الأربعاء، 11 يناير 2012

الغزل في الشعر العربي - تاليف فالح نصيف الحجية

الغزل في الشعرالعربي - تاليف فالح نصيف الحجية

الغزل في الشعر العربي - تاليف فالح نصيف الحجية

الغزل في الشعرالعربي – القسم الثاني
تاليف – فغالح نصيف الحجية

الغزل الحضري :


ذاع او انتشر الغزل الحضري في الجزيرة و الحجاز خاصة في المدن الكبرى الثلاث مكة والمدينة والطائف لتوفر اسباب المعيشة المترفة واستتباب الامن وكثرة الاموال والترف الاجتماعي .
وهذا الحب حب مبني على المادة الجسدية واللذة الجنسية وقد وصف الشعراء المرأة بعبارات جريئة في هذا العصر بشكل لامثيل له في عصر صدر الاسلام وقد توسع هذا الغزل ليشكل مدرسة شعرية بذاته ويمثل حياة العبث والمجون واللهو والفسوق وخلاف خلق الاسلام .
ويتميز بالاعتماد على الحادثة لذلك كثر فيه القصص الغرامية والمغامرات في طلب النساء والتعرض لهن ويعتمد ايضا في بعض الاحيان على الحوار بين الشاعر وحبيبته وهو ما يسمى بالشعر الغزلي الحسى اوالصريح فهويصور احاسيس الحب ومغامراته فى المجتمع المتحضر الذى ظفرت فيه المرأة العربية بقدر كبير من التحرر, وكانت لا تضيق بما يقال فيها من غزل. ويتميز ببعده عن العواطف المجردة والتعبير عن الشهوات الحسية واهتمامه بمحاسن المرأة وجمالها الجسدى ووصف تمتع الشاعر بها و في شعر عمربن ابي ربيعة لا يري تلك النزعة الحسية ، فغاية الشاعر الاولى کانت غاية فنية، يقصد بها أن يفل تلك الحرکة المادية النفسية القريبة من لغة الحياة. أولغة النساء، المفصحة في الاغلب عن کثيرمن الخلجات النفسية الدقيقة. ولم يکن هم الشاعر ان يصف متعة اويتحدث عن شهواته، اويصف محاسن صاحبته وصفاً حسياً تفصيلياً. . . فالقصيدة تنتهي في اغلب الأحيان بالأشارة الي متعة حسية يسيرة لا تناسب مع الجهد الذي صوره الشاعر قبل.ومن اهم شعراء هذا النوع من الغزل يزيد بن معاوية و عمر بن ابي ربيعة والعرجي والاحوص .

*****************

يزيد بن معاوية



هو يزيد بن معاوية بن ابي سفيان ولد بالماطرون سننة683 ميلادية ونشأ في دمشق.وهو ابن الخليفة الأموي الأول معاوية بن أبي سفيان، وفي الترتيب الزمني للخلافة يعتبر يزيد السابع من خلفاء المسلمين( ابو بكرالصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن ابي طالب والحسن بن علي ومعاوية بن ابي سفيان ) وثاني خلفاء بني أمية بعد والده ، وقد حكم البلاد لمدة اربع سنوات .تولى الخلافة بعد وفاة أبيه سنة \60 هجرية .
وامتنع عن بيعته عبد الله بن الزبير والحسين بن علي، فانصرف الأول إلى مكة والثاني إلى الكوفة واعلنا الثورة على الخلافة الاموية .
فكانت فاجعة استشهاد الامام الحسين بن علي) إذ قتله رجاليزيد في كربلاء سنة\ 61هـجرية .
وخلع أهل المدينة المنورة طاعته سنة\ 63 هجرية فأرسل إليهم مسلم بن عقبة المري وأمره أن يستبيحها ثلاثة أيام وأن يبايع أهلها على أنهم خول وعبيد ليزيد، ففعل بهم مسلم الأفاعيل القبيحة، وقتل فيها الكثير من الصحابة والتابعين.
وفي خلافة يزيد فتح المغرب الأقصى على يد الأمير عقبة بن نافع وفتح في زمنه ايضابخارى وخوارزم في المشرق على يد القائد مسلم بن زياد
ويزيد أول من خدم الكعبة وكساها الديباج الخسرواني . واليه ايضا ينسب نهر يزيد في دمشق وقيل كان نزوعاً إلى اللهو .
توفي في العاشر من ربيع الاول اثناء حصار جيشه لمكة المكرمة بمنطقة حوران من أرض حمص في الشام سنة اربع وستين للهجرة
يزيد كان شاعرا يمتاز شعره بالرقة والعذوبة واشتهرت قصائده الغزلية لجودتها ورقتها.

وقال في الغزل ايضا :


جَاءَتْ بِوَجْـهٍ كَأَنَّ البَـدْرَ بَرْقَعَـهُ

نُوراً عَلَى مَائِسٍ كالغُصْـنِ مُعْتـدِل

إحْدى يَدَيْها تُعاطينِـي مْشَعْشَعـةً
كَخَدِّها عَصْفَرَتْهُ صبْغَـةُ الخَجَـلِ

ثُمَّ اسْتَبَدَّتْ وقالَتْ وهْـيَ عالِمَـة
بِمَا تَقُولُ وشَمْـسُ الرَّاحِ لَمْ تَفِـلِ

لاَ تَرْحَلَنَّ فَمَا أَبْقَيْـتَ مِنْ جَلَـدِي
مَا أَستَطِيـعُ بِـهِ تَودِ يـعَ مُرْتَحِـلِ

وَلاَ مِنَ النَّومِ مَا أَلقَـى الخَيَـالَ بِـهِ
وَلاَ مِنَ الدَّمْعِ مَا أَبْكِـي عَلَى الطَّلَـلِ


ويقول ايضا في الغزل:

سألتها الوصل قالت لا تغر بنا
من رام منا وصالا مات بالكمد

كم قتيل لنا مات جوى
من الغرام ولم يبدئ ولم يعد

فقلت استغفر الرحمن من زلل
إن المحب قليل الصبر والجلد

خلفتني طريحا وهي قائلة
تأملوا كيف فعل الظبي بالأسد

نالت على يدها ما لم تنله يدي
نقشا على معصم أوهت به جلدي

كأنه طرق نمل في أناملها
أو روضة رصعتها السحب بالبرد

وقوس حاجبها من كل ناحية
ونبل مقلتها ترمي به كبدي

مدت مواشطها في كفها شركا
تصيد قلبي به من داخل الجسد

أنيسه لو رأتها الشمس ما طلعت
من بعد رؤيتها يوما على أحد

سألتها الوصل قالت : لا تغز بنا
من رام منا وصالا مات بالكمد

فكم قتيل لنا بالحب مات جوى
من الغرام ولم يبدئ ولم يعد

فقلت : استغفر الرحمن من زلل
إن المحب قليل الصبر والجلد

قد خلفتني طريحا وهي قائلة
تأملوا كيف فعل الظبي بالأسد

قالت لطيف خيال زارني ومضي
بالله صفه ولا تنقص ولا تزد

فقال : خلفته لو مات من ظمأ
وقلت : قف عن ورود الماء لم يرد

قالت : صدقت الوفا في الحب شيمته
يا برد ذاك الذي قالت على كبدي

واسترجعت سألت عني فقيل لها :
ما فيه من رمق دقت يدا بيد

وأمطرت لؤلؤا من نرجس وسقت
وردا وعضت على العناب بالبرد

وأنشدت بلسان الحال قائلة
من غير كره ولا مطل ولا مدد

والله ما حزنت أخت لفقد أخ
حزني عليه ولا أم على ولد

إن يحسدوني على موتي فوا أسفي
حتى على الموت لا أخلو من الحسد

***********************************





عمر بن ابي ربيعة

عمر بن ابي ربيعة المخزومي ومخزوم احد فروع قبيلة قريش .
ولد في المدينة المنورة سنة \ 23 هجرية في خلافة عثمان بن عفان من اسرة معروفة بثرائها وجاهها وكان ابوه في عهد رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين واليا على اليمن
ورث عمر عن ابيه ثروة طائلة مكنته العيش في ثراء ونعمة وحياة مترفة واسراف لذا انصرف الى حياة اللهو والعبث ومطارة النساء وقد ساعدته البيئة لتي نشأ فيها على ذلك .

المتتبع لشعره وديوانه يتعجب من سرده لهذه المطاردات والقصص الماجنة في اغلبها ولم يحب امرأة حبا صادقا انما ظل يطارد الجمال والدلال والغنج في النساء الجميلات اينما كا نت المطاردات والمغامرات الغرامية فيه حتى قيل انه كان يتخذ من مواسم الحج وقتا ملائما لمغامراته وترصده النسوة اللاتي ياتين للحج او العمرة ومعرفةاوضاعهن والاتصال بهن فاشتهر كثيرا وكانت النسوة يتحاشينه للألا يقعن في حبائل حبه ومغامراته لجماله وحسنه وتمكنه من اصطيادهن بكلامه المعسول وشعره الرقيق حتى انه خافت الاسر الشريفة والملتزمة على اعراضها منه وشكته لدى الخليفة عمر بن عبد العزيز الذي نفاه في احدى المرات الى جزر البحر الاحمر ولم يسمح له بالعودة الا بعد توبته وقد تاب في اخر حياته وبعد زواجه من كلثوم المخزومية
توفي عمر بن ابي ربيعة عام\ 93 هجرية
اختص شعر عمر بالمرأة والتغزل بها في اغلبه ويمتاز شعره بقدرته على وصف المرأة وعواطفها ونفسيتها وهواجسها وانفعالاتها وميلها للتشوق والحب وكل ما يتعلق بها من رغبتها و حبها لوصف جمالها وحسنها والتعبير الجاذ ب وحتى قيل ما من امرأة لحظت عمر بن ابي ربيعة وهويتقرب منها ويصف لواعج حبه لها الا وقعت في شرك حبه وعشقه
واشتهر في شعره سرد المغامرات الغرامية بشكل فاضح ملفت للنظر لم تالفه الطبيعة الاجتماعية العربية ولم تألفه الخلق او الحياة العربية انذاك وتلاحظ في شعره ايضا الحوار التمثيلي او السرد القصصي للحادثة مثل قالت وقلت
لذا جاء شعره سهلا يثير الخلجات النفسية ويثير العواطف الكامنة قريب من النفس قريب من القلب يتميز بالمعاني الرقيقة والعبارات المرهفة التي تلج القلب مباشرة ودون اسئذان في الحب مثيرة عواطف السامع والقارئ او المتلقي وخاصة الغزل المحسوس
يقول في تغزله من قصيدة له –

نَعَقَ الغُرَابُ بِبَيْنِ ذاتِ الدُّمْلُجِ
ليتَ الغرابَ ببينها لم يزعجِ
نَعَقَ الغُرَابُ وَدَقّ عَظْمَ جَنَاحِهِ
وَذَرَتْ بِهِ الأَرْياحُ بَحْرَ السَّمْهَجِ!
ما زلتُ أتبعهم لأسمعَ حدوهمْ،
حَتَّى دَخَلْتُ عَلى رَبِيبَة ِ هَوْدَجِ
نَظَرَتْ إلَيَّ بِعَيْنِ رِئْمٍ أَكْحَلٍ
عمداً، وردتْ عنك دعوة َ عوهج
فبهتْ بدرّ حليها، ووشاحها،
وَبَرِيمِهَا وَسِوَارِها فَالدُّمْلُجِ
فَظَلِلْتُ في أَمْرِ الهَوَى مُتَحَيِّراً
من حرِّ نارٍ بالحشا متوهج
مَنْ ذا يَلُمْني إنْ بَكَيْتُ صَبَابَة ً
أَوْ نُحْتُ صَبَّاً بِالفُؤادِ المُنْضَجِ؟
قَالُوا اصْطَبِرْ عَنْ حُبِّها مُتَعَمِّداً
ولا تهلكنّ صبابة ً، أو تحرج
كَيفَ اِصطِباري عَن فَتاةٍ طَفلَةٍ
بَيضاءَ في لَونٍ لَها ذي زِبرِجِ
نافتْ على العذقِ الرطيبِ بريقها،
وَعَلَى الهِلاَلِ المُسْتَبين الأَبْلَجِ
لما تعاظمَ أمرُ وجدي في الهوى
، وَكَلِفْتُ شَوْقاً بِالغَزَال الأَدْعَجِ
فسريتُ في ديجوِ ليلٍ حندسٍ
، مُتَنَجِّداً بِنِجَادِ سَيْفٍ أَعْوَجِ
فقعدتُ مرتقباً ألمُّ ببيتها،
حَتَّى وَلَجْتُ بِهِ خَفِيَّ المَوْلَجِ
حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى الفَتَاة ِ وَإنَّها
لَتَغُطُّ نَوْماً مِثْلَ نَوْمِ المُبْهِجِ
وإذا أبوها نائمٌ، وَعَبِيدُهُ
مِن حَوْلِها مِثْلُ الجِمَالِ الهُرَّجِ
فَوَضَعْتُ كَفِّي عِنْدَ مَقْطَعِ خَصْرِها
فَتَنَفَّسَتْ نَفَساً فَلَمْ تَتَهَلَّجِ
فَلَزِمْتُها فَلَثِمْتُها فَتَفَزَّعَتْ
مني، وقالتْ: منْ؟ فلمْ أتلجلج
قَالَتْ: وَعَيْشِ أَبي وَحْرْمَة ِ إخْوَتي
لأُنَبِّهَنَّ الحَيَّ إنْ لَمْ تَخْرُجِ
فَخَرَجْتُ خَوْف يَمينِها فَتَبَسَّمَتْ
فَعَلِمْتُ أَنَّ يَمِينِها لَمْ تَحْرُجِ
فتناولتْ رأسي، لتعلمَ مسهُ،
بِمُخَضَّبِ الأَطْرَافِ غَيْرِ مُشَنَّجِ
فَلَثمْتُ فاها، آخِذاً بِقُرُونِها
شُرْبَ النَّزِيفِ بِبَرْدِ ماءِ الحَشْرَجِ
كيف اصطباري على فتاة طفلة
بيضاء في لون لها ذي زبرج
و لما تعاظم امر وجدي في الهوي
وكلفت شوقا بالغزال الادعج
فسرت في ديجور ليل حندس
متنجدا بنجاد سيف اعوج
حتى دخلت على الفتاة وانها
لتحط نو ما مثل نوم المنهج

فلثمت فاها اخذا بقرونها
شرب النزيف ببرد ماء الحشرج


وقال ايضا في الغزل:

فحييت اذ فاجاتها فتولهت
وكادت بمكنون التحية تجهر
قالت وعضت بالبنان فضحتني
وانت امرؤ ميسور امرك اعسر
اريتك اذ هنا عليك الم تخف
رقيبا وحولي من عدوك حضر
فوالله ما ادري اتعجيل حاجة
سرت اليك ام قد نام من كنت تحذر
فقلن لها بل قادني الشوق والهوى
اليك وما نفس من الناس تشعر
قالت وقد لانت افرخ روعها
كلاك بحفظ ربك المتكبر
انت ابو الخطاب غير مدافع
علي امير ما مكثت مؤمر
فبت قرير العين اعطيت حاجتي
اقبل فاها في الخلاء فاكثر
فيالك كم ليل تقاصر طوله
وما كطان ليلي قبل ذلك يقصر
ويالك من ملهى هناك ومجلس
لنا لم يكدره علينا مكدر

ترنو بعينيها الي كما رنا
الى ظبية وسط الخميلة جؤذ ر
فلما تقضى الليل اللا اقله
وكادت توالي نجمه تتغور
اشارت بان الحي قد حان منهم
هبوب ولكن موعد لك عزور
فما راعني الا مناد برحلة
وقد لاح مفتوق من الصبح اشقر
فلما رات من قد تثور منهم
وايقاظهم قالت اشر كيف تامر
فقلت اباديهم فاما افوتهم
واما ينال السيف ثاءرا فيثاءر
فقالت اتحقيقا لمن قال كاشح
علينا وتصديقا لما كان يؤثر
فما كان لابد منه فبغيره
من الامر ادنى للخفاء واستر
اقص على اختي بدء حديثنا
وما لي من ان تعلما متاءخر
لعلهما ان تبغيا لك مخرجا
وان ترحبا سربا بما كنت احصر
فقامت كئيبا ليس في وجهها دم
من الحزن تذري عبرة تتحدر
فقالت لاختيها اعينا على فتى
اتي زائرا والامر للامر يقدر
فاقبلتا فارتاعتا ثم قالتا
اقلي عليك الهم فالخطب ايسر
قالت لها الصغرى ساعطيه مطرفي
ودرعي ومهذا البرد ان كان يحذر
يقوم يمشي بيننا متنكرا
فلا سرنا يفشو ولا هو يظهر

فكان مجني دون من كنت اتقي
ثلاث شخوص كاعبان ومعصر
فلما اجزنا ساحة الحي قلن لي
اما تتقي الاعداء والليل مقمر
وقلن اهذا داءبك الدهر سادرا
اما تستحي اما ترعوي او تفكر
اذا جئت فامنح طرفك غيرنا
لكي يحسبوا ان الهوى حيث تنظر

ويقول في الغزل ايضا

حَدِّثْ حَديثَ فتاة ِ حَيٍّ مرّة ً

بالجزعِ بين أذاخرٍ وحراءِ
قَالَتْ لِجَارَتِها عِشاءً، إذْ رَأَتْ



نُزَهَ المَكَانِ وَغَيْبَة َ الأَعْدَاءِ

في رَوْضة ٍ يَمّمْنَهَا مَوْلِيَّة ٍ

مَيْثَاءَ رَابِيَة ٍ بُعَيْدَ سَماءِ

في ظِلِّ دَانِيَة ِ الغُصُونِ وَرِيقَة ٍ
نَبَتَتْ بأَبْطَحَ طَيِّبِ الثَّرياءِ

وكأنّ ريقتها صبيرُ غمامة ٍ
بردت على صحوٍ بعيدَ ضحاء:

ليتَ المغيري العشية َ أسعفتْ
دارٌ بهِ، لتقاربِ الأهواءْ

إذ غابَ عنا منْ نخافُ، وطاوعتْ
أرضٌ لنا بلذاذة ٍ وخلاء

قلتُ: اركبوا نزرِ التي زعمتْ لنا
أن لا نباليها كبيرَ بلاءِ

بينا كذلكَ، إذ عجاجة ُ موكبٍ،

رَفَعُوا ذَمِيلَ العِيسِ بِالصَّحْرَاءِ

قَالَتْ لِجَارَتِها انْظري ها، مَنْ أُولَى
وتأملي منْ راكبُ الأدماء؟

قَالتْ أَبُو الخَطَّاب أَعْرِفُ زِياء

وَرَكُوبَهُ لا شَكَّ غَيْرَ خَفَاءِ

قَالَتْ وَهَلْ قَالَتْ نَعَمْ فَاسْتَبْشِري

ممن يحبُّ لقيه، بلقاء

قالت لقد جاءتْ، إذاً، أمنيتي،
في غيرِ تكلفة ٍ وغيرِ عناء

مَا كُنْتُ أَرْجُو أَن يُلِمَّ بأَرْضِنَا
إلا تمنيهُ، كبيرَ رجاء

فإذا المنى قد قربتْ بلقائه،
وأجابَ في سرٍّ لنا وخلاء

لما تواقفنا وحييناهما،
رَدَّتْ تَحِيَّتَنا عَلَى اسْتِحْيَاءِ

قلنَ: انزلوا فتيمموا لمطيكمْ
غيباً تغيبهُ إلى الإماء



وقال في الغزل ايضا :

وآخرُ عهدي بالربابِ مقالها،
لنا ليلة َ البطحاءِ، والدمعُ يسجمُ:

طربتَ، وطاوعتَ الوشاة َ، وبينتْ
شمائلُ من وجدٍ، ففيمَ التجرم؟

هلمّ فأخبرني بذنبيَ، أعترفْ
بعتباكَ، أو أعرفْ إذاً كيفَ أصرم

فإنْ كان في ذنبٍ إليكَ اجترمتهُ،
تَعَمَّدْتُهُ عَمْداً، فَنَفْسيَ أَلْوَم

وإن كان شيئاً قاله لكَ كاشحٌ،
كما شاءَ يسديه عليّ، ويلحم

فَصَدَّقْتَهُ، لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَرُدَّهُ،
وَلَمْ أَمْلِكِ الأَعْداءَ أَنْ يَتَكَلَّمُوا

فَقُلْتُ، وَكَانَتْ حُجَّة ً وَافَقَتْ بِها،
من الحقّ عندي بعضَ ما كنت أعلم:

صَدَقْتِ، وَمَنْ يَعْلَمْ فَيَكْتُمْ شَهادَة ً
على نفسه أو غيرهِ، فهو أظلم

فأما الذي فيه عتبتِ، فأنفه
لأنفكِ في صرمِ الخلائق أرغم

فَعُتْبَاكِ مِنّي أَنَّني غَيْرُ عَائِدٍ،
وأقسمُ بالرحمنِ لا نتكلم

وقلتُ لها: لو يسلكُ الناسُ وادياً
وتنحينَ نحو الشرقِ عما تيمموا

لكلفني قلبي أتابعكِ، إنني
بِذِكْرَاكِ أُخْرَى الدَّهْرِ، صَبٌّ مُتَيَّمُ

أَرَى ما يَلي نَجْداً، إذا ما حَلَلْتِهِ،
جميلاً، وأهوى الغورَ إن تتتهموا

**************************************








العرجي

هو محمد بن عبد الرحمن الاموي وهومن احفاد الخليفة الراشد عثمان بن عفان ولقب بالعرجي نسبة الى محل ولادته حيث ولد في موضع يقال له العرج قرب الطائف في بيت شرف وغنى لذا نشأ في حالة ميسورة من الترف والعبث ومطارة النساء.
تغزل بنساء كثيرات من حرائر الناس وكان يغتنم مواسم الحج او غيرها للتغزل بمن تعجبه منهن شانه في ذلك شان عمر بن ابي ربيعة المخزومي الا ان الاخير اكثر منه شهرة واكثر مغامرات واشد تغزلا وارق شعرا واشعر منه في هذا الباب. طلا شجاعا مجاهدا أتهم بدم فأخذ وسجن بمكة إلى أن مات في خلافة هشام بن عبد الملك الاموي
يتميز شعرالعرجي ككل الشعراء الغزليين بوضوح العبارة وسهولة اللفظ غلب على شعره سرد القصص الغرامية ومطاردة النساء .
يقول متغزلا \

يوسدني جسم المرافق تارة
جبايرها عضت بهن المعاضد
يفد ينني طورا وضممني تارة
كما ضم مولودا الى النحر والد
يقلن الا تبدي الهوى يستزدنني
وقد يستزاد ذو الهوى وهو جاهد
ويقول ايضا :

أَقُولُ غَدَاةَ اسْتَقَلَّ الجَمِيـ ـعُ والعَيْنُ مِنْ بَيْنِهِمْ تَسْفَحُ

كَدَفْعِ دَوَالِجَ منْ أُكْرَةٍ مَوَاهِبَ جَمٌّ لَهَا المَنْضَحُ

أُكَفْكِفُها جَاهِداً عَنْهُمُ وَتَغْلِبُ صَبْرِي فما تَنْشَحُ

إذا نَقَص الحَزْنُ من مَائِها غَطَا مَدُّ جَيَّاشِهِ يَطْفَحُ

أتَصْبِر للبَيْنِ أمْ تَنْتَحِي لِسَلْمَى فَذَاكَ إذَنْ أَرْوَحُ

فَلَلصَّبْرُ عِنْدَ انْفِتالِ الزَّمَان ِ بالمَرْءِ فِيما رَجَا أَنْجَحُ

أطَاعُوا بهِجْرانِكَ الكَاشِحينَ وَقِدْماً أُطِيعَ بِكَ الكُشَّحُ

فَسَوْفَ إذا فَكَّرُوا يَعْلَمُونَ أَجَيْبُكَ أَمْ جَيْبُهُ أَنْصَحُ

وَمَنْ هُوَ في قَوْلِهِ صَادِقٌ وَمَنْ أَمْرُهُ مُبْرَمٌ مُوجَحُ

فَكَادَ لِمَوْعِظَتي يَرْعَوِي عَن الجَهْلِ والمُرْعَوِي المُفْلِحُ

فَأَدْرَكَهُ مِنْ هَوَى تُكْتَم عَقَابِيلُ أَهْوَنُهَا يَجْرَحُ


لْبٍ بِهِ قَرْحَةٌ مِنْهُمُ ألاّ إنَّهُمُ رُبَّما أَقْرَحُوا

عَلَيْكَ فإن يُصْبِحُوا أَفْسَدُوا مِنَ امْرِكَ مَا قَبْلَهُ أَصْلَحُوا

مِنَ الآنِ فاتْرُكْ طِلابَ الَّذي تَوَلَّى مِنَ الـأَمْرِ إِذْ أصْبَحُوا

وَلا تَبْتَئِسْ بِهِمْ أَنْ جَرَى عَدُوٌّ بِأَمْرٍ فَلَمْ ي َسْجَحُوا



***********************************

الاحوص



عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عاصم بن ثابت الأنصاري، من شعراء العصر الأمويمن بني ضبيعة، لقب بالأحوص لضيق في عينه، شاعر إسلامي أموي هجّاء، صافي الديباجة، من طبقة جميل بن معمر ونصيب، وكان معاصرا لجرير والفرزدق. من سكان المدينة، وفد على الوليد بن عبد الملك في دمشق الشام فأكرمه ثم بلغه عنه ما ساءه من سيرته فرده إلى المدينة وأمر بجلده فجلد ونفي إلى دهلك وهي جزيرة بين اليمن والحبشة، كان بنو أمية ينفون إليها من يسخطون عليه.
بقي بها إلى ما بعد وفاة عمر بن عبد العزيز وأطلقه يزيد بن عبد الملك، فقدم دمشق وعاش بها بقية حياته وكان حماد الراوية يقدمه في النسيب على شعراء زمنه.
توفى بدمشق سنة \105 هجرية

ويقول متغزلا :

رَامَ قَلْبِي السُّلُوَّ عَنْ أَسْمَاءِ
وَتَعزَّى وَمَا بِهِ مِنْ عَزَاءِ

سُخْنَة ٌ في الشِّتَاءِ بَارِدَة ُ الصَّيْـ
ـفِ سِرَاجٌ في اللَّيْلَة ِ الظَّلْمَاءِ

كَفِّنَانِي إنْ مِتُّ فِي دِرْعِ أَرْوَى
وامْتَحَا لِي مِنْ بئْرِ عُرْوَة َ مَائِي

إنَّني والَّذي تَحُجُّ قُرَيشٌ
َيْتَه ُ سَالِكِينَ نَقْبَ كَدَاءِ

لَمُلِمٌّ بِهَا وإِنْ أُبْتُ مِنْها
صادِراً كالّذي وَرَدْتُ بِدَاءِ

ولها مربعٌ ببرقة ِ خاخٍ
وَمَصيفٌ بالقصرِ قَصْرِ قُباءِ

قلبتْ لي ظهرَ المجنِّ فأمستْ
قدْ أطاعتْ مقالة َ الأعداءِ


ويقول في الغزل ايضا :

انما الذلفاء همي فليدعني من يلوم

احسن الناس جميعا حين تمشي وتقوم

حبب الذلفاء عندي منطق منها رخيم

اصل الحبل لترضى وهي للحبل صروم

حبها في القلب داء مستكن لا يريم



ويقول متغزلا :

أَمَنْزِلَتَيْ سَلْمَى عَلَى القِدَمِ کسْلَمَا
فقدْ هجتما للشَّوقِ قلباً متَّيما

وذكَّرتما عصرَ الشَّبابِ الَّذي مضى ٍ
وَجِدَّة َ وَصْلٍ حَبْلُهُ قَدْ تَجَذَّمَا

وَإِنِّي إِذَا حَلَّتْ بِبِيشٍ مُقِيمَة ً
وحلَّ بوجٍّ جالساً أوْ تتهَّما

يَمَانِيَة ٌ شَطَّتْ فأَصبَحَ نَفْعُهَا
رَجَاءً وَظنّا ً بالمَغِيبِ مُرَجَّمَا

أُحِبُّ دُنُوَّ الدَّارِ مِنْهَا وَقَدْ أَبَى
بِهَا صَدْعُ شَعْبِ الدَّارِ إِلاّ تَثَلُّمَا

بكاها وما يدري سوى الظَّنِّ منْ بكى
أَحَيّاً يُبَكِّي أَمْ تُرَاباً وَأَعْظُمَا

فدعها وأخلفْ للخليفة ِ مدحة ً
تزلْ عنكَ يؤسي أوْ تفيدكَ أنعما

فَإِنَّ بِكَفَّيْهِ مَفَاتِيحَ رَحْمَة ٍ
وغيثَ حياً يحيا بهِ النَّاسُ مرهما

إِمَامٌ أَتَاهُ المُلْكُ عَفْواً وَلَمْ يُثِبْ
على ملكهِ مالاً حراماً ولا دما

تَخَيَّرَهُ رَبُّ العِبَادِ لِخَلْقِهِ
وليِّا وكانَ اللهُ بالنَّاسِ أعلما

فَلَمَّا قَضَاهُ اللَّهُ لَمْ يَدْعُ مُسْلِماً
لِبَيْعَتِهِ إِلاَّ أَجَابَ وَسَلَّمَا

ينالُ الغنى والعزّ منْ نالَ ودَّهُ
وَيَرْهَبُ مَوْتاً عَاجِلاً مَنْ تَشَأَّمَا


ويقول متغزلا ايضا:

أَمِنْ آلِ سَلْمَى الطَّارِقُ المُتَأَوِّبُ
إليَّ، وبيشٌ دونَ سلمى وكبكبُ

فَكِدْتُ اشْتِياقاً إذْ أَلَمَّ خَيَالُها
أبوحُ ويبدو منْ هوايَ المغيَّبُ

ويوماً بذي بيشٍ ظللتَ تشوقاً
لِعَيْنَيكَ أَسْرَابٌ مِنَ الدَّمْعِ تُسْكَبُ

أتيحتْ لنا إحدى كلابِ بن عامرٍ
وَقَدْ يُقْدَرُ الحَيْنُ البَعِيدُ وَيُجْلَبُ

بأرضٍ نأى عنها الصَّديقُ وغالني
بِها مَنْزِلٌ عَنْ طِيَّة ِ الحَيِّ أَجْنَبُ

وما هربتْ من حاجة ٍ نزلتْ بها
ولكِنَّها مِنْ خَشْيَة ِ الجُرْمِ تَهْرُبُ

أَقَامَتْ بِبِيشٍ فِي ظِلالٍ وَنِعْمَة ٍ
لها قيِّمٌ يخشى الجرائرَ مذنبُ

غَرِيبٌ نَأَى عَنْ أَرْضِهِ وَسَمَائِهِ
ليحيى وطول...........













الغزل في العصر العباسي
.
.

العصر العباسي شهد ازدهارا واسعا وكبيرا في شتى مجالات الحياة وفي الثقافة والعلوم والادب وفي الادب ومنه الشعر بكل أغراضه و في فن الغزل خاصة وذلك لعدة عوامل منها التقدم الحضاري والمزج بين حضارات الأمم المختلفة نتيجة اتساع رقعة الدولة العباسية ثم ظاهرة الغنى والرخاء الذي عم البلاد بالإضافة إلى كثرة الجواري والقيان اللائي كن مدار شعر الغزل. ونتيجة لكثرة هذا الصنف من النساء وسهولة الاتصال بهن أخذ الشاعر العباسي يتغزل بعشقه فخلع عنه أغلال القديم، وسار في ركب تطور المجتمع وميله الى الترف والغلو في المحارم فقذف المحصنات وعشق الجواري والقيان، ومارس الفواحش وتحلل من الأخلاق، وتغزل بعضهم بجوار متعددات وأصبحت هذه الصفة ظاهرة العصر حيث وجد و كثر الغزل الفاحش ولعل الخطر في هذا ظهور نوع من الغزل يعد أكثر الأنواع انحطاطاً واشمئزازا وهو الغزل بالمذكر او بالغلمان وكان ظهوره نتيجة للتفسخ الخلقي ومن خلال الامتزاج بالاعاجم وابتعاد المجتمع عن روح الاسلام .
واختط لنفسه درباً جديداً في الشعر والحياة. .
و في هذا العصر الكثير عن اللغة والأسلوب وما طرأ عليهما من ميل السهولة و نحو الشعبية واستعمال لغة الحياة اليومية حتى اتجه بعض الشعراء إلى استعمال الأمثال الشعبية وكذلك استعمال بعض ألفاظ اللطافة والتظرف الاجتماعي وإشاعة الرقة في لغة الغزل نتيجة تأثر هذه اللغة بالحياة المتحضرة الجديدة, وبالثقافة الشائعة, فأكثر الشعراء من ذكر العطر و الورد والتفاح في أشعارهم وأصبح للورد لغة في شعرهم يفهمها المحبون. واستخدم الشعراء العباسيون البديع في الشعر وأكثروا منه وخاصة عند شعراء الغزل مثل بشار بن برد ومسلم بن الوليد حيث نلحظ أسلوب الشعراء إلى البساطة والسهولة و لغة العصر المتطورة ومن هنا نشأ أسلوب جديد او ما نسميه بالأسلوب المولد أو أسلوب المولدين.
اما المعاني فأن الشعراء قد ابدعوا في اختراع او ايجاد المعاني الجديدة والتي تمتاز بالرقة والدقة لم يهملوا المعاني القديمة بل جاءوا بكثير منها في أشعارهم و وعمدوا الى استخراجها من معاني القدماء وصياغتها في قوالب جديدة تتلاءم مع روح العصر كما استخدموا ألفاظ المتكلمين والفلاسفة ومصطلحاتهم.
وفي الأوزان والقوافي فقد أصاب الأوزان كثير من التطور والتغيير منها ابتعاد الشعراء عن الأوزان الطويلة واتجهوا للأوزان الخفيفة. التي تتناغم مع الغناء وكثيرة حركاتها وكان للغناء أثر كبير في ذلك, فقد أخذ الشعراء ينظمون في أوزان جديدة تتلاءم وذوق المغنين, وقد أكثروا من النظم في الأوزان المهملة التي سجلها الخليل الفراهيدي مثل المجتث والمضارع والمقتضب. وللغناء أثر واسع في القوافي حيث اخذ الشعراء يجددون في قوافيهم ويستحدثون قوافي جديدة تتحاشى الخشونة والوقفات غير المستحبة. . ومما تميز به غزل العصر العباسي قلة القصائد الطويلة، وكثرة المقطعات الشعرية التي كانت تفوق المطولات الغزلية متانة، وصدق عاطفية وجمال تعبير.
و في العصر العباسي اشتهر كثير من الشعراء بالمطالع الغزلية التقليدية كالمتنبي وأبي تمام والبحتري الذي يقول في مقدمة إحدى قصائده:

ردي على المشتاق بعض رقاده
أو فاشركيه في اتصال سهاده

أسهرته حتى إذا هجر الكرى
خليت عنه ونمت عن إسعاده

ولاشك في أن افتتاح الشعراء العباسيين لقصائدهم بالمقدمات الغزلية المتوارثة، كان له سبب وأي سبب فمن المعروف أن معظم القصائد العربية تبدأ بالغزل ما عدا قصائد الرثاء، وعلة ذلك أن الغزل يصل إلى السمع ثم إلى القلب، فيكون برداً وسلاماً، حتى إذا جاء الغرض الحقيقي من القصيدة، وليكن هجاء، استجابت له النفس بسرعة، وأثر فيها تأثيراً بالغاً، وفي هذا المعنى يقول ابن الرومي:

ألم تر أنني قبل الأهاجي
أقدم في أوائلها النسيبا
لتخرق في المسامع ثم يتلو
هجائي محرقاً يكوي القلوبا
كصاعقة أتت في أثر غيث
وضحك البيض يتبعه النحيبا
ومن هنا نستطيع ان نلمس في شعرالغزل وحده عدة اغراض مختلفة ولكل من هذه الاغراض شعراؤه ومؤيدوه لذا فالدارس للشغر الغزلي في العصر العباسي يلاحظ ما يلي :
شعرالغزل التقليدي
شعر الغزل العفيف
شعرالغزل الحضري
شعرالغزل الفاحش
شعر الغزل بالمذكر او بالغلمان
شعر الغزل الصوفي


*****************************







الغزل التقليدي

ولكن بالرغم من ذلك ظل الشعراء يحافظون على قدر كبير من الغزل الخالي من الفحش و العفيف ومن سمات الغزل في هذا العصر الأخرى تلطيف الكلم والابتعاد عن ايراد الغريب من الالفاظ ومن أهم شعراء الغزل في هذا العصر ابو تمام و أبو نؤاس وبشار بن برد وأبو فراس الحمداني و غيرهم كثير . انظر الى قول ابي تمام وهو ينشد:
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى
ما الحب الا للحبيب الأولِ
كم منزل في الأرض يألفه الفتى
وحنينه ابداٍ لأول منزلِ

ومن شعراء الغزل التقليدي اذكر مايلي :



*****************************************************






ابوتمام الطا ئي


هو حبيب بن اوس الطائي ينتمي الى قبيلة طي العربية وقد اختلف مؤرخوا الادب في نسبه الى طي كما اختلفوا في مكان ولادته وزمنها .
ولد ابو تمام سنة\ 188 هجرية في احدى القرى التابعة لاعمال دمشق ويقال انه ولد من اسرة فقيرة معدمة تدين بالنصرانية وقد انتقلت عائلته الى دمشق طلبا للرزق والمعاش وهو لما يزل طفلا صغيرا ودمشق انذاك جنة من جنان الله تعالى في الارض متقدمة في كل امورها وكان لهذا الا نتقال اثر كبير على نفسية هذا الطفل وتفتح مواهبه في سن مبكرة.

ولما بلغ مبلغ الرجال وسن الرشد نبذ النصرانية واسلم واحسن اسلامه فكانت قصائده في شبابه تدل على انه شديد الحماس للاسلام قوية عقيدته وقد استبدل اسم ابيه فجعله اوسا بعد ان كان في النصرانية تدوس.
انتقل ابو تمام الى حمص ونظم شعره فيها بمدح عائلة طائية النسب متاثرا بشاعر حمص – ديك الجن - فاعجب به وعرض عليه شعره .

وبقي في حلب ردحا من الزمن ثم رحل بعدها متوجها الى مصر وفي مصر حيث بقي فيها مدة لاباس بها استسقى الناس الماء في الجامع الكبير فيها واستقى هو الادب من مناهله في ذلك الجامع الذي كانت تعقد فيه مجالس للدرس والتعلم في كل العلوم بمافيها الادب والشعر فكان فيه يسقي الماء ويستسقي العلم مكانه وقد اطلع اطلاعا واسعا على القران الكريم وتاثرفي اسلوبه حتى قيل انه حفظ القران الكريم كله.

