وتجهز الناس من المهاجرين والانصار وبقية المسلمين حبا للجهاد في سبيل الله . ثم استبطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس في بعث اسامة بن زيد حيث مرض النبي صلى الله عليه وسلم الا انه خرج معصبا راسه وجلس على المنبر في المسجد النبوي – وكان المنافقون قد قالوا الكثير في امارة اسامة منها انه صلى الله عليه وسلم امر حدثا وفضله على كثير من ابطال وفرسان المهاجرين والانصار. مما جعل رسو الله صلى الله عليه وسلم يغضب شديدا فاضطر الى عصب راسه – وكان قد بدء المرض به_ فصعد المنبر وحمد الله تعالى واثنى عليه ثم قال : -( ايها الناس انفذوا بعث اسامة فلئن طعنتم في امارته فقد طعنتم في امارة ابيه وايم الله كان خليقا للامار ة وان ابنه من بعده لخليق للامار ة وان كان ابوه لمن احب الناس الي وان هذا احب الناي الي من بعده ) ثم نزل فانكمش الناس في جهازهم فاشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم الوجع في مرضه الا ان اسامة بن زيد خرج بجيشه فعسكر ب(الجرف ) على بعد ثلاثة اميال من المدينة وتتاءم الناس اي تلاحقوا للانضمام الى الجيش الا ان الاخبار عن صحة النبي صلى الله عليه وسلم اقلقت القائد الشاب فتريث في السفر منتظرا ما تؤول له حالة النبي صلى الله عليه وسلم الصحية ثم وصله امر قضاء الله وقدره في وفا ة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فتوقف . وكانت هذه اخر الغزوات المحسوبة على حياة النبي صلى الله عليه وسلم ************************************************ شذرات من السيرة النبوية المعطرة 42 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله : بدت معالم التوديع تظهر في حياة الحبيب المصطفى من السنة العاشرة للهجرة المباركة يوم عارض جبريل عليه السلام النبي في القران الكريم فكان صلى الله عليه وسلم قد بلغ الرسالة وادى الامانة كاملة ونصح الامة الاسلامية بما افاء الله تعالى عليه وبدت عليه علامات الوداع تظهر في اقواله وافعاله فلما عارضه جبريل عليه السلام بالقران قال لابنته فاطمة وكانت احب الناس اليه فهي اصغر بناته واحبهن الى قلبه الشريف وهي ام سبطيه الحسن والحسين قال لها : - (لا ارى ذلك الا اقتراب اجلي ). وظهر ذلك ايضا في قوله لمعاذ يوم ارسله الى اليمن مودعا له كما مربنا: -( يامهاذ انك عسى ان لا تلقاني بعد عامي هذا ولعلك ان تمر بمسجدي هذا وقبري ) فبكى معاذ لفراقه رسول الله صلى الله عليه وسلم – ياعيني جودي بالدمع وانت ترينني اكتب عن وفاة الحبيب المصطفى ياعيني جودي بدمعك جودي.. وبللي القرطاس انقعيه .... وفي حجة الوداع وقد مر ذكرها كان يكرر قوله صلى الله عليه وسلم: -( لعلي لا القاكم بعد عامي هذا لعلي لااحج بعد عامي هذا ). وكان لنزول الاية الثالثة من سورة المائدة ( اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا ..) وكذلك نزول سورة النصر ( اذا جاء نصر الله والفتح* ورايت الناس يدخلون في دينا الله افواجا * فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا ) يقينا تاما لديه واشعارا من الله تعالى ان مهمته في الحياة قد اتمها على اكمل وجه وان انتقاله الى بارئه قريب . وفي شهر صفر من السنة الحادية عشرة للهجرة خرج ذاهبا الى الى (احد) ليشاهد موقع معركتها ويمر على قبور شهدائها واحدا واحدا مسلما ومترحما ثم ليعود فيصعد المنبر فيقول : -( انا فرط لكم وانا