الأربعاء، 21 مارس 2012

دراسا ت في الشعر العربي المعاصر وقصيدة النثر - تاليف فالح نصيف الحجية

فالح نصيف الحجية
الكيلاني




دراسات في الشعر العربي المعاصر

وقصيدة النثر


























الاهداء


الى :

... ائمة العربية واساطين الحرف
... اهل الادب والشعر ..


اهدي هذه السطور





فالح نصيف الحجية
الكيلاني
بلدروز - ديالى - العراق
20 – 3 - 2012



















المقدمة


اذا كان الادب العربي يمثل الحياة الدائمة للغة العربية
فان الشعر يمثل روح هذه اللغة منذ طفولتها الى يومنا هذا وسيستمر الرافد الاعظم والاسمى في رقيها وشموخها وازدهارها فيشع سناءا متقدا منورا مسالك ومواطن هذا الارتقاء نحو الكمال في جمالية منبعثة من خلال الحرف العربي ويصب عميقا في بحر اللغة العربية ليتحفها بمنابع الندى المشرق ويجري في عمق بلاغتها وبيانها ومن خلال رشاقة كلماتها واشتقاقها بعضها من بعض فتكتمل حلتها القشيبة من خلال قصائد العمود الشعري او قصيدة التفعلية الحرة او من خلال قصائد النثر المعاصرة والتي تعتبر في دور البناء والتطويرعلى ايدي الشعراء الشباب .

ومن هنا ولغرض دفع عجلة اللغة الشاعرة - لغتنا العربية نحو الشموخ والازدهار وبغية انتشال الشعر وخاصة قصيدة النثر الجديدة والاخذ بايدي الشعراء الشباب ممن يكتبون فيها قصائدهم الى شاطيء الامان والسلامة اللغوية والبلاغية والشعرية في صورها الر ائعة لذا اقدمت على كتابة هذه الدراسة التي ربما يراها المتلقي متباعدة في مواضيعها ودراساتها وهي في الحقيقة تصب في الاخر في مصب واحد هو الشعر العربي .

فقد كتبت عن اهمية الشعر ومفهوميته كشعر معبرا عما في خوالج النفس العربية ومكا منها والهاماته الكثيرة ثم كتبت في العروض الذي هو ميزان الذهب في شعرالعرب وكتبت في الفنون الشعرية قديما وحديثا والحداثة واساليبها واثرها التي تنبع من بحر القدم وتشع من خلاله وكتبت ايضا في بعض ا نواع الشعر – الذي لم يكتب به الاخرون الا قليلا– مثل المعارضات والمطارحات والمطاردات الشعرية وكتبت في قصيدة النثر وهو الاغلب والاكثر: في اهميتها وطبيعتها وسيكولوجيتها وبنائها وجماليتها و رمزيتها وابهامها وغموضها وايقاعاتها وموسيقاها ونغميتها وملاءمتها للعصر وطموحاتها نحو المستقبل .
واهيب باساطين اللغة و ذوي الكلمة المشرقة من ادباء وشراء ونقاد وكتاب ابداء آ رائهم فيما كتبت ومقترحاتهم الهادفة لتحقيق ما نرجو اليه من طموح.

والله الموفق. انه نعم المولى ونعم النصير


الشاعر
فالح نصيف الحجية
الكيلاني
عضو الاتحاد العام للادباء والكتاب العرب
عضو الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق
بلدروز - العراق
20 – 3 - 2012



























مفهوم الشعر المعاصر



الشعر العربي تعبير مقصود به أي شعر كتب او يكتب باللغة العربية، بشرط أن يكون موزونا ومقفى، فالوزن شرط لازم في جميع أنواع الشعر، القديم والحديث، على حد سواء، بما فيه الشعر المعاصر باستثناء ما يسمى ب(قصيدة النثر)، أما القافية فهي لازمة في معظم أنواع الشعر القديم، اما في الشعر الحديث فقد أخذ يتقلص دور القافية الخارجية، فاستعمل مفهوم ( الشعر المرسل ) أي الشعر دون تقفية خارجية، وإن كان قد سعى، في الواقع، إلى تعويضها بنوع من التقفية الداخلية حيث لايمكن الاستغناء عنها نسبيا في عموم أنواع الشعر العربي ، وفي أي عصر من العصور التي قيل فيه هذا الشعر ، جاهلي أو إسلامي أو أموي أو عباسي أو أندلسي أو حديث او معاصر .

ويمكننا من تعريف الشعر المعاصر على انه هو الشعر الذي كتب في الزمن الذي يعاصر القراء. وصفة المعاصرة تدل على مرحلة بعينها في حياة الشعر الحديث وهي المرحلة التي نعاصرها دون اعتبار إن كان الشاعر ميتا او لا يزال على قيد الحياة .

وكان الشعر العربي في الجاهلية - ديوان العرب - وعلمهم الذي لم يكن لهم علم غيره أصح منه .اذ كان يصور حياتهم و حالاتهم العامة والخاصة بما في ذلك المنازعات والمعارك التي كانت من اهم أسباب وجود شعر الحماسة والفخر في الشعر الجاهلي .

ان اهم ما يميز الشعر العربي هو التزام الشاعر بالتفعيلة او بالوزن والقافية مع انها كانت تاتي عفوية في الشعرالجاهلي والعصور التي تلته في مجمل أنماطه وفي مختلف أجياله وإن جاءت بعض المحاولات المعاصرة خالية من الوزن والقافية، إلا أنها في الواقع محاولات قد تحسب على الشعر في بعضها ، لكنها تعتبر من الشعر المنثور وهو اقرب لمجال النثر منه لمجال الشعر الا انه والحق يقال ان فيه بعض قصائد النثر جميلة ورائعة وتعبر بحق عن شاعرية قائلها ، ومتانة وبلاغة وخيال واسع ومع ذلك يبقى القول : ان أبرز ما يفرق بين الشعر والنثر هو الوزن، وما عدا ذلك قد تكون اشبه بعناصر مشتركة بينهما.

الشعر الجاهلي كان لسان الامة العربية ووسيلتها للتعبير عما يقع في المجتمع العربي وكانت العرب تقيم الأفراح في حالة ظهور احد أبنائها كشاعر مبدع، فالشعر عند العرب قديما يرفع من شأن قبيلة ويحطه من أخرى وكذلك ولادة الشاعر فيها فالقبيلة التي لاتنجب شاعرا لا يوجد من يدافع عنها .
.
و كان الشعر في صدر الإسلام وسيلة من وسائل الدفاع عن رسالة الإسلام ازاء كفار ومشركي قريش وما حولها من القبائل التي لم تدخل في الاسلام في حينها . واستمر الشعر، في العصر الأموي، وفي العصر العباسي كوسيلة من وسائل الفرق السياسية والفكرية المتنازعة ويمثل كل النزعات التي سادت المجتمع العربي والاسلامي بقصد تبليغ آرائها، والدفاع عن مبادئها، في مواجهة خصومها او بيان خلافاتها مع الاخرين فهو اشبه بصحيفة سياسية مرتبطة بجهة معينة تعبر عن اراء هذه الجهة او تلك خاصة في الشعر السياسي والقبلي والحزبي والطائفي وما اليه من المشتركات التي اصبحت بمرورالزمن فنونا واسعة .

لذا فللشعر العربي دور بارز في الحياة الأدبية والاجتماعية
والفكرية والسياسية، وقد تطور بتطور الشعوب العربية والإسلامية، وعلاقاتها بالشعوب الأخرى المجاورة لها وغيرها .والتاثير اللغوي بينها مما ادى الى بروز فنون شعرية متطورة في الشعر العربي في كل مجالات التأثير من حيث المضمون ومن حيث الأسلوب واللغة و الأوزان والقوافي وما إليها فكان سبيلا لظهور انواع كثيرة من الفنون الشعرية مثل الفخر والمدح والهجاء والوصف والبكاء على الاطلال ثم ظهور الشعر السياسي، والشعر الصوفي، والشعر الاجتماعي والشعر
الوطني، وشعر الموشحات في العصر الاندلسي .

اما في العصر الحديث والمعاصر فحدث ولا حرج حيث كثرت الفنون الشعرية وتشعبت بتشعب مفردات الحياة اليومية وكل ما يعبر عن نوازع هذه الامة والذود عنها فظهر شعر النكبة وشعر النهضة الحديثة وشعر الثور ة العر بية بجوار الفنون الشعرية القديمة وكذلك وجدت القصيدة العمودية التي لا زالت هي ا لاساس للشعر العربي وقصيدة الشعرالحر في منتصف القرن الماضي وقصيدة النثر او ما يسمى الشعرالمنثور في نهاية القرن العشرين والتي انتشرت انتشارا واسعا في السنوات الاخير ة بين الشعراءالشباب واخذ يكتب فيها كل من هب ودب وخاصة بعد ظهور الانترنيت والفيس بك وغيرها من وسائل الاعلام ووسائل النشر .



**********************












اهمية الشعر المعاصر



الشعر العربي منذ ان وجد على الارض العربية وقالوه الشعراء وتغنوا به شق له طريقا واسعا من الريادة وكانت له الاولوية في تمثيل الحياة العربية في جزيرة العرب اوفي كل البلدان التي تكلمت اللغة العربية في ظل الاسلام بعد انتشاره على ايدى المسلمين الذين يعتبرون العرب نواة الحركة الاسلامية في تطورها وشموخها .

فللشعر كان دوره البارز والكبير في حياة الامة العربية وإن لم تبق له تلك المساحة التي كان يحتلها في عصوره المتقدمة وذلك لأن العرب بتطور حياتهم تخلوا عن الشعر أو أن الشعر لم يعد ممتعا لهم كما كان في العهود الماضية وذلك بسبب تغيير ظروف الحياة وما الت اليه الحياة وتطوراتها ومدياتها وسبل ايجاد متعة افضل منه للنفوس العربية الا بعضا منهم وهم الشعراء ومستسيغوا الشعر والكلمة الفاضلة حيث
دخلت إلى حياتنا أمور كثيرة قللت من اهمية الشعر وضيقت مساحته على ساحةالحياة الواسعة والتي قلصتها كثيرا .

كان العرب في الجاهلية يقضون اوقاتهم في السعي في طلب الرزق ورعي انعامهم وابلهم نهارا اما في الليل فيتجمعون للتسامر والتحدث والاستماع للشعر باعتباره الفن الوحيد الذي كان سائدا في بلادهم تقريبا لذا فقد كان العرب يعلمون أولادهم الشعر حفظه وقولهم له اضافة الى تعليمهم الأنساب لاعتزاز العرب بانسابهم وهي الامة الوحيدة من بين الامم العالمية التي لازالت تحتفظ بانسابها لحد الان وكذلك وأخبار العرب.
اما عند مجيئ الإسلام فقد أصبحوا يعلمونهم ايات القرآن الكريم والأحاديث النبوية وحفظها فكان العرب في مجالسهم يحفظون ايات القران الكريم ويتداولون في معانيها وتفسيرها وكذلك الاحاديث النبوية

اما في العصر الاموي وما بعده من العصور فقد اهتم العرب باللغة العربية واسسها فأخذوا يتعلمون و يعلمون اولادهم : النحو والصرف والبلاغة والبيان والشعر وفنونه التي كثرت والعروض وبعض العلوم المستحدثة كالريا ضيات والفلسفة والطب وغيرها .

اما في الوقت الحاضر فنتعلم العلوم التي ترتاح اليها نفسية أي منا سواء كانت علمية بحتة او فنية كالشعر او الموسيقى ونعلم ابناءنا كل العلوم الفنية والتطبيقية والعلمية البحتة مثل الكيماء والفيزياء والمراسلات والحاسوب والضرب على الحاسوب والبث والنشر او الاستقبال من خلاله او نعلمهم العلوم التي يرعبون تعلمها
بعد انهاء المراحل الدراسية الاولية وقد تظهر طفرات نوعية في الحياة الثقافية وتجديد ها تبعا لتطورالحياة مع مرورالزمن وما يخبؤه هذا الزمن المستحدث من علوم وفنون ربما لم نرها اونسمع بها لحد الان ولا نعرف ماذا يخبئ لنا المستقبل في تقدم لكل هذه العلوم والابحاث وقد تصبح الاجيال القادمة غير قانعة بما نحن رضينا فيه من الفنون والعلوم وشموليتها وتشسعبها الواسع وما استحدث منها ويستحدث مع مرور الزمن .

ومن المعلوم أن الشعر لم يعد الفن الوحيد الذي يستمتع به الناس في الوقت الحاضر فهناك الكثير من الفنون المختلفة والعلوم الكثيرة مثل السينما والمسرح و التلفزيون وكذلك المطالعة مثل القصص والروايات والخاطرة والمقالة وكل هذه الامور تدخل في اضعاف اهمية الشعر وتوزيع ساحة المتعة بين الناس بحيث اصبحت فرص التمتع والمؤانسة كثيرة حيث لم يبق للشعر الحصة الواسعة التي كان يحتلها في الماضي وهذه الامور طبيعية فاذا تشعبت وكثرة روافد المتعة النفسية في عدة امور فالناس تتوزع عليها كل حسبما يشعر به ازاء هذه الحالة او الفن و كل حسب رغبته وما ترتاح اليه هذه النفوس .

واستطيع القول ا ن الشعر بحد ذاته قد تطور و اصبح اشكالا عدة في العالم العربي فاذا كان الشعر العمودي هو الاساس والمرجع فقد واستحدث الشعرالحر وهو شعر موزون حر شعر التفعيلة تحرر من القافية حيث ينظم على بحور ثابته في تفعيلة معينة وقد حددت هذه البحور بسبعة بحور كذلك وجد الشعرالمنثور او وجدت قصيدة النثر وهذه القصيدة تكون مفتوحة من دون تقييد بالوزن او القافية او بمعنى اخر ان موسيقاها تكاد تكون تضرب في كل الاتجاهاة الفنية بحيث اصبح كل من يكتب كلمات مرتبة تحت بعضها ربما يقول أنه كتب شعرا نثريا فقد ضاعت كل مقاييس الشعر حيث للشعر مقاييس خاصة حسب تذوق الشاعر أو المتلقيى الا ان هذه القصائد – قصائد النثر - لاتخلو من مقطوعات غاية في الروعة والفنية والجمالية وفقا لثقافة الشاعر وقوة شاعريته فالقصيدة الشعرية سواء كانت عمودية او قصيدة تفعيلة او قصيدة نثر فقد تبقى حاضرة ومهمة ومفضلة لجمالتها ولرقتها
او لقربها من قلب المتلقي .

شعراء العصرالحديث او الشعراءالمعاصرون انشدوا للحياة العربية في كل عناصرها واحتياجاتهم مرورا بالشعرالوطني او السياسي الذي انشد الوطنية وما يعتمل في نفسية الشاعر او نفسية المتلقي وغرس روح المواطنة وتفعيل القضية العربية وتحرير الاجزاء التي لازالت تحت ظلم الاستعمار الاجنبي او الحكام المستبدين وبعث القضية العربية في النفوس والافئدة وشحذ الهمم في هذه القضية وكثر هم الشعراءالذي كتبوا او انشدوا في هذه الامور تطغى على قصائدهم الثورية والوطنية وتحتل المكانة الاولى في الشعر العربي في الوقت الحاضر او المعاصر وفي المستقبل وهناك منها هذه الامو ر يتفرع شعرالنكبة والمقود بها الشعرالذي قيل في نكبة فلسطين منذ بداية القرن العشرين وحتى الان واستطيق القول ان كل الشعراء العرب قالوا في هذه القضية لقربها من القلوب والنفوس العربية المناهضة للغزاة والطامعين .

ولا نخرج عن الموضوع ان قلنا ان الشعر يمثل الحياة الانسانية في هذا الوقت افضل تمثيل وما يقوله الشعراء هو ما ينفعل في نفوسهم و قلوبهم وقلوب المتلقين لهذا الشعر بمختلف فنونه فيتاثرون بما يقرأون من شعر بما في ذلك الغزل او شعرالحب وهو الاغلب وياتي من بعده الشعرالسياسي او شعر الاحداث اليومية ولو اطلع احدنا على الصحف او المجلات او شاشات التلفاز او الانترنيت عبر النت او الفيس بك لشاهد آلافا من القصائد العمودية التي هي اساسا للشعر العربي وقصائد في الشعر الحر التي استحدثت في منتصف القرن الماضي وقصائد في النثر او ما يسمى الشعر المنثور والتي وجدت في نهاية القرن العشرين وبالتحديد في الثمانينات من هذا القرن والتي انتشرت انتشارا واسعا لسهولة نظم القصيدة بسبب تخلصها من الوزن والقافية او البحر والموسيقى الشعرية في السنوات الاخيرة بين الشعراءالشباب واخذ يكتب فيها كل من هب ود ب منهم ويسمي نفسه شاعرا وخاصة بعد ظهور وسائل الاعلام المرئية ووسائل النشر السريعة وكثرتها .

ومن هنا يتضح اهمية الشعرالمعاصر من انه شغل مسافات واسعة ومستحدثة من اهتمامات الشباب سواء الكتاب او المتلقين ومن بين هذه النتاجات وجدت نتاجات ذات قيمة ادبية عالية لشعراء هم قمة في الانتاج الشعري كمثل الشاعر بدر شاكرالسياب ونازك الملائكة وصلاح عبد الصبور وامل دنقل في الشعرالحر و نزار قباني محمود دورويش وفالح الحجية وسعاد الصباح وغيرهم الذين جمعوا بين الحداثة والمعاصرة وجملة من شعراء المعاصرة اذكر منهم : محمد الحافظ ووهاب شريف وعبد الهادي المظفر من العراق وفوزية العلوي من تونس وايمان الونطدي ونعيمة خليفي وعبد العاطي وفوزية امين من المغرب واسماء صقر القاسمي من الامارات و غيرهم كثير في كل الاقطار العربية ممن برزت ادواتهم الفنية ظاهرة بينة وتأثروا بما حولهم وربما بالثقافا ت الاجنبية وتأثر بعضهم ببعض ثقافيا وادبيا وحضاريا. ممن تجد في شعرهم مسحة من الجمال والخيال التي هي أهم عناصر القصيدة الشعرية مهما كان نوعها وهذا هو الشعر الذي يحمل في طياته أكثر المضامين الإنسانية روعة وجمالا وائتلاقا .



***********************





الاوضا ع السياسية والشعر المعاصر


انتهت الحرب الكونية الاولى وكان من نتائج هذه الحرب التي قتلت الملايين من البشر وشرد ت مثلهم وهدمت البيوت على الرؤس ان حصل الاستعمار الغربي على ما طمح اليه في مد نفوذه الى كثير من
البلا د في العالم والحصول على الثروات والاموال وكان مما حصل عليه من الاقطار العربية ان تقاسمتها الدول الاستعمارية فيما بينها واغتصبت خيراتها وحكمتها حكما ظالما قاسيا وبيد ابنا ئها من العرب . أي ان الحاكمين كانوا من ابناء البلاد ذاتها البسهم الاستعمار جلبابا قشيبا جميلا مزركشا وسلطهم على رقاب اخوانهم العرب ليحكموهم للاجنبي .

ان ما حصلت عليه الاقطار العربية هو اصوات هدير هذه المدافع وازيز الرصاص ان ايقض من كان نائما من الشعب العربي في شرق هذه البلاد او غربها فهبت الجموع العربية من رقدتها تناضل بعزم ضد هذا الاستعمار وتنتزع استقلالها منه بالقوة – مع العرض ان الاستعمار اي استعمار لا يخرج من اي بلد او مكان الا بالقوة وهذه بديهة قائمة - فاستقلت اغلب الاقطار العربية وكان اخرها الجزائر في ثورتها المباركة ثورة المليون شهيد في منتصف القرن الماضي وبها تخلصت من الاستعمار الفرنسي الذي حاول ان يجعل الجزائر العربية فرنسية فيفرنس الشعب العربي فيها لولا ان هب شعبها المناضل فاعلنوها ثورة عارمة بوجه فرنسا فازاحوا هذا الاستعمار بالقوة واستعادت الجزائر عروبتها من جديد وقد خلدت ثورة الجزائر الاف الاف الابيات الشعرية التي تغنى بها الشعراء العرب للثورة وأبطالها.

وحيث ان الاستعمار لم يترك الوطن العربي ليفلت من براثنه او من مخالبه بسهولة فزرع في ارضه وتدا شديد الصلابة والقوة – انه مسمار جحا كما يسمونه – اذ اوجد في قلب الوطن العربي دويلة جمع فيها اليهود من كل افاق العالم وجعلها وطنا لليهود على حساب الشعب العربي وراح يغذيها ويقويها بكل ما اوتي من قوة وما عنده من موارد فكان ان انتزع من الوطن العربي قلبه ليقدمه هدية ليهود اسرائيل التي حاولت طرد العرب من فلسطين نفسها لتنشيء دويلتها على أراضيهم وتوسعها يوما بعد اليوم وقد وقف الشعراء العرب الوقفة البطولية ولا زالوا من القضية الفلسطينية منذ الحرب الكونية الاولى مرورا بالثانية ونتائجها وحتى الان فقدموا الاف القصائد وملايين الابيات الشعرية في القضية الفلسطينية وبكل حالاتها وما تمخضت عنه واجزم انه لا يوجد شاعر عربي واحد في مشرق الوطن العربي او مغربه الا وله في القضية الفلسطينية اكثرمن قصيدة لاحظ احدى الشاعرات المصريا ت تقول \

طفل شريد ضائع بين المسالك والدروب

يمشي على وجل ويبحث في المجاهل عن حبيب

صهيون غال اباه في غدر ولم يجن الذنوب

فمضى يئن ابي حبيبي قد ذهبت فهل تؤوب

ان الشاعر العربي المعاصر ومن قبله شعراء الحديث او شعراء عصر النهضة ما كانوا الا حرابا وسيوفا مشرعة في وجه اعداء الا مة العربية وشعرهم سجلا حافلا لكل ما اصاب الوطن العربي من مشاكل وما طرات عليه من احداث صغيرة او كبيرة بضمنها احداث البلد الواحد من الاقطار العربية ناهيك عن توحد الكلمة العربية فالشعر العربي انشد للوحدة العربية بل هو الوحدة العربية بعينها فاذا كانت الوحدة السياسية بعيدة المنال بسب كثرة الحكام العرب واختلاف ارائهم وطبيعة حكمهم- ومنهم من لايزال مرتبط بالاستعمار الاجنبي الحديث او يعيش على في كنفهم و مداراتهم له وعلى مساعداتهم - فان الشعر العربي او الثقافة العربية ككل تجاوزت هذه الامور وحققت رغبات الشعب العربي في توحيد كلمته فانشات ثقافة عربية موحدة غذاها الشعراء والادباء والمثقفون بنتاجاتهم الثرة وكلها تكاد تكون واحدة في اسلوبها ومعانيها وما تهدف اليه وان اختلفت الا راء الشخصية او طبيعة النص بين شاعر واخر او بين كاتب واخر وهذا حق مشروع على اختلاف وجهات النظر لكن العبرة في العموم الذي اكد ويؤكد ان الادب العربي او الثقافة العربية بما فيها الشعر ما تصبو اليه نفس المواطن العربي اتجاه شقيقه في البلد الواحد او في البلاد المتباعدة فترى الشاعر الجزائري او المغربي نظرته هي ذاتها تظرة الشاعر العراقي او السوري او الاماراتي او اليماني او السوداني لا اختلاف بينهم ولا خلاف فقضايا الامة العربية مهما اختلفت فهي واحدة .

فالقضية الفلسطينية لا تزال القضية الاولى للشاعر العربي المغربي او المشرقي ثم تأتي من بعدها الاحداث التي ألمت او تلم بالوطن العربي فعند احتلال العراق مثلا في عام 2003 هب الشعب العربي هبة رجل واحد ولسان الشاعر العربي في العراق ا و في غيره واحد كتبوا الكثير عن بغداد وفا جعتها وما الم بها وما اصابها من اعصاردمر البلاد واهلك العباد من قبل الاستعمار او من الذين ساروا بركابه او الذين جاؤا معه من خارج البلاد ليحكموا بلدهم باسم الوطنية الكاذبة من الذين تنازلوا عن هويتهم العربية وجنسيتهم العراقية وقد جاؤوا يحملون جنسيات من بلاد مختلفة والا فما رأيك فيمن اعلن التنازل عن بلده وامته العربية فسقط جنسيته لبلده سواء كان عراقيا او مصريا او مغربا او أي كان ولما حان الوقت المناسب وضع يده في ا يدي المحتلين الجدد لهذا البلد العزيز او ذاك واصبح حاكما يحكم بلاده للاجنبي باسم الوطنية الكاذبة .

وفي العراق مثلا اقول أليس من سقط جنسيته العراقية و تنصل عن وطنه وامته غير عراقي وغير عربي ولا يمت لهما بصله لانه قطع هذه الصلة ببلده او باعها رخيصا والا فماذا نفسر هذه الظاهرة : رجل تنازل عن جنسية وطنه واكتسب جنسية بلد اخر الا يكون احساسه الوطني ما في اعماق نفسه وقلبه قد صفّر او وصل الى حد درجة الصفر في وطنيته فباع وطنه بلقمة عيش جرت عليه وتجر خزي الدنيا والاخرة وتبينت ازدواجية الشخصية عنده وانفصامها والا فماذا نفسر كل هذه الامور بغير ما ذكرت او هناك منهم ادنأ من ذلك هو العراقي الذي تجنس بجنسية غير عربية وجاء مع المحتل ونفسيته او هواه في نفسه للاجنبي وولاءه الى بلد اخر غير بلده فاي نفوس هذه واي وطنية هذه ترتجى من هؤلاء ومن د نس بغداد ثم اعلن عمالته بوقاحة للاجنبي الغربي او الشرقي انها مطامع شخصية لا غير او اظنها كذلك .

ان الوطنية وازع يعتمل في النفس او القلب يصب في مصدر الانسان ومحتواه ويعببر عما في خوالجه الحقيقية اتجاه بلده وامته - اذ ان هذا البلد جزء من كل - فالعراقي او المغربي نفسه تواقة لتحقيق مصالح لعراقه او مغربه او مصره اولا وللأ مته العربية ثانيا ولا تزال المقولة العربية القديمة نافذة الحكم ( انا واخي على ابن عمي وانا وابن عمي على الغريب ) اليس كذلك ياعرب ام تلاشت واندثرت وتنا زلتم عنها الا ان الواقع يؤكد وجوديتها . لاحظ ما كتبت عن بغداد عند احتلالها \

بغداد يابغداد يارمز المحبة والصفاء

ضيعوك الغادرون بظلمهم - ياللغباء

جعلوك فريسة للطامعين الغرباء

فليكتب التاريخ سطرا في المذلة والخناء

فقد بلّت نفوسهم المها نة بلا حياء


استميح القاريء الكريم عذرا ان خرجت عن الموضوع قليلا انما هي العاطفة تغلب في بعض الاحيان صاحبها والحقيقة مرة ولو استحلت كثيرا اوتغلفت بغلاف الحلاوة .


******************








الاوضاع الاقتصادية والشعر المعاصر




مما لاشك فيه ان الشاعر ابن بيئته ومتفاعل معها كيفما كانت واينما كانت ولابد من تاثير لها عليه وقد تحدثنا عن التأثير السياسي والاجتماعي في الشعر العربي ومدياته والان نتكلم عن بعض الامور الاقتصادية التي هي نسغ الحياة ودمها الجاري في العروق وتأثير انماطها على الشعر والشاعر العربي.

ان الوضع الاقتصادي للبلد الواحد او قل للعائلة الواحد ة اي لعائلة الفرد او عائلة الشاعر لها تاثير مباشر و كبير على نشاته وشاعريته ولو ان الشعر فطرة قد تنمى بكثير من الامور وتقوى بالاطلاع والدراسة والتتبع والممارسة على قول الشعر ودراسة دواوين الشعراء ومطالعة او دراسة اللغة و اصول النقد والبلاغة والصرف والنحو وما اليها وهذه حتما بحاجة الى وضع اقتصادي جيد لتمكن الشاعر من نيلها او الحصول على ممستجدات كتبها ومؤلفاتها وقد يراها ذو الوضع الاقتصادي الجيد او المتمكن من الامور السهلة وذكرها او التحدث عنها من المضحكة او يعتبرها الاخر تافهة ان كان وضعه الاقتصادي جيدا وهي بحقيقة الامر تنشأ مع الشاعر فتقيده في بعض الاحيان وخاصة اذا كان هذا الشاعر منحدرا من عائلة فقيرة او معدمة ولربما لا تملك قوت يومها اقول نعم ان هذا الشاعر او ذاك يتمتع بفطرة شعرية و خيال شاعري من خلال الهامه الشعري الواسع وما غرس في نفسيته و تتفتق شاعريته وقادرعلى قول الشعر الا ان هذه الشاعرية حتما بحاجة الى صقل موهبة واكتساب بعض المعارف المهمة التي تحتاج الى المال وقد لاحظت ان بعض البسطاء من الناس يمتلك شاعرية عجيبة في قول الشعر الشعبي - رغم اني لا احب الشعر الشعبي واعتبره احد العقبات التي يجب ان تزال اما م اللغة العربية وتوحيدها وغير مهمة في الانسان العربي – اذ يرفع هذا الشاعر صوته فيغني ويؤلف لنفسه اشعارا شعبية وموالات قمة في التعبير والجيادة وهو لا يقرأ ولا يكتب وتجد في شعره صورا شعرية طافحة بالفهم وتهز مشاعر المقابل او المتلقي هزا عنيفا تحرك العواطف الانسانية فيه فهذه بطبيعة الحال شاعرية فطرية فلو كان هذا الانسان ينشد هذه الاقوال بالعربية الفصحى ربما لكان شاعرا فطحلا او ذا مكانة لا باس بها او كان يمتلك المقدرة على المطالعة والدراسة واكتساب العلوم اللغوية لكان شاعرا مبدعا وربما عبقريته الشعرية تفوق كثير ا بعض الشعراء الذي اكتسبوا الشعر وقالوه من غير فطرة شعرية او قريحة شعرية او انها فيهم قليلة لذا استطيع القول ان الوضع الاقتصادي للفرد له تأثيره البالغ في المسيرة الشعرية للشاعر وحتى على الشعر نفسه


ثم ان سياسة الدولة او المنطقة التي يتواجد فيها الشاعر وتوجهها الثقافي الذي يتفاعل معه الوضع الاقتصادي للدولة لهو رافد مهم من روافد النمو الشعري في البلد والذي ينعكس سلبا على طائفة من الشعراء وايجابا على طائفة اخرفلو احتضمن الدولة كل الشعراء بصورة متساوية لابدع كل شاعر بما منحته شاعريته من شعر وقصيدى الا ان اغلب الدول وخاصة العربية دأبت على احتضان من يسير في ركابها ويكون لسانا لها متغدق عليه الاموال والهدايا والمنح وترفع من شانه عاليا وتحارب من لايستجيب لها او من لايسير في ركابها وتحاربه فيقعد ملوما محسورا . .

فمثلا كانت الدولة في العراق تحتفل في مهرجان المربد الشعري سنويا وترفد هذا المهرجان واحتفالياته بملايين الدنانير وتدعو اليه العديد من الادباء والشعراء العراقيين والعرب وبعض الاجانب وكانت تتدخل الامور الساسية في هذا المهرجان فيدعى زيد من الشعراء ويبعد عمرو وتكون الافضلية لفلان وفلان لانه يمدح ويتعنصر للشخص الحاكم ويمجده واذكر ان شاعرا من الشعراء الذين اغدقت عليهم الدولة وحفتهم بعنايتها ورعايتها كان عندما يصعد على المسرح ويقف لينشد قصائده يقول \ انا شاعر صدامي انا شاعر صدامي- يصرح بها علانية وامام الاف الحضور من الشعرالء والادباء العراقيين والعرب والاجانب ثم يبدء بانشاد شعره فكانت اليه الافضلية على الشعراء من حيث العناية غير الطبيعية و المركزة والرعاية الكبيرة في المال والجاه والمركز فتراه في منصب عال جدا وفي سيارة فارهة ومكتب لا مثيل له وجيوبه مليانه بالنقود ولا يحتاج اي شيء- فقد وفرت له الدولة كل طلباته - الا ان يقعد خلف منضدته يكتب بقلمه الذي ربما شباته من ذهب ويقضي وقته في تنميق وتزويق شعره ومراجعته واختيار ارق الالفاظ واحسنها فأين هو من شاعر لا يجد لقمة عيشه بل لا يجد الوقت الكافي لكتابة قصيدته او العودة اليها لمراجعتها ربما من اخطاء فيها نحوية ا و صرفية او بلاغية او ربما شعرية في الوزن او القافية او الشكل والمضمون بسبب كده وتعبه وارهاقه وركضه وراء لقمة العيش فهل يستويان مثلا .

وشاعر اخر حفته الدولة لانه صديق حميم لولد الحاكم فاغدق عليه نعمه وفضّله على الاخرين وجعله رئيسا لهم مثله مثل صاحبه الاول او يزيد او حتى شعراء المحافظات كان بعضهم تكرمه الدولة وتصرف اليه رواتب شهرية في حين يوجد هنا ك من هو افضل منهم شاعرية حرمته مما تصرفه على اقرانه الشعراء رغم كونه محتاجا للمساعة المالية والمعنوية فهذا لا يجد ما يسد رمقه وعائلته او حتى لا يستطيع التنقل للمشاركة الشعرية او مجاراة الشعراء في منتدياتهم فهؤلاء لو اخذ بايديهم وساعدتهم الدولة مثل اقرانهم او احتضنت الدولة الجميع بدون تمييز سياسي او عرقي او طائفي فهل يبقي مثل هذا الشاعر متاخرا عن الاخرين بسبب سوء الحالة المعاشية والاقتصادية التي فرضت عليه فهل يستويان مثلا ثم جاءت الطائفية المقيته فقربت شعراء اوبعدت اخرين وعذبت اخرين بل هاجر بعضهم خارج البلاد حفاظا علي نفسه خوفا من الموت اوالقتل فاي معادلة هذه ومتى ستتحسن احوالنا وامورنا ونترك ان نفعل لبلدنا ما نريد في سبيل الصالح العام ونشارك في بناء هذا البلد فتحل علينا رحمة الله تعالى بتآخينا وتوحدنا لا فرق بين هذا وذاك الا من حيث نتاجه الشعري وقوة شاعريته وهذا موكول باهل اللغة والبيان والشعر ممن اصبحوا في مواقع متقربة من الدولة متناسين زملائهم الذين مستهم الضراء ان ياخذوا بايديهم و يفروا لهم المكان المناسب والحياة الكريمة اسوة بهم .

وعلى العموم ان الشاعر الذي تهيات له اسباب المعيشة ويعيش في وضع اقتصادي يمكنه من ادارة شؤون عائلته وتمشية امورها افضل بكثير من شاعر هجر الشعر او تركه بسب بعض الظروف القاهرة او شاعر اخر كتب كثيرا من الشعر فاحتفظ به لنفسه لعدم تمكنه من نشره لسوء حالته المالية فضاع ماضاع منه وربما كله بمرمر الوقت وهم غير قليل .

وهكذا في بقية الاقطار العربية او على مستوى البلاد العربية فالدولة العربية التي تهتم بشؤون الشعر والادب وتحيط ادبائها وشعرائها بهالة من الفخر والاعجاب و تهيء لهم الا جواء المناسبة وتقدم لهم يد العون والمساعدة يكون ادباؤها وشعراؤها افضل حظا من الدولة التي لا تعير اهمية للادب الشعر والفن وربما يضطر بعض الشعراء ان يهجر دولته و يعيش في غيرها طلبا للرزق والحضوة و ينحاز الى دولة اخرى والدخول في اهتماماتها وهذا ايضا حسب الواقع الاقتصادي للدولة او الحضاري لها وطبيعة الحكم وتصرف الحاكمين ومثل هذه الحالات كثيثرة في بلادنا العربية .

فمثلا الامارات العربية بدات بتشجيع الادباء والشعراء و محاولة اكتسابهم اليها من خلال برامج التلفزة او الفضائيات وتنظيم المهرجانات الشعرية وتغدق العطايا والجوائز وتوجد المنافسة بين الشعراء من كل الاقطار العربية لاتفرق بين دولة واخرى وقد لاحظت قبل ايام شعراء من العراق وتونس واليمن و موريتانا يحصلون على جوائز من دولة الامارات بعد القائهم قصائدهم الشعرية في مهرجانات شعرية نظمت لهم وكان الشاعر منهم ينشد شعره برغبة وبالفن الذي يريد . الم يكن مثل هذه الامور دافعا كبيرا لتقدم الشعر وتحسينه والاخذ بيد الشعراء للانطلاق الى اجواء افضل ؟. الم يكن هذا الامر نتيجة حتمية للوضع الاقتصادي المستقر في هذا البلد المعني بحيث تغير ت اموره نحو الافضل ؟ .
ان الوضع الاقتصادي والاستقرار النفسي يجعل للشاعر اجنحة اخرى يطير بها في سماء الشعر فينظر من عل الى الارض تحته فينزل في روضة او على زهرة او شذى يشمه من فوق فترتاح اليه نفسه فيسعده فيصبو اليه فينشد.

وربما ينظر الى الارض فيرى يتيما قد قتل الغاصبون اباه وانتزعوا منه ارضه فهي يبكي لفقدان والده وعلى ملجأ او مأوى يستوطنه فلا يجد فيشقى لبكائه او يرى حبيبته الغالية قد هجر ته ولاذت بآخر تتقرب منه فيعتمل الحزن والاسى في قلبه وتشتعل نار الفراق في احشائه فينكب ينشد شعرا حزينا ا و يندب حظه العاثر وفؤاده الشائق او يتامل في السماء والوانها الرائعة ونجومها البراقة ا للامعة في ليل مقمر او في نهار مشمس ربيعي فيتيه بين الخضرة والزرقة ولون البحر او لون الماء الصافي في البحراو في النهر الخالد فتسيح نفسه وتنثال عليه الصور الشعرية الناطقة بلسان ما يرى فيبدع شعرا جميلا رائعا في خيال واسع منبعث مما يحس به و يهجسه ويختلج في قلبه وروحه من شاعرية فذة وعبقرية شعرية رائدة.



****************************************











الرمزية في الشعر المعاصر




لم تكن الرمزية في الشعر العربي وليدة الشعر المعاصر ولا الشعر الحديث انما تمتد جذورها الى عصور متقدمة الا انها كانت اشارات رمزية في قصائد لبعض الشعراء وخاصة في الغزل والتشبيب وتطورت هذه لتكون اكثر انفعالا واكثر وجودا في الشعر الصوفي وخاصة في العصر العباسي الثاني وما بعده وتكاد تكون اتجاها فنيا جديدا في الشعر العربي وخاصة في شعر الحلاج وعبد القادر الجيلاني وابن عربي وابن الفارض وغيرهم من شعراء التصوف( لاحظ مقالتي عبد القادرالجيلاني كنموذج من الشعرالصوفي )

وقد كثرت الرمزية في العصر الحديث لتشكل نمطا جديدا في الشعر وخاصة في الشعر الحديث او الشعر الحر كما يسمونه على يد الشعراء نازك الملائكة وبدر شاكر السياب والبياتي وصلاح عبد الصبور وادونيس وامل دنقل وغيرهم.