بعد خمس سنوات قضاها في مصر مدح خلالها رجل حضرمي اسمه (عياش) كان من الاثرياء طمعا في المال حيث كان بامس الحاجة اليه وامله هذا به كثيرا ولماخاب امل ابي تمام منه هجاه اقذع هجاء وترك مصر عائدا الى الشام وفي اثناء عودته الى الشام استغل وجود الخليفة المامون فيها فمدحه لكن الخليفة اعرض عنه لانه علوي الراي كما قيل

بقي ابو تمام متجولا متنقلا من بلد الى اخر ناظما الشعر حتى طارت شهرته وعرف في كل الاوساط العربية ولما تولى الخليفة المعتصم الخلافة قربه المعتصم وجعله من شعرائه وخاصته وفضله لقوة شعره
مدح ابو تما م المعتصم وبعض القادة والولاة واصحاب النفوذ اذ كان من المتكسبين في الشعر وظل يتنقل بين بغداد والشام وزار خراسان واتصل بكثر من الرجال ومنهم الزيات الذي كان وزيرا للخليفة الواثق حيث ولاه بريد الموصل

بعد سنتين من استقراره في الموصل ويعمل في بريدها توفي سنة\ 231 هجرية


يقول في الغزل :

أَيا مَن لا يَرِقُّ لِعاشِقيه
وَمَن مَزَجَ الصُدودَ لَنا بِتيهِ
وَمَن سَجَدَ الجَمالُ لَهُ خُضوعاً
وَعَمَّ الحُسنُ مِنهُ مَن يَليهِ
سَليلُ الشَمسِ أَنتَ فَدَتكَ نَفسي
وَهَل لِسَليلِ شَمسٍ مِن شَبيهِ
كَمُلتَ مَلاحَةً وَفَضُلتَ ظَرفاً
فَأَنتَ مُهَذَّبٌ لا عَيبَ فيهِ
لَو كُنتَ عِندي أَمسِ وَهوَ مُعانِقي
وَمَدامِعي تَجري عَلى خَدَّيهِ
وَقَدِ اِرتَوَت مِن عَبرَتي وَجناتُهُ
وَتَنَزَّهَت شَفَتايَ في شَفَتَيهِ
لَرَأَيتَ بَكّاءً يَهونُ عَلى الهَوى
وَتَهونُ تَخلِيَةُ الدُموعِ عَلَيهِ
وَرَأَيتَ أَحسَنَ مِن بُكائي قَولَه ُ
هَذا الفَتى مُتَعَنِّتٌ عَينَيهِ



ويقول ايضا في الغزل:

فَحْواكَ عَيْنٌ على نَجْوَاكَ يامَذِلُ
حَتَّامَ لاَيَتَقضَّى قَوْلُكَ الخَطِلُ!؟

وإنَّ أسمجَ من تشكو إليهِ هوى ً
من كانَ أحسنَ شيءٍ عندهُ العذلُ

ما أقبلتْ أوْجُهُ اللذّاتِ سافرة ً
مذْ أدبرَتْ باللوى أيامُنا الأولُ

إن شئتَ ألا ترى صبراً لمصطبر
فانظُرْعلى أَي حالٍ أصبَحَ الطَّلَلُ

كأَنَّماجَادَمَغْناهُ، فَغَيَّرَه
دُمُوعُنا،يومَ بانُوا،وَهْيَ تَنْهَمِلُ

وَلَوْتَرَاهُمْ وإيَّانا ومَوْقِفَنا
في مـأتمِ البينِ لاستهلالنا زجلُ

من حرقة أطلقتها فرقة ٌ أسرتْ
قلباً ومنْ غزلٍ في نحرِهِ عذلُ

وقَدْطَوَى الشَّوْقَ في أَحشائنابَقَرٌ
عينٌ طوتهنَّ في أحشائِها الكللُ

فرَغْنَ لِلسحْرحَتَّى ظَلَّ كُلُّ شَجٍ
حران في بعضه عن بعضه شغلُ

يخزي ركام النقا ما في مآزرها
ويَفْضَحُ الكُحْلُ في أَجْفانِهاالكَحَلُ

وقال ايضا في الغزل :

يا دارُ دارَ عليكَ إرهامُ الندى
واهْتَزَّ رَوْضُكِ في الثَّرَى فَتَرَأَّدَا

وكسيتُ منْ خلعِ الحيا مستأسداً
أُنُفاً يُغَادِرُ وَحْشُهُ مُسْتَأْسِدا

طللٌ عكفتُ عليهِ أسألهُ إلى
أَنْ كادَ يُصْبِحُ رَبْعُهُ لِيَ مَسْجِدا

وظللتُ أنشدهُ وانشدُ أهلهُ
والحزنُ خدني ناشداً أو منشدا

سَقْياً لِمَعْهَدِكَ الَّذي لَو لَم يَكُنْ
ما كان قلبي للصبابة ِ معهدا

لمْ يُعْطِ نَازِلَة َ الْهَوَى حَق الْهَوَى
دَنِفٌ أَطَاف بهِ الْهَوَى فَتَجَلَّدا

صبٌّ تواعدتَ الهمومُ فؤادهُ
إنْ أَنتمُ أَخلَفتُمُوهُ مَوْعِدَا

لمْ تنكرينَ معَ الفراقِ تبلدي
وبَرَاعَة ُ الْمُشْتَاقِ أنْ يَتَبَلَّدَا


******************************************************************



ابو الطيب المتنبي


ابو الطيب المتنبي هو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبدالصمد الجعفي الكوفي الكندي. ولد بالكوفة سنة \303 هجرية – 915 ميلادية
.و أصوله من قبيلة كندة العربية ، و هم ملوك يمنيون، و دس خصومه في نسبه ا لا انه لم يعبه بذلك و قوى الآراء المتناقضة في نسبه أنه لم يشر إلى أبيه في شعره أبداً. الا ان قيل ان اباه كان سقاءا في الكوفة وتوفي في طفولته و على الاغلب أن طفولته كانت تتميز بالحرمان، و بالتنقل في العراق و الشام حيث كانت الفتن كثيرة .
ومن الملاحظ لحية المتنبي انه كان شخصان في حياته اثرا تاثيرا قويا فيها الاول سيف الدولة الحمداني.
كان المتنبي قد عرف سيف الدولة من قبل وسمع عن أفضاله الكثير وكانا في سن متقاربه، فوفد عليه المتنبي وعرض عليه أن يمدحه بشعره على ألا يقف بين يديه لينشد قصيدته كما كان يفعل الشعراء فأجاز له سيف الدولة أن يفعل هذا. أجازه سيف الدولة على قصائده بالجوائز الكثيرة وقربه إليه فكان من أخلص خلصائه وكان بينهما مودة واحترام، وتعد سيفياته أصفى شعره. غير أن المتنبي حافظ على عادته في إفراد الجزء الأكبر من قصيدته لنفسه وتقديمه إياها على ممدوحة، فكان أن حدثت بينه وبين سيف الدولة جفوة وسعها كارهوه وكانوا كثراً في بلاط سيف الدولة.

وقيل أن ابن خالويه رمى دواة الحبر على المتنبي في بلاط سيف الدولة، فلم ينتصف له سيف الدولة منه ، و طعن في هذه الرواية كثيرون لأسباب متعددة. بعد تسع سنوات في بلاط سيف الدولة جفاه سيف الدولة وزادت جفوته له بانتصار كارهي المتنبي ولأسباب غير معروفة قال البعض أنها تتعلق بحب المتنبي المزعوم لخولة شقيقة سيف الدولة التي رثاها المتنبي في قصيدة ذكر فيها حسن مبسمها، وكان هذا مما لا يليق عند رثاء بنات الملوك. انكسرت العلاقة الوثيقة التي كانت تربط سيف الدولة بالمتنبي وغادره إلى مصر حزيناً خائباً ليواصل النظر في أطماعه السياسية بعد أن قال في حضرته قصيدته الشهيرة:

وَاحَــرَّ قَلبــاهُ مِمَّــن قَلْبُـهُ شَـبِمُ
ومَــن بِجِسـمي وَحـالي عِنْـدَهُ سَـقَمُ

مـا لـي أُكَـتِّمُ حُبّـاً قـد بَـرَى جَسَدي
وتَــدَّعِي حُـبَّ سَـيفِ الدَولـةِ الأُمَـمُ

إِنْ كــانَ يَجمَعُنــا حُــبٌّ لِغُرَّتِــهِ
فَلَيــتَ أَنَّــا بِقَــدْرِ الحُـبِّ نَقتَسِـمُ

قــد زُرتُـه وسُـيُوفُ الهِنـدِ مُغمَـدةٌ
وقــد نَظَــرتُ إليـهِ والسُـيُوفُ دَم

وَكــانَ أَحسَــنَ خَــلقِ اللـه كُـلِّهِمِ
وكـانَ أَحْسَـنَ مـا فـي الأَحسَنِ الشِيَمُ

فَــوتُ العَــدُوِّ الِّـذي يَمَّمْتَـهُ ظَفَـرٌ
فــي طَيِّـهِ أَسَـفٌ فـي طَيِّـهِ نِعَـمُ

قـد نـابَ عنكَ شَدِيدُ الخَوفِ واصطَنَعَتْ
لَــكَ المَهابــةُ مـا لا تَصْنـعُ البُهَـمُ

أَلــزَمْتَ نَفْسَــكَ شَـيْئاً لَيسَ يَلْزَمُهـا
أَنْ لا يُـــوارِيَهُم أرضٌ ولا عَلَـــمُ

أَمـا تَـرَى ظَفَـراً حُـلواً سِـوَى ظَفَرٍ
تَصـافَحَت ْفيـهِ بيـضُ الهِنْـدِ والِلمَـمُ

يــا أَعـدَلَ النـاسِ إِلاَّ فـي مُعـامَلَتي
فيـكَ الخِصـامُ وأَنـتَ الخَـصْمُ والحَكَمُ


الشخص الثاني الذي خلف سيف الدولة الحمداني الأهمية في سيرة المتنبي هو كافور الإخشيدي، و كان مبعث ذهاب المتنبي إليه على كرهه له لأنه عبد طمعه في ولاية يوليها إياه. و لم يكن مديح المتنبي لكافور صافياً، بل بطنه بالهجاء و الحنين إلى سيف الدولة الحمداني، فكان مطلع أول قصيدته مدح بها كافور:

كفى بك داء أن ترى الموت شافياً
و حسب المنايا أن يكن أمانيا

و كان كافور حذراً، داهية، فلم ينل المتنبي منه مطلبه، بل إن وشاة المتنبي كثروا عنده، فهجاهم المتنبي، و هجا كافور و مصر هجاء مرا ومما نسب إلى المتنبي في هجاء كافور:

لا تأخذ العبد إلا والعصاة معه إن العبيد لأنجاس مناكيد

و استقر عزم المتنبي أن يغادر مصر بعد أن لم ينل مطلبه، فغادرها في يوم عيد الاضحى متخفيا ، و قال يومها قصيدته الشهيرة التي ضمنها ما بنفسه من مرارة على كافور و حاشيته، و التي كان مطلعها:

عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم لأمر فيك تجديد

ثم سافرالى خرسان وبعدها عاد الى بغداد فقتله قطاع الطرق في موقع بين بغداد والاحواز عند مدينة النعمانية الحالية سنة \354 هجرية -965 ميلادية وزنهبوا قافلته .

يقول في الغزل :

أجاب دمعي وما الداعي سوى طللٍ
دعا فلبّاهُ قبلَ الركبِ والإبلِ

ظَلِلتُ بين أُصيحابي أُكفكفهُ
وظلَّ يسفحُ بين العُذرِ والعَذّلِ

أشكو النوى ولهمْ من عبرَتي عَجَبٌ
كذاكَ كنتُ وما أشكو سوى الكِللِ

وما صبابةُ مشتاقٍ على أملٍ
من اللقاءِ كمشتاقٍ بلا أملِ

مُطاعةُ اللحَظِ في الألحاظِ مالكةٌ
لمقلتيها عظيمُ المُلكِ في المُقَلِ

تشبّهُ الخَفِراتُ الآنساتُ بها
في مشيها فينلنَ الحسنَ بالحيلِ

وقال ايضا :

دمعٌ جرى فقضى في الربعِ ما وجبا
لأهله وشفى أنّى ولا كَرَبا

عُجنا فأذهبَ ما أبقى الفراقُ لنا
من العقول وما ردَّ الذي ذَهَبا

سقيته عَبَراتٍ ظنها مطراً
سوائلاً من جفونٍ ظنها سُحُبا

دارُ الملمِّ لها طيفٌ تهددني
ليلاً فما صدقتْ عيني ولا كَذبا

أنأيته فدنا أدنيته فنأى
جشّمته فنبا قبّلته فأبى

هام الفؤادُ بأعرابيةٍ سكنتْ
بيتاً من القلبِ لم تَمددْ له طُنُبا

مظلومةُ القدِ في تشبيهه غُصُناً
مظلومةُ الريقِ في تشبيهه ضَرَبا

بيضاءُ تُطمِعُ في ما تحت حُلّتها
وعزَّ ذلك مطلوباً إذا طُلبا

كأنها الشمسُ يُعيي كفَّ قابضهِ
شُعاعها ويراهُ الطَرفُ مُقتَرِبا

مرّتْ بنا بين تِرْبَيها فقلتُ لها
من أين جانسَ هذا الشادنُ العَرَبا ؟



وقا ل في صباه متغزلا:

ألقَلْبُ أعلَمُ يا عَذُولُ بدائِهِ
وَأحَقُّ مِنْكَ بجَفْنِهِ وبِمَائِهِ

فَوَمَنْ أُحِبُّ لأعْصِيَنّكَ في
الهوَى قَسَماً بِهِ وَبحُسْنِهِ وَبَهَائِهِ
أأُحِبّهُ وَأُحِبّ فيهِ مَلامَةً؟
إنّ المَلامَةَ فيهِ من أعْدائِهِ

عَجِبَ الوُشاةُ من اللُّحاةِ وَقوْلِهِمْ
دَعْ ما نَراكَ ضَعُفْتَ عن إخفائِهِ

ما الخِلُّ إلاّ مَنْ أوَدُّ بِقَلْبِهِ
وَأرَى بطَرْفٍ لا يَرَى بسَوَائِهِ

إنّ المُعِينَ عَلى الصّبَابَةِ بالأسَى
أوْلى برَحْمَةِ رَبّهَا وَإخائِهِ

مَهْلاً فإنّ العَذْلَ مِنْ أسْقَامِهِ
وَتَرَفُّقاً فالسّمْعُ مِنْ أعْضائِهِ

وَهَبِ المَلامَةَ في اللّذاذَةِ كالكَرَى
مَطْرُودَةً بسُهادِهِ وَبُكَائِهِ

لا تَعْذُلِ المُشْتَاقَ في أشْواقِهِ
حتى يَكونَ حَشاكَ في أحْشائِهِ

إنّ القَتيلَ مُضَرَّجاً بدُمُوعِهِ
مِثْلُ القَتيلِ مُضَرَّجاً بدِمائِهِ

وَالعِشْقُ كالمَعشُوقِ يَعذُبُ قُرْبُهُ
للمُبْتَلَى وَيَنَالُ مِنْ حَوْبَائِهِ

لَوْ قُلْتَ للدّنِفِ الحَزينِ فَدَيْتُهُ
مِمّا بِهِ لأغَرْتَهُ بِفِدائِه

وُقِيَ الأميرُ هَوَى العُيُونِ فإنّهُ
مَا لا يَزُولُ ببَأسِهِ وسَخَائِهِ

يَسْتَأسِرُ البَطَلَ الكَمِيَّ بنَظْرَةٍ
وَيَحُولُ بَينَ فُؤادِهِ وَعَزائِهِ

إنّي دَعَوْتُكَ للنّوائِبِ دَعْوَةً
لم يُدْعَ سامِعُهَا إلى أكْفَائِهِ

فأتَيْتَ مِنْ فَوْقِ الزّمانِ وَتَحْتِهِ
مُتَصَلْصِلاً وَأمَامِهِ وَوَرائِهِ

مَنْ للسّيُوفِ بأنْ يكونَ سَمِيَّهَا
في أصْلِهِ وَفِرِنْدِهِ وَوَفَائِهِ

طُبِعَ الحَديدُ فكانَ مِنْ أجْنَاسِهِ
وَعَليٌّ المَطْبُوعُ مِنْ آبَائِهِ



************************************





















ابو العتاهية


إسماعيل بن القاسم بن سويد العيني، أبو إسحاق، ولد في عين التمر سنة 130 هـ - 747 م، ثم أنتقل إلى الكوفة، كان بائعا للجرار، مال إلى العلم والأدب ونظم الشعر حتى نبغ فيه، ثم انتقل إلى بغداد، وأتصل بالخلفاء، فمدح المهدي والهادي والرشيد.
كان مكثر، سريع الخاطر، في شعره إبداع، يعد في مقدمة الشعراء المولدين، من طبقة بشار بن برد وأبي نواس وأمثالهما. كان يجيد القول في الزهد والمديح وأكثر أنواع الشعر في عصره.
وأبو العتاهية كنية غلبت عليه لما عرف به في شبابه من مجون وقد احب ابو العتاهية جارية سوداء واعجب بها وتغزل بها كثيرا ولكنه كف عن حياة اللهو والمجون، ومال إلى التنسك والزهد، وانصرف عن ملذات الدنيا والحياة، وشغل بخواطر الموت، ودعا الناس إلى التزوّد من دار الفناء إلى دار البقاء وانقطع إلى قول الشعر في الزهد والتذكير في الاخرة بعد الموت ويتميز شعره بسهولة الالفاظ عجيبة واضح المعاني يمثل روحية شعب بائس فقير هجرالحياة وملذاتها وسلك طريق الاخرة وتوفي في بغداد،
أختلف في سنة وفاته فقيل سنة 213 هـ، 826 وقيل غيرها.

ومن شعره :

بكيْتُ على الشّبابِ بدمعِ عيــني
فلـم يُغـنِ البُكــاءُ ولا النّحـيبُ


فَيا أسَفاً أسِــفْتُ علــى شَبــابٍ
نَعاهُ الشّيبُ والرّأسُ الخَضِيبُ

عريتُ منَ الشّبابِ وكنتُ غضاً
كمَا يَعرَى منَ الوَرَقِ القَضيب

فيَا لَــيتَ الشّبــابَ يَعُودُ يَوْماً
فـأُخــبرَهُ بمـا فَعَـلَ المَـشيــبُ



*************************************************


























الغزل العفيف او البدوي:

والغزل العفيف استمد من غزل الشعراء العذريين في العصر الاموي وكان شعراؤه وفي طليعتهم العباس بن الأحنف يستمدون من غزل العذريين في العصر الأموي الكثير من المعاني والألفاظ، فهم يستعذبون نار هوى اشواقهم المحرقة، ويتلذذون بما يسببه او يجريه عليهم من شقاء وحرمان، لذا جاءت أشعارهم تغصّ بأحاديث العذاب والسهر والفراق واللوعة والتضرع واحتمال الكثير من المصاعب و الأهوال :


العباس بن الأحنف


هو العباس أبو الفضل، بن الأحنف بن الأسود بن طلحة بن جدان بن كلده من بني عدي بن حنيفة اليمامي
قيل انه ولد ببغداد سنة\ 103 هجرية وقيل اصله من عرب خرسا ن الا ان ولادته ومنشاه في بغداد فهو بغدادي الولادة والنشاة وقال الصولي عن الاخفش ( رأيت العباس بن الاحنف ببغداد بعد موت الرشيد وكان منزله بباب الشام وكان صديقا لي وعمره اقل من ستين سنة ) وبهذا ان صحت الرواية تكون وفاته سنة \ 163 هجرية وفي اليوم الذي مات فيه العالم النحوي الكبير الكسائي وان الرشيد امر ولده المامون بالصلاة عليهما
اشتهر الشاعرالعباس بن الاحنف بالغزل وقيل انه احب فتاة اسمها فوز وتغزل بها كثيرا في شعره .
قال عنه الشاعرالبحتري ( انه اغزل الناس ابو الفضل عربي شريف النسب ، أصله من بني حنيفة، ولكن أهله يقيمون في مدينة البصرة. نشأ في مدينة بغدادوفيها اشتهر. اتصل بالخليفة العباسي هارون الرشيد ونال عنده حظوة.....)
ابو الفضل العباس بن الاحنف لم يتكسب في شعره ولم يمدح احدا ولم يهجو احدا ، قال عنه المبرد في كتاب الروضة وفضله على نظرائه ( وكان العباس من الظرفاء، ولم يكن من الخلعاء، وكان غزلا ولم يكن فاسقا، وكان ظاهر النعمة ملوكي المذهب، شديد الترف، وذلك بين في شعره، وكان قصده الغزل وشغله النسيب، وكان حلو مقبولا غزلا غزير الفكر واسع الكلام كثير التصرف في الغزل وحده ولم يكن هجاءاً ولا مداحا....)
اما المبرد فقد قال فيه ( كان العباس شاعرا غزلا شريفا مطبوعا من شعراء الدولة العباسية، وله مذهب حسن، ولديباجة شعره رونق ولمعانيه عذوبة ولطف)
• يقول العباس بن الاحنف :

أَزَينَ نِساءِ العالَمينَ أَجيبي
دُعاءَ مَشوقٍ بِالعِراقِ غَريبِ
كَتَبتُ كِتابي ما أُقيمُ حُروفَهُ
ِ لشِدَّةِ إِعوالي وَطولِ نَحيبي
أَخُطُّ وَأَمحو ما خَطَطتُ بِعَبرَةٍ
َتسُحُّ عَلى القرطاسِ سَحَّ غُروبِ
أَيا فَوزُ لَو أَبصَرتِني ما عَرَفتِني
. لِطولِ شُجوني بَعدَكُم وَشُحوبي
وَأَنتِ مِنَ الدُنيا نَصيبي فَإِن أَمُت
فَلَيتَكِ مِن حورِ الجِنانِ نَصيبي
سَأَحفَظُ ما قَد كانَ بَيني وَبَينَكُم
وَأَرعاكُمُ في مَشهَدي وَمَغيبي
وَكُنتُم تَزينونَ العِراقَ فَشانَهُ
تَرَحُّلُكُم عَنهُ وَذاكَ مُذيبي
وَكُنتُم وَكُنّا في جِوارٍ بِغِبطَةٍ
نُخالِسُ لَحظَ العَينِ كُلَ رَقيبِ
فَإِن يَكُ حالَ الناسُ بَيني وَبَينَكُم
فَإِنَّ الهَوى وَالودَّ غَيرُ مَشوبِ
فَلا ضَحِكَ الواشونَ يا فَوزُ بَعدَكُم
وَلا جَمَدَت عَينٌ جَرَت بِسُكوبِ
وَإِنّي لَأَستَهدي الرِياحَ سَلامَكُم
إِذا أَقبَلَت مِن نَحوِكُم بِهُبوبِ
وَأَسأَلُها حَملَ السَلامِ إِلَيكُمُ
فَإِن هِيَ يَوماً بَلَّغَت فَأَجيبي
أَرى البَينَ يَشكوهُ المُحِبونَ كُلُّهُم
فَيا رَبُّ قَرِّب دارَ كُلِّ حَبيبِ
أَلا أَيُّها الباكونَ مِن أَلَمِ الهَوى
أَظُنُّكُمُ أُدرِكتُمُ بِذَنوبِ
تَعالَوا نُدافِع جُهدَنا عَن قُلوبِنا
فَنوشِكُ أَن نَبقى بِغَيرِ قُلوبِ



ويقول في صاحبته فوز متغزلا :


ألم تعلمي يا فوز أني معـــــــــــــذب ُ
بحبكم , والحين للمرء يجلــــــــــــــــب ُ

وقد كنت أبكيكم بيثرب مـــــــــــــــــرة ً
وكانت منى نفسي من الأرض ِ يثـــرب ُ

أُؤملكم حتى إذا ما رجعتمـــــــــــــــــــو
أتاني صدود ٌ منكم ُ وتجنــــــــــــــــــب ُ

فان ساءكم ما بي من الصبر , فارحموا
وان سرّكم هذا العذاب , فعذّبــــــــــــوا

فأصبحت ُ فيما كان بيني وبينكـــــــــــم
أحدّث عنكم من لقيت ُ فيعجـــــــــــــب ُ

وقد قال لي ناس تحمل دلالهــــــــــــــا
فكل ُّ صديق سوف يرضى ويغضـــب ُ

واني لأقلى بذْل غيرك فاعلمــــــــــــي
وبخلك ِ في صدري ألذ ُّ وأطيــــــــــــب ُ


فاني أرى من أهل بيتك نســــــــــــــوة ً
شبين َ لنا في الصدر ِ نارا ًتلهــــــــــب ُ


عرفن الهوى منـّا فأصبحن َ حـُسـّـــــدا
يخبرن عنـّا من يجيءْ ويذهـــــــــــب ُ

واني ابتلاني الله منكم بخــــــــــــــادم ٍ
يبلغكم عني الحديث ويكـــــــــــــــذب ُ

ولو أصبحت تسعى لتوصل بيننـــــــا
سعدت ُ , وأدركت ُ الذي كنت ُ أطلب ُ

وقد ظهرت أشياء ٌ منكم كثيــــــــــرة ٌ
وما كنت منكم مثلها أترقــــــــــــــب ُ

عرفت ُ بما جرّبت ُ أشياء جمـّــــــــة ً
ولا يعرف الأشياء إلا المجــــــــرب

ولي يوم ٌ شيعت الجنازة قصـــــــــة ٌ
غداة بدا البدر الذي كان يـُحجــــــب ُ

أشرت ُ إليها بالبنان فأعرضــــــــت
تبسم ُ طورا ً ثم تزوي فتقطـــــــــب ُ

غداة رأيت الهاشمية غــــــــــــــدوة ً
تهادى حواليها من العين ِ ربــــرب ُ

فلم أر َيوما ً كان أحسن منظـــــــراً
ونحن ُ وقوف ٌ وهي تنأى وتنــدب ُ

فلو علمت " فوز ٌ " بما كان بيننــا
لقد كان منها بعض ما كنت ُ أرهب ُ

ألا جعل الله الفدا كل ّ حــــــــــــرة
لفوز المنى إني بها لمعــــــذّب ُ

فما دونها في الناس للقلب مطلــب ٌ
ولا خلفها في الناس للقلب مذهـب ُ

وان تك فوز باعدتنا وأعرضت
وأصبح باقي حبلها يتقضـّــــــــــب ُ

وحالت على العهد الذي كان بيننــا
وصارت إلى غير الذي كنت أحسب ُ

وهان عليها ما ألاقي فربمـــــــــــــا
يكون التلاقي والقلوب تـُقلـــــــــــّب ُ

ولكنني والخالق البارئ الــــــــــذي
يـُزار ُ له البيت العتيق المحجــــــب ُ

لاستمسكن َّ بالود ِّ ما ذر َّ شــــــارق
وما ناح قمري ُّ وما لاح كوكــــــب ُ

وأبكي على فوز بعين ٍ سخينـــــــــة ٍ
وان زهدت فينا , نقول ُ : سترغب ُ

ولو أن لي من مطلع الشمس بكـرة
إلى حيث تهوى بالعشي فتغــــرب ُ

أحيط به ملكا ً, لما كان عـِدلهـــــا
لعمرك .. إني بالفتاة لمعجـــــــب ُ

ويقول فيها ايضا :

أَمــيـرَتـي لا تَــغـفِـري ذَنــبــي
فَــــإِنَّ ذَنــبــي شِــــدَّةُالــحُـبِّ

يــا لَـيـتَني كُـنـتُ أَنــا الـمُبتَلى
مِــنــكِ بِــأَدنــى ذَلِـــكَ الــذَنـبِ

حَــدَّثـتُ قَـلـبـي كــاذِبـاً عَـنـكُـمُ
حَـتّى اِسـتَحَت عَينَيَ مِن قَلبي

إِن كـانَ يُـرضيكُم عَذابي وَأَن
أَمـــوتَ بِـالـحَـسرَةِ وَالــكَـربِ

فَـالـسَمعُ وَالـطاعةُ مِـنّي لَـكُم
حَسبي بِما تَرضَونَ لي حَسبي


***************************************


الشريف الرضي


هو محمد ابو الحسن بن الحسين المعروف بالرضي الحسيني العلوي ولد ونشاء ببغداد في الكاظمية في بيت عز وترف وجاه وفيها درس الادب وتظلع في الثقافة وخاصة الدينية وكان طموحا تواقا لنيل الخلافة وقد رشح نفسه اليها الا لم ينلها .
توفي دون نيلها سنة 406 هجرية
يتميز شعره بالجدية في الامور والتهكم من الحياة كثير المعاني و شعره صا دق العاطفة

يقول متغزلا :

تُعَيرُني فَتَاة ُ الحَيّ أنّي
حظيت من المروءة والفتاء
وَأنّي لا أمِيلُ إلى جَوَادٍ
يعبد حر وجهي للعطاء
لعمرك ما لغدرك فيَّ ذنب
وليس الذنب الا من وفائي
وما جود الزفير عليك جوداً
وَلَكِنْ ذاكَ مِنْ لُؤمِ العَزَاءِ
معاداة الرجال على الليالي
اطيق ولا مداراة النساءِ

ويقول الشريف في الغزل ايضا:

ردوا الغليل لقلبي المشغوف
وَخُذوا الكَرَى عَن ناظرِي المَطرُوفِ

وَدَعُوا الهَوَى يَقوَى عَليّ مُضَاعَفاً
أني على الأشجان غير ضعيف

وَلَقَدْ رَتَقتُ على العَذُولِ مَسامعي
وَصَمَمْتُ عَن عَذْلٍ وَعن تَعنِيفِ

أرْضَى البَطالَة َ أن تكُونَ قَلائِدِي
أبداً ولوم اللائمين شنوفي

هل دارنا بالرمل غير نزيعة
أم حيّنا بالجزع غير مخلوف

فَلَقَدْ عَهِدْتُ بِهَا كَنافِرَة ِ المَهَا
من كل ممشوق القوام قضيف

سِرْبٌ، إذا استَوْقَفتُ في ظَبَيَاتِهِ
عَينيّ رُحْتُ عَلى جَوًى مَوْقُوفِ

يرعين أثمار القلوب تواركاً
مرعى ربيع بلالوى وخريف

كم بين أثناء الضلوع لهن من
قِرفٍ بِأظْفَارِ النّوَى مَقْرُوفَ


لا تأخذيني بالمشيب فإنه
تفويف ذي الأيام لا تفويفي

لو أستطيع نضوت عني برده
ورميت شمس نهاره بكسوف

كان الشباب دجنة فتمزقت
عَنْ ضَوْءِ لا حَسَنٍ، وَلا مألُوفِ

وَلَئِنْ تَعَجّلَ بالنُّصُولِ، فخَلْفَهُ
رَوْحاتُ سَوْفٍ للمَنُونِ عَنِيفِ

وإذا نظرت إلى الزمان رأيته
تعب الشريف وراحة المشروف


وقال في حبيبته ضمياء ايضا :


ولي كبد من حب ظمياء أصبحت
كَذي الجُرْحِ يُنكي بعدَما رَقأ الدّمُ

أصاب الهوى قلباً بعيداً من الهوى
وَمَا كُلُّ مَنْ يَبغي السّلامَة َ يَسلَمُ

أُجَمجِمُ عَنْ عُوّادِ قَوْميَ عِلّتي
وحبّكمُ ذاك الدّخيل المجمجَم


وقال متغزلا ايضا :

يا قلب ما انت من نجد وساكنه
خلفت نجدا وراء المدلج الساري

رَاحَتْ نَوَازِعُ مِنْ قَلْبي تُتَبّعُهُ
عَلى بَقَايَا لُبَانَاتٍ وَأوْطَارِ
أهْفُو إلى الرّكْبِ تَعلُو لي رِكابُهُمُ
مِنَ الحِمَى في أُسَيحاقٍ وَأطْمَارِ
تضوع ارواح نجد من ثيابهم
عند النزول لقرب العهد بالدار
يا رَاكِبَانِ! قِفَا لي وَاقضِيا وَطَرِي
وَخَبّرَانيَ عَنْ نَجْدٍ بِأخْبَارِ
هل روضت قاعة الوعساء ام مطرت
خميلة الطلح ذات البان والغار
أمْ هَلْ أبِيتُ وَدارٌ عندَ كاظِمَة ٍ
دارِي وَسُمّارُ ذاكَ الحَيّ سُمّارِي
أيّامَ أُودِعُ سرّي في الهَوَى فَرَسِي
وَأكتُمُ الحَيّ إدْلاجي وَأخطَارِي
فلم يزالا الى ان نم بي نفسي
وَحَدّثَ الرّكْبَ عنّي دَمعيَ الجارِي

وفي الغزل المحتشم يقول المتنبي :


مَنِ الجآذِرُ في زِيّ الأعَارِيبِ
حُمْرَ الحِلَى وَالمَطَايَا وَالجَلابيبِ

إنْ كُنتَ تَسألُ شَكّاً في مَعارِفِها
فمَنْ بَلاكَ بتَسهيدٍ وَتَعذيبِ

لا تَجْزِني بضَنًى بي بَعْدَهَا بَقَرٌ
مَنيعَةً بَينَ مَطْعُونٍ وَمَضرُوبِ

وَرُبّمَا وَخَدَتْ أيْدي المَطيّ بهَا
على نَجيعٍ مِنَ الفُرْسانِ مَصْبوبِ

كمْ زَوْرَةٍ لَكَ في الأعرابِ خافِيَةٍ
أدهى وَقَد رَقَدوا مِن زَوْرَةِ الذيبِ

أزُورُهُمْ وَسَوَادُ اللّيْلِ يَشفَعُ لي
وَأنثَني وَبَيَاضُ الصّبحِ يُغري بي

قد وَافقوا الوَحشَ في سُكنى مَراتِعِها
وَخالَفُوها بتَقْوِيضٍ وَتَطنيبِ

جِيرانُها وَهُمُ شَرُّ الجِوارِ لهَا
وَصَحبُهَا وَهُمُ شَرُّ الأصاحيبِ

فُؤادُ كُلّ مُحِبٍّ في بُيُوتِهِمِ
وَمَالُ كُلِّ أخيذِ المَالِ مَحرُوبِ

ما أوْجُهُ الحَضَرِ المُسْتَحسَناتُ بهِ
كأوْجُهِ البَدَوِيّاتِ الرّعَابيبِ

حُسْنُ الحِضارَةِ مَجلُوبٌ بتَطْرِيَةٍ
وَفي البِداوَةِ حُسنٌ غيرُ مَجلوبِ

أينَ المَعيزُ مِنَ الآرَامِ نَاظِرَةً
وَغَيرَ ناظِرَةٍ في الحُسنِ وَالطّيبِ

أفدِي ظِبَاءَ فَلاةٍ مَا عَرَفْنَ بِهَا
مَضْغَ الكلامِ وَلا صَبغَ الحَواجيبِ

وَلا بَرَزْنَ مِنَ الحَمّامِ مَاثِلَةً
أوراكُهُنَّ صَقيلاتِ العَرَاقيبِ

وَمِنْ هَوَى كلّ مَن ليستْ مُمَوِّهَةً
ترَكْتُ لَوْنَ مَشيبي غيرَ مَخضُوبِ

وَمِن هَوَى الصّدقِ في قَوْلي وَعادَتِهِ
رَغِبْتُ عن شَعَرٍ في الرّأس مكذوبِ

لَيتَ الحَوَادِثَ باعَتني الذي أخذَتْ
مني بحِلمي الذي أعطَتْ وَتَجرِيبي

فَمَا الحَداثَةُ من حِلْمٍ بمَانِعَةٍ
قد يُوجَدُ الحِلمُ في الشبّانِ وَالشِّيبِ

تَرَعْرَعَ المَلِكُ الأستاذُ مُكْتَهِلاً
قَبلَ اكتِهالٍ أديباً قَبلَ تأديبِ

مُجَرَّباً فَهَماً من قَبْلِ تَجْرِبَةٍ
مُهَذَّباً كَرَماً مِنْ غيرِ تَهذيبِ

حتى أصَابَ منَ الدّنْيا نِهايَتَهَا
وَهَمُّهُ في ابْتِداءاتٍ وَتَشبيبِ

يُدَبّرُ المُلْكَ منْ مِصرٍ إلى عَدَنٍ
إلى العِراقِ فأرْضِ الرّومِ فالنُّوبِ

إذا أتَتْهَا الرّياحُ النُّكْبُ منْ بَلَدٍ
فَمَا تَهُبُّ بِهَا إلاّ بتَرْتِيبِ

وَلا تُجاوِزُها شَمسٌ إذا شَرَقَتْ
إلاّ وَمِنْهُ لهَا إذْنٌ بتَغْرِيبِ

يُصَرّفُ الأمْرَ فيها طِينُ خاتَمِهِ
وَلَوْ تَطَلّسَ مِنهُ كلُّ مكتُوبِ

يَحُطّ كُلَّ طَوِيلِ الرّمْحِ حامِلُهُ
من سرْجِ كلّ طَوِيلِ الباعِ يَعبوبِ

كَأنّ كُلّ سُؤالٍ في مَسَامِعِهِ
قَميصُ يوسُفَ في أجفانِ يَعقوبِ

إذا غَزَتْهُ أعادِيهِ بِمَسْألَةٍ
فقد غَزَتْهُ بجَيْشٍ غَيرِ مَغْلُوبِ

أوْ حارَبَتْهُ فَمَا تَنْجُو بتَقْدِمَةٍ
ممّا أرَادَ وَلا تَنْجُو بتَجْبِيبِ

أضرَتْ شَجاعَتُهُ أقصَى كتائِبِهِ
على الحِمَامِ فَمَا مَوْتٌ بمَرْهوبِ

قالُوا هَجَرْتَ إلَيْهِ الغَيثَ قلتُ لهمْ
إلى غُيُوثِ يَدَيْهِ وَالشّآبِيبِ

إلى الذي تَهَبُ الدّوْلاتِ رَاحَتُهُ
وَلا يَمُنُّ على آثَارِ مَوْهُوبِ

وَلا يَرُوعُ بمَغْدورٍ بِهِ أحَداً
وَلا يُفَزِّعُ مَوْفُوراً بمَنْكُوبِ

بَلى يَرُوعُ بذي جَيْشٍ يُجَدّلُهُ
ذا مِثْلِهِ في أحَمّ النّقْعِ غِرْبِيبِ

وَجَدْتُ أنْفَعَ مَالٍ كُنتُ أذخَرُهُ
مَا في السّوَابِقِ مِنْ جَرْيٍ وَتَقرِيبِ

لمّا رَأينَ صُرُوفَ الدّهرِ تَغدُرُ بي
وَفَينَ لي وَوَفَتْ صُمُّ الأنابيبِ

فُتْنَ المَهَالِكَ حتى قالَ قائِلُهَا
ماذا لَقينَا منَ الجُرْدِ السّراحِيبِ

تَهْوِي بمُنْجَرِدٍ لَيسَتْ مَذاهِبُهُ
لِلُبْسِ ثَوْبٍ وَمأكولٍ وَمَشرُوبِ

يَرَى النّجُومَ بعَيْنَيْ مَنْ يُحاوِلُها
كأنّهَا سَلَبٌ في عَينِ مَسلُوبِ

حتى وَصَلْتُ إلى نَفْسٍ مُحَجَّبَةٍ
تَلقَى النّفُوسَ بفَضْلٍ غيرِ محْجوبِ

في جِسْمِ أرْوَعَ صَافي العَقل تُضْحكُه
خلائِقُ النّاسِ إضْحاكَ الأعاجيبِ

فَالحَمْدُ قَبْلُ لَهُ وَالحَمْدُ بَعدُ لها
وَلِلقَنَا وَلإدْلاجي وَتأوِيبي

وَكَيْفَ أكْفُرُ يا كافُورُ نِعْمَتَهَا
وَقَدْ بَلَغْنَكَ بي يا كُلّ مَطلُوبي

يا أيّهَا المَلِكُ الغَاني بتَسْمِيَةٍ
في الشّرْقِ وَالغرْبِ عن وَصْفٍ وتلقيبِ

أنتَ الحَبيبُ وَلَكِنّي أعُوذُ بِهِ
من أنْ أكُونَ مُحِبّاً غَيرَ محْبوبِب




الغزل الحضري:


اما الغزل الحضري فقد توسع واتخذ طوابع جديدة تبعا لحالة المجتمع العباسب المتطور وإذا كانت دولة بني أمية عربية أعرابية، فإن الدولة العباسية قد استبحرت في الحضارة، وعمّت فيها مظاهر البذخ والترف. ونتج عن احتكاك العرب بغيرهم من الأجناس الكثير من التغيير في أنماط الحياة الاجتماعية، وفي أساليب المأكل والملبس وآداب السلوك. وأدت عمليات الزواج بغير العربيات إلى نشوء جيل مولّد جديد، يضم عدداً كبيراً من الأدباء الذين ثاروا على الأدب القديم، ودعوا إلى التجديد في مضامينه وأساليبه وهي بداية حركة التطوير او التجديد في الشعر العربي عموما وفي الغزل خاصة حيث رقت الكلمة وسهلت كثيرا واستعدت هذه لتكون اغنية يغنيها المغنون والقيان في دور الخلفاء والامراء
ومن شعراء هذا الفن ابو نؤاس وبشار بن برد وسلم الخاسر وعلي بن الجهم والبهاء زهير وغيرهم كثير جدا .



