الاثنين، 15 سبتمبر 2014

موسوعة ( شعراء العربية ) \\ -3 - شعراء العصر الاموي \\ الجزء الاول - القسم الاول \\ تاليف - فالح نصيف الحجية

    موسوعة
شـعراء العربيــة

              3
       


                                                           

   شـــعـراء  العـصــر الامـــوي








                                     تأ ليف

                  الشاعر والباحث
              فالح  نصيف الحجية

                              الكيلاني














































                              

المقدمــــة



بســــــــــم الله  الرحمن  الرحيم



  حمدا  لله  وشكرا :

             بعد ان انجزت  كتابيّ  (  شعراء جاهليون )  و( شعراء  صدر الاسلام ) تقدمت لاكتب -  بكل  فخـر واعتزاز-  بعد ان  توكلـت على الله تعالى في الهامي المقـدرة  والتمـكن على انجـاز  مهمـتي -  عن الشـعر العـربي  في العصـر الاموي  وقد  كتـبـت  فيـه  وا تبعـت  ذلك  بالبـحث والتقصي  لشعراء  حسبوا  على  العصر  الاموي او عاشوا  فيه  ومنهم  مخضرمون   من  العصر الاسلامي  فقدمت لهم  في  كتابي  هذا ( شعراء  من العصر الاموي )  .
    
          ومن المعلوم انه  نبغ  في العصر الاموي او قال  الشعر فيه عدد من الشعراء  كثير  فقد ذكر ان عدد  شعراء هذا العصر او من قال الشعر   قد تجاوز عددهم  مائتي وخمسين شاعرا  منهم المخضرمون الذين عاشوا في عصر صدر الاسلام  والعصر الاموي وقالوا  الشعر في  كل  منها . وقد انتقيت في هذا الكتاب كما في العصرالجاهلي  والاسلامي  كوكبة من الشعراء  فترجمت لحياتهم  وقد شمل هذا الاختيار كل مناحي الحياة  في  هذا العصر  وكذلك  كل الفنون الشعرية  وجئت بالافضل    في الاختيار فيما  يخص الاشخاص  والقصائد  المقالة  والاغراض الشعرية   وانواعها .

      وقد كتبت  عن  الشعر  الاموي  واهميته  وفنونه  وبلاغته  ولغته والاغراض التي قيل فيها  ثم  قدمت  دراسة  لكل   شاعر من  الشعراء المذكورين  فيه  بحيث  تناولت  بالبحث  والتقصي  والتحقيق  ولادة الشاعر وحياته  وفنونه الشعرية  واهم  ما يميز  شعره  عن غيره  من الشعراء  ثم  وفاته وسجلت رأيي  صريحا  بكل  شاعر وشاعرة  الا ما ندر  وقد لاحظت  ان اغلب الشعراء  مفقود  تاريخ  ولادتهم  فاعتمدت الاحداث  الدائرة  في وقته  اثره فيها  او ما  وجدته  مشتركا  مع غيره  فيها  وهذه  القاعدة  اتخذتها  في  حياة  الشاعر او في  وفاته  ان  لم اجدها  في  كتب  المؤرخين  المعتمدة . 





                                                فالح نصيف الحجية
                                                        الكيلاني
                                  عضو الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق
                                    عضو الاتحاد العام للادباء والكتاب العرب
                          المدير الاقليمي  لشعبة المبدعين العرب –فرع العراق
                                 عضو  اتحاد كتاب الانترنيت العرب
                               














                  المؤلف  في سطور

   سيرة ذاتية

الاسم واللقب \ فالح نصيف الحجية الكيلاني
اسم الشهرة \   فالح الحجية
تاريخ الولادة \  بلدروز \  1\7\ 1944
البلد \ العراق - ديالى – بلدروز
 المهنة\  متقاعد
الحالة الثقافية \  شاعر وباحث                                                             
فالح الحجية شاعر وباحث  واديب عراقي معروف
 من مواليد \- العراق – ديالى- بلدروز 1944  .
                                                           
 من الاسرة الكيلانية  التي لها تاريخ عريق و ترجع بنسبها الى الشيخ عبد القادر الكيلاني الحسني والتي انجبت العديد من الاعلام على مر العصور.   

   *   كان يشغل  مديرا  في وزارة التربية العراقية حتى إحالته الى التقاعد  2001م
*أهم مؤلفاته  "الموجز في الشعر العربي"،  ويعتبر من مراجع امهات  الكتب العربية في الأدب  والشعر عبر العصور والأزمنة، ومن اهم الموسوعات التاريخية الموضوعية في الشعر العربي في العصر الحديث، والمعاصر بكل مفرداته وأحداثه وتطوراته وفنونه وتغييراتها بما فيها عمود الشعر والشعرالحر وقصيدة النثر والشعراء وطبقاتهم وأحوالهم.
    * منح شهادة الدكتوراه  الفخرية في  الاداب  عام  2013
     * منح لقب ( امير البيان العربي ) في  شباط 2014
  فالح نصيف الحجية هو:
     -    عضو الاتحاد  العام للادباء والكتاب في العراق 1985
-         عضو الاتحاد العام للادباء  والكتاب العرب 1994
-         عضو مؤسس في اتحاد ادباء  ديالى  1984
-          عضو  مركز الادب العربي - العراق
-          عضو الاتحاد الدولي لعلوم  الحضارة الاسلامية – ممثل دولة العراق
-         عضو  الاتحاد العالمي للشعراء والمبدعين العرب \ وكيل دولة العراق
-         عضو اتحاد الاشراف الدولي
-          عضو  اتحاد المنتجين العرب - الامانة العامة لشعبة المبدعين العرب ( جامعة  الدول العربية)  المدير الاقليمي لشعبة المبدعين العرب - فرع العراق – ومستشار الامور الادبية فيها .
-         عضو اتحاد المنتجين العرب( جامعة الدول العربية ) \ امانة شعرالتفعيلة – لجنة    التقييم والتصحيح .
-         عضو  اتحاد الكتاب والمثقفين العرب
-         عضو اتحاد كتاب الانترنيت العرب
-         عضو اتحاد  كتاب الانترنيت العراقيين
-          عضو اتحاد الشعراء والادباء العرب
-         عضو اتحاد  الادباء والكتاب  التونسيين
-         عضو رابطة  الادباء والكتاب العرب
-         عضو رابطة  المبدعين اليمنيين
-         عضو مؤسسة اقلام ثقافية للاعلام في العراق
-         عضو الملتقى الثقافي العربي
-   عضو منظمة الكون الشعري في المغرب

     *  اما  المقالات الكثيرة  التي كتبها الشاعر في الصحف والجلات العراقية والعربية      والاجنبية  الناطقة بالعر بية  .
  *  الا ف المقالات التي نشرها في موقعه او المواقع والمنتديات الالكترونية على النت او    الفيس  وخاصة  المجلس العلمي  وشبكة صدانا – فضاء الاديب فالح الحجية  واتحاد الكتاب والمثقفين العرب –روائع الاديب فالح الحجية  وغيرها كثير  .
* وكذلك مشاركاته في كثير من المهرجانات الادبية والثقافية في العراق و اتحاد المؤرخين العرب وكل الندوات والمهرجانات التي عقدت في ديالى سواء عربية أو عراقية اومحلية
 * له علاقات وصداقات مع العديد من الأدباء والشعراء العرب والعراقيين منهم الشاعر الفلسطيني  محمود درويش والشاعر السوداني محمد مفتاح الفيتوري والشاعرالسوري نزار قباني والشاعر العراقي سركون بولس والشاعر وليد الاعظمي والادباء والمورخين الاساتذة  منهم  عماد عبد السلام رؤوف   وسالم الالوسي  وحسين علي  محفوظ  وجلال الحنفي  وغيرهم كثير  ..
     ومن مؤلفات فالح نصيف الحجية الكيلاني

ا-الدواوين الشعرية :

           نفثات القلب                1978
           قصائد من جبهة القتال   1986
           من وحي الايمان          8 0 20 
           الشهادة والضريح         2010
           الحرب والايمان            2011 
            سناءات مشرقة           2014

ب – الكتب النثرية :
1 -في الادب والفن
2 -تذكرة الشقيق في معرفة اداب الطريق – دراسة وتحقيق وشرح للقصيدة التي تحمل نفس العنوان والمنسوبة للشيخ عبد القادرالكيلاني
3-الموجز في الشعر العربي \ دراسة موجزة في  الشعرالعربي عبر العصور بدءا من العصر الجاهلي وحتى عصر النهضة او الحديث ثم المعاصر اعتبر او قيم من قبل اغلب المواقع الادبية على النت - انه احد امهات الكتب العربية في الادب واللغة  في موضوع الشعر والادب       اربعة اجزاء
4-شرح ديوان الشيخ عبد القادر الكيلاني وشيء في تصوفه – دراسة شاملة في ادب الشيخ عبد القادرالكيلاني كنموذج للشعرالصوفي وشرح القصائد المنسوبة  اليه             اربعة اجزاء
5    -   كرامة فتاة ( قصة طويلة )
6-   اصول في الاسلام
7-   عذراء القرية (قصة طويلة )
8-  الاشقياء  ( مجموعة قصص قصيرة )
9-  بلدروز عبر التاريخ
10-  دراسات في الشعر المعاصر  وقصيدة النثر
11- الغزل في الشعر العربي
12– عبد القادر الكيلاني  وموقفه من المذاهب والفرق الاسلامية     دراسة
13--شرح القصيدة العينية \ مع دراسة  بحثية في شاعرها  الشيخ عبد القادر الكيلاني
14-  -مدينة بلدروز في الذاكرة
15- شذرات من السيرة النبوية المعطرة

 ج- موسوعة  التفسير الموضوعي للقران الكريم  وقد انجز منها الكتب التالية :
1-اصحاب الجنة في القران الكريم                 جزءان
2-القران في القران الكريم
3- الادعية المستجابة في القران الكريم
4-الانسان ويوم القيامة
5- الخلق المعاد في القرآن الكريم
6-يوم القيامة في القران الكريم                    جزءان

     د – موسوعة  ( شعراء العربية )   وقد انجز منها الكتب التالية  :
1- شعراء جاهليون
2-شعراء صدر الاسلام
3- شعراء  العصر الاموي    جزآ ن
4- شعراء  العصرالعباسي     القسم الاول
5- شعراء العصر العباسي     القسم الثاني
6- شعر اء النهضة العربية


     *******************************



























































             الشعر في العصر الاموي
                                                  
                العصرالأموى  ابتدأ  سنة\ 41 هـجرية  عندما انتقلت الخلافة الاسلامية من الخلفاء الراشدين  وآخرهم  الحسن بن علي بن ابي طالب رضي الله عنهما والذي حكم  مدة  ستة  اشهر بعد  مقتل  ابيه  كرم الله وجهه  ثم اعلن تنازله عن الخلافة  لمعاوية بن  أبى سفيان  بشروط  معينة اولها حقنا لدماء المسلمين  فاعلن  معاوية  الخلافة  الاموية  في  الدولة  الاسلامية  واتخذ  مدينة  دمشق  في الشام  عاصمة  لها  وهي  ثالث  عاصمة  للخلافة  الاسلامية  بعد  المدينة  المنورة  والكوفة .
        و بينت  عندما تحدثت عن الشعر العربي في صدر الاسلام انه لحقه وهن و ركود خلال تلك الفترة بسبب انبهار  الشعراء في القران الكريم  والدين الجديد  وانشغالهم  به  وموقف  الاسلام من الشعر في هذا العصراهتمام  المسلمين  بالقران الكريم  بحيث طغى على كل شيء  في  حياتهم  اليومية .

         ازدهر  الشعر مجددا  في العصر الاموي  واتسعت  افاقه  ومراميه وتحسنت اساليبه ورقت معانيه والفاظه  تبعا لحالة العصر  الجديد  ومظاهره السياسية  والدينية والقبلية والثقافية  فقد ظهرت في هذا العصر خلافات و احزاب سياسية واخرى قبلية  واخري مذهبية أي تعددت السياسات في هذا العصر وتحولت الى صراع عنيف بين  بعضها  والبعض الاخر حتى  وصلت الى حد المقاتلة  والتخريب  في  بعض  الاحيان   وقد   خاض  غمار هذه الاحداث الشعراء  وتحزب  كل شاعر  الى  فئته  او جماعته   وهذا  امر طبيعي  حيث ان الشعراء  هم من  افراد هذا المجتمع وصفوتهم  وهم  اصحاب الثقافة والفكر واولي  الالباب والي النهى فكان لكل حزب من هذه الاحزاب او جماعة من هذه الجماعات او فئة  من هذه  الفئات  شعراؤه  الذين  يدافعون عنه  وينشرون   افكاره ومفاهيمه  فقد كا ن الشعراء والادباء  عامة  يمثلون الصحافة  المحلية في عصرنا هذا .

         فقد ظهرت الاحزاب الساسية في المجتمع  العربي  واختلفت  وجهات نظر كل حزب  عن الاحزاب الاخرى اتجاه سياسة الدولة او الخلافة  وكان هناك اربعة احزاب رئيسية :

 الاول الحزب الاموي:  وهو الحزب الحاكم و المناصر للدولة ومجريات سياستها   وهم الخلفاء والمناصرون لهم  وحاشيتهم  وذوي الجاه  والسلطان وما  تبعهم  من  ابناء  الشعب  اوالمجتع عامة  ولهم شعراؤهم  وادباؤهم الذين يعيشون في كنفهم  ويغدقون عليهم الاموال  واشهرهم  الاخطل التغلبي   والفرزدق يقول الاخطل مادحا  الخليفة عبد الملك :

نفسي فداء امير المؤمنين اذا
                                        ابدى  النواجد  يوما صارم  ذكر

 الخائض الغرة الميمون  طائره
                                        خليفة الله  يستسقى  به   المطر

 من نبعة من قريش يعصبون بها
                                     وما ان يوازي  باعلى نبتها الشجر

           وهناك  الحزب  العلوي  الذين  كانوا  يرون  ان الامويين اغتصبوا  الخلافة  الاسلامية  ويعتقدون  انه   يجب  ان  تكون في  البيت العلوي  حصرا ومن شعرائهم الكميت الاسدي  يقول في مدح  ال البيت ويذ م بني امية  في هاشمياته :


          فقل لبني امية  حيث حلوا
                                        وان خفت  المهند  والقطيعا

          الا اف لدهر كنت فيه
                                      هدانا   طائعا   لكم     مطيعا
 
          اجاع الله من اشبعتموه
                                     واشبع  من  بجوركم    ا جيعا

          بمرضي السياسة  هاشمي
                                      يكون  حيا      لاءمته  ربيعا

       والحزب الزبيري  وهم  اصحاب عبد الله بن الزبير  واخيه مصعب بن الزبير وهؤلاء نظرتهم  ان الخلافة يجب ان تكون في قريش  وليست حكرا على العلويين او الامويين  و من شعرائهم  الشاعر قيس بن عبيد الله الرقيات اذ يقول  :

  ايا  المشتهي  فناء   قريش
                                       بيد  الله   عمرها    والفناء

 لو تقضى  وتترك الناس كانوا
                                      غنم الذئب  غاب عنه الرعاء

 انما  مصعب  شهاب من الله
                                       تجلت عن  وجهه  الظلما ء

 ملكه   ملك   قوة  ليس له
                                       جبروت  ولا  به    كبرياء
 
  يتقي الله في الامور  وقد
                                        افلح من كان همه   الاتقاء


        اما الحزب الاخر فهم الخوارج  وهم الذين خرجوا على علي بن ابي طالب  اثر  قبوله الصلح في معركة ( صفين ) حيث  يرون ان الخلافة حق لجميع المسلمين  لا  فرق بين مسلم واخر امتثالا للاية  الشريفة  ( ان اكرمكم عند الله اتقاكم )  بل  تكون  للاصلح     و منهم الشاعر قطري بن الفجاءة والطرماح ومن قول الاخير:
.