وقد اوغل الشعراء من بعدهم في الرمزية في الشعر حتى انك لتقرأ القصيدة لبعض شعراء الرمز فلا تفهم منها الا بعد الروية والتزام القاموس .

وقد يعد بعض النقاد والادباء ان هذه الرمزية هي فن جديد في الابداع الشعري للعصر الحديث او للشعر المعاصر وقد كتب احد الاساتذة المتضلعين في هذا المقام مقالة حول الرمزية في الشعر المعاصر اقتطف منها ما يلي للتاكيد على واقع هذه الحالة الجديدة في الشعر .

(الرمزية بصفتها اتجاهاً فنياً برزت في الإبداع الشعري المعاصر، ترتقي فوق موجودات الظواهر المادية المتناثرة في العالم الواقعي إلى مدارك الآمال والأحلام المنشودة في العالم المثالي، مستنجدة بالرمز بصفتها آصرة له تربط بين هذين العالمين، لتنتشل الأحاسيس الغائرة التي تألف التشابه النفسي بين الأشياء وتنسج على منوالها وتوقها المستمر من حيث للكشف عن الروابط المستترة خلف الظواهر المادية، وذلك عن طريق مقدرة بثنية ورؤية خاصة يتبناها الشاعر الرامز فيجعل من خلالها الرمز قائماً مقام المرموز إليه حاضرا فيه بمس إبداعي شفيف لا تتسلل إليه الصور الفجّة، أو الاستعارات الساذجة، أو العبارات الهلامية المستعلية، وهذا ما انتبه إليه (أوستن وارين- ورينيه ويليك) صاحبا كتاب نظرية الأدب، عندما قالا( إن الرمز موضوع يشير إلى موضوع آخر لكن فيه ما يؤهله لأن يتطلب الانتباه -أيضاً- لذاته بصففته شيئاً معروضاً،) وهذا قول ينسجم مع تعريف الرمز الذي وقعنا عليه من خلال ما اتفق عليه الأدباء والفلاسفة بأنه شئ حسي معتبر كإشارة إلى شئ معنوي لا يقع تحت الحواس وهذا الاعتبار قائم على أوجه متشابهة بين الشيئين أحست بها مخيلة الرامز على ان يبقى الرابط بينهما واضحا .

عليه فإن الشاعر الرامز يطلق طاقته الإيحائية ذات الخواص الجمالية الفعالة في مخيلة المتلقي، ويغذيها بنوازع البحث، ويغريها بالتطلع إلى ما وراء الأكمة إذ لابد أن خلف البناء الرمزي عالماً آخر يختبئ تحت الظلال، وإن اكتشافه بتأويل الرمز يقع في أحايين كثيرة -من الصعوبة بمكان- نظراً للتعقيد الذي يسكن التجربة الشعورية، وعناصرها العاطفية التي لا يقيدها منطق أو عقل، ولكن التركيب الشعري باهتزازاته الموسيقية يوحي كثيراً للمتلقي بالمعاني التي تبثها الصور الرمزية او تدل عليها ، وقد قال الدكتور\ عدنان حسين قاسم في رؤيته التقديرية لبلاغتنا العربية: إن جُرس الأصوات والألفاظ والتراكيب الشعرية تلعب دوراً خطيراً في الإيحاء بالمعاني التي تبثها الصور الرمزية، والغامضة التي لا تستطيع الصورة بتراكيبها اللغوية المألوفة أن تثيرها.

ولما كان الرمز حالة تتجاوز الواقع الحسي، ويتخطاه إلى الإشارات الدفينة في رماله، والدلالات الخبيئة وراءه والتي تكتشفها القوة الحدسية،أضحى امتلاك الملكتين الحسية والحدسية لازماً في إبداع الرمز، وقد إشار( جون مدلتونمري) إلى أن تراكم الانطباعات الحسية والحيوية يمد الشاعر العظيم بأقدر الوسائل التي تمكنه من الإفصاح بدقة عن عمليات الحدس الروحية-. ولكننا نرى أن هذه الدقة لا يمكن أن تصور المشاعر، والخواطر تصويراً منطقياً؛ حيث أن مردها إلى أشياء حسية رافقتها أحاسيس ضمت إليها خواطر ترتاد عوالماً أكثر عمقاً واتساعاً، والذي عنيناهُ هو ما أدركناه من قول الدكتور(عز الدين إسماعيل) حينما قال (إن الصورة الرمزية تجريدية تنتقل من المحسوس إلى عالم العقل والوعي الباطني،) ثم هى مثالية نسبية؛ لأنها تتعلق بعواطف وخواطر دقيقة وعميقة تقصر اللغة عن جلائها.

وعن أنواع الرمز يكفينا ما أورده الدكتور عدنان حسين قاسم، والذي قال:( إن الرموز تختلف باختلاف أشكال بنائها ،فمنها رموز تستغرق القصيدة كلها، وتشكل محاورها، وأخرى تُعد جداول صغيرة تتدفق من شعاب جانبية، وتصب في المجرى الكبير لتلتحم به. وبوسعنا أن نقسم الرموز إلى نوعين رئيسيين: أولهما- الرمز الجزئي وهو أسلوب فني تكتسب فيه الكلمة المفردة أو الصورة الجزئية قيمة رمزية من خلالها تتفاعل مع ما ترمز إليه؛ فيؤدي ذلك إلى إيحائها،واستثارتها لكثير من المعاني الخبيئة، وتشع هذه الصور وتلك الكلمات لارتباطها بأحداث تاريخية، أو تجارب عاطفية، أو مواقف اجتماعية أو ظواهر طبيعية، أو أماكن ذات مدلول شعوري خاص، أو إشارات أسطورية معينة وتراثية عامة. والشاعر في تعامله مع هذه الأشياء يرتقي بمدلولها المتواضع عليه إلى مدلولها الرمزي، وثانيهما- الرمز الكلي وهو معنى محوري شفاف، مجسد في إحدى الظواهر المادية، تتمركز على أرضه جلّ الصور الجزئية التي تتوزع العمل الشعري، وتشده نحو هدف جمالي منظور ويربطها به ينبوع التجربة الشعورية.

تعتبر القوى الابتكارية أو الابتداع الذاتي عند الشاعر الذي تتراكم لديه المكونات الثقافية الهائلة، ومخزونات الصور المتفردة والتراكيب الشعرية البديعة أحد منبعي الرمز الأساسيين. ومن النماذج التي يمكن أن نسوقها بشأن ذلك ما أورده شاعرنا الرائد محمد سعيد العباسي في قصيدته (رسائل الصفا) التي وجهها للدكتور زكي مبارك فقد قال وهو يرمز لمصر بماديه، وللسودان بالقرط الذي يزينها بصفتها صورة رمزية لمعنى قائم في شعور الشاعر يشي بالوحدة بين قطري وادي النيل. كما بشر الشاعرفي صورة رمزية أخرى بالثورة على الإنجليز، وجعل الصرخة رمزاً لها، والتي ستمنع المحتل من أن ينفرد بالسودان، أو أن ينفصل عن مصر، ولا ريب أنها ستقع على قلب المحتل الواجف محل شدة، وفي نفوس الأحرار برداً وسلاماً، يقول :
:
فيا مار سيرى ولا تُخدَعي فينتزع القرطُ يا مارية

وهبي فإن لسمع الزمان رُنواً إلى صرخة داوية

تشدُ بها واجفات القلوب وتُروى بها المُهج الصادية

هذه الصورة الرمزية تضافرت في إبرازها قوى ابتكارية فذة -كما رأينا-، وبذلك يكون شاعرنا قد نهل من ابتكاره وابتداعه الذاتي ببراعة والجاً أحد منبعي الرمز، والذي يتمثل منبعه الآخر في التراث، أو ما يسمى بالحياة الواقعية والتراث الإنساني، والذي قُسِمَ من حيث كونه منبعاً رئيسياً من منابع الرمز إلى تراث تاريخي وأدبي وأسطوري وديني وشعبي،وفي التراث التاريخي يستنزل الشاعر الدلالات التاريخية على الأبعاد المعاصرة، وقد أورد الدكتور حسين قاسم (عدنان) مقتطفات من قصيدة (آهات أمام شباك التصاريح عند جسر النبي) للشاعرة الفلسطينية المبدعة فدوى طوقان لاتصالها اتصالاً وثيقاً بالتاريخ العربي والإسلامي، الذي استطاعت فيه فدوى أن تستحضر ليلى بنت لكيز التي أسرها الروم وهى في طريقها لتزف إلى زوجها، فأرسلت قصيدة قالت فيها ضمن ما قالت لزوجها البراق:

ليت للبراق عيناً فترى ما أُلاقي من بلاء وعناء

كما استحضرت المرأة الهاشمية التي اقترنت باستغاثتها للمعتصم، كما رفدت هاتين الشخصيتين التراثيتين بشخصية تراثية ثالثة؛ ليكتمل الموقف وتتضح صورته في بناء فني متماسك فأتت بشخصية هند بنت عُتبة التي أكلت كبد حمزة بن عبد المطلب في موقعة أُحد، والتي يتخذها العرب رمزآً لابشع واشرس صور الثأر، وكأنما أرادت الشاعرة أن تكون هذه الشخصيات الثلاثة مجتمعة في ظل هم ثقيل وهو الاحتلال الصهيوني لبلدها فلسطين، فصرخت قائلة:

آه وا معتصماهُ
آهيا ثأر العشيرة
آه جرحي مرغ الجلادُ جُرحى في الرُّغام
ليت للبراق عيناً
آه يا ذل الإسار
ألف هند تحت جلدي
جوع حقدي فاغر فاه
سوى أكباد هملا يشبع الجوع الذي استوطن جلدي
آه يا حقدي الرهيب المستثار

أما التراث الأدبي فقد يجئ باستخدام الشخصيات الأدبية أو أقوالاً مشهورة اقترنت، كما ورد عند الشاعر الفذ أمل دنقل، الذي حور أبياتٍ معروفة للمتنبي ليخلق بها رموزاً تحف بها دلالات إيحائية فقال:

ما حاجتي للسيف مشهورا

ما دمت قد جاوزت كافورا

وعيد بأية حال عُدت يا عيدُ

بما مضى أم لأرضي فيك تهديد

نامت نواطير مصر عن عساكرها

وحاربت بدلاً منها الأناشيد

ناديت يا نيل هل تجري المياه دماً

لكي تفيض ويصحو الأهل إن نودوا

عيد بأية حال عدت يا عيدُ

ونجد -أيضاً عندما نتحدث عن التراث الأسطوري- أن أمل دنقل في قصيدته (عشاء) قد استلهم إشارة أسطورية،وألبسها ثوباً يتسق وتجربته الشعورية العميقة، وملأها بمفازٍ رمزية جديدة من خلال تناوله لأسطورة مصاص الدماء، فبرزت الصورة الرمزية في النص كصدمة إيحائية شديدة الوقع ذات إيجاز وضربة قوية استثارت الحياة الباطنية ورعشاتها الحية عند الشاعر؛لتسري إلى المتلقي. فمصاص الدماء لا يتحدث ولا يسمع، إنما يرنو بعينيه الصغيرتين،ويلعق الدماء وهو ذاته الفساد الذي يمتص دم الشعب الذي لا يُسمع له صوت تقول الصورة:

قصدتهم في موعد العشاء
..
تطالعوا لي برهة..
ولم يرد واحد منهم تحية المساء..
وعادت الأيدي تراوح الملاعق الصغيرة
في طبق الحساء..
نظرت في الوعاء..
هتفت.. ويحكم.. دمي هذا دمي فانتبهوا
ولم يأبهوا..
وظلت الأيدي تراوح الملاعق الصغيرة
وظلت الشفاه تلعق الدماء
..
ولعل التراث الديني يعتبر من المصادر الكبيرة التي نهل منها الشعراء المحدثون رموزهم. يقول الشاعر محمد الواثق في قصيدته (أم درمان تشرق) :

رباه حلمك ما أم درمان منزلة
لقد خلقت بها الإنسان في كبد

إن كان حكمك أنَّا لا نغادرها
فاجعل لنا أجر من قد مات في أحُد

أو هب لنا منك صبراً نستعين به
أو ما حبوت به أيوب من جَلَد


وقد أخذ الشاعر نفسه في قصيدته (فضيحة أم درمان) شخصيات وأحداث ورؤى من التراث الديني تلميحاً وتصريحاً دارت حولها صورة الرمزية الرائعة أبانها في النص كما يلي:-

الناس جاءتك يا أم درمان كوكبة
منهم شفيقٌ ومنهم لائمٌ لاحي

قالوا سفينتنا قد حلها دنس
من فعل مبذولة الفخذين ممراحي

ما مريم ابنة عمران فنعذرها
أو مثل حواء قد هشت لتفاحِ

فقلت ما ضركم صارت لها ولد
عسيبُ ويحمي جانب الساحِ

القوه في اليم إن جارت سفينتكم
قد تزهق الروح تفدي بعض الرواحِ

فقال منهم زعيمٌ عابسٌ صلفٌ
يخفيهم بكريه الوجهِ مكلاحِ

إذا المؤودة في ملحودها سُئِلت
ماذا نقول لربِ الناس يا صاحِ

ثم الشريعة إنا ما نخالفها
فالجلد والرجمُ طهر بعد إصلاحِ

فالقرآن الكريم، والكتب السماوية المقدسة كانت منبعاً وَرَدَ منه الشعراء، وأخذوا منها شخصيات -كما رأينا في صور محمد الواثق الرمزية-، وفي أنموذج آخر نرى شخصية المسيح عليه السلام حينما حملته إلينا قصيدة (أغنية إلى يافا) بصفته رمزاً للفلسطيني المطارد والمعذب:

يافا.. مسيحك في القيود
عارٍ تمزقه الخناجر عبر صلبان الحديد
وعلى قبابك غيمة تبكي
وخفاش يطير

وقد ركن الشعراء إلى الإرث الشعبي بإمكاناته الثرة، وحكاياته الشعبية الغنية بأحداثها وشخصياتها التي ارتبطت في أذهان الناس بمواقف خاصة؛ كعنترة بن شداد، وأبي زيد الهلالي، وزرقاء اليمامة، وغيرهم ممن حفلت بهم ذاكرة المجتمع، أو بطون الكتب وفي هذا الإطار يكمن الإبداع الرمزي في مقدرته؛ للمزاوجة بين المواقف المعاصرة، وبين ما يمكن أن يقتطف من القصة الشعبية من أحداث أو شخصيات كما فعل الشاعر الشاب المقتدر بدر شاكر السياب حينما أدرك أن شخصية السندباد تستطيع أن تتشرب بالوقائع المعاصرة فقال:

رحل النهارُ

ها إنه انطفأت ذبالته على أفق توهج دون نار

وجلستِ تنتظرين عودة السندباد من السفار

والبحر يصرخ من ورائك بالعواصف والرعود

هو لن يعود..

سلك الرمزيون طرقاً مختلفة لبناء الصورة الرمزية، وابتكروا أساليب عديدة لاستخدام الرمز، ونجحوا بذلك في تصوير مشاعرهم المعقدة بعد أن أدركوا أن اللغة -بتراكيبها المألوفة- لا تقوى على مثل هذا العطاء الثر، وخطوا بالصورة الرمزية؛ لتصبح ذات كيان مستقل عن الواقع المحسوس وبذلك اختلفت الصورة الرمزية عن الصورة المجازية -سواء كانت استعارية أو تشبيهية- كما اختلفت عن التعبير بالكناية والتي ترتاد -أحياناً- تخوم الرمزية التي تُعد تطويراً لها فالتعبير بالكناية ترافق مع الأدب القديم، وسلك في شعاب التقليد ومدرسته التي اعتمد على القوانين العقلية المحضة وعالمها الواقعي المحسوس. وقد أشار «إيليا حاوي» إلى أن الكناية تباين الرمز في أنها مستفادة من الواقع فيما يبدع الرمز مَشا هد ه الحسية، أو يتفطن في المشاهد الواقعية إلى دلالات غير واقعية وغير مبذولة -وإن كانت صادقة-.

وأخيراً نقول إن مَنْ يجرؤ على الخلط بين الصورة الرمزية والصورة السريالية اللتان تتشابهان في إقصاء المنطق بمعايير الواقع المحسوس فهو مخطيء وواهم فالنزعة السريالية التي شاعت في بيئات الأدباء القائلين بتحرير الشعر عن المنطق والقيم الأخلاقية وإقصاء الجمال بالتحليق به بعيداً في عالم التجريد؛ ليعبِّر عن فكرة أصيلة تغوص -أحياناً- في اللا شعور فأفسحوا بذلك الطريق لإظهار مكبوتاتهم في صور محمومة لا تلائم طباعنا، ولا وثبتنا أو مواريثينا القومية)

هذا هو راي الاستاذ الكاتب في الرمزية في الشعر المعاصر عموما

اما انا فاقو ل ا ن الرمزية اثبتت وجودها كفن من فنون التعبير في الشعر الحديث والمعاصر وعبر قصائد شعراء الرمز بما يعبر عن عواطفهم وما يختلج في اعماق قلوبهم وانفسهم بها افضل تعبير الا اني الوم بعضا منهم على هذا الغلو الجانح في الرمزية الى حد الابهام و التعبير الذي يجعل من الرمز جدارا قويا عاليا صعب المرتقى لا يرتقيه احد الا الشاعر ذاته بحيث اصبح حاجزا بينه وبين القراء والمتلقين ومحبي الشعر عامة.

---------------------------------









طبيعة الشعر المعاصر و شكليته

إن الحديث عن الشعر العربي قديما وحديثا يتوجب ان ينطوي على مبالغة كبيرة في تحديد المفاهيم التي ينبغي توظيفها حينما نسعى إلى توصيف الوضع المراد توصيفه.
فالشعر العربي يمر بمرحلة كمون وفتور وتراجع للأدوار الشعرية التي كان يضطلع بها . لكن أن نقول إنه يعيش او يموت فهذا القول فيه مبالغة قد تخل بالتفكير الموضوعي او الجاد في الموضوع .

من هذا المنطلق أرى أن الشعر لا يضمحل ولا يتقهقر، وذلك لأنه جوهر الإنسان ومنطلقه الوجداني. نابع من أعماق وجدانه متمثلا في جريانه وتسجيله عواطفه الفياضة و ربما تزاحمه بعض الوسائل والأشكال التعبيرية الأخرى في ادواره التي وجد من أجلها، .

أما وجهة النظر التي ترى أن أحد مظاهر حالة الشعر العربي يتمثل في انتشار قصيدة النثر او قل الشعر الحر على حساب القصيدة العمودية ، فأعتقد بأن هذا الانتشار إنما يندرج في إطار التجديد والتطور اللذين تعرفهما الكتابة الأدبية بشكل عام. وأما البقاء فيكون للأصلح والأعمق والألصق بالامور الشعرية من حيث كونها نابعة من الوجدان، ومخاطبة له اي ان القصيدة العربية الجيدة تفرض نفسها وبقاءها وخاصة اذا كانت نابعة من قلب شاعري شديد الاحساس بما يكنه اتجاه الشاعر وطنه وامته او يعبر بما يختلج في قلبه من عواطف ومشاعر وما يرتبط به من تخييل ومحاكاة وتشبيه وصور شعرية رائعة تعبرعن المفاهيم الادبية والتعبيرية والنقدية.
أن السعي إلى تحديد مفهوم معين للشعر أو ماهيته قد يرتبط بالظروف والمعطيات التي تفرزها حقبة زمنية معينة أي أنه ليس ثمة مفهوم محدد للشعر يمكن أن نجعل منه منطلقا لقياس مدى انسجام القصائد والأشعار المنظومة في وقت ما مع هذا المفهوم. لذلك قد يكون مجتمع معين يعيش في أسفل هرم التطور والتقدم، بينما الشعر أو الأدب في هذا المجتمع قد يكون في أزهى أشكاله والوانه التعبيرية. فهذه موريتانيا الدولة الفتية الصغيرة تسمى ( دولة المليون شاعر) لكثرة شعرائها مما يدلل على ان الشعرليس حكرا على بلد واحد او انه ينمو في منطقة ولا ينمو في اخرى و في اغلب الاحيان وربما يكون العكس اي ان الشعر في الاغلب غير خاضع للزمن
الا بقدر معين.
. لكن هذه المحاولات والثّورات الشّعرية لم تنجح في تحرير ا و تطوير القصيدة العربيّة من قيودها القديمة. ثم ظهرت الموشحات في الأندلس بهدف تحرير الشّعر من قيود القافيّة الموحّدة حيث أوجدت الموشحات لنفسها أوزانا شعرية خفيفة تناسب مجالس الغناء التي انتشرت في ذلك العصر، ثم تبعتها محاولات المدارس الشعرية الجديدة كمدرسة الديوان، وأبولو، والمهجر، لكن هذه المحاولات لم تنجح في تحرير القصيدة العربية من قبضة البيت العمودي فبقي الشّاعر أسيرا لوحدة البيت رغم تطوير الألفاظ والأساليب وتعدد القوافي والأوزان في القصيدة الواحدة وقد بينت كل ذلك في فصول هذا الموجز المتقدمة حتّى ظهرت مدرسة الشعر الحر. ولعلّ السّبب في ذلك الفشل يعود إلى سيطرة الأفكار والمفاهيم التّقليدية على حياة المجتمع العربيّ طوال تلك العصور والتي كانت تقف ضدّ التّطور الفكري والثّقافي للحفاظ على مصالحها الشّخصيّة ولم يجرؤ احد على تغيير او احداث طفرة تغييرية في مجال الشعر واسعة . كما أن هناك أسبابا أخرى حالت دون هذا التّطور.
ان ضيق المساحة التي كان يدور حولها الشّعر قديما حيث لم يضطلع على الثّقافات والحضارات المختلفة. لكن الواقع العربي في منتصف القرن العشرين كان قد بلغ وتكامل وظهرت عليه علائم و بوادر تخلف وبدأت الحقائق الكثيرة المؤلمة تظهر أمام عيني الشّاعر المعاصر والتي عبّأت مشاعره بالألم والجراح والمحنة وخاصّة بعد مأساة فلسطين سنة\ 1948 وانهزام الجيوش العربية.

ولقد استطاعت الشّاعرة العراقيّة نازك الملائكة أن تصوّر حياة الجيل العربي الذي نشأ خلال الحرب العالميّة الثانيّة فقالت : (لقد نشأ جيل خلال الحرب العالميّة الثانيّة وفتح عينيه على هذا الوجود المظلم فلم يجد فيه ما يسرّ حيث رأى الجمود والعذاب والصّرامة والتّزمت الأعمى والضّغط وكبت العواطف،ورأى القيود الرهيبة، كما رأى نفسه المتطلّعة التّواقة للحبّ والحياة ، لكنّه لم يستطع تحقيق رغباته وأمانيه، فانطوى على نفسه ليعيش في غربة الضّياع والآلام).
,والشاعر ليس منطلق من الوزن ولا من القافية بل على العكس استمر بالتمسك بالوزن العربي والقافية والموسيقى العروضية العربية:
. فالشاعر يتوجب ان يكون قادرا على تحمل المسؤولية الكاملة إتجاه ذاته وكيانه العربي وقضايا مجتمعه وهذا بديهي أن يكون الشاعر حرا في اختيار عدد التفعيلات في كل سطر شعري بما يتناسب ودفقاته الشعرية وحالاته النفسية.

وكان أول من أطلق هذا الإسم واعني به الشعر الحر الشاعران العراقيان نازك الملائكة وبدر شاكر السياب وقيل ان اول من قال فيه الشاعر المصري صلاح عبد الصبور . وقد عرفت نازك الشعرالحر في كتابها( قضايا الشعرالمعاصربقولها (إن الشعر الحر هو الذي لا يتقيد بقافية واحدة ولا ببحر واحد، ويقيم القصيدة على التفعيلة بدلا من الشطر محطما بذلك استقلال البيت العمودي من أجل دمجه مع الأبيات الأخرى في بناء فني متماسك ) أن الشكل الثوري الجديد للشعر العربي لاينبع ولا ينبت إلا من مضمون الأفكار الثورية الجديدة التي تنبع من واقع الإنسان العربي المعاصر، ولكي نخلق إنسانا ثوريا جديدا قادرا على تغيير الأوضاع السياسية والإجتماعية المتعفنة والتي أدت إلى انهزام الإنسان العربي المعاصر فلابد إذن لنجاح هذا التغيير من حيث المفاهيم والأفكار القديمة والعادات والتقاليد التي ترسبت في أعماقه مند مئات السنين. لذلك فإن الشعر الحر ليس مجرد ثورة على الأوزان والعروض والشعر العمودي كما يتوهم بعض الناس، لكنه ثورة شاملة للمضمون أولا والشكل ثانيا لأن مضمون الأدب المعاصر ليس مضمون مناسبات من فخر أو مدح أو رثاء ولا وصف عواطف ذاتية مريضة وإنما هو مفهوم فكري وثوري شمل الصراع الدائم بين الخير والشر وبين الحرية والعبودية وبين الوجود والعدم لأن الأديب الحقيقي والشاعر الثوري لا يكتفي بمشاهدة الحريق الذي يلتهم أ مته ووطنه ومجتمعه ويقف متفرجا على آلام الإنسان وهو يتعذب فيها بينما يعيش هو في عالم الأحلام والخيال وسط برجه العاجي أو هاربا إلى أحضان الطبيعة والغاب يجتر آلامه وأحزانه في رومانسيته المعتادة، وإنما الشاعر الثوري هو الذي يحمل الراية أمام الجماهير ويعبر عن آلامها وأمانيها جاعلا من جسده جسرا تمر من فوقه الأجيال ومن روحه منارا تضيء حياة الحرية للأمة بكليتها مهما كلفه ذلك من ثمن، ومن ثمة يتحول الأدب من وسيلة للتكسب والإرتزاق إلى سلاح قوي يشق به الإنسان المعاصر طريق امته الى شاطئ الحرية والكرامة.
وهناك بديهة اخرى وذلك ان الشعر لم ينشأ من العدم والفراغ بل نبتت جذوره في هذا المجتمع لظروف سياسية واجتماعية وثقافية والدليل على ذلك إنتشاره الواسع من المحيط إلى الخليج ووجوده حيث وج الانسان العربي واستمراره حيّا حتى اليوم وسيبقى مادام الانسان على وجه الارض ويحمل بين جنبيه قلبا نابضا وفؤادا يختلج ونفسا يملؤها الحنين والشوق للجنس البشري وما حوله عامة

ان نزوع الشاعر العربي المعاصر إلى واقعه الإجتماعي والسياسي والإقتصادي وهروبه من عالم الرومانسية الحالمة التي سادت الشعر العربي الحديث. يبين وثبت حنين الشاعر المعاصر وتطلعه إلى استقلاله الذاتي وبناء شخصيته المستقلة بعيدا عن التقليد والمحاكاة للأخرين .

ان .إهتمام الشاعر العربي المعاصر بالأفكار والمضامين الجديدة وخاصة قضايا الإنسان المعاصر السياسية منها أو الإجتماعية أكثر من اهتمامه بالشكل القديم جعله اكثر ارتباطا في تربة وطنه وانسانه العربي وتعرف على كل ما لهذا المجتمع من قسوة وشدة وخاصة في الظروف السياسيةو الإجتماعية، والإقتصادية، التي كان يعاني منها الشعب العربي خاصة بعد هزيمته في حرب فلسطين، مما جعل الشاعر العربي يتساءل عن اسباب هذه الهزائم، وهذا العار رغم ما تملكه الأمة العربية من إمكانات مادية، بشرية، ومعنوية لا حدود لها وكذلك تأثر الشّعراء المعاصرين بالثقافات الأجنبية المتعددة واطلاعهم على أفكار، وآراء، وقضايا هذه الشعوب مما زاد في حصيلتهم الشعرية، والثقافية. مما زاد من وطنيتهم وحبهم للعروبة .
لاحظ هذه المقطوعة للشاعر محمود درويش:
مرالربيع سريعا
مثل خاطرة
طارت من البال
قال الشاعرالقلق
في البدء اعجبه ايقاعه
فمشى سطرا فسطرا
لعل الشكل ينبثق
وقال قافية اخرى
تساعدني على الغناء
فيصفو القلب والافق.

ولذا يبقى الشاعر العربي مرتبطا بل لصيقا بتربة وطنه وامته مدافعا عنها حاميا لها صداحا بها في كل قصائده وكل ما يكتب او ينشد .


**********************************
















الشعر المعاصر بين التعبير والتجريد

ان الاساليب الشعرية العربية اختلفت وتشعبت في
هذا العصر بين الحداثة والمعاصرة كثيرا عما كانت عليه في العصور السابقة كالعصر الجاهلي والاسلامي وما بعدهما حيث اوضحنا في هذا الموجز الاساليب الشعرية في كل عصر من العصور وما زاد فيها او نقص وكانت متوازية مع القصيدة العربية الا في هذا العصر فقد عظمتها التحولا ت العلمية والثقافية والادبية وشعبتها الى اساليب كثيرة.
واذا كانت هذه التحولات كثيرة في قصيدة العمود الشعري او في القصيدة العربية القديمة في اسلوبها ومعا نيها فانها في قصيدة النثر الشعري فاقت ذلك كثرة اسلوبية وتعقدت المعايير بحيث يصعب تحجيمها او الهيمنة النقدية على كل اساليبها المختلفة او قل ان لكل شاعر اسلوبا خاصا به ولكل كاتب واصبح من الصعب ايجاد قاسم مشترك بين كل هذه الاساليب المتعاركة في مدينة الشعر وطرقاتها الكثيرة ومتاهاتها المختلفة.
ان الاساليب الشعرية المعاصرة والحديثة والتي تتمثل في الشعر الحر او قصيدة النثر مهما كثرت زواياها واختلفت طرقها فانها تتمثل في مجموعتين أسلوبيتين هما الأساليب التعبيرية والأساليب التجريدية.
يتمثل الاسلوب التعبيريّ بالنمط الذي تنتجه أشكال اللغة الأدبية اسلوبا ملونا بلون من المعايشة غير المباشرة أوغير المعهودة، حيث تقدم نوعاً من الحقائق المبتكرة بتحريف يسير للغة المعبرة وتفعيل معقول لكل آليات التوازي والاستعارة والترميز بشكل يؤدي إلى الكشف عن التجربة الادبية الحرة في مستوياتها العديدة التي قد تصل إلى أبعاد محددة لكنها تظل تعبيرية في الحقيقة المكنونة .
أما الأساليب التجريدية فتعتمد على زيادة معدلات الانحراف وتغليب الإيحاء والرمز على التصريح فتعطي القصيدة إشارات مركزة يتعيّن على المتلقي إكمالُها وتنميتها من الداخل مع فارق جوهري بين التعبيرية والتجريدية يتمثل في إشارة الأولى إلى التجربة السابقة على عملية الكتابة نفسها سواء أكانت حقيقية أم تخيلية، واختفاء هذه الإشارة في التجريدية بناء على غيبة هذه التجربة فتكون متجردة منها .
يندرج تحت التعبيرية أربعة أساليب، هي:
1-الأسلوب الحسي يتمثل طرديا حيث تزيد فيه الإيقاعية والنحويّة؛ في حين تقل درجة الكثافة والتشتت والتجريد،
2- الأسلوب الحيوي الذي ينمي الإيقاع الداخلي ويعمد إلى كسر يسير في درجة النحوية ويتوافر فيه مستوى جيد والتنويع من دون أن يقع بالتشتت.
3- الأسلوب الدرامي الذي يعتمد على تعدد الأصوات والمستويات اللغويّة، ويحقق درجة من الكثافة والتشتت من دون أن يخرج عن الإطار التعبيري.
4- أسلوب الرؤيا الذي تتوارى فيه التجربة الحسيّة مما يؤدي إلى امتداد الرموز في تجليات عديدة ويفتر او يضعف الإيقاع الخارجي فيها ولا تنهض فيه أصوات مضادة، ويحقق مزيداً من الكثافة مع التناقص البين لدرجة النحويّة الأساليب . فمن الاسلوب الحسي تلاحظ ان شعر نزار قباني ا فضل نموذج للشعر الحسي، و في شعر بدر شاكر السياب نموذجاً للشعر الحيوي، أما الشعر الدرامي فيتمثل في شعر صلاح عبد الصبور الشاعر المصري من خلال نتاج صلاح ؛ في حين يكون الأسلوب الرؤيوي ممثلا بشعر عبد الوهاب البياتي وهكذا بقية الشعراء لكل منهم نوع مميز واسلوب خاص وكثير منهم جمع اكثر من اسلوب في شعره .
اما اذا اردنا ان تكون كل هذه الاساليب مجتمعة بواحد فخير مثال لنا هو شعر محمود درويش كنموذج للتحولات التي تتسع لكل هذه الأساليب التعبيريّة، فقد بدأ من الأسلوب الحسي الذي خرج فيه من تا ثير نزار قباني فيه لانه يعتبره معلمه الاول ، ومثّل على ذلك قصيدة (بطاقة هوية ) حيث تتميز ببنية بالغة التحديد في التنظيم المقطعي تمثل الواقع الواقع الحسي الملموس بحيث تتحول انماط الكلام فيها الى وقائع ذوات قوام فعلي وقانوني وتشتمل على كثافة وجودية محددة في مقابل تهويد الارض العربية في فلسطين وتهويد انسانها الجديد او المستقبل في الاقل وطمس الهوية العربية في فلسطين وتاتي تحقيقا يتسم بالكفاءة والفعالية والخصوصية لاسلوبية تقتضي نقل الحدس الشعري بجمالية وواقعية مبينة . اذ يقول فيها :

سجل انا عربي

ورقم بطاقتي خمسون الف

واطفالي ثمانية

وتاسعهم سياتي بعد صيف

فهل تغضب
_____________

سجل

انا عربي

واعمل مع رفاق الكدح في محجر

واطفالي ثمانية

واسل لهم رغيف الخبز

والاثواب والدفتر

من الصخر

ولا اتوسل الصدقات من بابك

ولا اصغر

امام بلاط اعتابك

فهل تغضب

وانتقل إلى الأسلوب الذي اجتمعت فيه الحيوية والدرامية، كما هو الحال في قصيدة كتابة (على ضوء بندقية ) وانتهى الى اسلوب الرؤيا الشعرية الذي تمثله قصيدة( أرى ما أريد ).

وربما تكون التجريدية تقتصر على أسلوبين فقط يتداخلان فيما بينهما هما: التجريد الكوني الذي تتضاءل فيه درجات الإيقاع والنحويَّة إلى حدٍّ كبير، مع التزايد المدهش لدرجتي الكثافة والضياع، ومحاولة استيعاب التجربة الوجودية الكونيّة باستخدام بعض التقنيات السيريالية والصوفيّة الدنيويّة .
الثاني : التجريد الإشراقي الذي ربما يقع على خط الاتجاه السابق معترضا اياه في سلم الدرجات الشعرية، مع التباس أوضح بالنظرة الشعرية والنزوع الصوفي الميتافيزيقي، والامتزاج بمعالم ورؤى ايجادية تختلط فيها الأصوات المشتركة والرؤى الحالمة المبهمة، مع نزوع روحي بارز يعمد إلى التراث الفلسفي بدلا من الضياع في التراث العالمي ..
ولعل الإسراف في الحداثة والمعاصرة بشكلها الشعوري الحالي هذا الشعور الذي تحمل موادّه دلالات عميقة موروثة، قد يميل الشاعر إلى تشكيلها من جديد فإن وجودها الظاهر في هذا التشكيل الجديد يحيل إلى موروثها بوصفه غائباً يحضر لدى المتلقي لمجرد وجوده في النص، فيشعر او يحس بعداً أيديولوجياً ، وان أهم الملامح الأسلوبيّة في شعر هذا الاسلوب متمثلا بضياع القناع، والأسلوب الصوفي في شعر الصوفيين،
على الرغم من إيراد هذا التعريف للأسلوب التجريدي لم يرد لحد الان تمثيل صريح له وهذا ما يجعل تصنيف الأساليب الشعريّة الموغلة في التجريديّة معلقاً في الهواء، فالناقد يطرح فرضيّة جديدة لم تأخذ حقها من التطبيق فيما يتعلق بالشعر التجريدي الإشراقي. هذا ما لاحظناه في شعر قصيدة النثر او قصيدة الشعر الحر بعد ان تم فك الشعر من عقاله التقليدي وهب قائما يتخطى بخطى وئيدة كيفما يشاء ويتلمس الامور كيفما احب الشاعر اواراد .

*************************************

















بناء القصيدة العربية المعاصرة



ان بناء القصيدة العربية المعاصرة من موجبات الحداثة الشعرية اذ توحي الى تعزيز وتأسيس وعي هذه التجربة لدى الشاعر والناقد على حد سواء لذا فان بنية القصيدة العربية المعاصرة تؤكد لنا بأنها القصيدة التي يبرز فيها الانسان في الشاعر، وموضوعاتها مستمدة مما يخص الشاعر ذاته ويتضح فيها حالتان: اولاهما :
ظاهرة والآخر ى مضمرة .