**********************************









بشار بن برد


هو الشاعر ابو معاذ بشار بن برد العقيلي. وقيل العقيلي نسبه لامرأة من بني عقيل أعتقته.
ولد في نهاية القرن الأول الهجري سنة 96 هـجرية عند بني عقيل في بادية البصرة وأصله من فارس . كان هجاءا، فاحشا في شعره، هجى الخليفة المهدي ووزيره يعقوب بن داود. وهجا العلماء والنحاة فقد عرض بالأصمعي وسيبويه والأخفش وواصل بن عطاء. اتهم بالشعوبية والزندقة. وبرئه البعض من ذلك عند بداية العصر العباسي وقيام الفرس بشئون الدولة. تعلم في البصرة وانتقل إلى بغداد .أتهم في آخر ايامه بالزندقة. فضرب بالسياط حتى مات. ودفن بالبصرة. وكانت نهايته في عصر الخليفة المهدي. سنة \168 هجرية

يعتبر امام الشعراء المولدين. وهو شاعر مخضرم حيث عاصر نهاية الدولة الأموية وبداية الدولة العباسية. وقيل انه كان ضريرا، دميم الخلقة، طويلا، ضخم الجسم. و كان جريئا في الاستخفاف بكثير من الاعراف
والتقاليد نهما مقبلا على المتعة بصورها المتعددة الشراب والنساء والمخدرات، عاش بشار بن برد ما يقرب من سبعين عاما قبل أن يقتله الخليفة العباسي المهدي متهما اياه بالزندقة وكان بشار إلى جانب جرأته في غزله يهجو من لا يعطيه وكان قد مدح الخليفة المهدي فمنعه الجائزة فأسرها بشار في نفسه وهجاه هجاء مقذعا وهجا وزيره يعقوب بن داود وافحش في هجائه لهما فتعقبه الخليفة المهدي واوقع به وقتله.
عرف بشار بن برد ان الإقبال على الحياة يكلف المرء مالا كثيرا فأصبح شعره يتردد بين عدة أغراض منها: الغزل وهو يعبر عن فتنته الحسية بالنساء خلال مخالطته وخبرته وقيل انه كان يجلس فيما يشبه الصالون العصري يتقبل النساء الراغبات في سماع شعره أو المغنيات اللواتي حفظن هذا الشعر ليتغنين به والغرض الثاني هو المديح فانه الوسيلة التي يمكن أن تدر عليه المال الذي يحتاجه لينفقه في ملذاته ولذا كان مبالغا في مدائحه طمعا في رضا الممدوح لإغرائه بالعطاء والغرض الثالث هو الهجاء وكان بشار شديد الوطأة في هجائه خاصة على هؤلاء الذين يمتنعون عن عطائه ففي شعره الغزل والمدح والهجاء وفي كل منها اجاد وافلح وقد كان بشار يرتاد مجالس اللهو والغناء كثيرا واحب فتاة اسمها عبدة تغزل فيها كثيرا رغم عمى بصره
وفي ذلك يقول :

وذات دل كأن البدر صورتها
باتت تغني عميد القلب سكرانا
قلت احسنت يا سؤلي ويا املي
فاسمعيني جزاك الله احسانا
يا حبذا جبل الريان من جبل
وحبذا ساكن الريان من كانا
قالت فهلا فدتك النفس احسن من
هذا لمن كان صب القلب حيرانا
يا قوم اذنى لبعض الحي عاشقة
والأذن تعشق قبل العين أحيانا
فقلت احسنت انت الشمس طالعة
اضرمت في القلب والاحشاء نيرانا
فاسمعيني صوتا مطربا هزجا
يزيد صبا محبا فيك اشجانا
يا ليتني كنت تفاحا مفلجة
أو كنت من قضب الريحان ريحانا
حتى إذا وجدت ريحي فأعجبها
ونحن في خلوة مثلت إنسانا
فحركت عودها ثم انثنت طربا
تشدو به ثم لا تخفيه كتمانا
أصبحت اطوع خلق الله كلهم
لاكثر الخلق لي في الحب عصيانا
قلت اطربينا يا زين مجلسنا
فهات انك بالاحسان اولانا
لو كنت اعلم أن الحب يقتلني
اعددت لي قبل أن القاك اكفانا
فغنت الشرب صوتا مؤنقا رملا
يذكي السرور ويبكي العين الوانا
لا يقتل الله من دامت مودته
والله يقتل اهل الغدر أحيانا


وهو القائل ايضا :
من راقب الناس لم يظفر بحاجته
وفاز بالطيبات الفاتك اللهج


ويقول في عبدة حبيبته ايضا :


الا حي ذا البيت الذي لست ناظـراً
إلى أهله إلا بكيـت إلـى صحبـي


أزور سواه والهـوى عنـدي اهلـه
إذا ما استخفتني تباريح مـن حبـي

وإن نال مني الشوق واجهت بابهـا
بانسان عين ما يفيق مـن السكـب

كما ينظر الصـادي أطـال بمنهـل
فحلاة الـوراد عـن بـاردٍ عـذب

تصد إذا ما الناس كانـت عيونهـم
علينا وكنـا للمشيريـن كالنصـب

على مضمر بين الحشا من حديثنـا
مخافة أن تسعى بنا جـارة الجنـب

وما ذنـب مقـدورٍ عليـه شقـاؤه
من الحب عند الله في سابق الكتـب

لقد أعجبـت نفسـي بهـا فتبدلـت
فيا جهد نفسي قادها للشقـا عجبـي

وإنـي لأخشـى أن تقـود منيتـي
مودتها ،والخطب ينمي إلى الخطب

إذا قلت يصفو من (عبيدة) مشـرب
لحران صاد كررت في غد شربـي

وقد كنت ذا لب صحيح فاصبحـت
(عبيدة) بالهجران قد أمرضت لبـي

ولست بأحيى من "جميل بن معمر
و"عروة" إن لم يشف من حبها ربي

تعُـدُّ قليـلاً مالقيـت مـن الهـوى
وحبي بما لاقيت من حبهـا حسبـي

إذا علمـت شوقـي إلهـا تثاقلـت
تثاقل أخرى بان من شعبها شعبـي

فلو كان لي ذنـب إليهـا عذرتهـا
بهجري،ولكن قلّ في حبهـا ذنبـي

وقد منعـت منـي زيارتهـا التـي
إذا كربت نفسي شفيت بهـا كربـي

فأصبحت مشتاقـاً أكفكـف عبـرة
كذي العتب مهجوراً وليس بذي عتب

كأن فـؤادي حيـن يذكـر بيتهـا
مريض وما بي من سقام ولا طـب

أحاذر بعد الدار والقـرب شاعـف
فلا أنـا مغبـوط ببعـد ولا قـربٍ


وقال ايضا :

درة بحرية مكنونة
مازها التاجر من بين الدرر
عجبت فطمة من نعتي لها
هل يجيد النعت مكفوف البصر
أمتا بدد هذ ا لاعبي
ووشاحي حلة حتى انتشر
فدعيني معه يا أمتا
علنا في خلوة نقضي وطر
أقبلت مغضبة تضربها
واعتراها كجنون مستعر
بأبي والله ما أحسنه
دمع عين يغسل الكحل قصر
أيها النوام هبوا ويحكم
واسألوني اليوم ما طعم السهر

***********************************





البهاء زهير


ولد البهاء زهير في الحجاز قرب مكةالمكرمة ونشأ في مكة المكرمة في بيت عز وترف وجاه وغنى
قال الشعر في طفولته وقد هاجر الى مصر وسكن مدينة –قوص- وبرع في الادب
اتصل بخدمة الملك الايوبي في مصر الاانه ظهرت خصومة سياسية بينه وبينه في اواخر ايامه اخالها من وشايات حساده اضطر الى لزوم داره بعدها فاشتد به الفقر والعوز وشظف العيش الى ان وافاه الاجل
توفي في قوص سنة \656 هجرية
يتميز شعره يالسهولة ورقة الحواشي ودقة واختيار الاساليب والمعاني اللطيفة والالفاظ العذبة الرقيقة شعره من الشعر السهل الممتنع الذي تحفظه بسرعة وتنساه بسرعة ويصعب القول فيه او بمثله اذ يحس القارئ انه يستطيع ان يأتيؤ بمثله او يشعر مثله الا انه اذا اراد ان يشعر امتنع عليه ونكص .
ومن قوله متغزلا :

لو تراني وحبيبي عندما
فر مثل الضبي من بين يدي

قال ما ترجع عني قلت لا
قال ما تطلب مني قلت شيء

فانثنى يحمر منني خجلا
وثناه التيه عني لا الي

كدت بين الناس ان الثمه
اه لو افعل ماكان علي
ويقول البهاء زهير في الغزل :


أأحْـــبابنَا ماذا الرّحيل الذي دَنَا

فَقَدْ كُنْتُ منهُ دائــــماً أتَخوّفُ

هَبوا لي فــؤاداً إنْ رحلتُ أطاعَني
فإني بقَلبـــي ذلِكَ اليَوْم َأعْرَفُ

وياليْتَ عيني تَعــْرِفُ النَّومَ بَعدَكم
عَسَــــاها بطيفٍ منكُمُ تتألّفُ

تعالَوْا بنا نَسْرِقْ منَ العُمْرِ ســاعةً
فنَجني ثِمارَ الوَصْلِ فيها وَنَقْطِــفُ

وإنْ كُنتُمُ تَلقَونَ في ذاك كلفَــةً
دَعُوني أَمُتْ وَجْداً ولا تَتَكَلَّفُـــوا

أأحبابَنا إنِّي على القُرْبِ والنَّــوَى
أَحِنُّ إلَيْكُمْ حيثُ كُنْتُ وأعْطِــفُ

وطرفي إلى أوْطانِكُمْ مُتَلَفِّــــتٌ
وقَلْبي على أيَّامِكُمْ مُتَأسِّــــفُ

وكَمْ ليلةٍ بِتْنا علــــى غيرِ رِيبةٍ
حَبيبينِ يَنْهَانا النُّهَـــى والتَّعَفُّّفُ

تَرَكْنَا الهَوَى لما خَلَوْنا بمَعــــزلٍ
وَباتَ عَلَينــــا للصّبابةِ مُشْرِفُ

ظَفِرْنا بما نَهْوَى منَ الأُنْسِ وَحـدَه
وَلَسْنَا إلى ما خَلْفَهُ نَتَطَــــرَّفُ

سَلوا الدَّارَ عَمَّــا يَزْعُمُ النَّاسُ بَيْنَنا
لقَد عَلِمَتْ أنّي أعَفُّ وَأظـــرَفُ

وَهلْآنَسَــتْ مِنْ وَصْلِنَا ما يَشينُهُ
وَيُنْكِرُهُ مِنَّا العَفافُ وَيَأْنَــــفُ

سوَى خِلْسَـــةٍ نَسْتَغْفِرُ اللهَ إنَّنا
ليَحلُو لنا ذاكَ الحديـثُ الْمُزَخْرَفُ

حَديثٌ نَخَالُ الدّوحَ عِنْدَ سَــمَاعِهِ
لما هزَّ مِنْ أعطافِهِ يتَقََطَّــــفُ

لحا اللهُ قَلباً باتَ خِلواً مِنَ الهــوَى
وَعَيناً على ذِكْرِالهوَىليسَ تَذْرِفُ

وإنِّي لأرعى كُلَّ مَنْ كان عاشــقاً
ويزدادُ في عيني جلالا ًويَشْــرُفُ

وَما العِشْقُ في الإنســانِ إلا فَضِيلةٌ
تُدمِّثُ مِنْ أخْلاقـــِهِ وتَظَـرّفُ
يُعظّمُ مَنْ يَهْوى ويطلبُ قـــرْبَه
فَتكَْثــــرُ آدابٌ لَهُ وتَلَطَّـفُ

ويقول متغزلا ايضا :


لَعَلَّكَ تُصغي ساعَةً وَأَقولُ
لَقَد غابَ واشٍ بَينَنا وَعَذولُ

وَفي النَفسِ حاجاتٌ إِلَيكَ كَثيرَةٌ
أَرى الشَرحَ فيهاوَالحَديثُ يَطولُ

تَعالَ فَما بَيني وَبَينِكَ ثالِثٌ
فَيَذكُرُ كُلٌّ شَجوَهُ وَيَقولُ

وَإِيّاكَ عَن نَشرِ الحَديثِ فَإِنَّني
بِهِ عَن جَميعِ العالَمينَ بَخيلُ

بِعَيشِكَ حَدِّثني بِمَن قَتَلَ الهَوى
فَإِنّي إِلى ذاكَ الحَديثُ أَميلُ

وَما بَلَغَ العُشّاقُ حالاً بَلَغتُها
هُناكَ مُقامٌ ما إِلَيهِ سَبيلُ

وَماكُلُّ مَخضوبِ البَنانِ بُثَينَةٌ
وَماكُلُّ مَسلوبِ الفُؤادِجَميلُ

وَياعاذِلي قَد قُلتَ قَولاً سَمِعتُهُ
وَلَكِنَّهُ قَولٌ عَلَيَّ ثَقيلُ

عَذَرتُكَ إِنَّ الحُبَّ فيهِ مَرارَةٌ
وَإِنَّ عَزيزَ القَومِ فيهِ ذَليلُ

أَأَحبابَنا هَذا الضَنى قَد أَلِفتَهُ
فَلَو زالَ لاستَوحَشتُ حينَ يَزولُ

وَحَقِّكُمُ لَم يَبقَ فِيَّ بَقِيَّةٌ
فَكَيفَ حَديثي وَالغَرامُ طَويلُ

وَإِنّي لَأَرعى سِرَّكُم وَأَصونُهُ.
َ نِ الناسِ وَالأَفكارُ فيَّ تَجولُ

دَعوا ذِكرَ ذاكَ العَتبِ مِنّا وَمِنكُمُ.
اِلى كَم كِتابٌ بَينَنا وَرَسولُ

وَرُدّوا نَسيماً جاءَ مِنكُم يَزورُني
فَإِنّي عَليلٌ وَالنَسيمُ عَليلُ

وَلي عِندَكُم قَلبٌ أَضَعتُم عُهودَهُ
عَلى أَنَّهُ جارٌ لَكُم وَنَزيلُ

ويقول ايضا في الغزل:


دع الوشاة وما قالوا ومـا نقلـوا
ابينـي وبينكـم مـا سينفـصـلُ

لكم سرائـر فـي قلبـي مخبـأةٌ
لا الكتب تنفعني فيها ولا الرُسـلُ

رسائل الشوق عندي لو بعثت بها
إليكم لم تسعها الطـرق والسبـلُ

واستلـذُ نسيمهـا مـن دياركـمُ
كأن أنفاسهُ مـن نشركـم قبـلُ

وارحمتاهُ لصـب قـل ناصـرهُ
فيكم وضاق عليه السهل والجبـلُ

يزداد شعري حسناً حين أذكركـم
إن المليحة فيها يحسـن الغـزلُ

يا غائبين وفي قلبـي أشاهدهـم
وكلما انفصلوا عن ناظري اتصلوا






**********************************************











علي بن الجهم

هو أبو الحسن علي بن الجهم بن بدر القرشي السامي اختلف المؤرخون في تاريخ ولادته الا ان الاغلب اعتبرولادته عام\ 188 للهجرة شاعر مشهور؛ يقول الخطيب صاحب تاريخ بغداد: (له ديوان شعر مشهور، وكان جيد الشعر عالما بفنونه، وله اختصاص بجعفر المتوكل، وكان متديناً فاضلاً). كان معاصراً لأبي تمام. قيل ان اول بيت قاله من الشعر:

ماذا تقولين فيمن شَفهُ سَهَرٌ
من جَهدِ حُبكِ حتى صارَ حَيرانا

وكان عمره عشر سنوات وقاله في الغزل
غضب عليه المتوكل لهجائه، فنفاه إلى خراسان وأمر واليه عليها طاهر بن عبد الله بصلبه يوما كاملا مجردا فقال في ذلك:

لم ينصبوا بالشاذياخ صبيحة ال
إثنين مسبوقا ولا مجـهـولا
نصبوا بحمد الله ملء قلوبهـم
شرفا وملء صدورهم تبجيلا

رجع بعدها إلى العراق ثم انتقل إلى حلب، وخرج يريد الغزو فقتله فرسان من بني كلب، له ديوان وله شعر في حبسه، توفي سنة 863 م.
عاش علي بن الجهم شبابه في بيئة صحراوية قاسية، على الرغم من الشاعرية الفذة التي تتأجج في صدره الا ان الانسان وليد بيئته متاثر بها حتما، وتتكون فيها شخصيته وآثارها، لذا قيل عن علي بن الجهم ان قساوة البادية اثرت فيه كثيرا.
علي بن الجهم شاعرالخليفة المتوكل مدحه كثير وقيل ان غضب عليه فحبسه وفي حبسه انمشد قاصائد كثيرة اهمها داليته الشهيرة :

قـالت حبسـت و ليـس بضـائر
حبـسـي و أي مهنـد لا يغمـد

منح المتوكل على بن الجهم بيتا في بستان عند الرصافة وكانت مدينة عند جسر بغداد. وكان تلك المنظقة خضراء يانعة، وفيها سوق، وكان علي بن الجهم يرى الناس والسوق والخضرة والنضرة، والجمال في ذلك الحي.
ويقال انه تأقلم على ذلك المكان فدعاه المتوكل وجمع الناس لينشد الخليفة شعرا. فقال علي بن الجهم قصيدته الرائعة التي تعتبر اروع ما قاله وتعتبر من روائع الشعرالعربي ولا تزال ومطلعها :

عيون المها بين الرصافة والجسر
جلبنا الهوى من حيث ادري ولا ادري

وقيل انه خرج يريد الغزو فقتله فرسان من بني كلب توفي في سنة \249هجرية - 863 ميلادية


عُيونُ المَها بَينَ الرُصافَةِ وَالجِسرِ
جَلَبنَ الهَوى مِن حَيثُ أَدري وَلا أَدري

أَعَدنَ لِيَ الشَوقَ القَديمَ وَلَم أَكُن
سَلَوتُ وَلكِن زِدنَ جَمراً عَلى جَمرِ

سَلِمنَ وَأَسلَمنَ القُلوبَ كَأَنَّما
تُشَكُّ بِأَطرافِ المُثَقَّفَةِ السُمرِ

وَقُلنَ لَنا نَحنُ الأَهِلَّةُ إِنَّما
تُضيءُ لِمَن يَسري بِلَيلٍ وَلا تَقري

فَلا بَذلَ إِلّا ما تَزَوَّدَ ناظِرٌ
وَلا وَصلَ إِلّا بِالخَيالِ الَّذي يَسري

أحينَ أزحنَ القَلبَ عَن مُستَقَرِّهِ
وَأَلهَبنَ ما بَينَ الجَوانِحِ وَالصَدرِ

صددنَ صدودَ الشاربِ الخمر عندما
روى نفسَهُ عن شربها خيفةَ السكرِ

ألا قَبلَ أَن يَبدو المَشيبُ بَدَ نَني
بِيَأسٍ مُبينٍ أَو جَنَحنَ إِلى الغَدرِ

فَإِن حُلنَ أَو أَنكَرنَ عَهداً عَهِدنَهُ
فَغَيرُ بَديعٍ لِلغَواني وَلا نُكرِ

وَلكِنَّهُ أَودى الشَبابُ وَإِنَّما
تُصادُ المَها بَينَ الشَبيبَةِ وَالوَفرِ

كَفى بِالهَوى شُغلاً وَبِالشَيبِ زاجِراً
لَوَ اَنَّ الهَوى مِمّا يُنَهنَهُ بِالزَجرِ

أَما وَمَشيبٍ راعَهُنَّ لَرُبَّما
غَمَزنَ بَناناً بَينَ سَحرٍ إِلى نَحرِ

وَبِتنا عَلى رَغمِ الوُشاةِ كَأَنَّنا
خَليطانِ مِن ماءِ الغَمامَةِ وَالخَمرِ

خَليلَيَّ ما أَحلى الهَوى وَأَمَرَّهُ
وَأَعلَمَني بِالحُلوِ مِنهُ وَبِالمُرِّ

بِما بَينَنا مِن حُرمَةٍ هَل رَأَيتُما
أَرَقَّ مِنَ الشَكوى وَأَقسى مِنَ الهَجرِ

وَأَفضَحَ مِن عَينِ المُحِبِّ لِسِرِّهِ
وَلا سِيَّما إِن أَطلَقَت عَبرَةً تَجري

وَما أَنسَ مِ الأَشياءِ لا أَنسَ قَولَها
لِجارَتِها ما أَولَعَ الحُبَّ بِالحُرِّ

فَقالَت لَها الأُخرى فَما لِصَديقِنا
مُعَنّىً وَهَل في قَتلِهِ لَكِ مِن عُذرِ

عِديهِ لَعَلَّ الوَصلَ يُحييهِ وَاِعلَمي
بِأَنَّ أَسيرَ الحُبِّ في أَعظَمِ الأَمرِ

فَقالَت أَداري الناسَ عَنهُ وَقَلَّما
يَطيبُ الهَوى إِلّا لِمُنهَتِكِ السِترِ

وَأَيقَنَتا أَن قَد سَمِعتُ فَقالَتا
مَنِ الطارِقُ المُصغي إِلَينا وَما نَدري

فَقُلتُ فَتىً إِن شِئتُما كَتَمَ الهَوى
وَإِلّا فَخَلّاعُ الأَعنَّةِ وَالعُذرِ

عَلى أَنَّهُ يَشكو ظَلوماً وَبُخلَها
عَلَيهِ بِتَسليمِ البَشاشَةِ وَالبِشرِ

فَقالَت هُجينا قُلتُ قَد كانَ بَعضُ ما
ذَكَرتِ لَعَلَّ الشَرَّ يُدفَعُ بِالشَرِّ

فَقالَت كَأَنّي بِالقَوافي سَوائِراً
يَرِدنَ بِنا مِصراً وَيَصدُرنَ عَن مِصرِ

فَقُلتُ أَسَأتِ الظَنَّ بي لَستُ بشاعِر
وَإِن كانَ أَحياناً يَجيشُ بِهِ صَدري

صِلي وَاِسأَلي مَن شِئتِ يُخبِركِ أَنَّني
عَلى كُلِّ حالٍ نِعمَ مُستَودَعُ السِرِّ

وقال في الغزل ايضا :


أو ما رأيت الليث يألـف غيله
كبرا و أوبـاش السبـاع تردد

و الشمس لـولا أنهـا محجـوبة
عن نـاظريك لما أضـاء الفرقد

و البدر يدركه السرار فتنجلي
أيـامـه و كـأنـه مـتجـدد

و الغيث يحصره الغمام فما يرى
إلا و ريـقـه يـراح و يرعـد

و النـار في أحجـارها مخبوؤة
لا تصطلى إن لم تثرهـا الأزند

و الزاغبيـة لا يقيـم كعوبهـا
إلا الثقـاف و جـذوة تتوقـد

غِيَرُ اللَيالي بادِئاتٌ عُوَّدٌ
وَالمالُ عارِيَةٌ يُفادُ وَيَنفَدُ

وَلِكُلِّ حالٍ مُعقِبٌ وَلَرُبَّما
أَجلى لَكَ المَكروهُ عَمّا يُحمَدُ

لا يُؤيِسَنَّكَ مِن تَفَرُّجِ كُربَةٍ
خَطبٌ رَماكَ بِهِ الزَمانُ الأَنكَدُ

كَم مِن عَليلٍ قَد تَخَطّاهُ الرّدى
فَنَجا وَماتَ طَبيبُهُ وَالعُوَّدُ

صَبراً فَإِنَّ الصَبرَ يُعقِبُ راحَةً
وَيَد ُ الخَليفَةِ لا تُطاوِلُها يَدُ

وَالحَبسُ ما لَم تَغشَهُ لِدَنِيَّةٍ
شَنعاءَ نِعمَ المَنزِلُ المُتَوَرَّدُ

بَيتٌ يُجَدِّدُ لِلكَريمِ كَرامَةً
وَيُزارُ فيهِ وَلا يَزورُ وَيُحفَدُ

لَو لَم يَكُن في السِجنِ إِلّا أَنَّهُ
لا يَستَذِلُّكَ بِالحِجابِ الأَعبُدُ

يا أَحمَدُ بنَ أَبي دُؤادٍ إِنَّما
تُدعى لِكُلِّ عَظيمَةٍ يا أَحمَدُ

بَلِّغ أَميرَ المُؤمِنينَ وَدونَهُ
خَوضُ العِدى وَمخاوِفٌ لا تَنفَدُ

أَنتُم بَني عَمِّ النَبِيِّ مُحَمَّدٍ
أَولى بِما شَرَعَ النَبِيُّ مُحَمَّدُ

ما كانَ مِن حَسَنٍ فَأَنتُم أَهلُهُ
طابَت مَغارِسُكُم وَطابَ المَحتِدُ

أَمِنَ السَوِيَّةِ يااِبنَ عَمِّ مُحَمَّدٍ
خَصمٌ تُقَرِّبُهُ وَآخَرُ تُبعِدُ

إِنَّ الَّذينَ سَعَوا إِلَيكَ بِباطِلٍ
أَعداءُ نِعمَتِكَ الَّتي لا تُجحَدُ

شَهِدوا وَغِبنا عَنهُمُ فَتَحَكَّموا
فينا وَلَيسَ كَغائِبٍ مَن يَشهَدُ

لَو يَجمَعُ الخَصمَينِ عِندَكَ مَشهَدٌ
يَوماً لَبانَ لَكَ الطَريقُ الأَقصَدُ

فَلَئِن بَقيتُ عَلى الزَمانِ وَكانَ لي
يَوماً مِنَ المَلِكِ الخَليفَةِ مَقعَدُ

وَاِحتَجَّ خَصمي وَاِحتَجَجتُ بِحُجَّتي
لَفَلَجتُ في حُجَجي وَخابَ الأَبعَدُ

وَاللَهُ بالِغُ أَمرِهِ في خَلقِهِ
وَإِلَيهِ مَصدَرُنا غَداً وَالمَورِدُ

وَلَئِن مَضَيتُ لَقَلَّما يَبقى الَّذي
قَد كادَني وَلَيَجمَعَنّا المَوعِدُ

فَبِأَيِّ ذَنبٍ أَصبَحَت أَعراضُنا
نَهباً يُشيدُ بِها اللَئيمُ الأَوغَدُ


ومن قوله في الغزل :


خليلـي مـا أحلـى الهـوى وأمـره
أعرفنـي بالحلـو منـه وبالمـرَّ

كفى بالهوى شغلاً وبالشيب زاجـراً

لو أن الهوى ممـا ينهنـه بالزجـر

بما بيننا من حرمـة هـل متمـا
أرق من الشكوى وأقسى من الهجر

و أفضح من عيـن المحـب لسّـره
ولا سيما إن طلقت دمعـة تجـري

وإن أنست للأشياء لا أنسـى قولهـا
جارتها : ما أولـع الحـب بالحـر

فقالت لها الأخرى : فمـا لصديقنـا
معنى وهل في قتله لك من عـذر

صليه لعل الوصل يحييـه وأعلمـي
بأن أسير الحب في أعظـم الأسـر

فقالـت أذود النـاس عنـه وقلمـا
يطيب الهـوى إلا لمنهتـك الستـر

و ايقنتـا أن قـد سمعـت iفقالـتـا
من الطارق المصغي إلينا وما ندري

فقلت فتى إن شئتمـا كتـمت الهـوى
وإلا فخـلاع الأعـنـة والـغـدر




***************************************







ابن زريق البغدادي


هو أبو الحسن علي أبو عبد الله بن زريق الكاتب البغدادي ولد في بغداد ونشا فيها عاش فقيرا معدما ولما لم يسعفه الوقت قررالرحيل .
ارتحل ابن زريق البغدادي عن موطنه الأصلي في بغداد قاصداً بلاد الأندلس، عله يجد فيها من لين العيش وسعة الرزق ما يعوضه عن فقره، ويترك الشاعر في بغداد زوجة يحبها وتحبه كل الحب، ويخلص لها وتخلص له كل الإخلاص،و من أجلها سافر وهاجر وتغرب
وفي الأندلس - كما تقول لنا الروايات والأخبار المتناثرة – اخذ يجاهد ويكافح من أجل تحقيق حلمه، ولعله يوفق في حياته ويسعده الحظ لكن التوفيق لم يصاحبه، وهناك في الغربة البعيدة عمن احب مرض واشتد به المرض و حكم الدهر الا ان تكون نهايته في الغربة ؛ ويضيف الرواة بعداً جديداً للمأساة، فيقولون أن القصيدة التي لا يعرف له شعرٌ سواها وجدت معه عند وفاته سنة أربعمائة وعشرين من الهجرة.

والقصيدة هذه يخاطب فيها زوجته، ويؤكد لها حبه حتى الرمق الأخير من حياته، ويترك خلاصة تجربته في الغربة والرحيل، من أجل الرزق وفي سبيل زوجته التي نصحته بعدم الرحيل فلم يستمع إليها. وفي ختام قصيدته يظهر نادم متصدع القلب من لوعةٍ وأسى، حيث لا أنيس ولا رفيق ولا معين.
والمتأمل في قصيدة ابن زريق البغدادي لا بد له أن يكتشف رقة التعبير فيها، وصدق العاطفة، وحرارة التجربة ؛ فهي تنم عن أصالة شاعر مطبوع له لغته الشعرية المتفردة، وخياله الشعري الوثّاب، وصياغته البليغة المرهفة، ونفسه الشعري الممتد عبر حياته وفقره والغريب ألا يكون لابن زريق غير هذه القصيدة حيث لم تحفظ له كتب التراث في الشعر غير ها الا اني اشك في ذلك فهو اما احد امرين ان قصائده استغلت من قبل غيره من الشعراء او ان حرمانه وفقره جعلاه يقول الشعر ثم يمزقه لذا لم تظهر الا هذه وبعد وفاته ياله من شاعر مظلوم ظلمه الدهر وظلمه اهله واحبته والمجتمع القاسي .
فابن زريق شاعر قتله طموحه ، يعرفه دارسوا الأدب ومحبوه ، لكنهم لايعرفون له غير هذا الاثر الشعري الفريد يتناقله الرواة، وتُعنى به الدواوين الشعر العربي
ذ كر ابن السمعاني ان لهذه القصيدة قصة عجيبة فروى:

(أن رجلا من أهل بغداد قصد أبا عبد الرحمن الأندلسي وتقرب إليه بنسبه فأراد أبو عبد الرحمن أن يبلوه ويختبره فأعطاه شيئا نزراً فقال البغدادي إنا لله وإنا إليه راجعون سلكت البراري والقفار والمهامه والبحار إلى هذا الرجل فأعطاني هذا العطاء النزر فانكسرت إليه نفسه فاعتل ومات وشغل عنه الأندلسي إياما ثم سأل عنه فخرجوا يطلبونه فانتهوا إلى الخان الذي هو فيه وسألوا عنه في الخان فقيل إنه كان في هذا البيت ومذ أمس لم أبصره فصعدوا فدفعوا الباب فإذا هو ميت وعند رأسه رقعة فيها مكتوب:

لا تعذليه فإن العذل يولعه
قد قلت حقا ولكن ليس يسمعه

قال فلما وقف أبو عبد الرحمن على هذه الأبيات بكى حتى خضب لحيته وقال وددت أن هذا الرجل حي وأشاطره نصف ملكي وكان في رقعة الرجل منزلي ببغداد في الموضع الفلاني المعروف بكذا والقوم يعرفون بكذا فحمل إليهم خمسة آلاف دينار وعرفهم موت الرجل )
توفي ابن زريق البغدادي عام\420 هجرية حيث وجد ميتا في بيته المتواضع في الغربة في بلاد الاندلس وبجواره قصيدته لزوجته التي احبها واخلص لها حتى في غربته وهذه هي القصيدة:

لا تَعذَلِيه فَإِنَّ العَذلَ يُولِعُهُ
قَد قَلتِ حَقاً وَلَكِن لَيسَ يَسمَعُهُ

جاوَزتِ فِي لَومهُ حَداً أَضَرَّ
ِهِ مِن حَيثَ قَدرتِ أَنَّ اللَومَ يَنفَعُهُ

فَاستَعمِلِي الرِفق فِي تَأِنِيبِهِ بَدَلاً
مِن عَذلِهِ فَهُوَ مُضنى القَلبِ مُوجعُهُ

قَد كانَ مُضطَلَعاً بِالخَطبِ يَحمِلُهُ
فَضُيَّقَت بِخُطُوبِ المَهرِ أَضلُعُهُ

يَكفِيهِ مِن لَوعَةِ التَشتِيتِ أَنَّ لَهُ
مِنَ النَوى كُلَّ يَومٍ ما يُروعُهُ

ما آبَ مِن سَفَرٍ إِلّا وَأَزعَجَهُ
رَأيُ إِلى سَفَرٍ بِالعَزمِ يَزمَعُهُ

كَأَنَّما هُوَ فِي حِلِّ وَمُرتحلٍ
مُوَكَّلٍ بِفَضاءِ اللَهِ يَذرَعُهُ

إِنَّ الزَمانَ أَراهُ في الرَحِيلِ غِنىً
وَلَو إِلى السَدّ أَضحى وَهُوَ يُزمَعُهُ

تأبى المطامعُ إلا أن تُجَشّمه
للرزق كداً وكم ممن يودعُهُ

وَما مُجاهَدَةُ الإِنسانِ تَوصِلُهُ
رزقَاً وَلادَعَةُ الإِنسانِ تَقطَعُهُ

قَد وَزَّع اللَهُ بَينَ الخَلقِ رزقَهُمُ
لَم يَخلُق اللَهُ مِن خَلقٍ يُضَيِّعُهُ

لَكِنَّهُم كُلِّفُوا حِرصاً فلَستَ تَرى
مُستَرزِقاً وَسِوى الغاياتِ تُقنُعُهُ

وَالحِرصُ في الرِزقِ وَالأَرزاقِ قَد قُسِمَت
بَغِيُ أَلاإِنَّ بَغيَ المَرءِ يَصرَعُهُ

وَالمَهرُ يُعطِي الفَتى مِن حَيثُ يَمنَعُه
إِرثاً وَيَمنَعُهُ مِن حَيثِ يُطمِعُهُ

اِستَودِعُ اللَهَ فِي بَغدادَ لِي قَمَراً
بِالكَرخِ مِن فَلَكِ الأَزرارَ مَطلَعُهُ

وَدَّعتُهُ وَبوُدّي لَو يُوَدِّعُنِي
صَفوَ الحَياةِ وَأَنّي لا أَودعُهُ

وَكَم تَشبَّثَ بي يَومَ الرَحيلِ ضُحَىً
وَأَدمُعِي مُستَهِلّاتٍ وَأَدمُعُهُ

لا أَكُذبث اللَهَ ثوبُ الصَبرِ
مُنخَرقٌ عَنّي بِفُرقَتِهِ لَكِن أَرَقِّعُهُ

إِنّي أَوَسِّعُ عُذري فِي جَنايَتِهِ
بِالبينِ عِنهُ وَجُرمي لا يُوَسِّعُهُ

رُزِقتُ مُلكاً فَلَم أَحسِن سِياسَتَهُ
وَكُلُّ مَن لا يُسُوسُ المُلكَ يَخلَعُهُ

وَمَن غَدا لابِساً ثَوبَ النَعِيم بِلا
شَكرٍ عَلَيهِ فَإِنَّ اللَهَ يَنزَعُهُ

اِعتَضتُ مِن وَجهِ خِلّي بَعدَ فُرقَتِهِ
كَأساً أَجَرَّعُ مِنها ما أَجَرَّعُهُ

كَم قائِلٍ لِي ذُقتُ البَينَ قُلتُ لَهُ
الذَنبُ وَاللَهِ ذَنبي لَستُ أَدفَعُهُ

أَلا أَقمتَ فَكانَ الرُشدُ أَجمَعُهُ
لَو أَنَّنِي يَومَ بانَ الرُشدُ اتبَعُهُ

إِنّي لَأَقطَعُ أيّامِي وَأنفِنُها
بِحَسرَةٍ مِنهُ فِي قَلبِي تُقَطِّعُهُ

بِمَن إِذا هَجَعَ النُوّامُ بِتُّ لَهُ
بِلَوعَةٍ مِنهُ لَيلى لَستُ أَهجَعُهُ

لا يَطمِئنُّ لِجَنبي مَضجَعُ وَكَذ
ا لا يَطمَئِنُّ لَهُ مُذ بِنتُ مَضجَعُهُ

ما كُنتُ أَحسَبُ أَنَّ المَهرَ يَفجَعُنِي
بِهِ وَلا أَنّ بِي الأَيّامَ تَفجعُهُ

حَتّى جَرى البَينُ فِيما بَينَنا
بِيَدٍ عَسراءَ تَمنَعُنِي حَظّي وَتَمنَعُهُ

فِي ذِمَّةِ اللَهِ مِن أَصبَحَت مَنزلَهُ
وَجادَ غَيثٌ عَلى مَغناكَ يُمرِعُهُ

مَن عِندَهُ لِي عَهدُ لا يُضيّعُهُ
كَما لَهُ عَهدُ صِداقٍ لا أُضَيِّعُهُ

وَمَن يُصَدِّعُ قَلبي ذِكرَهُ وَإِذا
جَرى عَلى قَلبِهِ ذِكري يُصَدِّعُهُ

لَأَصبِرَنَّ لِمَهرٍ لا يُمَتِّعُنِي بِهِ
وَلا بِيَ فِي حالٍ يُمَتِّعُهُ

عِلماً بِأَنَّ اِصطِباري مُعقِبُ فَرَجاً
فَأَضيَقُ الأَمرِ إِن فَكَّرتَ أَوسَعُهُ

عَسى اللَيالي الَّتي أَضنَت بِفُرقَتَنا
جِسمي سَتَجمَعُنِي يَوماً وَتَجمَعُهُ

وَإِن تُغِلُّ أَحَدَاً مِنّا مَنيَّتَهُ
فَما الَّذي بِقَضاءِ اللَهِ يَصنَعُهُ


ابو فراس الحمداني :


ولد ابو فراس بن سعيد الحمداني في الموصل سنة\ 350 هجرية من اسرة بني حمدان المؤسسة للامارة الحمدانية في حلب في الشام

قتل ابوه ولم يبلغ الثالثة من العمر فكفله ابن عمه سيف الدولة فشب محاطا برجال العلم والادب والثقافةالعالية وتعلم الفروسية والشجاعة والقتال في صباه حيث كان يخرج في طفولته مع الجيش للجهاد وعندما بلغ سن الرشد ولاه سيف الدولة ولاية –منبج - قرب الحدود البيزنطية فصد هجمات الروم دفاعا عن حياض الامارة وجهادا في سبيل الله
اسر مرتين الاولى افرج عنه بعد مدة قصيرة والثانية لبث في الاسر اسيرا مدة طويلة
فكانت هذه الايام ايا الاسر اخصب ايام حياته الادبية او الشعرية حيث انشد فيها اروع قصائده
ولما توفي سيف الدولة امير الدولة الحمدانية كان ابو فراس في حمص فلزم امور الامارة رجل اسمه – فرغويه- فاستقل ابو فراس بحمص التي كان واليا عليها الا ان معارك طاحنة دارت بين ابي فراس وبين فرغويه قتل فيها ابو فراس وهو في زهو شبابه ومقتبل عمره سنة \386 هجرية وبمقتله انهارت الامارةالحمدانية في الشام حيث قضي عليها بمقتله
ابو فراس شاعر صادق العاطفة امير لم يتكسب بشعره وشعره يتميز بالعاطفة الصادقة وسهولة لفظه يدخل الى القلب مستساغا كانه الماء الزلال اشتهر بالفخر والرثاءو الوصف والغزل ومن قوله في وصف الشيب الذي الم به.
ويقول متغزلا :
. أَراكَ عَصِيَّ الدَمعِ شيمَتُكَ الصَبرُ
أَما لِلهَوى نَهيٌ عَلَيكَ وَلا أَمرُ
بَلى أَنا مُشتاقٌ وَعِندِيَ لَوعَةٌ
وَلَكِنَّ مِثلي لا ُذاعُ لَهُ سِرُّ
إِذا اللَيلُ أَضواني بَسَطتُ يَدَ الهَوى
وَأَذلَلتُ دَمعاً مِن خَلائِقِهِ الكِبرُ
تَكادُ تُضيءُ النارُ بَينَ جَوانِحي
إِذا هِيَ أَذكَتها الصَبابَةُ وَالفِكرُ
مُعَلِّلَتي بِالوَصلِ وَالمَوتُ دونَهُ
إِذا مِتَّ ظَمآناً فَلا نَزَلَ القَطرُ
حَفِظتُ وَضَيَّعتِ المَوَدَّةَ بَينَنا
وَأَحسَنَ مِن بَعضِ الوَفاءِ لَكِ العُذرُ
وَما هَذِهِ الأَيّامُ إِلّا صَحائِفٌ
لأحرُفِها مِن كَفِّ كاتِبِها بَشرُ
بِنَفسي مِنَ الغادينَ في الحَيِّ غادَةً
هَوايَ لَها ذَنبٌ وَبَهجَتُها عُذرُ
تَروغُ إِلى الواشينَ فِيَّ وَإِنَّ لي
لَأُذناً بِها عَن كُلِّ واشِيَةٍ وَقرُ
بَدَوتُ وَأَهلي حاضِرونَ لِأَنَّني
أ َرى أَنَّ داراً لَستِ مِن أَهلِها قَفرُ
وَحارَبتُ قَومي في هَواكِ وَإِنَّهُم
وَإِيّايَ لَولا حُبَّكِ الماءُ وَالخَمرُ
فَإِن يَكُ ماقالَ الوُشاةُ وَلَم يَكُن
فَقَد يَهدِمُ الإيمانُ ماشَيَّدَ الكُفرُ
وَفَيتُ وَفي بَعضِ الوَفاءِ مَذَلَّةٌ
لِإِنسانَةٍ في الحَيِّ شيمَتُها الغَدرُ
تُسائِلُني مَن أَنتَ؟ وَهيَ عَليمَةٌ
وَهَل بِفَتىً مِثلي عَلى حالِهِ نُكرُ!
فَقُلتُ: كَما شاءَت وَشاءَ لَها الهَوى
قَتيلُكِ قالَت: أَيَّهُم فَهُمُ كُثرُ؟
فَقُلتُ لَها: لَو شِئتِ لَم تَتَعَنَّتي
وَلَم تَسأَلي عَنّي وَعِندَكِ بي خُبرُ
فَقالَت: لَقَد أَزرى بِكَ الدَهرُ بَعدَنا
فَقُلتُ: مَعاذَ اللَهِ بَل أَنتِ لا الدَهرُ!
وَما كانَ لِلأَحزانِ لَولاكِ مَسلَكٌ
إِلى القَلبِ لَكِنَّ الهَوى لِلبِلى جِسرُ
وَتَهلِكُ بَينَ الهَزلِ وَالجَدِّ مُهجَةٌ
إِذا ماعَداها البَينُ عَذَّبَها الهَجرُ
فَأَيقَنتُ أَن لاعِزَّ بَعدي لِعاشِقٍ
وَأَنَّ يَدي مِمّا عَلِقتُ بِهِ صِفرُ
وَقَلَّبتُ أَمري لا أَرى لِيَ راحَةً
إِذا البَينُ أَنساني أَلَحَّ بِيَ الهَجرُ
فَعُدتُ إِلى حُكمِ الزَمانِ وَحُكمِها
لَها الذَنبُ لاتُجزى بِهِ وَلِيَ العُذرُ
فَلا تُنكِريني يا اِبنَةَ العَمِّ إِنَّهُ
لِيَعرِفُ مَن أَنكَرتِهِ البَدوُ وَالحَضرُ
وَلا تُنكِريني إِنَّني غَيرُ مُنكِرٍ
إِذا زَلَّتِ الأَقدامُ وَاِستُنزِلَ النَصرُ


***********************************







الغزل الفاحش :

هذا التيار ظهر نتيجة الامتزاج الاجتماعي وكثيرة الغواني وتجارة الجواري وظهور اسواق النخاسة في بغداد وكثرة النخاسين وتاثيرها على المجتمع حيث وصل الى حد التهتك والاسراف في القول الفحش والفسق والمجون حتى تعمد بعض شعراء الغزل قول الشعر الغزلي الجنسي المفضوح و لعل غلبة الاتجاه الماجن في هذا العصر كانت بسبب كثرة الإماء ودور النخاسين التي كانت تزخر بالجواري من كل جنس، وما كنّ يشعنه في جو بغداد من إباحية وتحلل خلقي ، جعل الشعراء يسرفون في النظر إلى المرأة بمنظار الشهوة ولعل من سار في هذا الاتجاه، منسجماً مع موقف شمولي ينطوي على رغبة لا متناهية في التحرر من كل قيد، ومتخذاً من نشوة السكر نافذة يطل بها على العالم. وبلغ به الاستهتار حد ا لايطاق .
و ادى كثرة الجواري في بيوت الخلفاء والأمراء ومراتع اللهو إلى حالة من الفساد الخلقي واشاعته في المجتمع البغدادي لذا فقد ظهر التهتك والقول الفحش في الشعر ونظم القصائد الكثيرة في الغزل الفاحش والنشوة الجنسية والاباحية ومن شعراء هذا الغرض والبة بن الحباب و حسين الضحاك وابو نؤاس ومسلم بن الوليد و شعراء كثيرون


ابو نؤاس


هو الحسن بن هانيء بن الصباح مولى الجراح بن عبد الله بن جعادة بن افلح بن الحارث بن دوة بن حدقة بن مظة
أبو نواس الحسن بن هانئ فارسي الأب والأم, كان ينتسب إلى آل الحكم من بني سعد العشيرة اليمانيين حتى ذهب بعض الأقدمين إلى أنه عربي الأصل، والصواب أنه فارسي وأمه جلبان فارسية أيضا.
كنيته ابو نواس سأل عن كنيته والسبب يرجع الى : وكنيته ابو نؤاس
ولد في الاحواز من اب عربي وام فارسية ثم انتقل الى البصرة
نشافي البصرة وترعرع فيها في رعاية ام فقير ةالحال معدمة بعد ان رزأه الموت بأبيه صغيرا

تردد ابو نؤاس على مجالس الادب واللغة في البصرة التي كانت حاضرة كبيرة ومركز اشعاع من مراكز الثقافة الاسلامية وقد اكتسب من الادب والشعر الشيءالكثير ثم سافر الى الكوفة مع جماعة اخرين
في الكوفة تتلمذ على يد شعراء ماجنين خلعاء كوالبة بن الحباب والحسين بن الضحاك فتاثر بهم كثيرا وقال الكثيرمن الشعر في الغزل بالمذكر الفاسد والشعر الخليع وسار في طريق اللذة والانهيار الخلقي.