   لقد شقيت شقاءا  لا  انقطاع له
                              اذ  لم  افز فوزة  تنجي من النا ر

   النار لم ينج من  روعتها احد                                                                                                             
                             الا المنيب  بقلب المخلص الشاري

 او الذي  سبقت  من قبل مولده
                            له  السعادة   من    خلاقها  الباري

                                                                
           ولكل  حزب من هذه الاحزاب  او  لكل جماعة من هذه الجماعات    شعراؤهم  والناطقون   باسمهم   وكانت  الجماعات الثلاثة المذكورة  انفا   معارضة   لسياسة   الدولة  الاموية  و قد  تطورت هذه الخلافات بينهم  وبين  الدولة  الى حد النزاع المسلح  والاقتتال .

           واذا  كان الاسلام قضى على العصبية القبلية  وجعل الولاء لله وللرسول  ولكن بعد وفاة الرسول الكريم صلوات الله تعالى عليه وسلامه  بدت بوادر العصبية  القبلية  تنبت  بذورها  من  جديد  وكانت  قد بدت للظهور مجددا  ذلك زمن  الخلفاء الراشدين  وبالأخص في خلافة عثمان وعلي  بن ابي طالب  رضي الله عنهما  وتفاقم هذا الخلاف  حتى بلغ ذروته  اثناء الحكم الاموي  اذ  تغذت العنصرية القبلية  وبدت الخلافات بين القبائل  هذه   مضرية  وهذه  يمانية وهذه عدنانية وهذه قحطانية  وغيرها من الخلافات القبلية      

       وكان للخلفاء  الامويين  يد في اذكاء هذه الفتن  ذلك لغرض ابعاد الناس عن سياسة  الدولة  وانشغالهم  في   مثل هذه الامور  وليؤمنوا المعارضة او شدتها  وليحدوا   منها  فكان ان  اشتد  النزاع  والصراع القبلي  الى درجة  خطيرة  وكان  لكل  قبيلة   شعراؤها  يذودون عنها  ويردون على شعراء القبيلة  المناهضة  لها  ويفخرون عليهم   فكان هناك رجعة ثقافية لدراسة  تاريخ القبائل  الى العصر الجاهلي والبحث عن مفاخر  ومثالب كل عشيرة  كي  يستطيع  الشاعر ان  يرد  على  شاعر القبيلة  الاخرى  بما عنده  من  مفاخر  لقبيلته  ومثالب  في القبائل الاخرى .

            وقد ظهر اثر التعصب القبلي  في الشعر كثيرا  مما ادى الى ظهور الهجاء بين الشعراء ومنه  ظهور شعر  النقائض وكذلك ازداد فن  الفخر  فاخذ الشعراء كل يفخر بقومه  وقد ادت هذه الظاهرة الى انشقاق بين القبائل وشرخها  اوتعميق العلاقات بينها  .

         وكذلك تأثر الشعر الاموي بالتيارات الثقافية وقد اهتم بعض الشعراء  والادباء في الناحية الثقافية  والفكرية وكان من اسباب  دفع  هؤلاء الشعراء  الا هتمام  بالشعر وبما يحقق ما يصبون اليه  وما يحتاجونه من معلومة تفيد هم في شعرهم  وحركة  النقد  والاستشهاد  بجيد الشعر وتاثر الشعراء  الامويين  بالثقافة  الجاهلية والاسلامية  لذلك جاء  اغلب  شعرهم  سليم العبارة  فصيحا سهل الحفظ  مختلط المعاني  وكثير من استشهد  بشعر هذا العصر في اللغة وبلاغتها او نحوها وبيانها   واعتمد عليه  النقاد والادباء .

          والاحوال  المعاشية والاجتماعية ورفاهية العيش  كان  لها تاثيرا عظيما  في الشعر الاموي  و كذلك ظهور اللهو والترف  فنشط الغزل الحضرى في الحجاز وخاصة  في المدينة  المنورة ومكة المكرمة والطائف  وظهر الغزل البدوي( العذري)  في  نجد  وكذلك اتسعت معالم الشعر  الخمري ومجالسه  والشعر الوصفي   نتيجة  اختلاط  العرب   بالامم الاخرى كالفارسية والرومانية والهندية  اضافة لما ورثوه من موروث جاهلي.

         لم  يسر الامويون على السياسة التي انتهجها الاسلام في  القران الكريم ( ان  اكرمكم عند  الله  اتقاكم )  و ما سار الرسول الكريم محمد صلى الله عليه  وسلم او الخلفاء  الراشدون  من بعده  في تسيير دفة الحكم  وامور الدولة .

        فقد انتهجت  الدولة  الاموية  سياسة التعريب  وتفضيل العنصر العربي  على غيره  من اتباع   الدولة  التي  اصبح  في داخلها  ومن رعاياها  الفارسي  والهندي  والافريقي  والاوربي  والتركي  ومن كل العناصر  الانسانية  الاخرى  فكانوا  يسمون  غير العرب  ( الموالي ) ويعتمدون  العنصر العربي  في  كل  مفاصل الدولة  ويفضلونهم  على غيرهم  من الاقوام  أي ان الدولة الاموية دولة قومية عربية  فيقدمونهم على الموالي  حيث ينظرون اليهم  نظرة  فيها  نوع   من ريبة  وخشية ومذلة  ولا يستخدموهم  في  شؤون الدولة  الا  في النزر القليل  منهم  والذي لا يجدون عنه  بديلا عربيا . لذا عزف الموالي عن وظائف الدولة  وتحولوا  للعمل  في الحرف  و الصناعا ت  البسيطة  كل بمعرفته  لتلك الحرف التي كان  يأنف منها العربي ا ويستهجنها  ويعتبر العمل بها عيبا .

          ومن المعلوم انه نبغ في العصر الاموي او قال الشعر فيه عدد من الشعراء كثير  فقد ذكر ان عدد شعراء هذا العصر او من قال الشعر فيه قد تجاوز عددهم  مائتي وخمسين شاعرا  منهم المخضرمون الذين عاشوا في عصر صدر الاسلام  والعصر الاموي وقالوا  الشعر في  كل  منها . وقد انتقيت في هذا الكتاب كما في العصرالجاهلي  والاسلامي  كوكبة من الشعراء  فترجمت لحياتهم  وقد شمل هذا الاختيار كل مناحي الحياة  في  هذا العصر  وكذلك  كل الفنون الشعرية  وجئت بالافضل  بالاسمى في الاختيار فيما يخص الاشخاص والقصائد المقالة والاغراض الشعرية   وانواعها .

          وقد  ادى هذا  التصرف الخلافي  الى ظهور التباغض  والتناحر والكراهية  بين العرب وبين  العناصر الاخرى  من المسلمين الاعاجم  وخاصة الفرس  وقد ظهر هذا  جليا  في الشعر اذ  ظهر شعراء  من الموالي   تعصبوا لقومياتهم   وافتخروا  بها  ثم  كانوا  وبالا  على  العربية   ومستقبلها  كالشاعر الفارسي اسماعيل بن سيار الذي راح يفتخربالفرس ويفضلهم على العرب .

       وعلى العموم اتسعت افاق الشعر  في كل مدارج الحياة في هذا العصر بعد ركودها في عصر صدر الاسلام الاول ويمكن ان نقول ان الشعر في العصر الاموي كان  في بداية  ثورته  وبداية  شدة غليانه .

            وكان من الطبيعي ان تتوسع وتزداد  الفنون الشعرية في هذا العصر بعد الانكماش الذي لحقها في العصر الذي قبله فقد طرق الشعراء في هذا العصر ابوابا  كثيرة  في  الشعر منها  ما كانت  موجودة  في الجاهلية  والاسلام  فوسعوها  واكثروا  فيها  ومنها ما هو محدث وجديد ابتكروه  تبعا لظروف الحياة  وسعتها  ومتطلباتها   ومنها ما كان له اثر في الجاهلية   و الاسلام  فا ضا فوا  فيه حتى جعلوه غرضا مستقلا قائما بذاته  فمن الفنون التي اتسعت  في هذا العصر:

     الفخر والمدح  فقد  توسعت  فنون  شعر الفخر في  هذا  العصر كثيرا  لوجود التحزب  واشتداء  المنافسة  بين   الاحزاب  من  جهة  وبين التعصب القبلي  من جهة  اخرى  ايضا  فتفاخر الشعراء  كل  بقبيلته اوحزبه  او مذهبه  كما  تفاخروا  في الشجاعة   والكرم  وكثرة الاموال  والاولاد  ويتميز الفخر هذه  المرة  بطابعه  الاجتماعي  الجماعي  وسلوكه جماعية الفخر وابتعاده عن الفردية  ومن اشهر شعراء الفخر :

 جرير والفرزدق والاخطل  وقيس الرقيات  ومن شعر  الاخير  هذه الابيات:

 خلق من بني كنانة حولي 
                               بفلسطين يسرعون الركوبا

من رجال  تفنى الرجال وخيل
                              رجم  بالقنا   تسد  ا لغيوبا

 وان قوم الفتى هم الكنز  في
                             دنياه والحال   تسرع التقليبا

        اما في المدح فقد بالغ الشعراء متأثرين بالتيارات السياسية  والتحزب و التعصب القبلي او الطمع والتكسب في الشعر لدى بعض الشعراء  وخاصة  شعراء  خاصة  الخلفاء  وامراء الولايات  الجديدة

           والمديح  اما  حزبيا   فيعبر عن رأي و عاطفة الشاعر بصدق اتجاه ما يحمل  من  افكار ومفاهيم  او قبليا  مدافعة عن عصبيته وقبيلته  وفي كل  تنبع العاطفة  فيه صادقة  تعبر عما يجيش  في نفس الشاعر اتجاه الممدوح    من  ذلك قول الشاعر الكميت الاسدي  في
 مدح   بني هاشم  يقول:-

  بني هاشم  رهط  النبي  فانني
                                بهم ولهم ارضى  مرارا واغضب

 فمالي  الا  ال  احمد  شيعة
                              ومالي  الا  مذهب   الحق   مذهب

      وربما  كان المدح  عن طمع  وتكسب  فيكون  الكذب والمخاتلة الشعرية واضحة فيه  وغير  معبر عن عاطفة صادقة خالصة ويكون التكلف ظاهرا فيه  ومنه  قول الفرزدق البصريث  مادحا  الخليفة  عبد الملك بن مروان:-

 ارى الثقلين الجن والانس اصبحا
                                       يمدان   اعناقا  اليك   تقرب

 وما منهما الا  يرجى   كرامة
                                   بكفيك او يخشى العقاب  فيهرب

 وما دون كفيك انتهاء لراغب
                                 ولا  لمناه    من  ورائك    مذهب

         اما الهجاء  فهو  ايضا  فن توسع  كثيرا في هذا العصر وقد تشعب عدة شعب  او فنون  ترفد  كل فن  روافد  اخرى  فكان الهجاء السياسي  والهجاء   المذهبي و الهجاء  الفرقي  الطائفي  والهجاء التعصبي القبلي ومن الهجاء  قول الاخطل  التغلبي  النصراني  في هجاء الانصار :

 ذهبت قريش بالمكارم والعلى
                                         واللؤم  تحت عمائم الانصار

 فذروا المعالي لستموا من اهلها
                                          وخذوا مساحيكم بني النجار

          ومنه الصراع القبلي الذي ادى الى انقسام العرب الى يمانية ومضرية  وفيه  يقول  الشاعر الطرماح بن الحكيم في
هجاء قبائل  تميم: -

 تميم بطرق اللؤم  اهدى من القطا
                                        ولو سلكت سبل المكارم ضلت

ولو ان برغوثا على ظهر  نملة 
                                     يكر على   صفي   تميم   لولت


         ومنه  الهجاء الفردي الذي  يظهر العداء الشخصي للشاعر   او المنافسة  بينهم  وقد  ظهر  لدى  فحول الشعراء  مثل الفرزدق وجرير  و الاخطل  ويتميز  بتجاوزه حدود الهجاء التي كانت معروفة من قبل  وربما  تجاوز  الاداب الاجتماعية  التي كانت سائدة  حيث يهجو الشاعر غريمه  باقذع  الكلمات واخسها  مما  لم تألفه العرب من ذي قبل وبذلك ظهر فن جديد سمي   ( النقائض) . من ذلك هجاء جرير للفرزدق :

 خلق الفرزدق سوءة في مالك
                                ولخلف   ضبة   كان شر غلام

 مهلا فرزدق ان قومك فيهموا
                     خورالقلوب  وخفة  الاحلام

 كان العنان على ابيك محرما
                                   والكير كان عليه  غير حرام

 مازلت تسعى في خيالك سادرا
                                 حتى  التبست  بعرتي  وعرامي


          واما  الرثاء  بقي  على ما هو عليه  في الجاهلية والاسلام  غير  موسع  الا  انه  ظهر فيه  فن  يكاد  يكون   جديدا  هو  رثاء الخلفاء  والامراء  والقادة  واؤلي الشأن  ولم  يكن صادق العاطفة بل في  اكثر الاحيان  كان  تقليدا  طمعا  في التكسب  والمال  الا ان  بعضه   ذو عاطفة  صادقة  فياضة  عندما يكون المرثي  ذا علاقة بالشاعر  كالقرابة  والصداقة  فتشعر  بحراة  نفسه  المتاثرة  او المحزونة  على  فقد  المرثي   ومن  اشهر شعراء الرثاء : الاخطل وجرير وليلى الاخيلية  التي تقول في  رثاء  حبيبها  المتوفي :-

  لعمرك ما الموت عار على الفتي
                                        اذا لم تصبه في الحياة المعاير

 وما احد حي  وان عاش  سالما
                                           باخلد  ممن  غيبته  المقابر


        والوصف  رغم  حدوث تطور كبير في كل مجالات الحياة فقد ظل الشاعر الاموي يصف ما وصفه  شعراء  الجاهلية  مثل  وصف الناقة والضعن  والاطلال  ومجالس الخمر ولم  يأتوا  الا انه وجدت ومضات وصفية جميلة لدى بعض الشعراء  ومن الشعراء الذين اشتهروا  بالوصف :  ذو الرمة  والاخطل  يقول الاخطل في وصف الخمرة :-

 فصبوا عقارا  في اناء كأنها
                                         اذا  لمحوها  جذوة  تتآكل

 تدب  د بيبا في العظام كانه
                                     دبيب   نمال  من نقى  يتهيل


        وجدت اغراض  او فنون  مبتكرة او لها  اثر جاهلي  فتوسع  الشعراء فيها   بحيث ا صبحت ا غراضا جديد ة  منها  الغزل .

      فالغزل فن من الفنون الشعرية القديمة قدم الشعر و فيه تعبير عما  يعتمل في عاطفة  الشاعر  الشخصية وما يختلج  في نفسه  وقلبه  من هواجس  ولواعج  وحب  وشوق  ووجد  ووله  وغرام  يبثها لحبيبته.

          وقد انكمش في صدر الاسلام واصابه الضعف والوهن  ثم بعث  من جديد  في العصر الاموي  بصورة  واسعة  حتى ان  بعض الشعراء لم  يكن  لهم شعر الا  في الغزل  وهم امتداد  لعشاق العرب الجاهليين  ويتبين  فيه  ثلاثة اتجاهات واسعة  ومختلفة  احدها عن الاخر تبعا لطبيعة  ونفسية الشاعر  ومكانته  وشاعريته .