ونجد في الحالة الظاهرة البينة الواضحة للشاعر والمتلقي والناقد في سيرة لشخصية الشاعر ونستشف من الحالة الثانية غير الواضحة الدلالة او المضمرة كل العلاقات والدلالات التي يتوخاها الشاعر دون ان يصرح بها، والوصول الى ذلك هو الاهم في قراءة هذه القصيدة، كما يتبين ايضا ان بنية القصيدة المعاصرة المتكاملة تتميز بالبناء الدرامي الذي يقوم على التعبير بالشخوص الواضحة او المقنعة او شبه الرمزية وبالحدث والصراع، وقد هذب هذا البناء العناصر الغنائية التي لابد من حضورها في بنية القصيدة ،بصفتها احد العناصر الشعرية التي لابد منها، فغد ت بعيدة عن التقرير والمباشرة والنغمية التي لا تستهدف سوى نفسها، وتسيء الى النمو العضوي ومفهوم التكامل في بنية القصيدة المعاصرة.‏

والقصيدة المتكاملة تكمن في كونها احدى مظاهر التجديد بل اهمها ،وهي متصلة بالتراث تتعامل معه من منظار جد لية الحداثة الشعرية، فتستمد منه شخوصها واقنعتها وبعض احداثها، ولكن الشاعر لايعيد صياغتها، كما جاءت في القصيدة الشعرية القديمة، وانما يستعير حركة او موقفاً او حدثاً مناسباً ويحاول بواسطة الاسقاط الفني ان يوظف ما استعاره توظيفاً ينسجم مع المعاصرة الشعرية وفنيتها ،ولذلك تبدو القصيدة المتكاملة اشبه بحالة او بمركبة يتداخل فيها الماضي والحاضر وتتلاقى فيها الاصالة والمعاصرة الايجابية والسلبية ، والذات والموضوع للتعبير عن تجربة معاصرة ايجابية .‏

لذا فان القصيدة المتكاملة تعبير بالتراث عن المعاصرة وبالماضي عن الحاضر. والعلاقة بين الشاعر وتراثه علاقة صميمية جدلية، يتبادل فيها الشاعر والتراث، التأثر والتأثير وان مفهوم الحداثة غير متناقض مع مفهوم التراث فالحداثة تكون حتما من التراث ، وهي تنبثق منه كانبثاق الغصن من الساق و انبثاق الساق من الجذو ر وكذلك التجديد فالتجديد الشعري ذو ثلاثة اطوار متلازمة متفاعلة هي:

1-المؤثرات الخارجية المساعدة
2- المكونات التراثية
3- موهبة الشاعر

وان التأثر سمة انسانية مشروعة تشترك فيها الشعوب وهي لا تعني النقل عن الاخر وانما تعني المعرفة والاطلاع وبذلك سيفضي الى الابداع والاصالة، حيث كان للمدارس الادبية المختلفة ولبعض الشعراء الغربيين تأثير في بنية القصيدة العربية الحديثة،
فالرومانسية ساهمت في إحياء النزعة الغنائية،
والرمزية ساهمت في تعميق الاحساس الداخلي واستخدام الاسقاط الفني في الاغلب واضيف ان الرمزية غير مكتسبة انما نابعة من تراثنا الشعري واستحدثت تبعا للتطور والتجديد ،
و السريالية عمقت غنائية اللغة والصورة الشعرية والموضوع وحرية الكشف والتعبير.

وتجلت التأثيرات الكلية العميقة بالانتقال في بنية القصيدة من وحدة البيت الى الشكل العام ، ومن الذاتية الى الموضوعية، ومن الغنائية الى الدرامية، ضمن المكونات الغربية في بنية القصيدة العربية المعاصرة، اهمها ثلاثة:
المكون الاسطوري
والمكون التاريخي
والمكون الادبي.‏

كما نرى ان القصيدة استفادت في بنيتها وشكلها العضوي من القصيدة والنقد الأوروبيين اللذين كان لهما دور مباشر في توجيه شعرائنا الى الاستفادة من تراثنا والالتفات الى التراث الغربي بأساطيره واشكاله الفنية للتعبير عن تجارب معاصرة وهذا سبب من اسباب الغموض في القصيدة المتكاملة ،وهو في الوقت ذاته سبب من اسباب ثرائها وتعدد اصواتها ودلالاتها. وتطورها نحو الافضل‏.

اما الموضوعات الغنائية، وغنائية التعبير في بنية القصيدة المتكاملة وقد لقِّحت بالعناصر الدرامية لتخاطب الاحاسيس والعقل معاً وتمتزج فيها الذات بالموضوع ويتعادل التعبير والاحساس وتغدو اللغة والصورة والايقاع أدوات موظفة جديدة ثابتة و ان القصيدة المتكاملة كانت نتيجة للتحولات الاجتماعية والاقتصادية التي طرأت على مجتمعنا منذ منتصف القرن العشرين ،فالمجتمع الاستهلاكي افرز موضوعات الموت والاغتراب كما انها ناجمة عن جهود الشعراء المتواصلة منذ بدايات القرن العشرين للنهوض بالقصيدة المعاصرة.‏ لاحظ بدر شاكر السياب يقول:

في كلِّ قطرةٍ من المطرْ

حمراء أو صفراءَ من أجنةِ الزَهَرْ

و كُلُّ دمعةٍ من الجياعِ و العُراةْ

و كلُّ قطرةِ تُراقُ من دمِ العبيدْ

فهي ابتسامٌ في انتظار مَبْسِمٍ جديدْ

أو حلْمةٌ تَوَرَّدتْ في فم الوليدْ

في عالمِ الغدِ الفتيِّ , واهبِ الحياةْ !

كما ان بنية القناع في القصيدة العربية المعاصرة، و مجالات استخدامه ومصادره، فهو وسيلة درامية للتخفيف من حدة الغنائية والمباشرة وهو تقنية جديدة في الشعر الغنائي لخلق موقف درامي او رمز فني يضفي على صوت الشاعر نبرة موضوعية من خلال شخصية من الشخصيات ، يستعيرها الشاعر من التراث او من الواقع، وقد استعاره الشعراء من الاساطير او الشخوص الدينية او من التاريخ العربي او من التراث الادبي كما فعل بعض شعراء الحداثة حين استعاروا اقنعة لوجوه شعراء كطرفة بن العبد وابي نواس والحلاج وغيرهم.‏
وان هذا الشاعر لابد ان يكون مثقفا ثقافة عالية بالضرورة حيث انها تظهر في شعره واضحة المعالم، فهو يطوف في التاريخ القديم والأساطير والتراث للبحث عن متكأ او مرفعا او وسيلة او موقف تحمل افكاره ورؤاه، وان هذه القصيدة تميل الى الطول فهي في بعض اعمال الشعراء يعتبرها كتاب كامل، لما فيها من امور متكاملة.

ان بعض الشعراء المعاصرين استفادوا من العناصر الدرامية في خلق شخصية غنية معقدة، فاتجهوا الى التراث بأنواعه للتعبير عن تجارب معاصرة، وهذا يؤكد اصالة القصيدة المتكاملة، وسنكتشف ان الشخصيات الدرامية التي ابتدعها هؤلاء الشعراء ذات خلفيات مختلفة، فبعضها من الماضي والآخر من الحاضر وبعضها من الدين او الادب او الواقع الاجتماعي، وبعض هذه الشخصيات ذات منبت اجتماعي طبقي او ذات مهن اجتماعية وضيعة وذات هموم معيشية وهذا ما يثبت ارتباط القصيدة المتكاملة بواقعها الاجتماعي.‏

ان عناصر البناء العام وتكامل القصيدة وهي: الحكاية والحدث وصلاته بالشخصية وسماتها من جهة، وبالحتمية الناجمة عن تكوينها من جهة ثانية مبيناً من خلال الحكاية والحدث الدرامي والصراع والحوار الدرامي وبناء الحدث ان الحكاية تكتسب اهميتها الفنية حين يمتلك الشاعر المقدرة على توظيفها توظيفا معاصراً، وان الحوار الجيد والصراع المتين يؤديان دوراً بارزاً في بناء الحدث ورسم ابعاد الشخصية الدرامية وبناء القصيدة المتكاملة، وان العناصر الغنائية تغتني بالعناصر الدرامية فيتلون الايقاع والصورة بتلون احساسات الشخوص ليشكلا الايقاع والصورة ، كما ان القصيدة المتكاملة شبكة من العلاقات التماثلية والسلبية المتفاعلة، فهي ذات اصوات وابعاد ومستويات ينجم عنها التكافؤ بين الدلالة التراثية والدلالة المعاصرة.‏

أخيراً.. تظهر الخاتمة ونكتشف مدى عمق البحث واصالته فهو يقف عند بنية القصيدة المتكاملة، يحللها ويدرس جوانبها المختلفة بل ويعيد تعريف جملة من المصطلحات النقدية التي تقربنا من القصيدة الحديثة وتقربها منا .ولعل في ذلك جهداً يود لو يوضح الحقيقة ويفكك كل تفصيلاتها كي يقيم منارات يهتدي بها الباحثون والمنقبون عن الحداثة وتطوراتها وتجلياتها، وتؤكد ان اتجاه الشعراء الى التراث الثقافي او المعرفي يختارون منه الشخوص والحكايات،هو اشبه بردة الى الماضي للامتداد منه الى الحاضر فنسمع من خلاله اصواتنا ونرى ونتلمس احساساتنا ونعي مشكلاتنا، من خلال رؤية معاصرة تقوم باحياء التراث وتوظيفه توظيفا ًمعاصراً على نقيض ما كان يفعله شعراء حركة الاحياء في عودتهم الى بعض عناصر التراث.

لقد كان الماضي هدفاً لهم يعودون اليه لبيان جمالياته وتقديسه والوقوف عنده ،وهكذا تجمع القصيدة المتكاملة الاصالة والحداثة فهي لا تتخلى عن الاصالة بحجة الحداثة،ولا تتخلى عن الحداثة بحجة التمسك بالتراث كما في الطريقة المثلى في رسم الشخوص والاتجاه نحو التعبير الدرامي وقدرة الشاعر على الامساك بالخيوط الدرامية والخيوط الشعرية التي تنسج القصيدة المتكاملة.‏





*****************





النغم والايقاع



ان النغم او الايقاع هو توزيع الصوت ومداه بمقتضى حركات معينة والموسيقى نوع من انواع الايقاع والنغم وجد منذ وجد البشر على الارض فهو ملازم للانسان منذ القدم وقد تمثل في القديم في دندنة الانسان القديم مع نفسه في حال فرحه وحزنه حين تغلب عليه عاطفته فيصفق بيديه فرحا او سرورا او يبكي نشيجا يعبر عما في مكامن النفس الانسانية من عواطف او خوالج نفسية .

مر الايقاع او النغم بمراحل زمنية عريقة على مر الدهور والازمنة وانتقل هذا الفن بين الشعوب بمراحل ملازمة لمراحل تطور الانسان نفسه وحاجته اليه حتى اصبح فنا واسعا وانغاما لها خاصيتها في كل شعب وفي كل عرق انساني . فالشعب الاثيني اختلفت ا يقاعاته عن الشعب الفارسي والروماني عن العربي وهكذا والشعب العربي في المدن مثلا اختلفت انغامه عن الساكنين في البادية والصحراء فالاختلاف حاصل بين هذا وذاك وحتى في المفصل الواحد.
فالنغم او الايقاع العربي عرف بحركات الشعر العربي او في الغناء العربي اللذين هما جزء من كل وتطور بمرور الزمن حسب متطلبات كل مرحلة وعصر وغير حسب المكان ايضا بين ابنا ء الصحراء والبادية والحضر والمدينة وكان حصيلة هذا التطور هذه البحور الشعرية المستنبطة من النغم العربي الحاذق التي اتخذت كما قيل من حركات سير الابل مثلا.

ولو ر جعنا تاريخيا لوجدنا العناية بالنغم العربي وجدت في او قبيل العصر الاموى مكتوبة مثل كتاب( الاغاني ) لابي الفرج وتطورت في العصر العباسي هذه الانغام لتصبح فنا مستقلا واسعا علي ايدي فطاحل العلماء والفلاسفة العرب ومؤلفات الفارابي والخليل ابن احمد و اسحاق الموصلي والكندي خير دليل على ذلك والبحور الشعرية التي وجدت انغامها منذ الجاهلية سماعا ضرب من ضروب الايقاع او اللحن كانت غير معروفة كفن وقد اظهرها الخليل الفراهيدي ووزعها ايقاعا في ستة عشر بحرا او لونا موسيقيا سميت بحور الشعر لا زالت قائمة لحد الان ولم يخرج عنها شعراء العربية فهي تمثل اساس الايقاع العربي وقمة الانغام في الشعر العربي وقد تفرع منها الموشح والدوبيت وغيره تبعا لظروف العصر وحاجة الانسان الى نوع جديد من الغناء او النغــــــــــــم وجميع هذه الانغام لا تخرج عن اصولها فهي بالاصل حركات صوتية معينة صدرت في زمن معين .

فمثلا بحور الشعر جاءت لكل بحر حركات خاصة به
فالبحر الطويل تكون حركاته على وزن فعولن \ مفاعلين \ فعولن \ مفاعل ونرمز اليه ن - - \ ن- - - \ ن - - \ ن – ن - \
والبحر الكامل اختلفت ايقاعاته عن الطويل وكثرت حركاته وجاءت مثلا على وزن متفاعلن \ متفاعلن \ متفاعلن او نرمزله ن ن - ن - \ ن ن– ن \ ن ن – ن - \
وبحر الهزج او بحر الحداء كما يسمونه جاء على وزن مفاعيلن \ مفاعيلن \ مفاعيلن \ ويرمز اليه ن - - - \ن - - - \ن - - - وهكذا بقية بحور الشعر وقد دخلت عليها - بمرور الوقت والحاجة الى التنغيم الجديد - الخبن والحذف والخبن والشطر و- - -و---

اما الايقاع الموسيقي او النغم الموسيقي لربما يخرج عن فن الايقاع الشعري الا انهما متلا زمان مترابطان ولد احدهما في رحم الاخر وترعرع معه وفي كنفه فالايقاع الموسيقي العربي ودساتين هذا الايقاع هي السبابة والوسطى والبنصر والخنصر على التوالي اساسا لنغم الموسيقى وقد جعل اسحاق الموصلي هذه الانغام تسعا وضوعفت بمرور الوقت فاصبحت ثماني عشرة نغمة فقط وقد بنى العرب ألحانهم على انغام و ايقاعات معينة اذكر منها على سبيل المثال مايلي :-

1 - الثقيل الاول متكون من ثلاث نقرات متالية ثم نقرة ساكنه ثم يكرر او تعاد لتشكل نغما موسيقيا خاصا ويرمز لها\ نن ن –

2- الثقيل الثاني متكون من ثلاث نقرات متوالية واخرى ساكنة تتبعها اخرى متحركة ويرمز لها \ ن ن ن - ن
3– خفيف الثقيل متكون من ثلاث نقرات متتالية لا يمكن ان يكون بين واحدة زمن نقرة وبين كل ثلاث نقرات نقرتان زمن نقرة ويرمز لها
ن ن ن – ن ن \
4 - الرمل متكون من نقرة منفردة تتبعها نقرتين متتاليتين بحيث لا يمكن بينهما زمن نقرة وبين رفعه ووضعه زمن نقرة ويرمز لها \ ن \ن ن ن \
5 - خفيف الرمل متكونة ايقاعاتها من نقرات ثلاث متحركات يرمز لها \ن ن ن
6- خفيف الخفيف متكون من نقرتين متتاليتين لا يمكن بينهما نقرة زمن ثم يكرر كل نقرتين زمن يرمز \ ن ن .

من هذا السلم يتبين ان الالحان الموسيقية والاوزان الشعرية مترادفة مترابطة متكاملة نابعة احدهما من الاخر فالغناء العربي واللحن الموسيقي احدهما يتمم الاخر ويكون جزء منه وقد تطورت بالانقسام و الانشطار او التداخل بين الخفة والثقل تبعا لحاجة العصر وتطور الاذن السمعية لموسيقها التي تحب ونزعتها لسماع نغمة جديدة اتية من حالة الابتكار او التوليد متفاعلة مع التقدم الحضاري وحالة الشعوب على اختلاف مواقعها ومواطنها عامة.

ان قراء المقام العراقي على سبيل المثال وقراء المصحف الشريف وقراء المواليد والأذكار لا تخرج إعمالهم عن كونها أنغاما وإيقاعات موسيقية نغمية وصوتية اختلفت بين قارئ واخر حسب نوع الايقاع واللحن المتبع لهذا او ذاك وتلونت بنفس ألوان الموسيقى والنغم الصوتي للقارئ نفسه متاثرة بالزمان والمكان والنفس الخالص لذا اختلفت الاصوات والنغمات بينهم وتلونت الاطوار و تباينت وكذلك في المواليد وما شابهها من نقر على الدفوف والطبلات من الالات الموسيقية وغيرها وحتى في الاجهزة الالكتروتية الحديثة هي ذاتها فالضارب على هذه كالضارب على تلك كل حسب نغمته وايقاعه وان تباينت الاحوال واختلفت الايقاعات النغمية وقد تصل هذه الاختلافات الى ذات الشخص نفسه فعلى سبيل المثال لو اخذنا موسيقى اغنية معينة لمطرب عربي ولتكن ام كلثوم مثلا في اغنيتها ( ياظالمني ) واغنية اخرى لها ولتكن ( امل حياتي ) نلاحظ النغم الموسيقي لتلك مطبوع بطابع الحزن والثقل ونلاحظ خفة النغم وايقاعاته الراقصة في( امل حياتي) ويلاحظ ذلك ويتاثر به حتى الانسا ن الجاهل ويفرق بين ا للحنين وتزداد هذه الملاحظة مع ثقافة السامع واختلاف الاذن الموسيقية له ومدى تعلمه وتأثره بهذا النغم او ذاك وتظهر جلية لدى الشاعر او الفنان حتى تصل لدى الموسيقار الى ارقى درجة (وقصيدة امل حياتي جاءت على نغمات عروضية راقصة وتعابير ادبية راقية تختلف عن قصيدة يا ظالمني الشعبية ا و قل هكذا ) اما لدى الموسيقي او العازف فتصل الى درجة الاكتمال لديه في البناء الموسيقي والتكامل العلوي المفضي الى الرقي وربما تصل به الى حالة الارتقاء بها عند ذلك يحصل الابداع والتطور وهكذا تتطور الحياة في كل مساراتها.




*****************************************












نظرة في تطوير الشعر الحر

( شعر التفعلية )


يُطلِق تسمية ( الشعر الحديث ) على الشعر العربي الذي اتشر في بدايات واواسط القرن العشرين بينما يطلق على الشعر الذي قيل في النصف الثاني منه وحتى يومنا هذا ( الشعر المعاصر ) على ان بعضا منه يتصف بعدد من الصفات منها خروجه على الأوزان الشعرية المالوفة ولو ان الاقتصار على هذه الصفة فقط للتمييز بين الشعر المعاصر و الشعر القديــم والشعرالحديث غــــير كافٍية ونستطيع القول ان الشكل صورةً للمضمون الذي أخذ يتغير منذ بداية القرن العشرين حين ابتدأت بنيــة القصيــدة العربية تتغير و تتجدد من الشعر الغنائي الخالص إلى الشعر الدرامي فقد عرف شعرنــا الحـــــديث القصة الشعرية و الدراما الشعرية في أعمال بعض من شعراء الشعر الحديث مثل خليل مطـــران و أحمد شوقي و الأخطل الصغير و شعراء المدرسة الإبداعية في مصر و منهم علي محمود طه و صالح جودت و غيرهم فقد كان الخــروج عن الوزن الشعري في الفترة اللاحقة نتيجةً للتأثيرات الثقافية
و الاجتماعية من جهة , و لتطور بنية القصيدة العربية من جهــــــــــة أخرى و سمي الشعر الذي لم يلتزم بالقافية بشعر التفعيلة او الشعر الحــــر ا و الشعر الجديد و الشعر الحديث وهذه بحد ذاتها تسمية غير دقيقة , والحقيقة يمكننا أن نطلق على الشعر الذي تكون التفعيلة ركيزته الوحيدة ب(شعر التفعيلة) حيث تتكرر هذه التفعلية في السطر الواحد وفقات لاحاسيس الشاعر وكذلك نعتبرها مصطلح يمكن أن نقابل به شعر العمود أي ذا الشطرين الصدر والعجز وهذا الفارق ايضا شكلي صرفٌ فالجديد في شعر التفعلية قد ياتي بشعر العمود ايضا وقد يكون هـــــنا كما قد يكون هناك ان كانت حرية الشكل تقتضي حرية المضمون و جِدّته .

وشعر التفعيلة في شكله قد يكون موصولا بحركات التجديد المتلاحقة منذ العصر العباسي حتى ولادته في القرن العشرين اذ بدا التجديد الفعلي في الشعر الذي كان يُنظم بقصد الغناء , فاتَّسمَ با لليونة في القوافي و السهولة في الإيقاع و اللفظ واخذ تراكيب رشيقة وغلبت عليه الأوزان القصيرة و الخفيفة وخير مثل هي الموشحات الأندلسية حيث تم الخروجَ الفعلي على نظام الشطرين , و قد واصل العرب في الوطن العربي وفي المهجر منذ مطلع القرن العشرين محاولاتهـــم الفاعلة في الخروج على نظــــام الشطرين
و القافيـــة الموحَّـــدة او قل على عمود الشعر الذي سموه بالقديم فنظمــــوا الثنائي والمربع والمخمس والزجل وغيرها كثير .

وربما كان بعض الشعراء يمزج وزناً بوزن و يتلاعب بأوتار النغمــــات الايقاعية فيحركها كما تتـــحرك الإحساسات في داخلــــه وخير مثال في ذلك قصيدة ( المواكب ) للشاعر جبرا ن خليل جبران التي نظمها في اتجاهين متعاكسين الأول من البحر البسيط كقوله فيها.

الخيرُ في الناسِ مصنوعٌ إذا جُبِروا
و الشَّرُّ في الناسِ لا يفنى و إِنْ قُبِروا

و أكثــرُ الناسِ آلاتٌ تحــرِّكهــــــا
أصابــــعُ الدهــرِ يومــــــاً ثمَّ تنكسرُ


أما الاتجاه الآخر فقد أجراه جبران على مجزوء الرمل كقوله في ذات القصيدة:

و سكونُ الليلِ بحرٌ
مَوْجُهُ في مَسمعِكْ

و بِصدْر الليلِ قلبٌ
خافقٌ في مَضجَعكْ

ومن هنا كانت ولادةِ شعر التفعيــلة او الشعر الحر ولادةً
طبيعيــــة , ولا يختلف الأمر كثيراً إذا كانت هذه الولادة قد تمت على يد بدر شاكرالسياب او نازك الملائكة او خليل شيبوب في منتصف القرن الماضي او اوائله فقد كانت ولادتها لجهود الشعراء المبذولة منذ مطلع القــــــــرن العشرين حتى منتصفه نتيجة للتقدم الفكري
و الاجتماعي والحضاري .

ولو راجعنا هذه القصائد الحرة الجديدة لوجدنا ان لها خا صية جديدة ولها مميزاتها عن قصيدة العمود الشعري فاذا كان العمود اصل الشعر العربي وشجرته المورفة فان شعرالتفعيلة يتمثل ببعض اغصان هذه الشجرة وثمارها فهو يمثل جزءا من كل .

فالملاحظ شعر التفعيلة اكثر ملائمة في تحقيق وحدة القصيدة و التمرد على وحدة البيت و القافية حيث يشكل فاصلاً طبيعياً بين نهاية البيت و البيت الذي يليهِ فقصيدة التفعلية لا تقف عائقاً دون تواصل الحركة و نموها نمواً عضوياً و بنائها ربما يكون في الاغلب بناءً درامياً مستمداً من تقنية جميلة تتمثل في الإيقاع المتصاعد منها او الموسيقى الشعرية المنبعثة منها و ليرتفع , و يتلوّن و يتنوّع يتدفق مشكلا سمفونية درامية بغية الوصول إلى القرار الأخير او الامر الافضل في نهاية القصيدة وفق ما يرغبه الشاعر ويرسمه لقصيدته .
. لاحظ هذا النص لمحمود درويش يقول فيه :

امشي كاني واحد غيري

وجرحي وردة بيضاء

ويداي مثل حمامتين

على الصليب تحلقان

وتحملان الارض

لاامشي اطير

اصير غيري في التجلي

كما نلاحظ أن الشعرالحر اكثر مرونة في عدم الوقوع في الحشو الذي كان الشاعر يقع فيه في القصيدة العمودية او يستخدمه لاكما ل البيت الشعري في نظام الشطرين كي لا يقف الوزن عند ه فكثيراً ما كـــــــــان المعنى أو الإحساس ينتهي قبل الوصول إلىنهاية البيت او الى القافية فيضطـــر الشاعر لاتمام الوزن بكلمة من هنا أو من هناك , أو لربما يضطرّ الشاعر أن يستبدل كلمة بأخرى هي اطوع او أطولِ أو أقصر منها ليُتمَّ وزن البيت في قصيدته. فالشاعر في هذا اشبه بعطار وضع امامه عدة موازين ليزن بضاعته فيها فيبحث عن المعيار الافضل لوزن بضاعته بينما في شعــــــر التفعيلة يمنح الشاعرَ حريةَ واسعة و مرونةً لا يمنحها شعــــــــر الشطرين له . وهذه بحد ذاتها قد تبعد الشاعر عن النمطية التي قد تكون في الشعر العمودي وخاصة اذا كانت القصيدة متشابهة في الموضوع و الوزن و حركة الروي و القافية لاحظ ذلك في هذه الابيات :

يا داميَ العينين و الكفين

إنَ الليل زائلْ

لا غرفةُ التوقيفِ باقيةٌ

و لا زردُ السلاسلْ

نيرون ماتَ .. و لم تمت روما

بعينيها تُقاتِلْ

و حبوبُ سنبلةٍ تموتُ

ستملأ الوادي سنابلْ

فشاعر التفعيلة اوسع مساحة في انجاز قصيدته اذ لا قيود يتقيد بها من خلال الوزن او القافية قد تحده وتعكر صفو انشاده . ثم : أنَّ التنوع في القوافي يؤدي إلى بعض التحــــــــرر من سلطانها كما يؤدي لتنوع الأنغام بين ارتفاع و انخفاض , و خاصة في قصائد ذات طابع موجي فكأن كلّ موجة تنبثق عن سابقتها و تتصل بما يتلوها و كأنّ كل نغمة تمثل مشهدا قصيرا في عملٍ درامي معين حتى نصل نهايـــة القصيدة مما يسهل الخروجَ الافضل مما هو عليه في موسيقى الشطرين و قد يقرب النص الشعري من المقطوعة الموسيقية بالتقطيع و حرية الحركة و التنويع و الاستمرار وقد يؤدي في الاغلب إلى البناء الهرمي متصاعدا في كثير من القصائد الدرامية في قصيدة الشعرالحر.
واختم في هذه المقطوعة من شعر بدر شاكرالسياب :

عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السِحِرْ

أو شرفتانِ راحَ ينأى عنهما القمرْ

عيناكِ حين تبْسِمانِ تورِقُ الكُرومْ

و ترقُصُ الأضواءُ .. كالأقمارِ في نَهَرْ

يرُجُّهُ المجدافُ وهناً ساعة السِحِرْ

كأنما تنبضُ في غَوْريهِما النجومْ



*********************


تطورالشعر المعاصر


الشعر ديوان العرب مقولة قديمة نجدها في كل كتاب أو حديث عن الشعر والأدب العربي وهذه المقولة تعبر عن ذلك الموقع الاستثنائي الفريد الذي حظي به هذا النوع من الأجناس الأدبية داخل الثقافة العربية. وقد لحق شعرنا العربي مثل غيره من ظواهر الفكر والحياة في مجال تطوير وتبديل كبير في صيغه وطرائقه وموضوعاته. والتطور والتبدل ليسا بظاهرة تستوجب الاندهاش والاستغراب، بل الذي ينبغي أن يثير استغرابنا هو جمود الفكر والوجدان، وصيغ التعبير مقابل تغير المحيط وتبدل سياقات العيش وعوائد الاجتماع.

ولكن إذا كان هذا التطور والتغير والتبدل حالة حدسية مركزة او ثابتة في مختلف أ مور الحياة، فإن من البديهي ان هذه الظاهرة
لا تعني أن كل تطور هو بالضرورة امر إيجابي، وأن معارضة التغيير والتقويم النقدي لمنتجاته فعل سلبي صادر عن جمود في الاحساس ونقص في الوجدان، ووقوف ساذج أمام مسيرة الحياة وحركاتها المستمرة. فكثيراً ما تطرح الحياة في سياق تطورها مستجدات ربما تكون في بعضها سلبية، فلا بد من معارضتها ومواجهتها. وان كانت قد تجاوزت السوسيولوجيا ذلك التصور، الذي ساد الفكر السوسيولوجي الوضعي، أعني به التصور المعتقد بوجود خط تقدمي في تصاعد دوما، وأخذين بالاعتبار النظر إلى الظواهر الاجتماعية بصفتها لا تشهد دائما تسريعا في تقدمها وديمومة حركتها نحو المستقبل .

ومن بين الظواهر السلبية التي أعتقد أنها أصابت الحركة الثقافية في امتنا في الصميم، هذا الشعور الفوضوي الذي سيطر
على الذائقة الشعرية، ابتداء من شعر التفعيلة، فانكشفت ازاء ذلك لنا في كل لحظة حالة مضطربة او مهزوزة. و قد يقول البعض: إن الشعر العربي الآن كثيف الإنتاج، جريء في تجربته ، ولم يثبت او يستوي لحد الان على سياق معلوم، ولا حتى على سياقات معلومة مضبوطة ، لذا اصبح التجريب والإكثار من تنوع الشكلية والمضمون والمحاولة الجادة حالة مطلوبة ومرجوة لتطويرفكر الإنسان العربي وثقافته، ولكن ينبغي إصدار الأحكام على نتاج لم يتحقق اكتماله واسوائه على سوقه . فانا أعتقد أنه ينبغي التقويم والحكم، ليس فقط لأن حركة التجريب في تراكيب وأساليب وأشكال الشعر العربي الحديث في تجربته التى امضى عليها اكثر من نصف قرن لأن مختلف نقاد الشعر وحتى الشعراء أنفسهم يتحدثون عن وجود أزمة في الشعر العربي حيث أن النقد فعل مطلوب حتى في اللحظات الأولى للتجربة إذ لا بد للنقد أن يرافق العمل الإبداعي ويسايره في مختلف لحظات تطوره، لأنه في كثير من الأحيان ربما يكون صمام الأمان للحركة الإبداعية في نتاجاتها مهما كانت غثة او سمينة وحافزا لها .

وإذا كان الوجه الذي تقمصه الحس والذوق الشعري مع قصيدة شاعر ما كان ثوبا عباسيا أصلا من حيث اللفظة وانتقاء الكلمة وطريقة نظمها فإن حركة البعث او التجديد تشهد تجديدا ملحوظا في اغلب مضامين وموضوعات الشعر العربي حيث ستتناول حتما قضايا اجتماعية وسياسية معبرة عن اراء و آمال وطموحات الشعب العربي الأ وسيستمر هذا النهج مستقبلا سائرا نحجو الافضل وقد استطاع الشعر العربي في هذه المرحلة من التفاعل مع اللغة الشعرية وأنماط التعبير خلال ما سمي بعصر الانحطاط، وذاك في تقديري تجديد مهم.

ولست أقصد بهذ ه الحالة التجربة الشعرية المعاصرة فحركة التجديد الشعري لم يكن لها أي فضل لكنها جاءت كسياق تطور بل إن الناظر في واقع الشعر العربي في القرن التاسع عشر، سيرى أن الملكة الشعرية أصابها جفاف او ركود في الشعور و تجمد و تكلس في أساليب التعبير، وكان لا بد من نهضة قوية في الشعر يدفعه الى حدوث تغيير ولنا في حركة البعث والإحياء التي برزت ابتداء من منتصف القرن التاسع عشر مع البارودي اسوة حسنة ، والتي ستلتمع فضل بين لا ينكر.
وإذا كان الثوب الذي ارتداه الشعر والذوق الشعري مع قصيدة البارودي ثوبا عباسيا أساسا، من حيث مواده اللفظية، وطرائق نسجه، فإن حركة البعث شهد ت تجديدا ملحوظا في مضامين وموضوعات الشعر العربي، حيث تتناولت قضايا اجتماعية وسياسية معبرة عن آمال وطموحات الجماعة الشعب العربي وقد استطاع الشعر العربي في هذه المرحلة المسماة بالكلاسيكية حلحلة في التكلس الذي أصاب اللغة الشعرية وأنماط التعبير خلال عصر الانحطاط او الركود وذاك في تقديري تجديد مهم.واستمر الشعر العربي مع الحركة الرومانسية متأثرا بشروط وعوامل جديدة و عديدة، من أهمها ما يتصل بالمثاقفة او التزاوج الثقافي والتواصل بين الأدب العربي والآداب الغربية . فكانت نتاجات الرومانسية الغربية تشكل عند شعراء الرومانسية العربية نماذج للاقتداء بها والحذو على نهجها في بناء النظرية الشعرية ونظم القصيدة الشعرية وقد تبين ان الشعر العربي قد تغيرتعبيريته من النظرة الجماعية إلى النظرة الانفرادية، حيث ا ستثمر الشاعر الرومانسي جانبه العاطفي والوجداني في الذات الشخصية إضافة إلى استحضار روح الشعور الطبيعي. حيث لم يكن التجديد في القصيدة الرومانسية مجرد تجديد في موضوعات الشعر العربي فقط بل مس أيضا اللفظ التعبيري الشعري ذاته ، اذ غابت عن القصيدة الرومانسية الألفاظ الوحشية او الالفاظ الصعبة التي كانت حركة البعث والإحياء تستعملها كثيرا .

فالرومانسية مارست التجديد ليس في الموضوع فقط كما هو شائع، او استحضار ذات الشاعر والطبيعة الموجودة، بل إن التجديد المهم هو تجديد في اللغة الشعرية، حيث تبدت لغة سهلة رائقة نابضة بالحياة. حيث يمكن ان نقول إن أهم عناصر تجديد للثقافة الشعرية العربية بعد الكلاسيكية والرومانسية هو اللغة الشعرية.

لكن حركة الشعر العربي ستشهد فيما بعد نقلة استثنائية، حيث طال التغيير البنية العروضية للقصيدة العربية، مع حركة الشعر الحر أوشعر التفعيلة ويعتبر الشعرالحر الثورة الاثانية على العروض الشعرية الفراهدية شهدها تاريخ الأدب العربي حيث ان الثورة العروضية الاولى تمثلت في الموشحات الأندلسية. وقد التمعت أسماء جديدة في فضاء الشعر العربي في منتصف القرن العشرين، بشكل قصيدي جديد، مثل نازك الملائكة، وبدر شاكر السياب، وعبدالوهاب البياتي، ويوسف الخال، وأدونيس. لكن إذا كانت القصيدة الإحيائية، وكذلك الرومانسية كانتا حريصتين على التوصيل وان حركة الشعر الحر او شعر التفعيلة ستحرص على تكسير هذا التقليد الموجود بتفاعل من إن الشعر خطاب إيحائي وترميز يتميز بكل دلائل الانزياح وكثافة المعنى وتعدد هذه الأبعاد . وإذا كان شعر التفعيلة في بدايته اقتصد او قلل في كثافة الترميز فإن تطوراته اللاحقة سرعان ما أدخلته في سماء ضيقة عندما استقر في الثقافة الشعرية العربية مفهوم خاص عن الشعر و يجرده من كل معنى فيه ورسالة له .وربما جاء ذلك بعد سلسلة من التأملات البديهية في ظل النكسات السياسية التي عاشتها الامة العربية في النصف الثاني من القرن العشرين، حيث ولد حالة من اليأس النفسي الثقافي والاجتماعي.
و رغم وجود الحركة التي مست القصيدة العربية في لغتها أو صياغتها – يحق للباحث أن يبحث في حركة التطور التي شهدها الشعر العربي المعاصر عن مصداقية شعار التجديد بسبب ظاهرة تبعيتها وكذ لك التقليد الذي ميز صلة الشاعر العربي بصلة التجربة الشعرية الغربية.. فإذا كان الشاعر الرومانسي العربي ولج من حيث الموضوع للتجربة الرومانسية الغربية أن شعر التفعيلة لا يعني الدعوة إلى الجمود على عروض الخليل بل هو يمثل ثورة – كما اسلفت – عليها فالتجديد شمل الأساليب الشعرية والأشكال والمضامين ، .

بالنظر إلى ايجاد تغيير في واقع الثقافة ومحيط الاجتماع ولكن النهج الذي سار فيه الشعر المعاصر اغرقه في الغموض وكذلك وافتعال استخدام الأسطورة، وتقليد سريالية الشعور الأوروبي من دون إدراك الأسباب الحضارية والخلفيات الفلسفية التي جعلت الشعر -والثقافة الغربية ككل- ينساق في هذا المسار ثم انهيار قاعدة قصيدة الحر ذاتها مع ما يسمى بـ قصيدة النثر او قصيدة المعاصرة التي اوغلت حتى العظم في الغموض والابهام في بداياتها يؤكد أن هذا السياق الذي سار فيه الشعر العربي في أمسّ الحاجة إلى وقفة ادبية تكشف زيف شعار التجديد وتؤكد ضرورة الإبداع الذاتي الأصيل وتحجيم الغموض في كل من شعر التفعلية وقصيدة النثر .



*************************************





اساسيات الفن الشعري بين
الحداثة والمعاصرة


من المعلوم ان الشعر العربي يمثل اساسية الفن الاول للغة العربية في مجتمع الامة العر بية ككل . فالانسان العربي الاول جبل على قول الشعر اوسماعه او الاهتمام به فهو يمثل أكثر الفنون القولية تاثيرا لدى الانسان العربي و التاريخ الأدبي اذا ما قارناه بالنثر او بالخطابة وكدليل على أهمية الشعر عند العرب قيل ( الشعر ديوان العرب ) وهو كذلك بحق نتيجة لتعايش الانسان العربي و ما أبدعه الشاعر العربي من شعر تمثله كل معطيات الحياة اليومية لديهم منذ عصر الجاهلية الاولى ، فهو حافظ لتاريخ العرب وأيامها وعلومها المختلفة، ويعتبر مصدرا مهما بل المصدر الاول والرئيس الذي يمكن الاعتماد عليه في التعرُّف على أحوال العرب وبيئاتهم وثقافتهم وتاريخهم مع طبيعته بالاحتفاظ بالرؤية الفنية اذ يتميز الشعر العربي عبر كل عصوره المتلاحقة بعلاقة الإبداع الشعري بالموسيقى من خلال الإيقاع الشعري والذي يمثله الوزن والقافية انذاك .