شهيد عليكم واني والله لانظر الى حوضي الان واني اعطيت مفاتيح خزائن الارض واني والله ما اخاف عليكم ان تشركوا بعدي ولكني اخاف عليكم ان تنافسوا فيها ) وفي اواخر صفر كان قد خرج صلى الله عليه وسلم الى (البقيع) في جوف الليل فاستغفر الله تعالى لساكنيه من الموتى وخاطبهم قائلا : -( انا بكم لاحقون ). و في هذه علائم كلها توحي الى نفسه الشريفه انه اقترب اجله . ثم شهد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم جنازة شيعها الى البقيع ولما رجع ودخل على عائشة فشكت له الما شديدا في راسها وهي تقول: - وارأساه .. وارأساه .. - فقال لها صلى الله عليه وسلم: - ( بل انا والله ياعائشة وارأساه ) وكان في هذه بداية لمرضه صلى الله عليه وسلم الاانه صلى الله عليه وسلم قويا يدور على نسائه ليعدل بينهن في ثم اشتد به المرض فتجمع حوله اهل بيته وعلي بن ابي طالب والفضل بن العباس حيث نقلاه الى بيت عائشة كل من جانب وكانت تخط قدماه الارض - اي لايقوى على المسير- حين اشتد به المرض وبقي عندها . وفي اليوم التالي اي يوم الاربعاء الثاني من ربيع الاول من السنة الحادية عشرة للهجرة المباركة قالت عائشة : - لما دخل بيتي واشتد به وجعه قال صلى الله عليه وسلم:( هريقوا علي من سبع قرب لم تحلل اوكيتهن لعلي اعهد الى الناس ) فاجلسناه في مخضب لحفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ثم طفقنا نصب عليه من القرب جتى طفق يشير الينا ان قد فعلتن ثم خرج الى الناس فصلى بهم وخطبهم ) - وقال في خطبته يوم ذاك ( ان من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور انبيائهم وصالحيهم مساجد الا فلا تتخذوا القبور مساجد اني انهاكم عن ذلك) - وقال ايضا ( لعنة الله علىاليهود والنصارى اتخذوا قبور انبيائهم مساجد) - وقال ايضا ( لاتتخذوا قبري وثنا يعبد ) . وبعدها عرض نفسه صلى الله عليه وسلم للقصاص ثم اوصى بالانصار خيرا ثم قال: ( ان عبدا خيره الله بيين ان يؤتيه من زهرة الدنيا ماشاء وبين ما عنده فاختار ما عنده ) فبكى ابو بكرالصديق كثيرا ثم قال: - فديناك بابائنا وامهاتنا . فكان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم هو المخير بين ان يؤتيه الله تعالى من زهرة الدنيا ماشاء وبين ما عند الله سبحانه فاختار ما عند الله ثم اثنى النبي صلى الله عليه وسلم على ابي بكرالصديق ثم امر بسد ثغرات الابواب المشرعة الى المسجد الا باب ابي بكرالصديق تركها مشرعة وفي يوم الخميس كان قد اشتد به الوجع فقال صلى الله عليه وسلم : -( هلموا اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده ). ثم اوصى بهذا اليوم باخراج اليهود والنصارى والمشركين من جزيرة العرب - فهي اذن طاهرة وهم نجس – ثم اوصى باجازة الوفود بنحو ما كان يجيزهم ثم اكد لهم امرالصلاة وما ملكت ايمانهم ثم قال لهم صلى الله عليه وسلم : -( تركت فيكم امرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما : كتاب الله وسنتي ) ثم حان وقت صلاة العشاء فاغتسل النبي صلى الله عليه وسلم في مخضب ليتخفف من مرضه ثم حاول ان يقوم للصلاة فاغمي عليه فلما افاق اغتسل ثانية فلما قام اغمي عليه ثم اغتسل الثالثة فلما اراد النهوض اغمي عليه فلم يستطع القيام للصلاة بالناس عشاءا فقام ابو بكر بالصلاة بالناس استمر يصلى بالناس يومي الجمعة والسبت فكان ما صلى ابوبكربالناس سبع عشرة صلاة . وفي يوم