 اولها الغزل التقليدي :     

      وهي  ابيات  في الحب  والغزل والتشبيب   يفتتح  الشاعر فيها قصيدته وسمي تقليديا لأنه استمرار لغزل الجاهليين  وصدر الاسلام  وفيه يتغزل  الشاعر بمن يحب  وفي اكثر الاحيان يذكر اسما لحبيبته ويذكر ساعات اللقاء وايام  الجفاء والم الشوق ولوعة الهوى والفراق  وقد اكثر فيه  فحول  الشعراء  هذا العصر  وهم :  جرير  والاخطل  والفرزدق   في افتتاحيات  قصائدهم  وغيرهم ايضا  ومما قاله جرير في  الغزل  و يتمثل  فيها  بافضل  بيتين  قالتها  العرب  في شعر الغزل في الشعر  القديم او الحديث  اذ  لم  يأت  شاعر بمثلهما فيه :


لقد كتمت الهوى حتـى تهيجنـي
                                      لا أستطيـع لهـذا الحـب كتمانـا

كاد الهوى يوم سلمانيـن يقتلنـي
                                         وكـاد يقتلنـي يومـا ببيـدانـا

لا بارك الله في من كان يحسبكـم
                                     الا على العهد حتى كانـا ماكانـا

لا بارك الله في الدنيا اذا انقطعـت
                                     أسباب دنياك من اسبـاب دنيانـا

ما احدث الدهـر مما تعلميـن لكـم
                                     للحبل صرما ولا للعهـد نسيانـا

ان العيون التي في طرفها حـور
                                         قتلننـا ثـم لـم يحيـن قتـلانـا*

يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به
                                       وهن اضعـف خلـق الله انسانا   *
        اما  الغزل  الاخر فهو الغزل العفيف او العذري  وسمي بالعذري  لانه  شاع  بين  قبائل  بني عذرة التي  تقطن  في نجد و قرى الحجاز الشرقية و منها  اشتقت  تسميته.  يتميز  الشعر العذري  بانه  شعر يروي  قصص حب  حقيقية  وصريحة  وهو شعر الحب  العفيف  المحتشم  البعيد عن التبذل والتفسخ  الخلقي  ويطلق  عليه (  الغزل البدوي )  ايضا  وقد تسمى  شعراؤه  او  بعض منهم   باسماء  من  يحبون   ومن  اهم  من اشتهر به من الشعراء  جميل  بثينة  و كثير عزة  وعبد الله بن الدمينة  ومجنون  ليلى  وغيرهم  يقول الشاعر (جميل بثينة ) او جميل بن عبد الله العذري في حبه لبثينة حبيبته:


 واني لأرضى من بثينة بالذي
                                    لو ابصره الواشي لقرت بلابله

 بلاه بان لا استطيع و بالمنى
                                  وبالامل  المرجو   قد  خاب امله

 وبالنظرة العجلى وبالحول تنقضي
                                    واواخره   لا   تلتقي   واوائله


         بينما   ذاع او  انتشر غزل  اخر نسميه ( حضري)  في الحجاز خاصة في  المدن الثلاث الكبرى  مكة  والمدينة والطائف لتوفر  اسباب العيش  المترف واستتباب الامن  وكثرة  الاموال  والترف  الاجتماعي  .
   وهذا الحب  حب مبني على المادة  الجسدية  واللذة  الجنسية  وقد ذكر الشعراء في  قصائدهم   قصصا  واحداث  بعبارات  جريئة  بشكل   لا مثيل له  في  العصر الجاهلي  ولا في عصر صدر الاسلام  وقد توسع هذا  الغزل  ليشكل  مدرسة  شعرية  بذاته  ويمثل  حياة العبث والمجون واللهو والفسوق  وخلاف  خلق  الاسلام .

        ويتميز بالاعتماد على الحادثة  لذلك  كثر فيه  القصص الغرامية والمغامرات  في  طلب النساء  والتعرض  لهن  ونلاحظ   فيه   الحوار الشعري  بين  الحبيب  وحبيبته  او الشاعر  وحبيبته .  

              ومن اهم شعراء هذا النوع  من الغزل عمر بن  ابي   ربيعة والاحوص  والعرجي  والحارث بن خالد ومن  قول  الشاعر عمر  بن  ابي  ربيعة  هذه الابيات :

 فحييت  اذ  فاجأتها   فتولهت
                                       وكادت  بمكنون  التحية  تجهر

 وقالت وقد عضت بالبنان فضحتني
                                       وانت امرؤ ميسور أمرك أعسر

 فوالله ماادري أتعجيل  حاجة
                                     سرت بك ام  قد نام من كنت تحذر

 فقلت لها  بل  قادني الشوق والهوى
                                     الايك وما نفس من الناس  تشعر

       ومن الفنون  الشعرية التي  توسعت  كثيرا  (الخمريات)  فهي
 غرض من اغراض الشعر العربي  التي كانت معروفة  في الجاهلية  الا ان  الاسلام حرّم الخمر والقول  فيها  فا متنع  شعراء صدر الاسلام من  القول  فيها  وحتى عن  ذكرها  في  اشعارهم   وقصيدهم  ومن المفروض  ان  تهجر نهائيا  طالما  حرمها  الاسلام  الا  انها  ظهرت في العصر الاموي مجددا  لقلة حدة الدولة اتجاه الدين  وانتشار اللهو  والترف  وظهور المجون  لدى بعض الشعراء  الشباب او من  اديان اخرى

         ومن اسباب  ظهورها  ايضا  التمازج الاجتماعي من الاعاجم من فرس  وروم  واقباط  وغيرهم  في الدولة الاموية واتساع رقعتها  الجغرافية  ومن شعراء  الخمرة الشاعر الاخطل  التغلبي حيث كان مسيحيا  اذ ذكرها  كثيرا في قصائده  وتغنى  بها وفيها  يقول :

  تفوح بماء  يشبه الطيب طيبه
                                       اذا ما تعاطت  كاسها من يد  يد

 تميت وتحي   بعد موت وموتها
                                 لذيذ     ومحياها    الذ      واحمد

        
              واختم بحثي  هذا  بفن  النقائض  وهي  قصائد في غاية في  البلاغة والمتانة  تمتاز بطولها  وتكاد تكون تطورا  لشعر الهجاء الا  انها  يدخلها  المدح  والفخر ايضا   يردّ الشاعر  فيها على خصمه الشاعر الاخر  او خصومه  من الشعراء.

        و تتميز  هذه القصائد  انها  تشترك  في الوزن  والقافية  والروي   فكل  قصيدتين  متضادتين  تأتيان  من  بحر  واحد  وروي واحد وقافية  واحدة   كانهما  قصيدة  واحدة  لولا  اختلاف المقاصد والاهواء  و نستطيع  ان  نقول انها  قد  تطورت من الهجاء  الجاهلي  وفي  النقيضة  يمدح الشاعر  قومه  ونفسه  بافتخار  ويفند  مزاعم  خصمه الشاعر الاخر .

       وقد  شاعت النقائض في هذا  العصر الاموي  نتيجة للصراع  الحزبي او القبلي  او العداء  الشخصي  بين الشعراء  انفسهم  حتى اصبحت  فنا جديدا  من فنون الشعر  العربي  له  شعراؤه  وفرسانه وقيلت  فيه  القصائد الطوال  الرائعة التي اعجب بها الادباء والنقاد  واعتبرت من روائع  الشعر  العربي.

        و النقائض  فن  متطور  من الهجاء الجاهلي  حيث يعتبر  البذرة  الاصلية له  والقصيدة  في هذا  الفن   تختلف عن  قصيدة الهجاء كونها ملتزمة  الرد والنقض لما يرد في القصيدة  المقابلة    مع التزام القصيدة  الناقضة  نفس  وزن  وقافية  وروي القصيدة  المنقوضة .

      ويمكننا  ان  نقول انها  لم  يكن لها  وجود  في الشعر الجاهلي او شعر صدر الاسلام  وانها  وليدة هذا العصر  وهي   فن  من فنون الشعر العربي الجديد في  العصر الاموي .

     ان  هذه النقائض زادت من حدة الخلاف وشدة النزاع  الحزبي والقبلي  بين  الاطراف  المتنازعة  حيث اتجه الشعراء  في البحث  عن مثالب   بعضهم  البعض  ومثالب الاقوام الاخرين    واللهاث وراء  معرفة كل مثلبة  في الشاعر الاخر  و في قومه وعشيرته في الماضي او في الحاضر  وان  كانت خافية  الا   ا نها  رسمت   صورة  لحياة المجتمع  العربي  والقبلي   وكانت  سببا   مباشرا في دراسة المجتمع القبلي من قبل هؤلاء الشعراء  واحداث عصرهم فكانت مصدرا مهما من مصادر تاريخ  العصر الجاهلي  فهي دراسة او نبش في التاريخ  وراء  الاحداث وما  تمخض عنها من  نوازع  وامور تهم هذا الطرف او ذاك وقد  خرجت  بعض هذه القصائد عن  المالوف  في  الاصول والاداب  واهم شعراء هذا الفن  الفرزدق  والاخطل  وجرير .
 يقول جرير في  الفرزدق : 

     ولقد ولدت ام الفرزدق فاجرا
                                      فجاءت بوزار قصيرالقوادم


   هو الرجس يا اهل ا لمدينة فاحذروا
                                   مداخل  رجس بالخبيثات عالم


 فيرد عليه  الفرزدق فيقول :

  قال ابن صانعة الزروب لقومه
                                    لااستطيع   رواسي   الاعلام

ووجدت قومك فقؤوا  من لؤ مهم
                                   عينيك  عند   مكارم  الا قوام

صغرت دلاؤهم فما ملاءوا بها
                                  حوضا  ولا شهدوا  عراك  زحام
          واستطيع  ان  اقول   لقد تميزت  الافكار عموما  بوضوحها  وعدم   المغالاة  في اخفائها  وراء  كلمات  العاطفة  لم  يختلف  الشعراء   في رهافة  عواطفهم  وحساسيتها  ولا  في صورهم  عن شعراء العصرين  الجاهلي  وصدر الاسلام   فكانت  الدافع  المباشر الى القول  وموقف الشاعر  ففتحت   نفس المتلقي  وبعثت  القصيدة  فيها بحيث  تكون أهم الحقائق  والافكار  والهدف  الرئسي  منها   اثارة   الانفعال  في نفوس المتلقين  بعرض الحقائق  الرائعة  و تمتاز العبارة  بالانتقاء  والتفخيم والوقوف على مواطن الجمال كما تكون  الصور  الخيالية  والصنعة البديعية  والكلمات   الموسيقية  مظهرا للانفعال  العميق  فاتت العبارة في القصيدة  الاموية  جزلة  متينة  وقد عبرت عن عاطفة  صادقة  قوية حية  اتبعثت  في وجدان الشـاعر العربي . حيث  ان  الشـعر هو صياغة  لغوية  يجتمع  فيها  الحرف الرصين والمعنى الشريف والبلاغة  المعبرة  والخيال الواسع   بهذه العناصر المختلفة  في وحدة  متكاملة  للتعبير عما يريد الشاعر أن يقوله. او ينشده  
 والله الموفق .


                                   د. فالح نصيف الحجية
                                            الكيلاني
                                  العراق – ديالى – بلد روز