كانت قصيدة الشعر العربية تتكون من ابيات,و كل بيت منها يتألف من مقطعين الأول ويسمى الصدر، والثاني يسمى العجز، ويسمى الشعر بمجموعه او كليته الشعر العمودي الذي هو الأساس المعتمد للتفريق بين الشعر والنثر اذ يخضع هذا الشعر في كتابته لضوابط معينة كان الشاعر
العربي يحضى بها عفوية وضمن سياق الاذن الموسيقية المألوفة لدى الشعراء او بحركات متناغمة ماخوذة من واقعهم المعاش كسير الابل في الصحراء او حركة الراكب فوق بعيره او من خلال صوت هجير الرمال في الصحراء وقد بحث فيها الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري على اعلام اللغة و الادب في العصر العباسي واوجدها كقواعد اساسية في الشعر واطلق عليها علم العروض .
(( راجع مقالتي ( العروض – ميزان الشعر العربي ) المنشورة في موقعي \ اسلام سيفلايزيشن ( الحضارة الاسلامية ))

ويعرف علم العروض بأنه علم معرفة أوزان الشعر العربي، أو هو علم أوزان الشعر الموافق للشعر العربي وبما انه موافق لهذه الحالة ولقرب الشعر من النفوس. فقد قام بعض علماء اللغة او غيرهم بنظم العلوم المختلفة المستجدة في قوالب شعرية على شكل قصائد مستقلة بكل موضوع وقد اتخذ هؤلاء العلماء عمود الشعر اساسا في تنظيم قواعدهم وما ارادوا ايصاله الى القارئ العربي او السامع العربي وتقريبه اليهم بافضل طريقة شائعة الا وهي الشعر (كألفية بن مالك) في قواعد اللغة العربية مثلا او بعض القواعد والعلوم او غيرها وذلك لما ألفته الأذن العربية و استساغتها للنظم وقرب حفظها واستيعابها بهذه الطريقة. و الإيقاع المنتظم، ما يجعل تلك المنظومات أسهل للحفظ والاسترجاع في الذاكرة، وقد خرجت هذه المنظومات من حالة الشعر إلى حالة النظم وذلك لانها بصراحة افتقدت اهميتها كشعر او فاعليتها الجمالية فاخرجتها من دا ئرة الشعر الذي اهم ما يميزه العاطفة الشعرية والتواصل المشدود الى النفس الانسانية وخلجاتها واتحادها بروحية الشاعر وما اوحاه اليها من عواطف نفسية قد اعتملت في نفسيته فاستودعها قصيدته او شعره فياتي الشعر نبضات قلب متدفق حيوية ويعبر عما في نفس الشاعر او ما يسمى بالشعر الوجداني ولهذا فقد تميز الشعر عبر أدواته ا لمختلفة التي لم يكن هذا العمود او المنظومة إلا مظهراً من مظاهر الشكل الفني غير الجوهرية، قد فقدت روح الشعر ومثال ذلك المعلقات السبع او العشر وهي افضل قصائد الشعر الجاهلي وسميت بالعلقات بسبب تعليقها في داخل الكعبة ( بيت الله الحرام ) وهو افضل مكان عند العرب لجيادتها وقوتها الشعرية والتعبيرية وقيل انها كتبت بماء الذهب لنفاستها الفنية وقد نظمت بأوزان الشعر العربي دون أن يعتريها أي فقدان لروح الشعر او جمالياته الإبداعية و بأبعاده الفنية والعاطفية او النفسية و تعد أشهر ما كتبه العرب في الشعر من حيث السبك واللغة ، وقيل أيضا إن هذه المعلقات اشبه بالعقود النفيسة التي تكاد ان تعلق بالأذهان وتدخل القلوب والافئدة وتسيل الى اعماق النفس لترويها. ولا تزال لحد الان تعمل في تاثيرها الشديد في القارئ العربي عند قراءته لها او مراجعتها .

وقد لا اخرج عن موضوع الشعر العربي ان قلت إن مفهوم الشعر عند أرسطو الشاعر اليوناني القديم ينحصر في المحاكاة، والشعر الحق عند ه يتجلى في المأساة والملحمة والملهاة فهو يقرر بحزم أن الأعاريض الشعرية لا تعتبر الحقيقة المميزة للشاعر بخلاف الشعر العربي الذي تمثله ازدواجية العروض والجمالية فالمحاكاة لا الوزن هي التي تفرق بين الشعر والنثر عنده اذ يثبت جوهرية المحاكاة الافلاطونية ومعناها بدرجات متفاوتة تبعا لدراسته الكثير من الاعمال الفنية واشكالياتها المختلفة فكل أنواع الشعر التي درسها إضافة إلى الموسيقى مثل الرقص والفنون التشكيلية وأشكال المحاكاة. فالمحاكاة عند ارسطو بعيدة عن الحقيقة بدرجة متساوية بحيث يجمل بنا ان نقول بأن المواقف والأفعال والشخصيات والإنفعالات النفسية ينبغي أن تكون متشابهة ومنسجمة مع الحياة وليست مثل صورة تصويرية او فوتوغرافية منها- فمهمة الشاعر في هذا المجال هدفه ألا يحاكي احداثاً تاريخية معينة أو شخصيات بنفسها بل عليه محاكاة ذات الحياة في عالميتها الشاملة وسموها المتعالي من حيث الشكل والجوهر.

لذا فالشعر وجد باعتباره محاكاة للإنطباعات الذهنية ومن ثم يتبين انه ليس نسخاً مباشراً للحياة. وإنما هو تمثيلٌ لها ينبع منها ويصب فيها . ويتبين بأن الشاعر الفذ يحاكي الأشياء كما هي، أو كما كانت، أو كما ينبغي أن تكون اي على حالتها او وجوديتها في الطبيعة وربما كما اعتقد الناس بأنها كانت كذلك، أي أن هذا الشاعر الذي ربما كان متهما بالبعد عن الحقيقة المعروفة للناس، يمكن أن يدافع عن موقفه بأن يعرض الأشياء الحاضرة والماضية وبمثالية أو ما يعتقده الناس فيها.

. والشعر قد يكون سماوياً وهذا لا يعني أنه يجب أن يكون كذلك او انها لازمة ضرورية ومن هنا يتضح لنا ان مزامير نبي الله داود عليه السلام هي إغانٍ قد نظمت في أوزان معينة الا ان الوزن وحده لا يقيم شعراً بمفرده اذ يفتقد الايقاع او النغمة الموسيقية والعاطفة .لذا يتوجد الحصول على الإبداع الحيوي الذي يمثل الخاصية المميزة للشاعر وتقاس امكاناته الشعرية بقدرها او بقدر ما يأتيه منها فهو يبدع أشياء جديدة معتمداً على فطنته الذاتية او فطرته .
.
فالشعر معرفة انسانية تحمل معطيات الرؤية و الاحساس النابع من القلب وهذا الاحساس هو المصدر الوحيد لمعرفة الاشياء في العالم الذاتي أي ان الشعر الذي ينبثق من الروح اللاعقلية و اللاتصورية مضاد لكل تفسير منطقي .اي ان ما عناه الشاعر ربما يبقى مبهما عند الاخرين بما يحقق المقولة ( المعنى في قلب الشاعر) ومن هنا يتضح ان الشعر في الاتجاه الرمزي ربما يكون تعبيراً عن العلاقات التي تخلفها اللغة لو تركت لذاتها بين الحد العيني والتجرد المادي والمثالي وبين المجالات المختلفة للحواس. او بمعنى اخر أن الشعر هو الإيحاء بصور مثالية تتصاعد إلى الإعلى محلقة باجنحة شعرية منبثقة من روحية الشاعر وعاطفته وممتزجة بخوالجه المتدفقة منها المشحونة بها و التي يخترعها في شعره والتي قد تتبخر في بعض الاحيان فينكص الشاعر عن قوله في تلك اللحظة او الفترة الزمنية او نقول أن الشعر هو الخلق الجميل الموقع، و يقصد فيه التبصر والسمو و التأمل في تجربة ذاتية لنقل الصورة الجميلة المعبرة عما يجيش في نزعاته ممتزجة بأقوى عناصر الجمال الشعري والشعوري الذي يتمثل في الموسيقى الكلامية المنبعثة من امكانية الشاعر في الايتاء بها من خلال تمازج او تزاوج الحروف اللغوية مع بعضها بحيث تعطي نمطا او نسقا موسيقيا معينا تبعا لأمكانية الشاعر ومقدرته على الخلق والابداع وامكاناته في اللغة لأنها طريق السمو بالروح نحو مسارات عالية ذات نغمات تبثق من نفسية هذا الشاعر وعواطفه وامكانيته التعبيرية والتي هي السبيل للإيحاء وللتعبير عما يعجز التعبير عنه الاخرون . راجع مقالتيّ ( النغم والايقاع ) و( عبد القادر الكيلا ني نموذج من الشعر الصوفي ) المنشورتا ن في كتابي ( في الادب والفن ص 60وص 82 )

من هذا نفهم ان الشاعر يتميز بخاصية فنية ابداعية فطرية في اغلب الاحيان تشحذ بالاكتساب والتعامل مع النصوص والمطالعة او بالمران ويتحقق من ذلك انه أي الشاعر يمثل قمة الاحساس النفسي بحيث تنثال شاعريته في اغلب الاحيان انثيالا فلا يتأتى ما تورد عليه لغيره الذين يبقون ناكصين مهطعي رؤوسهم ازاء ذلك بينما ينظر أصحاب الشعر الخالص او الشعراء الفحول ويسلمون الى أن جوهر الشعر هو حقيقة مستترة عميقة ؤ ايحائية لا سبيل إلى التعبير عنها بمدلول الكلمات بل بعناصر الشعر الخالصة، وهذه العناصر الخالصة غير مقصورة على جرس الكلمات ورنين القافية وايقاع التعبير وموسيقى الوزن - فهذه كلها قد لا تصل إلى المنطقة العميقة التي يتحدر منها الإلهام - بل تتعداها الى ارهاصات التفكير وارتعاش القلب ونوازع النفس الشاعرة وانتشاء الروح بما يحقق الامل المرجو منها .

بدأت بوادر النهضة الفنية في الشعر العربي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي، حيث بدات كشذرات خافتة لدى بعض الشعراء ا وضئيلة الشأن وكانها أصوات هامشية كما عند الشاعر ناصيف اليازجي وولده ابراهيم وغيرهما ثم أخذ عودها يقوى ويشتد على ايد ي الشاعر محمود سامي البارودي وغيره من شعراء ذلك الزمن فجاءت مندفعة نحو الرقي والاكتمال حتى اذا اكتملت خلال القرن العشرين اضحت متبلورة في اتجاهات شعرية مختلفة في نهضة ادبية شعرية قد حددت مذاهب الشعر العربي الحديث و تفوقاته ورصدت اتجاهاته -راجع كتابي ( شعراء النهضة العربية) ص 6 -18 - مستفيدة من التراث العالمي وخاصة الفكر الاوربي آخذةً منه ما يوائم القيم والتقاليد العربية الأصيلة سائرة في سمتها الاصيل نحو الافضل ودائرة في محورها و بالوقت نفسه رافضة مفهوم القصيدة الشعرية كعملية تأليف أو تنظيم كنظم القواعد او نظريات علمية بل فاتحة آفاقاً شعرية جديدة غير مسبوقة في تاريخ الشعر العربي مثل الشعر الحر الذي رسم الشعر وفق اوزان معينة هي نصف بحور او اوزان عمود الشعر - وقصيدة النثر او ما يسمى بالشعر الحديث او المعاصر التي أثبتت في نهايات القرن العشرين وبدايات هذا القرن حضورا متميزا في الساحة الشعرية العربية على الرغم من شدة المعارضة - من اصحاب عمود الشعر ا والذين شكّلوا دافعاً قويّاً لاستهداف التغيير والحط من قيمته ومكانته - غير عابهين بهم او غير مستمعين لهم - للتطور الزمني الرافض لهذه الحالة والسائر في مسيرة متقدمة نحو المستقبل بنزعاته وارهاصاته .
ان الشعر الحديث صمد أمام تيارات الرفض هذه وبدأت هذه المعارضة الرافضة تضعف رويداً رويداً أمام رغبة الأغلبية في حتمية التغيير والتحديث وذلك لان الشعر عالمٌ يختلف كليا عن عالمنا المرئي فهو عالم ملئ بالسحر والجمال والطقوس والرمزية ( المعاصرة ) في بعض الاحيان بعيداً ومتجرداً تماماً من المادة راجع كتابي - (الموجز في الشعر العربي )– الرمزية في الشعر المعاصر ج 4 صفحة\632 وما بعدها )

اما الشعر الجيد فهو الكنز الثمين والوجه الحقيقي للواقع الإنساني ولطالما حلم الإنسان به منذ أقدم العصور بان يكون شاعرا او يولد شاعر لذا استطيع ان اقول ان الشعر حالة روحية او نفسية تكتنفها العاطفة و تتأرجح بين التأمل والالهام والحدس فالانسان الحديث ربما كانت له حالة مركبة من المشاعر الرومانسية والألم الواقعي والرموز السيريالية والقلق الوجودي فهو غير الانسان العربي القديم الذي كان هائما في الصحراء ينشد الكلآ والماء ويتغنى بما يجيش في نفسه من مشاعر في حدود امكانيته وظروف طبيعته فالإنسان العربي الحديث ربما تعتريه حالة او مجموعة حالات متناقضة بما تمليه عليه نفسيته والواقع المعاش في الوقت الحاضر وتناقضات المجتمع الانساني المختلفة المحيطة به

فالشاعر الحقيقي هو هذا الذي يرخي عنان قصائده فتخرج عفوية حصيلة ثقافة انسانية ومشاعر مركبة ومعبره عن طموحات نفسية الشاعر ومدى تأثيرها في الاخرين و ابداعات خلابة فالقصيدة الحالية تمثل كائنا حيا اوهي اشبه بالكائن الحي حيث يمثل شكل القصيدة او بنيتها جسده ومضمونها روحيته فهي تمثل الصدى الذي تنبلج منه اسرار روح الشاعر واراؤه ممتزجة بعواطفه واحاسيه ومن المفيد ان ابين ان الشاعر الحديث المطبوع شاعر تتمثل فيه غزارة الثقافة في امتدادات عميقة وكأنه وارث الحضارات كلها ومطلع على ثقافات الامم المختلفة لذا اصبح متمكنا من استخدام مفردات اللغة لتصوير افكاره وارائه وعواطفه وخلجات نفسه دون تاثير من خارج او امر من احد و يرتكز على فلسفة عميقة غنية تحصنه من القول الضحل الفاني او الركيك الى القول العميق والرصين فهو اذن يمثل فيضا هادرا وتلقائيا للمشاعر النفسية القويَّةِ المنبثقة من اعماقه يَأْخذُ بها مِنْ العاطفة المتأملة المتجددة المنطلقة نحو الافضل متألقة متناغمة تنشد الحياة والانتشاء والحب للانسان المثالي ونحو الافضل في توليده للافكار والابداعات الشعرية الجميلة ومحاولة خلقها من جديد .

**********************




في القصيدة العربية المعاصرة

1


من المعلوم ان المجتمع البشري قد اعتمد الوسيلة الشعرية رضوخا لدوافع الحاجة الملحة في سبيل التلذذ النفسي و قد ولده امران مهمان يعودان بالاساس إلى الطبيعة الإنسانية وهما الامحاكاة والتذوق فإن المحاكاة أمر فطري موجود لدى الناس منذ الصغر، والتذوق او الالتذاذ بالأشياء أمر عام للجميع.

ان الحالة الجمالية التي اوجدها المجتمع الانساني والتي تعتبر بحد ذاتها متعة جمالية تهدف لايجاد امور كثيرة تعتبر كأدوات فنية عالية الجودة ومتجددة وباساليب جمالية اشبه بتجليات نفسية في جوهر الفكر والرسالة التي تعد. لذا فإن الجوهر الموجود في جسدية اوبنية الفن عامة وخاصة في الشعر والذي يعتبرجزءا من الفن له قدرة استثنائية على التلائم مع الجمال والاندماج به وهذا الجوهر يعمل بطريقة سحرية عجيبة يشد المتلقي شدا وبطريقة طردية حيث تكون وظيفته تقديم المتعة النفسية للشاعر والمتلقي في نفس الوقت وهذه المتعة تعتبر لدى الاخرين هي المنفعة الانسانية .وعليه فان الشعر يمكنه من امتلاك ما يراه حقيقة ووهما في التعبير الادبي والنفسي ، ويزاوج بينهما في خفاء وتجلٍّ واضح ويكون الكشف عن الجمال عبر هذا التبادل والتزاوج والتعاور بحيث يشف عنه او يكشف عن كل منهما محاولا اخفاء الآخر، وهذا هو سر المتعة في الشعر . فاذا كان الشعر ترنيمة غنائية صادقة قد تولدت من الشعور المبدع، فإن هذه القصيدة ناشئة عما نفسية الشاعر وتعبر عما في خوالجه . فهي تمثل صورة من صور الاستقرار الذي يحسه او يشعره بجماليته .

إن المسيرة الشعرية في مواجهة الحياة لم تصل بعد إلى لحظة انتصار بل هي على الأغلب لحظة انحسارقد تعيش بالانبعاث و ربما الشاعر يدرك بحساسية مرهفة أنه يواجه حياة لا تكشف عن وجهها مرة واحدة فوظيفة الشعر في الانتصار الافضل هي مرحلة دائمة في سبيل الوصول.للغرض المنشود لذلك فهي تمثل حالة الغليان الداخلي في أعماق الشاعر دائماً ونفسيته حتى لو ظهرت عليه ملامح السكينة وعلى بعض قصائده مسحة الشعر الوجداني

فالشعر يثبت قدراته الأدائية في استكشاف حال الإنسان ويربط ايحا ئاته بها ربطاً شمولياً، بحيث لا يتمكن- في الاغلب - عزل نفسه عن المكان والزمان المقال فيه وربما يكون شموليا فيبقى خالدا وهذا سر من اسرار جماليته فقد يرى مسرة الانسان وفرحته وانسياقه نحو التفاؤل سرا دائما في النفس البشرية وقد يرى أن عذاب او تعاسة إنسان في موقع معين هو عذاب للانسانية لذا فإن حالة الموت لدى الشاعر تغدو موتاً وحالة انسانية وليست شخصية ومعاناة ومعضلة تكتنف الحياة في كل مكان، لا حياة شخص بعينه.

ومثل هذا التوجه الشمولي هو الذي يمس أعمق أعماق النفس البشرية منطلقة من الخاص إلى العام، من دائرة فقدان ضيقة بموت واحد من ملايين البشر إلى المصير الذي ينتظر هذه الملايين
ولهذا فأن الشعر يعتبر من أهم أركان الفنون الهادفة في خلاص البشرية واستكشاف حالها ومآلها وارتقائها إلى مواقع جديدة خارج دائرة الالم والعذاب بما يمتلكه هذا الفن العظيم من رؤية ورؤيا، وقوى حدسية تنبئيه نتيجة المعاناة التي تبعث فيه قوة التشبث والامل من داخل المعاناة النفسية وليس فوقها أو خارجها.

ان معظم علماء الجمال يميلون إلى القول بأن عمل الفنان هو وحده الذي يسمح لنا بفهم الإنسان الحقيقي فنفس الشاعر المتلهفة على حب المصير الإنساني بإحساساتها الإنسانية حتما يترجمها إلى جمالية طاغية مثقلة، حانية على الناس والأشياء والعالم وعليه استطيع ان اقول ان الشاعر يستكشف في الطبيعة ما لا تراه عين الإنسان العادية وهو في رؤيته هذه يفجر الضوء لينير ظلمة الحقيقة في النفس وينزع عنها كل أقنعتها القاتمة وهذاالشاعر قد يضع نفسه في مواجهة نفوس إنسانية مختلفة ربما يكون بعضها متعبة وبعضها معذَّبة والاخرى متالقة نحو السمو والارتقاء لذا فالشاعر ليس مجرد إنسان يحيا لذاته، ويعمل من أجل إشباع رغابته وحدسه الشعري ، بل هو إنسان ذو رسالة معينة ويشعر أنه ينطق باسم قوة عليا قاهرة قد تعلو على شخصيته وتنفعل معها وتلهمه افضل ما عنده من ابداع ولعل هذا هو السبب الذي يجعل الكثير من الشعراء يشعرون بأن لهم حياة أخرى تتعدى وجودهم الزماني و الذاتي وهذه الحالة قد تصدق بقوة ان الجمال الذي لا يقف عند حد نزع الكره والبغضاء واستئصال كل ما يشوه الجمال وجه البشرية الجميل و إنه لينهض بالنفوس ويدفعها نحو حياتها واستقرارها والجمال الشعري يقدم او يثبت صلات لكل ما هو موجود من امور ربما تراها عين الشاعر وحده، فيكون شعره صوت الحياة الصافية وسرها، بحيث تكون لها القدرة على التقاط او بعث اهتزازاته الكامنة في اعماقه وهذه الاهتزازات انما هي رعشة لخفقات قلبية او نفسية تصل إلى مسامع متلهفة لتصل الى جوهر الحياة فيكون الشاعر قد اشتري حريته الأبدية وما تسمو اليه نفسه الابية من قيم عليا طالما ظل يمني نفسه في الوصول اليها فيفرغ شحناته الشعرية المنبثقة من نزعات نفسه فيها .

ونستنتج من هذا كله حقيقة واحدة هي ان الشعر في جوهره خبرة انسانية من نوع معين بل هي خبرة جمالية عالية الهمة ولا يمكن فهم هذه الحقيقة العظيمة الا من خلال فهم اسس طبيعة الخبرة الجمالية ومساراتها وطموح نفسية الشاعر للوصو ل اليها والالتصاق بها بحيث تبقى متعانقة مع نتاجه الشعري وتكون جزءا من كل معاناته وما يعتمل في نفسه فيولد شعرا جميلا .



**************************




في القصيدة العربية المعاصرة

2


وقد اوجد المجتمع البشري الوسيلة الشعرية رضوخا لدوافع الحاجة الملحة في سبيل التلذذ النفسي و قد ولده امران مهمان يعودان بالاساس إلى الطبيعة الإنسانية وهما الامحاكاة والتذوق فإن المحاكاة أمر فطري موجود لدى الناس منذ الصغر، والتذوق او الالتذاذ بالأشياء أمر عام للجميع.

ان الحالة الجمالية التي اوجدها المجتمع الانساني والتي تعتبر بحد ذاتها متعة جمالية تهدف لايجاد امور كثيرة تعتبر كأدوات فنية عالية الجودة ومتجددة وباساليب جمالية اشبه بتجليات نفسية في جوهر الفكر والرسالة الادبية التي تعد. لذا فإن الجوهر الموجود في جسدية او بنية الفن عامة وخاصة في الشعر والذي يعتبرجزءا من الفن له قدرة استثنائية على التلائم مع الجمال والاندماج به وهذا الجوهر يعمل بطريقة سحرية عجيبة يشد المتلقي شدا وبطريقة طردية حيث تكون وظيفته تقديم المتعة النفسية للشاعر والمتلقي في نفس الوقت وهذه المتعة تعتبر لدى الاخرين هي المنفعة الانسانية المنمشودة في هذا المجال .وعليه فان الشعر يمكنه من امتلاك ما يراه حقيقة اووهما في التعبير الادبي والنفسي ، ويزاوج بينهما في خفاء
ا و تجلٍّ واضح ويكون الكشف عن الجمال عبر هذا التبادل والتزاوج والتعاور بحيث يشف عنه او يكشف عن كل منهما محاولا اخفاء الآخر او التداخل فيه ، وهذا هو سر المتعة في الشعر . فاذا كان الشعر ترنيمة غنائية صادقة قد تولدت من الشعور المبدع، فإن هذه القصيدة او تلك ناشئة عما في نفسية الشاعر وتعبر عما في خوالجه . فهي تمثل صورة من صور الاستقرار النفسي الذي يحسه او يشعره بجماليته .

إن المسيرة الشعرية في مواجهة الحياة لم تصل بعد إلى لحظة انتصار بل هي على الأغلب لازالت تمثل لحظة انحسار قد تعيش بالانبعاث و ربما كان الشاعر يدرك بحساسية مرهفة أنه يواجه حياة لا تكشف عن وجهها مرة واحدة فوظيفة الشعر في الانتصار الافضل هي مرحلة دائمة في سبيل الوصول للغرض المنشود لذلك فهي تمثل حالة الغليان الداخلي في أعماق الشاعر ونفسيته دائما حتى لو ظهرت عليه ملامح السكينة وعلى بعض قصائده مسحة الشعر الوجداني .

فالشعر يثبت قدراته الأدائية في استكشاف حال الإنسان ويربط ايحا ئاته بها ربطاً شمولياً، بحيث لا يتمكن- في الاغلب – من عزل نفسه عن المكان والزمان المقال فيه وربما يكون شموليا فيبقى خالدا وهذا سر من اسرار جمالية الشعر فقد يرى مسرة الانسان وفرحته وانسياقه نحو التفاؤل سرا دائما في النفس الانسانية وقد يرى أن عذاب او تعاسة إنسان في موقع معين هو عذاب للانسانية . لذا فإن حالة الموت لدى الشاعر تغدو موتاً وحالة انسانية وليست شخصية بل معاناة ومعضلة تكتنف الحياة في كل مكان، لا حياة شخص بعينه.

ومثل هذا التوجه الشمولي هو الذي يمس أعمق أعماق النفس البشرية منطلقة من الخاص إلى العام، من دائرة فقدان ضيقة بموت واحد من ملايين البشر إلى المصير الذي ينتظر هذه الملايين ولهذا فأن الشعر يعتبر من أهم أركان الفنون التي تهدف الى خلاص البشرية واستكشاف حالها ومآلها وارتقائها إلى مواقع جديدة خارج دائرة الالم والعذاب او المسكنة بما يمتلكه هذا الفن العظيم من رؤية ورؤيا، وقوى حدسية تنبئية واسعة نتيجة المعاناة التي تبعث فيه قوة التشبث والامل من داخل المعاناة النفسية وليس فوقها أو خارجها.

ان معظم علماء فلسفة الجمال يميلون إلى القول بأن عمل الفنان هو وحده الذي يسمح لنا بفهم الإنسان الحقيقي فنفس الشاعر المتلهفة على حب المصير الإنساني بإحساساتها الإنسانية حتما يترجمها إلى جمالية طاغية مثقلة، حانية على الناس والأشياء والعالم اجمعه وعليه استطيع ان اقول ان الشاعر يستكشف في الطبيعة ما لا تراه عين الإنسان العادية وهو في رؤيته هذه يفجر الضوء لينير ظلمة الحقيقة في النفس وينزع عنها كل أقنعتها القاتمة وهذاالشاعر قد يضع نفسه في مواجهة نفوس إنسانية مختلفة ربما يكون بعضها متعبة وبعضها معذَّ بة والاخرى متالقة نحو السمو والارتقاء .

لذا فالشاعر ليس مجرد إنسان يحيا لذاته ا ويعمل من أجل إشباع رغابته وحدسه الشعري ، بل هو إنسان ذو رسالة معينة ويشعر او يحس في قرارة نفسه أنه ينطق باسم قوة عليا قاهرة قد تعلو على شخصيته وتنفعل او تتفاعل معها فتلهمه افضل ما عنده من ابداع ولعل هذا هو السبب الذي يجعل الكثير من الشعراء يشعرون بأن لهم حياة أخرى تتعدى وجودهم الزماني و الذاتي وهذه الحالة قد تصدق بقوة ان الجمال الذي لا يقف عند حد نزع الكره والبغضاء واستئصال كل ما يشوه جمال وجه البشرية الجميل و إنه لينهض بالنفوس ويدفعها نحو حياتها واستقرارها .
فالجمال الشعري يقدم او يثبت صلات لكل ما هو موجود من امور ربما تراها عين الشاعر وحده، فيكون شعره صوت الحياة الصافية وسرها، بحيث تكون لها القدرة على التقاط او بعث اهتزازاته الكامنة في اعماقه وهذه الاهتزازات انما هي رعشة لخفقات قلبية او نفسية تصل إلى مسامع متلهفة لها لتصل الى جوهر الحياة فيكون الشاعر قد اشتري حريته الأبدية وما تسمو اليه نفسه الابية من قيم عليا طالما ظل يمني نفسه في الوصول اليها فيفرغ شحناته الشعرية المنبثقة من نزعات نفسه فيها .

ونستنتج من هذا كله حقيقة واحدة هي ان الشعر في جوهره خبرة انسانية من نوع معين بل هي خبرة جمالية عالية الهمة ولا يمكن فهم هذه الحقيقة العظيمة الا من خلال فهم اسس طبيعة الخبرة الجمالية ومساراتها وطموح نفسية الشاعر للوصو ل اليها والالتصاق بها بحيث تبقى متعانقة مع نتاجه الشعري وتكون جزءا من كل معاناته وما يعتمل في نفسه فيولد شعرا جميلا وفنا ابداعيا خالصا .


********************







سيكولوجية القصيدة العربية المعاصرة




الشعر هو الاساس الاول في النتاج الادبي في اللغة العربية اذ لو تتبعنا تاريخ الادب العربي لوجدناه يبدأ بالشعر ظهورا واهتماما ثم من بعده النثر بجميع مضامينه واشكاله وبهذا اختلفت الامة العربية عن غيرها من الامم مثل اليونانية والرمانية والفارسية والهندية والصينية وغيرها من الامم في وجودية الادب .

وقد مر الادب العربي بمراحل زمينية او عصور او فترات توالت عليه كان فيها بين المد والجزر تبعا لهذه الحقبة او تلك واخرها الفترة المعاصرة .

واستطيع ان اثبت ان كل نتاج أدبي لابد ان ينطوي على طاقة رمزية أو مجموعة من الأفكار الرمزية التي تتخفى خلف الكلمات خاصة في الادب الحديث او المعاصر تبعا لظروف التقدم والحاجة اليه ، لان كل نتاج أدبي يتضمن خطابا رمزيا وبتعبير اخر جهد تعبيري تحتش فيه الدلالات الرمزية و التي ربما قد تتفاوت حيوية او فردية بين شاعر و آخر .

الشاعر المعاصر لجأ إلى استخدام الرمزية ولربما ما ل الى الاسطورة لينهل منها فيتنكشف اليه عناصر الثراء المادي والروحي المؤثرة في النفس أي الإفصاح عما تتضمنه الأساطير من قيم روحية وتجارب إنسانية خالدة تثري العمل الأدبي وتزيد من امانية النص الشعري التعبيريةعلى عوالم جديدة وتمنحه طابعا مميزا في باب المعارف الإنسانية ،فتميزه هذه عن الفلسفة والعلمية وعن العلم التجريبي .

ولعل وقائع او الاحداث التي رافقت هذا العصر و المتعاقبة فيه ربما أسهمت في كثير من الاحيان في اختلال القيم والمعايير الإنسانية ،و كانت السبب المباشر الذي دفع بالشاعر المعاصر الاهتمام بالمعطيات الموضوعية والفنية لهذه الأسطورة ليهرب من واقعه المرير إلى عوالم اخرى قد تسودها المثالية ويحلق فيه الخيال الجانح نحو الارتقاء والتمكن ،فيبني الشاعر عالمه الخاص به والذي يملأ عليه فراغات من ذاته المكبوتة وقد طفق الشاعر المعاصر ،نتيجة للمتغيرات السياسية والأحداث المأساوية التي شهدها العصر الحديث يتلمس او يتفهم المقومات القادرة على الإفصاح عن رؤيته الإنسانية الشاملة إلى أبناء وطنه او انسانيته وقد تكون هذه الأسطورة اوتلك خير وسيلة للتعبير عن النوازع النفسية والحوافز الداخلية عنده او تعبر عن الاخرينم ربما جاءت لتعبر عن تجسيد للتوق الإنساني الشديد وشكله الخيالي المناسب لهذا التعبير ،لذلك أصبحت هذه الفكرة او الاسطورة من أهم احداث القصيدة الحديثة التي عبأ الشاعر فيها هواجسه وارؤاه وأفكاره و تجربته الشعرية بدءا من مستواها الذاتي إلى المستوى الارقى لتمثل بواسطتها الواقع الإنساني فغي هذا العصر بصورة عامة.

ان دواوين الشعراء وخاصة المعاصرين منهم لتجد فيها او ترصد فيها أنماطا متعددة من الرموز والأساطير التاريخية على مر العصور ،فقد أولى عدد منهم اهتماما واضحا بالأساطير البابلية والآشورية والسومرية او الفرعونية او الامازغية التي قد ترتبط بأحداث تميزت بالقدرة على إظهار إحداث العجائب والخوارق ،واوجدت شكلية جديدة للشعر المعاصر و عاملا مهما من عوامل التحفيز والإثارة وجسدت بشكل حيوي في أنشطة هذا الإنسان منذ القدم في الوقت الحاضر او بمعنى اخر غيرت اسطوريته الى واقع حاضر ليستلهم منها كل جديد اذن فالأسطورة هي الوعاء الذي وضع فيه الشاعر المعاصر خلاصة فكره وجديد عواطفه ونزعاته ، واستطيع ان اقول ان هذه الأساطير تمثل ما تبلور في أذهان الانسان القديم في العراق ومصر واليونان والرومان والفرس وغيرهم من الاقوام القديمة ذات التاريخ العتيد والثقافة الرفيعة من قصص وحكايات أسطورية فعبرا لشاعر في تصويره الشعري لخلق العالم من جديد ،ولوجود الإنسان على الأرض ،ومصيره المجهول وما يحيط به من مظاهر الكون والطبيعة وتساؤلات واسعة اوربما تكون في بعض الاحيان غامضة يتكهن الاجابة عليها وربما تفلت منه فتبقى سرا سرمديا .



***************************













جمالية الشعر المعاصر

الفن جوهرة جمالية من نوع معين فهو لايدرك بالحس فقط ولا بالعقلية انما بالحدس فهو خبرة جمالية لا يمكن فهم حقيقته بمعزل عن ادراك وفهم طبيعة الخبرة الجمالية ذاتها وعليه فهو حدس وحس وعقل متفكر وخبرة جمالية متحدة بادراك ومنها صيغ الجمال بطبعه .
وبما ان الشعر جزء لا يتجزا من الفن ورافد مهم من روافده فقد ألهم الشاعر هذا الجمال من خلال نظرته الحساسة في سبر اغوار نفسيته وما تنطوي عليه الحياة وما يترشح منها نبعا وفيضا على الطبيعة وحدسا راقيا والهاما جميلا فالشعر جزء من إ صل الجمال، وعندما ينتج الشاعر الجمال في شعره يكون قد اكتسب حالة فنية وانسانية مبتعده عن كل ما شاكل العالم و تحقق له توازنا كبيرا بين سعة الحياة بما فيها من مفردات، وتجارب وقدرات وما درته الطبيعة من جمال في ذاتها فالشعر هو الكلمة الجميلة التي تنمو ضمن مفاصل الحياة ومن خلالها لتسجل اعمق بواطنها واعلى شواّفيها وتتردم حالاتها بين كل المتناقضات وتجمعها في بوتقة حلم جميل تسعد اليه النفس وتسمو اليه الروح حتى في حالة شقائها فهو اذن يترجم عن حالة نفسية واقعة وكلما كان مساسها شديد ا كان اجمل .
لذا يبقى البحث عن ايجاد جمالية الشعر من الأمور الصعبة لأن مكمن الجمال في الشعر ليس جزءاً محدداً في ماهيته بل في كليته... لأن كل من الجمال والكينونة الشعرية امثلهما بمراّة قد تعكس مسار الآخر ويتبادل به وجود الاخر في سرية تامة وكينونة فريدة . فاذا قمنا بتحليل قصيدة شعرية - اية قصيدة - وجدنا الصور الشعرية والحدث الواقع في ظل الصياغة والوزن والقافية والأخيلة الواسعة والصور الشعرية الخلابة وبقدر وجودية هذه الامور في القصيدة يتمثل او يظهر جليا وقد نجد عنصر الجمال مخفيا غير ظاهر . فالحقيقة الأبدية والخالدة هي أنه من طبيعة الجوهر أن يختفي، والاختفاء هو جوهر الجمال أي أن جوهر الجمال يكمن في سره الخفي وكلما كان خفيا كان جميلا . وقد عرف الشعر في ذاته انه تلك القدرة العظيمة ولهذا فان بعض الشعراء ممن يتمكن من قلب احوال زمانه وله المقدرة في التاثير الكبير من خلال قصيدة واحدة او بيت شعري واحد من الوصول لهذا التاثير القوي من خلال الابداع والصياغة الحدسية .
وعليه فان ما يقف وراء هذا الشاعر دائماً في رحلة الإبداع، هو امكانية التاثير وشدته .. وتعتبر المتعة الجمالية وسيلة الشعر في الوصول إلى الغاية المرجوة فجمال القصيدة في غاية الشعر وطموحه إلى غاية الجمال هو إحد مسببات تكوين هذا الجمال في الوجود ولهذا فان هذه المسببات تعد من وسائل غرس الجمال الكبرى في الصورة الشعرية للقصيدة .
وقد اوجد المجتمع البشري الوسيلة الشعرية نزوعا لدوافع الحاجة الملحة في سبيل التلذذ النفسي فقد ولدها امران مهمان يعودان بالاساس إلى طبيعة النفس الإنسانية وهما المحاكاة والتذوق فإن المحاكاة أمر فطري موجود لدى الناس منذ الصغر، والتذوق او الالتذاذ بالأشياء أمر عام للجميع وهدف اسمى تصبو اليه الارواح .
ان الحالة الجمالية التي اوجدها المجتمع الانساني والتي تعتبر بحد ذاتها متعة جمالية تهدف لايجاد امور كثيرة تعتبر كأدوات فنية عالية الجودة ومتجددة وباساليب جمالية اشبه بتجليات نفسية في جوهر الفكر والرسالة التي تعد في ايجادها او الوصول اليها . لذا فإن الجوهر الموجود في جسدية او بنية الفن عامة الشعر خاصة والذي يعتبر جزءا من الفن له قدرة استثنائية على التلائم مع الجمال والاندماج به وهذا الجوهر يعمل بطريقة سحرية عجيبة يشد المتلقي شدا وبطريقة طردية بحيث تكون وظيفته تقديم المتعة النفسية للشاعر والمتلقي في نفس الوقت وهذه المتعة تعتبر لدى الاخرين هي المنفعة الانسانية .وعليه فان الشعر يمكنه من امتلاك ما يراه حقيقة ووهما في التعبير الادبي والنفسي ، ويزاوج بينهما في خفاء واضح ويكون الكشف عن الجمال عبر هذا التبادل والتزاوج بحيث يشف عنه او يكشف عن كل منهما بمحاولة اخفاء الآخر، وهذا هو سر المتعة في الشعر . فاذا كان الشعر ترنيمة غنائية صادقة قد تولدت من الشعور المبدع، فإن هذه القصيدة ناشئة عما في نفسية الشاعر وتعبر عما في خوالجه . فهي تمثل صورة من صور الاستقرار النفسي الذي يحسه او يشعره بجماليته .
إن المسيرة الشعرية في مواجهة الحياة قد لا تصل إلى لحظة انتصار بل هي على الأغلب لحظة انحسار قد تعيش بالانبعاث و ربما الشاعر يدرك بحساسية مرهفة أنه يواجه حياة لا تكشف عن وجهها مرة واحدة فوظيفة الشعر تتمركز في الانتصار الافضل هي مرحلة دائمة في سبيل الوصول للغرض المنشود لذلك فهي تمثل حالة الغليان الداخلي في أعماق الشاعر دائماً ونفسيته حتى لو ظهرت عليه ملامح السكينة وعلى بعض قصائده مسحة الشعر المنبعث من اعماق نفس وقلب شاعر ما .
فالشعر يثبت قدراته الأدائية في استكشاف حالة الإنسان ويربط ايحا ئاته بها ربطاً شمولياً، بحيث يتمكن- في الاغلب - عزل نفسه عن المكان والزمان المقال فيه وربما يكون شموليا فيبقى خالدا وهذا سر من اسرار جماليته وخلودها فقد يرى مسرة الانسان وفرحته وانسياقه نحو التفاؤل سرا دائما في النفس البشرية وقد يرى في عذاب او تعاسة إنسان في موقع معين هو عذاب للانسانية كلها لذا فإن حالة الموت لدى الشاعر تغدو موتاً وحالة انسانية ليست شخصية ومعاناة ومعضلة تكتنف الحياة في كل مكان، لا حياة شخص بعينه.
ومثل هذا التوجه الشمولي هو الذي يمس أعمق أعماق النفس البشرية منطلقة من الخاص إلى العام، من دائرة فقدان ضيقة بموت واحد من ملايين البشر إلى المصير الذي ينتظر هذه الملايين البشرية كلها . ولهذا فأن الشعر يعتبر من أهم أركان الفنون الهادفة في خلاص البشرية واستكشاف حالها ومآلها و سبل ارتقائها إلى مواقع جديدة خارج دائرة الالم والعذاب بما يمتلكه هذا الفن العظيم من رؤية وقوى حدسية تنبؤه بنتيجة المعاناة التي تبعث فيه قوة التشبث بالحياة والامل من داخل المعاناة النفسية وليس فوقها أو خارجها.