نزح ابو نؤاس الى بغداد واتصل بالرشيد ومدحه فقربه الخليفة الرشيد واعتبره نديمه الخاص وسافر الى مصر بعد وفاة الرشيد ومدح واليها هناك وظل فيها سنة كاملة رجع بعدها الى بغاد وبقي في بلاط الخليفة الامين . توفي في بغداد سنة\ 198 هجرية

فقد نظم ابو نؤاس الشعر في اغلب الفنون الشعرية واجاد فيها واكثر من شعر الخمرة ووصف مجالسها وتغزل بالمذكر ولديه نزعة شعوبية وابو نؤاس من شعراء البلاط العباسي . تبعه أبو نواس في مذهبه، وأجرى على لسانه غزلاً فيه عبث، ومجون واستهتار وحيوانية، فهو يتعرض في شعره المفضوح إلى الإماء والقيان، وهو يتظاهر بالحب والهوى لكنه لا يميل في الواقع إلا إلى إشباع غرائزه الجنسية ونزواته البهيمية، همه أن يوقظها إذا خمدت ويتسثيرها إذا نامت، وهو بالإضافة إلى هذا كله يغلو ويسرف في الميل إلى معاشرة المرأة ووطئها، وديوانه حافل بهذا النوع من الشعر الداعر، الذي يموج بالشهوة المتأججة. والرغبة الجامحة، وإذا كان تهذيبه يظهر في شيء ففي طلبه للقبلة، والفوز بها بعد امتناع ونصب:


سألتها قبلة ففزت بها
بعد امتناع وشدة التعب
فقلت بالله يا معذبتي
جودي بأخرى أقضي بها أربي
فابتسمت ثم أرسلت مثلا
يعرفه العجم ليس بالكذب
لاتعطين الصبي واحدة
يطلب أخرى بأعنف الطلب
وأبو نواس في شعره الماجن إنما يتأثر أستاذه المباشر وهو والبة بن الحباب الذي كان شاعراً ظريفاً غزلاً، تتلمذ على يديه أبو نواس فغرف من بحره، وجاراه في شعره .




*************************************


















والبة بن الحباب

هو أبو أسامة والبة بن الحباب الاسدي الكوفي شاعر غزلي، ظريف، ماجن. ولد في الكوفة سنة \ 170 هجرية\ 786ميلادية. من بني نصر بن قعين، من أسد بن خزيمة شاعر من شعراء العصر العباسي الأول.وهو راس الشعراء الماجنين في هذا العصر، يدور اغلب شعره حول الخمرة والمجون والغزل بالغلمان والترف والملذات ويأتي على رأس التيار الذي لا همّ له إلا البحث عن اللذة وإشباع الشهوات، كأمثال مطيع بن إياس والحسين بن الضحاك وقد كان احد اسباب وراء توجيه أبي نواس نحو المجون حيث ان ابا نؤاس تلميذه وقيل انه راي ابا نؤاس غلاما في البصرة، يبري العود، فاستصحبه إلى الأهواز ثم إلى الكوفة، فشاهد معه أدباءها، فتأدب بأدبهم. وقدم والبة الى بغداد، في أواخر أعوامه، فهاجى بشارا وأبا العتاهية فغلباه، فاضطر الى العودة إلى الكوفة خاسرا . وكان أبيض اللون أشقر الشعر. ولما مات رثاه أبو نواس
وقيل للخليفة المهدي ان الشاعر والبة ﺃﺭﻕ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺸﻌﺭﺍ فهو القائل :
ﻭﻟﻬﺎ - ﻭﻻ ﺫﻨﺏ ﻟﻬﺎ -
ﺤﺏ ﻜﺄﻁﺭﺍﻑ ﺍﻟﺭﻤﺎﺡ
ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻠﺏ ﻴﻔﺩﺡ ﻭﺍﻟﺤﺸﺎ
ﻓﺎﻟﻘﻠﺏ ﻤﺠﺭﻭﺡ ﺍﻟﻨﻭﺍﺤﻲ
ﻗﺎﻝ: ﺼﺩﻗﺕ ﻭﺍﷲ ،
ﻗﺎﻝ: ﻓﻤﺎ ﻴﻤﻨﻌﻙ ﻤﻥ ﻤﻨﺎﺩﻤﺘﻪ ﻴﺎ ﺃﻤﻴﺭ ﺍﻟﻤﺅﻤﻨﻴﻥ، ﻭﻫﻭ ﻋﺭﺒﻲ شرﻴﻑ
ﻗﺎﻝ: ﻴﻤﻨﻌﻨﻲ ﻭﺍﷲ ﻤﻥ ﻤﻨﺎﺩﻤﺘﻪ، ﻗﻭﻟﻪ:

ﻗﻠﺕ ﻟﺴﺎﻗﻴﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺨﻠﻭﺓ
ﺃﺩﻥ ﻜﺫﺍ ﺭﺃﺴﻙ ﻤﻥ ﺭﺃﺴﻲ

ﻭﻨﻡ ﻋﻠﻰ ﻭﺠﻬﻙ ﻟﻲ ﺴﺎﻋﺔ
ﺇﻨﻲ ﺍﻤﺭﺅ ﺃﻨﻜﺢ ﺠﻼﺴﻲ

فقيل له :ﺃﻓﺘﺭﻴﺩ ﺃﻥ ﻴﻜﻭﻥ ﺠﻼﺴﻪ ﻋﻠﻰ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺸﺭﻴﻁﺔ! ﻭﺫﻜﺭ ﻤﺤﻤﺩ ﺒﻥ ﺴﻼﻡ ﺃﻨﻪ ﻜﺎﻥ ﻓﻲ ﺯﻤﻥ ﺍﻟﻤﻬﺩﻱ ﺇﻨﺴﺎنا ﻀﻌﻴفا ﻴﻘﻭﻝ ﺍﻟﺸﻌﺭ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻤﺩﺡ ﺍﻟﻤﻬﺩﻱ. ﻓﺄﺩﺨﻝ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﺄﻨﺸﺩﻩ ﺸﻌﺭﺍ ﻴﻘﻭﻝﻓﻴﻪ:
ﻭﺠﻭﺍﺭ ﺯﻓﺭﺍﺕ،
ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﺍﻟﻤﻬﺩﻱ: ﺃﻱ ﺸﻲﺀ ﺯﻓﺭﺍﺕ؟
ﻗﺎﻝ: ﻭﻤﺎ ﺘﻌﺭﻓﻬﺎ ﺃﻨﺕ ﻴﺎ ﺃﻤﻴﺭ ﺍﻟﻤﺅﻤﻨﻴﻥ؟
ﻗﺎﻝ: ﻻ ﻭﺍﷲ،
ﻗﺎﻝ: ﻓﺄﻨﺕ ﺃﻤﻴﺭ ﺍﻟﻤﺅﻤﻨﻴﻥ ﻭﺴﻴﺩ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻥ ﻭﺍﺒﻥ ﻋﻡ ﺭﺴﻭﻝ ﺍﷲ ﺼﻠﻰ ﺍﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺴﻠﻡ ﻭﻻ ﺘﻌﺭﻓﻬﺎ، ﺃﻋﺭﻓﻬﺎ ﺃﻨﺎ! ﻜﻼ ﻭﺍﷲ.
ثم انخرط في خدمة المهدي



************************************



الغزل بالمذكر – غزل الغلمان

الغزل بالمذكر وهو اسوء حالات الغزل التي ظهرت في هذا العصر اتخذها المتهتكون والفساد والمفسدون لاشباع رغباتهم الجنسية الشاذة متخذين من نشوة السكر نافذة على افعالهم . وبلغ بهم الاستهتار حداً جعلهم يشذ ون عن المألوف، ويتغزلون بالغلمان والصبيان ، ويفضلونهم في كثير من الأحيان على المرأة الأنيقة المتبرجة،ومن شعرائهم ابو نؤاس ووالبة بن الحباب وحسين بن الضحاك ومسلم بن الوليد وغيرهم كثير وفي هذا يقول: يقول ابو نؤاس :
من يكن يعشق النساء فإني
مولع القلب بالغلام الظريف

ومن قول مسلم بن الوليد في الغزل بالمذكر \

خليلي لست ارى الحب عارا
فلا تعذلاني خلعت العذارا
وكيف يصير من قلبه
كان من الحب ان يستطارا
واحور وسنان ذي غنج
كأن بوجنته الجلنا را
شربت ونادمني شادن
صغير واني احب الصغارا

ومن الملاحظ ان حظ العواطف النفسية في هذا الشعر الماجن ضئيلة، أما حظ الشهوات الجسدية فموفور، لأن الشاعر الغزل الماجن لا يستجيب لنداء قلبه بقدر ما يستجيب لنداء جسده، فهو يبحث عن اللذة، ويجري وراءها ولا يلتفت إلى وميض الشوق في أعماقه، لأن قلبه فارغ من الحب، خال من الصبابة، لم يعشق واحدة بعينها ولم يخلص لمحبوبة بذاتها، لذا أتى شعره يموج بالأنين الحسي أكثر مما يموج بالأنين العاطفي، يسترسل في استعماله الألفاظ المكشوفة أكثر من استرساله في استعمال الألفاظ المستورة. ويدور على المعاني المفضوحة أكثر من دورانه على المعاني العفيفة وهذا التطور لا يتعلق بالصياغة والمعنى بقدر ما يتعلق بالمخاطب الذي يوجه إليه الغزل فقد وجد شعراء في هذا العصر، تأثروا بطبيعة الحياة الجديدة التي طرأت على المجتمع العباسي بسبب اختلاط العرب بالأعاجم وشيوع العادات والتقاليد الفارسية، وبدافع من نفوسهم المنحرفة، فحادوا عن الغزل بالمرأة إلى الغزل بالمذكر، وأول من راد هذا الطريق في الغزل المذكر، أبو نواس، لأسباب نفسية على الأكثر، ولأنه كان مجنياً عليه في صغره من قبل أستاذه والبه بن الحباب، فقد عمد أبو نواس إلى التغزل بالمذكر في مقدمة قصائده بدل الوقوف على الأطلال ومخاطبة الأنثى، وهو في غزله هذا يبث غلامه لواعج قلبه، ويطلب منه الوصل، ويصف جماله، تماماً كما يفعل في غزله للأنثى، وفي قصيدة له يعرض فيها بالعشاق العرب، لأنهم أحبوا نساء ولم يلتفتوا إلى حب الغلمان، ويرى في حب الرجل لغلام، لذة لا ترقى إليها لذة حبه للمرأة، يقول أبو نواس في غلام له اسماه رحمة متغزلا به :

أحببت من شعره بشار لحبكم
بيتاً كلفت به من شعر بشار
يا رحمة الله حلي في منازلنا
وجاورينا فدتك النفس من جار
إذا ابتهلت سألت الله رحمته
كنيت عنك وما يعدوك إضمار

ويشير الى شعرالشاعر بشار بن بردفيس ذلك .
وتابع أبو نواس في غزله بالمذكر كثير من الشعراء، كالبحتري الذي كان يحب غلاماً اسمه (نسيم) وحماد عجرد في حبه لغلام له اسماه (بشر) وعبد الله بن المعتز في صبابته بغلام اسماه (نشوان).
وعندما فشا هذا النوع من الغزل الخليع . ورأت القيان والإماء عزوف الشعراء عن متابعتهن ووصف محاسنهن، والتغزل بجمالهن، اتجهن اتجاهاً جديداً في الزي، فأصبحن يلبسن ثياباً تحاكي ثياب الغلمان بل هي نفسها، وأخذن يقصصن شعورهن على طريقة الغلمان، حتى يستلفتن شعراء المذكر لهن ثانية واستجاب الشعراء للدعوة ووقعوا في المصيدة، وراحوا يتغزلون بالغلاميات، فالحسين بن الضحاك يتغزل بغلاميته بقوله:
مؤزرة السربال مهضومة الحشا
غلامية التقطيع شاطرة القد
محنأة الأطراف رؤد شبابها
معقربة الصدغين كاذبة الوعد
أقول، ونفسي بين شوق وزفرة
وقد شخصت عيني ودمعي على الخد
أجيزي على من قد تركت فؤاده
بلحظته بين التأسف والجهد



**************************************



















الحسين بن الضحاك الباهلي

هو ابو علي الحسين بن الضحاك بن ياسر الباهلي ويكنى بالحسين الخليع .ولد في البصرة سنة\ 162 ومات سنة250 فيكون عمره 88 سنة وقيل انه عمر اكثر من مذلك ونشأ بها ثم ارتحل الى بغداد واقام فيها، وكانت تلك الاقامة في الاعوام الاخيرة في عهد هارون الرشيد فقنع الحسين بن الضحاك بمنادمة ولده صالح ثم دخل الى منادمة اخيه الامين فلما تولى الامين الخلافة بعد وفاة والده اصبح من ندمائه والمقربين اليه فاجزل عليه العطايا الجوائزاسنية .

وجاء في معجم الادباء لياقوت الحموي ان الحسين بن الضحاك اصله من خراسان ، وهو مولى لولد سليمان بن ربيعة الباهلي الصحابي فهو مولى للباهليين وليس باهلي النسب والحسين هذا شاعراديب ظريف ماجن ولذلك لقب بالخليع، ويعد في الطبقة الاولى من شعراء الدولة العباسية المجيدين حيث كان شاعرا مطبوعا حسن التصرف في الشعر وتربطه علاقة وثيقة بالشاعر ابي نؤاس فاذا قال الحسين شعرا في الخمرة نسبه الناس الى ابي نؤاس
توفي عام \ 250 هجرية في زمن الخليفة المستعين بالله

وله غزل كثير اجاد فيه ، فمن ذلك قوله:

وصف البدر حسن وجهك حتى
خـلت انـي ومـا اراك اراكا
واذا ما تنفس النرجس الغض
تـوهـمته نـسـيم شـذاكـا
خـدع لـلمنى تـعللني فـيك
بـاشـراق ذا وبـهجة ذاكـا

وقال الحسين بن الضحاك:

اصبحت من اسراءالله من محتسبا
في الارض نحو قضاء الله والقدر

ان الثمانين اذ وفـيـت عـداتها
لم تبق باقـيـة مـنى ولـم تذر
..

****************************************




















الغزل الصوفي



الغزل الصوفي او العشق الالهي فن جديد في الغزل الشعري ظهر على ايدي علماء وشعراء التصوف كرد فعل لحالات من الفساد والفسق التي ظهرت في العصرالعباسي الاخير ويعتبر الحب الالهي حجر الزاوية في الرؤية الصوفية وهو الذى اخرج الكون من العدم والارادة فمحبة الحق تعالى للعبد ارادته لانعام مخصوص عليه وهي حالة في قلبه تمتاز بلطف العبارة وقد تحمله هذه الحالة على التعظيم لله تعالى وايثار رضاه وقلة الصبر عنه وللاهتياج اليه وعدم القرار من دونه مع وجود الا ستيناس بدوام ذكره له بقلبه لقد وردت كلمة الحب في القران الكريم في عدة مواضع مما يدل على انه عاطفة صافية من الله تعالى نحو عبده غرسها فيه واخرى صاعدة من العبد نحو ربه حالة متبادلة بين العبد وربه فالمحبة منه اليه اودع بذورها قلوب محبيه وان الروح فيض منه تعالى وهبة منه اليهم فالحب تعبير عن وفاء الروح لخالقها وليس جميع الارواح قادرة على الوفاء بالحب عن منة الله اليها لذا اصبح اهل المحبة مخصوصين بهذه النعمة اصطفاهم ربهم عن سائر خلقه وقد تصل درجة المحبة فيهم الى حد الوجد فتكون مكاشفات من الحق تعالى تثير الزفير والشهيق والبكاء والانين والصعقة والصيحة والصراخ ويكون ذلك اذا انقطعت الاسباب وخلص الذكر وحي القلب ورق وصفى وغرست فيه الموعظة والذكر فانبتت واورقت واثمرت وحل الذكر من المناجاة في محل قريب وخوطب فسمع الخطاب باذن واعية وقلب شاهد وسر طاهر فشاهد ماكان فيه ان التصوف بني على الحب الصادق العفيف فهو سمة بارزة للتصوف التزمه الصوفيون ايمانا بقدسيته حيث ورد كما اشرنا انفا في المصحف الشريف( قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله )وفي احاديث الرسول الكريم على الله عليه وسلم ورد الحب بها كثيرا (اللهم اني اسالك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني الى حبك) والصوفية يعتبرون اعمالهم تقربهم الى محبه الله تعالى لذا اصبح الحب الصوفي حبا صادقا تتعلق الروح فيه بالحضرة الالهية ومنها ظهر تاثر الشعراء الصوفيين بشعرا ء الحب العذري وتمثلوا بالفاظهم ومواجيدهم وتغنوا بالذات الالهية وقد تبين بجلاء تام في شعر الشيخ الجيلاني قدس سره \

فواءد به شمس المحبه طالع
وليس لنجم العذل فيه مواقع

فالشعر الصوفي فيض من اله السموات والارضش على أوليائه بمعارف القرب والإيحاء ، إذ تجلى على قلوبهم بصفاته وأسمائه فأسفر لهم الحقائق بجميل آلائه ومخبآت نعمائه .. وفيوض أنواره وأسراره ..
والشعر الروحي .. درٌّ نضير ، يستاف الورد والعبير ، فيعطي للحياة رمزاً ، ومن الرقائق كنزاً ، ومن المواجيد رياضاً وحدائق غنّاء ، ومن العبارات غدراناً متدفّقة ، ومن الإشارات أساليب مشرقة ومن الحِكَم ثماراً وأزهاراً .. كروعة الكَلِم البديع في فصل الربيع ، فينسجُ من الأفكار ما يجري من تحتها الأنهار يرتشفها مُداماً ومنهَلاً عذباً للواردين ، مثلَ نسَمات الأسحار ، فتأتي اللطائف والأشواق بمذاقات قدسية عُليا تجول بطيب الأنفاس وروعة الأحوال في جنبات هذا الكون العظيم ...
ولا يوجد شيء ، من جوهر ولا عرض ، ولا صفة في هذا الوجود الحادث إلا وهو مستند إلى حقيقة إلهية من حيث نسبتُها إلى موجد الوجود القديم سبحانه وتعالى ، ولولا ذلك لما صحّ لها أن تظهر ؛ ومن ذلك ظاهرة الحب في هذه الدنيا .. فإنه على اختلاف مراتبه وتجلياته
و حقيقة الحب الإلهي انه أصل وجود الحب في العالم على اختلاف مراتبه وتجلياته واذا كانت النفوس قد تغيرت مع الزمن ، وقست القلوب ثم اختلطت المفاهيم ، وتعقدت الأمور ، وتسطحت الأشياء ، وأضحى الفكر بلا جدوى ، وأصبحت القيم لا معنى لها ، وتهمّشت المثاليات وتغير المعنى الحقيقي للحب فادى الى اضطراب في مفاهيمه فضاعت الموازين فلم يعد يدرك ما هو الحب الحقيقي ، وما هو الحب الوهمي وحب المصلحة والمنافع الآنية ، فتعثرت الحقائق في زحمة الحياة.ويعد الشيخ محي الدين ابن عربي اول بحث في هذا الحب عموماً ، والمحبةُ الإلهية خصوصاً ، فهو يقول:
(حمداً لرب العزّة وقد جعل الهوى حرَماً تحجّ إليه قلوبُ الأدباء ، وكعبةً تطوف بها أسرار ألباب الظرفاء ، فجعل الفراق أمرَّ كأس تذاق وجعل التلاقي عذبَ الجَنى ، والوصالَ طيّب المذاق .. تجلى اسمه الجميل سبحانه فاندهشت الألباب ، فغرقت في بحر حبّه وفتحَ من دونها الباب فدعاها الاشتياق بمنازح الأشواق ، لتتوجه إليه عشقاً، وتذوبَ فيه شوقاً ، فيشتدُّ أنينُها ، ويطولُ حنينها ، لتجرعَ كأسَ المدُام ولم تخشَ الفناء ومصارعَ الهلاك والفناء بل نادت يا جميل يا مِحسان .. يا من قال : " هل جزاء الإحسان إلا الإحسان (يا من تيّمني بحبه ، وهيّمني بين بعده وقربه فليتني أتحقق .. أرنو لمشارف الحقيقة لتنعم العين والفؤاد ..)
وجعل الجمال اساسا لهذا الحب وما احسن ان يرى المحب حبيبه جميلا لذا وقع الهيام والعشق عند العارفين فأوْرَتْ نار الشوق عندهم والفناء عند المشاهدة لهذا العالم لأنه مرآةَ الحقيقة ..يقول :

فحبيبي مني ، وفيّ ، وعندي

فلمـاذا أقـول مـا بي وما بي

ان في أجواء الشعر الصوفي عواطف تقترب من تلك العوالم الشيقة الفيّاضة و إلهاماتها وليدة عاطفةٍ غيبية و إن معالم هذا الشعر الروحي الرمزي الرقيق هي وليدة معرفة ذوقية أيضاً ...
فالشعر الصوفي ليس وليد عاطفة دينية مجردة ، بل هو نتاج مراحل معرفية، وتجليات ذوقية بحتة ، مرّ بها الشاعر عبر تطورات معينة ، يلتقطها بقلمه الساحر العفوي التلقائي ، بَيْد أنه لا يصورها كما يحدث في المسائل الفكرية والنظريات الفلسفية ، والقواعد المنطقية وإنما يعبّر عما يختلج في نفسه ، ويضطرب في قلبه، وجوانحه من خلجاتٍ ومشاعر غير مألوفة ، إذ يصوغها بقالب فني مبهر نعم .. لمست فيه غلياناً يفور في أعماق ذاته ، حيث يرى في داخله ما لا يُرى .. بهدوء ونقاء رتيب عجيب ، ولسان حاله يموج ويهدر وموسيقا الصمت ، وقد أغمضت ، وعقلي في قلبي انصهرا .... وخيالٌ .. جاوز طاقته .. وامتدّ فأبصر ما استترا ..
.. وسرحتُ .. مع الأفلاك .. مع الأملاك .. أرى ما ليس يُرى .. سبحاتٌ .. فاقت شاعرها .. لم تُقصد .. بل كانت قدراً .. غيبوبة عشق في ملكوت جمال الله .. وما فطرا .. ( راجع مقالتي عبد القادرالجيلاني نموذج للشعرالصوفي )
وقد تطرّق الصوفيون إلى الحب ، فجعلوا منه النور الذي يُستضاء به ، والسر الذي يتكئ عليه ، والمشعل الذي يسير الصوفي على هداه ليؤكدواقاعدة اساسية هي ( أن الحب هو طريق الوصول إلى الله ) وهذا يعني أن غاية الحب القصوى هي الاتصال بالله ، مما يمهد الطريق للمعارف والإشراقات والفتوحات ، وتلازم الأقوال والأفعال مع بعضها ليكون الحب الإلهي قمة السلوك البشري الرفيع ، كالتوبة والإنابة والورع والزهد ، والتوكل والرضى .. وما إلى ذلك ، مما يدعو إلى التحرر من صرخة الجسد وطغيان الرغبات الحسية ، بالترفع إلى المعاني الراقية والمراتب الذوقية التي تنأى في كل الأحوال عن شؤون المعرفة العقلية ، حيث الذوقُ والكشفُ وميلُ القلب إلى الله وليس لسواه ، فيطيب عيشه فالحب الصوفي فناء مطلق ، يجعل من الحب والمحبوب كُلاً موحِّداً فالحب الروحي ، المثالي ، المجرد عن رغبة الجسد ، ونزوة الغريزة ، يجعل من صاحبه في حالة اندماج فتتألق النزعة الوجدانية الصافية في شعر الحب الصوفي كما يقول السهروردي :


لمعت نارهم وقد عسـعس
الليل وملّ الحادي وحار الدليل

فتأملتها وفكري من البيـن
علـيل ، ولحظ الغرام الدخيلُ

وفؤادي ذاك الفؤاد المعنّى
وغـرامي ذاك الغرام الدخيلُ

ثم مالوا إلى الملام فقالوا :
خُلَّبٌ مـا رأيـت أم تـخييلُ

فالشاعر الصوفي مرهف جداً ، يستمد عناصر وحيه وإلهامه من عالمه الذاتي ، عالم المثاليات اللامتناهية والإحساس العميق بالجمال في أسمى معانيه وتعبير عن الجمال الذي يتأثر به الإنسان .. والجمال عند الصوفي هو جمال معنوي.
الحب الصوفي بتصوره أكثر من واقعه ، لأن الحب في الحقيقة هو وليد التصورات المجنحة ، وهو بفضل هذه الأحلام يستمر ، ولكل قلب أسراره .. فلا ينضب معينه ، فالحب الصوفي يمثل ينبوعا دائم الجريان فياض الألوان حافل بشتى الأحاسيس الإيجابية الهامسة ، والحوافز الخفية نحو ثالوث الحق والخير والجمال ينهل من الوجدان لذلك أبدع الغزل الصوفي فأمتع فأضغى على الأيام روحانية السماء ، كما فعلت رابعة العدوية إذ جعلت من الحب غاية مثالية لا ينشد لرغبة أو لرهبة بل للحب ذاته بما فيه من نقاء وصفاء .. وإدراك للحقيقة التي تفضي إلى الفناء والمطلق في الذات الإلهية والوحدة المطلقة
وقيل ان الحب الصوفي وحي يوحيه المولى سبحانه لعباده الذين أراد إسعادهم وقضى في الأزل إكرامهم لأنه موهبة توهب ، فتأتي السعادة وتحظى بالحسنى وزيادة .. وربما يتراءى للمتصوفين رؤى خاصة بهم .. يرونها رأي العين ربما قد يمسك بعضهم عن الإفصاح بها لأسباب عديدة كما يقول ابن الفارض :

يا رُبّ جوهر علم لو أبوح به
لقـيل لي أنت ممن يعبد الوثنا.

فابن الفارض يعد أمير الشعر الصوفي لاحظ قوله :

وما زلت مذ نيطت علي تمائمي
أبـايع سلـطان الهوى وأبايع

وإني مذ شاهدت فيّ جمــاله
بلـوعة أشـواق المحبة والع

أُراني بوادي الحب أرعى جماله
ألا في سبيل الحب ما أنا صانع

صبرت على أهواله صبر شاكر
وما أنا في شيء سوى البعد جازع

كل أشعاره هكذا مرشحة بمفردات الحب والجمال والغزل والهيمان .
على أيديه اشتهر شعر التصوف وقد كون تياراً فريداً في الشعر الإلهي

ومن علائم الحب الالهي الانس وهو اقرار المشاهدة لجمال الحضرة الالهية في القلب وهذا جما ل الجلال وفيه ينجلي الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس سره وكانه في حضرة التقريب مستاءنسا بوجوده مع الحق تعالى وقد تحققت عبوديته له ووصل الى المقام الاعلى وهنا ليس للصبر مع العبد اختيار ولا ارادة بل يصل الى درجة الفناء فيه وقد اتخذ الفناء في شعر الجيلا ني قدس سره مايفصح عن كيفية هذا وتمكينه في هذا الحب منه من افناء ذاته واتحادهما في موضوعاتهما بتشويق ازلي في توكيد الذات واثباتها يقول من الطويل :

تمكن مني الحب فامتحق الحشـــــــــــا
واتلفني الوجد الشديد المنـــازع
وقد فتكت روحي تقارعه الهـــــــــوى
وافنيت في نجو ى بما انا فازع
تلذ لي الايام اذ انت مسقمــــــــــــــــي
وان تمتحني فهي عندي صنايع

ان ذكر الله تعالى والدوام عليه في ثنايا هذا الحب العظيم وتوكيد الاتصال الالهي الذي يشعر به اتجاه من يحب ليشير الى المنزلة العظيمة التي تحاول التقرب منها دائما ومن هنا يتبين ان الحب الالهي سر ان افصح عنه عوقب صاحبه بالموت واتهم بالكفر والعصيان وعلى هذا فان الحب الالهي عند الجيلاني قدس سره قد اخذ منحى من قبله من شعر اء الصوفية في التكتم والسر وعدم البوح وتحمل مايجده من صبابة ولوعة وشوق ووجد ومن اشهر شعراء هذا الفن من الغزل ابن عربي و ابن الفارض و الحلاج و رابعة العدوية و الشيخ عبد القادرالجيلاني .





*******************************************




ابن الفارض



ولد الشاعر ابن الفارض بمصر سنة 576 هـ الموافق 1181م. ولما شب اشتغل بفقه الشافعية، وأخذ الحديث عن ابن عساكر. ثم سلك طريق الصوفية ومال إلى الزهد ثم رحل إلى مكة واعتزل في واد بعيد عنها. وفي عزلته تلك نظم معظم أشعاره في العشق الإلهي حتى لقب بسلطان العاشقين ثم عاد إلى مصر بعد خمسة عشر عامًا. اما اصله فمن مدينة حماة السورية .

توفي سنة\ 632 هـ - 1235م في مصر ودفن بجوار جبل المقطم في مسجده المشهور.


قـلـبي يُـحدثُني بأنك مُـتلفي
روحـي فِداك ، عرَفت أم لم تعرفِ

لم أقضِ حق هواكَ إن كنتَ الذي
لـم أقـض فيه أسى ومثلي مَن يفي

مـا لي سوى روحي وباذلُ نفسه
فـي حب من يهواه ليس بمسرفِ

فـلئن رضـيتَ بها فقد أسعفتني
يـا خيبة المسعى إذا لم تسعفِ !

يـامانعي طـيب المنام ومانحي
ثـوب الـسقام بـه ووَجدي المتلفِ

عـطفا على رمَقي وما أبقيتَ لي
من جسمي المضنى وقـلبي المُدنفِِ

فـالوجد بـاقٍ والوصال مماطلي
والـصبر فانٍ والـلقاء مسوِّفي

لم أخلُ من حسدٍ عليكَ فلا تُضِع
سهَري بتشنيع الخيالِ المُرجِفِ

واسأل نجوم الليل هل زار الكرى
جَـفني وكيف يزور من لم يعرفِ

لا غـرو إن شحّت بغمضٍ جفونها
عـيني وسـحّت بالدموع الذرّفِ

وبما جرى في موقف التوديع من
ألـم النوى شاهدتُ هول الموقفِ

إن لم يكن وصـلٌ لديكَ فعِد به
أملي وماطل إن وعدتَ ولا تفي

فـالمطلُ منك لديَّ إن عزَّ الوفا
يـخلو كـوصلٍ من حبيبٍ مسعفِ


ومن شعره في الغزل ايضا:


هو الحب فاسلم بالحشا مالهوى سهلُ
فما اختاره مضنـى به،ولـه عقـلُ


وعش خالياً ، فالحب راحتـه عنـا
ً وأولـهُ سـقـمً واخــرهُ قـتـلُ

ولكن الدي المـوت فيـه، صبابـةً
حياةٌ لمن أهوى، علي بها الفضـلُ

نصحتك علماً بالهوى ،والـذي أرى
مخالفتي ،فاختر لنفسِكَ مـا يخلـو

فإن شئتَ ان تحيا سعيداً، فمت بـه
شهيـداً ،وإلا فالغـرامُ لـه أهـلُ

فمن لم يمت في حبهُ لم يعـش بـه
ودون اجنتاءِ النحلِ ما جنتِ النحـلُ

وقل لقتيـل الحـبَ، وفيـتَ حقـهُ
وللمدعي : هيهات ما الكحلُ الكحلُ

تبـاً لقومـي ،إذ رأونـي متيـمـاً
وقالوا: بمن هذا الفتي مسهُ الخبـلُ

ارى حبها مجرى دمي في مفاصلي
فاصبح لي،عن كل شغلِ،بها شغـلُ


ويقول ايضا في الغزل :

في وصلها، عام لدي كل حظة
وساعة هجران علي كعام
أمنية ظفرت روحي بها زمنا
واليوم أحسبها أضغاث أحلام
أما على نظرة منه أسر بها
فإن أقصى مرامي رؤية الرامي
إن أسعد الله روحي في محبته
وجسمها بين أرواح وأجسام



*********************************

رابعة العدوية


ولدت رابعة ابنة اسماعيل البصري العدوي في مدينة البصرة عام مائة للهجرة وقيل مائة وخمسة للهجرة من اب عابد زاهد رزق بثلاث بنات قبلها ثم كانت هي الرابعة فكان اسمها يدل عليها ثم توفي الاب ورابعة لم تبلغ العاشرة ولم يترك لهن مالا يعتشن به الا زورقا صغيرا يستخدم للعبور ثم توفيت الام وبقيت البنات الاربع بدون معيل وقيل ان البصرة اصيبت بوباء فتك بالناس وسلط القحط والحرمان والجوع على اهلها وكثر السراق وقطاع الطرق والعيارين وغيرهم
وقيل ان سارقا قد سرق رابعة العدوية فباعها في سوق النخاسة بستة دراهم لأحد التجار القساة وكان التاجر يحمَّل رابعة فوق طاقتها كطفلة لم تكن قد شبت بعد لكنها كانت تختلي بنفسها في الليل
لتستريح من عناء النهار وعذابه ولم تكن راحتها في النوم أو الطعام بل كانت في الصلاة والمناجاة؛ فكانت تتمثل بالآية الكريمة :
(وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) الحجرات\7
ثم افترقت البنات الاربع فلم تر احداهن الاخرى


- أنعم الله علي رابعة بموهبة الشعر وتأججت تلك الموهبة بعاطفة قوية
ملكت حياتها فخرجت الكلمات منسابة من شفتيها تعبر عن ما يختلج بها
من وجد وعشق لله وتقدم ذلك الشعر كرسالة لمن حولها ليحبوا ذلك المحبوب العظيم.
وقيل أن سفيان الثوري العابد الزاهد سأل رابعة يوما :
ما حقيقة إيمانك؟
فاجابته : ما عبدته خوفًا من ناره، ولا حبًا لجنته
فأكون كأجير السوء، بل عبدته حبًا وشوقًا إليه.
وقيل انها كانت تصلى ألف ركعة في اليوم والليلة!
فقيل لها: ما تريدين بهذا ؟
قالت : لا أريد به ثوابًا، وإنما أفعله لكي يُسرَّ به
رسول الله يوم القيامة، فيقول للأنبياء: (انظروا إلى امرأة من أمتي هذا عملها).
سئلت رابعة: كيف حبك للرسول صلوات الله عليه ؟
اجابت : إني والله أحبه حبًا شديدًا، ولكن حب الخالق شغلني عن حب المخلوقين.
وقيل هتف رجل من العبَّاد في مجلس رابعة: اللهم ارضَ عني.
فقالت له : لو رضيت عن الله لرضي عنك.
قال : وكيف أرضى عن الله ؟
قالت : يوم تُسرُّ بالنقمة سرورك بالنعمة لأن كليهما من عند الله
ومما كتبه عنها الاستاذ فريد العطار - قيل عنها انها ذات ليلة استيقظ سيدها من نومه فسمع صلاتها ومناجاتها فنظر من خلال الباب
فرأى رابعة ساجدة تصلى وتقول في صلاتها : (إلهي أنت تعلم أن قلبي يتمنى طاعتك ونور عيني في خدمتك ولو كان الأمر بيدي لما انقطعت لحظة عن مناجاتك ولكنك تركتني تحت رحمة هذا المخلوق القاسي من عبادك). وخلال دعائها وصلاتها شاهد قنديلاً فوق رأسها يحلق
وهو غير معلق بسلسلة ، وله ضياء يملأ البيت كله فلما أبصر هذا النور العجيب فزع وظل ساهدًا مفكرًا حتى طلع النهار فدعا رابعة وقال: أي رابعة وهبتك الحرية فإن شئت بقيت ونحن جميعًا في خدمتك
وإن شئت رحلت أذا رغبت فودعته وارتحلت. وجعلت المساجد دارها

من ادعيتها ومناجاتها لربها تقول :
*( إلهي أنارت النجوم، ونامت العيون، وغلَّقت الملوك أبوابها، وخلا كل حبيب بحبيبه، وهذا مقامي بين يديك.. إلهي هذا الليل قد أدبر، وهذا النهار قد أسفر، فليت شعري أقبلت منى ليلتي فأهنأ، أم رددتها على فأعزى، فوعزتك هذا دأبي ما أحييتني وأعنتني، وعزتك لو طردتني عن بابك ما برحت عنه لما وقع في قلبي من محبتك).

يقول الاستاذ طه عبد الباقي سرور:
(وكانت رابعة في تلك الفترة في الرابعة عشر من عمرها لكن هذه المرحلة من حياتها لم تستمر طويلاً فقد اشتاقت نفسها للدنيا الخلاء من الناس المليئة بالله وحده فقد تخلص قلبها من الدنيا وكل ما فيها وخلص من الرغبات والشهوات والخوف والرجاء لم يبق فيه إلا شئ واحد الرضاء عن الله والعمل على الوصول إلى رضاء الله عنها ورفضت كل من تقدم لزواجها فليس في قلبها مكان لغير الله وليس لديها وقت تشغله في غير حب الله )
كتاب (رابعة العدوية والحياة الروحية في الإسلام)
(دار الفكر العربي- الطبعة الثالثة 1957)

وجاء في دائرة المعارف الإسلامية (المجلد التاسع-العدد 11 ص 440)
(إن رابعة أقامت أول أمرها بالصحراء بعد تحررها من الأسرثم انتقلت إلى البصرة حيث جمعت حولها كثيرًا من المريدين والأصحاب الذين وفدوا عليها لحضور مجلسها وذكرها لله والاستماع إلى أقواله وكان من بينهم مالك بن دينار والزاهد رباح القيسى والمحدث سفيان الثورى، والمتصوف البلخي. )
توفيت رابعة العدوية عن عمر يناهز الثمانين سنة فقد توفيت عام \185 هجرية في فلسطين و في مدينه القدس وقبرها في جبل الزيتون او جبل الطور .

- أنعم الله علي رابعة بموهبة الشعر وتأججت تلك الموهبة بعاطفة قوية
ملكت حياتها فخرجت الكلمات منسابة من شفتيها تعبر عن ما يختلج بها
من وجد وعشق لله وتقدم ذلك الشعر كرسالة لمن حولها ليحبوا ذلك المحبوب العظيم.
من شعرها في العشق الالهي تقول :

أحبك حبين حب الهوي
وحباً لأنك أهل لذاك.
فأما الذي هو حب الهوي
فشغلي بذكرك عمن سواك.
أما الذي أنت أهل له
فكشفك لي الحجب حتي أراك.
فلا الحمد في ذا ولا ذاك لي
ولكن لك الحمد في ذا وذاك.