      ******************************
























       الشــــــــعـــراء












































































    موسوعة
شعراء العربية




                                                  3



     شعراء من العصر  الاموي




                                     تأ ليف

                  الشاعر والباحث
              فالح  نصيف الحجية

                              الكيلاني






                               الجزء  الاول










































                                 1
                 ابو الاسود الدؤلي   

        هو: ابو الاسود  ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل بن يعمر بن حلس بن نفاثة بن عدي بن الدئل بن بكر الدؤلي الكناني  ويقال له الديلي والدئلي والدؤلي  نسبة إلى بني الدئل وهم بطن من بطون قبيلة كنانة.
      وأمه هي الطويلة من بني عبد الدار بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر( قريش) بن كنانة       القرشية.
         ولد  أبو الأسود  قبل  البعثة  النبوية  بثلاث  سنوات أي قبل الهجرة  النبوية  بـستة عشر عاما أي في عام 585 ميلادية  وقيل انه ولد قبل الهجرة النبوية بعام  واحد  أي عام 605 ميلادية  ولهذا  فهو من  المخضرمين  الذين  أدركوا الجاهلية والإسلام  ولكنه  ليس صحابيا حيث لم يحض بصحبة  النبي محمد صلى الله عليه وسلم  ولم يره  رغم  أنه  أدركه وعاصره .
      أسلم أبو الأسود الدؤلي في حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم  وكان قومه بنو الدئل بن بكر حلفاء   قريش خلال عقد صلح ( الحديبية ) وهم الذين عدوا على خزاعة وكان ذلك  سببا من اسباب  فتح  مكة من قبل النبي محمد صلى الله عليه وسلم .
      فأبو الأسود  ولد وأسلم  قبل وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم      وكان  يعيش مع  قومه بني  الدئل  جنوب مكة المكرمة  فلم يدخل المدينة المنورة  إلا بعد وفاة النبي  صلى الله عليه وسلم  وقد نهل فيها من العلم الشرعي  حيث أخذ الحديث ورواه عن عدد من الصحابة  منهم عمر بن الخطاب وعلي بن ابي طالب  والحسن  والحسين  وأبي بن كعب  وأبو ذر الغفاري  وعبد الله بن مسعود  وعبد الله بن عباس  والزبير بن العوام  ومعاذ بن جبل   وأبو موسى الأشعري  وعمران بن حصين  وطائفة. وقرأ القرآن على عثمان بن عفان  وعلي بن أبي طالب.
       وحدث عنه ابنه أبو حرب وعبد الله بن بريدة ويحيى بن يعمر وعمر بن عبد الله مولى عفيرة وسعيد بن عبد الرحمن بن رقيش الأسدي  وآخرون.
       وهو من اشراف التابعين وأعيانهم وفقهائهم وشعرائهم ومحدثيهم ومن دهاة العرب  وهو عارف فاهم  بقواعد اللغة العربية  نحوي بارع  عالم وضع علم  النحو في اللغة العربية وهو أول من وضع باب الفاعل والمفعول والمضاف  ووضع  النقاط  على الأحرف العربية  وفرق بين المتشابه منها  مثل ( ب  ت  ث ) و( ج  ح  خ ) وهكذا وقد رسم الحروف العربية بشكلها الجديد  وهو الذي قام بتحريك القرآن الكريم ووضع الحركات  الهمز والسكون  والفتح  والضم  والجر على الحروف  فهو معدود  في طبقات  التابعين  وصحب  علي بن أبي طالب الذي ولاه إمارة البصرة في خلافته  وشهد معه حروبه في  صفين والجمل ومحاربة الخوارج. وكان يلقب (ملك النحو) لوضعه هذا العلم وقواعده  إلا أن الروايات اختلفت في سبب وضع أبي الأسود الدؤلي لهذا العلم  فقد قيل
أن علي بن ابي طالب أمر أبا الأسود الدؤلي بوضع شيء في النحو لمَّا سمع اللحن. فأراه أبو الأسود ما وضع  فقال علي : ما أحسن هذا النحو الذي نحوت  فمن ثمَّ سُمِّي النحو نحوا.
وقد سئل أبو الأسود عمَّن نهج له الطريق  فقال:
 تلقيته عن علي بن أبي طالب.
   وقيل كان الذي حَدَاه على ذلك أن ابنته قالت له :
 - يا أبت  ما أشدُّ الحرِّ؟
 وكان في شدة القيظ. فقال:
-  ما نحن فيه؟
فقالت: إنما أردت أنه شديد.
فقال: قولي ما أشدَّ
 فعمل باب التعجب
 وقيل  في رواية اخرى :
جاء أبو الأسود إلى زياد فقال : أرى العرب قد خالطت العجم فتغيرت ألسنتهم  أفتأذن لي أن أضع للعرب كلاما يقيمون به كلامهم ؟
 قال : لا .
  فجاء رجل إلى زياد فقال : أصلح الله الأمير  توفي أبانا وترك بنون.
 فقال : ادع لي أبا الأسود. فدعي
فقال له : ضع للناس الذي نهيتك عنه.
   انتقل الى البصرة  وسكنها وتولى عددا من المناصب بالبصرة في خلافة عمر بن الخطاب وخلافة عثمان بن عفان وفي خلافة علي بن أبي طالب كان عبد الله بن عباس أمير البصرة  وكان أبو الأسود الدؤلي كاتبا له ثم ولاه قضاء البصرة  وعندما رجع ابن عباس إلى الحجاز استخلف على امارة البصرة أبا الأسود الدؤلي فأقره الخليفة علي بن أبي طالب أميرا على البصرة في خلافته  وشهد معه جل حروبه  فقلما  استشهد انتقل الى الشام واتصل بمعاوية بن ابي سفيان فبالغ  معاوية في اكرامه والانعام عليه   .
     و كان ابو الاسود الدؤلي  من الشعراء المجيدين  وقيل أنه دخل على  معاوية  بن ابي سفيان  فقال له معاوية:  
     - أصبحت جميلا يا أبا الأسود فلو علقت تميمة تدفع عنك العين.
 يهزأ بشكله فرد عليه ابو الاسود قائلا شعرا :
افنى الشباب الذي فارقت بهجته               
                                              كر الجديدين من آت ومنطلق
لم يتركا ليَ في طول اختلافهما
                                            شيئاً أخاف عليه لذعة الحـدق
قد كنت أرتاع للبيضاء أخضبها        
                                          في شعر رأسي وقد أيقنت بالبلق
والآن حين خضبت الرأس فارقن 
                                        ما كنت ألتذ من عيشي ومن خُلقي
          وكان له صديق يقال له الجارود سالم بن سلمة بن نوفل الهذلي وكانا يتجاذبان الشعر فقال أبو الأسود للجارود يوما :
أبلغ أبا الجارود عني رسالة    
                                         يروح بها الماشي لقاءك أو يغدو
فيخبرنا ما بال صرمك بعدما    
                                          رضيت وما غيرت من خلق بعدُ
أإن نلت خيرا سرني أن تناله   
                                             تنكرتَ حتى قلت ذو لبدة وردُ
 واغلب  شعره  في الحكمة  ومنها  يقول :
إِذا ضاقَ صَدرُ المَرءِ عَن سِرَّ نَفسِهِ  
                                      فَفاضَ  فَفي  صَدري  لَسِرِّيَ    مُتَّسَع
إِذا  فاتَ  شَيءٌ   فَاصطَبِر     لِذهابِهِ   
                                      وَلا تَتبَعَنَّ الشيءَ  إِن  فاتَكَ    الجَزَع
فَفي اليأسِ  عَمّا  فاتَ  عِزٌّ    وَراحَةٌ    
                                     وَفيهِ الغِنى والفَقرُ يا  ضافيَ    الطَمَع
إِذا  صاحِبا  وَصلٍ   بِحَبلٍ     تَجاذَبا   
                                      فَمُلَّ  قُواهُ   أُوهِنَ   الحَبلُ     فَانقَطَع
وَلا  تَحفِرَن  بِئراً  تُريدُ   أَخاً     بِها  
                                      فَإِنَّكَ  فيها   أَنتَ   مِن   دونِهِ     تَقَع
وَكُلُّ امرىءٍ يَبغي عَلى الناسِ ظالِماً   
                                      تُصِبهُ عَلى رَغمٍ  عواقِبُ  ما    صَنَع
        توفي ابو الا سود الدؤلي في سنة \69 هجرية – 688 ميلادية  وقد اختلف في سنة  وفاته كما اختلف في سنة ولادته  ففي بعض الروايات  انه توفي سنة \64  وقيل سنة\ 66 وقيل في سنة\99  والمرجح انه توفي في عام\ 69 وهو عام الطاعون في البصرة  حيث انتشر هذا الوباء فيها  حتى قضى على من فيها  وقيل انه كان مصابا بالفالج الاانه توفي بالطاعون .
     ومن شعره  هذه الابيات :
 حَسَدوا  الفَتى  إِذ  لَم  يَنالوا    سَعيهُ   
                                                فَالقَومُ    أَعداءٌ     لَهُ       وَخُصومُ
كَضَرائِرِ   الحَسناءِ   قُلنَ   لِوَجهِها   
                                                حَسداً      وَبَغياً      إِنَّهُ        لَدَميمُ
وَالوَجهُ  يُشرُقُ  في  الظَلامِ     كَأَنَّهُ  
                                                بَدرٌ     مُنيرٌ     وَالنِساءُ       نُجومُ
وَتَرى  اللَبيبَ  مُحسَّداً  لَم     يَجتَرِم  
                                               شَتمَ   الرِجالِ   وَعَرضُهُ      مَشتومُ
وَكَذاكَ  مَن  عَظُمَت   عَليهِ     نِعمَةٌ    
                                                حُسّادُه    سَيفٌ    عَليهِ       صَرومُ
فاِترُك   مُحاوَرةَ    السَفيهِ      فَإِنَّها   
                                                  نَدمٌ    وَغِبٌّ    بَعدَ    ذاكَ    وَخيمُ
وَإِذا جَريتَ مَع  السَفيهِ  كَما    جَرى  
                                                 فَكِلاكُما    في     جَريهِ       مَذمومُ
وَإِذا  عتِبتَ  عَلى   السَفيه     وَلُمتَهُ  
                                                في  مِثلِ  ما   تأَتي   فَأَنتَ     ظَلومُ
لا  تَنهَ   عَن   خُلُقٍ   وَتَأتيَ   مِثلَهُ    
                                                 عارٌ   عَلَيكَ   إِذا   فَعَلتُ      عَظيمُ
ابدأ   بِنَفسِكَ   وَانَها   عَن      غِيِّها    
                                               فَإِذا   انتَهَت   عَنهُ   فَأَنتَ      حَكيمُ
فَهُناكَ  يُقبَل  ما   وَعَظتَ   وَيُقتَدى   
                                               بِالعِلمِ     مِنكَ     وَيَنفَعُ       التَعليمُ
وَيلُ   الخَلِيِّ   مِنَ   الشَجِيِّ      فَإِنَّهُ  
                                             نَصِبُ    الفُؤادِ    بِشَجوِهِ      مَغمومُ
وَتَرى  الخَليَّ  قَريرَ   عَينٍ     لاهياً  
                                               وَعَلى    الشَجيِّ    كَآبَةٌ     وَهُمومُ
وَتَقولُ   مالَك   لا   تَقول     مَقالَتي   
                                             وَلِسانُ   ذا   طَلق   وَذا      مَكظومُ
لا تَكلَمَن عِرضَ ابنِ  عَمِّكَ    ظالِماً 
                                                فَإِذا    فَعَلتَ    فَعِرضُكَ      المَكلومُ
وَحَريمُهُ   أَيضاً   حَريمُكَ     فاحمِهِ  
                                                 كي  لا   يُباعُ   لَدَيكَ   مِنهُ   حَريمُ
وَإِذا اِقتَصَصتَ مِن ابنِ عَمِّكَ    كَلمَةً 
                                               فَكُلومُهُ   لَكَ   إِن    عَقِلتَ      كُلومُ
وَإِذا   طَلَبتَ   إِلى   كَريمٍ    حاجَةً   
                                             فَلِقاؤُهُ        يَكفيكَ           وَالتَسليمُ
فَإِذا   رَآكَ   مُسَلِّماً    ذَكَرَ      الَّذي  
                                              كَلَّمتَهُ          فَكأَنَّهُ            مَلزومُ
وَرأى  عَواقِبَ  حَمدِ   ذاكَ     وَذَمِّهُ  
                                             لِلمَرءِ    تَبقى    وَالعِظامُ       رَميمُ
فارجُ  الكَريمَ  وَإِن  رَأَيتَ     جَفاءَهُ   
                                             فالعَتبُ    مِنهُ     والكِرامِ       كَريمُ
إِن   كُنتَ   مُضطَرّاً   وَإِلّا     فاِتَّخِذ  
                                             نَفَقاً     كَأَنَّكَ     خائِفٌ       مَهزومُ
وَاِترُكهُ   واحذَر   أَن   تَمُرَّ   بِبابِهِ  
                                             دَهراً  وَعِرضُكَ  إِن  فَعَلتَ     سَليمُ
فَالناسُ  قَد   صاروا   بَهائِمَ     كُلُّهُم   
                                           وَمِنَ     البَهائِمَ     قائِدٌ       وَزَعيمُ
عُميٌ  وَبُكمٌ   لَيسَ   يُرجى     نَفعُهُم    
                                              وَزَعيمُهم    في    النائِباتِ      مُليمُ
وَإِذا   طَلَبتَ   إِلى    لَئيمٍ      حاجَةً   
                                               فَأَلِحَّ   في    رِفقٍ    وَأَنتَ      مُديمُ
وَاِسكُن     قِبالَةَ     بَيتِهِ       وَفِنائِهِ    
                                               بِأَشَدِّ   ما   لَزِمَ    الغَريمَ      غَريمُ
وَعَجِبتُ   للدُنيا    وَرَغبَةِ      أَهلِها    
                                             وَالرِزقُ    فيما    بَينَهُم       مَقسومُ
وَالأَحمَقُ المَرزوقُ أَعجَبُ مَن أَرى   
                                              مِن    أَهلِها    وَالعاقِلُ      المَحرومُ
ثُمَّ   اِنقَضى   عَجَبي   لِعلميَ     أَنَّهُ  
                                              رِزقٌ     مُوافٍ     وَقتُهُ       مَعلومُ




                     ************************











                                  2

أبو دهبل الجمحي


         هو وهب بن زمعة بن أسيد بن أحيحة بن خلف بن وهب بن    حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب القريشي. أحد الشعراء المشهورين من قريش  من أهل مكة  .
أمه امرأة من هذيل واسمهاهذيلة بنت سلمة. وإياها يعني بقوله:
أنا ابن الفروع الكرام التي
                                              هذيلٌ لأبياتـهـا سـائلة
هم ولدوني وأشبهتـهـم
                                             كما تشبه الليلة القـابـلة
        كان أبو دهبل رجلاً جميلاً شاعراً  وكانت له جمة يرسلها فتضرب منكبيه  وكان عفيفاً  وقال الشعر في آخر خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه  ومدح معاوية  وعبد الله بن الزبير  وقد كان ابن الزبير ولاه بعض أعمال اليمن. وله أخبار كثيرة مع عمرة الجمحية وعاتكة بنت معاوية  .في شعره رقة وجزالة  
كان  رجلا  صالحاً ولاه عبد الله بن الزبير بعض أعمال اليمن  وتوفي     وكان أبو دهبل رجلاً سيداً من أشراف بني جمح  وكان يحمل الحملات ويعطي الفقراء ويقري الضيف.
   وقد أقطع الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك الشاعر أبا دهبل الجمحي القرشي أرضاً بمنطقة (الدارسة) في (جازان). وعلاقة الشاعر بجازان  ربمـا بدأت منذ إمارة عبد الله بن الزبير التي قامت بين سنتي \ 63   و 73 هـجرية  حيث ولاه عبد الله بن الزبير عملاً في جنوب الجزيرة العربية  وربما يكون هذا العمل بمنطقة الدارسة بجازان ـ وأن سليمان بن عبد الملك  أعدها له  .
    فقيل قدم سليمان  مكة في حر شديد  فكان ينقل سريره بفناء الكعبة وأعطى الناس العطاء. فلما بلغ بني جمح نودي بأهل دهبل .    
فقال سليمان:أين أبو دهبل الشاعر؟ علي به .                 
 فجيئ به                                                              
فقال سليمان: أنت أبو دهبل الشاعر؟                               
قال: نعم                                                               
قال: فأنت القائل  :                                                   
فتنةٌ يشعـلـهـا ورادهـا                                       
                          حطب النار فدعها تشتعل

فإذا ما كان أمنٌ فـأتـهـم                                       
                            وإذا ما كان خوفٌ فاعتزل  
قال: نعم.                                                    
قال: وأنت القائل:                                          
يدعون مروان كيما يستجيب لهـم                            
                                     وعند مروان خار القوم أو رقدوا    
قد كان في قوم موسى قبلهم جسد                          
                                     عجلٌ إذا خار فيهم خورةً سجدوا
قال: نعم.                                                                 
قال: أنت القائل هذا ثم تطلب ما عندنا  لا والله ولا كرامة!            
فقال: يا أمير المؤمنين، إن قوماً فتنوا فكافحوكم بأسيافهم وأجلبوا عليكم بخيلهم ورجلهم ثم أدالكم الله منهم فعفوتم عنهم  وإنما فتنت فقلت بلساني  فلما لا يعفى عني!
فقال سليمان: قد عفونا عنك وأقطعه قطيعةً بحازان باليمن.      
فقيل لسليمان: كيف أقطعته هذه القطيعة!                           
قال: أردت أن أميته وأميت ذكره بها.                                 
وورد في شعره كثير من الامكنة  بما فيها جـازان. حيث يقول:
سقى الله جازانا ومن حل ولية          وكل مسيل من سهام وسردد
 وقيل أن قوماً مروا براهب  فسالوه عن أشعر الناس؟  
فقال: وهبٌ  من جمح.
وقال أبو دهبل يفخر بقومه:
قومي بنو جمح قوم إذا انحـدرت
                                         شهباء تبصر في حافاتها الزغفـا
أهل الخلافة والموفون إن وعـدوا
                                       والشاهد والروع لا عزلاً ولا كشفا

وكذلك يفخر  بنفسه وقومه  قوله:
أنا   أبو  دهـبـل  وهـبٌ  لـوهـب
من جمحٍ  في العز منها والحسب
والأسرة الخضراء والعيص الأشب
ومن هذيل  والدي عالي  النـسـب
أورثني   المجد  أبٌ  من  بـعـد أب
رمحي   رديني  وسيفي المستلـب
وبيضتي   قونسهـا   مـن  الـذهـب
درعي دلاصٌ سردها سردٌ عجب
والقوس  فجاء  لـهـا  نـبـلٌ  ذرب
محشورةٌ  أحكم  منهن   الـقـطـب
ليوم    هيجاء   أعدت   لـلـرهـب
ومدح بحير بن ريسان فقال فيه:                                        

بحير بن ريسان الذي سكن الجند                                               
                                    يقول له الناس الجواد ومن ولـد
له نفحاتٌ حين يذكر فـضـلـه                                               
كسيل ربيع في ضحاضحة السند      

ومد ح عمارة بن عمرو بن حزم عامل  عبد الله بن الزبير على حضرموت  فقال يمدحه وعرض بابن الأزرق البهرزي  عامل عبد الله بن الزبير على اليمن  لانه قصده  فلم يجبه  فقال:                     

يا رب حـي بـخـير مـا                                             
حييت إنسـانـاً عـمـاره                               

أعطي فـأسـنـانـاً ولـم                                              
يك من عطيته الصغـاره

ومن العطـية مـا تـرى                                         
جذماه ليس لـهـا نـزاره

حجراً تـقـلـبـه وهـل                                             
تعطي على المدح الحجارة