ان معظم مفكري الجمال يميلون إلى القول بأن عمل الفنان هو وحده الذي يسمح بفهم الإنسان الحقيقي فنفس الشاعر المتلهفة على حب المصير الإنساني بإحساساتها الإنسانية حتما تمكته من ترجمتها إلى جمالية طاغية مثقلة حانية على الناس والأشياء والعالم
وعليه استطيع ان اقول ان الشاعر يستكشف في الطبيعة ما لا تراه عين الإنسان العادية وهو في رؤيته هذه يفجر الضوء لينير ظلمة الحقيقة في النفس وينزع عنها كل أقنعتها القاتمة ويزرع فيها السناء والامل وهذا الشاعر قد يضع نفسه في مواجهة نفوس إنسانية مختلفة ربما يكون بعضها متعبة وبعضها معذَّبة والاخرى متالقة نحو السمو والارتقاء لذا فالشاعر ليس مجرد إنسان يحيا لذاته، ويعمل من أجل إشباع رغابته وحدسه الشعري . بل هو إنسان ذو رسالة معينة ويشعر أنه ينطق باسم قوة عليا قاهرة قد تعلو على شخصيته وتنفعل معها وتلهمه افضل ما عنده من ابداع ولعل هذا هو السبب الذي يجعل الكثير من الشعراء يشعرون بأن لهم حياة أخرى تتعدى وجودهم الزماني والمكاني و الذاتي وهذه الحالة قد تصدق بقوة ان الجمال الذي لا يقف عند حد نزع الكره والبغضاء واستئصال كل ما يشوه جمال وجه البشرية الجميل و إنه لينهض بالنفوس ويدفعها نحو حياتها واستقرارها.
والجمال الشعري يقدم او يثبت صلات لكل ما هو موجود من امور ربما تراها عين الشاعر وحده فيكون شعره صوت الحياة الصافية وسرها، بحيث تكون لها القدرة على التقاط او بعث اهتزازاته الكامنة في اعماقه وهذه الاهتزازات انما هي رعشة لخفقات قلبية او نفسية تصل إلى مسامع صاغية ونفوس متلهفة وافئدة متشوقة لتصل الى جوهر الحياة فيكون الشاعر قد اشتري فيها حريته الأبدية وما تسمو اليه نفسه الابية من قيم عليا طالما ظل يمني نفسه في الوصول اليها فيفرغ شحناته الشعرية المنبثقة من نزعات نفسه فيها . في جمالية شعرية خلاقة .
ونستنتج من هذا كله حقيقة واحدة هي ان الشعر في جوهره خبرة انسانية من نوع معين بل هي خبرة جمالية عالية الحدس ولا يمكن فهم هذه الحقيقة العظيمة الا من خلال فهم اسس طبيعة الخبرة الجمالية ومساراتها وطموح نفس الشاعر للوصو ل اليها والالتصاق بها بحيث تبقى متعانقة معه في نتاجه الشعري وتكون جزءا من كل معاناته وما يعتمل في نفسه فينهمر شعرا جميلا سائغا للشاربين .

*******************





الشاعر بين الموهبة والالهام

ان الشاعر قد منح - بلاشك- موهبة من الله تعالى وزاد هذه الموهبة بالالهام فهو يستطيع مالا يستطيعه الاخرون وتتارجح موهبته بين الالهام والامكانية او المقدرة على تنسيق الاحرف او مخارج الكلام بحيث يستطيع الايتاء بكلام لا يستطيعه غيره . لذا فالشاعر تولد من فمه اللغة أي يتعلم منه الاخرون ومن اللغة تولد كل الاشياء كما قيل قديما
أن مصدر الشاعر هو الإلهام ومصدره إلهي محض اوجد في طبيعة الشاعر وغرس في نفسيته عند التكوين قبل الولادة وقد قرن الشاعر بالأنبياء والرسل وبالعرافين كما جاء في التعبير الافلاطوني القديم
والشعراء اثنان مطبوع وهو من اعتاد بالإلهام والموهبة والقريحة الايحاء في الشعر والاخر من جاء بالشعر بالاكتساب أي بالصنعة والتعلم، لذا فأن مقدرة الشاعر على قول الشعر في شيء ما تختلف عن مقدرة المرء على شرح نفس الشيء شرحا عقليا فالشعر ليس هدفه الشروح العملية او العلمية لذا فالقصيدة لا يجب أن تعني بل يجب ان تكون . ومن خلال كينونتها نتعرف على شخصية القائل وقد تحدث عن هاتين الحالتين الشاعر العربي المهجري جبرا ن خليل جبرا ن حيث قال ( أن الشعراء أثنان ذكي ذو ذاتية مقتبسة وملهم كان ذاتا قبل أن يصير بشراً ، والفرق بين الذكاء والإلهام في الشعر، هو الفرق بين أظافر محددة تحك الجلود المريضة ، وشفاه أثيرية تقبل القروح فتشفيها ) ولو ان هذه العبارة المفروض ان يعبر عنها بافضل منها فالاظافر التي تحك الجلود الجرباء نعبر عنها بالاقوال النابية غير المتوازنة اما عندي فالشاعر الملهم هو من ياتي بالشعر المطبوع مثل الشذى الاخاذ الذي ينطلق كاشعة الشمس او شذى الورود فتحمله النسائم الرقراقة الى حيث يرغب فمصدره جميل وروعته اجمل او هو سلسبيل مياه باردة تجرى فوق سطحها زرود من اقاح. اما الشاعر المكتسب شعره بالتعلم والصنعة فهو كمن ينحت في في تراب وكأني اراه كلما تكامل نحته تهدم جانب منه فشتان بين هذا وذاك .

فالشاعر من ألهم قول الشعر واستطاع ان يستخدم مشاعره وبراعته الشعرية في سبر اغوار النفس الانسانية و يطلع على ما في قلب هذا الكائن العجيب بصدق والتعرف على ادق خلجات فؤاده وينساب مع روحه ويجري في عروقه ليسبر اغوار نفسه وليكشف امكاناته الطبيعية ومصيره الاجتماعي والنفسي واحلامه المستقبلية وطاقته ومواقفه الانسانية ويعرف كل مقومات حياته وسعادته في الحاضر والمستقبل .
فالشاعر يمثله شعره الذي بالنسبة اليه ادراك الكليات او الامورالتي يدركها فشعر الشاعر هو ذلك اللهب المنبعث من فؤاده فيدفئ به الاخرون ونسيم رائق يستنشقه القارئون ويتميز بما يكون شعره حسنا او خلاف ذلك حقيقيا في حين يتمكن بمقدرته من محاكاة ومناجاة الاشياء بالحروف اللغوية او مقاطع العبارات المكونة من كلمات وجمل في ظل القصيدة الشعرية لتاتي انسيابيتها متوازية مع فنونها المختلفة في البلاغة والبيان أي ان اللغة تكون منسجمة مع الالهام الشعري في الصور الشعرية والمقاطع الشعرية التي يستلهمها الشاعر في ذاته ودواخل نفسه ثم يستردها على لسانه او في كتابته شعرا ناضجا لا تشوبه شائبه ولا افتعال ينبع من عين كانه النطاف الخالص والسلسبيل الجاري رويدا رويدا او ياتي غاضبا هادرا كانه البحر الهائج وخاصة في القصائد الثورية ذات المغزى الوطني فيقف الشاعر خطيبا ليعبر عما في دواخله وخوالجه ازاء بلده وامته وخاصة اذا علمنا ان هذه الامة قد لحقها حيف من الامم الاخرى فيكون الشاعرفي موقع الدفاع المفضي - ربما - الى الاستشاد وبذل الارواح او الانفس
واستطيع القول ان شاعر قصيدة النثر لايقل عن اخيه شاعر القصيدة العمودية في هذا المجال الاانه يجب ان يتنازل عن بعض غموض قصيدته وهو يخاطب الاخرين ليفهموه مبا شرة لا ان يفهموا رموزه وحكاياته الموغلة في القدم او بمعنى الاخر ان يقول ما يفهمه المخاطبين
ان القصائد ليست بسطوحها وانما بما تمخضت عنه وما تراءت اليه هذه السطوح او الشعرية المتسقة والمعبرة عما يخالج نفس الشاعر وقدرته في التاثير في نفوس الاخرين فروح الشاعر تنبعث منها القصيدة بما توضحه الصورة الشعرية كانما تتجوهر فيها الطقوس والتقاليد فيحدق فيها لتبحث عما توضحه في صورة اجمل . لذا تكون اهمية هذا الشاعر بما يحمله في نفسه من تعبير عن طويته الساكنة وموهبته الاصيلة و مقدرته المكتسبة من خلال تفحص ذاته الخفية وعبقريته الملهمة تلك التي يتجلى فيها حبه للاخرين بكل مافيه من نار او قبس من نور وتلمس جراحاته التي قد تكون دامية او تاتي باردة كالثلج .
ومهما كانت مهمة الشاعر فقد تكون في الكشف عن غاية الوجود كشفاً إنسانياً محرراً، فأعماله الشعرية يمسح بوجهها الحالة التي يمر بها وهو في الهامه يشعر كسحابة من السعادة او من الحزن العميق الشامخ في أحيان اخرى ، لأن الشاعر ذلك الباحث الدائم عن السر قد يعود مبتئساً إذا ما استغلقت عليه نوايا الأشياء (تجربة الإنسان حين لا ترتبط بتفسير يكشف عن غائية الوجود وسرمديته لابد أن تقترن بإحساس الفقدان والضياع والألم، والقلق).
ويبدو أن قدر الشاعر – ربما - يعيش في قلق ويدفعه هذا القلق إلى التعبير والإبداع فالشاعر أحق الناس بالقلق وبالألم واقربهم اليه لأنه أكثر بحثاً عن الغاية في شعره، والبحث إحدى وظائف الشعر المهمة.. و التي قد تبحث عن التفسير الوجودي لتركيبة الحياة التي يكتنفها القلق وهي تجهد إلى أن تكون قوية مقبولة، تستحق الدوام والبقاء ويتدخل في ذلك الجمال الشعري، ليتواصل إلى هذا التفسير فيدفعه القلق المبدع اليه متجاوزاً مراحل التجربة البشرية العامة مستعيناً بالقدرة على الحدس اوملكة الإنسان الطبيعية المتراكمة عبر آلاف السنين وتعمقت بجدية لدى الشاعر المبدع خاصة حيث تغدو مرهفة نافذة بالكشف عند الشاعر المتأمل ومقتدرة ان تمنحه القوة عليها حيث استعان بالقدرة والامكانية والموهبة على تفهم الأشياء.
ولعل الشاعر في بحثه عن الافضل يحاول ان يخلق إيقاعا متميزا ً يتوازن مع ما يعتمل في دواخل نفسه ويتحرك بمقدرته ، مع إيقاع بديع لهذا العالم المضطرب لا ينساق خلفه لاهثا بل يواجهه بموهبته ويعيد بناءه بالهامه بحيث تكون الترنيمة الإيقاعية الجديدة التي تتكون منها القصيدة المعبرة عن ملامح العالم المحيط به في الظاهر وسبر اغواره من الداخل فتعيد ترتيبه من جديد وفقا لما يشعر و في صورة اجمل واحسن .
و استطيع ان اثبت ان كل نتاج أدبي لابد ان ينطوي على طاقة رمزية أو مجموعة من الأفكار الرمزية التي تتخفى خلف الكلمات خاصة في الادب الحديث او المعاصر تبعا لظروف التقدم والحاجة اليه ، لان كل ننتاج أدبي يتضمن خطابا رمزيا وبتعبير اخر جهد تعبيري تحتش فيه الدلالات الرمزيةو التي ربما قد تتفاوت حيوية او فردية بين شاعر و آخر
الشاعر المعاصر لجأ إلى استخدام الرمزية وربما ما ل الى الاسطورة فينهل منها فيتنكشف اليه عناصر الثراء المادي والروحي المؤثرة في النفس أي الإفصاح عما تتضمنه الأساطير من قيم روحية وتجارب إنسانية خالدة تثري العمل الأدبي وتزيد من امانية النص الشعري التعبيريةعلى عوالم جديدة وتمنحه طابعا مميزا في باب المعارف الإنسانية ،فتميزه هذه عن الفلسفة والعلمية وعن العلم التجريبي .
ولعل وقائع او الاحداث التي رافقت هذا العصر و المتعاقبة فيه ربما أسهمت في كثير من الاحيان في اختلال القيم والمعايير الإنسانية ،و كانت السبب المباشر الذي دفع بالشاعر المعاصر الاهتمام بالمعطيات الموضوعية والفنية لهذه الأسطورة ليهرب من واقعه المرير إلى عوالم اخرى قد تسودها المثالية ويحلق فيه الخيال الجانح نحو الارتقاء والتمكن ،فيبني الشاعر عالمه الخاص به والذي يملأعليه فراغات من ذاته المكبوتة وقد طفق الشعاعر المعاصر ،نتيجة للمتغيرات السياسية والأحداث المأساوية التي شهدها العصر الحديث يتلمس او يتفهم المقومات القادرة على الإفصاح عن رؤيته الإنسانية الشاملة إلى أبناء وطنه او انسانيته وقد تكون هذه الأسطورة اوتلك خير وسيلة للتعبير عن النوازع النفسية والحوافز الداخلية عنده او تعبر عن الاخر ينم ربما جاءت لتعبر عن تجسيد للتوق الإنساني الشديد وشكله الخيالي المناسب لهذا التعبير ،لذلك أصبحت هذه الفكرة او الاسطورة من أهم احداث القصيدة الحديثة التي عبأ الشاعر فيها هواجسه وارؤاه وأفكاره و تجربته الشعرية بدءا من مستواها الذاتي إلى المستوى الارقى لتمثل بواسطتها الواقع الإنساني فغي هذا العصر بصورة عامة.
ان دواوين الشعراء وخاصة المعاصرين منهم لتجد فيها او ترصد فيها أنماطا متعددة من الرموز والأساطير التاريخية على مر العصور ،فقد أولى عدد منهم اهتماما واضحا بالأساطير البابلية والآشورية والسومرية او الفرعونية او الامازغية التي قد ترتبط بأحداث تميزت بالقدرة على إظهار إحداث العجائب والخوارق ،واوجدت شكلية جديدة للشعر المعاصر و عاملا مهما من عوامل التحفيز والإثارة وجسدت بشكل حيوي في أنشطة هذا الإنسان منذ القدم في الوقت الحاضر او بمعنى اخر غيرت اسطوريته الى واقع حاضر ليستلهم منها كل جديد اذن فالأسطورة هي الوعاء الذي وضع فيه الشاعر المعاصر خلاصة فكره وجديد عواطفه ونزعاته ، واستطيع ان اقول ان هذه الأساطير تمثل ما تبلور في أذهان الانسان القديم في العراق ومصر واليونان والرومان والفرس وغيرهم من الاقوام القديمة ذات التاريخ العتيد والثقافة الرفيعة من قصص وحكايات أسطورية فعبرا لشاعر في تصويره الشعري لخلق العالم من جديد ،ولوجود الإنسان على الأرض ،ومصيره المجهول وما يحيط به من مظاهر الكون والطبيعة وتساؤلات واسعة اوربما تكون في بعض الاحيان غامضة يتكهن الاجابة عليها وربما تفلت منه فتبقى سرا سرمديا .


************************







الإيقاع الشعري في قصيدة النثر

الايقاع هو تلك النغمة المنبعثة من خلال تناغم الاحرف مع بعضها اثناء النطق او من خلال اي صوت يحدث جراء فعل او عمل معين سواء اكان هذا الصوت طبيعيا كصوت هدير الماء او تغريد بلبل او صناعيا كالقاء قصيدة شعرية او خطبة فرقعة انفجار وما اليها .
فالايقاع هو حالة تنظيمية للتنبيهات الواقعة بين سكونين او حالتين هما سكون البدء او سكون الابتداء و سكون النهاية عندما ينتهي الفعل.
والشعر ماهو الا فعل فاعل وهو الشاعر اذن فهو متكون من نغم وايقاع من خلال تناغم احرف الشاعر ومقدرته على ايجاد وايقاعية نغمية بين حرف واخر من خلال مخارج الحروف من الحلق وبنائها بناءا تثبيتيا في ايقاعية فاعلة ومؤثرة في نفس المتلقي واختيار هذا الحرف اوذاك بحيث يكون نغمة ذات صدى في نفسية المتلقي او السامع ومن هنا تظهر موهبة ومقدرة الشاعر على ايجاد هذا النوع من الايقاع او ذاك تبعا لما يستوطن في حسه من ا يقاعات وامكا نيته في تحريكها نحو الافضل
و الإيقاع اذن هو حركة الكلام في في النطق او الكتابة حيث يكون على أشده في القصيدة الشعرية سواءً في قصيدة النثر أم العمودية أو قصيدة التفعيلة
ونستطيع ان نمثل الكتابة الشعرية بالرقص الفني اذا ما قارناه بالكتابة النثرية من حيث رصد الحركة في كلتا الحالتين لكنهما متغايران نتيجة للفرق الموجود بينهما فالايقاع المتكون او النغم الموسيقي لقصيدة العمود الشعري هو الادراك المنبعث من ادراك الاذن الموسيقية المتاتية من النظام الصوتي للحروف والمنتظم في حالة تعارف عليها الشاعر والمتلقي من خلال ايجاد الشاعر الايقاع الافضل في حركة الحرف الواحد مع مثيله الحرف الاخر لينشئ نغما معينا وهوما تعارف عليه بالبحور الشعرية و هي البحور التي تم وضعها او بحثها او دراستها من قبل الخليل بن احمد الفراهيدي- حيث انها كانت موجودة قبله شفاها - مع القافية التي يجب الالتزام بها من قبل الشاعر, و التي تضيف إلى البحور إيقاعا صوتياً إضافيا وتناغما شعريا تتاثر به الاذن السامعة والنفس الانسانية تبعا لمقدرتها وامكانيتها على الفهم والتاثر وهو ايضا ايقاعات استنتاجية اوجدها الفراهيدي في القصائد الشعرية التي قالها الشعراء قبله .
أن الإيقاعات الصوتية السمعية جاءت كضرورة من الضرورات الشعرية آن ذاك, و تم التركيز فيها على الإيقاع السمعي و ذلك لسهولة الإدراك السمعي للإيقاع اذ أن الإيقاع السمعي لا يحتاج إلى عمليات فكرية كبيرة فهو يدخل في اذن و نفس المتلقي او السامع بيسر وسهولة تبعا لقدرته على السماع والادراك الشعري. او ربما ياتي هذا الايقاع من خلال التغيرات او الانكسارات الصوتية الكثيرة في حالة من التوتر التي تحملها القصيدة ومن خلال الصياغة اللغوية و الصور البلاغية و البيانية و الجماليات المتواجدة القصيدة الشعرية. او ربما ياتي من خلال تنضيد البيت الشعري كتابة الى شطرين متساويين في الوزن والقافية او في احدهما .
وفي قصيدة التفعيلة لا نرى خلافا في كل ماجاء في قصيدة العمود الشعري من حيث الوزن حيث ان هذه القصيدة – الشعرالحر - نابعة من ضاربة في عدد من البحور الشعرية الفراهيدية وهي سبعة بحور او ثمانية ونسميها بالبحور الصافية لصفاء تفعليتها فهي تاتي على وزن الكامل ( متفاعلن –متفاعلن- متفاعلن) او على وزن الهزج ( مفاعلين – مفاعلين – مفاعلين ) وهكذا اي تتكون من تفعيلة واحدة قابلة للتكرار مع سماحية اوسع في العلل الوزنية المعروفة اتي بمساحة اوسع من قصيدة العمود او بمعنى اخر ان قصيدة العمود اكثر التزاما بالبحرالشعري من قصيدة الشعر الحر. ومع هذا فان بحور شعر العمود ستتة عشر بحرا بينما في الشعر الحر ثمانية او سبعة اذا استثنينا منها متدارك الاخفش .
فالايقاع الشعري الموجود في هذه موجود في تلك الا انها اختلفت عنها بالقافية والتزام حرف الروي وهو الحرف الاخير من عجز البيت او هو القافية بعينها فتاتي في العمود متناغمة متسقة بينما في قصيدة التفعلية مختلفة باختلاف نهايتها وحسب مزاجية الشاعر .
اما في قصيدة النثر فتمثل الحرية المطلقة للشاعر في انتقاء الكلمات او العبارات المتجانسة لقصيدته وهنا تصطدم حالة الانتظام الموجود في قصيدة العمود او قصيدة الشعر الحر بالايقاع الموجود في قصيدة النثر او لربما يصل الى حال ة الانعدام فكان قصيدة النثر قد حطمت كل قوانين الشعر من وزن وقافية وبحر بحيث ما يجري في قصيدة النثر يعد هدما لاسس وقواعد قصيدة العمود او هكذا .
والايقاع في قصيدة النثر قد يعتمد على البنية الصوتية للحروف كما في قصيدة الوزن, لكن ليس بترتيبية الخليل ا و الأوزان العروضية, إنما من خلال مبادئ خاصة بها من أهمها مثلا التكرار المقطعي في ترتيبية صوتية معينة ضمن المقطع الشعري الواحد أو التكرار اللفظي لبعض الكلمات تلك التي يرغب الشاعر إعطاءها الأهمية في الإظهار وغيرها من الاساليب التي ربما قد يتبعها بعض شعراء الحداثة لاستحداث نوع من روحية غنائية جديدة وتمثل ايقاعية معينة و هي بحد ذاتها غير ضرورية لبناء قصيدة النثر وعليه فالإيقاع الظاهر لا يأخذ الأهمية هنا كما في شعر العمود او قصيدة التفعلية .
ان الطبيعة البشرية وجدت منذ الازل و هي في عراك مستمر مع الفضاء الخارجي وسلطته الواسعة عليه لذا فقد ابتدع صيغا كثيرة للتخلص من تلك الحالة او السلطة من خلال ايجاده سبلا جديدة يطمح اليها الانسان وهذه تختلف من انسان لاخر ومن بلد لاخر تبعا للتطور العام وقد نسمي هذا الانفلات من هذه الروابط الكثيرة بالحرية فهي اشبه بالحلم الكبير الذي مازال الإنسان يبحث له عن معنى حقيقي لذا نجد ها في صفحات التاريخ تمثل الحلم الذي يراود الا نسان في اطار التخلص من سلطة الطبيعة المدركة على أنها تلك الجاذبية التي تربطه بتلك السلطة الطبيعية ..
و الإنسان منذ ان خلق في دأب مستمر لابراز ما عنده من نوازع وافكار وامور ويعتبر الادب أحد أهم الوسائل لذا فان قصيدة النثر هي اخر ما توصل اليها الفكر الابداعي العربي من خلال التمازج الثقافي مع المجتمعات الاخرى وكأسلوب يحمل في طياته نتاجاً فكرياً بشرياً من خلال استناده الفى التقنيات الفنية ويتبلور من خلال مساحة الحرية المتاحة لها و التي تمتلكها هذه القصيدة بالقياس الى ما تمتلكه قصيدة العمود الشعري او قصيدة الشعر الحر كان لا بد لها أن تبرز هذا التناقض و توحده ضمن وحدة القصيدة في صورها الشعرية ومن خلال صياغتها اللغوية
لذا فالايقاع فيها مطلقا تام الحرية في اختيار الشاعر ما يريد حتى ان بعض الشعراء – وهذا ما لااقره – اعتمد اسلوب الابهام و التناقض في ايجاد نوعية شعرية رمزية غير مفهومة عند المتلقي وان سالت عنها قيل ( المعنى في قلب الشاعر ) فهي اذن تتكافأ مع رمزية القصيدة العمودية من حيث النزعات الشعرية والاختلاجات النفسية الا انها اوسع حرية في انتقاء الاسلوب وقد تضيع بين الايضاح والبهام والغموض الواسع ومتظهر كانها مستجدية الايقاع الشعري استجداءا بخلاف قصيدة العمود التي يظهر فيها الايقاع شامخا.



****************************
















الرمزية في الشعر بين الحداثة والغموض



تجلَّت الحداثة الشعرية في الوطن العربي في سبعينات القرن الماضي وبعد انتشار قصيدة النثر اذ اعتمد اغلب الشعراء- شعراء قصيدة النثر- الرمزية الغامضة في قصائدهم بشكل مفرط على نحوٍ تجسَّدت فيه جملةٌ من تحولات مفردات القصيدة الشعرية، وفي تحولاتها الموضوعية والجمالية وأساليب التعبير في التجربة الشعرية-ان صح التعبير - بحيث تباينت مواقف الشعراء وتفاعلهم إزاء موضوعات جديدة في الشعر هي اقرب للفلسفة منها للشعر مثل الموت والحياة و الوجود و الحقيقة. وادخل هذه التشكيلات في بنية نصوصه الشعرية على مستويات متماثلة هي اصلا من اساسيات الشعرية منها اللغة والدلالة والايقاع والصورة.

أولع شعراء قصيدة النثر بالرمزية الى حد الغموض حيث يرون فيه جمالا لا يتحقق في الا في المعاني الخفية ويشبهون الرمزية في نتاجاتهم الشعرية بانها (كالعينين الجميلتين تلمعان من وراء النقاب )
وكان للرموز والأساطير التي أولعوا بها منذ سبعينات القرن الماضي ولحد الان اثركبير في غموض القصائد الشعرية، الامر الذي طرح نوعية التوصيل الى المتلقي وصعوبته أحيانا، نتيجة ما وراء هذا الغموض من فلسفة فنية وحياتية يشوبها نوع من الغرابة في استعمال اللغة والعبارات الغامضة البعيدة عن الواقع الفعلي وقد كتبنا كلنا في قصيدة النثر وولجنا هذا الخضم الى جانب قصيدة العمود الشعري واستعملنا الرمز في قصائدنا لكننا لم نوغل في الغموض مثل الشعراء الشباب .

واذا رجعنا الى تاريخ الشعر وجدنا الرمزية لها وجودها في الشعر القديم ايضا اذ كان الشعراء لا يصرحون ببعض الامور التي لايرغبون ان يعرفها الاخرون في قصائدهم ومن هنا قيل ( المعنى في قلب الشاعر ) فالغموض في الشعر ليس معضلة تأويلية جديدة إذ أن طبيعة أي عمل فني يفترض على من يتعامل معه أن يجد سبلا لمعان متعددة ومتضاربة ويقاس هذا بامكانية الشاعر وقدرته وقابليته الفنية . يقول القاضي الجرجاني مشيرا الى رمزيته في التعبير الشعري ( وليس في الأرض بيت من أبيات المعاني قديم أو محدث إلا ومعناه غامض ومستتر، ولولا ذلك لم تكن إلا كغيرها من الشعر، ولم تفرد فيها الكتب المصنفة وتشغل باستخراجهما الأفكار الفارغة).

وعليه فمن حق الشاعر ان يستخدم المعاني الخفية تلافيا للوقوع في أسر الابتذال والتقريرية فالشعر يتطلب الرؤيا على ان لايجبر المتلقي – في رأيي الخاص – على استخدام قاموس اللغة واللهاث وراء معرفة ما قصده الشاعر في قصيدته بحيث يجعل مسارها مظلما حالكا عليه وعليه ان يترك فجوة تعبيرية او منفرجا للولوج الى جو القصيدة وان للشعر لنافذة تطل على المطلق، وحالة لا يمكن إخضاعها للنظر البارد كما يقولون.

فالرمز– إذن– يلازم اللغة الشعرية الخيالية القائمة على المجاز والمفارقة للغة العقل والمنطق والسهولة، فهو من افضل و أنسب المسالك للتعبير عن الذاتية النفسية وسبر اغوارها لأن جوهر الشعر الذي يعبر عن عمق التجربة قد لا يبدو واضحا اومحدد المعالم . فالغموض بصورة عامة صفة مشروعة من صفات الحداثة حين يصدر من أعماق تجربة ذاتية تحافظ على عمق الرؤية الفنية والخيالية الشعرية عندها تكون بعيدة عن النثرية او الحالة التي تحول بالفعل الخطاب الشعري إلى كلام عادي اقرب الى النثر منه الى الشعر على ان يكون قوامه العقل والمنطق والوضوح.

يقول الشاعر نجيب حماش في احد قصائده \

يتعفر بالورد والفلسفات

الحصى وقته انزياح المعاني

غامضا أبدا في فيوضات أنساقه

لايحد ولا ينتهي،

لاتفاجئه الأزمنة

لا يقال له أنت أو هو

ياملك المفردات

ويقال له ما يشاء

الندى وقته والنساء

ا نها تمثل الغازا وغموضا كثيفا وستارا ثقيلا لا ينخرق بسهولة ليدخل المتلقي الى ما يريده او ما يقصده الشاعر او يرمي اليه فهل نقول للمتلقي (ولما ذا انت لا تفهم ما يقال ؟ ) وكاننا نريد من الناس ان يفهموا ما نقول مهما كان غامضا فالشاعر في هذا المقطع يعبر عن حالة معينة قد يصعب فهمها من المتلقي وحتى المتمرس في قراءة الشعر مهما كان مستوعبا لامور الحداثة الشعرية و جديد ها ،

نعم قد يكون هناك ربط بين ظاهرة الغموض بطبيعة الرؤية الجديدة التي طبعت ولازمت القصيدة المعاصرة وبين النص الشعري المعاصر بحيث يبقى منفتحا على كل الاحتمالات المعرفية والحد سية والخيالية - ان صح التعبير- التي تجمع بين تناقضات الرؤية ومحاسن اللغة وتعدد الرمزية باشكالها المختلفة وفقا لمقدرة الشاعر وتوجهه .فالشاعر المعاصر يعبّر عن حساسية حضارية واسعة اساسها القلق النفسي هذا الذي هو ظاهرة العصر الحديث والبحث عن اللامحدود وعليه اصطبغت الرؤية الشعرية لديه بلهجة شديدة الغموض والتعقيد بحيث اصبح الشاعر المعاصر شاعر المفاجأة والرفض فلا يـبقـى عنده غير الإبداع فيفجره في جميع الاتجاهات كيفما شاء .

وخلاصة القول ان من المفيد في حالة استخدام الرمز ية
المفرطة الى حد الابهام والغموض ولكي لايكون المتلقي امام ليل حالك لذا توجب يوجد الشاعر فجوات ليمر النور من خلال بناء القصيدة في اللغة والاسلوب والمقصد الشعري فيضفي اليه مجالا يمكنه من الابحار فيها ويتحرى مقاصدها وما تروم اليه وشده اليها وثيقا بدلا من تركه لاهثا متعبا في ايجاد المعاني او المقاصد المبتغاة وهذه الفسحة يحسن الشاعر هند ستها بما أوتي من قدرة لغوية وشاعرية فذة وينفذ من خلالها الى نفسية القارىء او المتلقي والتاثير فيه وسحبه اليها سحبا جميلا ويحقق طموحا ت نفسه التواقة الى الرفعة والسمو .





************************











نظرة في شعرالزهد والشعر الصوفي

ان اواصر الصلة التي تربط بين الدين والشعر تتركز في اعتماد كل منهما على الروح الالهام والحدس والتلقي اعتقادا واعتمادا وافرا ابتداءا من اقتناع الانسان الاول بان لكل شيء روحا وهذه الروحية هي مافي الدين من شعر وما في الشعرمن دين وان الفرق بين الروءيا الصوفية والرؤيا الشعرية ينبثق من درجة تسامي كل منهما لذا نلاحظ في مجال الفناء في العالم والامتزاج فيه لدى الصوفي بحيث تتوحد كل تناقضاته ويغدو عينا شفافا خاليا من التعكر والصراع وربما لايفترض في التجربة الشعرية بلوغ هذاالمدى في كل الاحيان الا عند القليل من الشعراء ففي حالات الصفاء والشفافية تقترب رؤى الشعراء من رؤى الصوفية وقد تبلغ مبلغها من السمو والتركيز فتاتي او تجيء اشعارهم كشطحات صوفية جانحة الى الايماء والرمز والغموض واللامعقول

فالشعرالصوفي هو امتداد لشعر الزهد فقد انحدرا في نهر واحد ثم افترقا قريبا من بعضهما ثم يلتقيان في مصب واحد فشعراء الزهد كانت قصا ئدهم واشعارهم في التقرب الى الله تعالى طمعا في الجنة والجزاء الحسن ومن هنا كان شعرا مليء بالفاظ التوسل و الرجاء و المناجاة والتحذير من النار وملذات الحياة الدنبا وشهواتها والتذكير بالاخرة والمعاد والحساب يوم القيامة
اما الشعراء الصوفيون فقد نبعت اشعارهم وقصائدهم من هواجس الحب والشوق والوله والعشق لخالقهم لذا اختاروا الالفاظ الغزلية وكلمات الحب الخالص في التعبير عن مكنون انفسهم وافكارهم وما يداخلها من حب وشوق الى الله تعالى وشتان بين الخوف والرهبة وبين الحب والشوق فالشاعر الصوفي محب عاشق واله من حيث ان الصوفية في جوهرها وذاتها ضرب من ضروب الحب والوجد والوله والفنا ء بالحبيب واليه.

والاسلوب الشعرى هو بنا ء القصيدة من حيث الشكل والمضمون حسا مضمونا وفنا وتخيلا وتصورا واحاسيس ووجدان وعواطف وصورا شعرية وبلاغة وموسيقى و نحوا وبلاغة في كل ما يتطلبه البناء الشعرى للقصيدة وداخل فيها ابتدا ءا من مطلعهاالى خاتمتها .

واللغة الشعرية التي استعملها الشعراء الصوفيون قد اشتملت على الغزل العذرى وما فيه من الفاظ في الحب والشوق والوجد والفناء في داخل المحبوب وقد اضافوا اليهااحدى طرق التعبير الصوفي ماثلة في التلويح او الرمز الشعرى الذى يومىء او يستشير به لها ومن خلال هذا الطريق استطاع الشاعر الصوفي التعبير عما يخالجه ويجول بخاطره من عبارات دون الاكتراث بما حوله وقد اكد الشيخ الكيلاني هذه الحقيقة في شعره متخذا من الرمز او الاشارة مسلكا كقوله \

اسراري قراءة مبهمات
مسترة بارواح المعاني
فمن فهم الاشارة فليصنها
والا سوف يقتل بالسنان
كحلاج المحبة اذ تبوت له
شمس الحقيقة بالتدا ني
وقال انا هو الحق الذى
لا يغير ذاته مر الزما ن
ومن العناية الشعرية جودة الصياغة وحسن اختيار الالفاظ حيث كان الشاعر الصوفي دقيقا في اختيار الفاظ الشعرالصوفي في ظل الرمز. وقد استعمل الالفاظ السهلة وانتقاء الكلمات الحلوة او الجميلة التي تبين ما يتمتع به .

فالشاعر في قوة والهام في الاختيار والتعبير والشاعرية الفذة بالفاظ سهلة مالوفة يلبسها ثوبا جديدا قشيبا يتلون بالوان وهج القصيدة واحاسيسها واءوقعها بين الرقة والعذوبة والخطابية الكلمات الحلوة التي تبين ما يتمتع به وقد يستعمل الالفاظ السهلة وانتقاء الخطابية لذا جاء شعره رقيق الحواشى جميلها رمزيا .

اما الموسيقى الشعرية فانها تنبع من احساس الشاعر وما يتاجج في نفسه من احوال ومواجيد وقد ارتبط بالموسيقى مظهران اساسيان واضح من وعائهما وهما الاوزان والقوافي ففي مجال الاوزان الشعرية والوزن هو قالب موسيقي يعتمده اسلوب الشعر العربي اوهو مصطلح الايقاع واللحن الحادث من تجمع اصوات الحروف وتجاوبها مع بعضها تنسيقا واداءامع الصياغة من خلال انتقا ء الشاعر لها ونلاحظ ان الشيخ قدس سره قداختار لقصائده الاوزان ذات النغمات الطويلة والموءثرة في المتلقي لذا جا ئت قصائده تسبح في بحار الطويل والبسيط والكامل والوافر اما القوافي فانها تنطوي على تقدير الاتصال بين ابيات القصيدة الواحدة وتبرز اهميتها من خلال الاتصال والتناسق مع الاوزان الشعرية والانسجام بينهما بحيث نجد في الشعر الصوفي معظم قوافيه جاء منسجما مع الوزن بحيث تشكل جرسا موسيقيا عذبا متالقا متصاعدا تتفاعل مع العواطف المتلقية حتى تصل الى الانبهار في بعضها

اما فى موضوع الفنون الشعرية فاقول ان الصوفي ولد في احضان حركة الزهد الاسلامي وتطور من خلالها والشعر الصوفي ولد في رحم التيار العام للشعر الديني في ا لاسلام وترعرع فيه وقد عبر الشعر الصوفي بامانة عن مختلف النوازع الصوفية كالاعراض عن الدنيا والزهد فيها والاخلاد الى القناعة والرضا بفضل الله تعالى والصبر عند النوازل والشكر لنعم الله تعالى والتوكل عليه في السراء والضراء وفي مقامات الصوفية وحقيقتها نلحظ نهوض القلب في طلب الحق عزوجل والمقام عندهم مقام العبد بين يدي الله تعالى فيما ياءتيه من العبادات والمجاهدات والرياضات والانقطاع اليه تعالى مع فرض الاتيان بكل التكاليف الشرعيه والتاكيد على الديمومة عليها وكل هذه النوازع والسبل اليها نجده ثابتا في الشعر الصوفي والصورة الفنبة هي اللمحة والحالة الني بسجلها الشاعر وما يتمثل به من احساس وادراك للوصول الى ما تسمو اليه شاعريته ويروم تسجيله بحالة انصع وافضل والصورة الشعرية قمة خيال الشاعر فهي بحر يسبح فيه وسماءوسماء يعرج فيها وارض يتنزه عليها وفيها
والصورة الشعرية الفنية نجدها واضحة جلية في اغلب القصائد الصوفية ومقطوعاتها الشعرية و تشمخ من خلال دراسة هذه القصائد ونستطيع ان نلمس ذلك في الفنون الشعرية التي طرقها الشاعر الصوفي فكانت فنونا شعرية واغراضا مختلفة


****************************









الاساليب الشعرية



يقف الشاعر العربي في هذه الحياة موقفا واحدا و نظرة مماثلة . اما ان يكون منطلقا في رحابها كاشعة الشمس لاحدود لانطلاقته او يكون منطو على نفسه وحسبما تمليه عليه ظروف هذه الحياة فهو اما متفائل فرح يملأ قلبه السرور والانشراح كانه الربيــــــــع بازاهيره واخضراره وحبوره او متشائم مكتئب مفعم قلبه بالا لم والحسرة والحزن كالليل الاسحم او كالسمـــــــــــــاء الملبدة بالغيوم .