ومن شعرها ايضا :

يـا خليّ البال قد حـرت الفكـر
صمّ عـن غيرك سمعي والبصر

هجـت نـار الحبّ فـي وجنتنا
لـن لنـا قلبـاً قسيـاً كـالحجر

أرجـع النظــرة فينـا مـقبلاً
لا تـركنـا كـهشيم المحتضـر
لـيس ينجيني مـن الغم سـوى
أجـل جـاء وأمـر قـد قـدر
ضجّت النفس مـن الموت أسـى
قلتها كوني كمن يهـوى السفر
إنّمـا فيهـا نـزلنـا عـابـرين
لـيست الدنيـا لنـا دار مـقر
مـضت النـاس علـى قنطـرة
أنـت تـمضين عليهـا بـحذر
لا منـاص اليـوم ممّـا نـزلت
فتنـاديــن بهـا أيـن المفـر
فامسكي بالعروة الوثقـى التـي
إن تـمسكتِ بهـا تَلقـي الظفر
سادة قـد طـابت الأرض بهـم
حيث ما ينحون من رجس طهـر
في دجى الليل الغواشي المظلـم
بعضهم شمس وبـعض كـالقمر
في سماء المجد أبدوا مشـرقين
أنـجم تعـدادهـا اثنـي عشـر
هـم أمـان الخلـق طـرّاً كلمّـا
غـاب نجـم مـنهم نجم زهـر
هم عمـاد الـدين أنـوار الهدى
مَـن تولاهـم نجى مـن كلّ شر

هم ولاة الأمـر بعـد المصطفى
بـولاهـم كـلّ ذنـب يغتفــر
عن صراط الحـقّ مَـن شايعهم
عـاجلاً سهلاً بـلا خـوف عَبـر
خاتـم فيهـم كختـم الأنبيــاء
معلـن الحــقّ وقتّـال الكفـر
هــو حــبل الله للمعتصميـن
لعــدوّ الله ســيف مشتهـر
سيدي قد ذاب قلبي فـي هـواك
لا تـدعني إنّ دائـي ذو خطـر

ولها قصيدة بعنوان ( راحتي في خلوتي):

راحتي يا أخوتي في خلوتي
وحبيبي دائماً في حضرتي
لم أجد لي عن هواه عوضاً
وهواه في البرايا محنتي
حيثما كنت أشاهد حسنه
فهو محرابي إليه قبلتي
إن أمت وجداً وماثم رضا
واعناني في الورى وشقوتي
يا طبيب القلب يا كل المنى
جد بوصل منك يشفي مهجتي
يا سروري وحياتي دائماً
نشأتي منك وأيضاً نشوتي

قد هجرت الخلق جميعاً ارتجي
منك وصلاً فهل أقضي أمنيتي

*********************


وتقول في قصيدة دالية مايلي :

خليلي ألا تدنو إلـى عيـن رائـق
تــروّ بكـأسٍ سـائـغ متــورّد
ورحل بهذا الدار وابـغ منـازلاً
رفيعـاً وسيعـاً زاكيـاً ذا تــسدّد
وجالس مع الأبرار واذكـر هنا لهم
حـديث حـبيب مـشفـق متـودد
فـطيّب لنـا نفساً بـذكر نـوالـه
وفـرّج بنـا همّـاً ببشـر مجـدد
هو الأصل في الإيجاد والكل فرعـه
بمـولـده كـان الصفـيّ مـولـد
فأحمـد إن كـان ابـن آدم صورة
وبـالصدق معنـا آدم بـن مـحمّد
هو العلم المأثور فـي ظلم الدجـى
هو العمد الممدود فـي كل مـرصد
هو الكوكب الدري فـي وسط السما
بـه مـن مضلات الغواشي لنهتدي
هو الأمن والإيمان والكهف والهدى
وهـذا هـو الديـن القويـم المؤيّد
وعتـرتُه خيـر البـريــة كلّهـا
هـم العـروة الوثقى وقصر المشيّد
بهـم فتـح الله الاُمـور بأسرهـا
علـى الخلـق طـراً ظلهـم متمدد
فهم حجج الرحمن قدماً على الورى
وفيهـم كتـاب الله بـالحقّ يشهـد
معاندهم لـو كـانت الأرض كلهّـا
لهـا ذهبـاً مـلآى بـذاك ليفتـدي
وشيعتهـم يـوم القيامـة حولهـم
علـى سـرر مستبشـرين مـروّد
لهم كلّ ما تشهي النفوس وكلّ مـا
تلـذ بـه الأبصار فـي كـل مورد
يقولون : أتمـم ربنـا نورنـا لنـا
فإنـا لهــذا اليـوم كنّـا نـزوّد
مـلائـكة يستقبلـون قـدومهـم
يـرونـهم مـن طيبيـن الممجّـد
يقولون لمّـا ينظـرون بـوجههـم
سـلام عليكـم فـادخلـوها مخلـد
فـلا تـمسكن إلاّ بحبـل ولائـهم
ولا تدحـرن عـن بـاب آل محمّـد
كفـاك بـذكـر الآل فخـراً ونعمـة
حزينة قومي واشكري وتهجّدي


********************************************




عبد القادر الجيلاني


ولد الشيخ عبد القادر الكيلاني الحسني في بلدة صغيرة تسمى جيل - – من اعمال منطقة جيلان وقيل من قرية جيلان جنوب بغداد ليلة الجمعة فاتح شهر رمضان المبارك سنة \ 470 هجرية الموافق لسنة 1770 م– راجع الزاوية القادرية للشيخ عبد الحي القادري – المغرب صفحة 82 وبهجة الاسرار صفحة 88 وتاريخ ابن الجوزي صفحة \ 91 والطبقات الكبرى للشعراني ج1 صفحة 18
وجيلان كائنة جنوب بحر الخزر من اعمال طبرستان وتوجد جيلان اخرى بالقرب من بغداد وثالثة شرق بغداد مابين جلو لاء وخانقين وهذا ما اكده العلامة مصصطفى جواد في كتابه المخطوط ( اصول التاريخ ) والموجود حاليا في المجمع العلمي العراقي وهذا ما اكده ايضا العلامة حسين على محفوظ في كلمته التي القاها في مؤتمر جلولاء وكنت حاضرا فيه ودائر ة المعارف الاسلامية م8 صفحة 222 وقيل ما وراء النهر –لاحظ قلائد الجواهر صفحة 134\ وكتاب الامام عبد القادر الجيلاني تفسير جديد لولدي للباحث الدكتور جمال الدين فالح الكيلاني وقيل انها بلدة جنوب بغداد من ناحية المدائن \ لاحظ كتاب انساب السادة للدكتور خاشع المعاضيدي
لقب بالجيلاني نسبة الى منطقة ولادته وسكن عائلته جيلان او كيلان ولا زمته هذه التسمية ملازمة الظل في حياته وبعد وفاته ولا تزال عالقة في اولاده واولادهم واحفاد احفادهم- لاحظ الانساب للسمعاني م3 ص463 ومعجم البدان م1
نشأ الشيخ الجيلاني قدس سره يتيم الاب فرباه جده لامه السيد عبد الله الصومعي
( عبد الله الصومعي هو الزاهد العابد ابن ابي جمال بن السيد محمد بن السيد محمود بن السيد طاهر من اولاد السيد الامام جعفر الصادق رضي الله عنهم اجمعين) وقد بقي في رعاية جده وامه فتربى تربية دينية صالحة حيث كان لاءمه الحظ الوافر في الخيروالصلاح والاصلاح وقد حصل على دراسته الاولية في كتاتيب بلده جيلان في كنف اسرته المشهود لها بالتدين والورع والتقوى حيث كان سكان تلك المناطق يسمونهم بالاشراف لانتسابهم الى الدوحةالمحمدية الشريفة
لاحظ بهجة الاسرارص88 وقلائد الجواهر ص3 ومدارس بغدا د للسيد د عماد عبد السلام رؤوف ص141 ونزهة الخاطر ص 12
ينتسب الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس سره الى بيت النبوة الاطهار ابا واما
فهو الشيخ محي الدين ابو محمد سيدنا عبد القادر ابن ابي صالح موسى بن عبد الله بن يحيى الزاهد بن محمد بن داود الامير بن موسى بن عبد الله ابي الكرام بن موسى الجون بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي اميرالمؤمنين بن ابي طالب رضوان الله عليهم اجمعين – لاحظ المصادر السابقة وكثير غير ماذكرناه
اما من جهة الام فاءمه\ فاطمة بنت عبد الله الصومعي الزاهد العابد المعروف بابن ابي جمال بن السيد محمد ابن ابي محمود بن طاهر بن محمد ابي عطار بن عب الله بن ابي كمال بن عيسى بن ابي علاء الدين بن محمد بن علي العريض بن الامام جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط بن علي اميرالمؤمنين بن ابي طالب رضوان الله تعالى عليهم اجمعين- نفس المصادرالسابقة وكثير غير ماذكرناه
تزوج الشيخ عبد القادر الجيلي قدس سره في بغداد بعد ان بلغ الكتاب اجله على حد قوله وزواجه لم يكن بواحدة بل تزوج اربع زوجات انجب منهن تسعة واربعين ولدا منهم سبعة وعشرين ذكرا والباقي اناث – لاحظ الفتح المبين صفحة \5
(اما بقية عمره فقد قضاه في الدراسة والتدريس الوعظ والارشاد وقد ظهر الشيخ للناس واعظا بعد العشرين بعد الخمسمائة وجعل له القبول التام واعتقدوا حقيقته و صلاحه وانتفعوا به وبكلامه ووعظه وانتصراهل السنة والجماعة بظهوره واشتهرت احواله واقواله وكراماته ومكاشفاته وهابه الملوك فمن دونهم) لاحظ وفيات الاعيان م2 وطبقات الحنابلة\ م1
توفي الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس سره في بغداد في عهد الخليفة العباسي المستنجد بالله وذلك يوم السبت التاسع من شهر ربيع الاخرة سنة 561 هجرية ودفن في مدرسته بباب الازج ببغداد وكان دفنه ليلا لكثرة الزحام حيث لم يبق احد في بغداد الا جاء ليشهد الفاجعة ويشارك في الدفن فتلا لات الحلبة وضاقت بالناس وامتلات الشوارع والاسواق والدور القريبة من الحلبة ولم يتمكنوا من دفنه بالنهار لكثرة الزحام فدفن ليلا ولما علا نهار اليوم التالي اهرع الناس الى الصلاة على قبره وزيارته وكان يوما مشهودا-) لاحظ قلائد الجواهر صفحة 134
____________

ومن شعره الصوفي :

مافي الصبابة منهل مستعـــــــــــذب
الا ولي فيه الالذ الاطيــــــــب

اوفي الوصال مكانة مخصوصــــــة
الا اومنزلتي اعز واقـــــــرب

وهبت لي الايام ر ونق صفوهـــــــا
فغلا مناهلها وطاب المشرب

اضحت جيوش الحب تحت مشيئتي
طوعا ومهما رمته لايغـــــرب


ويقول ايضا في قصيدة طويلة :


فؤاد به شمس المحبة طالع
وليس لنجم العذل فيه مواقع

صحا الناس من سكر الغرام وما صحا
وافرق كل وهو في الحان جامع


حميا هواه غير قهوة غيره
مدا م دواما تقتنيها الاضالع

هوى و صبابات ونار محبة
وتربة صبر قد سقتها المدامع

تعصي الاله وانت تظهر حبه
هذا لعمري في القياس بدايع

لو كان حبك صادقا لاطعته
ان المحب لمن يحب مطايع

اولع قلبي من زرود بمائه
ويا ويلهن كم مات ثمة والع

ولي مطمع بين الاجا رع عهده
قديم وكم خابت هناك المطامع

ايا زمن الرند الذي بين لعلع
تقضى لنا هل انت يا عصر راجع

لقد كان لي في ظل جاهك مرتع
هنيء ولي بالرقمتين مراتع

اجر ذيول اللهو في ساحة اللقا
واجني ثمار القرب وهي ايانع

واشرب كأس الوصل راحا براحة
تصفق بالراحا ت منها الاصابع

تصرم ذاك العمر حتى كأنني
اعيش بلا عمر وللعيش مانع

مذ اغبر خضر العيش وابيض لمتي
تسود صبحي فالدموع فواقع

وسرب من الغزلان فيهن فتية
لنا هن في سقط الغرير رواتع

عفرن بدورا قد قلمنا عقاربا
من الشعر خلنا انهن براقع

رعى الله تلك السرب لي ورعى الحمى
ولا منعت سربا واي صنائع

صليت بنار اضر منها ثلاثة
غرام وشوق والديارالشواسع

يخيل لي ان العذيب وماؤه
منام ومن فرط الغرام الاجارع

فلا نار الا ما فؤادي محله
وما السحر الا ما الجفون تدافع

ولا وجد الا ما ا قاسيه في الهوى
ولا موت الا ما اليه اسارع

فلو قيس ما قاسيته بجهنم
من الوجد كانت بعض ما انا جارع

جفوني بها نوح فطوفانها الدما
ونوحي رعد والزفر اللوامع

وجسمي به ايوب قد حل للبلا
وان مسني ضر فما انا جازع

وما نارابراهيم الا كجمرة
من الجمرات التي حوتها الاضالع

فسرى في بحر الصبابة يونس
تلقمه حوت الهوى وهو خاشع

وكم في فؤادي من شعيب كابة
تشعب اذ شطت مزارا مرائع

حكى زكريا وهن عظمي من الضنا
ايحيى اصطباري وهو في الموت قانع

فان تك عطفا انت ا هل لاءهله
اما ان يكن دون العذيب مواقع

تحكم بما تهواه في فانني
فقير لسلطان المحبة طائع

فكل الذي يقضيه في رضاكم
مرامي وفوق القصد ما انت صانع

حبيتك لا لي بل لاءنك اهله
ولا لي في شيء سواك مطامع

فصل ان ترد او دع وعد عن اللقا
وأوعد وعد وعدا فما انا قانع

تمكن مني الحب فامتحق الحشا
واتلفني الوجد الشديد المنازع

واشغلني شغلي بها عن سوائها
واذهلني عن الهوى والجوامع

وقد فتكت روحي بقارعة الهوى
وافنيت عن نجوى بما انا فارع

تلذ لي الالام اذا انت مسقمي
وان تمتحني فهي عندي صنائع

مقام الهوى عندي مقامي فكنته
وغيبت عن كوني فعشقي جامع

غرامي غرام لايقاس بغيره
ودون هيامي للمحبين مانع

فؤادي والتبريح للروح لازم
وسقمي والالام للجسم تابع

وبعدي واشجاني وشوقي ولوعتي
لجوهر ذاتي في الغرام طبائع

وشوقي نار والهوى فهو الهوى
وتربي والما وذلتي والمدامع

يلوم الورى نفسي لفرط جنونها
وليس باذني للملاحة سامع

وقد اودعت احشائي حبك انني
لسهم قسي النائبات مواقع

ولا انا من يسلو ببعض غرائب
عن البعض بل بالكل ما انا قانع

وشوقي وما شوقي –وقيت- فانه
جحيم له بين الضلوع فراقع

وبي كمد لو حملته جبالها
لدكت برضواها وهدت صوامع

يخيل لي ان السماء على الثرى
طباقا واني بين ذلك واقع

ولي كبد حراء من جزع بها
عليك ولم تبرد عليك مصالع

ونفسي نفس اي نفس ابية
ترى الموت نصب العين وهي تسارع


*************************************






















شعر الغزل في بلاد الاندلس


الاندلس بيئة جديدة للادب العربي وللشعر العربي عامة والغزل خاصة مادمنا نتكلم عنه في بحثنا هذا فقد أزدهر الغزل في العصر الأندلسي أزدهاراً قل نظيره في البلاد العربية الاخرى وقد ساعد على أذكاء جدوته امور كثيرة منها الجمال و الطبيعة الجميلة الخلابة والتقدم العمراني والتحضر الاجتماعي مما اوجد كثرة مجالس اللهو والشراب و مجالس الطرب الغناء اضافة الى وجود السبي الدائم مما واجد اسوقا للنخاسة والرقيق والتجارة فيها الامر الذي أرخص أقتناء الجواري الغلمان ..
وأتبع الأندلسيون في شعرهم عامة وفي غزلهم خاصة مناهج المشرقيين فعرفوا الغزل التقليدي والغزل الأباحي والغزل العفيف واخذ كل شاعر نصيبه منها حسب اهواء نفسه وتربيته الخلقية في البييت والشارع الا ان امورا جديدة طرأت في الادب الاندلسي منها :
ظهور الموشحات وقد طرق معظمها موضوع الحب و شيوع الغزل بالمذكر بشكل فاق نظيره في المشرق دون حياء في وصف أو خجل في تصوير الشذوذ الجنسي أو ذكر عورات الجسد مع أنحدار بالالفاظ والمعاني الى درك مزرى لم يعهده الشعرالعربي من ذي قبل .ثم أقبال المرآة الاندلسية على قول شعر الغزل وتغزلها بالرجل مع بعض أختلاف بين غزلها وغزل الرجل .و كثرة الشاعرات الأندلسيات في هذا المجال . وهذه الحالة تعكسها طبيعة المجتمع هناك
و مما لا شك فيه أن ميل الأندلسيين إلى التحرر وانتهاز فرص العيش الرغيد وحرصهم على تحقيق الإنسجام مع ما وهبه الله تعالى للأندلس من خيرات وجمال في الطبيعة وحتى في المخلوقات، كانت جميعها عوامل او اسباب دافعة إلى شيوع شعرالغزل و في شعر المرأة الأندلسية. وقد كانت هذه الظواهر اكثر بروزاً في شعر الطبقات الثرية والمترفة منها في شعر الطبقات الفقيرة. لذا نلحظ وجود - إلى جانب شاعرات الغزل والمجون والهجاء - شاعرات اندلسيات أخريات التزمن الورع والتقوى والعفاف والرصانة في سلوكهن الشخصي وفي شعرهن .وكان كل شيء في بيئة الاندلس الجميلة يغري بالحب ويدعو الى الغزل ومن ثم لم يكن امام هذه القلوب الشاعرة غير الانقياد لعواطغها فأحبت وتغزلت فانتجت –ربما - دون قصد وراءها فيضا من شعر الغزل الرائع الجميل .
وكان المتوقع ان ينفعل الشاعر الاندلسي بمؤثرات الحياة الجديدة الطبيعية والاجتماعية فيبدل من نظرته الى المراة ومن مفهمومه لقيم الجمال وظل الغزل الاندلسي غزلا حسيا بعيدا عن تصوير خلجات النفوس وما يضطرب فيها من شتى المشاعرعلى ان أوضح سمات هذا الغزل تتجلى في عذوبته ورقته في وصف محاسن من يقع الشعراء في حبهن من نساء الاندلس الجميلات وفي تصوير مشاعرهم المتضاربة اتجاهن من وصل وهجر وقرب وبعد واقبال وصدود وغيرها من حالات الوجد والوله والشوق التي يدور حولها موضوع الغزل. وقد نلاحظ في في الغزل الاندلسي وقوفه عند حدود الوصف المادي لما يتعشقه الشاعر من اعضاء جسم حبيبته كما فعل الشاعرالعربي في الجاهلية والعصر الاموي فقامة الحبيب قضيب بان ووجهه قمر في ليلة التمام وشعره ليل مدلهم أو ذهب متموج في سناء الشمس ومحاجر نرجسية وخدود ه تفاح احمر ورضابه كانه خمر معتق او عسل مصفى ووالشامة او الخال على خده تزيد ه جمالا ودلالا وروعة في الحسن يقول الشاعر :

ما أرى الخال فوق خديك ليلا على فلق
انما كان كوكبا قابل الشمس فاحترق

ونذكر بعض شعراء الغزل في الاندلس:


احمد بن زيدون


هو ابو الوليد احمد بن عبد الله بن احمد بن زيدون المخزومي .
ولد بضاحية الرصافة وهي من اجمل ضواحي مدينة قرطبة سنة\ 394 هجرية وكانت قرطبة انذاك عاصمة البلاد ومنارا للعلم والادب والثقافة فدرس الشعر والادب العربي حتى برع فيه وتمرس عليه وكان والد ابن زيدون من فقهاء قرطبة وأعلامها المعدودين.
أما جد ابن زيدون من جهة امه فكان من العلماء البارزين في عصره ايضا وقد تولى القضاء بمدينة سالم ثم تولى أحكام الشرطة في قرطبة
اتصل ابن زيدون بكثير من أعلام عصره وأدبائه المشاهير فتوطدت علاقته بأ بن جَهْور الذي كان قد ولي العهد ثم صار حاكما بعد ذلكوتوثقت علاقته كذلك بأبي بكر بن ذَكْوان الذي ولي منصب الوزارة
اضافة الى ذلك فانه شارك في تأسيس حكومة جَهْوَرِيّة بزعامة ابن جهور وحظي ابن زيدون بمنصب الوزارة في دولة ابن جهور واعتمد عليه الحاكم الجديد في السفارة بينه وبين الملوك المجاورين
و في أشبيلية استطاع ابن زيدون بما حباه الله من ذكاء ونبوغ أن يأخذ مكانة بارزة في بلاط المعتضد حتى أصبح المستشار الأول له وعهد إليه المعتضد بالسفارة بينه وبين أمراء الطوائف في الأمور الجليلة والسفارات المهمة ثم جعله كبيرًا لوزرائه
وقضى ابن زيدون عشرين عامًا في بلاط المعتضد بلغ فيها أعلى مكانة وجمع بين أهم المناصب وأخطرها . تولى الحكم المعتمد بن عباد بعد وفاة أبيه المعتضد وكانت تربطه بابن زيدون أوثق صلات المودة والألفة والصداقة وكان مفتونًا به تلميذا طوال عشرين عامًا .
وكان ابن زيدون عند ظن المعتمد بن عباد فبذل جهده في خدمته وأخلص له و كان خير عون له في فتح قرطبة ثم أرسله المعتمد إلى أشبيلية على رأس جيشه لإخماد الفتنة التي ثارت بها .
وتوفى ابن زيدون بعد أن أتمّ مهمته عن عمر بلغ نحو ثمانية وستين عامًا وذلك في سنة \462هجرية

احب ابن زيدون الشاعر ة والاديبة ولادة ابنة الخليفة المستكفي التي كانت شاعرة اديبة تعقد الندوات والمجالس الادبية والشعرية في بيتها وبادلته حبا بحب وقد انشد في حبها الشعر الكثير شعرا فياضا عاطفة وحنانا وشوقا ولوعة وولها الامرالذي جعلنا نتغنى في شعره الى وقتنا هذا وسيبقى خالدا للاجيال بعدنا حبا صادقا . فراح يتقرب منها حتى نال منزلة في قلبها فبادلته الحب.
وكتبت له تقول :-

ترقب إذا جـــــن الظـــلام زيارتي
فإني رأيت الليــل أكتــم للســر

وبي منك ما لو كان للبدر ما بدا
وبالليل ما أدجى وبالنجم لم يسر.

وتواصلت لقاآتهما حتى دخل الوشاة بينهما و فرقت بينهما الأيام ففاض الوجد والحنين بعشيقته فكتبت إليه تقول:


ألا هــل لنا من بعـد هذا الــتــفرق
سبـــيل فيشكو كل صب بما لقي

وقد كنت أوقاتالتزاور في الشتا
أبـيـت على جمر من الشوق المحرق

تـمـر الـلــيالي لاأرى البين ينقضي
ولا الـصبـــر من رق التشوق معتقي

سقـا الــلـه أرضا قد غدت لك منزلا
بـكل سـكـون هاطــل الـوبـل مـعدق

لقد علمت ولادة بإن محبوبها قد تولع بغيرها فمالت عنه كل الميل فأحبت الوزير ابي عامر فندم ابن زيدون وراح يتوسل بغيرجدوى وينظم الشعر مهددا الوزير ابا عامر شاكيا إلى ولادة تباريح الهوى ، وكتب إلى الوزير رسالته المعروفة بالرسالة الهزلية سخر فيها منه على لسان حبيبته، فلم يلبث الوزير أن عمل على سجن الشاعر، فتم سجنه . فراح ابن زيدون في سجنه يكتب الشعر مسترحما ،كما كتب إلى أبي حزم رسالته المعروفه بالرسالة الجدية مستعطفا ولكن لم يجد اذنا تصغي ولا قلبا يرحم، فصمم على الهرب ، ففر من السجن في ليلة عيد الأضحى وظل متخفيا عن الانظار حتى عفا عنه ابو حزم فبعث إلى ولادة بقصيدته المشهورة بالنونية و والتي كتبها إلى حبيبته ولادة بنت المستكفى
حيث كان في اشبيلية وهى في قرطبة والتي تعتبر من روائع الشعر العربي وعيونه في الادب و التي من أجلها كتبت عنه وجمعت مااستطعت جمعه من عدة مؤلفات والتي يقول مطلعها:-

أضحى التنائي بديلا من تدانينا
وناب عن طيب لقيانا تجافينا.

الغزل عند ابن زيدون حاجة في النفس يلبي القلب نداءها ، وميل جامح يسير في ركابه ،وثورة في الفؤاد يندفع في تيارها، فهو رجل المرأة الغاوية يهواها إلى حد الجنون والوله ، ويريدها ابدا طوع هواه ، ويوجه نحوها جميع ذاته وقواه ، في ترف أندلسي ، وجماح نواسي ، وقد عانى من لوعة الحب الوانا من الألم والشوق العظيم ، وقاسى في سبيل حبها أمرّ العذاب ، فعرفها رفيقة حياة، ولقي في أس هواها الف حرارة ومرارة ، فراح يسكب نفسه حسرات ، ويعصرلباب قلبه ويرسله تأوّهات وزفرات ، وإذا قصائدة مزيج من شوق ، وذكرى , وألم ، وأمل ، وإذا غزله حافل بالاستعطاف والاسترحام، حافل بالمناجيات الحرّى ، والنداءات السكرى ، وإذا الأقوال منثورة مع كل نسيم ، مرددة مع كل صدى ، وإذا كل كلمة فيها رسالة حبّ وغرام ، وكل لفظة لوعة واطلاقة سهام.
هكذا كان غزل ابن زيدون روحا متململا ، وكيانا تتقاذفها الامواج ، و كان شعره بحر العاطفة والوجدان ، يترقرق ترقرق الماء الزلال ، في صفاء البلور ، ولين الأعشاب على ضفاف الغدران و الانهار، وفي عذوبة تتماوج على اعطافها كل معاني الموسيقى الساحرة التي هي السحر الحلال ، موسيقى تنام على أوتارها الدهور ويغفو بين حناياها الجمال والنور, وهكذا كانت الفاظه سهولة تنمو في أجواء الطبيعة الزاهية ، وتمتزج بهاامتزاج الارواح بالارواح ، وإذا كل شيء في القصيدة حي نابض، وإذا كل شيء رونق وجمال، وكل شيء حلقة نورانية بين الذكرى والآمال .
فهو شاعر الاندلس وبلبلها الغرّيد كان شاعر العبقرية التي تنفح النفس من خلال الطبيعة التى تصف سناءها وشذاها ،وتعصر القلب في كؤوس الحب التي ترتشف ، وتصعّد الزفرات والآمال أنغام سحر وروعة ،وتعتصر اللغة لتستخرج منها كل ممكناتها الشعرية والموسيقية لتشدو الحانها المشجية التي ملكت على العرب ألبابهم في عصورهم القديمة والحديثة .

اما في حياته العامة فقد ترقى ابن زيدون في الادارة الى ان تمكن من ادارة الدولة سياسيا واصبح مشرفا على الديوان فيها ا لا انه نكل به فسجن كما اسلفنا ولبث في السجن بضع سنين ثم هرب من السجن في اخرها
انتقل الى مدينة بلنسية ثم الى الزهراء ثم استقربه المقام في مدينة اشبيلية فتلقاه اميرها انذاك المعتضد بالله بلقاء حسن فاكرمه ونعمه واستوزه ولقب بذي الوزارتين واقر بقاءه في منصبه ثم اثبته المعتمد بن عباد في حكمه ايضا وبقي في اشبيلية حتى وافاه الاجل
توفي في اشبيلية سنة\ 463 هجرية

يمتاز بسلاسة النظم وعذوبة وسهولة اللفظ ورقة المعاني وحسن الصناعة الشعرية وبراعتها ويعتبر متنبي بلاد الاندلس لتماثل شعره بشعرالمتنبي وتقليده اياه وقد نظم في اغلب الاغراض الشعرية وخاصة في الغزل ومن قصائده المشهورة هذه الابيات :


إني ذكرتك بالزهراء مشتاقا
والأفق طلق ومرأى الأرض قد راقا

وللنسيم اعتلال في أصائله
كأنما رق لي فاعتل إشفاقا

والروض عن مائه الفضي مبتسم
كما حللت عن اللبات أطواقاً

نلهو بما يستميل العين من زهر
جال الندى فيه حتى مال أعناقا

يوم كأيام لذات لنا انصرمت
بتنا لها حين نام الدهر سراقاً

نلهو بما يستميل العين من زهر
جال الندى فيه حتى مال أعناقاً

كأن أعينه إذا عاينت أرقي
بكت لما بي فجال الدمع رقراقاً

ورد تألق في ضاحي منابته
فازداد منه الضحى في العين إشراقاً

سرى ينافحة نيلوفر عبق
وسنان نبه منه الصبح احداقاً

كان يهبج لنا ذكرى تشوقنا
إليك، لم يعد عنها الصدر إذ ضاقا

لو كان وفي المنى في حمغا بكم
لكان من أكرم الأيام أخلاقا

لا سكن الله قلباً عق ذكركم
فلم يطر بجناح الشوق خفاقاً

لو شاء حملي نسيم الريح حين هفا
وافاكم بفتى أضناه ما لاقى

***************

وقال ابن زيدون يخاطب ابن عبدوس لاشتراكه معه في هواها ومحاولته كسبها لصالحه وبالفعل استطاع ذلك :

أثرت هزبر الشرى إذ ربض
ونبهته إذ هدا فأغتمض
ومازلت تبسط مسترسلا إليه
يد البض لما ا تقبض
حذار حذار، فأن الكريم إذا
سيم خسفاً أبي فامتعض
وإن سكون الشجاع النهوس
ليس بمانع ه أن يعض
عمدت لشعري ولم تتئد
تعارض جوهره بالعرض
أضاقت أساليب هذا القريض
أم قد عفا رسمه فانقرض
لعمري فوقت سهم النضال
وأرسله لو أصبت الغرض
وغرك من عهد ولادة
سراب تراءى وبرق ومض
هي الما يعز على قابض
ويمنع زبدته من مخض


ومن قوله في حب ولادة بعد ان هجرته واحبت غيره لكنه بقى محبا لها ذاكرا شوقه حبه ولوعته اليها هذه الابيات من قصيدة تعد من روائع الشعر العربي وعيونه . يقول فيها :-

أَضْحَى التَّنَائِي بَدِيْلاً مِنْ تَدانِيْنا
وَنَابَ عَنْ طِيْبِ لُقْيَانَا تَجَافِيْنَا
ألا وقد حانَ صُبح البَيْنِ صَبَّحنا
حِينٌ فقام بنا للحِين ناعِينا
مَن مُبلغ المُبْلِسينا بانتزاحِهم
حُزنًا مع الدهر لا يَبلى ويُبلينا
أن الزمان الذي ما زال يُضحكنا
أنسًا بقربهم قد عاد يُبكينا
غِيظَ العِدى من تساقينا الهوى فدعوا
بأن نَغُصَّ فقال الدهر آمينا
فانحلَّ ما كان معقودًا بأنفسنا
وانبتَّ ما كان موصولاً بأيدينا

لم نعتقد بعدكم إلا الوفاءَ لكم
رأيًا ولم نتقلد غيرَه دينا
ما حقنا أن تُقروا عينَ ذي حسد بنا،
ولا أن تسروا كاشحًا فينا
كنا نرى اليأس تُسلينا عوارضُه
وقد يئسنا فما لليأس يُغرينا
بِنتم وبنا فما ابتلت جوانحُنا
شوقًا إليكم ولا جفت مآقينا
نكاد حين تُناجيكم ضمائرُنا
يَقضي علينا الأسى لولا تأسِّينا
حالت لفقدكم أيامنا فَغَدَتْ
سُودًا وكانت بكم بيضًا ليالينا
إذ جانب العيش طَلْقٌ من تألُّفنا
وموردُ اللهو صافٍ من تصافينا
وإذ هَصَرْنا غُصون الوصل دانية
قطوفُها فجنينا منه ما شِينا
ليسقِ عهدكم عهد السرور فما
كنتم لأرواحنا إلا رياحينا
لا تحسبوا نَأْيكم عنا يُغيِّرنا
أن طالما غيَّر النأي المحبينا
والله ما طلبت أهواؤنا بدلاً
منكم ولا انصرفت عنكم أمانينا
يا ساريَ البرقِ غادِ القصرَ فاسق به
من كان صِرفَ الهوى والود يَسقينا
واسأل هناك هل عنَّي تذكرنا
إلفًا، تذكره أمسى يُعنِّينا
ويا نسيمَ الصِّبا بلغ تحيتنا
من لو على البعد حيًّا كان يُحيينا
فهل أرى الدهر يَقصينا مُساعَفةً
منه ولم يكن غِبًّا تقاضينا
ربيب ملك كأن الله أنشأه
مسكًا وقدَّر إنشاء الورى طينا
أو صاغه ورِقًا محضًا وتَوَّجَه
مِن ناصع التبر إبداعًا وتحسينا
إذا تَأَوَّد آدته رفاهيَة تُومُ
العُقُود وأَدْمَته البُرى لِينا
كانت له الشمسُ ظِئْرًا في أَكِلَّتِه
بل ما تَجَلَّى لها إلا أحايينا
كأنما أثبتت في صحن وجنته
زُهْرُ الكواكب تعويذًا وتزيينا
ما ضَرَّ أن لم نكن أكفاءَه شرفًا
وفي المودة كافٍ من تَكَافينا
يا روضةً طالما أجْنَتْ لَوَاحِظَنا
وردًا أجلاه الصبا غَضًّا ونَسْرينا
ويا حياةً تَمَلَّيْنا بزهرتها
مُنًى ضُرُوبًا ولذَّاتٍ أفانِينا
ويا نعيمًا خَطَرْنا من غَضَارته
في وَشْي نُعمى سَحَبْنا ذَيْلَه حِينا
لسنا نُسَمِّيك إجلالاً وتَكْرِمَة
فقدرك المعتلى عن ذاك يُغنينا
إذا انفردتِ وما شُورِكْتِ في صفةٍ
فحسبنا الوصف إيضاحًا وتَبيينا
يا جنةَ الخلد أُبدلنا بسَلْسِلها
والكوثر العذب زَقُّومًا وغِسلينا
كأننا لم نَبِت والوصل ثالثنا
والسعد قد غَضَّ من أجفان واشينا
سِرَّانِ في خاطرِ الظَّلْماء يَكتُمُنا
حتى يكاد لسان الصبح يُفشينا
لا غَرْو فِي أن ذكرنا الحزن حِينَ نَهَتْ
عنه النُّهَى وتَركْنا الصبر ناسِينا
إذا قرأنا الأسى يومَ النَّوى سُوَرًا
مكتوبة وأخذنا الصبر تَلْقِينا
أمَّا هواكِ فلم نعدل بمنهله
شِرْبًا وإن كان يروينا فيُظمينا
لم نَجْفُ أفق جمال أنت كوكبه
سالين عنه ولم نهجره قالينا
ولا اختيارًا تجنبناه عن كَثَبٍ
لكن عدتنا على كره عوادينا
نأسى عليك إذا حُثَّت مُشَعْشَعةً
فينا الشَّمُول وغنَّانا مُغَنِّينا
لا أَكْؤُسُ الراحِ تُبدى من شمائلنا
سِيمَا ارتياحٍ ولا الأوتارُ تُلهينا
دُومِي على العهد، ما دُمْنا، مُحَافِظةً
فالحُرُّ مَنْ دان إنصافًا كما دِينَا
فما اسْتَعَضْنا خليلاً مِنك يَحْبسنا
ولا استفدنا حبيبًا عنك يُثْنينا
ولو صَبَا نَحْوَنا من عُلْوِ مَطْلَعِه
بدرُ الدُّجَى لم يكن حاشاكِ يُصْبِينا
أَوْلِي وفاءً وإن لم تَبْذُلِي صِلَةً
فالطيفُ يُقْنِعُنا والذِّكْرُ يَكْفِينا
وفي الجوابِ متاعٌ لو شفعتِ به
بِيْضَ الأيادي التي ما زلْتِ تُولِينا
عليكِ مِني سلامُ اللهِ ما بَقِيَتْ
صَبَابةٌ منكِ نُخْفِيها فَتُخفينا

*******************



ولادة ابنة المستكفي

هي الشاعرة ولادة بنت الخليفة المستكفي بالله محمد بن
عبد الرحمن بن عبيد الله بن الناصر لدين الله الأموي ولدت عام \400 للهجرة في بيت عز وشرف واستخلف ابوها الخلافة في الاندلس عام \414 هجرية فهي اذن شاعرة أندلسية، من بيت الخلافة.وتثقفت عاليا على ايدي افضل العلماء والادباء في عصرها اشتهرت بالفصاحة والبلاغة والشعرومجالسة الرجال ،. وكانت واحدة زمانها في ذلك الوقت بسبب شعرها. وكانت تخالط الشعراء في زمانها وتجالسهم بل وتنافسهم. وكان لها مجلس مشهود في قرطبة يحضره الادباء والشعراء يتدارسون الثقافة والادب وينشدون والشعر و تشتهر ببيتين شهيرين من الشعر قيل أنها كانت تكتب كل واحد منهما على جهة من ثوبها:
أنا والله أصلح للمعالي
وأمشي مشيتي وأتيه تيهاً
وأمكن عاشقي من صحن خدي
وأعطي قبلتي من يشتهيها

كانت ولادة تحب الشعر، وكانت مع ذلك مشهودة مصونة عفيفة حيث كانت شاعرة وأديبة من شعراء الأندلس وكان في قولها حسن وبداعة وجزلة في الألفاظ، و كانت تناضل الشعراء، وتساجل الأدباء وتتفوق بالبرعاة على بعضهم ، فكان مجلسها في قرطبة يزخر بجيد النظم والنثر يغشاه ارباب الثقافة و الأدب والشعر ويتهالك الشعراء والكتاب على حلاوة عشرتها وعلى سهولة حجابها وكثرة منتابها، كانت تخلط ذلك بعلو همة وكرم انسب وطهارة ذيل على أنها ا وجدت للقول فيها السبيل بقلة مبالاتها ومجاهدتها فقال القائلون ما شاؤوا عليها وفيها وكان من بين مرتادي مجلسها هذا الشاعرالكبير ابن زيدون وقيل انها سمعته مرة يلقي قصيدة من قصائده فرغبت به والتقت به في ثنايا القصر وقيل انها قالت مرة مداعبة للوزير ابن زيدون وكان له غلام اسمه علي:
إن ابن زيدون على فضله
يفتا بني ظلما ولا ذنب لي
يلحظني شزرا إذا جئته
كأني جئت لأحضي علي

وبمرور الوقت احبته وبادلها الحب بالحب والشوق بالشوق فقد احبته وأحبها، وقيل أنها كانت البادئة في طلب اللقاء به وكانت ولادة بارعة الجمال و الحسن الفائق و الأدب والشعر والنادر، وخفة الروح فلم تكن تقصر عنها، وكان لها صفة في الغناء و لم يزل ابن زيدون يروم الاقتراب منها ولع حبا بها، الاانه قيل كانت لولادة جارية سوداء بديعة الجمال فظهر لولادة أن ابن زيدون مال إليها فكتبت إليه:

لو كنت تنصف في الهوى ما بيننا
لم تهـو جاريتي ولم تتخير
وتركت غصنا مثمرا بجماله
وجنحت للغصن الذي لم يثمر

ولقد علمت بأنني بدر السما
لكن ولعت لشوقي بالمشتري

فكتب اليها بن زيدون يستعطفها ولعلها ترجع اليه:

ما جال بعدك لحظى في سنا القمر
الا ذكرتك ذكر العين بالأثر
ولا استطلت دماء الليل من أسف
الا على ليلة سرت مع القصر
فهمت معنى الهوى من روح طرفك لي
ان الحوار لمفهوم من الحور
فكتبت اليه تقول :
اغاروا عليك من عيمي ومني
وفيك ومن زمانك والمكان
ولو اني خبئتك في عيوني
الى يوم القيامة ما كفاني

فكتب اليها ابن زيدون قائلا :

يا من غدت به بالناس مشتهرا
قلبي يقاسي عليك الهم والفكر ا
ان غبت لم القى انسان يؤانسي
وان حضرت فكل الناس قد حضرا
الا انها هجرته وحاول بكل جهوده ومعرفته وشعره ان يردها الى حبه فلم يفلح اذ انها مالت الي غيره فاحبت الوزير ابا عامر فندم ابن زيدون وراح يتوسل بغيرجدوى وينظم الشعر مهددا الوزير ابا عامر شاكيا إلى ولادة تباريح الهوى ويقول:

كم ذا أراد ولا أراد يا سوء ما لقي الفؤاد
يقضي علي دلاله في كل حين أو يكاد
كيف السلو عن الذي مثواه من قلبي السواد
، وكتب إلى الوزير رسالته المعروفة بالرسالة الهزلية سخر فيها منه على لسان حبيبته، فلم يلبث الوزير أن عمل على سجن الشاعر، فتم سجنه . فراح ابن زيدون في سجنه يكتب الشعر مسترحما ،كما كتب إلى أبي حزم رسالته المعروفه بالرسالة الجدية مستعطفا ولكن لم يجد اذ نا تصغي ولا قلبا يرحم، فصمم على الهرب ، ففر من السجن في ليلة عيد الأضحى وظل متخفيا عن الانظار حتى عفا عنه ابو حزم فبعث بقصيدته المشهورة بالنونية والتي كتبها إلى حبيبته ولادة بنت المستكفى حيث كان في اشبيلية وهى في قرطبة تعتبر قصيدته هذه من روائع الشعر العربي وعيونه في الادب وشعر الغزل وقد مرت بنا في بحث ابن زيدون ولا حاجة لتكرارها .
وقد توفيت ولادة سنة\ 480 هجرية وقيل عام\ 484 عن عمر يناهز الثمانين عاما
ومن شعرها في الغزل تقول:

ألا هل لنا من بعد هذا التفرق
سبيل فيشكو كل صب بما لقي
وقد كنت أوقات التزاور في الشتا
أبيت على جمر من الشوق محرق
فكيف وقد أمسيت في حال قطعة
لقد عجل المقدور ما كنت أتقي
تمر الليالي لا أرى البين ينقضي
ولا الصبر من رق التشوق معتقي
سقى الله أرضا قد غدت لك منزلا
بكل سكوب ما طل الوبل مغدق


*****************************************


الشاعرة حفصة بنت الحاج الركونية



شاعرة أندلسية، عاشت حياة الأندلس بما فيها من حب للمظاهر وحياة الترف والرغد، وكانت – كبنات جيلها ومجتمعها آنذاك – تفاخر بحبها وعشقها للرجل الذي اختاره قلبها، دون خوف أو مبالاة بما قد يتناقله الناس عنها..
كانت على علاقة عشق مع الشاعر أبي جعفر ابن سعيد، فقد تناقلت لها المصادر الأدبية كثيرا من شعرها الغزلي الرقيق فيه، فمن ذلك قولها:

أغار عليك من عيني رقيبي
ومنك ومن زمانك والمكان
ولو أني خبأتك في عيوني
إلى يوم القيامة ما كفاني
وقولها:

ثنائي على تلك الثنايا لأنني
أقول على علم وأنطق عن خبر
وانصفها لا اكذب الله إنني
رشفت بها ريقاً ألذ من الخمر

ولما ارادت الدخول عليه من احدى المرات قالت:
زائرا قد اتي بجيد الغزال
مطلع تحت جنحه للهلال
بلحاظ من سحر بايل صيغت
ورضاب يفوق بنت الدوالي
يفضح الورد ما حوى منه خبر
وكذا الثغر فاضح للالئ
ما نرى في دخوله بعد اذن
او تراه لعارض في انفصال

وكتبت له ذات مرة:

أزورك أم تزور فإن قلبي
إلى ما ملتم أبدا يميل
فثغري مورد عذب زلال
وفرع ذؤابتي ظل ظليل
وقد أملت أن تظمأ وتضحى
إذا وافى إليك بي المقيل
فعجل بالجواب فما جميل
أناتك عن بثينة يا جميل

الا ان أمير غرناطة الموحدي أبو سعيد عثمان بن
عبد المؤمن قد طمع في حبها وحاول التقرب منها فلم يفلح اضطر الى قتل حبيبها أبا جعفر لعله يخلو له قلبها عام \ 559 هـجرية –
وقيل هو الامير عبد الرحمن بن علي امير دولة الموحدين و من أجل ذلك حزنت عليه حفصة حزنا كثيرا وجاهرت برثائه والبكاء عليه ولبست الحداد فهددها امير غرناطة ابو سعيد بسبب لبسها الحداد فقالت:
هددوني من أجل لبس الحداد
لحبيب اردوه لي بالحداد
رحم الله من يجود بدمع
أو ينوح على قتيل الأعادي
وسقته بمثل جود يديه
احيث أضحى من البلاد، الغوادي

ومن مراثيها فيه:

ولو لم يكن نجما لما كان ناظري
وقد غبت عنه مظلما بعد نوره
سلام على تلك المحاسن من شج
تناءت بنعماه وطيب سروره
ومن ذلك أيضا:

سلوا البارق الخفاق والليل ساكن
أظل بأحبائي يذكرني وهنا
لعمري لقد أهدى لقلبي خفقة
وأمطرني منهل عارضه الجفنا


********************************





الغزل في الفترة الراكدة
(المغولي والعثماني)


ان الشعر في القرن الاول لفترة حكم المغول كان جيدا قوي الاسلوب والسبك ويتميز با خيلة جيدة ففي هذه الفترة نضج الفكر العربي في الاداب والفنون وبما كانت عليه الحالة في العصر العباسي الثاني وفي كل امورالثقافة وآتت ثمارها الا ان اغلب الشعراء قتلوا
او تشردوا خوف القتل فاقفرت الحالة وانتكست الامور بخراب البلاد
لقد كتب الشعراء في هذا العصر في معظم أغراض الشعر العربي وأضافوا ما استجد في عصرهم من قضايا أخرى.