كالبغـل يحـمـد قـائمـاً                                                
وتذم مشيته الـمـصـاره
 الا  انه  عاد اليه فمدحه كونه كان قريبه  فاجزاه واكرمه
  فقال ابودهبل  في مدحه :           

يا حن إني لما حدثتـنـي أصـلا                                            
مرنح من صميم الوجد معـمـود                        

نخاف عزل امرىء كنا نعيش بـه                                                                                           معروفه إن طلبنا الجود موجـود

اعلم بأني لمن عاديت مضطـغـنٌ
                                            ضباً وأني عليك اليوم محـسـود    

وأن شكرك عندي لا انقضاء لـه
                                          ما دام بالهضب من لبنان جلمـود

أنت الممدح والمغلي به ثـمـنـاً
                                           إذ لا تمدح صم الجندل الـسـود         

إن تغد من منقلي نجران مرتحـلا
                                     يرحل من اليمن المعروف والجود         

ما زلت في دفعات الخير تفعلهـا
                                     لما اعترى الناس لأواءٌ ومجهـود

حتى الذي بين عسفانٍ إلـى عـدنٍ
                                      لحبٌ لمن يطلب المعروف أخدود

ولما  استشهد الحسين بن علي  بن ابي طالب رضي الله عنهما  رثاه  الشاعر ابو دهبل  في ابيات منها :                                    

تبيت سكارى من أمـية نـومـا                                           
                                    و بالطف قتلي ما ينام حميمهـا          

وما أفسد الإسلام إلا عـصـابة                                         
                                      تأمر نوكاها  ودام   نـعـيمـهـا  

فصارت قناة الدين في كف ظالمٍ                                      
                                  إذا اعوج منها جانب لا يقيمهـا
       ومن اخباره  قيل انه كان قد احب امرأة من قومه يقال لها (عمرة ) وكانت امرأةً جزلة تحب الشعر  فيجتمع إليها الرجال للمحادثة وإنشاد الشعر والأخبار  وكان أبو دهبل لا يفارق مجلسها  مع  كل  من  يجتمع إليها  وكانت هي أيضاً تبادله الحب وزعمت بني جمح أنه تزوجها وزعم غيرهم أنه لم يصل إليها. حيث كانت (عمرة ) توصيه بحفظ ما بينهما من حب  وكتمانه عن الاخرين  فضمن لها ذلك   فوشي اليها انه اظهر ذلك  حتى تحدثت به أشراف قريش في مجالسها وسوقة أهل الحجاز في أسواقها والسقاة في مواردها!  فقررت التخلي عن مجلسها فاحتجبت ومنعت كل من كان يجالسها من  الوصول إليها. وجاء أبو دهبل على عادته فاحتجبت  عنه  . ففي ذلك يقول:
تطاول هذا اللـيل مـا يتـبـلـج
                                          وأعيت غواشي عبرتي ما تفـرج
وبت كـئيبـاً مـا أنـام كـأنـمـا
                                             خلال ضلوعي جمرةٌ تـتـوهـج
فطوراً أمني النفس من عمرة المنى
                                         وطوراً إذا ما لج بي الحزن أنشج
لقد قطع الواشون ما كان بـينـنـا
                                        ونحن إلى أن يوصل الحبل أحوج
أخطط في ظهر الحصير كأنني
                                           أسيرٌ يخاف القتل ولهان ملفج
 وكذلك يقول في حبه لها ايضا :
أَيا كَبِدي طارَت صُدوعاً نَوافِذاً
                                        وَيا حَسرَتي ماذا تَغَلغَلَ في القَلبِ
فَأُقسِمُ ما غُمشُ العُيونِ شَوارِفٌ
                                             رَوائِمُ  بَوٍّ جاثِماتٌ عَلى سَقبِ
يُشَمِّمنَهُ لَو يَستَطِعنَ اِرتَشَفنَهُ
                                           إِذا سُفنَهُ يَردُدنَ نَكباً عَلى نَكبِ
بِأَوجَدَ مِنّي يَومَ زالَت حُمولُهُم
                                       وَقَد طَلَعَت أولى الرِكابِ مِنَ النَقبِ
  كُلُّ  مُلِمّاتِ  الأُمورِ  وَجَدتُّها
                                        سِوى فُرقَةِ الأَحبابِ هَيِّنَةَ الخَطبِ

     ومن اخباره  قيل :حجت عاتكة بنت معاوية بن أبي سفيان فنزلت  من مكة ب(ذي طوى)  ولما  كانت الهاجرة واشتد الحر وهي جالسة   امرت جواريها فرفعن الستر وهي جالسةٌ في مجلسها-  وكان قد انقطع الطريق  - وعليها شفوفٌ لها تنظر إلى الطريق . إذ مر بها أبو دهبل الجمحي  وكان من أجمل الناس وأحسنهم منظراً  فوقف طويلاً ينظر إليها وإلى جمالها وكانت مضرب المثل في الحسن والجمال  وهي غافلة عنه  فلما فطنت له سترت وجهها وأمرت بطرح الستر وشتمته.             
فقال أبو دهبل :                                                         
إني دعاني الحين فاقتادنـي                                               
            حتى رأيت الظبي بالبـاب    
يا حسنه إذا سبني مـدبـرا                                                    
            مستتراً عني   بجـلـبـاب
سبحان من وقفها حـسـرة                                                   
           صبت على القلب بأوصاب
يذود عنها إن تطلبـتـهـا                                                      
          أبٌ   لها  لـيس  بـوهـاب   
أحلها قصراً منيع الـذرى                                                      
           يحمى  بأبواب  وحـجـاب

 وأنشد أبو دهبل هذه الأبيات لبعض إخوانه فشاعت بمكة واشتهرت  انشادا وغناءا حتى سمعتها عاتكة  فضحكت  ثم ارسلت اليه بكسوة ً. فلما صدرت عن مكة  خرج معها إلى الشأم ونزل قريباً منها  فكانت تعاهده  بالبر واللطف حتى  وردت  دمشق وورد معها  فانقطعت عن لقائه وبعد من أن يراها  ومرض بدمشق مرضاً طويلاً. فقال في ذلك :

طال ليلي وبت كالـمـحـزون                                        
                                                ومللت الـثـواء فـي جـيرون
وأطلت المقام بالـشـأم حـتـى                                          
                                                 ظن أهلي مرجمات الظـنـون
فبكت خشية التـفـرق جـمـلٌ  
                                                  كبكاء القـرين إثـر الـقـرين          
وهي زهراء مثل لـؤلـؤة الـغ                          
                                             واص ميزت من جوهر مكنون
وإذا ما نسبتهـا لـم تـجـدهـا                                
                                               في سناء من الـمـكـارم دون
ثم خاصرتها إلى القبة الـخـض                            
                                            راء تمشي في مرمرٍ مسنـون
قبةٌ من مراجـل ضـربـوهـا                                
                                         عند برد الشتاء فـي قـيطـون
عن يساوي إذا دخلت من الـبـا                                 
                                           ب وإن كنت خارجاً عن يمينـي 
ولقد قلت إذ تطاول سـقـمـي                                 
                                               وتقلبت ليلـتـي فـي فـنـون
ليت شعري أمن هوى طار نومي                        
                                        أم براني الباري قصير الجفـون

    وشاع هذا الشعر حتى بلغ معاوية فأمسك عنه  حتى إذا كان في يوم الجمعة دخل عليه الناس وفيهم أبو دهبل  فقال معاوية لحاجبه:
إذا أراد أبو دهبل الخروج فامنعه واردده إلي.
   وجعل الناس يسلمون وينصرفون  فقام أبو دهبل لينصرف
 فناداه معاوية:
-- يا أبا دهبل إلي
 فلما دنا إليه أجلسه حتى خلى به  ثم قال له:
ما كنت ظننت أن في قريش أشعر منك حيث تقول:-

ولقد قلت  إذ تطاول  سـقـمـي                                  
                                             وتقلبت ليلـتـي فـي فـنـون
ليت شعري أمن هوىً طار نومي                                  
                                         أم براني الباري قصير الجفـون
غير أنك قلت:
وهي زهراء مثل لؤلـؤة الـغ                         
                                           واص ميزت من جوهر مكنون
وإذا ما نسبتها لـم تـجـدهـا                             
                                            في سناء من المـكـارم دون

ووالله إن فتاةً أبوها معاوية وجدها أبو سفيان وجدتها هند بنت عتبة لكما ذكرت  وأي شيء زدت في قدرها  ولقد أسأت في قولك :

ثم خاصرتها إلى القبة الخض                           
                                    راء تمشي في مرمر مسنون

فقال: والله يا أمير المؤمنين  ما قلت هذا  وإنما قيل على لساني.
فقال له: أما من جهتي فلا خوف عليك  لأني أعلم صيانة ابنتي نفسها  وأعرف أن فتيان الشعر لم يتركوا أن يقولوا النسيب في كل من جاز أن يقولوه فيه وكل من لم يجز  وإنما أكره لك جوار يزيد  وأخاف عليك وثباته  فإن له سورة الشباب وأنفة الملوك.                           
          و أراد معاوية أن يهرب أبو دهبل فتنقضي المقالة عن ابنته  فحذر أبو دهبل فخرج إلى مكة هارباً على وجهه  فكان يكاتب عاتكة. فبينا معاوية ذات يوم في مجلسة إذ جاءه خادم  له فقال:                  
-  يا أمير المؤمنين، والله لقد سقط إلى عاتكة اليوم كتاب  فلما قرأته بكت ثم أخذته فوضعته تحت مصلاها  وما زالت خاثرة النفس منذ اليوم. - فقال له: اذهب فالطف لهذا الكتاب حتى تأتيني به.                     
 فانطلق الخادم  فلم يزل يلطف حتى أصاب منها غرةً فأخذ الكتاب وأقبل به إلى معاوية فاذا به من ابي دهبل كتب لها شعرا  :
   
أعاتك هلا إذا بخلـت فـلا تـرى                                         
                                 لذي صبورة زلفى لديك ولا حقـا   

رددت فؤاداً قد تولى بـه الـهـوى                                      
                                    وسكنت عيناً لا تمـل ولا تـرقـا

ولكن خلعت القلب بالوعد والمنـى                                    
                                  ولم أر يوماً منك جودا ولا صدقـا    

أتنسين أيامي بربـعـك مـدنـفـاً                                         
                                   صريعاً بأرض الشأم ذا سقم ملقى         

وليس صديقٌ يرتضـى لـوصـيةٍ                                          
                                   وأدعو لدائي بالشراب فما أسقـى

وأكبر همي أن أرى لك مـرسـلاً    
                                فطول نهاري جالسٌ أرقب الطرقا                                  

فواكبدي إذ ليس لي منك مجـلـسٌ
                             فأشكو الذي بي من هواك وما ألقى

رأيتك تزدادين للـصـب غـلـظة                                                
                               ويزداد قلبي كل يوم لكم عشـقـا  

 فلما قرأ معاوية هذا الشعر بعث إلى يزيد بن معاوية  فأتاه فدخل عليه فوجد معاوية مطرقاً                                                      
 فقال: يا أمير المؤمنين  ما هذا الأمر الذي شجاك؟                    -
قال: أمر أمرضني قلقني  منذ اليوم  وما أدري ما أعمل في شأنه.      قال: وما هو يا أمير المؤمنين؟                                       
 قال: هذا الفاسق أبو دهبل كتب بهذه الأبيات إلى أختك عاتكة  فلم تزل باكيةً منذ اليوم  وقد أفسدها  فما ترى فيه؟                            
فقال: الله إن الرأي لهينٌ.                                                
قال: وما هو؟                                                           
 قال: عبدٌ من عبيدك يكمن له في أزقة مكة فيريحنا منه.              
 قال معاوية: أف لك؟ والله إن امرأً يريد بك ما يريد ويسمو بك إلى ما يسمو لغير ذي رأيٍ  وأنت قد ضاق درعك بكلمة وقصر فيها باعك حتى أردت أن تقتل رجلاً من قريش  أو ما تعلم أنك إذا فعلت ذلك صدقت قوله وجعلتنا أحدوثةً أبداً؟                                                         
 قال: يا أمير المؤمنين  إنه قال قصيدة أخرى تناشدها أهل مكة وسارت  حتى بلغتني وأوجعتني وحملتني على ما أشرت به فيه.               
 قال معاوية : وما هي؟ قال :                                            
  
ألا لا تقل مهلاً فقد ذهب المهـل                                
                           وما كل من يلحى محباً له عقـل 

لقد كان في حولين حالا ولـم أزر                                  
                         هواي وإن خوفت عن حبها شغل

حمى الملك الجبار عني لقـاءهـا                                  
                         فمن دونها تخشى المتالف والقتل

فلا خير في حب يخاف وبـالـه                                     
                          ولا في حبيبٍ لا يكون له وصـل 

فواكبدي إني شهرت بـحـبـهـا                                      
                               ولم يك فيما بيننـا سـاعةً بـذل

ويا عجباً إني أكـاتـم حـبـهـا                                         
                          وقد شاع حتى قطعت دونها السبل

  فقال معاوية: قد والله رفهت عني  فما  كنت  آمن  أنه  قد  وصل  إليها  فأما  الآن  وهو  يشكو أنه  لم يكن  بينهما  وصل  ولا  بذلٌ  فالخطب فيه  يسير  قم عني    .              
   فقام  يزيد  فانصرف. فلما كان موعد الحج  حج معاوية في تلك السنة  فلما انقضت أيام الحج كتب أسماء وجوه قريش وأشرافهم وشعرائهم وكتب فيهم اسم أبي دهبل  ثم دعا بهم ففرق في جميعهم صلاتٍ سنيةً وأجازهم جوائز كثيرةً. فلما قبض أبو دهبل جائزته وقام لينصرف دعى به معاوية فرجع إليه  فقال له:             
-        يا أبا دهبل  ما لي رأيت أبا خالد يزيد بن أمير المؤمنين عليك ساخطاً في قوارص تأتيه عنك وشعرٍ لا تزال قد نطقت به وأنفذته إلى خصمائنا وموالينا  لا تعرض لأبي خالد.
  فجعل يعتذر إليه ويحلف له أنه مكذوبٌ عليه.
 فقال له معاوية: لا بأس عليك  وما يضرك ذلك عندنا  هل تأهلت؟ قال: لا.
قال: فأي بنات عمك أحب إليك؟
 قال: فلانة  
قال: قد زوجتكها وأصدقتها ألفي دينار وأمرت لك بألف دينار.      
فلما قبضها قال:   
-  إن رأي أمير المؤمنين أن يعفو لي عما مضى! فإن نطقت ببيت في معنى ما سبق مني فقد أبحت به دمي وفلانة التي زوجتنيها طالقٌ البتة. فسر بذلك معاوية وضمن له رضى يزيد عنه ووعده بإدرار ما وصله به في كل سنة  وانصرف إلى دمشق. ووقيل لم يحج معاوية في تلك السنة إلا من أجل أبي دهبل وشعره في ابنته 