الاحد وجد النبي صلى الله عليه وسلم خفة من مرضه فخرج متكأ على رجلين يحملانه وكان ابو بكر يصلي بالناس فاجلساه على يساره فلما بدات الصلاة ىام الناس في الصلاه فكان الناس يقتدون بابي بكر وابوبكر يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم ويسمعهم التكبير . وفي هذا اليوم اعتق النبي صلىالله عليه وسلم غلمانه وتصدق بما عنده ووهب سلاحه للمسلمين. وفي فجر يوم الاثنين اقام ابو بكر الصلاة فكشف النبي صلى الله عليه وسلم ستر حجرة عائشة فنظر للناس وهم يصلون فظن المسلمون انه صلى الله عليه وسلم يروم الخروج اليهم ليصلي بهم فاشار اليهم بيده الشريفة ان يتموا صلاتهم ثم دخل الغرفة وارخى الستار ة. وفي هذا اليوم دعا ابنته الاثيرة على قلبه فاتت فاسر اليها حديثا فبكت ثم كلمها سرا ايضا فضحكت ثم بشرها انها سيدة نساء العالمين ولما سالتها عائشة عن ذلك فتكتمت ولم تتكلم . حتى اذا ما توفي النبي صلى الله عليه وسلم اخبرت عائشة انه صلى الله عليه وسلم قال لها في الاولى انه سيموت في مرضه هذا فبكت ثم قال لها في الثانية انها اول من من يلحق به من اهله فضحكت وفي هذا اليوم قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة : -( ليس على ابيك كرب بعد اليوم ) ثم اخذ الحسن والحسين فقبلهما ثم دعا ازواجه فوعظهن وذكّرهن. واشتد الوجع فيه وازداد وقد طرح على وجهه خميصة فاذا اغتم كشفها عن وجهه الكريم وهو في هذه الحالة كرر قوله: -( لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبول انبيائهم مساجد ) ثم قال: -( لايبقى دينان بارض العرب ) وكرر مرات عديدة: ( الصلاة . الصلاة وما ملكت ايمانكم ) ولما اشتد المه اخذته عائشة الى صدرها فاسندته بين سحرها ونحرها وجاء اخوها عبد الرحمن بسواك من جريدة رطبة فنظر اليه صلى الله عليه وسلم وفهمت عائشة انه يريد ان يستاك فاخذته من اخيها ومضغته حتى لان ثم ستاك به كاحسن ما يكون وكان بين يديه ركوة فيها ماء فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يدخل يديه في الماء ويمسح وجهه ويردد : - ( لا اله الا الله ان للموت لسكرات ). ثم رفع اصبعه شاخصا بصره نحو سقف الحجرة وتحركت شفتاه فاصغت اله عائشة مقربة اذنها من فمه فسمعته يقول : ( مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهاء والصالحين . اللهم اغفر لي وارحمني والحقني بالرفيق الاعلى . اللهم الرفيق الاعلى ) كررها ثلاثا ففاضت روحه الطاهرة المطهرة راجعة الى ربها راضية مرضية . وكان ذلك في ضحى يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الاول من السنة الحادية عشرة للهجرة المباركة . ( انا لله وانا اليه راجعون) . واختم هذا السفر الخالد بهذه الابيات من احدى قصائدي أحببت نور الهدى والشوق يدفعني نحو الحبيب وبالانوار ينسطع في وارف من عبير العطر يدفعني تنها ل مني دموع الشوق تنهمع أجهشت ابكي بكل الدمع أهمله في هيبة العشق والامال تجتمع كالطفل أبكي حرقة والقلب في وله ا ذ كاد يخرج من جسمي فيمتنع يا سيدي يا رسو ل الله حبكموا يملي الفؤاد وبا لاحسان يتّسع هبت علينا رياح الشوق عابقة في هيبة خشعت والوجد يرتجع هبت علينا رياح الروض عاطرة ممزوجة اعطارها بالمسك تندلع حتى اذا لامست روحي تعززها تحيي بها ميّت الاشواق تنصدع واشتد شوقي وبا لانفاس في سحر او ضجّت الاحلام بالروح تنسفع والفكر راح الى صرح يشيّده ذكراه نور من