والشعر الغزلي غرض أكثر منه الشعراء في العصر المملوكي فأفردوه حيناً بقصائد مستقلة وجعلوه أحياناً في مطالع مدائحهم وقد كان هذا الغزل يطل برأسه من خلال العتاب والرضى والافتتان والشكوى تعبيراً عن المشاعر يحمل في طياته التقليد حيناً والتجديد أحياناً أخرى، وقد انطلق شعراء هذا العصر بغزلهم من مفاهيم جمالية تقليدية غالباً وتحدث الغزل عندهم عن:

آ- وصف محاسن الحبيب:
حيث شبّهوا وجهه بالبدر والشمس والشعر بالليل الاسود، ورحيق الثغر بالخمر، ونظرات العيون بالسهام والحواجب بالقسي، والقدّ بالرماح والصدغ بالعقرب. ومن ذلك ما قاله التلعفري:

لو تنعق الشمس قالت وهي صادقة . ما فيَّ فيها، وما فيَّ الذي فيها

هبني أماثلها نوراً وفرط سناً . من أين أملك معنى من معانيها

ب- وصف أحوال المحبين:
حيث جعلوا المحبّ يحزن بشوق وصبابة، وجعلوا المحبوبة قاسية ظالمة لا تلين، وجعلوا وصله أبعد من الثريا .

ج- الحديث عن الوشاة والرقباء:

ومتاعب وعثرات الحب حيث اتهموا العذا ل والوشاة بالبلادة، وجعلوا أعين الرقباء مخيفة نظارتها حاقدة وحاسدة، وذلك لينتهزوا الفرص و لينهلوا ما يطيب لهم.

د- الحديث عن الجمال التركي والمغولي والهندي والفارسي والإفرنجي والكردي والزنجي:
وتغيرت معايير الجمال من العيون النجلاء الحوراء إلى العيون الضيقة.

يقول ابن نباتة:

وحبيب إليّ يفعل فعال الأعداء بالأجداء

ضيق العين إن رنا واستمعنا وعناء تسمّع النجلاء

وأيضاً :

بهت العذول وقدر رأي ألحاظها
تركية تدع الحليم سفيهاً

فثنى الملام وقال دونك والأسى

هذي مضايق لست أدخل فيها

وكذلك وصفوا العيون الزرقاء كما في قول ابن نباته:

وأزرق العين يمضي حدّ مقلته
مثل السنان بقلب العاشق الحذر

قالت صبابة مشغوف بزرقتها
دعها سماويّة تمضي على قدر

هـ- الإعراض عن ذكر الأسماء التقليدية كليلى وزينب ورباب وسعدى وهند وأسماء إلى أسماء جديدة هي واقع الحال في ذلك العصر .

يقول ابن نباته:

على ضيّق العينين تسفح مقلتي
ويطربني لا زينب ورباب

فيارشأ الأتراك لاسرب عامر
فؤادي من سكني السكون خراب

و- الحديث عن زيارة طيف المحبوب وخياله في المنام واليقظة وفي ذلك يقول صفي الدين الحلّي:

ما بين طيفك والجفون تواعد
فيفي إذا خُيّرت أني راقد

إني لأطمع في الرُّقاد لأنه
شرده يصار به الغزال الشاردُ

ومن شعراء الغزل في هذين العهدين نختار منهم :





صفي الدين الحلي



هو عبد العزيز بن سرايا بن علي بن ابي القاسم ويعرف بصفي الدين الطائي السنبسي ولقب بالحلي نسبة الى مدينة الحلة في العراق
ولد بمدينة الحلة من العراق سنة \677 هجرية وانتقل االى ماردين ليكون شاعر الدولة الارتقية فيها ورحل الى القاهرة ومدح فيها ملكها الناصر في قصيدة مطلعها :

اسبلن من فوق النهود ذوائبا
فتركن حبات القلوب ذوائبا

ثم عاد الى ماردين ثم الى بغداد
حيث توفي في بغداد سنة \ 750 هجرية

تميز شعره بسهولة اللفظ وحسن السبك وهو اشعر اهل زمانه بلا منازع ونظم الموشح المضمن . وقد ضمن هذا الموشح قصيدة ابي نؤاس البائية منها مايلي :

وحق الهوى ما حلت يوما عن الهوى
ولكن نجمي في المحبة قد هوى

ومن كنت ارجو وصله قتلني نوى
واضنى فؤادي بالقطيعة والنوى

ليس في الهوى عجب ان اصابني النصب
حامل الهوى تعب يستفزه الطرب

فشخصية الحلي الفنية تتردد وتتكرر، في معظم قصائده، ولم نلحظ فيها خطأ للتطور، فشعره كله كما قيل فيه ( نفس واحد ومنهج منسوخ،)
. والوضح ان قصائده في المديح على اغلب ويفتتحها بالغزل وربما يستعمله في الفخر والحماسةايضا لكن بقلة ويسير في هذا النوع من الغزل سيرة من سبقه من الشعراء الجاهليين والأمويين والعباسيين، متأثراً خطاهم ناسجاً على منوالهم من حيث الطريقة المتبعة في المقدمات الغزليةفي القصيدة العربية فهو في معظم قصائده مقلدا ومكرر وكانه كما قيل فيه ( نفس واحد ومنهج منسوخ ) من حيث السبك الفني والحس الشعري ، ف هو يقف على الأطلال الدوارس والآثارالمعفاة، فيناجيها ويستنطقها، ويبثها حرقة قلبه ونوزاع نفسه ويبكي أمامها مستعطفاً، شاكياً، ويستعيد معها الذكريات الخوالي وأيام الأنس والصفاء
قال في ذلك:

لا تخش يا ربع الحبيب هموماً
لقد أخذت على العهاد عهوداً
وليفنين ثراك عن صوت الحيا
صوب المدامع إن طلبت مزيدا
كم غادرت بفناك يوم وداعنا
سحب المدامع منهلا مورودا
ولكم سكبت عليك وافر أدمعي
في ذلك اليوم الطويل مريدا

وفي وصف النساء الحسان يؤكد بأنهن أخجلن زهر الأقحوان وضاهين شقائق النعمان، وبأن أردافهن ثقيلة، وقدودهن مياسة، وبعدها يصل إلى وصف أناته العاشقة وسقم جسمه، وسهد جفنيه، مترقباً زيارة الحبيبة
فيقول متغزلا :

م قد سهرت الليل أرقب زورة
منها فلم أر للصباح عمودا
ورعيت أنجمه فأكسبت السها
سقمي وأكسب جفني التسهيدا
وحملت أعباء الغرام وثقله
فرداً وحاربت النوى تا ييدا

ويلاحظ في غزله ً برودة العواطف وسطحيتها وكونه متكلفا حيث ان شعره لا يستقي من ينبوعه وإنما يستقي من ينابيع الشعراء السابقين لذا اقول انه اكرته وعقلهلا وثقافته أكثر مما ينظم بقلبه ومشاعره وانفعالاته.

يقول متغزلا :

يا ديار الأحباب بالله ماذا
فعلت في عراصك الأيام
أخلقتها يد الجديدين حتى
نكرت من رسومها الأعلام
قد شهدنا فعل البلى بمغاني
ك ودمع الغيوم فيك سجام
واقترضنا منها الدموع فقالت
كل قرض يجر نفعاً حرام

ويقول ايضا :

ما بين طيفك والجفون مواعد
فيفي إذا خبرت أني راقد
إني لأطمع في الرقاد لأنه
شرك يصاد به الغزال الشارد

ويقول ايضا متغزلا:
لم تخل منك خواطري ونواظري
في حال تسهادي وحين أنام
فبطيب ذكر منك تبدأ يقظتي
وبشخص طيفك تختم الأحلام

اما في طيف الحبيبة فلا يجفوه ولا ينساه
بل دائم الذكرى له:

لعمرك ما تجافى الطيف طرفي
لفقد الغمض إذ شط المزار
ولكن زارني من غير وعد
على عجل، فلم ير ما يزار
والحقيقة قد خمدت العواطف في هذا العصر، خموداً محزناً، وأنشدّ الشاعر نحو ظواهر الشعر وعاف بواطنه وأًصبح كما قلنا من قبل ينظم بعقله أكثر مما ينظم بقلبه، وهذا لا يمكن لعاطفة باردة خامدة سقيمة أن تفجر شعراً حاراً مندفعاً صحيحاً.

آخر من بني الأعراب حفت
جيوش الحسن منه بعارضين
تلاحظ سوسن الخدين منه
يبدلها الحياء بوردتين
ووصفي الدين الحلي اعجبه الغلمان فتغزل بالمذكر ايضا والغريب ان معظم غلمانه ممن تغزل بهم يحملون أسماء أنبياء كيوسف وسليمان وداود وموسى وإبراهيم، ويستغل شاعرنا هذه الأسماء في شعره استغلالاً حسناً، فيستفيد من معاني التسمية وما تحمله من دلائل
يقول في غلام اسمه يوسف:

يا سمي الذي به اتهم الذئ
وأفضى إليه ملك العزيز
لو تقدمت مع سميَّك لم يم
س فريداً في حسنه المنبوز
(والمنبوز بالزاي هنا بمعنى المتعارف).
ويقول في غلام اسمه سليمان:
يا سمي الذي دانت له الج
ن وجاءت بعرشها بلقيس
غير بدع إذا أطاعت لك الأنٍ
س وهامت إلى لقاك النفوس
ويقول في غلام له تمرض متغزلا :

لا حال في جوهر من جسمك العرض
ولا سرى في سوى الحاظك المرض
حوشيت من سقم في غير خصرك أو مض
في موعد لك في أخلافه غرض
فتور نبضك من عينيك مسترق
وضعف جسمك من جفنيك مقترض


**********************

ويقول ايضا :
جاء في قده اعتدال مهفهف ما له عديل
ففت عطفه شمال وثقلت جفنه شمول
ثم انثنى راقصاً بقد تثنى إلى نحره العقول
فعطفه داخل خفيف وردفه خارج ثقيل


ومن قصائده هذه القصيدة التي تعتبر من عيون الشعرالعربي حيث يبدؤها بالغزل :

أسبَلنَ من فَوقِ النّهودِ ذَوائِبا،
فجَعَلَنَ حَبّاتِ القُلوبِ ذَوائِبَا
وجَلَونَ من صُبحِ الوُجوهِ أشِعْة ً،
غادرنَ فودَ الليلِ منها شائبَا
بِيضٌ دَعاهنّ الغبيُّ كَواعِبا،
ولو استبانَ الرشدَ قالَ كواكبَا
وربائِبٌ، فإذا رأيتَ نِفارَها
مِن بَسطِ أُنسك خِلتهنْ رَبارِبَا
سَفَهاً رأينَ المانَويّة َ عِندَما
أسلبنَ من ظلمِ الشعورِ غياهبَا
وسَفَرنَ لي فَرأينَ شَخصاً حاضراً،
شُدِهتْ بَصِيرَتُه، وقَلباً غائِبَا
أشرقنَ في حللٍ كأنّ وميضَها
شفقٌ تدرَّعُهُ الشموسُ جلاببَا
وغربنَ في كللٍ، فقلتُ لصاحبي:
بأبي الشموسَ الجانحاتِ غواربَا
ومُعَربِدِ اللّحَظاتِ يَثني عِطفَهُ،
فُخالُ مِن مَرَحِ الشّبيبَة ِ شارِبَا
حلوِ التعتبِ والدلالِ يروعُهُ
عَتبي، ولَستُ أراهُ إلاّ عاتِبَا
عاتَبتُهُ، فتَضرّجَتْ وجَناتُهُ،
وازوَرّ ألحاظاً وقَطّبَ حاجِبَا
فأذابَني الخَدُّ الكَليمُ وطَرفُه
ذو النّون، إذْ ذهبَ الغَداة َ مُغاضِبَا
ذو منظرٍ تغدو القلوبُ لحسنِهِ
نهباً، وإنْ منحَ العيون مواهِبَا
لابدعَ إن وهبَ النواظرَ حظوة ً
نِعَماً، وتَدعوهُ القَساوِرُ سالِبَا

*****************************************





ابن نباته المصري


هو جمال الدين ابو بكر محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسن الجذامي المصري ولد سنة\ 686 هجرية

وابن نباته كان شاعرا ناظما ناثرا له ديوا ن كبير مرتب على الحروف الهجائية وله ايضا قصيدة غزلية مشهورة اسماها سوق الرقيق كما وله العديد من الكتب الاخرى منها القطر النباتي ومطلع الفرائد وسجع الطوق وتعليق الديوان في الشعر وله سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون وسير دول الملوك وتلطيف المزاج في شعر ابن الحجاج .
توفي بن نباتة المصري سنة \ 768 هجرية

ومن شعره في الغزل :

سلام على عهد الصبابة والصّبا
سلام بعيد الدار لا غروَ ان صبا

مفارق أوطان له وشبيبه
اذا شرّقت أهل التواصل غرّبا

يعاودُ أحشاهُ من الشوق فاطرٌ
ويتلو عليه آخر الآي من سبا

وما زال صباًّ بالأحبة والهاً
الى أن حكاه دمعه فتصبَّبا
وله ايضا يقول متغزلا :

قام يرنو بمقلة ٍكحلاءِ علمتني الجنون بالسوداء

رشأٌ دبَّ في سوالفه النم لُ فهامت خواطرالشعراء

روض حسن غنى لنا فوقهُ الحل يُ فأهلاً بالروضة ِالغناء

جائر الحكم قلبه ليَصخرٌ وبكائي له بكى الخنساء

عذلوني على هواه ُفأغروا فهواه نصبٌ على الأغراء

من معيني على رشاً صرت من دموعي عليه مثل الرشاء

من معيني على لواعجحبّ تتلظى من أدمعي بالماء

وحبيبٍ اليّ يفعلُ بالقل بِ فعال الأعداء بالأعداء

ضيق العينِ ان رناواستمحنا وعناء تسمح البخلاء

ليتَ أعطافه ولو فيمنامٍ وعدت باستراقة ٍللقاء

يتثنى كقامة الغصن اللدّ ن ويعطو كالظبية الأدماء

ياشبيه الغصون رفقاًبصبّ نائح في الهوى مع الورقاء

يذكرُ العهدَ بالعقيق فيبكي لهواهُ بدمعة ٍحمراء

يالها دمعة ٌ على الخد ّحمرا ء بدت من سوداء في صفراء

فكأني حملت رنك بن أيو ب على وجنتي لفرط ولاء

ملك حافظ المناقب تروي راحتاه عن واصل عن عطاء

في معاليه للمديح اجتماعٌ كأبي جاد في اجتماع الهجاء

خلِّ كعباً ورم نداه فما كع بُ العطايا ورأسها بالسواء

وارجُ وعد المنى لديه فإسما عيلُ ما زال معد نا ًللوفاء

ما لك فيهِ في الثراءهدوّ فهو فيه كسابح في ماء

جمعت في فنائه الخيل والاب ل وفوداً أكرم بها من فناء

لو سكتنا عن مدحه مدحته بصهيل من حوله ورغاء

همة ٌ جازت السماكَ فلميع بأ مداها بالحاسد العوّاء

وندى ً يخجلُ السحابَ فيمشي من ورا جودهِ على استحياء

طالَ بيتُ الفخار منه على الشع ر فماذا يقولُ بيتُ الثناء

أعربت ذكرهُ مباني المعاني فعجبنا لمعربٍ ذي باء

ورقى صاعداً فلم يبقَ للحا سدِ إلا تنفسُ الصعداء

شرفٌ في تواضعٍ ونوالٌ في اعتذار وهيبة في حياء

يا مليكاً علا على الشمس حتى عمَّ إحسانهُ عمومَ الضياء

صنت كفي عن الأنام ولفظي فحرام نداهمُ وثنائي


------------------------------------------------





علي بن معصوم



هو علي بن أحمد نظام الدين بن محمد معصوم ابن أحمد نظام الدين بن إبراهيم بن سلام الله بن مسعود عماد الدين بن محمد صدر الدين بن منصور غياث الدين بن محمد صدر الدين بن إبراهيم شرف الملة بن محمد صدر الدين بن إسحاق عز الدين بن علي ضياء الدين بن عربشاه فخر الدين بن أمير عز الدين أبي المكارم بن أميري خطير الدين بن الحسن شرف الدين أبي علي بن الحسين أبي جعفر العزيزي بن علي أبي سعيد النصيبيني بن زيد الأعشم أبي إبراهيم بن علي أبي شجاع الزاهد بن محمد أبي جعفر بن علي أبي الحسين بن جعفر أبي عبد الله بن أحمد نصير الدين السكين النقيب بن جعفر أبي عبد الله الشاعر بن محمد أبي جعفر بن محمد بن زيد الشهيد بن علي زين العابدين بن بن الحسين السبط بن علي بن أبي طالب عليهم السلام

ولد في المدينة المنورة وقيل في مكة المكرمة في الخامس عشر من شهر جمادي الاول سنة \ 1052 هجرية
نشأ في كنف والدته وأخواله، حيث سافر والده عام 1054هجرية إلى الهند- وكان الشاعر في سن الصبا -حيث استقدمه عبد الله بن محمد قطب شاه صاحب حيدر آباد، و زوجه السلطان ابنته، وولاه الأمور الإدارية .
سافر الشاعر إلى الهند حسب رغبة والده لكي يستقر عنده في الهند، وصل ابن معصوم إلى الديار الهندية بعد سفر ـ شاق متعب طويل ـ دام سنتين عام 1068هجرية حيث تربى شاعرنا تحت كنف والده ـ الذي شغل مناصب إدارية هامة في الدولة ـ وأمضى فترة من عمره تناهز ثمانية عشر عاماً في حيدر آباد عاصمة دولة قطب شاهي شاهي
وما لبثت أن تغيرت بالنسبة إلى ابن معصوم حيث توفي السلطان عبد الله قطب شاه مما أدى إلى سيطرة أبي الحسن قطب شاه آخر سلاطين قطب شاهي على مقاليد الحكم في الدولة، إذ تعرض والده إثر ذلك لمصاعب شتى وانتهت بسجنه في اواخر ايامه وبعد وفاة وفاة بمدة قصيرة، توالت عليه الاحداث إذ فرض عليه أبو الحسن قطب شاه الإقامة الجبرية في بيته
فقرر الهرب من حيدر آباد سرا متوجهاً إلى مقر السلطان إمبراطور الدولة المغوليّة في الهند، حيث عينه السلطان والياً على مدينة لاهور وما حولها الا انه طلب من السلطان أورنكزيب إعفاءه من هذا المنصب بعد أن أمضى فيه فترة طويلة فيه ، فأجابه السلطان بقبول حسن وعينه رئيساً على ديوان برهانبور.
طلب اعفاءه والسفر الى الحجاز بعد غياب اربعين سنة فحج البيت الحرام في مكة المكرمة ثم توجه الى المدينة المنورة فزار ضريح الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم ثم مالبث ان سافر الى العراق ثم الى ايران حيث اختار ( شيراز ) لتكون محطته الاخيرة
حيث توفي فيها عام \481 هجرية – 1120 ميلادية على الارجح ودفن فيها الى جوار الامام احمد احد احفاد الامام موسى الكاظم .
ومن شعره في الغزل :

خليليَّ خطب الحبِّ أيسرُهُ صعبُ
ولكن عذابُ المُستهام به عَذْبُ
وما أنس لا أنسى وُقُوفي صبيحة ً
وقد أقبلت يقتادُها الشوقُ والحبُّ
فتاة ٌ هي البدرُ المنيرُ إذا بَدَتْ
ولكنَّ لا شرقٌ حواها ولا غربُ
منعَّمة ٌ رؤدٌ لها الشمسُ ضرَّة ٌ
وغُصن النَّقا ندٌّ وظبي الفلا تِرْبُ
فوافت تُناجيني بعتبٍ هو المُنى
وليسَ يلَذُّ الحبُّ ما لم يكن عَتَبُ
فما زلتُ أُبدي العُذرَ أسألُها الرِّضا
وقد علمت لو أنصفت لمن الذَّنْبُ
إلى أن طوت نشر العتاب وأقبلت
تبسَّمُ عن ثغرٍ هُو اللؤلؤُ الرَّطبُ
فعاطيتُها كأسَ الحديثِ وبيننا
حِجابُ عفافٍ عنده ترفع الحُجْبُ
فظلَّت بها سكرى ورجت كأنَّني
أخو نشوة ٍ بالرَّاح ليس له لُبُّ
فوالله ما صرف المُدام بفاعل
بنا فعلَها يوماً ولَوْ أد مِنَ الشِّرب
وقفتُ أُجيلُ الطرفَ في روضِ حُسنها
ويَمنعُني من طَرفها مُرهفٌ عضبُ
وما برحت تصبي فؤادي وهل فتى ً
تغازله تلك اللِّحاظ ولا يَصُبو
وراحت تُريحُ القلب من زفراته
بطيب حديثٍ عنده يقف الرَّكبُ
فما راعها إلاَّ سُقوطُ قِناعِها
وطُرَّتُها في كفِّ ريح الصَّبا نَهْبُ
هنالك أبصرتُ المُنى كيف تُجتنى
وكيف يَنال القلبُ ما أمَّل القلبُ
فللَّه يومٌ ساعَفَتْنا به المُنى
وطابَ لنا فيه التَّواصلُ والقُربُ


************************************








الغزل في الشعر الحديث والمعاصر

شعر الغزل وجد منذ وجد الانسان بعاطفته وحبه اتجاه قرينته وحبيبته وفي الشعر العربي وجد في كل العصور الشعرية كما اسلفنا وتحدثنا عليه سابقا فهو تسجيل لعواطف الشاعر المحب اتجاه من يحب وما يكنه في قلبه الملتاع وفؤاده المكتوي بنار الحب والعشق ونفسه الحرى وروحه الحيرى وفكره المشغول وعقله المسلوب من شدة الوجد والوله والحب القاتل .
تميز شعر الغزل في هذا العصر بتمثيل طبيعة النفس العربية النبيلة العفيفة فهو بعيد عن التبذل والتفسخ الخلقي الذي كان موجودا في شعر العصور العباسية وخاصة الاخير العصورالراكدة منها نتيجة للاختلاط مع الاعاجم شرقا وغربا وشمالا وفساد الاخلاق العربية تبعا لعادات وتقاليد المجتمع وخاصة رعاع الناس وشواذهم الاجتماعية التي انتقلت الى العرب ما يتميز ببعده عن المادية الا بعض قصائد لشاعر او اكثر
عرف الشعر العربي على مدى العصور والازمنة روائع شعرية عديدة قيلت في الحب والغزل والوقوف على أطلال الحبيبة . وفي العصر الاموي انتشر الغزل العذري ممثلاً بجميل بن معمر وهو غزل طاهر عفيف يصور الحب الجارف القوي الشديد ومكابدة العشاق لاوجاعهم في ألم البعاد عن الحبيبة. وقد ورد ذكر الكثير من قصص الحب والغزل في كتابي هذا في فصوله السابقة .
احتل شعر الحب والغزل حيزاً واسعاً من الثروة الشعرية العربية منذ زمن الجاهلية وحتى يومنا هذا ، لما يمثله الحب من شعور انساني متأصل في النفوس ، وعواطف جيّاشة وانفعالات متدفقة وصادقة، وما يجسده من هجر ووصل ونوى ولوعة وغصة وسعادة وشقاء وعذاب ولقاء .

وهذا اللون من الشعر الوجداني العاطفي يمتلئ بشكوى الروح، وما يلاقيه العاشق الولهان والمحب المتيم من تباريح الحب والوجد والشوق وقسوة البعاد ومرارة الحرمان. وما يميزهذا الشعر انه عفوي صادق اللوعة، رصين التعبير ، عف الضمير واللسان، غني القلب والشعور. ولم يكتم الشعراء عواطفهم ولم يخجلوا من التعبير عما يعتمل ويختلج في قلوبهم من مشاعر فياضة واحساس بالحب والعشق. فجاءت قصائدهم الغزلية تتصف بجزالة اللفظ والسلاسة والرقة والنعومة وصدق الكلمة وانسياب اللغة.و تعبير عن ذوب فؤاد وعصارة روح وبكاء عين ، وتمور بالعاطفة القوية الصادقة والروح الانسانية العاشقة ونجد فيها النصاعة ،ومتانة السبك ،والموسيقى، والجرس القوي، والقوافي الجميلة، والخيال الخصب الرائع الأليف ،والصور الشعرية الأنيقة الخلّابة ،والشعور الانساني النقي الفياض المنبعث من اعماق قلب يتغزل بابيات نسجت كلماتها بأنغام موسيقية شفافة تجمع بين العاطفة والخيال لترتقي الى قمة الابداع والرهافة والتوهج الشعري ولو رجعنا الى الادب العربي لوجدناه كثيرة فيه تلك الروائع الشعرية التي قيلت في الغزل والحب والاشواق والوقوف على الاطلال وربما تكون في غزل طاهر عفيف كالغزل العذري عند جميل بن معمر اوالعباس بن الاحنف

اما في العصرالحديث والمعاصر فقد نهج شعراء العصرالحديث نهج من سبقهم من شعراء الغزل في الوصف والتغني بجمال جسد المرأة ومحاسنها وجاء الغزل في اغلب مقدمات قصائدهم الا ان البعض الاخر تغير شكل شعرالحب والغزل عنده بما يلائم العصر ومتطلبات الحياة اليومية وحالات المتجمع وتطوره
ولعل أجمل قصائد الحب في الشعر العربي الحديث و المعاصر هي قصيدة (الأطلال) للشاعر ابراهيم ناجي اضافة الى قصائد الشاعر احمد شوقي ومنها :
( خدعوها بقولهم حسناء والغواني يغرهن الثناء)
وقصيدة:

( مضناك جفاه مرقده لكاه ورحم عوده )

والتي جاءت معارضة لقصيدة البوصيري الاندلسي:

( ياليل الصب متى غده اقيام الساعة موعده )

وقصائد شاعر المرأة نزار قباني الكثيرة وقصائد صلاح عبد الصبور وبدر شاكرالسياب و عاتكة الخزرجي و حارث طه الراوي وغيرهم من الشعراء كثير .
فالحب والوفاء والود والإخاء حقيقة وجدانية، بل أمرٌ فطري جبلت عليه النفوس البشرية بل اعبره بعضهم هو من الإيمان إن كان خالصاً فالمحبة الحقَّة والمحبة الصادقة تولّد في النفس أصدق العواطف النبيلة وأخلص المشاعر الصادقة بلا تلفيق اعتذارات ولا تنميق عبارات جميلة .
و في هذا الوقت فقد انحسرت فيه قصائد الحب واستبيحت فيه المشاعر وضعف الإيمان، وأبتعد كل من يكتب الشعرعن التفكير بصياغة قصيدة حب تصف مشاعره تجاه من احب حيث يراه كل يوم ويلتقي به في كل حين، وقربته أكثر فكرة الغزل والسخرية منه في مغازلة أكثر من حبيبة ومحادثة اكثر من بنت ، سواء في الواقع أو حتى من خلال التطورات النفسية الميسرة لهذه الحالة . فلم تعد هناك جدران تفصل بين المحبين، فلم تعد هناك أشواق لإنسانة ممنوعة وبعيدة عنه ولا حيلة له للالتقاء بها، ولم تعد هناك لوعة شوق أو مشاعر حب تفيض عن الحد فتولد شعرا يتفجر من الشوق وتولده معاناة الفراق و الحرمان
.وقدأسهم الضعف اللغوي لدى بعض الشعراء في تبسيط الكلمات وسلبها بلاغتها إضافة إلى شحن مخيلة الشاعراو المتشاعر بصور شتى وامور مختلفة افقدها التعبير عن الحب والشوق والوجد في العشق وأصبح العشاق الجدد يحجبون عن قول الشعر ويكتفون بإرسال أغنية جاهزة، أو قول منقول من تلفاز او ستلايت اوكتاب اوغيره أي اصبحت مساحة الحب في قلب المحب قليلة فلاتسيطر على كل اشواقه وعواطفه .

وفي قصيدة النثر التي انتشرت كثيرا في هذا العصر شاع ما يسمى بالغزل المكتوب لكنه مكتوب لا لأجل الحبيبة و التغزل بها او للحب والشوق انما مجاراة للاخرين ولعل الانثى تقرأها فتعجب بها وبدات الشاعرات يكتبن قصائد الحب والشوق اكثر من الشعراء ونادرا ما تكتب قصيدة حب لاجل الحب ذاته . ولم تظهر قصة حب جديدة لدى أي من الشعراء في العصرالحديث والمعاصر مثلما كانت لدى الشعراء العرب الاقدمين كجميل بثينة او مجنون ليلى او العباس بن الاحنف او ابي العتاهية او ابن زيدون او ... او .... انما ما وجد قصائد واشعار غزلية لشعراء تغزلوا بالمرأة عموما لجمالها او لما يحس به من عواطف نفسية تعتمل في قلبه فتهيجه ليكتب فتاتي القصيدة بما يعبر الشاعر فيها عن عواطفه وقد يخطئ وقد يصيب لانه لم يكتوي بنار الحب والشوق ولم يعرف معنى الوجد او الوله القاتل مثلما كان الشعراء القدامى يعرفون .

ومن هنا سأ ختار ثلاثة شعراء من شعراءالعصر الحديث هم احمد شوقي وابراهيم ناجي و نزار قباني . وثلاثة شعراء من المعاصر في قصيدة النثر واختم با حدى قصائدي في الغزل مع العرض ان اغلب قصائدي في الغزل جاءت معبرة عن مشاعري في حب خالص ووجد حقيقي .
.

****************************























احمد شوقي بيك

ولد بمد ينة القاهرة\ ميلادية 1868 وفي قصر الخلافة الخديوية وتربي فيها وترعرع على ضفاف نهر النيل
تلقّى علومه الأولى في مكتب الشيخ صالح، تُمَّ انتقل إلى مدرسة(المبتديان) وبعدها إلى المدرسة التجهيزية . تخرّج بعد ذلك من مدرسة الحقوق، ونال شهادته من فرع الترجمة .
منحه الخديوي منحة دراسيّة ليتابع دروس الحقوق في فرنسا. فتوجّه الى مونبوليه في فرنسا حيث التحق بجامعتها لمدّة سنتين، ثم اكمل دراسة الحقوق في باريس بسنتين أخريين. ظلّ يرسل من باريس قصائد المديح في المناسبات للباب العالي في تركيا .

في سنة\ 1914، اي اثناء قيام الحرب العالمية الاولى وبعد أن خلعت انكلترا الخديوي عبّاس حلمي بسبب ميله الى الأتراك المتحالفين مع ألمانيا ضد دول الحلفاء بقيادة انكلترا ، طلبت الى شوقي شاعر البلاط الخديوي ، ان يترك مصر وأن يختار منفاه، فاختار اسبانيا وسافر اليها سنة 1915.

بعد انتهاء الحرب عاد شوقي الى وطنه في أواخر سنة\ 1919 فوجد وجه مصر قد تغيّر في ظل الاحتلال الانكليزي ، فسارع الى التكيّف مع الوضع الجديد، فتوجّه في شعره نحو الشعب وقضاياه، فبايعه الشعراء العرب امارة الشعر سنة\ 1927 في أثناء حفلة تكريميّة برعاية الحكومة المصريّة. .

توفي شوقي سنة\ 1932.

منح الله شوقي موهبة شعرية فذة، وبديهة سيالة، لا يجد عناء في نظم القصيدة، فدائمًا كانت المعاني تنثال عليه انثيالاً وكأنها المطر الهطول، يغمغم بالشعر ماشيًا أو جالسًا بين أصحابه، حاضرًا بينهم بشخصه غائبًا عنهم بفكره؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية؛ إذ بلغ نتاجه الشعري ما يتجاوز ثلاثة وعشرين ألف بيت وخمسمائة بيت، ولعل هذا الرقم لم يبلغه شاعر عربي قديم أو حديث.

وكان شوقي مثقفًا ثقافة متنوعة الجوانب، فقد انكب على قراءة الشعر العربي في عصور ازدهاره، وصحب كبار شعرائه، وأدام النظر في مطالعة كتب اللغة والأدب، وكان ذا حافظة لاقطة لا تجد عناء في استظهار ما تقرأ؛ حتى قيل بأنه كان يحفظ أبوابًا كاملة من بعض المعاجم، وكان مغرمًا بالتاريخ يشهد على ذلك قصائده التي لا تخلو من إشارات تاريخية لا يعرفها إلا المتعمقون في دراسة التاريخ، وتدل رائعته الكبرى "كبار الحوادث في وادي النيل التي نظمها وهو في شرخ الشباب على بصره بالتاريخ قديمه وحديثه.

وفي الفترة التي قضاها شوقي في المنفى في إسبانيا تعلم لغتها، وأنفق وقته في قراءة كتب التاريخ، خاصة تاريخ الأندلس، وعكف على قراءة عيون الأدب العربي قراءة متأنية، وزار آثار المسلمين وحضارتهم في إشبيلية وقرطبة وغرناطة.
وأثمرت هذه القراءات أن نظم شوقي أرجوزته(دول العرب وعظماء الإسلام) وهي تضم 1400 بيت موزعة على (24) قصيدة، تحكي تاريخ المسلمين منذ عهد النبوة والخلافة الراشدة، على أنها رغم ضخامتها أقرب إلى الشعر التعليمي، وقد نُشرت بعد وفاته.

وفي المنفى اشتد به الحنين إلى الوطن وطال به الاشتياق وملك عليه جوارحه وأنفاسه. ولم يجد من سلوى سوى شعره يبثه لواعج نفسه وخطرات قلبه، وظفر الشعر العربي بقصائد تعد من روائع الشعرالعربي صدقًا في العاطفة وجمالاً في التصوير، لعل أشهرها قصيدته التي بعنوان الرحلة إلى الأندلس، وهي معارضة لقصيدة البحتري التي يصف فيها إيوان كسرى، يقول :

صنت نفسي عما يدنس نفسي
وترفعت عن جدا ر كل جبس

وقد بلغت قصيدة شوقي (110) أبيات تحدّث فيها عن مصر ومعالمها، وبثَّ حنينه وشوقه إلى رؤيتها، كما تناول الأندلس وآثارها الخالدة وزوال دول المسلمين بها،
ومن أبيات القصيدة التي تعبر عن ذروة حنينه
إلى مصر قوله:

حرام على بلابله الدوح
حلا ل للطير من كل جنس

وطني لوشغلت بالخلد عنه
نازعتني اليه في الخلد نفسي

أصبح شوقي بعد عودته من المنفى شاعر الأمة المُعبر
عن قضاياها، لا تفوته مناسبة وطنية إلا شارك فيها بشعره، وقابلته الأمة بكل تقدير وأنزلته منزلة عالية، وبايعه شعراؤها بإمارة الشعر سنة (1346هـ = 1927م) في حفل أقيم بدار الأوبرا المصرية في القاهرة بمناسبة اختياره عضوًا في مجلس الشيوخ، وقيامه بإعادة طبع ديوانه "الشوقيات". وقد حضر الحفل وفود من أدباء العالم العربي وشعرائه،

احمد شوقي كان ذا حس لغوي مرهف وفطرة موسيقية بارعة في اختيار الألفاظ التي تتألف مع بعضها لتحدث النغم الذي يثير الطرب ويجذب الأسماع، فجاء شعره لحنًا صافيًا ونغمًا رائعًا لم تعرفه العربية إلا لقلة قليلة من فحول الشعراء.

وإلى جانب ثقافته العربية كان متقنًا للفرنسية التي مكنته من الاطلاع على آدابها والنهل من فنونها والتأثر بشعرائها، وهذا ما ظهر في بعض نتاجه وما استحدثه في العربية من كتابة المسرحية الشعرية لأول مرة.
وقد نظم الشعر العربي في كل أغراضه من مديح ورثاء وغزل، ووصف وحكمة، وله في ذلك قصائد رائعة ترفعه إلى قمة الشعر العربي،.

وقد جمع شوقي شعره الغنائي في ديوان سماه "الشوقيات"، ثم قام الدكتور محمد صبري السربوني بجمع الأشعار التي لم يضمها ديوانه، وصنع منها ديوانًا جديدًا في مجلدين أطلق عليه "الشوقيات المجهولة".
ألف شوقي ديوانه الشوقيات ويقع في أربعة أجزاء ويتضمن سيرته ومجمل شعره
وأنتج فى أخريات سنوات حياته مسرحياته الشعرية

وقد غلب الطابع الغنائي والأخلاقي على مسرحياته، وضعف الطابع الدرامي، وكانت الحركة المسرحية بطيئة لشدة طول أجزاء كثيرة من الحوار، غير أن هذه المآخذ لا تُفقِد مسرحيات شوقي قيمتها الشعرية الغنائية، ولا تنفي عنها كونها ركيزة الشعر الدرامي في الأدب العربي الحديث.
في بداية النهضة العربية الشعر العربي كان كأنه على موعد مع القدر، ينتظر من يأخذ بيده، ويبعث فيه روحًا جديدة تعيد فيه الحركة والحياة، وتعيد له الدماء في الأوصال، فتتورد ابياته وتزدهر بنضرة وجمالً مبدع - بعد أن ظل قرونًا عديدة واهن المعنى اسير الحكاياة والمحاكاة ، قليل الحركة، كليل الموسيقى الشعرية اوالقوافي والابداع .- ليعيد نشاطه الواسع والثابت في النفوس العربية المتعطشة اليه .

كان شوقي عاشقا للموسيقي والغناء وقد احتضن موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب الذي يقول عنه\

(كان له الفضل في التحاقي بمعهد الموسيقي الشرقية وتقديمي إلي القادة والزعماء وأحاطني بعنايته وخصص لي مدرساً يعلمني الفرنسية وأخذني إلي باريس لأذهب إلي الاوبرا والمتاحف ليطلعني علي الفن الحقيقي.
وقال لي : ارجوك يا محمد آلا تهمل شعري بعد أن أموت .. تغني قصائدي .. فخلودي في أن يردد الشعب شعري .. وأنت كفيل بأن تجعل الشعب يردده.)