         ومن اخباره ايضا  قيل  انه  اراد الخروج  للغزو  فلما وصل  الى  (جيرون ) جاءته امرأةٌ فأعطته كتاباً فقالت: اقرا لي  هذا الكتاب
 فقراه لها   فذهبت  ودخلت  قصرا  ثم خرجت فجاءت اليه  فقالت له :
 لو بلغت معي القصر فقرات الكتاب على امراة  كان لك اجرا ان شاء الله
فذهب معها  فلما  دخل القصر شاهد جوار  كثيرة فيه و شاهد امراة  وضيئة  جميلة  فاغلقن الباب  ودعته المراة الجميلة  الى نفسها  فاعتذر  ولن يرض  بذلك   فامرت بحبسه  فحبس في القصر  حتى ضعف  واصبح هزيلا مشرفا على الموت  فقال لها :                               
-اني رضيت على ان اتزوجك.                                              
    فرضيت فتزوجها واقا م عندها فترة طويلة  تاركا  اولاده وبناته وزوجته  الاولى  حتى يئس اهله  منه  وظنوه ميتا فاقتسموا ميراثه  بينهم واقامت  زوجته تبكي عليه حتى عشر بصرها   فقال لزوجته الشامية :  انك قد اثمت فيّ وفي ولدي واهلي  واني مشتاق اليهم .  فسمجت له بالذهاب اليهم  بعد ان اخذت عليه عهدا  ا ن يعود  بعد سنة  فصار الى  عياله  فلما جاء  اليهم وجدهم قد اقتسموا مالديه من مال عندهم  فقال لهم :  لا والله ما بيني وبينكم  انتم  قد ورثتموني  وانا على قيد الحياة  فهو حظكم  فما جئت به  هو لزوجتي امكم  خالصا لها وحدها   وقال لزوجته :                                   
 شأنك به فهو لك كله .                                                 
وفي ذلك يقول:                                                    
صاح حـياً الإلـه حـيا ودوراً  
                              عند أصل القناة مـن جـيرون

عن يساري إذا دخلت من البـا                                       
                              ب وإن كنت خارجاً عن يميني

فبذاك اغتربت في الشأم حتـى                                        
                                 ظن أهلي مرجمات الظنـون

وهي زهراء مثل لؤلـؤة الـغ                               
                            واص ميزت من جوهرٍ مكنون

وإذا ما نسبتها لـم تـجـدهـا                                  
                               في سناء من المـكـارم دون

تجعل المسك واليلنـجـوج وال                              
                               ند صلاءً لها على الكـانـون

ثم ماشيتها إلى القبة الـخـض                              
                              راء تمشي في مرمر مسنـون

وقبابٍ قد أسـرجـت وبـيوت                                
                              نظمت بالريحان والـزرجـون

قبة من مراجل ضـربـوهـا                                    
                                 عند حد الشتاء فـي قـيطـون

ثم فارقتها على خـير مـا كـا                                  
                                   ن قرينٌ مـفـارقٌ لـقـرين  

فبكت خشية التفـرق لـلـبـي                                   
                                ن بكاء الحزين إثر الـحـزين   

واسألي عن تذكري واطمئنـي                                 
                             لأناسي إذا هـم   عـذلـونـي

       فلما حل الأجل  وأراد الخروج إلى زوجته الشامية جاءه خبر  موتها فأقام في بلده  مع عياله  ولم يرجع .                                    
   وقيل أن أبا ريحانة وهو علي بن اسيد بن احيحة  عم أبي دهبل كان شديد الخلاف على عبد الله بن الزبير  فتوعده عبد الله بن صفوان  فلحق بعبد الملك بن مروان فاستمده الحجاج فأمده عبد الملك بطارق مولى عثمان في أربعة آلاف  فأشرف أبو ريحانة على  جبل (أبي قبيس)    فصاح أبو ريحانة:                                                        
أليس قد أخزاكم الله يأهل مكة!                                         
فقال له ابن أبي عتيق: بلى والله قد أخزانا الله.                        
فقال له عبد الله  ابن الزبير: مهلاً يا بن أخي!                         
فقال: قلنا لك ائذن لنا  فيهم  وهم  قليل  فأبيت  حتى  صاروا  إلى ما ترى من الكثرة.                                                        
وقال أبو دهبل في وعيد عبد الله بن صفوان عمه أبا ريحانة  :    
   
ولا توعد لتقـلـتـه عـلـيا                                              
                                 فإن وعـيده   كـلأٌ  وبـــيل
ونحن ببطن مكة إذ تـداعـى                                          
                                لرهطك من بني عمرو رعيل     
أولو الجمع المقدم حين ثابـوا                                     
                              عليك ومن يودعهـم قـلـيل
فلمـا أن تـفـانـينـا وأودى                                           
                                بثروتنا الترحـل والـرحـيل
جعلت لحومنا غرضاً كـأنـا                                        
                              لتهلكنا عـروبة أو سـلـول  

رثى  ابو دهبل  ابن الأزرق فدفن بعليب  فلما احتضر أبو دهبل أيضاً أوصى أن يدفن عنده وفيه يقول أبو دهبل يرثيه:                     
 
لقد غال هذا اللحد من بطن عليبٍ                                     
                                     فتًى كان من أهل الندى والتكرم       
فتى كان فيما ناب يوماً هو الفتى                                   
                                     ونعم  الفتى  للطارق  المـتـيم
أألحق أني لا أزال على مـنًـى                                        
                                   إذا صدر الحجاج عن كل موسم
سقى الله أرضاً أنت ساكن قبرها                                    
                                  سجال الغوادي من سحيلٍ ومبرم  
 وقيل خرج ابو دهبل يطلب ميراثٌا له بمصر ثم رجع من الطريق فوجد  زوجته قد ماتت ودفنت  في (عليب ) فقال:                             
اسلمي أم دهبلٍ بعـد هـجـر                                          
وتقضٍّ من الزمـان وعـمـر                                                  
واذكري كري المطي إلـيكـم                                          
                                     بعد ما قد توجهت نحو مصـر
لا تخالي أني نسـيتـك لـمـا                                          
                                  حال بيشٌ ومن به خلف ظهري
إن تكوني أنت المقدم قـبـلـي                                      
                                   وأطع يثوي عند قبرك قـبـري   

قال إبراهيم: فوقفت على قبره إلى جانب قبرها (بعليبٍ
   وتوفي (بعليب (  موضع بتهامة سنة  \  126 هجرية  ودفن فيها  جنب  قبر ابو الازرق  البهرزي  والى قبر زوجته  حسب وصيته  وما  جاء في   شعره اعلاه .  
ومن شعره  هذه الابيات

تَطاوَلَ   هذا   اللَيلُ   ما     يَتَبَلَّج                                 
                                       وَأَعيَت غَواشي  عَبرَتي  ما  تَفَرَّجُ

َبيتُ    كَئيباً     لِلهُمومِ       كَأَنَّما                                 
                                       خِلالَ   ضُلوعي   جَمرَةٌ     تَتَوَهَّجُ
 
طَوراً أَمَنّي النَفسَ مِن تَكتَمِ    المُنى                                 
                                       وَطَوراً إِذا ما لَجَّ بي الحُزنُ    أَنشِجُ

َأَبصَرتُ ما مَرَّت  بِهِ  يَومَ    يَأجَجِ                                    
                                        ظِباءٌ وَما  كانَت  بِهِ  العَينُ    نَخلِجُ

فَإِنَّكِ  عَينٌ  قَد   أَهِبتِ     بِصاحِبٍ                                    
                                        حَبيبٍ لَهُ  في  الصَدرِ  حُبٌّ    مُوَلَّجُ

لقد  قَطَعَ  الواشونَ  ما  كانَ    بَينَنا                                 
                                          وَنَحنُ إِلى أَن يُوصَلَ الوَصلُ أَحوَجُ

رَأَوا   عَورَةً   فَاِستَقبَلوها     بِأَلبِهِم                                  
                                          فَراحوا عَلى ما لا  نُحِبُّ    وَأَدلَجوا

فَلَيتَ الأُولى هُم كَثَّروا  في    فِراقِنا                                       
                                           بِأَجمَعِهِم  في  لُجَّةِ  البَحرِ   لَجَّجوا

هُمُ   مَنَعونا   ما   نَلَذُّ    وَنَشتَهي                                           
                                           وَأَذكَوا  عَلَينا  نارَ  صُرمِ     تُؤَجَّجُ

وَكانوا  أُناساً  كُنتُ   آمَنُ     عَيبَهُم                                        
                                          فَلَم  يَنهَهُم   حِلمٌ   وَلَم     يَتَحَرَّجوا

وَلَو تَرَكونا  لا  هَدى  اللَهُ    أَمرَهُم                                        
                                          وَلَم يُبرِموا  قَولاً  مِنَ  النَقرُ  يُنسَجُ

لَأَوشَكَ صَرفُ الدَهرِ  تَفريقَ    بَينَنا                                        
                                          وَلا  يَستَقيمُ  الدَهرُ  وَالدَهرُ  أَعوَجُ

عَسَت  كُربَةٌ  أَمسَيتُ  فيها    مُقيمَةٌ                                       
                                          يَكونُ  لَنا  مِنها   رَخاءُ     وَمَخرَجُ

فَيُكبَتَ    أَعداءُ    وَيَجذَلَ      آلِفٌ                                       
                                         لَهُ  كَبِدٌ  مِن  لَوعَةِ  الحُزنِ     يُلعَجُ
َأَشفَقَ  قَلبي  مِن   فِراقِ     خَريدَةٍ                                       
                                        لَها  نَسَبٌ  في  فَرعِ  فِهرٍ     مُتَوَّجُ
َقُلتُ    لِعَبّادٍ     وَجاءَ       كِتابُها                                   
                                          لِهذا  وَرَبّي  كانَتِ   العَينُ     تَخلِجُ
 َإِنّي   لَمَخزونٌ   عَشِيَّةَ      زُرتُها                                   
                                          وَكُنتُ  إِذا  ما  زُرتُها  لا     أُعَرَّجُ
وَخَطَّطتُ في ظَهرِ الحَصيرِ    كَأَنَّني                                
                                       أَسيرٌ يَخافُ  القَتلَ  وَلهانُ    مُفصَجُ
وَلَمّا  اِلتَقَينا  لَجلَجَت  في     كَلامِها                                  
                                        وَمِن آيَةِ الصُرمِ  الحَديثُ    المُلَجلَجُ
كَأَنَّ  وَساويسَ  الحُلِيِّ  إِذا     مَشَت                                  
                                         وَشارَفَهُنَّ     اللُؤلُؤُ        المُتَشَرَّجُ
َخَشُّشُ  بالي  عِشرِقٍ  زَجَلَت    بِهِ                                      
                                       يَمانِيَةٌ  هَبَّت  مِنَ   اللَيلِ     سَجسَجُ
فَأَعيا  عَلَيَّ  القَولُ  وَالقَولُ   واسِعٌ                                         
                                      وَفي  القَولِ  مُستَنٌّ  كَثيرٌ    وَمَخرَجُ



********************
                
             


                                      3

                  ابو صخر الهذلي  

                                                         

          هو عبد الله  بن سلم  السهمي ولد في مكة المكرمة وعاش فيها من قبيلة هذيل المضرية الحجازية التي لا تزال تقيم في أرض الحجاز إلى يومنا هذا.. فحلٌ من فحول الشعراء العرب على مدى الزمان وهو أحد  بني مرمض واحد شعراء الدولة الأموية وكان متعصباً لبني مروان موالياً لهم وله في عبد الملك بن مروان وأخيه عبد العزيز مدائح كثيرة. و كان محباً للأموين  شديد التعصب لهم  .  

   قيل  لما ظهر عبد الله الزبير بالحجاز وغلب عليها  بعد موت يزيد بن معاوية  وتشاغل بنو أمية بالحرب بينهم في مرج راهط وغيره  دخل عليه أبو صخر الهذلي  في هذيل .وقد جاءوا ليقبضوا عطاءهم وكان  عبد الله عارفاً بهواه في بني أمية  فمنعه عطاءه .

 فقال ابو صخر لعبد الله بن الزبير : علام تمنعني حقاً لي  وأنا امرؤ مسلم  ما أحدثت في الإسلام حدثاً ولا أخرجت من طاعة يداً؟
 قال  له : عليك بني أمية فاطلب عندهم  عطاءك.
قال ابو صخر : إذن أحدهم سباطا أكفهم  سمحةً أنفسهم  بذلاء لأموالهم وهابين  لمجتديهم  كريمةً  أعراقهم  شريفةً  أصولهم  زاكيةً  فروعهم  قريباً من رسول الله  صلى الله عليه وسلم   نسبهم وسبهم  ليسوا إذا نسبوا بأذناب ولا وشائظ ولا أتباع  ولا هم في قريش كفقعة القاع  لهم السؤدد في الجاهلية  والملك في الإسلام  لا كمن لا يعد في عيرها ولا نفيرها   ولا حكم آباؤه في نقيرها ولا قطميرها   ليس من أحلافها المطيبين   ولا من ساداتها المطعمين ولا من جودائها الوهابين  ولا من هاشمها المنتخبين  ولا عبد شمسها المسودين  وكيف تقابل الرؤوس بالأذناب  وأين النصل من الجفن  والسنان من الزج  والذنابى من القدامى  وكيف يفضل الشحيح على الجواد  والسوقة على الملك  والمجيع بخلاً على المطعم فضلاً ؟؟؟

        فغضب  عبد الله  ابن الزبير حتى ارتعدت فرائصه  وعرق جبينه  واهتز من قرنه إلى قدمه وامتقع لونه  
ثم قال له : يا بن البوالة على عقبيها  يا جلف  يا جاهل  أما والله لولا الحرمات الثلاث: حرمة الإسلام  وحرمة الحرم  وحرمة الشهر الحرام  لأخذت الذي في عيناك.
ثم أمر به إلى سجن (عارم) فحبس به مدة  ثم استوهبته هذيل وبينهم   بين قريش  خؤولة  في  هذيل  فأطلقه  بعد عام من الحبس وأقسم ألا يعطيه عطاءً مع المسلمين أبداً.

         فلما كان عام الجماعة وولي عبد الملك بن مروان  الخلافة  وحج البيت الحرام  لقيه أبو صخر فلما رآه عبد الملك قربه وأدناه .
 وقال له:   لم يخف علي خبرك  مع الملحد ويعني به عبد الله بن الزبير
  ولا ضاع لك عندي هواك وموالاتك .
 فقال: أما إذ شفى الله منه نفسي   ورأيته قتيل سيفك  وصريع أوليائك  مصلوباً مهتوك الستر  مفرق الجمع   فما أبالي ما فاتني من الدنيا.
ثم استأذنه أبو صخر في الإنشاد  فأذن له فمثل بين يديه قائماً فانشد:


عفت ذا عرق عصلها فرئامـهـا
                                           فدهناؤها وحش أجلى سوامـهـا

على أن مرسى خيمة خف أهلهـا
                                             بأبطح محلال وهيهات عامـهـا

إذا اعتلجت فيها الرياح فأدرجـت
                                           عشياً جرى في جانبيها قمامـهـا

وإن معاجي في الديار وموقـفـي

                                            بدارسة  الربعين  بال  ثمـامـهـا

لجهل ولكني أسـلـي ضـمـانة
                                                يضعف أسرار الفؤاد سقامـهـا

فأقصر فلا ما قد مضى لك راجع
                                                  ولا لذة الـدنـيا يدوم دوامـهـا

وفد أمير المؤمنين الـذي رمـى
                                                بجأواء جمهور تسيل إكـامـهـا

من أرض قرى الزيتون مكة بعدما
                                               غلبنا عليها واستحل حـرامـهـا

وإذا عاث فيها الناكثون وأفـسـدوا
                                              فخيفت أقاصيها وطار حمامـهـا

فشج بهم عرض الفلاة تعـسـفـاً
                                           إذ الأرض أخفى مستواها سوامها

فصبحتهم بالخيل تزحف بالـقـنـا
                                           وبيضاء مثل الشمس يبرق لامهـا

لهم عسكر ضافي الصفوف عرمرم
                                              وجمهورة يثني العدو انتقـامـهـا

فطهر منهم بطـن مـكة مـاجـد
                                            أبي الضيم والميلاء حين يسامهـا

فدع ذا وبشر شاعـري أم مـالـك
                                              بأبيات ما خزي طويل عرامـهـا

فإن تبد تجدع منـخـراك بـمـدية
                                              مشرشرة حرى حديد حسامـهـا

وإن تخف عنا أو تخف من أذاتنـا
                                                تنوشك نابا حـية وسـمـامـهـا

فلولا قريش لاسترقت عجـوزكـم
                                          وطال على قطبي رحاها احتزامها


     فأمر له  عبد الملك  بما  فاته  من العطاء   ومثله  صلة  من          ماله  وكساه وحمله.