ان شخصية الشاعر لا بد تظهر في شعره فشعره مرآة صافية لشخصيته فهو قد يكون حكيما وقد يكون عاطفيــــــــــــــا تغلــــــب العاطفة عليـــــــه . فالاول يحكم العقل فيما ينظم وله القدرة على التماس مواطن الجمال بالبصيرة القوية والذوق السليـــــم فينفذ الى ذات الشيء ويزيل الستار عنه فيبدو كما هو حقيقة .
اما الشاعر العاطفي فهوالشاعر الفنان يتجاذب مع الحياة باحساسه وشعوره المرهف ويصــــوغ شعره بخياله البارع فتسمع اجراس قلبه تجلجل بين ابيات قصيدته مع هــــــــــواه يرتشف من بحر خياله تسمع نغمات عواطفه تتصارع مع الحدث في كل مايكتب ليعبر بخياله الواسع عما في وجدانه وذلك هو الشاعر الجيد .
ان الاساليب الشعرية في العصرالحديث هي ذاتها في القديم الا
انها اختلفت مراميها ومراقيها تبعا لتغير الحياة الحديثة بالقديمة وتبعا لما حدث في الشعرمن تجديد تغير ت بعض اساليبه تبعا لتطوير هذه الحياة وما ينعكس فيها فالشعر كمثل مرآة واسعة موضوعة في مكان عام تعكس ما يقع عليها من صور واحداث ويتبين كيفية الحركة واضحة جلية فيها .
. واليك بعض الاساليب الشعرية التي نترصدها من خلال قراءتنا للشعر والشعراء وما انتجوه قد لايخرج عن اطارهذه الاساليب :.


اسلوب الحكمة\

الحكمة او الفلسفة اسلوب معروف في الشعر وفيه يسمو الشاعر في اجواء نفسه ويطل علـــــــى الحياة من الاعلى ثم ينحدر متغلغلا في معانيها لحد دقائق امورها ويحف اطرافها مسيطرا على عواطفه واحاسيـــــــــه متعقلا ثم يوجه نظرتـــــه الكاشفة بشمولية من خلال عقله متفحصا فتظهر له الحياة على حقيقتها واضحة جلية تنبعث نظرته من العقـــــــل الواعي فياتي فكره في شعـــره مهيمنا على الموضوع متجردا من المكان والزمان وهذا سر مطابقته لكل الأوقـــــات والازمنة وينحدر في النفس المتلقية كالماء العذب انظر لهذه الابيــــات لبشار بن برد في العصر العباسي اما تزال طرية وذات تأثير في النفس رغم مروركل هذه القرون .

اذا كنت في كل الامور معاتبــــــــا
صديقك لم تلق الذى لا تعاتبــــــه

عش واحدا اوزر اخاك فانـــــــــــه
مقارف ذنب تارة ومجا نبــــــــــه

اذا انت لم تشرب مرارا على القذى
ضمئت واي الناس تصفو مشاربه

************


الأسلوب الخطابي

الشعر الخطابي هو الشعر المتدفق حيوية عن نفس الشاعر تدفق الشلال او العين الثائرة تحس فيه بحرارة تاخذك مع احساسيس التهاب انفاس الشاعر تعبيرا عما يخالجه من احساس تجاه المخاطب مطبوعا –في الاغلب – بطابع الجدية والشدة ويكون فيه الشاعر مندفعا وراء هواه وعواطفه وخياله الواسع داعيا لفكرته وعقيدته من غير تعقل او مدارسة الامور فهو وليد الساعة التي يقال فيها بغض النظر عن مواقعية الامور التي قد تحدث جراء ذلك وفيه التهويل والمبالغة واضحتان لاحظ قول عمرو بن كلثو م في الجاهلية كيف يخاطب ملـــــــك الحير ة في نونيته المشهورة


ابا هند فلا تعجل علينــــــــــــا
وانظرنا نخبرك اليقينــــــــــا

بانا نورد الرايات بيضـــــــــــا
ونصدرهن حمرا قد روينا

اذا بلغ الفطام لنا صبــــــــــــي
تخر له الجبابر ساجدينـــــا

ملاءنا البر حتى ضاق عنـــــا
وماء البحر نملوءه سفيـنا

اذا ما الملك سام الناس خسفـا
ابينا ان نقر الظلم فيـــــــنا


***************

اسلوب التحليل

هو الكشف عن الحقيقة وانجلائها بالبحث والتقصي و رائد الشاعر في هذا الا سلوب التحليلي للوصول الى صواب فكرته وارائه عن طريــــــق القياس والامثلة ولفت نظر المتلقي الى منهج خاص ومعين بالحياة هو منهج الشاعر ذاته ومحاولته كسب اهــــــواء الآخرين بتقرير مبدأ الحياة محاولا بسط منهجه بليونة مفرطة و بالدعوة والتحليل والمسايرة لتشد العزيمة ولعها تاتي بثمار يانعة وتكسب النجاح فهو اسلوب خطابي تحليلــــي يقوم على اساس قاعــــدة ثابتة لدى الشاعر ليستكمل بناء ما يدعو اليه وموقف الشاعر فيه عام موجه للقريب والبعيد منزه عن الزمان والمكان لاحظ قول الشاعر عمر الخيام في قصيدته
فلسفة الوجود :

اعمارنا كالسوآل يسعفه المــوت
يشافي الجواب في اللحد

فاشرب فاعمارنا الجراح
وما لها كمثل المدام من ضم

وانما الحياة كينبوع
جرى منه عوالم السد م

او انها كالبصيص تحضنه
ا يادي هذا الودود بالظلم

*************


الاسلوب البياني :


يعني هذا الاسلوب سرد وجهة نظر الشاعر حول الاحداث المحيطة به والتعليق عليها بارائه ازاءها وموقفه منها ومادتــه مكتسبة مما يدور بين الناس في المجالس . والجو الشعري فيه مفعم بالالفة والرغبة ويكون اما تقريريا او تأثيريا فهو اشبه بصور فوتوغرافية تعكس وجوه الاصحاب او الامور واضحة جلية وتتبين من خلاله شخصية الشاعر ونفسيته وقد يكون – ربما - بشكل اعترافات ومذكرات ومنه هذه الابيات للشاعر حارث طه الراوي :

ناموا بوكر العهر قصر رحابهم
لا يحلمون بغير قد اهيـــــــــــف

حتى اطل الصبح يعلن ثورة
فتصايحوا يشكون هول الموقف

من يسمع الشكوى وحتى ربنا
يابى سماع الظالم المستعطـــف

ما توا فما ماجت بصدر عبرة
اوقال انسان لعين اذرفـــــــــــي

حسب الطغاة بان يو م مماتهم
عيد به الدنيا تسر وتحتفــــــــي


************


أسلوب الواقع

وهذا الاسلوب يبدو الشاعر فيه مورخا لما يقع ويكتشف واقيعية الحيلة والمجتمع ويقر ذلك .
يمتاز بالسهولة والابانة وتكــون القصيدة سرد لواقعة معينة بأمانة وابيات القصيدة فيه تاتي متراصة احدها يكمل الاخر الى نهاية الحدث . واضحة معانيه وضوح الفكرة .واثر الفن فيه بيّن ومن ذلك قول الشعر معروف الرصافي متحدثا عن سياسة الانكليز المستعمرين ومن حالفهم مــــــن اراذل العراقيين :

انا بالحكومة والسياسة اعرف
الام في تفنيدها واعنــــــــــــــف

ساقول فيها مااقول ولم اخـــف
من ان يقال شاعر متطـــــــرف

هذي حكومتنا وكل شموخهـــا
كذب وكل طبعها فتكلــــــــــف

غشت مظاهرها وموه وجهها
فجمميع من فيها بارج زيــــــف

وجهان فيها باطن متســــــتر
للاجنبي المكشوف فيه تصلف

علم ودستور ومجلس امــــــة
كل عن المعنى الصحيح محرف


***************

اسلوب الحوار

الحوار هو تسجيل لما يدور على ألسنة الناس او بين الشاعر والاخرين ومنهم المتلقي وهو أسلوب قائم بذاته الشاعر ظاهر فيه اشبه بالصاحب او العشير فهو اما ان يكون ثأثيريا -وهو الأغلب -أو تقريريا او تلقائيا او حوارا بيـــــــــن الآخرين أو بين الشاعر وحبيبه في نشوة وتشوق او تأمليا يسرح خياله فيما حوله من امور لها تأثير في نفسية الشاعر وعاطفته فهو كمن يسمع حديثا فات عنه او يتصل بمجلسه .
ويخضع هذا الأسلوب للزمان والمكان لا انه فيه وقت وزمن وانما مايدور في ذلك الزمن كما يعبر عن كل نفس وما يجيش فيها بلسان حالها وأرتدي منه القـــــــول ما يلائمها ومنه قول الشاعر ابي فراس الحمداني الامير الشاعر في
رائيته المشهــــــــورة :


وفيت وفي بعض الوفاء مذلـــــــة
لفاتنة في الحي شيتمها الغدر

تسائلني من انت وهـــــــي عليمة
وهل لفتى مثلي على حاله نكر

فقلت كما شاءت وشاء لها الهوى
قتيلك قلت ايهم فهم كثــــــــــر

قالت لقد اسرى بك الدهر بعدنـــا
فقلت معاذ الله انت لا الدهر


*************

أسلوب الوصف


هو وصف لما يلحظه الشاعر من صور ومشاهد حية معبرا عن تجربته بين الاحياء والناس وما تمر به من احوال وخواطـــــــــــر ومواقف وامور يقف الشاعر ازاءها موقف امام مناظر يراها بالعين قد تؤثر في نفسيته فتهز شعوره عنيفا وتحــــــــــرك عاطفته جياشة حارة فتأتــــــي القصيدة بما توحيه نفسه اليه وتؤثر فيه فتهز شعوره فيبان ما يعتلج في قلبه من مشاعر ازاء هـــــــذا الموقف وربما جاءت وصفا لمشاهد حية فتكون كصور مشكلة مؤثرة بمقدار تأثر الشاعر بها او وصف لاحوال الشاعر فتكون الصور متغيرة بتغير الـــــــوان الشعور الشعري والعاطفي لديه لذلك تعتمد القيادة الوصفية على الدوافع النفسيــــــــــــة وتاثيراتها في الاستعـــــــــــــــارات والتشابيه البلاغية وتكون يد الشاعر الفنان مزخرفة للقصيدة ملونة لها وفق مايمليه احساسه ويعمد الـــــــى صقلها بما اوتي من شاعرية فـــــذة حتى لتبدو كمرآة صافية ترى فيه خيال الموصوف وروح الشاعر وبوضوح وجلاء بيّن
لاحظ قصيدتي الهائية فــــــــــــي الحبيب :


هي الشمس في نصف النهار بيهية
لكنها اوفى عهودا لراعيهــــــــــــــــا

هي الصورة الموحاة للروح نزعــة
واية للحسن تسبي معانيهـــــــــــــا

هي النور بل النو ر منها نابـــــــــع
والخلق, الاخلاق من ذا يجاريهــــــا

فقد يعجز القول بحصر صفاتهـــــا
والحبر والاوراق او ما يظاهيهـــــــــا

فهذي العيون العسل والرمش فوقها
كر شاشة الجندي الشجاع فماليهـــــــا

اذات العيون العسل رمشك قاتلـــي
وتحريك جفنيك الجروح يداويهـــــا

ليست لها مقياس يحصي جمالهــــا
وليست لها كالنور بالكون تشبيهــــا

***********

الأسلوب القصصي


هو قص اثر الحياة وما فيه او حكايته . وفيه يصور الشاعر بطبعه الحس الرقيق والدقيق ويستعرض القصة بعامل التشويـــــــــق ويقف موقف المحدث بين الانطواء والانطلاق ويرى المناظر والصور الشعرية راى العين فيستعرض ماحوله بيــــــن يديه علــــى مسرح الحياة وفي هذا الاسلوب تجتمع كل الاساليب الشعرية فهو يرسل الشعر او يعقده على سبيل ا لاتصال بين الشاعــــــر والقصة وتسجيل الوقائع والاحداث كما تكون . وقد يدخل في الاسلوب الوصف حيث يصف الشاعر ما يلحظه مـــن مواقف بين جوانب مجريات احداث القصة وفيه طابع الفن بين وواضح في نغمات شعرية متزنة وقد وجد هذا الاسلوب في الشعر العربــي منذ وجوده لاحظ هـــــــذه الأبيات للشاعر عمر بن أبي ربيعة الأموي في الغزل :

ثم مالت وسامحت بعد منـــــع
وارتني كفا تزين الســـــــوارا

فتناولتها فمالت كغصــــــــن
حركته ريح عليه فمــــــــارا

وذاقت بعد العلاج لذيـــــــــــذا
كجني النحل شاب صرفا عقارا

واشتكت شدة الإزار من البهر
وألقت عنها لدي الخمــــــــــارا


************

الأسلوب ألهوسي


حديث النفس للنفس فهو هوس النفوس حيث تكلم النفس ذاتها فكانما للشاعر نفسين تحدث أحداهما الأخرى وبهــــذا يكون الشاعر متخذا التعلل بالاماني الجميلة او الزائفة في بعض الاحيان او الأمور الخيالية حدسا في الغور الى اعماق الفن ويود ادراك كنه هذه النفس الشاعرة ومنطويا عليها او حائما حولها بنشوة او غائرا في اعماقها باحثا عمافي خفاياها من امور مستشفا ماترنو اليه حاضرا ومستقبلا لذا تكون القصيدة اشبه بقطعة موسيقية راقصة يهتز وجدان المرء إليها في وحدته وخلوته بنفسه لاحظ ذلك في قصيدة الشاعر اللبناني
فؤآد بليبل يقول:-

إنا من إنا يا للتعاسة من إنا شبه الشقـــاء

بل زهرة فواحة عبثت بها أيدي القضـــــــــــاء

عند الصباح تفتحت وذوت ولم يأت المساء

وطغى الفناء على الشباب فغاله قبل الفنـــــاء


**********

أسلوب الرمز


الإيحاء الشعري خالص للايحاء ويرمز الشاعر فيه الى حالة نفسية و تحت تأثير المحسوس فالشاعر فيه يطيل النظر الى الشيء ولا يراه او يدرك كنهه كما تراه العين البشرية انما يراه من خلال التعبير عنه بالرمز فالشاعر خال ألا من نفس الشاعر حيث يصف نفسه وحالته بصورة غير مباشرة على طرفي نقيض فيتحول بهذا الشئ الموصوف إلــــــى صورة رمزية لا تصور الا احساس الشاعر وإحساسه بذاته والاتزان ظاهر ملموس في تنسيق الصور ومقدرة الشاعـــر على النفوذ فيها لتحقيق مايرنو اليه فكأن الشاعر يعيش في انطواء تام وبذلك يكون افقه ضيقا ويرى الاشياء من ناحية واحدة ويشعر كأنه مفتون فيما حوله فيرى الاشياء معكوسة في مرآة خيالية صافية وحالة الشاعرفيها شبه انذهال فالشاعر يؤلف صورا يمزجها بمعزوفة موسيقيـــــــة يعزفها لنفسه وتصور احاسيسه الغامضة وغلبت على شعراء الشعر المعاصر قصيدة الرمز حتى إن بعضهم أوغـــل في الرمز الى حد اللا معقول او اللامفهوم وزمنه . هذه المقاطع من قصيدتي ( شقاء ) عالجت فيها حالة نفسية اثرت في نفسي ولازلت اذكرها رغم مرور عشرات السنين عليها أقول:-

منذ سنين كان عودي اخضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــر

كانت شجيرة أمنياتي ناميــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة

أغصانها خضراء تسمو زاهيـــــــــــــــــــــــــــــــة

تنمو وتزهو كبريــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاء

وروى الأماني في العيون نديـــــــــــــــــــــــــــــــــة

ملئت نظراتها بالسعد والفرح الغزيــــــــــــــــــــــــر

القلب يغمره الســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرور

يعيش في خلجات عيشه السعيــــــــــــــــــــــــــــــد

أيامها جذل أغانيها حبور وانشـــــــــــــــــــــــــراح

يتهادى النور فيها كالرجـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاء

وكأنها شمس الصباح تطل في اشراقها الانوار جذلى

اتبعث الامال فينا من جديــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد

فنملا الدنيا حيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاة

تزهو ريا العيش السعيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد

من جديـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد

*******************


الأسلوب الغنائي

ونعني به الترتيل والانسجام المحسوس في تحويل نظر الشاعر على العالم في هدوء وانتظام وموقف الشاعر فيه موقف العابد في محرابه وخاصة في الغزل والمدح والرثاء وبالرثاء يطوي الشاعر نفسه في غلالة سوداء قاتمة بلون ما يعتمل في احساسه او شعوره اتجاه الرثي ويعني بالايحاء خالصا لوجه التاءثير في المتلقي وطابعها الفتي غنائـــــــي ينزوي الشاعر فيه للعبادة تهيمن عليه روحانية لا تعلل الا في ضوء احساسه لاحظ قول الشاعر الجاهلي امرئ ألقيس

وليل كموج البحر مرخ سدوله
علي ابواع الهموم ليبتلـــــــــــــــــــــــي

فقلت لما تمطى بصلبـــــــــــــه
وأردف إعجازا وناء بكلكـــــــــــــــــــــل

الا ايها الليل الطويـــــــــــــــــل الا انجلي
بصبح وما الإصباح منك بأمثل

فيالك من ليل كاءن نجومـــــــه
بكل مغار الفتل شدت بيذبــــــــــــــــــــل

إن سر الوحدة الشعرية هو احتفاظ الشاعر بالموقف الثابت او القرار الحاسم وكلما كثر اطلاعه وغزرت ثقافته اتسق اسلوبه وقد يجمع الشاعر في القصيدة الواحدة اكثر من اسلوب واكثر من موقف الا الاسلوب القصصي فبه يستطيع الشاعر ان يلم بجميــــــــــــــع الاساليب الشعرية


-----------------------------------
















علم العروض

ميزان الشعر العربي



العروض علم واسع ومستقل يُبحث في الموسيقى الشعرية للشعر العربي او عن أحوال الأوزان المعتبرة فيه ، أو هو الميزان الشعري الدقيق يعرف به نوع موسيقى القصيدة العربية بمعرفة نوع التفاعيل المؤلفة لها ومعرفة القصيدة التامة الوزن من الهزيلة او الضعيفة او المكسورة او الناقصة الوزن.

فالشعر العربي مكون من بيت واحد او مكون من بيتين اثنين ويسمى ( النتفة )اوثلاثة الى ستة ابيات وتسمى (مقطوعة)وقدتزيد على ذلك فتسمى( قصيدة ) فالقصيدة العربية مكونة من سبعة ابيات فاكثر وقد تصل الى الف بيت شعري او تزيد الا ان القصائد العربية تكون بين العشرة ابيات والمائة بيت في الاغلب

والبيت الشعري مكون عدة تفعيلات في الجزء الاول منه والذي يسمى( الصدر اوالشطر ) ومثلها في الجزء الثاني من البيت الذي يسمى( العجز) والشطر والعجز متساويان في الميزان من حيث الوزن وعدد الاحرف وحركاتها وفي كل من الشطر والعجز تفعيلة مهمة جدا فالموجودة في نهاية الشطر او الصدر تسمى ( العروض ) ومنها اشتق اسم هذا العلم فسمي (علم العروض) وسميت بهذا الاسم لانها تقع في وسط البيت فاستقت اسمها من اسم العا رضة التي كانت توضع في وسط الخيمة او البيت فتحمله ويكون ثقل البيت عليها لاهميتهاالكبيرة

اما التفعيلة المهمة الثانية في البيت الشعري فتسمى (الضرب )وهي اخر تفعيلة في الشطرالثاني من البيت او هي اخره وسميت بالضرب لان البيت الشعري يبنى عليها فالقصيدة بكل ابياتها التالية تبنى على تفعيلة الضرب فاذا بني البيت الاول على ضرب معين اوهيكلية معيةاونمط معين بنيت عليه كل القصيدة بما فيها حركتها على الحرف الاخير .وتسمى بالقافية ايضا
اما بيقية التفعيلات في الشطر او في العجز فانها تسمى (الحشو) فالحشو اذن هو كل البيت الشعري عدا تفعيلتي (العروض والضرب )

ربما يستطيع الشاعرالمتمكن ذو الحس المرهف او ذو الاذن الموسيقية الحادة من قول الشعر دون ان يلم بعلم العروض و لكنه مهما اوتي من امكانية شعرية يبقى بحاجة إلى دراسة هذا العلم للاطلاع عليه وعلى اهميته في مجال نظم القصيدة ، فأذن الشاعر الموسيقية مهما كانت درجة رهافتها ربما لاتستجيب جيدا لصاحبها في التمييز بين الأوزان الشعرية وخاصة المتقاربة منها والجائز وغيرالجائز في الوزن اذا علمنا ان الاوزان الشعرية يدخلها بعض المعايب المسموحة مثل الخبن والكف والطي والزحاف وما اليها مما تؤثر تاثيرا كبيرا على الاذن الموسيقية في معرفة احالة البيت الى هذا البحرالشعري اوذاك وكذلك بين قافية سليمة وأخرى معيبة ، وان جهل الشاعر الموهوب بأوزان الشعر و بحوره المختلفة قد يحصر شعره في بعض أوزان خاصة ، وبذلك يحرم نفسه من العزف على أوتار شتى تجعل شعره منوع الأنغام و الألحان ،ولو اني لا ارجح هذه الفكرة رغم انها لها نوع من الصحة من العمل الشعري فاني كشاعر ا فضل ان ا كتب في البحر الكامل او البسيط او الهزج مثلا اكثر مما اكتب في غيرها فانها تتلائم مع نفسيتي . موسيقاها ترن في اذني افضل من غيرها وهذا لا يعني اني لا اكتب في غيرها او لااتمكن من الكتابة في غيرها فأهمية دراسة الشاعر لعلم العروض توسع مداركه وتشد اذانه الموسيقية وتعطيه دعما ان لاتخطا اذانه في موسيقى هذا البحراو ذاك كم تؤهله الى معرفة أصول البحور الشعرية وسعة نغمات كل منها ايضا .
هناك صلة تجمع بين علم العروض وعلم الموسيقى ، و هذه الصلة تتمثل في الجانب الصوتي ، فالموسيقى تقوم على تقسيم الجمل الكلامية إلى مقاطع صوتية أو وحدات صوتية وفي علم العروض ايضا يتم تقسيم البيت من الشعر إلى وحدات صوتية معينة أو إلى مقاطع صوتية تعرف بالتفاعيل او الاوزان الشعرية وقد استحدث علماء واساتذة وفنانوا الموسيقى رموزا للانواط الموسيقية وفقا للانغام المختلفة وكذلك في علم العروض فقد وجدت رموز خاصة به وفقا للحركة اللغوية وحركة الحرف العربي والذي بعده تخالف الكتابة الإملائية وتعتمد على الحروف المكونة للكلمات المكونة للبيت الشعري وفقا لتفاعيله فيرمز للبحرالطويل التام او السليم مثلا فنرمز\ ن للحرف المتحرك و \ - للحرف المتحرك الذي بعده ساكن والذي تعاعيله او موسيقاه تاتي كالاتي \
فعولن \مفاعيلن \ فعولن \ مفاعل \ في الشطر
فعولن \ مفاعيلن \ فعولن \ مفاعيلن \ في العجز
ترمز لها عند بعض علماء العروض بمايلي\
ن- - \ ن - - - \ ن- - \ ن- ن - \ في الشطر
ن- - \ ن - - - \ ن - - \ ن - - - \ في العجز
بينما الرموز في بحر الكامل تكون موسيقاها اكثر شفافية واكثرا الحانا واكثر حركات فهي تاتي على وزن \
متفاعلن \ متفاعلن \ متفاعلن في الشطر مثلها في العجز
ويرمز لها \
ن ن – ن - \ ن ن – ن - \ ن ن – ن - في الشطر ومثلها في العجز ايضا ا

اما الايقاع الموسيقي او النغم الموسيقي ربما يخرج عن فن الايقاع الشعري الا انهما متلا زمان مترابطان ولد احدهما في رحم الاخر وترعرع معه وفي كنفه فالايقاع الموسيقي العربي ودساتين هذا الايقاع هي السبابة والوسطى والبنصر والخنصر على التوالي اساسا لنغم الموسيقى وقد جعل اسحاق الموصلي الانغام تسعا وضوعفت بمرور الوقت فاصبحت ثماني عشرة نغمة وقد بنى العرب الحانهم على ايقاعات معينة اذكر منها على سبيل المثال\- الثقيل الاول متكون من ثلاث نقرات متتالية ثم نقرة ساكنه ثم يكرر او تعاد لتشكل نغما موسيقيا خاصا ويرمز لها ن ن ن -- رمزنا للنقرة المتحركة \ن وللساكنة \ - او كما في النوطة الموسيقية الثقيل الثاني متكون من ثلاث نقرات متوالية واخرى ساكنة تتبعها اخرى متحركةويرمز لها \ ن ن ن - ن – خفيف الثقيل متكون من ثلاث نقرات متتالية لايمكن ان يكون بين واحدة زمن نقرة وبين كل ثلاث نقرات نقرتان زمن نقرة ويرمز لها
ن ن ن – ن ن \
( لاحظ مقالتي النغم الايقاع المنشورة في موقعي اسلام سيفلايزيشن وكتابي في الادب والفن )

وقبل ان اختم مقالتي اود ان اضيف ان البحورالشعرية فقد ااكتشفها او اول من كتب فيها فهو الخليل بن احمد الفراهيدي البصري المولود سنة \100 هجرية و المتوفي 174 هجرية وكان له الفضل الاول فيها وكان اماما في النحو واللغة ايضا وثبت في بحوثه خمسة عشر بحرا هي \ الطويل والكامل والبسيط والهزج والمديد والوافر والرمل والرجز و الخفيف والسريع والمنسرح والمضارع والمجتث و المقتضب والمتقارب وتداركه الاخفش في بحر واحد اسماه \ المتدارك او المحدث وهذه هي البحورالشعرية الستة عشر التي نظم فيها الشعر العربي جميعه

وعلى العموم فان الشاعر لا يستطيع أن يرتقي بشعره إلا إذا تعلم أصول علم العروض بما فيها الوزن و القافية ، وان معرفته لعلم العروض تمثل الاساس التطبيقي لاصول القصيدة العربية ويبقى الشاعر محتاجا الى عكاز ليستند اليه الا وهو علم العروض وكذلك هذا العروض يحتاجه الناقد والكاتب في عمليهما الدؤوب.

ولعلي اعود فاكتب فيه مرة اخرى فاغوص في اعماق هذا العلم والله الموفق .



************************


















الفنون الشعرية المعاصرة

من المعروف ان الامة العربية امة شاعرة والعاطفة الانسانية واسعة مساحتها في نفس هذا الانسان العربي .ولايزال الانسان العربي يندفع وراء عواطفه الى ابلغ الحدود وبما لا يندفع اي انسان اخر من الامم الاخرى مثل اندفاعه العاطفي وشدة تاثره بالاحداث فهو شديد التأثر بما حوله واللغةالعربية لغة الشعر والادب والكتابة الادبية وتكونت هكذا بطبيعتها تبعا لتكوين الانسان العربي .
فهي تنسجم مع تطلعات الانسان العربي وتفكيره وخوالجه وافكاره وعواطفه وهي بحق اللغة الشاعر ة كما يقول الاديب المرحوم عباس محمود العقاد لذا ترى فيها كل ما تحتاج اليه من تعبير شعري لتعبر به عن ما يعتمل في النفس وربما تزدحم فيها الكلمات على الشاعر اوالكاتب فيكتب مايريد ولا يستجدي كلماتها استجداءا او يتعب نفيه في البحث عن كلمة يعبر فيها عما يجول في نفسه
فاللغةالعربية مثل اهلها شاعرة مطيعة طيعة الا انها كثير ة التعقيد واسعة في مفردات كلماتها اشتقاقية في مسارها واصول قواعدها وتشكيلها دالة كلماتها على عاطفة انسانها ومنبعثة من خوالجه ومايحس به فهي لغة شاعرة مثال اهلها .
لذا كان الفرد العربي ولا يزال - مهما كان هذا الفرد – يعبر عما في خوالجه وافكاره وله القدرة في التعبير عنها وعن هذه العواطف التي تجتاح نفسه فتصدر كشعر او نثر او غناء و بكاء وطرب وضحك وما شابه .
فاذا تركنا الجميع وجئنا الى الشاعرالعربي وجدناه قمة في الخيال والعواطف والتعبير الشعري عما في اعماق نفسه وما يحس به وهكذا هو الشاعر العربي عبر العصور المختلفة التي مرت بها هذه الامة.
وفي العصر الحديث نجد الشاعر العربي رغم التاثيرات الكثيرة - التي حاولت او تحاول ابعاده عن لغته او تقلل من عواطفه اتجاه عربيته - لصيقا بلغته هذه الشاعرة ويغرف منها ما يشاء ويختار للتعبير عما في نفسه وما يحس به في محيطه وممجتمعه العربي .
الفنون الشعرية التي نظم بها الشاعر الجاهلي ومن جاء بعده هي ذاتها الفنون التي لاتزال عالقة في النفس العربية ونجدها في متناول الشاعرالعربي اليوم ينظم بها شعره او يقوله وستبقى ذاتها مهما تغيرت اساليبها ومعانيها بين شاعر الجاهلية وما بعده وشاعراليوم وا لا انه من البديهي ان تخضع لتطورالزمن الواسع في ايجاد فن جديد او غرض اسمى لم يكن موجودا في القدم تبعا لحاجة المجتمع اليوم ومسيرته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفنية كشعر النكبة الذي استحدث بعد ضياع فلسطين فتعني الشعراء بها وبكوا او تباكوا عليها كثيرا حتى اصبح غرضا بعينه وان لم يكن حد يثا وجوده انما تطور من شعر رثاء المدن الذي تطور بحد ذاته من فن الرثاء كما حدث يعد ضياع الاندلس . وهنا اسجل اهم الفنون الشعرية القديمة الحديثة وهي :/

*************************
1- الشعر السياسي

ان اهم الاحداث التي تأثر بها الشاعرالعربي او قل المواطن العربي ككل هي الاحداث السياسية التي مرت وتمر على الامة العربية وخاصة في العصرالحديث اي في القرن الحادي والعشرين وما عانته الامة العربية من احداث وما قد اصيبت به من مصائب وكوارث وقد بينت جزءا منها عند دراستى للشعرالحد يث وعندما اكتب عن الشعر المعاصر اجد نفسي كمن وقف في مكانه لم يتحرك فالا حداث هي الاحداث والمصائب هي ذاتها التي المت بامتنا العربية لا تزال قائمة والشعراء المحدثون والمعاصرون تنعكس كمرآة امامهم يرون فيها او يواجهون نفس الحالة فراحوا يكتبون الشعر وينشدونه يعبروم عما في نفوس هذه الجموع العربية الغفيرة وما تطمح اليه نفوسهم وتهوى اليه قلوبهم .
لذا نلاحظ ان الشعر السياسي في الشعر العربي قد اخذ حيزا كبيرا جدا في مجال الشعر ويكاد يزيد عن كل ما نظم ا و كتب من شعر في الفنون الشعرية االاخرى فهذه قضية فلسطين احتلت المكانة الاولى لدى الشعراء العرب وحتى عند ا و لئك الشعراء الذين ابتعدوا عن السياسية فراحوا يكتبون للعشق والغرام و المرأة وجمالها وحسنها ومعاناتها العاطفية نجد بين قصائدهم قصائد رائعة بل وثائرة تعبر عما في نفس هذا الشاعر ا و ذاك اتجاه هذه القضية – قضية فلسطين – لذا نستطيع ان نقول ان اهم الاغراض الشعرية الحديثة والمعاصرة هي الاغراض السياسية وشعر القضية الفلسطينية او مانسميه اصطلاحا – شعرالنكبة –
يقول الشاعر العراقي مظفر النواب في قصيدته –
الاساطيل :
ايه الاساطيل لاترهبوها
قفوا و لو عراة كما قد خلقتم
وسدوا المنافذ في وجهها
والقرى والسواحل والارصفة
انسفوا ماستطعتم اليه الوصول
من الاجنبي المجازف واستبشروا العاصفة
مرحبا ايها العاصفة
مرحبا مرحبا مرحبا ايها العاصفة
احرقوا اطقم القمع من خلفكم
فالاساطيل والقمع شيء يكمل شيئا
كما يتنامى الكساد على عملة زائفة
بالدبابيس والصمغ هذي الدمى الوطنية واقفة
قربوا منها النار لاتخدعوا انها تتغير
لايتغير منها سوى الاغلفة
مرحبا مرحبا ايها العاصفة
ايها الشعب احشي المنافذ بالنار
اشعل مياه الخليج تسلح
وعلم صغارك نقل العتاد كما ينطقون
اذا جاشت العاطفة
لاتخف لاتخف
نصبوا حاملات الصواريخ
نصبوا جوعك
ضع قبضتك على الساحل العربي
وصدرك والبندقية والشفة الناشفة
رب هذا الخليج جماهيره
لا الحكومات لاالراجعون الى الخلف
لاالاطلسي ولا الاخرون وان نضحوا فلسفة
لاتخف لاتخف
لا تخف اننا امة
اما في فلسطين فالشعراء العرب ابدعوا وانشدوا وشدوا كثيرا جراحات ودما نازفا في ارض المعركة في فلسطين من هذا الكم الهائل من شعر النكبة – بل شعرالمقاومة نختار هذه الابيات للشاعر الفلسطيني سميح القاسم :-

طعام الشهيد يكفي شهيدين

يا أمنا الريح .. ياهاجر المتعبه

أعدي الطعام القليل لأبنائك العائدين على عربات المنافي

خذي كفني شرشفاً للأواني العتيقة

قومي افرشي للضيوف الأحبة كوفيتي..

إنهم متعبون جياع

أعدي لهم وجبة من بقول الخراب

أعدي كؤوس العذاب

وإبريق أحزانك المرعبه

سيجمعنا الخبز والملح عما قريب

وتجمع أشلاءنا لقمة العودة الطيبه

وأفتح دفتر أمسية شاعرنا
اما انا فاكتب في بغداد والخراب الذي لحقها حين احتلها الامريكان ومن معهم والخائنون الذين وضعوا ايديهم في ايدي الغاصبين الجبناء فاقول \

بغداد يابغداد يارمز المحبة والصفاء
ضيعوك الغادرون بظلمهم - ياللغباء
جعلوك فريسة للطامعين الغرباء
فليكتب التاريخ سطرا في المذلة والخناء
فقد بلت نفوسهم المها نة فلا حياء
=========
بغداد يابغداد صبرا ايا قوت القلوب
بغداد ياقلعة العراق شمال وجنوب
بغداد عذرا هجرت يراعي والكتيب
يغداد عذرا فر دوسي انت والحبيب
بغداد ز رتك ضامئا قد مسني فيك اللغوب

==============

رحلة العمر طويلة مات بين جيم وسين
خمس وستون تمضي قد حلق الهم السنين
لم يبق من عمري طويلا غير هزيع من قرين
رحت ابكيك يابغداد كانني فيك سجين
اندب القرب ا رتجا لا طاردا هم الشجون
====================
رحت في حلم اسود فزاع مرير
لم يبق من عمرك شيء غير انات القبور
نقطة نقطة نقطتان جف يراعي والبحو ر
قطرة قطرة قطرتان من نجيع وجهك المنير
بغداد والعراق قطرتان كثرت قطارا في هدير
=======================
قطرة قطرة قطرتان زخات قطار
ملاءت كل الشوارع والمواقع والديار
بل صارت بحارا جمعت كل البحار
ضاع بيتي والمحلة ضاع ليلي والنهار
رحت ابحث عنك يا بغداد يا ام القرار

==============

وتلمست ما حولي فاذا نجيع في نجيع
الكل مجروح الفؤاد الكل في الغم صديع
واذا الامر الناهي غريب او وضيع
رحت اصرخ في نفسي واعماقي نزيع
فاذا كل ماحولي مريع كل ماحولي مريع
=================
رحلة العمر طويلة فيها اتعبنا الزمن
كلما رمنا صلاحا نجني احقادا احن
شرعوا القتل علانا فيك وتمثيل البد ن
بدلوا شرعة الله تعالى شرعة القتل ما امن
اضحى رعاع الناس حكا ما واعلاما لمن ؟؟
=====================
الف عام للوراء قد جلل الناس السواد
دارت الدنيا جحيما واكتوت بها كل العباد
الم مض في جسمي احرقني غمالرقا د
قرحت جفني الرزايا والبلايا والسها د
لله اشكو ما نلاقي - ربي رؤوف بالعباد

---------------------------------------

غصبوا عفافك غيلة اظالمون الغاصبون
جاؤوك فئران جحر في الرذيلة غارقون
سود الوجوه زعانف وكل شر يمكر و ن
رحماك ربي منهم عسل الكلام لا فظو ن
بغداد يابغداد صبرا فاننا برحابك صابرون


2- شعر الغزل والتشبيب

الغزل من الفنون الشعرية المعروفة في الشعر العربي وقد كتب فيه الشعراء المعاصرون كثيرا وعبروا عن عواطفهم وخلجات قلوبهم ازاء الحبيبة الغالية ووصفوا سهراتهم واحوالهم وما يعانونه من حب ووله وغرام ولا يوجد شاعر الاكتب للمرأة شعرا وللحبيبة قصيدة يبثها حبه وشوقه ولوعته ومن الملاحظ ان اغلب الشعراء قد ابتعدوا في هذا العصر عن الوصف الجنسي للمرأة وكل مايعيب .
ومن الشعراء من اختص في شعرالغزل وشعرالنساء وعواطفهن وما يشعرن به وما يشعر الشاعرازاءالمرأ ة الحبيبة اوالزوجة او العشيقة مثل الشاعرالمعروف نزارقباني الذي كتب للمرأة الشيء الكثيرمن شعره ومن شعر الغزل هذه القصيدة للشاعر نزار قباني بعنوان مدرسة الحب :

علَّمَني حُبُّكِ أن أحزن

وأنا مُحتَاجٌ منذُ عصور

لامرأةٍ تَجعَلَني أحزن

لامرأةٍ أبكي بينَ ذراعيها

مثلَ العُصفُور..