وقد اعجب شوقي بالمغنية ام كلثوم و بلباقتها فكتب لها قصيدته التي مطلعها :

سلوا كؤوس الطلا هل لامست فاها
واستخبروا الراح هل مست ثناياها


حيث عهدت بها للموسيقار رياض السنباطي لتلحينها وغنتها بعد أن تم تغيير كلمات بيتين ورد فيهما اسم أم كلثوم

ومن بدائع قصائده هذه القصيدة التي تغنى بها الموسيقا ر محمد عبد الوهاب ومن بعده فيروز صاحبةالصوت الجميل الناعم ذي الصدحات العالية والنغمات الطويلة او الراقصة في بعض الانغام التي تطرب الاسماع وتنشرح لصوتها الصدور:


شَيَّعْتُ أحلامي بِقَلْبٍ باكِ
ولَمَمْتُ من طُرُقِ المِلاحِ شِباكي

وَرَجَعتُ أَدْراجَ الشَبابِ وَوَرْدَهُ
أَمشي مَكانَهُما عَلى الأشواكِ

وَبِجانِبي وَاهٍ كَأَنَّ خُفوقَهُ
لَمَّا تَلَفّتَ جَهْشَةُ المُتَباكي

شاكي السِّلاحِ إذا خَلا بِضُلوعِهِ
فإذا أُهِيْبَ بِهِ فَلَيْسَ بِشاكِ .
..
لَمْ تَبْقَ مِنَّا يا فُؤادُ بَقيَّةٌ
لِفُتُوَّةٍ أو فَضْلَهٌ لِعِراكِ

كُنَّا إذا صَفَّقْتَ، نَسْتَبِقُ الهوّى
وَنَشُدُ شدَّ العُصبَةِ الفُتَّاكِ

واليومَ تَبعَثُ فِيّ حيْنَ تَهُزُّني
ما يَبْعَثُ الناقوس في النُسَّاكِ

يا جارَةَ الوادي طَرِبتُ وعَادَنيْ
ما يُشْبِهُ الأحلامَ مِنْ ذِكْراكِ

مَثَّلْتُ في الذكرى هَواكِ وَفي الكَرى
والذِّكرياتُ صَدى السِنيْنَ الحاكي

ولَقَدْ مَرَرْتُ عَلى الرياضِ بِرَبْوةٍ
غَنّاءَ كُنتُ حِيالَها ألقاكِ

ضَحِكَتْ إليًّ وُجوهُها وَعيونُها
وَوَجّدتُ في أنفاسِها رَيّاكِ

لَمْ أَدرِ ما طِيْبُ العِناقِ عَلى الهَوى
حتَّى تَرَفَّقَ ساعِدي فَطَواكِ

وتأَوَّدَتْ أعْطافُ بانِكِ في يّدي
واحمًرَّ مِنْ خَفَريهِما خَدَّاكِ

وَدَخَلْتُ في لَيلَينِ فَرْعَكِ والدُجى
ولَثَمْتُ كَالصُبْحِ المُنَوَّر فاكِ ...

وتَعَطَّلَتْ لُغَةُ الكَلامِ وخاطَبَتْ
عينيَّ في لُغَةِ الهَوى عَيْناكِ ...

لا أَمْسِ مِنْ عُمْرِ الزمانِ ولا غَدٌ
جُمِعَ الزَمَانُ فَكانَ يَوْمَ رِضاكِ
.
ومن شعر الغزل نقرا له ايضا هذه القصيدة وهي قصيدة
مغناة تناقلتها الالسن يقول فيها :-

مُضْنــــاك جفـــاهُ مَرْقَـــدُه
وبَكــــاه ورَحَّــــمَ عُـــوَّدُهُ
حــــيرانُ القلــــبِ مُعَذَّبُـــهُ
مَقْــــروحُ الجَـــفْنِ مُســـهَّدُهُ
أَودَى حَرَقًـــــا إِلا رَمَقًـــــا
يُبقيــــه عليــــك وتُنْفِــــدُهُ
ســــتهوي الـــوُرْقَ تأَوُّهـــه
يذيب الصَّخْـــرَ تَنهُّـــدُهُ
ويُنــــاجي النجـــمَ ويُتعبُـــه
ويُقيــــم الليــــلَ ويُقْعِـــدهُ
ويُعلّــــم كــــلَّ مُطَوَّقَــــةٍ
شَـــجَنًا فــي الــدَّوحِ تُــرَدِّدهُ
كــم مــدّ لِطَيْفِــكَ مــن شَـرَكٍ
وتــــــأَدَّب لا يتصيَّــــــدهُ
فعســـاك بغُمْـــضٍ مُســـعِفهُ
ولعــــلّ خيــــالَك مُســـعِدهُ
الحســـنُ, حَـــلَفْتُ بيُوسُـــفِهِ
(والسُّورَةِ) إِنـــــك مُفـــــرَدهُ
قــــد وَدَّ جمـــالَك أَو قَبَسًـــا
حــــوراءُ الخُـــلْدِ وأَمْـــرَدُهُ
وتمنَّــــت كــــلُّ مُقطِّعـــةٍ
يَدَهـــا لـــو تُبْعَــثُ تَشــهدُهُ
جَحَــدَتْ عَيْنَــاك زَكِــيَّ دَمِــي
أَكــــذلك خـــدُّك يَجْحَـــدُهُ?
قـــد عــزَّ شُــهودِي إِذ رمَتــا
فأَشَــــرْتُ لخـــدِّك أُشْـــهِدُهُ
وهَممـــتُ بجـــيدِك أَشـــرِكُه
فـــأَبَى, واســـتكبر أَصْيَـــدُهُ
وهـــزَزْتُ قَـــوَامَك أَعْطِفـــهُ
فنَبــــا, وتمنَّــــع أَمْلَــــدُهُ
ســــببٌ لرِضـــاك أُمَهِّـــدُه
مـــا بــالُ الخــصْرِ يُعَقِّــدُهُ?
بينــي فــي الحــبِّ وبينـكَ مـا
لا يقــــــدرُ واشٍ يُفسِـــــدُهُ
مــا بــالُ العــازل يفتــحُ لـي
بــــابَ الســـلوانِ وأوصِـــدُهُ
ويقـــولُ تكـــادُ تُجَـــنُّ بــهِ
فــــأقولُ وأُوشـــكُ أعْبـــدُهُ
مـــولايَ وروحــي فــي يــده
قـــد ضيّعهـــا ســلِمَتْ يــدُهُ
نـــاقوسُ القلـــبِ يُــدقُّ لــهُ
وحنايــــا الأضلِـــع معْبـــدُهُ
قســــمًا بثنايــــا لؤلؤِهــــا
قسَــــمُ اليـــاقوتِ مُنَضَّـــدُهُ
ورضـــابٍ يُوعَـــدُ كوْثـــرُه
مقتُـــولُ العشـــقِ ومُشْـــهَدُهُ
وبخـــالٍ كـــاد يُحَـــجُّ لــهُ
لـــو كـــان يُقبَّـــل أسْــودُهُ
وقـــوامٍ يَــرْوي الغصــنُ لــهُ
نَسَــــبًا والــــرمح يُفَنّـــدُهُ
وبخــصْرٍ أوْهــنُ مــن جَــلَدي
وعــــوادي الهجْـــرِ تبـــدِّدُهُ
مــا خُــنْتُ هــواكِ ولا خَـطَرَتْ
ســــلوى بـــالقلبِ تُـــبرِّدُهُ

ومن قصائده في الغزل يقول:

خَدَعوها بقولهم حَسْناءُ
والغَواني يَغُرٌهُنّ َ الثَّناءُ

أَتراها تناست اسمي لما
كثرت في غرامها الاسْماءُ

إن رَأَْتْنِي تميلُ عني ، كأن لم
تك بيني وبينها اشْياءُ

نظرة ، فابتسامة ، فسلامُ
فكلام ، فموعد ، فَلِقاءَ

يوم كنا ولا تسل كيف كنا
نتهادى من الهوى ما نشاءُ

جَاذَبَتْني ثَوبي العَصيِّ وقالَتْ
أنتم الناس أيها الشعراء

فَاتّقوا الله في قُلوبِ اَلْعَذَارَى
فالعذارى قُلوبُهن هواء
ويستهل قصيدته( ريم على القاع ) بهذه الابيات
من الغزل فيقول :

ريم على القــــــاع بين البان والعلم
أحل سفك دمى في الأشــهر الحرم

رمى القضــــاء بعيني جؤذر أسدا
يا ساكن القــاع، أدرك ســــاكن الأجم

لما رنا حدثتني النفــــــــــس قائلة
يا ويح جنبك بالســــهم المصيب رمي

جحدتها و كتمت الســــــهم في كبدي
جرح الأحبـــــه عندي غير ذي ألم

رزقت أسمح ما في الناس من خلق
إذا رزقت التمــاس العذر في الشيم

يا لائمي في هواه، والهــــوى قدر
لو شفك الوجــــــد لم تعــــذل ولم تلم

لقد أنلتـــــــــــــك أذنا غـــير واعية
ورب منتصت والقـــــــلب في صــــــمم

يا ناعس الطرف،لا ذقت الهوى أبدا
أسـهرت مضناك في حفظ الهوى فنم

أفديك إلفا ولا آلو الخيال فدى

أغراك بالبخل من أغراه بالكرم

سرى فصادف جرحا داميا فأسا
ورب فضل على العشاق للحلم

من الموائس بانا بالربى وقنا
اللاعبات بروحي السافحات دمي

السافرات كأمثال البدور ضحى
يغرن شمس الضحى بالحلي والعصم

القاتلات بأجفان بها سقم
وللمنية أسباب من السقم

العاثرات بألباب الرجال وما
أقلن من عثرات الدل في الرسم

المضرمات خدودا أسفرت وجلت
عن فتنة تسلم الأكباد للضرم

الحاملات لواء الحسن مختلفا
أشكاله وهو فرد غير منقسم

من كل بيضاء أو سمراء زينتا
للعين والحسن في الآرام كالعصم

يرعن للبصر السامي ومن عجب
إذا أشرن أسرن الليث بالعنم

وضعت خدي وقسمت الفؤاد ربى
يرتعن في كنس منه وفي أكم

يا بنت ذي اللبد المحمي جانبه
ألقاك في الغاب أم ألقاك في الأطم

ما كنت أعلم حتى عن مسكنه
أن المنى والمنايا مضرب الخيم

من أنبت الغصن من صمصامة ذكر
وأخرج الريم من ضرغامة قرم

بيني وبينك من سمر القنا حجب
ومثلها عفة عذرية العصم

لم أغش مغناك إلا في غضون كرى
مغناك أبعد للمشتاق من إرم

يا نفس دنياك تخفى كل مبكية
وإن بدا لك منها حسن مبتسم

فضي بتقواك فاها كلما ضحكت
كما يفض أذى الرقشاء بالثرم

مخطوبة منذ كان الناس خاطبة
من أول الدهر لم ترمل ولم تئم

يفنى الزمان ويبقى من إساءتها
جرح بآدم يبكي منه في الأدم

لا تحفلي بجناها أو جنايتها
الموت بالزهر مثل الموت بالفحم

كم نائم لا يراها وهي ساهرة
لولا الأماني والأحلام لم ينم

طورا تمدك في نعمى وعافية
وتارة في قرار البؤس والوصم

كم ضللتك ومن تحجب بصيرته
إن يلق صابا يرد أو علقما يسم

يا ويلتاه لنفسي راعها ودها
مسودة الصحف في مبيضة اللمم


*********************************



ابراهيم ناجي
الشاعرالطبيب


ولد إبراهيم ناجي بن أحمد ناجي بن إبراهيم ناجي القصبجي بالقاهرة عام \1898، لأسرة القصبجي المعروفة بتجارة الخيوط المذهبة، عمل والده في شركة البرق (التلغراف)، وهي شركة إنجليزية، اذ كانت مصر تحت الهيمنة البريطانية، فأجاد اللغة الإنجليزية، وتمكن من الفرنسية والإيطالية، وكان شغوفاً بالمطالعة، وامتلك في بيته مكتبة حافلة بأمهات الكتب، فنشأ ابنه إبراهيم على حب المطالعة، وشجعه على القراءة، وكان يهدي إليه الكتب، فأتقن العربية والفرنسية والإنجليزية والألمانية، وأمه هي السيدة بهية بنت مصطفى سعودي التي ينتهي نسبها إلى الحسين السبط بن علي بن ابي طالب عليه السلام، وتمت بصلة قربى من جهة الأخوال إلى الشيخ عبدالله الشرقاوي

حصل ناجي على شهادة الدراسة الثانوية سنة \ 1917 ثم انتسب إلى كلية الطب، وتخرج فيها سنة 1923، وافتتح عيادة بميدان العتبة بالقاهرة، وكان يعامل مرضاه معاملة طيبة، وفي كثير من الحالات بدون أجرة معاينة ، بل يدفع لبعضهم ثمن الدواء، ثم شغل عدة مناصب في وزارات مختلفة، فقد نقل إلى سوهاج ثم المنيا ثم المنصورة، واستقر فيها من عام\ 1927 إلى عام\ 1931 عاد إلى القاهرة وسكن فيها
.
عاش في بلدته المنصورة في بداية حياته وفيها رأى جمال الطبيعة وجمال نهر النيل فغلب على شعره الاتجاه العاطفى. وكان قد نهل من الثقافة العربية القديمة فدرس العروض والقوافي وقرأ دواوين اشهر الشعراءالمتنبي وابن الرومي وأبي نواس وغيرهم من فحول الشعر العربي، كما نهل من الثقافة الغربية فقرأ قصائد شيلي وبيرون وآخرين من رومانسيي الشعر الغربي.

بدأ حياته الشعرية حوالي عام\ 1926 عندما بدأ يترجم بعض أشعار الفريد دي موسييه و توماس مور شعراً وينشرها في مجلة (السياسة) الأسبوعية ، وانضم إلى مدرسة أبولو عام 1932م التي أفرزت نخبة من الشعراء المصريين والعرب استطاعوا تحرير القصيدة العربية الحديثة من الأغلال الكلاسيكية والخيالات والإيقاعات المتوارثة .

تفتحت موهبة إبراهيم ناجي الشعرية مبكرا فقد نظم الشعر وهو في الثانية عشرة من العمر، وشجعه والده علي ذلك وفتح له خزائن مكتبته، وأهداه ديوان شوقي ثم ديوان حافظ وديوان الشريف الرضي، ومن شعره في الصبا قصيدة قالها وهو في الثالثة عشرة من عمره، عنوانها \على البحر، وفيها يقول\

إني ذكرتك باكيا
والأفق مغبر الجبين

والشمس تبدو وهي
تغرب شبه دامعة العيون

والبحر مجنون العباب
يهيج ثائره جنوني

ابراهيم ناجي يميل الى الرومانسية، ، كما اشتهر بشعره الوجداني . وكان وكيلا لمدرسة أبولو الشعرية وترأس من بعدها رابطة الأدباء في الأربعينيات من القرن الماضي .

ترجم إبراهيم ناجي بعض الأشعار عن الفرنسية لبودلير تحت عنوان( أزهار الشر )، وترجم عن الإنجليزية رواية( الجريمة والعقاب) لديستوفسكي ، وعن الإيطالية رواية( الموت في إجازة )، كما نشر دراسة عن شكسبير وكتب الكثير من الكتب الأدبية مثل (مدينة الأحلام و عالم الأسرة) . وقام بإصدار مجلة (حكيم البيت) . ومن أشهر قصائده قصيدة الأطلال التي تغنت بها أم كلثوم. و لقب بشاعر الأطلال .عام \ 1953ولهذه القصيدة قصة في حياته مؤلمة .

فقد احب فتاة أيام كان في الدراسة الثانوية كانت زميلته وتعلق بها الا أنها تزوجت بغيره فتهدمت مشاعره وكتب أكثر قصائده شهرة عن نظرته لهذه التجربة مصوراً أن ما بقي من عمره مجرد أطلال لروحه
و في نهاية القصيدة يستسلم للقدر ، و القصيدة عنوانها (الأطلال) وتقع في أكثر من مائة وثلاثين بيتاً على شكل مقاطع شعرية يتألف كل مقطع من أربعة أبيات، نظمها على بحرالرمل وبتصرف وقد غنت أم كلثوم مقاطع منها مع بعض التعديل في الألفاظ و بعد ضم مقاطع من قصيدة أخرى عنوانها (الوداع)\

. يا فؤادي لا تسل أين الهوى
كان صرحاً من خيال فهوى


في تشرين الثاني من نفس العام اجتمع لفيف من الأدباء في كرمة ابن هانئ، وفيهم إبراهيم ناجي، وانتخب أحمد شوقي رئيساً للجمعية، ولكنه توفي بعد أربعة أيام، فخلفه نائبه مطران خليل مطران، وكان إبراهيم ناجي من الأعضاء المؤسسين لها ، وبعد أقل من عام جرت انتخابات جديدة في 22 سبتمبر ايلول عام \1933 وانتخب مطران رئيساً وأحمد محرم وإبراهيم ناجي وكيلين وأحمد زكي أبو شادي سكرتيراً.

نشر إبراهيم ناجي معظم ما كتب من شعر وما ترجم على صفحات مجلة ابوللو ، وكان من أشهر ما ترجمه قصيدة (البحيرة) للشاعر الفرنسي لامارتين وقصيدة (أغنية الريح الغربية) للشاعر الإنجليزي الروما نتيكي شيلي، وقد صدر من المجلة خمسة وعشرون عدداً من ايلول \1932 إلى كانون الاول\1934، ثم توقفت عن الصدور.

اشتهر ناجي بشعره الوجداني ورأس رابطة الأدباء في مصر في الأربعينيات من القرن الماضي وعرف عنه تأثره بالشاعرين رفيقيه مطران خليل مطران وأحمد شوقي.
سام الحياة فاخذ يكتب قصائد الهجاء في هذا وذاك، و يترجم ويكتب القصص، فكتب قصة (مدينة الأحلام)، تحدث فيها عن حبه الطفولي الأول، ونشرها مع قصص أخرى مؤلفة ومترجمة في كتاب يحمل العنوان نفسه، قال في مقدمته: (وداعاً أيها الشعر، وداعاً أيها الفن، وداعاً أيها الفكر).

نقل الشاعر إلى وزارة الأوقاف، حيث عيّن رئيس القسم الطبي، فاطمأنت نفسه، لما وجد فيها من تقدير وتكريم، وقد عاصر ثلاثة وزراء كانوا يقدرون الشعر والشعرا ء، وهم عبد الهادي الجندي وإبراهيم الدسوقي وعبد الحميد عبد الحق وفي هذه المرحلة أخذ يمدح كل من ساعده ومد له يد العون وكان من أبرز من مدحهم إبراهيم الدسوقي وزير الأوقاف، وفي الاحتفال الطبي الذي عقد عام \ 1937الذي حضره العديد من الوفود من الاقطار العربية قا ل قصيدته التالية مرحبا \

يا شاعرَ الوادي وغرّيد الرّبى
قُلْ للضيوفِ تحيّةً وسلاما

مصرالعريقُ وفادُها حفَظْتُ
لكُم َهْداً على طُول المَدى وزِمَاما

لستُمْ بها غُرَباءَ, أَنْتُمْ أَهْلُها
أَنّى حَللَتُم تَنّزِلُون كِراما

الشّرْقُ مَهْدٌ للنبوغِ ومَوْلدٌ
للمجْدِ فيه رَبَا وشَبّ غُلاما

زَكَت النبوّة في حِمَاهُ ورعْرعتْ
وتألّقت كالفرقديّنِ نِظَاما

مُوسى الذي شَقّ العُبابَ وفجّر
الصخّر العنيدَ سواكباً تترامى

عيسى الذي فدّى الوجودَ وعلم
الغفّران والإحسانَ والإكراما

ومحمّدٌ يَكْفيكَ أنّ محمّداَ
بيّن البريّةِ أَوْجَدَ الإسلاما

هذا هو الشّرْقُ العظيم لم يزل
نوراً لمن رَام الهدى وإماما

أخرج من وظيفته عام\ 1952، ولم يكن يدخر شيئا فعاش في ضنك وتنكر له أقرب الناس إليه، بمن فيهم زوجته، لذا تغيرت حاله وأخذ ينغمس في السهر، وفي هذه المرحلة تعرف إلى الممثلة زازا وأحبها ، ونظم فيها قصيدة مطولة باسمها مصوراً إياها بالربيع الذي حل على خريف حياته في قصيدته (أنوار المدينة) يقول\

ضحكت لعيني المصابيح التي
تعلو رؤوس النيل كالتيجان

ورأيت أنوار المدينة بعدما
طال المسير وكلت القدمان

وحسبت أن طاب القرار لمتعب
في ظل تحنان وركن آمان

فإذا المدينة كالضباب تبخرت
وتكشفت لي عن كذوب اماني

قدر جرى لم يجر في الحسبان
لا أنت ظالمة ولا انا جاني

اهمل ابراهيم ناجي صحته في اواخرايامه وكان مصابا بداء السكري ، ولا يأخذ العلاج، فاشتد عليه المرض داء السكري،
توفي في \ 1953 عن عمر ناهز الخامسة والخمسين، ودفن إلى جوار جده لأمه الشيخ عبد الله الشرقاوي، في مسجده بجوار مقام الحسين رضي الله عنه
ابراهيم ناجي مر بظروف عصيبة في حياته وتخلى عنه الأقارب والأحباب في أحيان كثيرة لذا جاء شعره معبرا عن نزوع فردي رومانسي حزين، فشعره ذاتي، يكاد يكون خالصاً للحب والوجدان، للقهر والحرمان، فهو يعبر عن قلب محروم، ويصدر عن رؤية متشائمة، ونظرة حزينة، وروح مكتئبة. فانت تشعر وانت تقرا شعره بنوع من العذاب اوالفرقة عن الحبيب كتب يقول :

سألتك يا صخرة الملتقى متى
يجمع الدهر ما فرقا

إذا نشر الغرب أثوابه
وأطلق في النفس ما أطلقا

أريك مشيب الفؤاد الشهيد
والشيب ما كلل المفرقا

الشاعر رومانسي يجد ضالته و سعادته في ظلال الحب الخالدة باعتباره يحمل عاطفة قد تضم الكون بأسره فهو دائما وأبدا حزين يبحث عن عوالم المثل الانسانية التي ينشدها ليغرق
فيها يقول:

إني امرؤ عشت زما ني حائرا معذبا
أمشي بمصباحي وحيداً في الرياح متعبا

أمشي به وزيته كاد به ان ينضبا
عشت زماني لا أرى لخافقي متقلبا


واختم موضوع الشاعرابراهيم ناجي بقصيدة الاطلال التي لاتزال نرددها على شفاهنا وسيرددها الاجيال بعدنا وتعد من روائع الشعرالعربي \

يا فؤادي، رحم الله الهوى
كان صرحا من خيال فهوى

اسقني واشرب على أطلاله
وارو عني، طالما الدمع روى

كيف ذاك الحب أمسى خبرا
ً وحديثاً من أحاديث الجوى

وبساطاً من ندامى حلم
هم تواروا أبداً، وهو انطوى

*****************

يا رياحاً، ليس يهدا عصفها
نضب الزيت ومصباحي انطفا

وأنا أقتات من وهم عفا
وأفي العمر لناس ما وفى

كم تقلبت على خنجره لا
الهوى مال، ولا الجفن غفا

وإذا القلب - على غفرانه –
كلما غار به النصل عفا

***************

يا غراماً كان مني في دمي
قدراً كالموت، أو في طعمه

ما قضينا ساعة في عرسه
وقضينا العمر في مأتمه


ما انتزاعي دمعة من عينه
واغتصابي بسمه من فمه

ليت شعري أين منه مهربي
أين يمضي هارب من دمه ؟

***************

لست أنساك وقد ناديتني
بفم عذب المناداة رقيق

ويد تمتد نحوي، كيد
من خلال الموج مدت لغريق

آه يا قبلة أقدامي، إذا
شكت الأقدام أشواك الطريق

وبريقاً يظمأ الساري له
أين في عينينك ذياك البريق ؟

******************

لست أنساك، وقد أغريتني
بالذرى الشم،فأدمنت الطموح

أنت روح في سمائي، وأنا
لك أعلو، فكأني محض روح

يا لها من قمم كنا بها
نتلاقى، وبسرينا نبوح

نستشف الغيب من أبراجها
ونرى الناس ظلال في السفوح

****************

أنت حسن في ضحاه لم يزل
وأنا عندي أحزان الطفل

وبقايا الظل من ركب رحل
وخيوط النور من نجم أفل

ألمح الدنيا بعيني سئم
وأرى حولي أشباح الملل

راقصات فوق أشلاء الهوى
معولات فوق أجداث الأمل

********************

ذهب العمر هباء، فاذهبي
لم يكن وعدك إلا شبحا

صفحة قد ذهب الدهر بها
أثبت الحب عليها ومحا

انظري ضحكي ورقصي
فرحا وأنا أحمل قلباً ذبحا

ويراني الناس روحا طائراً
والجوى يطحنني طحن الرحى

******************

كنت تمثال خيالي، فهوى
المقادير أرادت لا يدي

ويحها، لم تدر ماذا حطمت
حطمت تاجي، وهدت معبدي

يا حياة اليائس المنفرد
يا يباباً ما به من أحد

يا قفاراً لافحات ما بها
من نجي، يا سكون الأبد

************************

أين من عيني حبيب ساحر
فيه نبل وجلال وحياء

واثق الخطوة يمشي ملكاً
ظالم الحسن، شهي الكبرياء

عبق السحر كأنفاس الربى
ساهم الطرف كأحلام المساء

مشرق الطلعة، في منطقه
لغة النور، وتعبير السماء

*******************

أين مني مجلس أنت به
فتنة تمت سناء وسنى

وأنا حب وقلب ودم
وفراش حائر منك دنا

ومن الشوق رسول بيننا
ونديم قدم الكأس لنا

وسقانا، فانتفضنا لحظة
لغبار آدمي مسنا !

*********

قد عرفنا صولة الجسم التي
تحكم الحي، وتطغى في دماه

وسمعنا صرخة في رعدها
سوط جلاد، وتعذيب إله

أمرتنا، فعصينا أمرها
وأبينا الذل أن يغشى الجباه

حكم الطاغي، فكنا في العصاة
وطردنا خلف أسوار الحياه

******************

يا لمنفيين ضلا في الوعور
دميا بالشوك فيها والصخور

كلما تقسو الليالي، عرفا
روعة الآلام في المنفى الطهور

طردا من ذلك الحلم الكبير
للحظوظ السود، والليل الضرير

يقبسان النور من روحيهما
كلما قد ضنت الدنيا بنور

*********

أنت قد صيرت أمري عجبا
ثرت حولي أطيار الربى

فإذا قلت لقلبي ساعة
قم نغرد لسوى ليلى أبى

حجب تأبى لعيني مأربا
غير عينيك، ولا مطلبا

أنت من أسدلها، لا تدعي
أنني أسدلت هذي الحجبا

*********

ولكم صاح بي اليأس انتزعها
فيرد القدر الساخر : دعها

يا لها من خطة عمياء، لو
أنني أبصر شيئاً لم أطعها

ولي الويل إذا لبيتها
ولي الويل إذا لم أتبعها

قد حنت رأسي، ولو كل القوى
تشتري عزة نفسي، لم أبعها

*********

يا حبيباً زرت يوماً أيكه
طائر الشوق، أغني ألمي

لك إبطاء الدلال المنعم
وتجني القادر المحتكم

وحنيني لك يكوي أعظمي
والثواني جمرات في دمي

وأنا مرتقب في موضعي
مرهف السمع لوقع القدم

********

قدم تخطو، وقلبي مشبه
موجة تخطو إلى شاطئها

أيها الظالم : بالله إلى كم
أسفح الدمع على موطئها

رحمه أنت، فهل من رحمة
لغريب الروح أو ظامئها

يا شفاء الروح، روحي تشتكي
ظلم آسيها، إلى بارئها

**********

أعطني حريتي واطلق يديّ
إنني أعطيت ما استبقيت شيّ

آه من قيدك أدمى معصمي
لم أبقيه، وما أبقى علي ؟

ما احتفاظي بعهود لم تصنها
وإلام الأسر، والدنيا لدي !

ها أنا جفت دموعي فاعف
عنها إنها قبلك لم تبذل لحي

********

وهب الطائر من عشك طارا
جفت الغدران، والثلج أغارا

هذه الدنيا قلوب جمدت
خبت الشعلة، والجمر توارى

وإذا ما قبس القلب غدا من
رماد، لا تسله كيف صارا

لا تسل واذكر عذاب المصطلي
وهو يذكيه فلا يقبس نارا

***********

لا رعى الله مساء قاسياً
قد أراني كل أحلامي سدى

وأراني قلب من أعبده ساخراً
من مدمعي سخر العدا

ليت شعري، أي أحداث جرت
أنزلت روحك سجناً موصدا!

صدئت روحك في غيهبها
وكذا الأرواح يعلوها الصدا

***********

قد رأيت الكون قبراً ضيقاً
خيم اليأس عليه والسكوت

ورأت عيني أكاذيب الهوى
واهيات كخيوط العنكبوت

كنت ترثي لي، وتدري ألمي
لو رثى للدمع تمثال صموت

عند أقدامك دنيا تنتهي
وعلى بابك آمال تموت

*********

كنت تدعوني طفلا، كلما
ثار حبي، وتندت مقلي

ولك الحق، لقد عاش الهوى
في طفلا، ونما لم يعقل

وأرى الطعنة إذ صوبتها
فمشت مجنونة للمقتل

رمت الطفل، فأدمت قلبه
وأصابت كبرياء الرجل

*********

قلت للنفس وقد جزنا الوصيدا
عجلي لا ينفع الحزم وئيدا

ودعي الهيكل شبت ناره
تأكل الركع فيه والسجودا

يتمنى لي وفائي عودة والهوى
المجروح يأبى أن نعودا

لي نحو اللهب الذاكي به
لفتة العود إذا صار وقودا

**********

لست أنس أبداً ساعة في العمر
تحت ريح صفقت لارتقاص المطر

نوحت للذكر وشكت للقمر
وإذاما طربت عربدت في الشجر

*********

" أيها الشاعر تغفو
تذكر العهد وتصحو

وإذا ما التام جرح
جد بالتذكار جرح

فتعلم كيف تنسى
وتعلم كيف تمحو

أو كـل الحب في
رأيـك غفـران وصفح ؟

*********

هاك فانظر عدد الرمـــــل
قلوباً ونساء

فتخير ما تشاء
ذهب العمر هباء

ضل في الأرض الذي
ينشد أبناء السماء

أي روحانية تعـــــصر
من طين وماء؟ "

**********

أيها الريح أجل، لكنما
هي حبي وتعلاتي ويأسي

هي في الغيب لقلبي خلقت
أشرقت لي قبل أن تشرق شمسي

وعلى موعدها أطبقت عيني
وعلى تذكارها وسدت رأسي

**********

جنت الريح ونادتــــــــــه
شياطين الظلام

أختاماً ! كيف يحلو لك
في البدء الختام ؟

*************

يا جريحاً أسلم الــــــــــجرح
حبيباً نكأة

هو لا يبكي إذا النـــــــــــاعي
بهذا نبأه

أيها الجبار هل تصــــــــرع
من أجل امرأه ؟

**********

يا لها من صيحة ما بعثت
عنده غير أليم الذكر

أرقت في جنبه، فاستيقظت
كبقايا خنجر منكسر

لمع النهر وناداه له
فمضى منحدرا للنهر

ناضب الزاد، وما من سفر
دون زاد غير هذا السفر

*********

يا حبيبي كل شيء بقضاء
ما بأيدينا خلقنا تعساء

ربما تجمعنا أقدارنا
ذات يوم بعدما عز اللقاء

فإذا أنكر خل خله
وتلاقينا لقاء الغرباء

ومضى كل إلي غايته
لا تقل شئنا،وقل لي الحظ شاء !

********

يا مغني الخلد، ضيعت العمر
في أناشيد تغنى للبشر

ليس في الأحياء من يسمعنا
ما لنا لسنا نغني للحجر !

للجمادات التي ليست تعي
والرميمات البوالي في الحفر

غنها، سوف تراها انتفضت
ترحم الشادي وتبكي للوتر

**********

يا نداء كلما أرسلته
رد مقهوراً وبالحظ ارتطم

وهتافاً من أغاريد المنى
عاد لي وهو نواح وندم

رب تمثال جمال وسنا
لاح لي والعيش شجو وظلم

ارتمى اللحن عليه جاثياً
ليس يدري أنه حسن أصم

**********

هدأ الليل ولا قلب له
أيها الساهر يدري حيرتك

أيها الشاعر خذ قيثارتك
غن أشجانك واسكب دمعتك

رب لحن رقص النجم له
وغزا السحب وبالنجم فتك

غنه، حتى ترى ستر الدجى
طلع الفجر عليه فانهتك

********

وإذا ما زهرات ذعرت
ورأيت الرعب يغشى قلبها

فترفق واتئد واعزف لها
من رقيق اللحن، وامسح رعبها

ربما نامت على مهد الأسى
وبكت مستصرخات ربها

أيها الشاعر، كم من زهرة
عوقبت، لم تدر يوماً ذنبها !






*********************************





نزار قباني
شاعر المرأة


ولد في دمشق (سوريا) عام 1923 من عائلة دمشقية عريقة هي أسرة قباني ، حصل على البكالوريا من مدرسة الكلية العلمية الوطنية بدمشق ، ثم التحق بكلية الحقوق بالجامعة السورية وتخرج فيها عام \1945 .
يقول نزار قباني عن نشأته( ولدت في دمشق في آذار (مارس) 1923 في بيت وسيع، كثير الماء والزهر، من منازل دمشق القديمة، والدي توفيق القباني، تاجر وجيه في حيه، عمل في الحركة الوطنية وهب حياته وماله لها. تميز أبي بحساسية نادرة وبحبه للشعر ولكل ما هو جميل. ورث الحس الفني المرهف بدوره عن عمه أبي خليل القباني الشاعر والمؤلف والملحن والممثل وباذر أول بذرة في نهضة المسرح المصري. امتازت طفولتي بحب عجيب للاكتشاف وتفكيك الأشياء وردها إلى أجزائها ومطاردة الأشكال النادرة وتحطيم الجميل من الألعاب بحثا عن المجهول الأجمل. عنيت في بداية حياتي بالرسم. فمن الخامسة إلى الثانية عشرة من عمري كنت أعيش في بحر من الألوان. أرسم على الأرض وعلى الجدران وألطخ كل ما تقع عليه يدي بحثا عن أشكال جديدة. ثم انتقلت بعدها إلى الموسيقى ولكن مشاكل الدراسة الثانوية أبعدتني عن هذه الهواية. )
عمل بالسلك الدبلوماسي ، وتنقل خلاله بين القاهرة ، وأنقرة ، ولندن ، ومدريد ، وبكين ، ولندن. وفي ربيع 1966 ترك نزار العمل الدبلوماسي وأسس في بيروت دارا للنشر تحمل اسمه ، وتفرغ للشعر. وكانت ثمرة مسيرته الشعرية إحدى وأربعين مجموعة شعرية ونثرية، كانت أولها قالت لي السمراء 1944 .
كتب الشعر العمودي، وساهم في تطوير الشعر العربي الحديث إلى حد كبير. يعتبر نزار مؤسس مدرسة شعريه و فكرية، تناولت دواوينه الأربعة الأولى قصائد رومانسية. ويعتبر ديوانه( قصائد من نزار قباني) الصادر عام\ 1956 نقطة تحول في شعر نزار، حيث تضمن هذا الديوان قصيدة خبز وحشيش وقمر التي انتقدت بشكل لاذع خمول المجتمع العربي. واثارت ضده عاصفة شديدة حتى طالب رجال الدين في سوريا بطرده من الخارجية وفصله من العمل الدبلوماسي.
تميز نزار قباني أيضا بنقده السياسي القوي، من أشهر قصائده السياسية هوامش على دفتر النكسة\ 1967). نكسة الجيش العربي بفلسطين.

كان لحادثة انتحار شقيقته بسبب اجبارها على الزواج من رجل لم تحبه، أثر كبير في حياته حيث قرر بعد وفاتها محاربة كل الاشياء التي تسببت في موتها. وهو القائل :
( ان الحب في العالم العربي سجين و أنا اريد تحريرة، اريد تحرير الحس و الجسد العربي بشعري، أن العلاقة بين الرجل و المرأة في مجتمعنا غير سليمة).
تزوج نزار قباني مرتين، الأولى من ابنة عمه زهراء وأنجب منها اولاده : هدباء وتوفيق . والزوجة الثانية عراقية تسمى بلقيس و أنجب منها عمر و زينب .
توفي ابنه توفيق و هو في السابعة عشرة من عمرة مصابا بمرض القلب و كانت وفاتة صدمة كبيرة لنزار، و قد رثاة في قصيدة إلى الأمير الدمشقي توفيق قباني. وفي عام 1982 استشهدت زوجته الثانية بلقيس الراوي في انفجار السفارة العراقية ببيروت، وترك رحيلها أثرا نفسيا سيئا عند نزار ورثاها بقصيدة اسماها بلقيس ..
بعد مقتل زوجته بلقيس ترك نزار بيروت وتنقل في اوربا لعله يتناسى الاحداث التي مرت به فزار باريس وجنيف حتى استقر به المقام في لندن حيث قضى بها الأعوام الأخيرة من حياته
وافته المنية في لندن يوم 30/4/1998 عن عمر يناهز 75 عاما

تغلب على شعره قصائد الحب والشوق والغزل حتى لقب بشاعر المرأة حيث ترجم كل حركاتها وسكناتها ومشاعرها وعواطفها الى شعر جميل رائع ومن هذه القصائد نختار الاتي :

في قصيدته ( الحزن او ابنة السلطان ) يقول :

علمني حبك ..أن أحزن
و أنا محتاج منذ عصور
لامرأة تجعلني أحزن
لامرأة أبكي بين ذراعيها
مثل العصفور..
لامرأة.. تجمع أجزائي
كشظايا البللور المكسور
***
علمني حبك.. سيدتي
أسوأ عادات
علمني أفتح فنجاني
في الليلة ألاف المرات..
و أجرب طب العطارين..
و أطرق باب العرافات..
علمني ..أخرج من بيتي..
لأمشط أرصفة الطرقات
و أطارد وجهك..
في الأمطار ، و في أضواء السيارات..
و أطارد طيفك..
حتى .. حتى ..
في أوراق الإعلانات ..
علمني حبك..
كيف أهيم على وجهي..ساعات
بحثا عن شعر غجري
تحسده كل الغجريات
بحثا عن وجه ٍ..عن صوتٍ..
هو كل الأوجه و الأصواتْ
***
أدخلني حبكِ.. سيدتي
مدن الأحزانْ..
و أنا من قبلكِ لم أدخلْ
مدنَ الأحزان..
لم أعرف أبداً..
أن الدمع هو الإنسان
أن الإنسان بلا حزنٍ
ذكرى إنسانْ..
***
علمني حبكِ..
أن أتصرف كالصبيانْ
أن أرسم وجهك ..
بالطبشور على الحيطانْ..
و على أشرعة الصيادينَ
على الأجراس..
على الصلبانْ
علمني حبكِ..
كيف الحبُّ يغير خارطة الأزمانْ..
علمني أني حين أحبُّ..
تكف الأرض عن الدورانْ
علمني حبك أشياءً..
ما كانت أبداً في الحسبانْ
فقرأت أقاصيصَ الأطفالِ..
دخلت قصور ملوك الجانْ
و حلمت بأن تتزوجني
بنتُ السلطان..
تلك العيناها .. أصفى من ماء الخلجانْ
تلك الشفتاها.. أشهى من زهر الرمانْ
و حلمت بأني أخطفها
مثل الفرسانْ..
و حلمت بأني أهديها
أطواق اللؤلؤ و المرجانْ..
علمني حبك يا سيدتي, ما الهذيانْ
علمني كيف يمر العمر..
و لا تأتي بنت السلطانْ..
***
علمني حبكِ..
كيف أحبك في كل الأشياءْ
في الشجر العاري..
في الأوراق اليابسة الصفراءْ
في الجو الماطر.. في الأنواءْ..
في أصغر مقهى..
نشرب فيهِ، مساءً، قهوتنا السوداءْ..
علمني حبك أن آوي..
لفنادقَ ليس لها أسماءْ
و كنائس ليس لها أسماءْ
و مقاهٍ ليس لها أسماءْ
علمني حبكِ..
كيف الليلُ يضخم أحزان الغرباءْ..
علمني..كيف أرى بيروتْ
إمرأة..طاغية الإغراءْ..
إمراةً..تلبس كل كل مساءْ
أجمل ما تملك من أزياءْ
و ترش العطر.. على نهديها
للبحارةِ..و الأمراء..
علمني حبك ..
أن أبكي من غير بكاءْ
علمني كيف ينام الحزن
كغلام مقطوع القدمينْ..
في طرق (الروشة) و (الحمراء)..
***
علمني حبك أن أحزنْ..
و أنا محتاج منذ عصور
لامرأة.. تجعلني أحزن
لامرأة.. أبكي بين ذراعيها..
مثل العصفور..
لامرأة تجمع أجزائي..
كشظايا البللور المكسور..
*****..

ويقول في قصيدته ( حب تحت الصفر ):
1

هو البحرُ.. يفصل بيني وبينَكِ..
والموجُ، والريحُ، والزمهريرْ.
هو الشِعْرُ.. يفصل بيني وبينكِ..
فانتبهي للسقوط الكبيرْ..
هو القَهْرُ.. يفصل بيني وبينكِ..
فالحبُّ يرفُضُ هذي العلاقَةَ
بين المرابي.. وبين الأجيرْ..
أحبُّكِ..
هذا احتمالٌ ضعيفٌ.. ضعيفْ
فكلُّ الكلام به مثلُ هذا الكلام السخيفْ
أحبُّكِ.. كنتُ أحبُّكِ.. ثم كرهتُكِ..
ثم عبدتُكِ.. ثم لعنتُكِ..
ثم كَتبتُكِ.. ثم محوتُكِ..
ثم لصقتُكِ.. ثم كسرتُكِ..
ثم صنعتُكِ.. ثم هدمتُكِ..
ثمَّ اعتبرتُكِ شمسَ الشموسِ.. وغيّرتُ رأيي.
فلا تعجبي لاختلاف فصولي
فكل الحدائقِ، فيها الربيعُ، وفيها الخريفْ..
هو الثلجُ بيني وبينكِ..
ماذا سنفعلُ؟
إنَّ الشتاءَ طويلٌ طويلْ
هو الشكُّ يقطعُ كلَّ الجُسُورِ
ويُقْفِلُ كلّ الدروبِ،
ويُغْرِقُ كلَّ النخيلْ
أحبّكِ!.