القران يرتفع يا ويح قلبي وما نفسي بعالمة حبي وشوقي فكالينبوع يندفع والشمس فيها - ومن اشراقها ألق يخبو- بحضرته الانوار تنسطع يا لهف نفسي بساح الشوق واقفة والقلب يخفق والعينان تند مع كالمزن تجريه دمعا حين تهرقه اذ كان قلبي الى الاشوا ق ينتجع هذ ا الضريح - ضريح الشوق أعشقه - للمصطفى المختار والخلق تجتمع أبكيك يا سيدي دمعا ينازعني شوقا يؤ رّ قني و الر وح تنصدع ان الفؤاد لمقروح به جرحا في حبّكم وبنار الشوق ينسكع والقلب شاق وللمحبوب في ولع والفكر راق وبالاوصال تنسجع نفسي جناب رسول الله يشغلها في هيبة عظمت والروح تنصدع يا دمع أهمل بلا عيب ولا وجل في روضة . أبحر للدمع تتسع يا سيدي يا رسول الله معذرة الكل في حضرة التقريب يستمع الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد واله وصحبه اجمعين ********************************** انتهى تأ ليفه في يوم الثلاثاء 1- ايار( مارس) - 2012-04-29 ميلادية الموافق لليوم الحاديعشر من شهرجمادى الاخرة1433 هجرية الفهرس تمهيد 3 الشذرة الاولى 9 الذرة الثانية 14 الشذرة الثالثة 21 الشذرة الرابعة 26 الشذر ة الخامسة 32 الشذرة السادسة 41 الشذرة السابعة 49 الشذرة الثامنة 57 الشذرة التاسعة 63 الشذرة العاشرة 70 الشذرة الحادية عشة 74 الشذرة الثانية عشر 80 الشذرة الثالثة عشر 85 الشذرة الرابعة عشر 92 الشذرة الخامسة عشر 97 الشذرة السادسة عشر 104 الشذرة السابعة عشر 111 الشذرة الثامتة عشر 117 الشذرة التاسعة عشر 122 الشذرة العشرون 132 الشذرة الحادية والعشرون 136 الشذرة الثانية والعشرون 145 الشذرة الثالثة والعشرون 151 الشذرة الرابعة والعشرون 158 الشذرة الخامسةوالعشرون 166 الشذرة السادسة والعشرون 170 الشذرة السابعةوالعشرون 178 الشذرة الثامنة والعشرون 185 الشذرة التاسعة والعشرون 193 الشذرة الثلاثون 199 الشذرة الحاديةوالثلاثون 205 الشذرة الثانية واللثلاثون 221 الشذرة الثالثة والثلاثون 227 الشذرة الرابعة والثلاثون 236 الشذرة الخامسة والثلاثون 246 الشذرة السادسة والثلاثون 257 الشذرة السابعة والثلاثون 266 الشذرة الثامنة والثلاثون 273 الشذرة التاسعة والثلاثون 282 الشذرة الاربعون 287 الشذرة الحادية والاربعون 294 الشذرة الثانية والاربعون 296 الفهرس 304 ****************************************** من مؤلفات فالح نصيف الحجية الكيلاني الشعرية 1- نفثات القلب 2- قصائد من جبهة القتال 3-الشهادة والضريح 4- من وحي الايمان 5- الحرب والايمان النثرية 1- الموجز في الشعر العربي اربعة اجزاء 2- في الادب والفن 3- تذكرة الشقيق في معرفة اداب الطريق 4- شرح ديوان عبد القادر الكيلاني وشيئ في تصوفه اربعة اجزاء 5- كرامة فتاة (قصة طويلة ) 6- اصول في الاسلام 7- الاشقياء ( مجموعة قصص قصيرة ) 8- اصحاب الجنة في القرآن جزئين 1 9- القرآن في القرآن 2 10- الامثال في القرآن 3 11- الادعيةالمستجابةفي القران 4 12- بحث في التصوف والطريقة القادرية 13- مدينة بلدروز عبر التاريخ 14- عبد القادرالجيلاني وموقفه من الفرق والمذاهب الاسلامية 15 - شرح القصيدة العينية 16- الانسان ويوم القيامة في القران الكريم 5 17- يوم القيامة في القران الكريم جزئين 6 18- شعراءالنهضة العربية 19- دراسات في الشعر المعاصر وقصيدة النثر 20- الغزل في الشعر العربي 21 - شذرات من السير ة النبوية المعطرة ********************************