             و كان أبو صخر الهذلي  منقطعاً إلى أبي خالد عبد العزيز بن عبد الله بن أسيد   مادحاً له  فقال له يوما:
-  ارثني يا أبا صخر  وأنا  حي   حتى أسمع كيف تقول  وأين مراثيك لي بعدي من مديحك إياي في حياتي؟
 فقال: أعيذك بالله يا أيها الأمير من ذلك  بل يبقيك الله ويقدمني قبلك  فقال: ما من ذلك بد. قال: فرثاه بقصيدة  يقول فيها:

أبا خالد نفسي وقت نفسك الـردى
                                              وكان بها من قبل عثرتك العثـر

لتبكك يا عبد الـعـزيز قـلائص
                                              أضر بها نص الهواجر الـزجـر

سمون بنا يجتـبـن كـل تـنـوفة
                                            تضل بها عن بيضهن القطا الكدر

فما قدمت حتى تواتـر سـيرهـا
                                                حتى أنيخت وهي ظالـعة دبـر

ففرج عن ركبانها الهم والطـوى
                                           كريم  المحيا  ماجد  واجد صـقـر

أخو شتوات تقتـل الـجـوع داره
                                          لمن جاء لا ضيق الفناء ولا وعر

ولا تهنئ الفـتـيان بـعـدك لـذة
                                            ولا بل هام الشامتين بك القـطـر

وإن تمس رمساً بالرصـافة ثـاوياً
                                          فما مات يا بن العيص نائلك الغمر

وذي ورق من فضل مالك مـالـه
                                          وذي حاجة قدر شت ليس له وفر

فأمسى مريحاً بعد ما قـد يؤوبـه
                                           وكل به المولى وضاق به الأمـر

      فأضعف  له  عبد العزيز  بن  عبد الله  بن اسيد   جائزته  ووصله  وأمر أولاده بحفظ القصيدة وبروايتها  .

          وقال أبو عمرو الشيباني: كان لأبي صخر ابن يقال له داود لم يكن له ولد غيره  فمات فمات داود  فجزع عليه  جزعاً  شديداً حتى  خولط  او  كاد يفقد صوابه  فقال يرثيه:

لقد جاهني طيف لداود بـعـدمـا
                                                   دنت فاستقلت تاليات الكـواكـب

وما في ذهول النفس عن غير سلوة
                                                رواح من السقم الذي هو غالبـي

وعندك لو يحيا صداك فنلـتـقـي
                                                 وفاء لمن غادرت يوم التناضـب
فهل لك طب نافعي مـن عـلاقة
                                                 تهيمني بين الحـشـا والـتـرائب

تشكيتها إذ صدع الدهر شعـبـنـا
                                              فأمست وأعيت بالرقي والطبـائب

ولولا يقيني أن الـمـوت عـزمة
                                               من الله حتى يبعثوا للمـحـاسـب

لقلت له فيمـا ألـم بـرمـسـه:
                                             هل أنت غداً غاد معي فمصاحبي

سألت مليكي إذ بلانـي بـفـقـده
                                               وفاةً بأيدي الروم بين المـقـانـب

ثنوني وقد قدمت ثأري بـطـعـنة
                                              تجيش بموار من الجوف ثـاعـب

فقد خفت أن ألقي المنايا وإنـنـي
                                                لتابع من وافي حمام الجـوالـب

ولما أطاعن في العـدو تـنـفـلاً
                                                إلى الله أبغي  فضلـه وأضـارب

وأعطف وراء المسلمين بطـعـنة
                                               على دبر مجل من العيش ذاهـب

      وقيل بلغ أبا صخر أن رجلاً من قومه عابه وقدح عليه
  فقال أبو صخر : 

ولقد أتاني ناصح عن كـاشـح
                                          بعداوة ظهرت وقبـح أقـاول

أفحين أحكمني المشيب فلا فتىً
                                          غمر ولا قحم وأعصل بازلـي

ولبست أطوار المعيشة كلـهـا
                                           بمؤبدات  للـرجـال   دواغـل

أصبحت تنقصني وتقرع مروتي
                                         بطراً ولم يرعب شعابك وابلي

وتنلك إظفاري ويبرك مسحلـي
                                       بري الشسيب من السراء الذابل

        ابو صخر عبد الله  بن سلم  السهمي شاعر مشهور وله كثير من القصائد الطويلة والمقطوعات القصيرة  اشتهر بالغزل شهرة عريضة واسعة  فله  قصائد عديدة في الغزل  وتظهرفيه اللوعة والحسرة والوجد وتظهر في أسلوبه  الشعري ملامح  البادية  واضحة  جلية .   

      يروى انه كان  يهوى إمرأة  من  قضاعة  مجاورة   لهم               اسمها    (ليلى بنت سعد)  وتكنى أم حكيم وكان يتواصلان فترة من دهرهما ثم حدث ان تزوجت ورحل بها زوجها إلى قومه فانشد  :

ألـم خـيال طـارق مـــتـــأوب
                                           لأم حكيم بعدمـا نـمـت مـوصـب

وقد دنت الـجـوزاء وهـي كـأنـهـا
                                          ومرزمها بـالـغـور ثـور وربـرب

فبات شرابي في المنام مـع الـمـنـى
                                 غريض اللمى يشفي جوى الحزن أشنب

قضـاعـية أدنـى ديار تـحـلـهــا
                                           قناة وأني من قـنـاة الـمـحـصـب

سراج الدجى تغتل بالمـسـك طـفـلة
                                          فلا هي متفال ولا الـلـون أكـهـب

دميثة ما تـحـت الـثـياب عـمـيمة
                                        هضيم الحشا بكـر الـمـجـسة ثـيب

تعلقتـهـا نـفـوداً لـذيذاً حـديثـهـا
                                                 ليالي لا عمـى ولا هـي تـحـجـب

فكان لها ودي ومـحـض عـلاقـتـي
                                               وليداً إلـى أن رأسـي الـيوم أشـيب

فلم أر مثلي أيأست بعـد عـلـمـهـا
                                             بودي ولا مثلي على الـيأس يطـلـب

ولو تلتقي أصداؤنـا بـعـد مـوتـنـا
                                         ومن دون رمسينا من الأرض سبسـب

لظل صدى رمسي ولـو كـنـت رمة
                                            لصوت صدى ليلـى يهـش ويطـرب

 وفيها   يقول  ايضا :

 لليلى بذات الجيش دار عـرفـتـهـا
                                           وأخرى بذات البين آياتـهـا سـطـر

وقفت برسميهـا فـلـمـا تـنـكـرا
                                           صدفت وعين دمعها سـرب هـمـر

أما والذي أبكى وأضحك والذي
                                                أمات وأحيا والذي أمره الأمر

لقد تركتني احسد الوحش أن أرى
                                               أليفين منها لا يروعهما الذعر

فيا حبها زدني جوى كل ليلة
                                              ويا سلوة الأيام موعدك الحشر

عجبت لسعي الدهر بيني وبينها                   
                                             فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر

وما هو إلا أن أراها فجاءة
                                                 فابهت لا عرف لدي ولا نكر

وفي الدمع إن كذبت بالحـب شـاهـد
                                               يبين ما أخفي كـمـا بـين الـبـدر

صبرت فلما غال نفسـي وشـفـهـا
                                           عجاريف نأي دونها غلب الـصـبـر

إذا لم يكـن بـين الـخـلـيلـين ردة
                                       سوى ذكر شيء قد مضى درس الذكر

 إذا قلت هذا حبن أسلو يهيجـنـي
                                            نسيم الصبا من حيث يطلع الفجر

وإني لتعروني لذكـراك فـتـرة
                                              كما انتفض العصفور بلله القطر

هجرتك حتى قيل لا يعرف الهوى
                                               وزرتك حتى قيل ليس له صبـر

صدقت أنا الصب المصاب الذي به
                                             تباريح حب خامر القلب أو سحر

فيا هجر ليلى قد بلغت بي المـدى
                                              وردت علي ما لم يكن بلغ الهجر

ويا حبها زدني جـوى كـل لـيلة
                                              ويا سلوة الأيام موعدك الحـشـر

عجبت لسعي الدهر بيني وبينـهـا
                                                فلما انقضى ما بيننا سكن الدهـر

فليست عشيات الحمى بـرواجـع
                                                 لنا أبداً ما أورق السلم النـضـر

وإني لآتيها لكـيمـا تـثـيبـنـي
                                              وأوذنها بالصرم ما وضح الفجـر

فما هـو إلا أن أراهـا فـجـاءة
                                                  فأبهت لا عرف لدي ولا نـكـر

تكاد يدي تندى إذا ما لمـسـتـهـا
                                             وينبت في أطرافها الورق الخضر


 وقيل لقي إبراهيم النظام غلاماً أمرد فاستحسنه
 فقال : يا بني  لولا  أنه  قد سبق من قول الحكماء ما جعلوا به السبيل لمثلي إلى مثلك في قولهم :  
(لا ينبغي لأحد أن يكبر عن أن يسأل كما لا ينبغي لأحد أن يصغر عن أن يقول   لما أنست إلى مخاطبتك  ولا هششت لمحادثتك   ولكنه سبب الإخاء  وعقد المودة  ومحلك من قلبي محل الروح من جسد الجبان).
 فقال له الغلام وهو لا يعرفه:
 لئن قلت ذاك أيها الرجل لقد قال الأستاذ إبراهيم النظام :
(الطبائع تجاذب ما شاكلها بالمجانسة  وتميل إلى ما يوافقها بالمؤانسة   وكياني مائل إلى كيانك بكليتي  ولو كان ما أنطوى لك عليه عرضاً ما اعتددت به وداً  ولكنه جوهر جسمي  فبقاؤه  ببقاء  النفس  وعدمه بعدمها  وأقول  كما قال  ابو صخر الهذلي:

فاستيقني أن قد كلفت بكم
                                             ثم افعلي ما شئت عن علم

ولما بقيت لـيبـقـين جـوى
                                           بين الجوانح مضرع جسمـي

ويقر عينـي وهـي نـازحة
                                              ما  لا يقر بعين ذي الحـلـم

أطلال نعم إذ كلفـت بـهـا
                                             يأدين  هذا القلب مـن نـعـم

ولو أنني أشقى على سقمـي
                                           بلمى عوارضها شفى سقمي

ولقد عجبت لنبـل مـقـتـدر
                                            يسط  الفؤاد بهـا ولا يدمـي

يرمي فيجرحني بـرمـيتـه
                                           فلو أنني  أرمي  كمـا يرمـي

أو كان قلب إذ عزمـت لـه
                                           صرمي وهجري كان ذا عزم

أو كان لي غنـم بـذكـركـم
                                           أمسيت قد أثريت من غنمـي

  توفي ابو صخر الهذلي سنة \80  للهجرة النبوية المباركة الموافق  لسنة \698 ميلادية .
 ومن شعره  هذه الابيات

نام الخليُّ وبتُّ الليلَ لم أنَمِ
                                             وهيَّج العينَ قلبٌ مُشْعَرُ السَقَمِ

مكلَّفٌ بنوى ليلى ومرَّتها
                                             .يا طول ليلك ليلاً غيرَ منصرِمِ

قد كنتُ أحسبني جلداً فهيَّجني
                                            طيفٌ لها طارقٌ لم يسرِ من أمَمِ

كم جاوزت دوننا من كلِّ مهلكةٍ
                                                 غولٍ مهالِكَ أهوالٍ ومن ظُلَمِ
دُعجٍ ومن خادرٍ شَثْنٍ براثِنُهُ
                                         ضرغامةٍ تحت عِيصِ الغاب والأجَمِ

جهْمِ المحيَّا عبوسٍ باسلٍ شَرِسٍ
                                                 وَرْدٍ قصاقصةٍ ريبالةٍ شــــكِمِ

ومن عدوٍّ ومن خيلٍ مسوَّمةٍ
                                                ومن سُهُوبٍ وأميالٍ ومن عَلَمِ

تهيَّجتني وريع القلب إذ طرَقت
                                                  فقلتُ ردّي فؤاد الهائِمِ النَّهِم

وقلتُ حلّي أسيراً في حبالكم
                                                 أوثقتموه  بلا  تَبْلٍ  ولا بــدَمِ

وتلك هيكلةٌ خودٌ مبتَّلةٌ
                                               صفراء رَعْبَلَةٌ في منصبٍ سَنِمِ

عذْبٌ مقبَّلها خدْلٌ مخلخلها
                                             كالدِّعص أسفلها مخصورة القَدَمِ

سودٌ ذوائبُها بيضٌ ترائبُها
                                          محضٌ ضرائبُها صيغت على الكَرَمِ

شُنْبٌ مثاغرُها يرضى معاشرُها
                                                لذٌّ مَبَاشِرُها تشفي من الســقَمِ

عبْلٌ مقيَّدها حالٍ مقلَّدها
                                                بضٌّ مجرَّدها لفَّاءٌ في عَمَـــــمِ

دُرْمٌ مرافِقُها سهلٌ خلائقها
                                               يروى معانقها من بارد النَســـَمِ


طفلٌ أناملها سمْحٌ شمائلها
                                           ذو العلم جاهلُها ليست من القَـــزَمِ

كأنَّ مُعْتَقةً في الدَّنِّ مُغْلَقةً
                                                 صهباءَ مِصْعَقةً من رانئٍ رَذِمِ

شيبت بمَوْهَبَةٍ من رأس مرقبةٍ
                                                  جرداءَ مَهْيَبَةٍ في حالقٍ شَمَمِ

من رأسِ عاليةٍ من صوب غاديةٍ
                                                   في إثر ساريةٍ أعقابَ محتدِمِ

خالطَ طعْمَ ثناياها وريقتَها
                                                  إذا يكون توالي النَجْمِ كالنُّظُمِ

تلك الهوى ومنى نفسي ورغبتُها
                                              فكيف أهوى خليلاً غيرَ ذي قيمِ

حلفت بالله والتوراة مجتهداً
                                            والنُّور والبيت والأركان و الحَرَم

وربِّ ركْبٍ على خوصٍ مخيَّسَةٍ
                                                عوجٍ ضوامر والإنجيلِ والقلَمِ

والطور والمسجد القصى وزائِرِه
                                             هل بعد ذا لذوي الأيمان من قَسَمِ