2

يا ليتني أستطيعُ استعادةَ
هذا الكلام الجميلْ.
أُحبُّكِ..
أين تُرى تذهبُ الكَلِماتْ؟
وكيف تجفُّ المشاعرُ والقُبُلاتْ
فما كان يمكنني قبل عامَيْنِ
أصبح ضرباً من المستحيلْ
وما كنتُ أكتبُهُ – تحت وهج الحرائقِ –
أصبحَ ضرباً من المستحيلْ..

3

إن الضبابَ كثيفٌ
وأنتِ أمامي.. ولستِ أمامي
ففي أي زاويةٍ يا تُرى تجلسينْ؟
أحاولُ لَمْسك من دون جدوى
فلا شفتاكِ يقينٌ.. ولا شفتايَ يقينْ
يداكِ جليديّتانِ.. زجاجيّتان.. محنّطتانِ..
وأوراقُ أيلولَ تسقُط ذاتَ الشمال وذاتَ اليمينْ
ووجهُكِ يسقط في البحر شيئاً فشيئاً
كنصف هلالٍ حزينْ..

4

تموتُ القصيدةُ من شدَّة البَرْدِ..
من قِلّة الفحم والزيْتِ..
تيبَسُ في القلب كلُّ زهور الحنينْ
فكيف سأقرأ شعري عليكِ؟
وأنتِ تنامينَ تحت غطاءٍ من الثلجِ..
لا تقرأينَ.. ولا تسمعينْ..
وكيف سأتلو صلاتي؟
إذا كنتِ بالشعر لا تؤمنينْ..
وكيف أقدّمُ للكلمات اعتذاري؟
وكيف أُدافعُ عن زمن الياسمينْ؟
5

جبالٌ من الملح.. تفصل بيني وبينكِ..
كيف سأكسر هذا الجليدْ؟
وبين سريرٍ يريدُ اعتقالي..
وبين ضفيرة شعرٍ تكبِّلني بالحديدْ؟
6

أحبُّكِ.. كنت أُحبُّكِ حتى التَنَاثُرِ.. حتى التبعثُرْ..
حتى التبخّرِ.. حتى اقتحامِ الكواكبِ، حتى
ارتكابِ القصيدة،
أُحبُّكِ.. كنتُ قديماً أحبّكِ..
لكنَّ عينيكِ لا تأتيانِ بأيِّ كلامٍ جديدْ
أُحبُّكِ.. يا ليتني أستطيع الدخولَ لوقت البنفسج،
لكنَّ فصلَ الربيع بعيدْ..
ويا ليتني أستطيع الدخولَ لوقت القصيدة،
لكنَّ فصلَ الجنون انتهى من زمانٍ بعيد.
لكنَّ عينيكِ لا تأتيانِ بأيِّ كلامٍ جديدْ
أُحبُّكِ.. يا ليتني أستطيع الدخولَ لوقت البنفسج،
لكنَّ فصلَ الربيع بعيدْ..
ويا ليتني أستطيع الدخولَ لوقت القصيدة،
لكنَّ فصلَ الجنون انتهى من زمانٍ بعيد.
*
ويقال عن ساقيك إنهما في العري.. مزرعتان للفل
ويقال: أشرطة الحرير هما ويقال: أنبوبان من طل
ويقال: شلالان من ذهب في جورب كالصبح مبتل
*
هرب الرداء وراء ركبتها فنعمت في ماء.. وفي ظل
وركضت فوق الياسمين..فمن حقل ربيعي ... إلى حقل
فإذا المياه هناك باكية تصبو إلى دفء.. إلى وصل
*
يا ثوبها، ماذا لديك لنا؟ ما الثلج.. ما أنباؤه؟ قل لي
أنا تحت نافذة البريق.. على خيط غزير الضوء.. مخضلّ
لا تمنعي عني الثلوج.. ولا تخفي تثاؤب مئزر كحلي
إني ابن أخصب برهة وُجِدَت لا تزعجي ساقيك.. بل ظلي

********

واختم بهذه الابيات الجميلة :

مَصْلوبَةَ النهدين .. يالي منهُما
تركا الرِدا .. وَتَسَلَّقا أضلاعي
والليل يُلْهِبُ أحمرَ الأطماعِ ..
رُدّي مآزرَكِ التريكةَ .. واربطي
لا تترُكي المصلوبَ يخفقُ رأسُه
في الريح .. فهي كئيبةُ الإيقاعِ
يا طفلةَ الشَفَتَيْنِ .. لا تتهوَّري
طَبْعُ الزوابع فيه بعضُ طباعي
شارٍ بأسواق الهوى بَيَّاعِ
جُثَثٌ .. وأمراضٌ .. وبئرُ أفاعي
أضميريَ الموبوءُ .. أيَّةُ كِذْبَةٍ
مَسْمُومةٍ تُلقينَ في أسماعي
عَوَّذتُ نهدَكِ وهو كَوْمُ أناقةٍ
أن ترهنيهِ للذّتي .. ومَتاعي
عُودي لأُمِّك .. ما أنا بحمامةٍ
فغريزةُ الحيوان تحت قِناعي
بَلْهَاءُ .. تحت فمي وضَغْطِ ذِراعي ..
عَوَّذتُ نهدَكِ وهو كَوْمُ أناقةٍ
أن ترهنيهِ للذّتي .. ومَتاعي
***
عُودي لأُمِّك .. ما أنا بحمامةٍ
فغريزةُ الحيوان تحت قِناعي
ما أنتِ حينَ أُريدُ ، إلا لُعْبَةٌ
بَلْهَاءُ .. تحت فمي وضَغْطِ ذِراعي


*********************************


بدر شاكر السياب


ولد الشاعر بدر شاكرالسياب بقرية جيكور\ 1926 جنوب شرق البصرة. درس الابتدائية في مدرسة في أبي الخصيب ثم انتقل إلى مدرسة المحمودية وتخرج منها في\ 1938م. ثم أكمل الثانوية في البصرة عام 1943م. ثم انتقل إلى بغداد فدخل دار المعلمين العالية عام\ 1943 وتخرج \م، والتحق بفرع اللغة العربية، ثم الإنجليزية. ومن خلال تلك الدراسة تمكن من الإطلاع على الأدب الإنجليزي .
في بغداد ومقاهيها حصل صداقة بعض من أدبائها وينشر له ناجي العبيدي قصيدة لبدر في جريدته الاتحاد هي أول قصيدة ينشرها بدر في حياته تكونت في دار المعلمين العالية في السنة الدراسية 1944-1945 جماعة أسمت نفسها أخوان عبقر كانت تقيم المواسم الشعرية حيث ظهرت مواهب الشعراء الشبان، ومن الطبيعي تطرق أولئك إلى أغراض الشعر بحرية وانطلاق، بعد أن وجدوا من عميد الدار الدكتور متى عقراوي، أول رئيس لجامعة بغداد ومن الأساتذة العراقيين والمصريين تشجيعا
و السياب احد أعضاء الجماعة، وكذلك الشاعرة نازك الملائكة من أعضائها أيضا و من أعضائها شعراء آخرون منهم الأستاذ حازم سعيد من وأحمد الفخري وعاتكة وهبي الخزرجي وقد تعرف بدر على مقاهي بغداد الأدبية ومجالسها مثل مقهى الزهاوي ومقهى البلدية ومقهى البرازيلية وغيرها يرتادها مع مجموعة من الشعراء والذين اصبحو ا (رواد حركة الشعر الحر) مثل بلند الحيدري وعبد الرزاق عبد الواحد ورشيد ياسين وسليمان العيسى وعبد الوهاب البياتي وغيرهم ويلتقي امرأة يحبها وهي لا تبادله هذا الشعور فيكتب لها .
(أبي.. منه جردتني النساء وأمي.. طواها الردى المعجل ومالي من الدهر إلا رضاك فرحماك فالدهر لا يعدل)
وتزداد شهرة بدر الشاعر النحيل القادم من أقصى قـرى الجنوب، وكانت الفتيات يستعرن الدفتر الذي يضم أشعاره ليقرأنه، فكان يتمنى أن يكون هو الديوان (ديوان شعر ملؤه غزل بين العذارى بات ينتقل أنفاسي الحرى تهيم على صفحاته والحب والأمل وستلتقي أنفاسهن بها وترف في جنباته القبل)
يقول محمود العبطة المحامي وكانت تربطني به علاقة صداقة حميمة عندما كان قاضيا في مدينتي بلدروز ( عندما أصدر الشاعر ديوانه الأول أزهار ذابلة في 1947 وصدره بقصيدة من الشعر العمودي مطلعها البيت المشهور.
ويقول السياب : (يا ليتني أصبحت ديواني لأفر من صدر إلى ثان قد بت من حسد أقول له يا ليت من تهواك تهواني ألك الكؤوس ولى ثمالتها ولك الخلود وأنني فاني)

تم سجنه عام\ 1946 لفترة وجيزة أطلق سراحه ثم سجن مرة أخرى عام \1948 بعد صدور مجموعته الأولى أزهار ذابلة بمقدمة كتبها روفائيل بطي أحد رواد قصيدة النثر في العراق عن إحدى دور النشر المصرية عام 1947 تضمنت قصيدة( هل كان حبا) حاول فيها أن يقوم بتجربة جديدة في الوزن والقافية تجمع بين بحر من البحور ومجزوءاته أي أن التفاعيل ذات النوع الواحد يختلف عددها من بيت إلى آخر وقد كتب روفائيل بطي في مقدمته لديوانه ( فيها نجد الشاعر الطليق يحاول جديدا في إحدى قصائده فيأتي بالوزن المختلف وينوع في القافية، محاكيا الشعر الإفرنجي، فعسى أن يمعن في جرأته في هذا المسلك المجدد لعله يوفق إلى أثر في شعر اليوم، فالشكوى صارخة على أن الشعر الربي قد احتفظ بجموده في الطريقة مدة أطول مما كان ينتظر من النهضة الحديثة إن هذه الباكورة التي قدمها لنا صاحب الديوان تحدثنا عن موهبة فيه، وان كانت روعتها مخبوءة في اثر هذه البراعم - بحيث تضيق أبياته عن روحه المهتاجة وستكشف الأيام عن قوتها، ولا أريد أن أرسم منهجا مستقبلا لهذه القريحة الأصيلة تتفجر وتفيض من غير أن تخضع لحدود والقيود، ولكن سير الشعراء تعلمنا أن ذوي المواهب الناجحين، هم الذين تعبوا كثيرا، وعالجوا نفوسهم بأقصى الجهد، وكافحوا كفاح الأبطال، حتى بلغوا مرتبة الخلود )
ويتخرج السياب ويعين مدرسا للغة الإنجليزية في مدرسة ثانوية في مدينة الرمادي التي تبعد عن بغداد تسعين كيلومترا غربا، تقع على نهر الفرات. وظل يرسل منها قصائده إلى الصحف البغدادية تباعا، وفى عام\ 1949 ألقي عليه القـبض في جيكور و سجن في بغداد واستغني عن خدماته في وزارة المعارف رسميا في 1949 وافرج عنه بكفالة بعد بضعة أسابيع ومنع إداريا من التدريس لمدة عشر سنوات،

عاد إلى قريته يرجو شيئا من الراحة بعد المعاملة القاسية التي لقيها في السجن ثم توجه إلى البصرة ليعمل (ذواقة) للتمر في شركة التمور العراقية، ثم كاتبا في شركة نفط البصرة، وفى هذه الأيام ذاق مرارة الفقر والظلم والشقاء ولم ينشر شعرا قط، ليعود إلى بغداد يكابد البطالة يجتر نهاراته في مقهى حسن عجمي يتلقى المعونة من أصحابه اكرم الوتري ومحي الدين إسماعيل وخالد الشواف، عمل بعدها مأمورا في مخزن لإحدى شركات تعبيد الطرق .

نشر له الخاقاني مجموعته الثانية (أساطير) بتشجيع من صديقه أكرم الوتري مما أعاد إلى روحه هناءتها وأملها بالحياة، وقـد تصدرتها مقدمة لبدر أوضح فيها مفهومه للشعر الجديد الذي يبشر به ويبدأ بدر بكتابة المطولات الشعرية مثل أجنحة السلام واللعنات وحفـار القـبور والمومس العمياء وغيرها ويضطرب الوضع السياسي في بغداد عام 1952 ويخشى بدر أن تطاله حملة الاعتقالات فيهرب متخفيا إلى إيران ومنها إلى الكويت بجواز سفر إيراني مزور باسم (على آرتنك) على ظهر سفينة شراعية انطلقت من عبادان\ 1953، كتب عنها فيما بعد قصيدة اسمها ( فرار 1953)

اتسم شعره في الفترة الأولى بالرومانسية وبدا تأثره بجيل علي محمود طه من خلال تشكيل القصيد العمودي وتنويع القافية ومنذ 1947 انساق وراء السياسة وبدا ذلك واضحا في ديوانه أعاصير الذي حافظ فيه السياب على الشكل العمودي وبدأ فيه اهتمامه بقضايا الإنسانية وقد تواصل هذا النفس مع مزجه يثقافته الإنجليزية متأثرا الشاعر الانكليزي (إليوت) في أزهار وأساطير وظهرت محاولاته الأولى في الشعر الحر وقد ذهبت فئة من النقاد إلى أن قصيدته (هل كان حبا) هي أول نص في الشكل الجديد للشعر العربي وما زال الجدل قائما حتى الآن في خصوص الريادة بينه وبين نازك الملائكة والبياتي في العراق ،

وفي أول الخمسينات كتب السياب كل شعره بهذا النمط الجديد واتخذ المطولات الشعرية وسيلة للكتابة فكانت (الأسلحة والأطفال)
نشر السياب ديوانه (أنشودة المطر) في بداية الستينات

توفي الشاعر بدر شاكرالسياب في الكويت في يوم 24 من شهر كانون الاول من عام 1964، عن 38 عام ونقل جثمانه إلى قضاء البصرة ودفن في مقبرة الحسن البصري في مدينةالزبير.

ومن شعره الغزلي يقول:

والتف حولك ساعداي ومال جيدك في اشتهاء
كالزهرة الوسني فما أحسست إلا والشفاة
فوق الشفاه وللمساء
عطر يضوع فتسكرين به وأسكر من شذاه
في الجيد والفم والذراع
فأغيب في أفق بعيد مثلما ذاب الشراع
في أرجوان الشاطئ النائي وأوغل في مداه
شفتاك في شفتي عالقتان والنجم الضئيل
يلقى سناه على بقايا راعشات من عناق
ثم ارتخت عني يداك وأطبق الصمت الثقيل
يا نشوة عبرى وإعفاء على ظل الفراق
حلواَ كإغماء الفراشة من ذهول وانتشاء
دوما إلى غير انتهاء

.********

يا همسة فوق الشفاة
ذابت فكانت شبه آه
يا سكرة مثل ارتجافات الغروب الهائمات
رانت كما سكن الجناح وقد تناءى في الفضاء
غرقي إلى غير انتهاء
مثل النجوم الآفلات
لا لن تراني لن أعود
هيهات لكن الوعود
تبقى تلحّ فخفّ أنت وسوف آتي في الخيال
يوما إذا ما جئت أنت وربما سال الضياء
فوق الوجوه الضاحكات وقد نسيت وما يزال
بين الأرائك موضع خال يحدق في غباء
هذا الفراغ أما تحس به يحدق في وجوم
هذا الفراغ أنا الفراغ فخف أنت لكي يدوم !

***************

هذا هواليوم الاخير ؟!
واحسرتاه! أتصدقين؟ ألن تخفّ إلى لقاء؟
هذا هو اليوم الأخير فليته دون انتهاء !
ليت الكواكب لا تسير
والساعة العجلى تنام على الزمان فلا تفيق!
خلفتني وحدي أسير إلى السراب بلا رفيق

********************.

يا للعذاب أما بوسعك أن تقولي يعجزون
عنا فماذا يصنعون
لو أنني حان اللقاء
فاقتادني نجم المساء
في غمرة لا أستفيق
ألا وأنت خصري تحت أضواء الطريق ؟!

******************
.ليل ونافذة تضاء تقول إنك تسهرين
أني أحسّك تهمسين
في ذلك الصمت المميت ألن تخف إلى لقاء
ليل ونافذة تضاء
تغشى رؤاي وأنت فيها ثم ينحل الشعاع
في ظلمة الليل العميق
ويلوح ظلك من بعيد وهو يومئ بالوداع
وأظل وحدي في الطريق
*************
ويقول ايضا

و غدا سألقاها
سأشدها شدا فتهمس بي
رحماك ثم تقول عيناها
مزق نهودي ضم أواها
ردفي واطو برعشة اللهب
ظهري كأن جزيرة العرب
تسري عليه بطيب رياها
و يموج تحت يدي و يرتجف
بين التمنع و الرضا ردف
و تشب عند مفارق الشعر
نار تدغدغها هو السعف
من قريتي رعشت لدى النهر
خوصاته و تلين لا تدري
أيان تنقذف
و يهيم ثغري و هو منخطف
أعمى تلمس دربه يقف
و يجس نهداها
يتراعشان جوانب الظهر
تصطك سوف تبل بالقطر
سأذوب فيها حين ألقاها

************

ويقول في قصيدة اخرى:

لا تزيديه لوعة فهو يلقاك
لينسى لديك بعض اكتئابه
قربي مقلتيك من وجهه الذاوي
تري في الشحوب سر انتحابه
و انظري في غصونه صرخة
اليأس أشباح غابر من شبابه :
لهفة تسرق الخطى بين جفنيه
و حلم يموت في أهدابه

***********

و اسمعيه إذا اشتكى ساعة البين
و خاف الرحيل- يقوم اللقاء
و احجبي ناظريه, في صدرك المعطار
وعن ذاك الرصيف المضاء
عن شراع يراه في الوهم ينساب
وموج يحسه في المساء :
الوداع الحزين!! شذى ذراعيك
عليه على الأسى والشقاء

*****************

حدثي حديثه عن ذلك الكوخ
وراء النخيل بين الروابي
حلم أيامه الطوال الكئيبات
فلا تحرميه حلم الشباب
أوهميه بأنه سوف يلقاك
على النهر تحت ستر الضباب
وأضيئي الشموع في ذلك الكوخ
وإن كان كله من سراب

**********************

كلما ضج شاكيا في ذراعيك
انتهاء الهوى صرخت انتهارا
فارتمي أين يرتمي صدره الجـ
ـاش حزناً وحيرة وانتظارا ؟
اغضبي وادفعيه عن صدرك
القاسي وأرخي على هواه الستارا
أوصدي الباب خلفه.. واتركيه
مثلما كان.. للدجى والصحارى !


*********************************
















وهاب شريف الجبوري


ولد الشاعر وهاب بن رزاق بن حسن ال شريف الجبوري في مدينة النجف بتاريخ \ 3\4\1961
واكمل دراسته الاوليه في النجف والجامعية في بغداد وحصل على البكالوريوس في الصحافة عام \1983
وهاب شريف يشغل الان مايلي :
رئيس بيت الشعر في النجف الأشرف.
.عضو اتحاد الأدباء والكتّاب العراقيين
رئيس تحرير مجلة المنهال الثقافية
عضو مجلس السلم والتضامن
عضو هيأة أمناء ملتقى الحضارات في النجف الأشرف
حصل على الجوائز الاتية:
فاز بجائزة الجود العالمية للشعر العربي الميدالية الفضية
فاز بجائزة الديار الثانية للشعر العربي.
.فاز بجائزة أفضل قصيدة في مهرجان الحسين العالمي
نال درع الابداع من جامعة واسط
حصل على شهادات إبداع من كليات الفقه والآداب والتربية
كرمته وزارة الثقافة العراقية عدة مرات

صدرله ديوان (اشراقات الحب الأول)

ومن قصائده النثرية المعاصرة في الغزل :


الأفق مكتئب على تثاؤب الباب
ومن أعشاب الروح أبتكر العصافير
التي تكره المسامير
التي سقطت على مساحة الهمّ
كأنها الزمن
وحدها الثقوب تلتئم
بينما السياج افترش الأنقاض
وحدها الأحلام تفتش عن حارس لها
طفلة أصبحت غيمة
أي نبيّ جديد يئن
أنحني ممتلئا بنعاس ديك أصمّ
وبين أنامل الجمر أرى ورقة خائبة
من رماد
غير أن المسافة للقبر
ذراع مفتولة بالتأنّي
تركع تحتها الرياح
لغة خرساء في الزقاق
والصوت حجر ملقى بحذر
لاشيء في الساقية
رغم المياه الراكدة
ومناقير تلتقط البذور
كلما يختفي خيال السيقان
أخطو نحو/ أدري/
تبتلع العينان التواجد المرّ
أحتطب الطريق
أستلّ رغيف لطفولة
من قائمة الضلوع
أرتمي في الغياب
هل حقا حدث هذا دون ان يصرخ الأنكسار؟!
في حنجرة الآلآم
يتّحد الماضي السفرجل
بالغموض المتدارك
أقبلي ايتها المسرات الغافية
في أعماق طيوفي
يا أجنحة الصقر المكسور من الصدمة
ها هي توبة الذنوب
تتدحرج مثل شعاع جميل مجنون
في ذاكرة تذبل
ما هذا الأرق الراحل في أفياء ظهيرة شارع
هاربة آمال مفاتيح الآتي
مثل العيد لدى المخبولين الرحّل
أو مثل شطارتنا في رأس الزاجل
نهر مرميّ من أحشاء الحوت النهم
الصبر السرعة
والضد وحصى وسراب وعطش
حبة قمح في أحشاء الياقوت
عيد من صخر وهدوء
من قسوة
في رأس الزاجل
كلمات يعبق منها مذهولا تفكير الصبح
ذاهبة لزمان آخر
شعر من دمع متكلس
وذنوب كما البكاء الوديع
أو كما التحدي الوقح الأخطاء
فانسحب ايها الشجر المنتفخ بجنائز المحبين
أيها الزمن المشاكس دون وعي
البيت يدخّن غليان الأحلام
ومثل رغوة الصابون
هي المسرة تحت طائلة القبح والسكوت النتن
فوق غيمة من الهزيمة
شوكة نبتت من الصداع
عد أيها المولع بالنسيم وأغنيات المطر
عند حبّات الغروب
احتضن وجهك بالدفء
أنت تمتلك الطين والنار والذاكرة
وليست الاشياء
الدموع
كلها تزول
اكتشفت لديك عناد اللقالق
والذباب اللزج
وعداء الحروف قبل ان تكتمل للمرايا
ليست الصدفة وحدها تصادق المستحيل
أيتها السيقان الشفافة
ليس ثمة مغامرة غير القبول
بالبقاء في ذاكرة الليل
الدافيء بالسذاجة
ولي أنا النهر المولود
من طين الرغبة
فانتهزي عفوّيتي
وأيّاك أيّاك من الأنطفاء

============

ونذكر له ايضا في الغزل قصيدة:
(إيقاظ لحبيبتي النائمة)

نوحٌ دمي وجنازتي خَشَبُ الأملْ
لكنما الطوفان غلغلَ مركبي
في غابةِ الاوجاعِ هلْ يدري الجَبَلْ؟
صدري تبوغُ الكبت في نبض اللظى
ودمي الحديقةْ
فليزهر المستقبلُ الظمآن
أني بانتظاركِ يا أنيقهْ
تأتين كي نغتال آلآم الحقيقةْ.








الشاعر عبد الهادي المظفر


هو الشاعر العراقي الشاب عبد الهادي المظفر ولد سنة \1982 في مدينة البصرة في محلة الساعي احدى محلات منطقة جامع المظفر الكبير والشاعر ينتسب الى أسرة عراقية علمية انجبت العديد من الشعراء والادباء والعلماء ورجال الدين
انتقلت عائلته الى مدينة النجف الاشرف أبان الحرب العراقيه الايرانيه( 1980-1988) و سكنت فيها لذا يكون قد انتقل الشاعر
الى مدينة النجف وهو طفل فترعرع وشب في مدينة علمية دينية
واكمل دراسته فيها وقد قال الشعر في طفولته وصباه واجاد فيه وخاصة الشعر المنثور كما عرف بخطه البارع فهو شاعر و خطاط ايضا
حتى أجاد من الشعر والفن الشئ المرضي ، شاعر عراقي وفنان (خطاط)
وقد نشر الكثير من قصائد الغزل والسياسه وله اسلوبه اللاذع بالتهكم على للمجتمع والساسة
وله ديوا شعر ( مجلس الالهه)

وهذه عدة قصائد من شعره ::
الاولى بعنوان ( موت )

موت ... موت

سيلفيا .. أي سيلفيا ..
هل لكِ أن تروي لي رواية
تدَّخرني .
ليوم قد لا أجد فيه نصا أدبيا ( أدبياً !)
لعل السحاب هذا اليوم يغتال القصيدة!
أم أن الورد لربما عضو في فرق الموت
أم
أني ما زلت لا أفقه من الدنيا إلا ..
حليب ومرضعة ووووقصيده
(خي له خوب خي له خوب )
لم يكن وجهي يرتسم ملامح الديموقراطية بعد أن ..
وجدت (السعدون ..)
يرتدي حلة ذهبية ..يا لله
لون الأريكة عليك أجمل ..من لون البرونز
لون الأريكة أجمل وابهى
لأن حشائش (الخضراء )
تيبست من روائح الغباء في أدمغتهم !!
هدى.. أي هدى
مازلت تلك المرتدية بنطالك الضيِّق
ومازال النور يشع حينما تقدمين لي الشاي
صبيحة شارع السعدون
ومازلت أدخن الأركيلة وانفث..
دخانها الأبيض على نهديكِ .
أيهٍ .. مازال أنفك كما هو
لم تستطيعي أن تُجملي أنفك الكبير !!
فعلا هو كبير .
يرفض أنف أنوثتك إلا أن يعمل ..
في مقهى ( حار جاف صيفا .. بارد ممطر شتاءا )
لتحرجيني متى ما قدمت أمام المارة
بجلوسكِ على فخذي !!
كيف أستطعتِ الجلوس على فخذي أمام ..
قوات محاربة الشغب ..وخراطيم المياه
وحكومة قندهار
وشيخ القبيلة .
فلربما تأتي مسيرة احتجاج (فاسده)
ويقمعها ويقمعك الشرفاء .
لأجدني خارج مدورة بغداد .


والقصيدة الثانية بعنوان:

إلى الفرزدق الذي يقول :
إن لقلع ضرس أهوَن علي من كتابة بيت من الشعر
قصيدة تعنيني

ارحلي وهاجري وزمجري
اتركي أوراقي وذاكرتي
وكلّ خطاياي
وأمكنتي
فلم أعش يوماً
دون أن تلسعني الأبرُ
عشرة أعوام
فيكِ أناغم
وَصَفوني بأنّي مجنون
وبذئٌ أيضاً نعتوني
ولم يهطل
مذ حين كتبتُ الشعرَ مطراً
عشرة أعوامٍ
وعشرةُ أزرارٍ
وَشَعرٌ بني يجتاح النفس الأمّارة
يا للــــــــــــــــــــــه
سآتيكَ قريباً أي ربي
أ تغفر لي كلّ خطيئة ؟
كلّ خطيئة
حتى أبياتي نهود النسوة
وقصائد عبقي
و المأزر
هل تغفرُ
كل هجوم خضته
بسلاح أو غير سلاح ؟
لحاكمٍ أو شرطي المخفر
هل تستقطع كلّ سنين الغربة
والتعذيــــــــب
وخلع الأظفر؟
هل تغفر؟
سآتي إليك
وأحمل أوزاري وأزراري
عشرة أعوامٍ
أرافق قلمي
بنزيف الدمّ
أحزن
أبكي بكاء الثكلى
ولكن لم أفصح يوماً
عمّا أتألم
أشتاق وأعدم
ولم أسمع اللا تتكلم
لا تتكلم
أصمت وأرحل
لا ( تتمرجل )
أهانني أطفالٌ أفراخٌ
ولم يبقَ أحمق وصفيق
إلا و( تمسخر )
سأذهب يا ربي عن أذنك
قبل مجيئي إليك ( بسحنة )
لأذهب للحمام لغُسلٍ
عن كلّ قصيدة
وكلّ وريقة....وجريدة
ومقالي أذنبتهُ سهواً
وأصلي نافلةَ القلم
لأودع قلمي
بشرفية إقبالي الأول
فوق بساط أحمر
وبفندق ( هيلتون ) الذهبي
وأرحل
ليخلّدني قلمي
ولا ألتفتُ ورائي
وإن كان النورُ
سأرحلُ
عن ( نسريني )
وقافيتي
و( نون ) النسوةِ
والنهدين .....وذنوبي
والحرف العربي
وجنوني

********************************

والقصيدة الاخيرة علي شكل مقطوعات :


المقطوعه (1)

لو كنت أعلم
أنك تترنحين
على ترابي ..بعد موتيَ
كنت أخبرت المليكَ أن انتظر
لو كنت أعلم
ان فيكِ
نزعة الحضن الدخيل
في لحظة قلبي بحبكِ يحتضر .
ــــــــــــــــــــــــــــ

المقطوعه (2)
لو كنت أعلم
أنني ذئب
يبعثر أعضاء العذارى
حيثما شاء
لقتلت قلبي
قبل أن تعشقيه
لو كنت أعلم أنني
لي الخيانة ديدناُ
وتقطيع القلوب حرفة
لقطّعتني حتى أوارى
عاريا عن حبك
او ما تريه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ


المقطوعه(3)
هي أنت
أيتها الجميلة
والانيقة
والمثيرة
كي ننسى ما حصدت بنا
الأيام
لابد من ثورات تعلنها
القلوب
لابد من
غفران عهد
للذنوب
فانا السياسة علمتني
بالتنازل .
اغلب الأسد اللعوب
علمتني ..أن حبي لأمرأة
قد يجنبني المآسي والحروب
علمتني أنك ...
مهما أطلتي
أو بَحُرتي
لن تدركي قلبي الرقيق
لن تستطيعي
مد أنفكِ ..بالتلاقي
لأستمالة خاطري
كي تدركي الماضي السحيق
أو ربما تتعلمين
حنانكِ ..
من ذي حناني
تتعلمين طفيلتي
من دروس فؤاديَ ..
الحمل الرقيق
فلك المباح مليكتي
ان تتركيه بغيِّه ..
أو يستفيق



*********************


ومن قصائدي في الحب والغزل هذه الابيات من قصيدة بعنوان جنة الفردوس :-


فؤادي اذاقته الزبيدية الردى
فروحي بها هيمى وشوقي سيؤذيها

لقد ولّعت قلبي الجريح بحبها
فكري راح حولها كي يوافيها

لقد لعب الدهر الخؤون بشملنا
وحاقت من الكرب الدواهي ضواريها

هموم بقلبي لا انجلاء لافقها
وافاق افكا ر لي الاوهام تمليها

فلو يبدي قلبي عشر اعشار همه
لما استطاع الناس بالجهد يخفوها

ولأسودت الافاق حزنا كل ليلة
غابت نجوم الليل والغم يخفيها

وصامت طيور الروض عما تغرّدت
وأنّت بلحن ناصب في نواحيها

فالافق باكي العين حمر خدوده

قريح الجفون الغضّ دمعي يدمّيها

طالت ليالي الدهر اضعاف وقتها
وزالت نهارات فالليل داجيها

وأحنت حقول الروض رؤوسا لغمّها
فاوراقها صفراء جفت مجاريها

بكت حالتي فاضت منابع دمعها
فالقدّ مشحوب الثرى يروي تعازيها

راغمت نفسي ان تعيش قريرة
وتأبى النفس الا حبيبا يناجيها

وتأبى نفوس الناس عيشا منغصا
فترنو الى الاسنى تحيي امانيها

فان نفس امرىء تجارت خبيثة
فالخبث خبث وليس الحب يهديها

وان اهتدت نفس بحب لدربها
فتلك نفوس شامخات شآ ويها

امرت فؤادي يقصي غرامها
وقلبي مشحون غراما وتمقيها

احببتها روحا لدي عزيزة
وجنات احلامي اسكنتها فيها

دخلت ايا روحي فؤادي عزيزة
- روحي كما تهوين- الودّ يجليها

اكنّيك ياجنة الفردوس عابقة
خوفي من العذال نجني مكاريها

تذكرت كيف الشوق والحب قادني
اليها وضعت يدي عهدا بأيديها

واخلصت حتى الموت عهدا لحبنا
هل بعد هذا العهد غدرا وتمويها

وعهدي ان لا تقطع العهد بيننا
فنحي الحيا شوقا وحبا سنبنيها

وقلبي صلت لايهيم بخودة
وان اظهرت شوقا اليّ وتدليها

لكن قلبي هام في سفر حبّها
وغاص الى الاعماق في قعر واديها

ليرعى زهيرات نمت في ودادها
ويجني ثمار الغرس رفقا بساقيها

هي الشمس في نصف النهار بهيّة
لكنها اوفي عهودا لراعيها

توفي العهود المبرمات وديعة
رحيم فؤادها الكرام اهاليها

هي الصورة الموحاة شكلا بما بها
واية للحسن تسبي معانيها

هي النور بل النور منها نابع
والخلق والاخلاق من ذا يدانيها


فليست لنا مقياس يحصي جمالها
وليست لها –كالنور- بالكون تشبيها

وقد يعجز القول لحصر صفاتها
والحبروالاوراق او مايضاهيها

فالشعر ليل قد تشقّر فجره
وتبر مزيج منهما صار يجليها

تدلت جديلات طال امتدادها
تلامس العجز الرديف ذوابيها

يشعّ سناءا حين يسطع نوره
تهادى من الشمس شعاعا يواجيها

اذا كان ضوء الشمس فيه تماوج
فامواج بحر داعب الريح عاليها

وهذي العيون الفاتنات بسحرها
كرشاشة الجندي الشجاع ترميها

رمتني سهاما صائبات بطرفها
اخرقت غشاء القلب آثارها فيها

وتلك العيون الناعسات قتلنني
وتحريك جفنيها الجروح يداويها

اجمل بها قدا رشيقا يزينها
جمال القوام الغضّ خصرا يدانيها

لها مبسم للشمس ان فاه مشابه
وللزهر بالبسمات رفقا سيغريها

اذا مابدت فالشمس خجلا تزاورت
والبدر يخبو فاقد النور خاليها

احببتها للروح اوفى حبيبة
والحب يملي القلب مني ويمليها

نبقى على الاخلاص نبني ودادنا
ونجني ثمار الحب خيرا و ترفيها

وفي قصيدة بعنوان ( شهد الوفاء) اقول:



جل الاله تكاملت في خلقه
كل المحاسن. صاغها تتسرمد

وكنت انت . فآية لجماله
كملائك في عرشه يتهجّد

شوق الفؤاد كمثله زهر الربى
عطر يفوح وبلسم يتجد د

اشموخ شخصك من رحيق عبيره
كدهن عود بالشذى يتفرد ؟

اذ حل قلبي في هواك زمانه
فيما ملكت من الفؤاد فيجهد

وتعانقت روحي بروحك ساعة
شوق الهوى بصفاء وجد يخلد

وتخيلت نفسي – ونفسك زهرة –
غرستك في روض الجنان لتسعد

كحلاوة الشهد الرضاب تذوّقا
ثغر بثغر والمواجد تزدد

مالت ا ليك عواطف ريّانة
فتشوقت وتولهت تتوجّد

ألقت عليك غلائلا من سندس
بيضاءة طرّزتها تتورّد

انت العروسة فالعيون قريرة
فتعانقت .روحي بروحك تشدد

كل الهموم تبخّرت بوصالنا
يازهرة بين الورود تغرّد

ياشوق قلب قد شجت ألحانه
ألحانه بنغماته تتوحّد

أشواق قلبي في رضاك تغلغلت
نفسي لنفسك بالسعادة ترفد

فكل شيء في الحياة نواله
برضا ئنا عن بعضنا يتقيّد

فشجية أنفاس لحن لقائنا
نحن البلابل في الجنان نغرّد

كل الورود غرستها لتحيطنا
بأريجها وللسعادة نحصد

في جلسة وسط الظلا ل جلستها
فتزاحمت أنفا سنا تتمرّد

زهر القطيفة والجمال يحفنا
والروز ينثر عطره يتجدد

والفلّ يقطر من شذاة أريجه
مابين ابيض او احمر يتورد

واللال وردي الجوانب خضرة
في صفرة في لونه يتبرد

وزهيرة زرقاء تنثر عطرها
بين الورود جمالها يتسيّد

كل الورود تجمّعت مزدانة
فتعطّرت ارواحنا تتودد

تضفي الى شوق جديد جدّة
بعبيرها مزيونة تتمرد

ولقد غرست الحب بين جنائن
فتماوجت أعطافها تتأوّد

وكنت انت عبير وجوده
فتبسمت أنداؤه تتفرقد

هذا فؤادي اذ اليك هديته
متشوقا متولها يتعسجد

يارب د م هذي السعادة بيننا
بوفائنا وصفائنا لا تنفد


******************


ومن قصائدي النثرية:

لقاء الاحبة

- اليك .............

- عطور زهر حديقتي

-انثرها أ ريجا ..

- تنورت انفاس فجر مشرق

- تنثال شذى وجمالا

- تصافح افئدة جمعها عشق الشعر

- غذّاها بالأشراق

- اقرب احبابي نفسا

- لعلي أداوي الجرح

- فيعاودني قلق شديد –

- يختزل الفكر من جديد

- فتتقد مجامر القصائد والنشيد

- واطلق الحرف ليشدو

- ليعانق الرجاء
-
– ويخلع الحزن اللصيق

- لعله يرتقي الى اللقاء

- لقاء الاحبة في الصباح





*****************************




تم الكتاب والحمد لله رب العالمين


الاثنين 2-1-2012



الفهرس

المقدمة 3
الغزل الجاهلي 5
مواطن جمال المراة في الشعر الجاهلي 8
الغزل في الشعر الجاهلي وشعرا ؤه 15
امرؤ القيس 16
عنترة العبسي 26
الاعشى 37
قيس بن الخطيم 45
النابغة الذبياني 53
المرقش 56
الغزل في صدر الاسلام وشعراؤه 64
كعب بن زهير 65
حسان بن ثابت 66
ابو محجن الثقفي 68
الغزل في الشعر الاموي 71
الشعر التقليدي وشعراؤه 72
جرير بن عطية 73
الرزدق البصري 77
الاخطل التغلبي 80
الغزل العذري وشعراؤه 83
جميل بن معمر العذري ( جميل بثينة) 84
كثير عنزة 94
قيس بن الملوح 100
قيس بن ذريح 111
الغزل الحضري وشعراؤه 128
يزيد بن معاوية 129
عمر بن ابي ربيعة 133
العرجي 142
الاحوص 144
الشعرالتقليدي وشعراؤه 151
ابو تمام الطائي 151
ابو الطيب المتنبي 156
ابو العتاهية 163
الغزل العفيف وشعراؤه 165
العباس بن الاحنف 165
الشريف الرضي 171
الغزل الحضري وشعراؤه 179
بشار بن برد 179
البهاء زهير 185
علي بن الجهم 190
ابن زريق البغدادي 198
ابو فرؤاس الحمداني 202
الغزل الفاحش وشعراؤه 206
ابو نؤاس 206
والبة بن الحباب 208
الغزل بالمذكر وشعراؤه 210
الحسين بن الضحاك 214
الغزل الصوفي( الالهي) وشعراؤه 216
ابن الفارض 222
رابعة العدوية 225
عبد القادر الجيلاني 233
شعر الغزل في بلاد الاندلس وشعراؤه 241
ابن زيدون 243
ولادة بنت المستكفي 254
حفضة بنت الحاج الركونية 258
شعر الغزل في العصور الراكدة 260
صفي الدين الحلي 264
ابن نباتة المصري 271
علي بن معصوم 274
شعرالغزل الحديث والمعاصروشعراؤه 277
احمد شوقي بيك 281
ابراهيم ناجي 293
نزار قباني 313
بدر شاكر السياب 323
وهاب شريف الجبوري 333
ومن قصائدي 8 33
الفهرس 350


**************************








ا من مؤلفات فالح نصيف الحجية الكيلاني

الشعرية

1- نفثات القلب
2- قصائد من جبهة القتال
3-الشهادة والضريح
4- الحرب والايمان
5-القصائد الدينية

النثرية

1- الموجز في الشعر العربي( اربعة اجزاء )
2- في الادب والفن
3- تذكرة الشقيق في معرفة اداب الطريق
4- شرح ديوان عبد القادر الكيلاني وشيئ في تصوفه( اربعة اجزاء)
5- كرامة فتاة (قصة طويلة )
6- اصول في الاسلام
7- الاشقياء ( مجموعة قصص قصيرة )
8-اصحاب الجنة في القرآن الكريم 1
9-القرآن في القرآن الكريم 2
10-الامثال في القرآن الكريم 3
11-الادعيةالمستجابةفي القران الكريم 4
8- بحث في التصوف والطريقة القادرية
9- مدينة بلدروز عبر التاريخ
10- عبد القادرالجيلاني وموقفه من الفرق والمذاهب الاسلامية
15 - شرح القصيدة العينية
16- الانسان ويوم القيامة في القران الكريم 5
17- يوم القيامة في القران الكريم 6
18- شعراءالنهضة العربية
19- دراسات في الشعر المعاصر وقصيدة النثر
20- الغزل في الشعر العربي





********************************