لامرأةٍ تَجمعُ أجزائي

كشظايا البلورِ المكسور

***

علَّمني حُبّكِ.. سيِّدتي

أسوأَعادات


علّمني أفتحُ فنجاني

في الليلةِ آلافَ المرّات

وأجرّبُ طبَّ العطّارينَ..

وأطرقُ بابَ العرّافات

علّمني.. أخرجُ من بيتي

لأمشِّط أرصفةَ الطُرقات

وأطاردَ وجهكِ..

فيالأمطارِ، وفي أضواءِ السيّارات

و أطارد ثوبك..

في أثواب المجهولات

وأطاردَ طيفكِ..

حتّى.. حتّى..

في أوراقِ الإعلانات

***

علّمني حُبّكِ

كيفَ أهيمُ على وَجهي ساعات

بَحثاً عن شِعرٍ غَجَريٍّ

تحسُدُهُ كُلُّ الغَجريّات

بحثاًعن وجهٍ.. عن صوتٍ..

هوَ كُلُّ الأوجهِ والأصوات

***

أدخلني حبُّكِ سيِّدتي

مُدُنَ الأحزان ..

وأنا من قبلكِ لمأدخل

مُدُنَ الأحزان..

لم أعرِف أبداً ..

أن الدمعَ هوالإنسان

أن الإنسانَ بلا حزنٍ..

ذكرى إنسان..

***

علّمني حبكِ..

أن أتصرَّفَ كالصّبيان

أن أرسمَ وجهك..

بالطبشورِ على الحيطان

وعلى أشرعةِ الصَّيادين

على الأجراسِ، على الصُّلبان

علّمني حبكِ.. كيف الحبُّ

يغيّرُ خارطةَالأزمان ..

علّمني.. أنِّي حينَ أُحِبُّ

تكُفُّ الأرضُ عن الدوران..

علّمني حُبك أشياءً

ما كانت أبداً في الحُسبان

فقرأتُ أقاصيصَ الأطفالِ..

دخلتُ قصورَ ملوكِ الجان

وحلمتُ بأن تتزوجني

بنتُ السلطان ..

تلكَ العيناها..

أصفى من ماء الخُلجان

تلك الشفتاها..

أشهى من زهرِ الرُّمان

وحلمتُ بأني أخطِفُها مثلَ الفُرسان..

و حلمت بأني أهديها أطواق اللؤلؤ و المرجانْ..

علَّمني حُبُّكِ، يا سيِّدتي، ما الهذيان

علّمني.. كيفَ يمرُّالعُمر

ولا تأتي بنتُ السلطان..

*** ******************
ومن قصائدي في الحب والغزل هذه الابيات من قصيدة بعنوان جنة الفردوس :-


فؤادي اذاقته الزبيدية الردى
فروحي بها هيمى وشوقي سيؤذيها

لقد ولّعت قلبي الجريح بحبها
فكري طار نحوها كي يوافيها

لقد لعب الدهر الخؤون بشملنا
وحاقت من الكرب الدواهي ضواريها

هموم بقلبي لا انجلاء لافقها
وافاق افكا ر لي الاوهام تمليها

فلو يبدي قلبي عشر اعشار همه
لما استطاع الناس بالجهد يخفوها

ولأسودت الافاق حزنا كل ليلة
غابت نجوم الليل والغم يخفيها

وصامت طيور الروض عما تغرّدت
وأنّت بلحن ناصب في نواحيها

فالافق باكي العين حمر خدوده

قريح الجفون الغضّ دمعي يدمّيها

طالت ليالي الدهر اضعاف وقتها
وزالت نهارات فالليل داجيها

وأحنت حقول الروض رؤوسا لغمّها
فاوراقها صفراء جفت مجاريها

بكت حالتي فاضت منابع دمعها
فالقدّ مشحوب الثرى يروي تعازيها

راغمت نفسي ان تعيش قريرة
وتأبى النفس الا حبيبا يناجيها

وتأبى نفوس الناس عيشا منغصا
فترنو الى الاسنى تحيي امانيها

فان نفس امرىء تجارت خبيثة
فالخبث خبث وليس الحب يهديها

وان اهتدت نفس بحب لدربها
فتلك نفوس شامخات شآ ويها

امرت فؤادي يقصي غرامها
وقلبي مشحون غراما وتمقيها

احببتها روحا لدي عزيزة
وجنات احلامي اسكنتها فيها

دخلت ايا روحي فؤادي عزيزة
- روحي كما تهوين- الودّ يجليها

اكنّيك ياجنة الفردوس عابقة
خوفي من العذال نجني مكاريها

تذكرت كيف الشوق والحب قادني
اليها وضعت يدي عهدا بأيديها

واخلصت حتى الموت عهدا لحبنا
هل بعد هذا العهد غدرا وتمويها

وعهدي ان لا تقطع العهد بيننا
فنحي الحيا شوقا وحبا سنبنيها
وقلبي صلت لايهيم بخودة
وان اظهرت شوقا اليّ وتدليها

لكن قلبي هام في سفر حبّها
وغاص الى الاعماق في قعر واديها

ليرعى زهيرات نمت في ودادها
ويجني ثمار الغرس رفقا بساقيها

هي الشمس في نصف النهار بهيّة
لكنها اوفي عهودا لراعيها

توفي العهود المبرمات وديعة
رحيم فؤادها الكرام اهاليها

هي الصورة الموحاة شكلا بما بها
واية للحسن تسبي معانيها

هي النور بل النور منها نابع
والخلق والاخلاق من ذا يدانيها


فليست لنا مقياس يحصي جمالها
وليست لها –كالنور- بالكون تشبيها

وقد يعجز القول لحصر صفاتها
والحبروالاوراق او مايضاهيها

فالشعر ليل قد تشقّر فجره
وتبر مزيج منهما صار يجليها

تدلت جديلات طال امتدادها
تلامس العجز الرديف ذوابيها

يشعّ سناءا حين يسطع نوره
تهادى من الشمس شعاعا يواجيها

اذا كان ضوء الشمس فيه تماوج
فامواج بحر داعب الريح عاليها

وهذي العيون الفاتنات بسحرها
كرشاشة الجندي الشجاع ترميها

رمتني سهاما صائبات بطرفها
اخرقت غشاء القلب آثارها فيها

وتلك العيون الناعسات قتلنني
وتحريك جفنيها الجروح يداويها

اجمل بها قدا رشيقا يزينها
جمال القوام الغضّ خصرا يدانيها

لها مبسم للشمس ان فاه مشابه
وللزهر بالبسمات رفقا سيغريها

اذا مابدت فالشمس خجلا تزاورت
والبدر يخبو فاقد النور خاليها

احببتها للروح اوفى حبيبة
والحب يملي القلب مني ويمليها

نبقى على الاخلاص نبني ودادنا
ونجني ثمار الحب خيرا و ترفيها


--------------------------------------------
3- شعرالمدح والفخر

شعر الفخر او شعر المدح هذا الفن الجاهلي الذي عبر كل البقرون ووصل الينا لايزال في موقعه فالدح الجاهلي والعصورالتي تلته كان في الحكام والمتنفذين ولا يزال فاغلب الشعراء قالوا المدح في العصر الحالي في مدح رؤساء وملوك الدول العربية رغم علمهم ان بعضا منهم لايستحق كل هذا المدح والاطراء الباذخ و النفاق المبرقع فقصائد المدح التي تقال في المهرجانات والاحتفالات اغلبها زائفة وطمح الشعراء نيل حضوة اوجاه اومال ازاءها فمثلهم كمثل شعراء العصور الاخرى بدءا من العصر الجاهلي وكل رئيس او خليفة او ملك اوامير اوقل رئبس دولة اتخذ من بعض الشعراءمداحين له ومطبلين
اما شعرالفخر فقد فخر الشعراء بابطال العروبة والمقاتلين في ساحات الوغي حتى الاستشهاد اولئك الذين ضحوا بارواحهم في سبيل كرامة وعزة الامة العربية وفخروا باوطانهم وعزتها عليهم والدفاع عنها بالنفس والمال والكلمة الصادقة ومن شعر الفخر هذه الابيات للشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد يفخر بها في وطنه الصبور الذي تكالبت عليه الدول الاكلة لتقيده وتأكل كل مافيه وتسحق اهله الصابرين وتمزق لحمتهم وتشرد الطيبين منهم يقول –

قالوا وظلَّ.. ولم تشعر به الإبلُ
يمشي، وحاديهِ يحدو.. وهويحتملُ
..
ومخرزُ الموتِ في جنبيه ينشتلُ
حتى أناخ َ ببابِ الدار إذوصلوا

وعندما أبصروا فيضَ الدما جَفلوا
صبرَ العراق صبورٌ أنت ياجملُ!
صبرَ العراق وفي جَنبيهِ مِخرزهُ
يغوصُحتى شغاف القلب ينسملُ
ما هدموا.. ما استفزوا من مَحارمهِ
ما أجرموا.. ماأبادوا فيه.. ما قتلوا

وطوقـُهم حولهُ.. يمشي مكابرةً
ومخرزُ الطوق في أحشائه يَغـِلُ

وصوتُ حاديه يحدوهُ على مَضضٍ
وجُرحُهُ هو أيضاً نازِفٌ خضلُ

ياصبر أيوب.. حتى صبرُه يصلُ
إلى حُدودٍ، وهذا الصبرُ لا يصلُ!

يا صبر أيوب، لاثوبٌ فنخلعُهُ
إن ضاق عنا.. ولا دارٌ فننتقلُ
لكنه وطنٌ، أدنى مكارمه
ياصبر أيوب، أنا فيه نكتملُ

وأنه غُرَّةُ الأوطان أجمعِها
فأين عن غرة الأوطاننرتحلُ؟!

أم أنهم أزمعوا ألا يُظلّلنا
في أرضنا نحن لا سفحٌ، ولا جبلُ

إلابيارق أمريكا وجحفلـُها
وهل لحرٍ على أمثالها قَبـَلُ؟

واضيعة الأرض إن ظلت شوامخُها
تهوي، ويعلو عليها الدونُ والسفلُ!

كانوا ثلاثين جيشاً، حولهم مددٌ
من معظم الأرض، حتى الجارُ والأهلُ

جميعهم حول أرضٍ حجمُ أصغرهِم
إلامروءتُها.. تندى لها المُقلُ!

وكان ما كان يا أيوبُ.. ما فعلتْ
مسعورة ً فيديار الناس ما فعلوا
ما خربت يد أقسى المجرمين يداً
ما خرّبت واستباحت هذه الدولُ

هذي التي المثل العليا على فمها
وعند كل امتحان تبصقُ المُثُلُ!

ياصبر أيوب، ماذا أنت فاعلهُ
إن كان خصمُكَ لا خوفٌ، ولا خجلُ؟

ولا حياءٌ، ولاماءٌ، ولا سِمةٌ
في وجهه.. وهو لا يقضي، ولا يكِلُ

أبعد هذا الذي قد خلفوهلنا
هذا الفناءُ.. وهذا الشاخصُ الجـَلـَلُ

هذا الخرابُ.. وهذا الضيقُ.. لقمتُنا
صارت زُعافاً، وحتى ماؤنا وشِلُ

هل بعده غير أن نبري أظافرنا
بريَ السكاكينِ إن ضاقت بنا الحيَلُ؟!

يا صبر أيوب.. إنا معشرٌ صُبًُرُ
ن نُغضي إلى حد ثوب الصبر ينبزلُ
لكننا حين يُستعدى على دمنا
وحين تُقطعُ عن أطفالناالسبلُ

نضجُّ، لا حي إلا اللهَ يعلمُ ما
قد يفعل الغيض فينا حين يشتعلُ!

يا سيدي.. يا عراق الأرض.. يا وطناً
تبقى بمرآهُ عينُ اللهِ تكتحلُ

لم تُشرق الشمسُ إلا من مشارقه
ولم تَغِب عنه إلا وهي تبتهلُ

ياأجملَ الأرضِ.. يا من في شواطئه
تغفو وتستيقظ الآبادُ والأزلُ

يا حافظاًلمسار الأرضِ دورته
وآمراً كفةَ الميزان تعتدلُ

مُذ كوّرت شعشعت فيهامسلّته
ودار دولابه، والأحرُفُ الرسلُ

حملن للكون مسرى أبجديّته
وعنه كل الذين استكبروا نقلوا!

يا سيدي.. أنت من يلوون شِعفتَه
ويخسأون، فلا والله،لن يصلوا

يضاعفون أسانا قدر ما قدِروا
وصبرُنا، والأسى، كل له أجلُ

والعالمُ اليومُ، هذا فوق خيبته
غافٍ، وهذا إلى أطماعه عَجِلُ

لكنهم،ما تمادوا في دنائتهم
وما لهم جوقةُ الأقزامِ تمتثل

لن يجرحوا منكِ يا بغدادأنمُلةً
ما دام ثديُك رضاعوه ما نَذلوا!

بغدادُ.. أهلُك رغم الجُرحِ،صبرهمو
صبرُ الكريم، وإن جاعوا، وإن ثـَكِلوا

قد يأكلون لفرط الجوعأنفسهم
لكنهم من قدور الغير ما أكلوا!

اما في الفخرو مدح شخصية الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وال بيته الاطهار فقد ابدع كثير من الشعراء قديما وحديثا وفخروا به نعم الفخار ومن شعر المدح والفخر النبوي الشريف
فهذا الشاعر وليد الاعظمي يقول :

عفوا رسول الله يانبراسنا
فلقد أصاب المسلمين تفرق
دب التناحر والتباغض بينهم
فتهاونوا في دينهم وتمزقوا
وتشعبت طرق الفسادفواحد
يرفوا الثيات لهم وألفت خرق
عجبا أيسكت ذو الفضيلةوالهدى
وأخو المفاسد بالخنا يتشدق
حال تسيء إلى الرسوودينه
وتعافها بدر ويأبى الخندق
أنا يا رسول الله أشدوباسمكم
فتصيخ آذان الزما ن وتطرق
وتهزها الله أكبرهزة لسماعها
ا يهوي الكفو ر ويصعق
أنا من شباب محمدوجنوده
وبغير هدي محمد لا أنطق
بايعت ربي أن أظل مجاهدا
وبغير حبل الله لا أتعلق
أنا مسلم بعقيدتي وبمنهجي
عهد علي مدى الحياة وموثق
أن لا أهادن كافرا أوظالما
عهدا ولو من أجل ذلك أشنق

واقول في مدح الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وافخر به في قصيدة في ذكرى ميلاده وقد قدمتها في احتفالية اقيمت في المسجد القريب من داري في الحي العصري في قضاء بلدر وز اقتطف منها هذه الابيا ت:

الله يغرس في الانسان عاطفة
منذ الطفولة في فهم وفي جهل

والناس صنفان صنف عاش في دعة
وصنف عاش في لهو وفي سفل

والمرء يظهر ما فاضت منابعه
في ساح فطرته البيضاء من خصل

فما احبوا من الاحوال او كرهوا
الا لما في نفوس الناس من علل

يا مالك الملك ما جاشت مشاعرنا
الا بما شئت من فرض ومن نفل


اذ يرتوي القلب ايمانا فيغمره
فيض المحبة والالهام والامل

يرنو الى الله مزهوا به جللا
يرجوا تفضله في القبض والحلل

حتى تراى لفيض الوجد مصدره
حب الرسول وما فيه من النهل

ربي اليك فؤادي حين يغبطه
حب الرسول مواجيد بها جذلي

اني بحب المصطفى المختار في وله
ينازع النفس والاشجان في كلل

ما في الفؤاد وما في الروح من نفس
الا اليه وما نخشاه من وجل

نفسي جناب رسول الله يشغلها
شوقا –تناشده والخلق في شغل

يا سيدي يا رسول الله حبكموا
فرض علينا وما تراى له مقلي


فالقلب يخفق والامال واجفة
والشوق يكبر والايمان كالجبل

اني قصد تك بعد الله محتسبا
ياسيدي المصطفى شوقا على امل

ارجوا الشفاعة يوم الحشر مبتهلا
ان لا اله الا الله في الازل

مستشفعا برسول الله يدخلني
في جنة وسعت افنانها الملل

اذ ابتغي املا الروح تقصده
حشر مع المصطفى في جنة الظلل


روحي تطير اليها في جوانحها
عصفورة صعدت في الجو في عجل

في حضرة المصطفى المختار انشده
شعرا ينازعني والعين في همل


ان لامني بعض اصحابي على زلل
فما بحب رسول الله من زلل


*************************
4- شعر الوصف
العصر الحديث يمتاز بضموركثير من الاغراض الشعرية لدى اغلب الشعراء وعزوفهم عن النظم في اغراض كانت تعتبر من اهم الاغراض الشعرية كالوصف مثلا وان تكلف شاعر ونظم في وصف شيء معين كان نادرا وصفه رغم كثرة المواد الحديثة والامور الشائقة فهل قرأ ت ايها القاريء الكريم قصيدة في وصف الطبيعة وجمالها حديثا او وصف جهاز النت الحديث وما فيه من امورتخدم البشرية ومحاسن ومساويء او وصف هذه الامورالصناعية الحديثة بجمالها و كمالها وحسنها وتطورها او في اذاها للناس كصناعة الصواريخ واعتدة الحرب وغيرها فقد ابتعد الشعراء عن فنون كثيرة ومنها الوصف ومن شعر الوصف المعاصر هذه الابيات للشاعر المصري عزت المطيري في وصف حبيبته يقول:-
في جيدها

عقد من النجوم

لرقصة الشهبْ

في ثغرها سفرجل

وموسم مؤجل

لسكر دنا

ولم يذبْ

في صدرها جسارة الرمان

نشوة الربيع

في سواحل العنب

في زندها أساور

من نرجس السحب

في كفها نمارق

زوارق وردية المجداف

تنتهي لشاطئ

لا ينتهي ... إلا كما بدا

في لحظها ابتسامة الرشأ

في مائها الظمأ

في ريقها شهد وبلسم

لكل ما يهذي به المحب

كل ما يشتاقه، من حلمه الممتد

طول ليله الأثيل

حينما امتلأ

بأغنيات عن حدائق المدى المعلقات

عند بابل الندى

وقصة الهداهد التي نامت

على أسرة النسيم

في سبأ

ولم تبح بسرها

ولم تذع نبأ

في مشيها نعومة الهديل

من يمامة يلفها الطربْ !!

في خطوها غزالة تميس

فوق عشية الأصيل

تقتفي آثار سوسن هربْ

تبّت يدا البنت التي

أغرقت فتى

فغاب ثم ذاب

ثم لم يتب

عن حتفه

ولم يكن سوى غمامة

تقطر الأعناب في سهولها

وترسل العذاب هادرا

إلى سهوله

وترشق التعب

لم يغن عنه عشقه

ولا البروق يصطلي بنارها

ولا بريق فضة الروح

ولا زمرد الضلوع

عندما تضيء كاللهبْ

ولا القصائد الذهب

أضاع عمره سدى

وباء بالخسران مرة

ومرة وما كسبْ !!!




***************************



5 - الرثاء


الرثاء من الفنون الشعرية القديمة التي استمرت عبرالعصور وفي هذا العصر المعاصر ا و قل الحديث والمعاصر تغيربعض جوانب هذا الفن فاصبح بدل البكاء والنواح والحنين على شخص ما اصبح الرثاء يبكي شهداء الامة العربية ويرفع من مكانتهم الى ارقى درجاتها العالية واختلف تعبير اليوم عن تعبير الامس لدى بعض الشعراء المعاصرين وبقي على حاله لدي البعض منهم
وراح كل شاعر ينشد رثاءه وما يحس به اتجاه هذا المتوفي اوذاك بما يختلج في اعماق قلبه من احساسيس ومشاعر يراها الافضل في اسلوبه الخاص وطبيعة هذه الاساليب وفقا لما اوجد من معا ييرابتدعها شعراء المعاصرة والحداثة او بمعنى اخر وفقا لما حفروا من أنهار القول الشعري بخيال التجربة الجديدة ، فأنشأوا مدائن الشعر المفارقِ صورةَ التقديس المبالغ فيه للتجارب السابقة. ومن أولئك الشاعر محمد علي شمس الدين الذي قرأ وداع أمه قراءة مشعرنة ، فكتب في ديوان المراثي المعاصرة قصيدة تعد أنموذجاً في سموّ الرؤيا والتشكيل.أعني قصيدته ( الفراشة) التي تضاهى فيها روح أمه بفراشة بيضاء في غرفته بعد أن أهال آخر حفنة فوق التراب من التراب.
(فراشة) الشاعر شمس الدين تُخرج الشاعر من رؤية حزنه العادي المألوف إلى رؤيا ذات فضاء صوفي يتجاوز به المعنى الأفقي للموت ، بتمثلات وتقنيات شعرية تقيم ألفةً ما ، مع الموت ،
وتجارب الشعراء المعاصرين مع الموت تشف عن معاناة إبداعية تعيد تشكيل اللحظة. و قد يكون الشعر بالنسبة للإنسان السعيد ترفاً ذهنياً محضاً، غير أنه بالنسبة للمحزون وسيلة حياة جدبدة مابعد الموت اوجدها شعراء المقاومة في فلسطين في قصائدهم
ثمة مقاربة أخرى للرثاء جديدة ، ولعل فراشة شمس الدين تعبر عن تفاصيل أخرى خاصة ، في حميمية العلاقة بين الابن وأمه واسترجاع صورتها غير النمطية وتناصّ تسميتها المتماهية في صورة روحانية تضفي على النص بهاءً ، يفضي إلى طمأنينةِ واشراق يقول الشاعر محمد علي شمس الدين\
=
رأيتُ ثمة وجه أمّي ،

ويقال إن الله سمّاها على اسم الرحمة الأولى ،

فآمنةُ التي مثل الحمامة لم يشُبْها السوءُ ،

مازالت الأسماء رحمتها ،

وتسحب في مدار الشمس رايتها العظيمة،

فالسلام على التي ولدت محمد

( وهو نور النور) ،

واغتسلت ضحًى بالماء ،

فانبعثت على الأشياء صورتها البهي

ورأيت رؤيا:

في الليل ،

في الحلَك العظيم ،

وبعدما ألقيتُ آخرَ حفنةٍ ،

فوق التراب من الترابِ ،

ولم يعد في القبر غير جمالها العاري ،

رأيت فراشةً في الضوء تخفقُ ،

فاتّبعتُ جناحها بين القبور ،

وعدتُ نحو البيتِ ،

كي أجد السرير ،

سريرها الملكي، مرتجفاً ، وتغمره الدموع ،

وأنّ فراشةً حطّت هناك على السرير ،

كنقطةٍ بيضاء في الحلك العظيم ،

سألت نفسي:
هل رأيتَ؟ وهل سمعتَ؟

وهل تعود لكي تراني؟

وسألت نفسي:

أين تذهب روحها البيضاءُ؟

كيف ومن سيؤويها إذا ما أقفلَ الحفّار حفرتَها

و(( رنَّ المعولُ الحجريُّ )) في هذا الفراغ الجوهريّ من الزمان؟

ومددتُ كفّي…

نقطة الضوء الفراشة لم تخَفْ،

وأخاف، لكنْ..

ليس بَرداً ما يصيب أصابعي،

وأخاف ، لكنْ ، ليس حُمّى…

فجمالُها المُضني على الأسلاكِ ،

شرّدَني ،

وقد أبصرتُ رؤيا:

في الليلِ ،

في الحلَك العظيمِ ،

وعند تشابك الأحياء بالموتى ،

وولولة السماءِ ،

-----------

ومن قصائدي في هذا المجال هذه القصيدة في ذكرى استشهاد الضابط رعد طه الحجية الكيلاني :

من فوق جفون الشمس

على جبل النور الازلي

وقف شامخا كالعملاق

شامخا كالطود

مقطب الجبين

غضب غضب

تنبعث منه انوار عجيبة

يتلالا في عينيه ضياء مهيب

يمتطي صهوة جواد اصيل يحد ق في قوة الصمود

يرنو الى الافق البعيد

الى محراب صلاتي

ا لى ارض بلادي

واشجار نخيل باسقة

من سعفات النخيل المتطاولة الاعناق

من دم الشهداء الابرار

من نور الشمس ا لعروية

ودجى ليل الاعداء

صنعنا ثوب زفافه

ضمخناه بالعطر واريج البرتقال

ارتداه يوم زفافه

محمولا على الاكف

رافلا بالثوب

براية الحرية

حملوك نعشا فوق رؤوسهم

فخرا - وحملتك مفتدى

نسرا ابيا ماجدا

--------------------------------
1 –رايةالحرية-تعني العلم العراقي الذي يلف فيه جثمان كل شهيد تقديرا واحتراما لقدسيته

**************************************























تطورموسيقى الشعر العربي


وجد الشاعر العربي نفسه قديما وحديثا خاضعا للقيود الشعرية ابتداءا من البيت الشعري الواحد و سياقه الهندسي فالشاعر الحديث او المعاصر دائما يسعى إلى بناء وايجاد موسيقى شعرية جديد ة تتفاعل من التطور الزمني من دون ان تهدم الأصول الموسيقية الموروثة، بل كان غرض الشاعر من ذلك أن يتحرر من بعض القيود الشعرية و بالقدر الذي يتيح له فسحة من الحرية و بما يسعفه في التعبير عن عواطفه و أحاسيسه في تخيلات شعرية في اطار الفكرالناضج . واماله . وما تشخص اليه نفسه ويأمل ان يحصل على قدر معين من هذه الحرية التي تمتع بها و قد أتاح له أن يطوع تلك الحالة الى ما يشبه القوانين وأن يطورها يضيفها إلى الخصائص الجمالية للبحور الشعرية العربية التقليدية، واضافة امور و خصائص جمالية أخرى تستمد أصولها من التطور الذي أصاب او يصيب مستقبلا المضامين الشعرية نفسها. حيث سيحقق تطورات في الاطار الموسيقي للقصيدة الشعرية .

لذا بدء بالثورة على القيود الشعرية المتوارثة واولها تجاوز نظام الشطر والعجز في البيت الواحد وبهذا خلق شعرا حديثا او معاصرا باشكال جديدة وهيكلية غير الهيكلية المروثة وبدل الشطر الشعري الى السطر الشعري و قد يطول او يقصر هذا السطر بحسب ما يتضمن من نسق شعوري أوفكري. أي تحول بادئ ذي بدء من شعر البحورالشعرية في البيت الشعري الى شعر التفعلية في الشعر الحر الجديد بالتزام السطر و طول هذا السطر قد يتراوح ما بين تفعيلة واحدة الى تسع تفعيلات وهو اطول نفس فيها .

ا ن التفعيلات في الشعر العربي والتي تمثل موسيقى الشعر العربي فقد كانت اعدادها وانواعها تختلف من بحر الى اخر وتخرج من دوائر عروضية متقاربة او مختلفة عن بعضها في ستة عشر بحرا كما اثبتها الفراهيدي البصري رحمه الله وقد ظل الشعراء ينظمون فيها قصائدهم طوال كل العصور الماضية وحتى العصر الحديث ولا يزال كل الشعراء من التزم الشعر العمودي او التقليدي ينظمون في هذه البحور . بينما التزم شعرا ء الشعر الحر او شعراء شعر التفعلية بستة بحور من البحور الفراهيدية وهذه البحور هي:

الكامل : وتفاعيله ( متفاعلن – متفاعلن – متفاعلن )
الهزج: وتفاعليه ( مفاعلين – مفاعلين –مفاعيلن )
الرجز : وتفاعيله ( مستفعلن – مستفعلن – مستفعلن )
الرمل : وتفاعيله ( فاعلاتن – فاعلاتن – فاعلاتن )
المتقارب وتفاعليه ( فعولن – فعولن - فعولن )
والمتدارك تفاعيله ( فاعلن – فاعلن – فاعلن )

لكن الفارق بين استخدامات شاعرالعمود وشاعر التفعلية ان الاول يلتزم بالتفاعيل كاملة في شطرالبيت وعجزه او مجزوئها – أي انقاص تفعلية واحدة من كل من الشطر والعجز أي تكون الموسيقى الشعرية في الصدر والعجز متساوية النغمات ومتناسقة بينما شاعر
التفعلية لايلتزم بذلك فله الحرية المطلقة في النظم بتفعلية واحدة او عدة تفعيلات في السطر الشعري وهو ما يماثل البيت الشعري في الشعر التقليدي او العمودي وهذا ما يمكن الشاعر الحديث شاعر
التفعيلة ان يستخرج من البحر الواحد اكثر من نغم موسيقي من خلال الخلط بين البحور في داخل القصيدة الواحدة فتاتي الموسيقى الشعرية بانغام عديدة تتناسق فيما بينها وفقا لقابلية الشاعر الشعرية واللغوية وتمكنه من التمازج بين الحروف والالفاظ وربما يكتفي الشاعر بنغم واحدز أي ان نظام التفعيلة الشعرية اكثر طواعية اومرونة من قصيدة العمود العمود

ا لا اني اقول ان البحورالشعرية القديمة ( الفراهيدية ) تتوفر فيها انغام موسيقية وا سعة فيما لو استغلت افضل استغلال من قبل شعراء العربية ككل منها تناغم الاضرب وتنويعها وتلوين النغم الموسيقي بحيث يعمد الشاعر الى توظيف تفعيلات معينة تعود لدائرة معينة او ضمن الدائر ة العروضية الواحدة دون الاكتراث بالقافية وربما دعى الامر الى ا لاندماج بين البحور المتشابهة مثلا تفعيلات الرجز
( مستفعلن\ مستفعلن \مستفعلن ) وتفعيلات السريع ( مستفعلن \ مستفعلن \ مفعولات) المتقاربة جدا . الا ان هذه الامور بحاجة الى دراسة من قبل ذوي الاختصاص ومن الشعراء والنقاد على حد سواء ووضع الصيغ الكفيلة بانجاحها وتكييفها بافضل ما تكون وبهذا نقدم تطورا جديد ا للغة العربية وادابها وللشعر وللشعراء وايجاد صيغ لنغمية الموسيقى الشعرية . وقد سبق ان وجد مثل هذه الامور في الشعر العمودي في مسألة الخبب والزحاف وهي من امراض الوزن اذ اصبح وجودها في حشو البيت الشعري مقبولا لكثرتها في الشعر
الحديث ومستساغا لدى اغلب الشعراء والمتلقين وبهذا يكون الشاعر قد حصل على اكثر من ايقاع نغمي جديد جراء استعمالهما او استعمال أي منهما .

وفي شعر التفعيلة تظهر دفقة واسعة او ضعيفة في حركة الافكار والمشاعر والاخيلة حسب امكانية الشاعر وقوته الشعرية في ذات الوقت بحيث تتجا وز ما رسم لها في البيت الشعري العمودي وتتجاوزه الى مدى اطول ويظهر ذلك جليا في شعر نازك الملائكة التى ربما استعملت تفعيلة خماسية او ربما تساعية وهي اطول نفس في الشعرالحر او شعرالتفعيلة .

اما في قصيدة النثرالمعاصرة فان نغميتها تعتمد على امكانية ومقدرة الشاعر في ايجاد موسيقى معينة تتناغم مع ابياتها من حيث اختيار الالفاظ وتقاربها فيما بينها بحيث تكون ذات تعبير موسيقي جديد يتفاعل مع التغييرالجذري لهذه القصيدة وقصيدة العمود الشعري مرورا بشعرالتفعلية . فالشاعر من استجابت له حركة الشعر في نغمية القصيدة فتاتي ساحرة تواقة يتذوقها الشاعر والمتلقي وتنساب الى نفسه وذهنه انسياب قطعة موسيقية راقصة جميلة . امل ان افدت وهذه دعوة للادباء والنقاد والشعراء لايجاد افضل سبل التقدم في مجال نغمية الشعر وموسيقاه ه بماينسجم مع التطور الزمني وحاجة الانسان العربي لمثل هذ ه الامور.


***************






المعارضات والمطارحات

والمطاردات الشعرية

المعارضات الشعرية هي القصائد الشعرية التي قالها شعراء ثم عارضها غيرهم والمعارضة تعني القول مثلها وفي اللغة عرض\ ظهر، وعارضه\سار حياله، أو أتى بمثل ما أتى به. وعارض الكتاب بالكتاب اي قابله. وقد جاء في معجم لسان العرب أن المعارضة هي المحاذاة.
وجاء في مختار الصحاح عارضه في المسير أي سار حياله وعارضه بمثل ما صنع أي اتى اليه بمثل ما اتى .

و(اصطلاحا) هي تلك القصائد التي قالها الشعراء فقال مثلها غيرهم معارضة لقصائدهم أي يقول الشاعر قصيدة في موضوع ما، فيأتي شاعر آخر، فينظم قصيدة أخرى على غرارها، محاكياً القصيدة الأولى في وزنها، وقافيتها، وموضوعها مع اظهار القدرة على التفوق عليها من حيث اللغة والاسلوب والمعنى وانتقاء الصور البلاغية وما اليها من امور التفوق

و تقتضي المعارضة وجود حدث فني او نموذج شعري ماثل أمام المعارض ليقتدي به، ويحاكيه، أو يحاول تجاوزه او الاتيان بافضل منه على نفس النسق أي ضمن القافية الواحدة والروي الواحد والبحر الواحد واقول انما هي نوع من المباريات الشعرية التي قد تجري بين الشعراء، مع العلم انها تختلف عن التقليد فهي نوع من إثبات الذات والمقدرةعلى الإبداع الشعري وتبدأ بنظم شاعر معين قصيدة رائعة فيأتي شاعر آخر يعارضها بنفس وزن هذه القصيدة وموسيقاها الشعرية وبنفس قافيتها وذلك لعدة اسباب منها الإبداع داخل هذا النوع اذ ان هذا الشاعر أعجبه ذلك مثلا فرغب ان يكتب مثل هذه القصيدة التي اعجبته او لنقض معاني هذه القصيدة وأفكارها حيث ان الشاعر ربما يتبنى وجهة نظر مضادة، لكنه إمعانًا منه في التحدي يلزم نفسه أن يبدع في نفس القالب الشعري الذي التزمه الشاعر الأول، فيلتزم نفس الوزن والبحر والقافية او الموسيقى الشعرية كما يسمونها حديثا

تختلف قصائد المعا رضات عن النقائض حيث ان النقائض فن جديد في الشعر العربي وربما يتعبره اخرون امتدادا لشعر الهجاء في الجاهلية وصدر الاسلام الا انه في الواقع اتخذ طابعا جديدا فالنقائض قصائد في منتهى القوة والبلاغة والعاطفة الشعرية تمتاز بطولها وقد قالها فحول شعراء العربية في العصر الاموي في الرد على الخصم فيها او الرد على قصيدة الخصم بحيث ينقضون ما فيها من مدح ويحولونه الى ذم والفخر الى هجاء ويظهر كل منهم مثالب الاخر ومعايبه وقومه وينسبون الفخر والمدح الى انفسهم اوالى قومهم ومن اليهم راجع مقالتي ( النقائض ) المنشورة في موقعي اسلام سيفلايزيشن\ منتدى الشعر .
و ان النقائض زادت من حدة الخلاف وشدة النزاع الحزبي والقبلي بين الاطراف المتنازعة حيث ذهب الشعراء في البحث عن مثالب بعضهم البعض ومثالب اقوامهم واللهاث وراء معرفة كل مثلبة في الشاعر اوفي قومه وعشيرته في الماضي او في الحاضر الا ا نها رسمت صورة لحياة الشعراء واحداث عصرهم فكانت مصدرا مهما من مصادر تاريخ العصر الجاهلي فهي نبش في التاريخ وراء الاحداث وما تمخض عنها من نوازع وامور تهم هذا الطرف او ذاك انها البحث في التاريخ للقبائل العربية ومعرفة مفاخرها ومثالبها للفخر بها او الطعن فيها.

المعارضات الشعرية يرجع تاريخ ابداعها إلى فترة صدر الا سلام مثل (قصيدة البردة ) لكعب بن زهير بن ابي سلمى في مدح النبي محمد صلى الله عليه وسلم والتي مطلعها \

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
متيم اثرها لم يفد يفد مكبول

تلك التي نالت إعجاب الشعراء كثيراً فأكثروا من معارضتها

اما في العصر الاموي فان المعارضات لم تكن قد عرفت بعد باستثناء حالة بين الشا عرجميل بن معمر، والشاعر عمر بن أبي ربيعة، فقد قال جميل بثينة:

عرفت مصيف الحي والمتربعا
كما خطّتِ الكفُّ الكتابَ المرجعا

فقال عمر بن أبي ربيعة معارضا:

ألم تسألِ الأطلالَ والمتربعا
ببطنِ حليات دوارس بلقعا.

فقد جاءت الألفاظ في قصيدة عمر بن ابي ربيعة شبيهة بمفردات قصيدة جميل التي تمت معارضتها ، وهذا لا ينقص من قدر القصيدة الثانية. والقصيدتان تعارضان قصيدة الصّمّة القشيري التي يقول في مطلعها \

حَنَنْتَ إلى ريّا ونفسُكَ باعَدَتْ
مزارَكَ من ريّا وشعباكما معا

وقيل أن عمر بن أبي ربيعة قد تأثر بشعر جميل بن معمر فأبدى إعجابه برائيته التي يقول فيها \

أغاد أخي من آل سلمى فمبكر؟
أبن لي أغاد أنت أم متهجر

فعارضها عمر بقصيدة رائية ايضا تحاكيها روعة وجمالا من نفس الوزن والقافية ومنها قوله:

أمِنْ آلِ نُعْم أنتَ غادٍ فمبكرُ
غداةَ غدٍ أم رائحٌ فمهجّرُ

وفي العصر العباسي فقد وجدت حالات فردية ايضا تأثر فيها الشعراء بقصائد فحاكوها اونسجوا على منوالها من ذلك قصيدة ابي نؤاس التي يقول فيها \

يا ريم هاتِ الدواةَ والقلما
أكتب شوقي إلى الذي ظلما

فقد عارضه الشاعر الخراز بقصيدة التزم فيها ذات الموضوع والوزن والقافية وحركة الروي يقول فيها \

إن باح قلبي فطالما كتما
ما باح حتى جفاهُ مَنْ ظلما

ولم تكثر المعارضات في الشعر العباسي الا انه لا يخلو من نماذج منها
فلما قال أبو تمام قصيدته الرائعة التي مطلعها \

السيفُ أصدقُ أنباءً من الكتب
في حدّه الحدُّ بين الجدّ واللعبِ

عارضه الشاعر القيسراني بقصيدة مماثلة مطلعها

هذي العزائمُ لا ما تدعي القُضُبُ
وذي المكارمُ لا ما قالت الكتبُ.


أما المتنبي فقد عارضه الكثير من الشعراء حيث انه (مالئ الدنيا وشاغل الناس). كما قيل فيه وهل من شاعر بعد المتنبي فكل الشعراء عيال عليه فعندما قال قصيدته في مدح سيف الدولة \

على قَدْرِ أهلِ العزم تأتي العزائمُ
وتأتي على قدر الكرامِ المكارمُ.

عارضها ابن زريك بقصيدته التي مطلعها:

ألا هكذا في الله تمضي العزائمُ
وتقضي لدى الحرب السيوفُ الصوارمُ

و عارضه الشاعر القائد أسامة بن منقذ بقصيدة مطلعها:

لك الفضل من دون الورى والأكارم
فمَنْ حاتمٌ؟ ما نال ذا الفخر حاتمُ

-وعندما قال المتنبي قصيدته الاخرى التي يمدح بها سيف الدولة، ومطلعها ايضا :

أعلى الممالك ما يُبنى على الأسَلِ
والطعنُ عند محبيهن كالقبلِ

عارضه الشاعر عبيد الله الموصلي بقصيدة مطلعها؛:

ظبا المواضي وأطراف القنا الذبل
ضوامنٌ لك ما جازوه من نفل

-وعندما قال المتنبي قصيدته في تفضيل الاعرابيات على بنات الحضر او بنات المدن او الحضريات التي مطلعها؛:

بأبي الشموس الجانحات غواربا
اللابسات من الحرير جلاببا

عارضه الشاعر صفي الدين الحلِّي بقصيدة مطلعها\:

أسبلن من فوق النهود ذوائباً
فجعلن حباتِ القلوب ذوائبا

وكذلك قصيدة البوصيري في مدح الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم وقد عارضها كثيرون بعده
ويعد هذا الفن إحياء للفن العربي ولتراث الشعراء السابقين في كل زمان ومكان، حيث نشطت فيه حركة الشعر العربي مما ادى الى ان تشد هذه المعارضات الشعرية ماضي الشعر العربي بحاضره وربما بمستقبله في حالة وجود شعراء يتبعون هذا النسق من القصائد العربية

و أن المعارضات وجدت ايضا في الشعر العربي الأندلسيّ ، عندما شعر الأندلسيون أنهم أقل من الشعراء العرب في الشرق علماً في علم الشعر فقام كثير من شعراء الأندلس بمعارضة قصائد مشهورة لشعراءفي شرق البلاد الاسلامية كما تلقبوا بألقاب كبار شعراء الشرق العربي ، فلقّب ابن درّاج القسطلي بـ ( متنبي الأندلس ) ، لكثرة معارضاته للمتنبي ، ولقّب ابن زيدون بـ ( بحتري الأندلس ) ؛ لكثرة معارضاته للبحتري. الأندلس من ذلك معارضة أبي بكر الأشبوني لرائية أبي فراس الحمداني التي مطلعها:

أراك عصيّ الدمع شيمتك الصبرُ
أما للهوى نهيٌ عليك ولا أمرُ؟

فقال الأشبوني:

وليل كهمّ العاشقين قميصُهُ
ركبتُ دياجيه ومركبُهُ وعْرُ.

ومعارضة ابن دراج القسطلي لأبي نواس التي يمدح فيها الخصيب، ومطلعها:

أجارةُ بيتينا أبوك غيورُ
وميسورُ ما يُرجى لديك عسيرُ

فعارضه ابن درّ ا ج بقصيدة يمدح فيها المنصور بن أبي عامر، مطلعها:

ألم تعلمي أنّ الثواءَ هو الثرى
وأنّ بيوتَ العاجزين قبورُ

وعارض أبو الحسن البغدادي الملقب الفكيك مسلم بن الوليد في قصيدته التي قالها في مدح الرشيد والتي فيها:

أديرا عليّ الكأسَ لا تشربا قبلي
ولا تطلبا عند قاتلتي ذحلي

فقال ابو الحسن معارضا:

لأية حال عن سُنّةِ العدل
ولم أصغ يوما في هواك إلى العذل

كما عا رضها محمد بن عبد ربه صاحب العقد الفريد بقوله:

أتقتلني ظلماً وتجحدني قتلي
وقد قام من عينيك لي شاهد عدل

-وعارض أبو بكر بن نصر الإشبيلي أبا تمام في رائيته التي يمدح فيها المعتصم والتي مطلعها:

رقّتْ حواشي الدهر فهي تمرمرُ
وغدا الثرى في حليه يتكسّرُ

فقال ابو بكر الإشبيلي:

انظرْ نسيمَ الزهر رقّ فوجههُ
لك عن أسرّته السرية يُسفرُ

وقد عارض الشاعر محمود سامي البارودي عظماء شعراء العربية لمقدرته الفائقة على مجاراتهم وقدرته على الخلق والابداع
يعتبر الشاعر الكبير أمير الشعراء أحمد شوقي المتصدر في شعر المعارضات في العصر الحديث ؛ لأنّ قصائده كانت بعثاً وإحياءً لقصائد البحتري في الوصف ، والمتنبي ، وأبي تمام في الحماسة ، والبوصيري في المدائح النبويَّة ، وابن زيدون في الغزل ؛ فحققت معارضاته إنجازاً وقوةً وإبداعاً له.

وقبل ان اخرج من القول في هذا الفن الجميل اود ان اذكر نوعا اخر من القصائد الشعرية هي المطارحات و التي هي قريبة من المعارضات وقد ازدهرت في مجال الأنس والسمر والشراب، من ذلك قصيدة أبي نواس همزيته في وصف الخمر، والتي مطلعها:

دَعْ عنك لومي فإنّ اللومَ إغراءُ
وداوني بالتي كانت هي الداءُ

فعارضه الحسين بن الضحاك بقوله:

بُدّلت من نفحات الوردِ بالآء
ومن صبوحك درّ الإبل والشاءِ

فقد تابعه الخليع في ذكر الخمر والشعوبية. كما عارضه ابن المعتز في قصيدة يقول فيها:

أمكنت عاذلتي من صمت أباء
ما زاده النهي شيئاً غير إغراء


وقد راقت لي هذه القصائد السينية القافية اولها للبحتري ويعارضها كل من الشاعر احمد شوقي والشاعر عبد الله بلخير يعارضان فيها البحتري وشوقي كليهم احدهما بعد الاخر حيث تعتبر بحق اجمل القصائد المعارضة لبعضها في الشعر العربي لحد الان \ وهذه هي القصائد الثلاث \
1- سينية البحتري=

وصف الشاعر العباسي البحتري إيوان كسرى في سينيته المشهورة التي تتوارد في أبياتها العظة التاريخية لهذه الدولة التي كانت ذات قوة عظيمة ثم اضمحلت واندثرت يقول فيها:



صُـــنتُ نَفسي عَمّا يُدَنِّسُ نَفسي
وَتَرَفَّعــــــــــتُ عَن جَدا كُلِّ جِبسِ

وَتَماسَكتُ حينَ زَعزَعَني الدَهـر
التِماساً مــــــــــِنهُ لِتَعسي وَنَكسي

بُلَغٌ مِن صُبابَةِ العَيشِ عِـــــندي
طَفَّفَتها الأَيّـــــــــــامُ تَطفيفَ بَخسِ

وَبَعيدٌ مابَينَ وارِدِ رِفَـــــــــــــــهٍ
عَلَلٍ شُـــــــربُهُ وَوارِدِ خِـــــــمسِ

وَكَأَنَّ الزَمانَ أَصبَحَ مَحــــــمولاً
هَواهُ مَـــــــعَ الأَخَسِّ الأَخَــــــــسِّ

لَو تَراهُ عَلِمتَ أَنَّ اللـــــــــــَيالي
جَعَلَت فيهِ مَأتَماً بَعدَ عُــــــــــرسِ

وَهوَ يُنبيكَ عَن عَجائِبِ قَـــــــومٍ
لا يُشابُ الـــــــبَيانُ فيهِم بِلَــــبسِ

وَإِذا ما رَأَيتَ صورَةَ أَنطـــــاكِيَّة
اِرتَعـــــــتَ بَينَ رومٍ وَفُـــــــــرسِ

وَالمَنايا مَواثِلٌ وَأَنوشَــــــــروان
يُزجي الصُفوفَ تَحتَ الدِرَفــــــسِ

في اِخضِرارٍ مِنَ اللِباسِ عـــــَلى
أَصفَرَ يَختالُ في صَبيـــــغَةِ وَرسِ

وَعِراكُ الرِجالِ بَينَ يَــــــــــــدَيهِ
في خُفوتٍ مِنهُم وَإِغمـاضِ جَرسِ

مِن مُشيحٍ يَهوى بِعامِلِ رُمـــــحٍ
وَمُليحٍ مِــــــــنَ السِنانِ بِتُـــــرسِ

تَصِفُ العَينُ أَنَّهُم جِدُّ أَحــــــــياءٍ
لَـــــهُم بَينَهُم إِشـــــــارَةُ خُــــرسِ

يَغتَلي فيهِم ارتيِابي حَـــــــــــتّى
تَتَقَرّاهُـــــــــــمُ يَدايَ بِلَــــــــــمسِ

وَتَوَهَّمتُ أَنَّ كِسرى أَبَـــــــرويزَ
مُعــــــــــاطِيَّ وَالبَلَهبَذَ أُنــــــــسي

حُلُمٌ مُطبِقٌ عَلى الشَكِّ عَــــــيني
أَم أَمانٍ غَيَّرنَ ظَنّي وَحَــــــــدسي

وَكَأَنَّ الإيوانَ مِن عَجَبِ الصَنعَةِ
جَوبٌ في جَــــــــــنبِ أَرعَنَ جِلسِ

يُتَظَنّى مِنَ الكَآبَةِ إِذ يَبــــــــــــدو
لِـــــعَينَي مُصـــــَبِّحٍ أَو مـــــُمَسّي

مُزعَجاً بِالفِـــراقِ عَن أُنسِ إِلفٍ
عـــــَزَّ أَو مُــــرهَقاً بِتَطليقِ عِرسِ

عَكَسَت حَظُّهُ اللَيالي وَباتَ المُشـ
تَـــــري فيهِ وَهوَ كَــــــوكَبُ نَحسِ

فَهوَ يُبدي تَجَــــــــــــــلُّداً وَعَلَيه
كَلـــــكَلٌ مِن كَلاكِلِ الدَهـــرِ مُرسي

لَم يَعِبهُ أَن بُزَّ مِن بُسُطِ الــديباج
وَاِســـــتَلَّ مِـــــن سُتورِ المَـــــقسِ

مُشمَخِّرٌ تَعلو لَهُ شُـــــــــــــرُفاتٌ
رُفِعَت في رُؤوسِ رَضوى وَقُـدسِ

لابِساتٌ مِنَ البَياضِ فَما تُـــبصِرُ
مِـــــنها إِلـــــّا غـــــَلائِلَ بــــــُرسِ

لَيسَ يُدرى أَصُنعُ إِنسٍ لِجـــــــِنٍّ
سَكَنـــــوهُ أَم صـــــُنعُ جِــنٍّ لِإِنـسِ

فَكَأَنّي أَرى المَراتِبَ وَالقَــــــــومَ
إِذا مـــــا بَلَغتُ آخِـــــرَ حِسّــــــــي

وَكَأَنَّ الوُفودَ ضاحينَ حَســـــرى
مِن وُقـــــوفٍ خَلفَ الزِحامِ وَخِنسِ

وَكَأَنَّ القِيانَ وَسطَ المَقاصــــــيرِ
يُرَجِّـــــعنَ بَينَ حُـــــوٍ وَلُعــــــــسِ

وَكَأَنَّ اللِقاءَ أَوَّلَ مِن أَمــــــــــسِ
وَوَشـــــكَ الفِـــــراقِ أَوَّلَ أَمـــــسِ

وَكَأَنَّ الَّذي يُريدُ إِتّـــــــــــــــِباعاً
طامـــــِعٌ في لُحوقِهِم صُبحَ خَـمسِ

عُمِّرَت لِلسُرورِ دَهراً فَــــصارَت
لِلـــــتَعَزّي رِبـــــاعُهُم وَالتـــــَأَسّي

فَلَها أَن أُعينَها بِدُمــــــــــــــــوعٍ
موقَفاتٍ عَلى الصـــــَبابَةِ حُـــــبسِ

ذاكَ عِندي وَلَيسَت الـــدارُ داري
بِإِقتِرابٍ مِنها وَلا الجــــِنسُ جِنسي



2- سينية شوقي\


وصل شوقي إلى بلاد الأندلس بعد رحلة طويلة مضنية في أرجاء البلاد عندما قرر الانجليز نفيه من مصر شاهد خلالها الأطلال والآثار المتهدمة من القصور والقلاع والجوامع، هيجت لديه الأحزان، وجددت به الآلام وهزت فيه الوجدان فأثارت مشاعره وشحذت أحاسيسه، وتجلت في خياله قصيدة البحتري، فانطلقت قيثارة شعره بسينيته معارضاً بها البحتري في خضم الظروف السيئة التي أحاطت به، وآثار الرحلة الشاقة التي زادت من تعاسته وعذابه النفسي، تطأ قدمه أرض الأندلس التي تضم أروع صور التاريخ الإسلامي وأزهرها وأشرقها، فأنشأ يقول:



اخـــــتلاف النــــــهار والـــــليل ينسي
اذكــــــرا لـــي الصبا وأيـــــام أنسي

وصـــــفا لـــي ملاوة مـــــن شـــــباب
صـــــورت مــــن تصـــــورات ومس

عصـــــفت كالصبا اللــــعوب ومـــرت
ســـــنة حـــــلوة ولـــــذة خــــــــــلس

وســلا مصر: هل سلا القلب عــــنها
أو أسا جـــــرحه الـــزمان المؤسي

كلـــــما مـــــرت الـــــليالـــي عـــــليه
رق، والعـــــهد فـي الليالي تقــــسي

مســـــتطـــــار إذا البـــــواخـــــر رنت
أول الـــــليل، أو عوت بــــعد جرس

راهـــــب فـــــي الضلوع للسفن فطن
كـــــلما ثرن شاعـــــهن بنــــــــــقس

يا ابـــــنة اليـــــم، ما أبـــــوك بـــخيل
مـــــاله مولعاً بمـــــنع وحــــــــــبس

أحـــــــرام عــــلى بلابـــــله الـــــدوح
حــــلال للـــــطير من كـــــل جـــنس؟

كـــــل دار أحـــــق بـــــالأهـــــــــل إلا
في خبيث مـــــن المـــذاهب رجـــــس

نفســـــي مـــــرجل، وقـــــلبي شراع
بهما في الدموع ســـــيري وأرســــي

واجـــــعلي وجهك (الفنار) ومجراك
يـــــد (الثغر) بــــين (رمل) و(مكس)

وطـــــني لو شـــــغلت بالخلد عـــــنه
نازعتني إلـــــيه في الخـــــلد نفسي

وهـــــفا بالفـــــؤاد فـــــي سلســـــبيل
ظمأ للـــــسواد مـــن (عين شمس)

شهد الله لـــــم يغب عـــــن جـــــفوني
شخـــــصه ساعـــــة ولم يخل حسي

يـــا فــــؤادي لكـــــل أمـــــر قـــــرار
فــيه يبـــــدو وينجـــــلي بعـــــد لبس

عقلـــــت لجـــــة الأمـــــور عـــــقولاً
طالت الحوت طـــــول ســـبح وغس

غـــــرقت حـــــيث لا يصاح بطـــــاف
أو غـــــريق، ولا يصـــــاخ لحـــــس

فلـــــك يكســف الشـــــموس نــهــاراً
ويســـــوم البـــــدور ليـــــلة وكــس

ومـــــواقـــيت للأمـــــور إذا مـــــــــا
بلغـــــتها الأمـــــور صـــــارت لعكس

دول كالرجـــــــــــــــال مـــرتهـــــنـات
بقـــــيام مـــــن الجـــــدود وتـــــعس

وليـــــال مــــن كـــــل ذات ســــــــوار
لـــــطمت كـــــل رب (روم( و(فرس(

ســـــددت بالهـــــلال قوســــاً وســلت
خنـــــجراً ينـــــفذان مـــــن كل ترس

حكـــمت في القرون (خوفو) و(دارا)
وعـــــفت (وائلاً) وألـــــوت) (بعبس(

أيـــــن (مروان) في المشارق عــرش
أمـــــوي وفي الـــــمغارب كــــرسي؟

سقمت شـــــمسهم فـــــرد عــــــــليها
نـــــورها كل ثاقـــــب الرأي نـــــطس

ثم غابت وكل شمس سوى هـــــــاتيك
تبلـــــى، وتنـــــطوي تحـــــت رمس

وعـــــظ (البحتري) إيـــوان (كسرى)
شـــــفتني القصور من (عبد شمس(

رب ليـــــل ســـــريت والبرق طـــرفي
وبساط طويـــــت والريـــــح عنسي

أنظم الشرق في (الجزيرة) بالـــــغرب
وأطوي الـــــبلاد حزنـــــاً لـــــدهس

فـــــي ديـــــار من الخـــــلائف درس
ومـــــنار مـــــن الطـــــوائف طمس

وربى كالـــــجنان في كنف الـــزيتون
خـــــضر، وفـــــي ذرا الكرم طـــلس

لـــــم يرعـــــني سوى ثرى قــــرطبي
لمست فيه عــــــــــبرة الدهر خمسي

يـــــا وقى الله مـــــا أصبح مــــــــــنه
وسقى صــفوت الحيا ما أمــــــــــسي

قرية لا تـــــعد في الأرض كـــــــــانت
تمسك الأرض أن تمــــــــــيد وترسي

غشيت ســـــاحل المحيط وغــــــــطت
لجة الروم من شراع وقـــــــــــــــلس

ركب الدهر خـــــاطري فــــي ثراهــــا
فأتى ذلك الــــــــــحمى بــعد حـــــدس

فتجلت لي القصور ومـــــــــن فيـــــها
من العــــــــــز في مــــــــــنازل قعس

ســـــنة من كـــــرى وطـــــيف أمـان
وصــــــــحا القلب مـن ضلال وهجس

وإذا الـــــدار ما بها مـــــن أنيـــــــس
وإذا القوم ما لــــــــــهم مـــــن محس

ورقيـــــق مـــــن الـــــبيوت عـــــتيق
جاوز الألف غير مــــــــــذموم حرس

أثـــــر مـــــن (مــحـــــمد) وتـــــراث
صــــــــار (للروح) ذي الولاء الأمس

بلــــــــغ النجـــــم ذروة وتنـــــاهـــــى
بين (ثهلان) في الأساس و(قـــــد)

مـــــرمر تســـــبح الـــــنواظر فـــــيه
ويطــــــــــــــول المدى عليها فترسي

وســـــوار كأنـــــها فـــــي اســـــتواء
ألفــــــــــات الوزير في عرض طرس

فـــــترة الدهـــــر قد كست ســـطريها
مــــــا اكتسى الهدب من فتور ونعس

ويحـــــها! كـــــم تـــــزينت لعلــــــــيم
واحــــــــــد الدهر واستعـــدت لخمس

وكـــــأن الرفيف فـــــي مسرح العين
مــــلاء مــــــــــدنرات الــــــــــدمقس

ومكـــــان الكـــــتاب يغـــــريك ريـــــاً
ورده غــــــــــائباً فــــــــــتدنو للـمس

صـــــنعة (الداخـــــل) المبـــــارك في
الغـــــرب وآل لـــــه ميامـــين شمس

مـــــن (لحمراء) جـــــللت بغبـــــــــار
الدهر كالـــــجرح بـــــين بـرء ونكس

كـــــسنا البرق لو مــحا الضوء لحظاً
لمحتها العـــــيون مـــــن طــول قبس

حصـــــن (غرناطة) ودار بني الأحمر
مـــــــن غـــــافل ويقـــــظان نـــــدس

جـــــلل الثلج دونـــــها رأس (شيرى)
فـــــبدا مــــــــــنه في عـصائب برس

ســـــرمد شـــــيبه، ولـــــم أر شـــــيئاً
قـــــبله يــــــــــرجى البــــقاء وينسي

مشت الحادثات في غرف (الحمراء(
مــــــــــشي النـــــعي في دار عــــرس

هـــــتكت عــزة الحجـــــاب وفـــــضت
ســــــــــدة الباب مــــن سمير وأنسي

عـــــرصات تخـــــلت الخــيل عـــــنها
واســــــــــتراحت من احتراس وعس

ومغـــــان عـــــلى الليالـــي وضـــــاء
لـــــم تجــــــــــد للــــعشي تكرار مس

لا ترى غـــــير وافدين عـــلى التاريخ
ساعـــــين فـــي خـــــشوع ونـــــكس

نقلوا الطـــــرف فـــــي نضـــــارة آس
مـــــن نقــــوش، وفي عصارة ورس

وقبـــــاب مـــــن لازورد وتـــــــــــــبر
كالـــــربى الشـــــم بيـــن ظل وشمس

وخطـــــوط تكـــــفلت للمـــــعانــــــــي
ولألفـــــاظـــــها بـــــأزيـــــن لـــــبس

وتـــــرى مجـــــلس السبـــــاع خـلاء
مـــــقفر القـــــاع مــــن ظباء وخنس

لا (الثـــــريا) ولا جـــــواري الثريـــــا
يـــــتنزلن فـــــيه أقـــــمار إنـــــــــس

مـــــرمر قامـــــت الأســـــود عـــــليه
كـــــلة الظـــــفر ليـــــنات المـــــجس

تنثر المـــــاء في الحـــــياض جمــــاناً
يـــــتنزى عـــــلى تـــــرائب مـــــلس

آخـــــر العـــــهد بالجزيـــــرة كــــانت
بـــــعد عـــــرك مــن الزمان وضرس

فتـــــراها تقـــــول: رايـــــة جـــــيش
باد بالأمـــــس بـــــين أســـــر وحـس

ومفـــــاتيحها مقـــــالـــــيد مــــــــــلك
بــــــــــاعها الوارث المضــيع ببخس

خـــــرج القــــوم في كـــــتائب صـــــم
عن حــــــــــفاظ كموكب الدفن خرس

ركـــــبوا بالبـــــحار نعـــــشاً وكـــانت
تحــــــــــــت آبائهم هي العرش أمس

رب بـــــان لهـــــادم، وجـــــمـــــــوع
لمـــشت ومحــــــــــسن لمــــــــــخس

إمـــــرة الـــــناس هـــــمة لا تــــــأنى
لـــــجبــان ولا تســـــنى لــــــــــجبس

يا ديــــــــــاراً نزلت كالخلد ظــــــــــلاً
وجـــــنى دانياً وســــــــــلسال أنـــس

مـــــحسنات الفـــــصول لا نـاجر فيها
بقـــــيظ ولا جــــــــــمادى بـــــــقرس

لا تـــــحش العـــــيون فـــــوق ربــاها
غـــــير حـــــور حــو المراشف لعس

كســـــيت أفـــــرخي بظـــــلك ريـــشاً
وربـــــا فـــــي ربـــاك واشتد غرسي

هـــــم بـــــنو مـــصر لا الجميل لديهم
بمضـــــاع ولا الصـــــنيع بـــــمنسي

مـــــن لسان عـــلى ثنـــــائك وقـــــف
وجـــــنان عـــــلى ولائـــــك حـــــبس

حسبـــــهم هـــــذه الطـــــلول عـــظات
مــن جـــــديد على الدهـــــور ودرس

وإذا فاتـــــك التفـــــات إلـــى الماضي
فـــــقد غـــــاب عـــــنك وجه التأسي

3- و الشاعر عبدالله بلخير كتب سينيته معارضاً فيها
البحتري وشوقي قائلاً :

ذكرياتي مـــــــــــا بين يومي وأمسي
هي عمري ما بين سعدي ونــــــحسي

ضاع منها ما ضــاع في مهمه العمر
وطواها بين اخـــــــــــــضرار ويبــس

وتبقى منها الــــــــذي رسبت مـــــنه
رؤى لا تــــــــرى بفــــــــكري وحسي

مومضات تشع طوراً وتخــــــــــــــبو
في شريط، في ظلمة الــــــذهن منسي

تتعــــــالى به حياتــــــــي وتكــــــــبو
بين كرب مـــــــن الزمان وأنســــــــي

خــــــــاض أمواجها شراعي يطـوي
البـحر طياً بــــــــه يسير ويــــــــرسي

تتغشاه من أعــــــــاصير الـــــــهوج
مــــــــثال الجــبال (رضوى) و(قدس(

فهو ما بينها يغــــــــوص ويطــــــفو
ثــــــــم يمــــضي على ظهور وغطس

هو عمر مضى وقد أذن العــــــــصر
فأضحى مصــــــــبح العـــــــمر ممسي

وهــــــــو في دورة المحاق فلم تبق
اللــــــــيالي مـــــــن بدرها غير سدس

ما تبــــــــقى من ذكريــــــــاتي عنه
قــــــــطرات عــــــلى حصى منه ملس

جـــــف في بعدها نداها فــــــــلا تبتل
من مســــــــها بنــــــــاني بمــــــــسي

طافت الــــــذكريات بي فــــــــي ذرى
(الحمراء) في عالم على المجد مرسي

طفــــــــت فيها وفي حناياي مــــــنها
زفــــــــرات الواعي، العليم، الـــمحس

نادباً عــــــــزها، وملك (بني الأحمر)
فيها، بــــــــهيبة المــــــــلك مـــــكسي

طفت أرجــــــــاءها وبــــين صياصيه
كــــــــأني أطــــــــوف فيــــها برمسي

في جموع تــــــــوافدت من زوايا الـ
أرض كانت غــــــــريبة الــــدار ليسي

تتلاقى أنــــــــظارهم فــــــــي تلاقيهم
وتصــــــــغي الآذان في كـــــــل دعس

في وجوم كأنهم فــــــــي عـــزا موت
فــــــــقيد لــــــــهم ورنــــــــات تقــس

هي هذي (الحمرا) ولا غـــــــالب إلا
الله كــــــــانت (دار الخــــــــلافة) أمس

كانت الملك والخــــــــلافة والــــــفتح
لآل مــــــــن العــــــــروبة شــــــــمس

ثـــــم زالت وزال ملك (بني الأحمر(
مــــــــــــــــنها لمــــــــا أصيب بنـكس

مثل ما زال مـــــــلك (دارا) و(قسطنـ
طين) في الأرض بعــــد ملك (تحمس

وانتــــــــهى (هيـــــــنبال) و(إسكندر
الأكبر) وانهار مـــلك (روم) و(فرس(

سنة الكــــــــون أن يزول وينــــــــهار
بناء الباني عــــــــــــــــلى غــــير أس

تلك (حمراؤنا) على مفرق (أوروبا
مــــــــنار يهدى بــــــــه كل مـــــمسي

وهي في حمرة العقيق تـــــــــــراءت
تتــــــــلألأ وفــــــــي بريق الــــدمقس

مشرئباً إلى رفافها أرنو إليهــــــــــــا
تفــــــــيض بالــــــــحزن نفـــــــــــسي

خــــــاشع الطرف عندما لاح لــــــــي
فيها (المصلى) ولاح (تاج) و(كرسي(

فاقشعرت مشاعري وتـــــــــــــراءت
لـــــــي رؤى حاضري الحزين كأمسي

خـــيلت لي تموج أكــــــــنافها بالخيل
كالصبح في صهــــــــيل وعـــــــــــس

أشرقت في سنا (الخلافة) تــــــــزهو
بــــــــرجال شــــــــم المعاطس نــطس

والكراديس من (تجيب) ومن (حمير(
(صنــــــــهاجة) الفــــــــتوح و(قيس(

وقــــــــفوا في رماحــــــــهم وظـباهم
كــــــــسنا الفــــــجر بين طرد وعكس

في ظــــــــلال المصفقات من الرايات
فــــــــي (خزرج) تــــــــرف و(أوس(

فوق هامات قــــــــادة (العــرب) من
(عبد مناف) ومـــن بني (عبد شمس)

والأذان الــــــــداوي عـــلى الهضبات
الخضر يدعو إلى فرائض خــــــــمس

تتعــــــــالى به قراهــــــــم وتسمـــــو
حــــــــين تصحو عليه أو حين تمسي

وتــــراءى لي (الخليفة) في إيوانه
مصــــــــبحاً بــــــــها أو ممــــــــسي

حوله الفاتحون فــــــــي زرد الفولاذ
يــــــــزهون فــــــــي إبــــــــاء وبأس

فلك شع بالشموس أنـــــــار الغرب
عــــــــبر القــــــــرون فــــي كل درس

ما رأت فــــــي ظلامها قبله (أوروبا)
ضيــــــــاء يضــــــــيء فيـــــها بقبس

مثل أضواء (قرطبا) وسنا (غرناطة)
فــــــــــــــــي الدجــــــى ونور (بلنس(

كـــانت الأرض كلها تتــــــــــــــــلاقى
حــــــــــــــــول أبوابها ومن كل جنس

تتلقى العلم الغزير على أعــــــــلامها
الغر من إمــــــــــــــــام وكيـــــــــــس

ووفود (الرومان) و(الغال) و(الجر
مان) حول الأبواب أطــــــــــياف نكس

وقفوا في الصفوف يلتمسون الإذن
لا ينــــــــــــــــبسون فيها بنــــــــــبس

كلما لاح حاجب حفت الأنظـــــــــــــار
مــــــــــــــــنهم به ولــــــــفت بـوجس

كـــــلهم شاخص إلى الإذن في غمزة
طــــــــرف أو فــــــــي إشارة خــــلس

شــــــــرف باذخ لهم أن يقــــــــوموا
فــــــــي صـــفوف على ظلال الدرفس

يستظلون بـ (الخــــــــــــــــلافة) فيها
وهي عدل يبنــــــــي وينــشي ويكسي

تلك (حمراؤنا) بنـــــاها (بنو الأحمر)
يضـــــــــــــــــحي الخيال فيها ويمسي

تخت مــــــــــلك الإسلام فوق روابي
(البيرينه) الخــــــــــضرا أقيم وأرسي

فاحت الأرض حولها بالربيع الطـــلق
قــــــــد ضاع من خــــــــزامى وورس

عبق لا تــــــــــــــــزال أستارها تنفثه
فــــــــي الأكــــــــف، في كــــــل لمس

وهي تــــــــختال في مطارفها الحمرا
عـــــــــــــــروساً يزهو بها ليل عرس

طفت فيها أجر خطوي، ودقــــــــــات
فــــــــــــــــؤادي تقود ترجيع دعــسي

وتجــــــــــــــــولت بين أروقة القصر
حــــــــــــــــزيناً في خيبتي بعد يأسي

تتوالى خواطــــــــري ورؤى شجوي
بــــــــــــــــذهني على خيالي وهجسي

حينما راعــــــــني الذي راعني منها
فــــــــــــــــحوقلت في قنوطي وبؤسي

وتحــــــــسست مهجتي وعرى قلبي
فـــــــــــــــــــــــــــلم أهتد إليها بحسي

فتهاويت خائر العــــــــــــــــــــزم ثاو
واضــــــــــــعاً راحتي من حول رأسي

شـــــــــــارد الذهن لا أرى ما أمامي
حاسباً رجـــــــــس أمتي أمس رجسي

وعــــــــلى هامتي هواني على نفسي
هـــــــــــــــوان المجنى عليه المخس

فكـــــــــــــــــــأني وحدي الملوم على
تعـــــس جدودي يهزني هول تعسي

تــــــــــــــــلك حمراؤنا وحين أسميها
أســــــــــــــــمي ما أفـــــــتديه بنفسي

مجــــــدنا الأعظم الذي انقض وانهار
وما زال ذكــــــــــــــــــره اليوم قدسي

نـــــــاح (شوقي) على مشارفها قبلي
تشـــــــــــــاجى بـ (البحتري) في تأس

وتشاجيت منهما حـــــــــــــــين سالت
دمــــــــــــــوعي على يراعي وطرسي

وتماديت حين زاحمت فـــي (القصر
)(الأميرين) فــــــــــي غرور (البرنس(

فقصور الحمــــــــــــــــراء (دار أبي
سفيان) داري والجنس لا شك جنسي

حــــــــــــــاملاً رايتي أهز بها شعري
تعــــــــــــــــــالت به جذوري وغرسي

ما تخطتني الصفوف فمن حــــــــولي
وخلفي (قيسي) و(عبسي) و(عنسي(

جـــــــــــــــزتهم في سما (عكاظ) فقد
رف جنـــــاحي على السحاب وجرسي

يتبـــــــــــــــــــــارون في لحاقي وهم
خــــــلف غباري على مدى قاب قوس

وأنا عــــــــــــــــــند (سدرة المنتهى)
أرنو إلـــــــــــــيهم على أهازيج قعس

لا أبــــــــــــــــالي بأن يغص بما قلت
شــــــــحيح الإنصاف في ضيق نفسي

فكثير ألا يقال لــــــــــــــــمن أحـــسن
أحســـــــــــــــــنت، في الزمان الأخس

هـــــــمسات رنت بأذني في (الحمرا)
كهــــــــــــــــمس الجني في أذن إنسي

فتريثت فــــــــي مقــــــــــــــــاصيرها
أصــــــــــــغي إليها بكل وعيي وحسي

سابحاً فــــــــي مشاعري في متاهات
تلاقى فيــــــــــــــــــــها يقيني بوجسي

كيف كـــــــــنا، وها هو اليوم ما كان
وكـــــــــــــــــــــنا، أطلال سعد ونحس

هي هذي ديارهم عـــــــــــــبرة الدنيا
وكــــــــــــــــــــــبرى العظات للمتأسي

بقيت عبرة يطــــــــــــوف بها الناس
وتــــــــــــــــــرنوا لها العيون فتخسي

ويحج (السياح) ساحــــــــاتها ماجت
بأفواجهم بزهــــــــــــــــــــــــو وميس

كل ركـــــــــــــــــــــــن منها يئن لما
مـــــــــــــــــر عليها من نائبات وحس

بحــــــــــــــــت النائحات فيها عــــلى
الا ضــــــــاع يندبن في مواكب عمس

وأمحى ما عــــدا (شعار) بني الأحمر
وما زال فضــــــــــــــــــــلة المتحسي

وهو فــــيما يرى (ولا غالب إلا الله)
فيه أسى الخــــــــــــــــــطوب المؤسي

يصــــــــــــــــطفيه (السياح) في سوق
(غرناطة) فــــي هزء من أصيب بمس

جــــــــــــــــــعلوه مثل الدنانير ذكرى
حــــــــــــــــــول أعناقهم تـدلى بسلس

اما المطاردات الشعرية في نوع من المباريات او المسابقات في الشعر ظهر احدث من المعارضات والمطارحات ويستعمل في السباقات الشعرية في الدواوين والتجمعات وفي الكتاتيب والمدارسوهي ان ياتي الفريق المتسابق ( مفردا او جماعات ) باحد ابيات الشعر فياتي الاخر ببيت من الشعر ايضا يبدا بحرف القافية التي انتهى به البيت الاول او الذي قاله الفريق الا ول وهكذا يتبارى الفريقان حتى يعجز احدهما عن الاتيان ببيت شعر يبدا اوله بحرف قافية الفريق الاخر فياتي به الفريق الاول فيكون الفوز او الغلبة له . وهذا ما كنا نفعله من نحن طلاب في المدرسةالثانوية في درس اللغة العربية .
مثال على ذلك يقول المتسابق الاول:

ان العيون التي في طرفها حور
قتلننا ثم لم يحيين قتلانا

فيقول الاخر :

نـــــــاح ) شوقي) على مشارفها قبلي
تشـــــــــــــاجى بـ (البحتري) في تأ س

فيقول الفريق الاول:

سرت في ديجور ليل حندس
متنجدا بنجاد سيف اعوج

فيجيب الاخر :
جزيناهم بما صبحوا شُعيْثاً
وأصْحاباً لَهُ ورَدوا قَرارا

وهكذا .

*****************************


انتهى




الفهرس

الاهداء 3
المقدمة 5
مفهوم الشعر المعاصر 7
اهمية الشعر المعاصر 9
الاوضاع السياسية والشعر المعاصر 14
الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والشعر المعاصر 18
الرمزية في الشعر المعاصر 23
طبيعة الشعر المعاصر وشكليته 32
الشعر المعاصر بين التعبير والتجريد 38
بناء القصيدة العربية المعاصرة 43
النغم والايقاع 48
نظرة في تطور الشعر المعاصر 52
تطور الشعر المعاصر 57
اساسيات الفن الشعر ي بين الحداثة والمعاصرة 61
في القصيدة العربية المعاصر ة \1 67
في القصيدة العربية المعاصرة\2 70
سيكولوجية القصيدة العربية المعاصر ة 73
الشعر والجمال 76
الشاعر بين الموهبة والالهام 79
الايقاع الشعري في القصيدة العربية المعاصر 85
الرمزية في الشعر بين الحداثة والغموض 89
نظرة في شعر الزهد والشعر الصوفي 93
الاساليب الشعرية 97
العروض _ ميزان الشعر العربي 110
الفنون الشعرية المعاصر ة 115
تطور موسيقى الشعر العربي 151
الاساليب الشعرية المعاصر 154
المعارضات والمطارحات والمطاردات الشعرية 158
الفهرس 187


*********************************************


من مؤلفات فالح نصيف الحجية الكيلاني

الشعرية

1- نفثات القلب
2- قصائد من جبهة القتال
3-الشهادة والضريح
4- من وحي الايمان
5- الحرب والايمان

النثرية

1- الموجز في الشعر العربي اربعة اجزاء
2- في الادب والفن
3- تذكرة الشقيق في معرفة اداب الطريق
4- شرح ديوان عبد القادر الكيلاني وشيئ في تصوفه اربعة اجزاء
5- كرامة فتاة (قصة طويلة )
6- اصول في الاسلام
7- الاشقياء ( مجموعة قصص قصيرة )
8- اصحاب الجنة في القرآن جزئين 1
9- القرآن في القرآن 2
10- الامثال في القرآن 3
11- الادعيةالمستجابةفي القران 4
12- بحث في التصوف والطريقة القادرية
13- مدينة بلدروز عبر التاريخ
14- عبد القادرالجيلاني وموقفه من الفرق والمذاهب الاسلامية
15 - شرح القصيدة العينية
16- الانسان ويوم القيامة في القران الكريم 5
17- يوم القيامة في القران الكريم جزئين 6
18- شعراءالنهضة العربية
19- دراسات في الشعر المعاصر وقصيدة النثر
20- الغزل في الشعر العربي
21 - شذرات من السير ة النبوية المعطرة


********************************