أنّي وجدتُّ بليلى ضِعْفَ ما وجدت

                                             شمطاءُ تثكل بعد الشَّيْبِ والهَرَمِ




                        ***********************























                           4
               ابو النجم العجلي     

          هو ابو النجم  الفضل  بن  قدامة  بن  عبيد  الله  بن الحارث  العجلي  من بني عجل  بن لجميم  من بكر بن وائل  .
      ولد سنة اربعين هجرية   \ 660 ميلادية  في   سواد  الكوفة   ثم  تحول الى الكوفة  واخذ يتردد الى مساجدها وحلقات الثقافة والادب وكان له  ثلاث بنات  وولد واحد  اسمه شيبان ولم تكن علاقته  ودية مع زوجته ( ام الخيار ) او هكذا تكنى لذا فهو  يذكر نفورها منه فيقول :                                                  
قـد زعمت أمُّ الخيـار أنـي                                                   
                                      شبتُ وحَنّى ظهري المُحنـي
وأعرضَتْ فِعلَ الشَّموس عني                                                     
                                       فقلـتُ   ما  داؤك   إلا سِــن
         وقد  هاجر الى الشام واتصل بالخليفة عبد الملك بن مروان واولاده من بعده الوليد وسليمان وهشام  وكان يحضر  مجالسهم  ويمدحهم وكان العجلي  قد انشد هشاما  قصيدته التي فيها  قوله :
                      والشمس قد صارت كعين الأحول
وقد ذهب به الروي عن التفكر في حول عين هشام  فأغضبه  فأمر بطرده فطرد . فتأمل أبو النجم ان يرجع اليه ثانية. فكان يأوي  الى  المسجد
وقيل ان هشام  أرق ذات ليلة  فقال لحاجبه:
- ابغني رجلاً  عربياً  فصيحاً  يحادثني   وينشدني.
فطلب له  ما اراد  فوقف  على أبي النجم  فأتى به . فلما دخل به إليه فقال هشام بن عبد الملك له:
-  أين تكون منذ أقصيناك؟
- قال: بحيث ألفتني رسلك.
- قال: فمن كان أبا مثواك؟
-قال: رجلين. كلبياً وتغلبياً. أتغدى عند أحدهما  وأتعشى عند .
 فقال له: مالك من الولد؟
- قال: ابنتان.
-قال: أزوجتهما؟
قال: زوجت إحداهما.
قال: فيم أوصيتها؟
-قال:قلت لها ليلة أهديتها-:
      سبي الحماة وابهتي عليها
                                          وإن أبت فازدلفي إليها
     ثم اقترعي بالود مرفقيها
                                         وجددي الحلف به عليها                               
                      لا تخبري الدهر بذاك ابنيها  
   قال: أفأوصيتها بغير هذا؟ -
قال: نعم  قلت:-
           أوصيت من برة قلباً حمرا
                                            بالكلب خيراً والحماة شرا
           لا تسأمي نهكاً لها وضرا
                                            والحي  عميهم  بشر  طرا
            وإن  كسوك  ذهباً  ودرا
                                            حتى يروا حلو الحياة مرا
 قال هشام: ما هكذا أوصى يعقوب ولده.
- قال أبو النجم: ولا أنا كيعقوب  ولا بنتي كولده
-قال: فما حال الأخرى؟
- قال: قد درجت بين بيوت الحي  وتنفعنا في الرسالة والحاجة .
- قال: فما قلت فيها؟
- قال:
               كأن ظلامة أخت شيبان
                                                  يتيمة   ووالداها   حيان
               الرأس قمل كله وصئبان
                                           وليس في الرجلين إلا خيطان
                             فهي التي يذعر منها الشيطان
- فقال هشام: يا غلام   ما فعلت بالدنانير المختومة التي أمرتك بقبضها؟ -قال: ها هي عندي  ووزنها خمسمائة .
-  قال: فادفعها إلى أبي النجم ليجعلها في رجلي ظلامة مكان الخيطين  أفلا تراه قال:
                   فبهث التي يذعر منها الشيطان
  وإن لم يره  لما قرر في القلوب من نكارته وشناعته!
      والشيطان  هو كل متمرد من جن أو إنس أو سبع أو حية يقال له شيطان او بمعنى اخر  كل من عمل شرا فهو شيطان.
وفي ذلك يقول احدهم
وفي البقل إن لم يدفع الله شره
                                        شياطين يعدو بعضهن على بعض
وقيل تشيطن معناه   تخبث وتنكر وقال تعالى :
( وكذلك  جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي  بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا )     الأنعام: اية  112
وقال الراجز:
          أبصرتها  تلتهم  الثعبانا
                                          شيطانة  تزوجت  شيطانا
    وقد انشد ابو النجم  العجلي ارجوزته المشهورة في مجلس هشام بن عبد الملك والتي  تعد من اروع الاراجيز العربية  والتي مطلعها :
     الحمد لله الوَهوب المُجزل               أعطى فلم يَبْخل ولم يُبَخّل
     فهي (أجود أرجوزة للعرب)
            وكان مكثراً يقول رجزاً ويقول شعرا فيجيد في الرجز والقصيد  وهو من الطبقة الاولى من بين الشعراء 
           وبرز في رجزه التصويرالشعري جليا واضحا  ولا سيما في وصف الفرس او وصف  دواخل النفس وسخريتها ومن أراجيزه في وصف الطبيعة ايضا :
 فالروضُ قـد نوّر في عَزّائـه                                        
                                 مختلفَ الألوان فـي أسمائـه
نَوراً تخالُ الشمسَ في حمرائه                                           
                                مكللا بالورد مـن صفرائـه
          وكان أبو النجم حاضر البديهة  وصّافاً  من أحسن الناس إنشاداً
 وقيل كان إذا أنشد أزبد ورمى بثيابه .                                                                                    
           وقد التقي عدداً من الشعراء  وكان العجاج  الراجز  وابنه  رؤبة بن العجاج  وهما  شاعران  معروفان   يُجلاّنه  ويقدران  موقعه  رغم  كونه  يهاجيهما  وقيل أنه  هجاهما  فغلبهما .                                                                    
          وقد عني القدماء في رجز أبي النجم فقيل ان  احمد بن الحارث الخرازي  كتب كتابا في اخبار ابي النجم العجلي .
وقد  فخر ابو النجم العجلي بقومه وفي ذلك يقول :                               
         فلئن فخرتُ بوائلٍ لقـدِ ابتنت                                           
                                            يومَ   المكارم   فوقَ  كل   بناء      
         ولئن خصصتُ  بني لُجَيْم  إنني                                           
                                               لأخصُّ  مكرمةً  وأهل  غَناء 
         قومٌ  إذا نزلَ  الفظيعُ   تحمّلـوا                                                   
                                             حُسنَ  الثناء  وأعظمَ  الأعباء     
          وقد توفي ابو النجم العجلي سنة \120 هجرية – الموافقة لسنة\738 ميلادية  ومن شعره هذه الابيات :
قالت  بجيلة  إذ   قربت     مرتحلا     
                                                يا رب جنب أبي الأوصابَ والعطبا
وأنت  يا  ربِّ  فارحمها  ومد    لنا     
                                             في عُمرِها وقها  الفاقاتِ    والوصبا
يا بجلُ إن لجنبِ المرءِ    مضطجعاً    
                                                لا  يستطيعُ  له  دفعاً   إذا     وجبا
فشاهِدُ  الحيِّ  فيهم   مثلُ     غائِبِهم   
                                               عندَ  المنايا  إذا  ما  يومُهُ     اقترَبا
وما  تدني   وفاةَ   المرءِ     رحلتُهُ    
                                               عما قضى اللَه في الفُرقانِ إذ    كتبا
لا يرجِعُ  الهولُ  مِثلي  عند    مِثلِكم   
                                                إذا تردَّى  نِجادُ  السيفِ    واعتَصَبا
ولا الغُرابُ  الذي  لم  يدرِ  عائِفُكُم    
                                                 لعلَّهُ   كان    بالبشر    لنا    نعبا
يا بجل قومي إلى أميك    فاغتمضي    
                                               إن  المصابات  قد  أنستني  الطربا
وهل  وجدتُ  أبا   سني     لجاريةٍ   
                                             أبقى  الزمانُ  لها  من  والدين    أبا
قد  كنتُ  ذا  والدٍ  حولي     بيوتهم    
                                              ففارقُوا  غير   أني   أعلمُ     النسبا
إني  سيدركني  ما   كان     أدركهم   
                                              وكلهم  عاشَ  حيناً  ثُمَّ   قد     ذهبا
وإن  رجعت  فإني  سوف    أكسبهم   
                                                ما  لا  بنيةُ  إن  ذو  حيلةٍ     كسبا
وإن   أتاك   نعيي    فاندبن    أباً    
                                               قد كانَ  يضطلعُ  الأعداءَ    والخَطَبا
واستغفري اللَه لا  تنسيهِ  واحتسبي    
                                                فإنما  يأجرُ   اللَهُ   الذي     احتسبا
ولا  يزينن   لكِ   الشيطانُ   فتنَتَهُ      
                                              شقَّ الجيوبِ ولا في  وجهكِ    الندبا
إني اعتمدتُ أمامَ الناس  إذ    ذهبت   
                                             إبلي وخيلي وخفت الجوعَ    والحربا
وصرتُ كالجدع  مما  كنت    أملِكُهُ    
                                             أفنى المشذبُ  عنهُ  الليفَ    والكَرَبا
ما أبقتِ السنةُ البيضاءُ  إذ    رجعت   
                                              ولا  بناتٌ  لها  من  عيشنا     نشبا
فاخترت  مهرية  قد  شق     بازلها   
                                             من إبل تهنئ  تبدي  العتقَ    والأدبا
جرداءَ  ما  جرها  الراعي    لربتها     
                                               ولا   غذت   ولداً   يوماً     فتحتلبا
كأنها   قارحٌ    يحدو      ضرائره    
                                               جأب   يعلمها   الإصدار     والقربا
إذا  رأى  مثله  أو   غيره     شبحاً   
                                              مد  السجيلَ  على  العلياء    وانتحبا
كأنه  وهو  يجري  غير     مكترثٍ    
                                                من  بغيه  ظالعٌ  أو  يشتكي     نكَبا
فرَّ  المساحِلُ  عنه   واعترفنَ   له   
                                                وقد   تركن   بليتي   عنقه     جلبا
أذاك   أم   لهقٌ    سودٌ      قوائمُهُ  
                                              فردٌ يخوضُ ندى  الوسمي  والعُشُبا
كأنه  إذ  أضاء   البرقُ     صورته   
                                               مسربلٌ  قبطرياً   يصطلي     اللهبا
يرعى  رياضاً  يلهيه  الذبابُ    بها     
                                                 منها  مغن   ومنها   رافعٌ   صخبا
حتى    تأوبهُ     غيثٌ       بمحنيةٍ    
                                               جودٌ   يرددُ   في   حافاته     اللجبا
فبات   يغسلُهُ   في   ريحِ     باردةٍ    
                                               من الصبا الغيثُ حتى  قَرَّ    واكتأبا
يجذو إلى  حفف  أرطاة  يلوذُ    بها    
                                             للركبتين   إذا    شؤبوبه      انسكبا
حتى إذا الشمس أبدت عن   محاسنها   
                                              وجددتها   شمالٌ    أفجأ      العجبا
غضفاً   مقلدةَ   الأنساع      طاويةً   
                                             وقانصاً  يتبغى  الصيد  قد     شحبا
فانقض كالكوكب الدري    وانصلتت
                                             مناهباتٍ    وما    أتبعن      منتهبا
يفرين  بالقاع  ما   أفرت     قوائمه     
                                             وقد  يثبنَ  من  الوعثِ  الذي  وثبا
كالخورِ نور  الخزامى  بينها    قطعٌ    
                                             مما  جذبن  ومما  كان  قد     جذبا
مرا  يكون   بعيداً   وهي     جاهِدةٌ     
                                             عند  الحضارِ  ومرا   دانيا     كثبا
حتى  إذا  باعدت  ميلين    وانتكثت   
                                              ولو  يشاءُ   نأى   منهن   فانقضبا
كرت  به  نفصس  كرار    محافظة    
                                              من الشجاعة أو  كرت  به    غضبا
ينحي بروقين  ما  ضلا    فرائصها
                                              حتى  تجولن   بالجبانِ     واختضبا
لا  حي  فيهن  إلا   نازعاً     رمقا
                                              إذا   تنفس   دفا    جوفه      شخبا
ثم  استمر  صحيحاً  غير    مكترثٍ  
                                             كأن  روقيهِ  علا  الورسَ    والنجبا
فذاك   شبهتها   إذ   جاءَ     قائِدُها    
                                             عند الرحيل وجاءَت تعرِفُ    الخَبَبا
جاءت تبين  أين  الرحل    خاضِعةٌ   
                                             مهريةٌ  لم  تسق  مهراً  ولا     جلبا
قد كنت  أعفيتها  حتى  إذا    نفجت     
                                              جنبي  سنام  تبد   الرحل     والقتبا
كسوتها الرحل  من  قصوان    بادنة  
                                            تستطعم  المشي  بالموماة     والخببا
ودُونَ  دارِ   أميرِ   المؤمنينَ     لنا  
                                              سِتونَ يوماً  على  هولٍ  لمن    دأبا
زوري هشاماً إمام الناس    وارتغبي   
                                              كذاك من  أنجحت  حاجاته    ارتغبا
تطوي الحزون إلى  سهل    تواعسه    
                                             والحزن قد بث  في  أخفافها    النقبا
ولا   تغور   إلا   تحت      هاجرة   
                                              إذا الشقي ارتقى في العودِ  وانتصبا
ثم   تروحُ   والعُصفورُ      منحجرٌ  
                                              والظبيُ  تبعثهُ  قد  أوطن     السربا
ولا  تعرسُ   حتى   يستبينَ     لها   
                                              وردٌ ترى  الليلَ  منه  ممعِناً    هربا
ومن  فليجٍ  وفلجٍ   ساورت     بهما    
                                             ومن صحارِيهِما الصحراءَ    والعَتَبا
وعارضتها   من   الأوداةِ     أوديةٌ   
                                             قفرٌ  تجرعُ  منها  الضخمَ    والشعبا
تجتازُهنَّ   وقد    خفت      ثميلتُها  
                                             وطالَ فضلُ قصيرِ النسعِ   فاضطَرَبا
لا  تطعمُ  الماءَ  إلا  فوقَهُ     عطَنٌ    
                                            يُلقي الحمامُ عليهِ  الريشَ    والزغبا
وبالسماوةِ   لو   باتَت     تعارِضُها   
                                             جنيُّ يبرينَ أضحى  وهو  قد    لغبا
حتى رأت من جبالِ  الشامِ    منتطقاً   
                                            بالآلِ تبدُو الذُرى  منه  وإن    نضبا
تدنو إذا  ما  دنا  في  الآلِ    طاوَلَهُ    
                                              وإن   تقاصَرَ   عنهُ   آلهُ      رَسَبا
لم تأتِهِ العيسُ  حتى  كدتُ    أتركُها   
                                             ولا طم الضفرُ في  أحقابها    الحقبا
واقتصها  الذيب  في  آثارها     بدم  
                                             من الحفا ثم  خشي  السيف    فانقلبا
لم يبق شهران عناها الصدى    بهما  
                                               إلا  العظام  وإلا  الجلدَ     والعصبا
ما تنكر السوط إن  ربٌّ  أشارَ    به    
                                               ولا تزيدُ  ولا  ترغو  وإن    ضربا
وما طلبتُ  امامَ  الناسِ  من    طلَبٍ   
                                              ناءٍ  ولا  كنتُ  ممن  يلعبُ    اللعِبا
لكن  أحاطَ  فؤادي   أنها     خسفت    
                                             أرضي برجلي إن لم تعطني   السببا
فدونك  الكف  إني  قد  مددت    بها    
                                            فأعطها منك  سجلاً  كرم    واحتسبا
كما   تناولني   من   قعرِ   مظلمةٍ  
                                            لم يترك الدهرُ لي في جوفها    شذبا
ملكُ  بن  ملكٍ  أغر   شب     نأملُهُ   
                                            أخا  ملوكِ  يقيم   العجمَ     والعَرَبا
إن  الخلافةَ  تبدو   في     وجوههم   
                                          كما ترى في بياض  الفضةِ    الذهبا
المدرِكونَ   إذا    أيديهم      طلبت   
                                          والسابقون برأس  الوترِ  من    طلبا







*****************************             
    انتهى 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق