الأحد، 25 أكتوبر 2015

موسوعة شعراء العربية - المجلد السابع - شعراء الفترة الراكدة - تاليف د فالح نصيف الكيلاني - القسم الاول




موسوعة  شعراء  العربية

 دراسة موسوعية لشعراء الامة العربية في عشرة مجلدات



                     المجلد السابع
                           
 شــعراء الفترة الراكـــدة

                           ( المظلمــة )


                             تا ليف

                   الشاعر والباحث
           د .  فالح  نصيف  الحجية
                       الكيلاني


































                     المقدمة
                                        
                    بســــــــــــــــــــم الله الرحمن الرحيم

           الحمـــد لله رب العالميـــــن  والصــــلاة  والســــلام على  محمــــد  الحبيب المصطفى وآله  وصحبه  اجمعين .
     هذا هو كتابي  السابع  من موسوعتي الثانية  ( شعراء العربيــــة ) بعد  ان  اتممت  منها  كتاب  شعراء  الجاهلية  وكتاب  شعراء   صدر الاسلام  وشعراء العصر الاموي  وشعراء العصر العباسي الاول وشعراء العصرالعباسي الثاني وشعراء العربية في الاندلس  وهذا الكتاب  اسميته (شعراء الفترة الراكدة (المظلمة ) لما اعترى الشعر والشعراء من ظلم وضيم في هذه الفترة   والتي تمتد من دخول المغول الى بغداد  وتمتد الى الحكم العثماني  للبلاد العربية  .

   يحتوي هذا الجزء على  ترجمة  ذا تية  وفنية  لاشهر شعراء  هذه الفترة  واكثرهم عطاءا واحسنهم نظما واسناهم بداعة  وأسماهم بلاغة  واحسنهم  تجديدا  ورايي الخاص في كل منهم .

        وقد اعتمدت في هذا المجلد  التسلسل الزمني لسنة  الوفاة  لكل  شاعر في تقديمه  للدراسة .
        اسال الله تعالى السداد  والتوفيق في انجاز هذه الموسوعة كي اقدمها  للفكر العربي والثقافة العربية الرائدة  كاملة  شاملة  لأكثر شعراء العربية اهمية .

                انه  نعم المولى ونعم النصير

                                              د.  فالح نصيف الحجية الكيلاني
                                    عضو الاتحاد العام للادباء والكتاب العرب
                                عضوالاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق
                            عضو الاتحاد العالمي للشعراء والمبدعين العرب
                                عصو الاتحاد العام للكتاب والمثقفين العرب  
                                             العراق -  ديالى  -   بلدروز









































المؤلف في سطور


       سيرة ذاتية

الاسم واللقب \ فالح نصيف الحجية الكيلاني
اسم الشهرة \   فالح الحجية
تاريخ الولادة \  بلدروز \  1\7\ 1944
البلد \ العراق - ديالى – بلدروز
 المهنة\  متقاعد
الحالة الثقافية \  شاعر وباحث                                                              
فالح الحجية شاعر وباحث  واديب عراقي معروف
 من مواليد \- العراق – ديالى- بلدروز 1944  .
                                                           
 من الاسرة الكيلانية  التي لها تاريخ عريق و ترجع بنسبها الى الشيخ عبد القادر الكيلاني الحسني والتي انجبت العديد من الاعلام على مر العصور.   

   *   كان يشغل  مديرا  في وزارة التربية العراقية حتى إحالته الى التقاعد  2001م
*أهم مؤلفاته  "الموجز في الشعر العربي"،  ويعتبر من مراجع امهات  الكتب العربية في الأدب  والشعر عبر العصور والأزمنة، ومن اهم الموسوعات التاريخية الموضوعية في الشعر العربي في العصر الحديث، والمعاصر بكل مفرداته وأحداثه وتطوراته وفنونه وتغييراتها بما فيها عمود الشعر والشعرالحر وقصيدة النثر والشعراء وطبقاتهم وأحوالهم.
* منح شهادة الدكتوراه  الفخرية في  الاداب  عام  2013
* منح لقب ( امير البيان العربي ) في  شباط   2014
فالح نصيف الحجية هو:                                                                
-    عضو الاتحاد  العام للادباء والكتاب في العراق    1985
-         عضو الاتحاد العام للادباء  والكتاب العرب 1994
-         عضو مؤسس في اتحاد ادباء  ديالى  1984
-          عضو  مركز الادب العربي - العراق
-          عضو الاتحاد الدولي لعلوم  الحضارة الاسلامية – ممثل دولة العراق
-         عضو  الاتحاد العالمي للشعراء والمبدعين العرب \ وكيل دولة العراق
-         عضو اتحاد الاشراف الدولي
-          عضو  اتحاد المنتجين العرب - الامانة العامة لشعبة المبدعين العرب ( جامعة  الدول العربية)  المدير الاقليمي لشعبة المبدعين العرب - فرع العراق – ومستشار الامور الادبية فيها .
-         عضو اتحاد المنتجين العرب( جامعة الدول العربية ) \ امانة شعرالتفعيلة – لجنة    التقييم والتصحيح .
-          عضو  المنتدى العالمي لمكارم الاخلاق والتنمية الانسانية ( الهيئة المؤسسة )
-         عضو  اتحاد الكتاب والمثقفين العرب
-         عضو اتحاد كتاب الانترنيت العرب
-         عضو اتحاد  كتاب الانترنيت العراقيين
-          عضو اتحاد الشعراء والادباء العرب
-         عضو اتحاد  الادباء والكتاب  التونسيين
-         عضو رابطة  الادباء والكتاب العرب
-         عضو رابطة  المبدعين اليمنيين
-         عضو مؤسسة اقلام ثقافية للاعلام في العراق
-         عضو الملتقى الثقافي العربي
-  عضو منظمة الكون الشعري في المغرب

     *  اما  المقالات الكثيرة  التي كتبها الشاعر في الصحف والجلات العراقية والعربية      والاجنبية  الناطقة بالعر بية  .

  *  الا ف المقالات التي نشرها في موقعه او المواقع والمنتديات الالكترونية على النت او    الفيس  وخاصة  المجلس العلمي  وشبكة صدانا – فضاء الاديب فالح الحجية  واتحاد الكتاب والمثقفين العرب –روائع الاديب فالح الحجية  وغيرها كثير  .

* وكذلك مشاركاته في كثير من المهرجانات الادبية والثقافية في العراق و اتحاد المؤرخين العرب وكل الندوات والمهرجانات التي عقدت في ديالى سواء عربية أو عراقية اومحلية

 * له علاقات وصداقات مع العديد من الأدباء والشعراء العرب والعراقيين منهم الشاعر الفلسطيني  محمود درويش والشاعر السوداني محمد مفتاح الفيتوري والشاعرالسوري نزار قباني والشاعر العراقي سركون بولس والشاعر وليد الاعظمي والادباء والمورخين الاساتذة  منهم  عماد عبد السلام رؤوف   وسالم الالوسي  وحسين علي  محفوظ  وجلال الحنفي  وغيرهم كثير  ..
  
 ومن مؤلفات فالح نصيف الحجية الكيلاني


ا-الدواوين الشعرية :

           نفثات القلب                1978
           قصائد من جبهة القتال   1986
           من وحي الايمان          8 0 20 
           الشهادة والضريح         2010
           الحرب والايمان            2011 
            سناءات مشرقة           2014

ب – الكتب النثرية :
1 -في الادب والفن
2 -تذكرة الشقيق في معرفة اداب الطريق – دراسة وتحقيق وشرح للقصيدة التي تحمل نفس العنوان والمنسوبة للشيخ عبد القادرالكيلاني
3-الموجز في الشعر العربي \ دراسة موجزة في  الشعرالعربي عبر العصور بدءا من العصر الجاهلي وحتى عصر النهضة او الحديث ثم المعاصر اعتبر او قيم من قبل اغلب المواقع الادبية على النت - انه احد امهات الكتب العربية في الادب واللغة  في موضوع الشعر والادب       اربعة اجزاء
4-شرح ديوان الشيخ عبد القادر الكيلاني وشيء في تصوفه – دراسة شاملة في ادب الشيخ عبد القادرالكيلاني كنموذج للشعرالصوفي وشرح القصائد المنسوبة  اليه             اربعة اجزاء
5    -   كرامة فتاة ( قصة طويلة )
6-   اصول في الاسلام
7-   عذراء القرية (قصة طويلة )
8-  الاشقياء  ( مجموعة قصص قصيرة )
9-  بلدروز عبر التاريخ
10-  دراسات في الشعر المعاصر  وقصيدة النثر
11- الغزل في الشعر العربي
12– عبد القادر الكيلاني  وموقفه من المذاهب والفرق الاسلامية     دراسة
13--شرح القصيدة العينية \ مع دراسة  بحثية في شاعرها  الشيخ عبد القادر الكيلاني
14-  -مدينة بلدروز في الذاكرة
15- شذرات من السيرة النبوية المعطرة
16- الشعرالجاهلي بين الكلاسيكية والتجديد

 ج- موسوعة  التفسير الموضوعي للقران الكريم  وقد انجز منها الكتب التالية :
1-اصحاب الجنة في القران الكريم                 جزءان
2-القران في القران الكريم
3- الادعية المستجابة في القران الكريم
4-الانسان ويوم القيامة
5- الخلق المعاد في القرآن الكريم
6-يوم القيامة في القران الكريم                    جزءان

     د – موسوعة  ( شعراء العربية )   وقد انجز منها الكتب التالية  :

1- شعراء جاهليون
2-شعراء صدر الاسلام
3- شعراء  العصر الاموي                            جزآ ن
4- شعراء  العصرالعباسي الاول                    جزءان
5- شعراء العصر العباسي  الثاني                  جزءان
6- شعراء العربية في الاندلس                       جزء ان
7 - شعراء  الفترة الراكدة والعثمانية
8- شعر اء النهضة العربية
9- شعراء  الحداثة  العربية                        جزءان
10-  شعراء  المعاصرة العربية                  جزءان




     *******************************





















تمهـيـــــــــــــــــد



      التتراوالمغول اقوام من اواسط اسيا ومن هضبة الصين وغربيها  ومسكنهم الاصلي في مدن  يأجوج ومأجوج في الصين او هكذا يخيل الي تجمعوا بقيادة ملكهم هولاكو حين ضاقت عليهم سبل العيش في بلادهم فغزوا العالم. يتميزون بوحشية  عنيفة وحب للقتل  والموت  ويفرحهم  رؤية الدماء تسيل والارواح تزهق  بين ايديهم  قلوبهم قاسية  قساوة الدهر عليهم  فصبوا جام غضبهم وحقدهم على البشرية  .

      قادهم هولاكو باتجاه الغرب  فعاثوا في الارض الفساد والقتل والدمارحل في البلاد اينما توجهوا فنهبوا كل البلاد التي دخلوها من الهند الى مشارف البحرالمتوسط  دمروا البلاد ونهبوها وقتلوا العباد واكثروا فها الفساد  .

      فقد احتلوا كل الامارات والممالك بين بلادهم والبحرالمتوسط  بما فيها خوارزم وسمرقند وبلاد ماوراء النهر وبلاد فارس   والعراق والشام وكثير غيرها .

    دخل المغول بغداد سنة 656 هجرية -1258 ميلادية وفي هذا العام دخلها الخراب  فاحرقوا الاموال و الممتلكات والمؤن وعاثوا في البلاد فسادا قتلا وتجويعا ودمارا وقد وصف المؤرخون  ذلك خير وصف ولاحاجة لذكر مافعلوه  فانه كله كان في الاخبار مسطورا .

      قيل ان من وحشيتهم احراق المكتبات والكتب ورميها في  الانهر والشوارع والازقة وان دجلة  بقيت سبعة اوعشرة ايا م تجري ماءا احمرا او اسودا لكثرة ما  القي فيها من كتب  ذابت احبارها وامتزجت بماء دجلة فتغيرت الوان ماء النهر بلون احبارالكتب . فاي وحشية هذه وكم من العلوم والاداب ذهبت وذابت فيها.

   دامت الفترة المظلمة – كما يسميها المؤرخون-  قرابة السبعة  قرون من منتصف القرن السابع الهجري الى القرن الثالث بعد الالف هجرية .حكم البلاد العربية المغول والفرس والاترا ك العثمانيين  وشكلوا دويلات  كثيرة تقاتلت فيما بينها وكان اهالي هذه البلاد واموالهم واحوالهم اصبحوا وقود هذه النار. فدمرت كل مالديهم من ممتلكات واموال واحرقت الحرث والنسل واشتد بالناس الفقر وغلب عليهم القحط  وعمتهم المجاعة حتى قيل ان الناس  اخذت تنبش المزابل للبحث عن لقيمة تسد بها الرمق فاكلوا حتى القطط والكلاب والحيوانات النافقة اوالميتة وبيعت الاعراض  وهتكت جراء لقمة العيش .
وكتب التاريخ خير شاهد على ذلك .

     وبهذا فقد تفرقت الدولة الاسلامية  وانشأت حكومات محلية في كل بلد  وكان الصراع عنيفا بينهم وظهرت النزعات القومية  وظهرت الدولة العثمانية التركية في تركيا والدولة الصفوية في ايران وشرق البلاد الاسلامية  والبلاد العربية  باتت في صراع مقيب  بينهما   وهذه كانت في صراع مقيت وطويل بيهما على حساب المذهبية والطائفية وكان العراق قد تحمل  ثقل هذا الصراع العنيف وفي كل معركة يكون ابناؤه واموالهم وقود هذه المعارك فمرة يكون الكفة الرابحة للصفويين  ويكسبون المعركة فيدخلون بغداد ويعيثون فيها قتلا وتشريدا  ومرة اخرى  تكون للعثمانيين  فيطردون الصفويين منها ويعيثون  قتلا وتشريدا بالشعب  وهكذا كان العراق  ساحة قتال  للطرفين واصبحت البلاد تحت خط الفقر وانتشرت المجاعة والجهل وكثرت الامراض والاوبئة وهكذا في بقية البلاد العربية  .

    فاستيلاء التتار المغول على البلاد  وجثمهم  على رقاب الناس بعد ان اذاقوهم العذاب الشديد قيد هذا الاستيلاء السنتهم  واسكتها و جمد عقولهم و قرائحهم  جمودا شديدا فلم ينبغ من الشعراء من يستحق الذكر في داخل مملكة التتارالاخارجها  وخاصة في العراق والشام  مصر الا انه لاتخلو البلاد الاخرى من شعراء مجيدين الا انه  بالاجمال  يمكن القول ان حالة الشعر اصابها الخمول او الجمود  وان وجدت في شخصية معينة  في بلد ما فقد اصبح الشعر صناعة لفظية .

    من سمات هذا العصر ان اختلط الشعر بالادب وقلما  ظهر شاعرالا جمع الشعر والادب لذا فقد الفت الكتب في الادب وجمع الشعر والحكم والمواعظ وحتى النكات وابتذلت الصناعة الشعرية  وانتشرت  بين الناس فتبارى الناس بينهم على قول الشعر المصنوع وحشرت الكلمات حشرا في قوالب الشعر وموازينه حتى اصبح الشعر يقال لقتل ساعات الفراغ وكثر الناظمون  حتى من اصحاب الحرف والمهن الحرة  كالنجارين والخياطين والدهانين والجزارين والعطارين  وما اليهم  وعلى العموم  كان الشعر كاسدا  و ربما يقال للتسلية فقط  فاذا نبغ شاعر ممن يقولون الشعر الجيد فلا يجد آذانا صاغية اليه  ولا يوجد من  يشجعه او يسمعه  من الخلفاء والامراء  ليشحذ قريحته ويشده الى الشعر وقوله ويرغبه فيه وعساه ان يهجر مهنته فان فعل مات جوعا . لذا يبقى في مهنته وسبيل عيشه اضافة الى قوله الشعر اوقل نظمه الشعر  واذا ظهر وان قرّب احد  الخلفاء او الملوك  او الامراء شاعرا فانهم يقربونه  ليؤلف لهم الكتب في التاريخ اوالادب او العلوم الاسلامية  وليست يقرب لشاعريته  لذا فقد كسدت سوق الشعر وفست الطباع .

       وفي هذا العصر ونتيجة للظروف القاسية التي المت بالشعراء فقد وجد ضرب من الشعر اقتضته تلك الظروف ونشأ من فساد اللغة الفصحى الذي استشرى نتيجة اختلاط  اهل البلاد بالاعاجم فتولدت طبقة من الشعراء  نستطيع ان نطلق عليهم ( المستعجمة )  قليلوا المعرفة باللغة العربية الفصحى  فيعمدون لدخول الالفاظ العامية في شعرهم وخلو شعرهم من الاعراب .

         ورعى عدد من  ملوك الشام والعراق ومصر وماردين  الشعراء فاصبح الشعر سوقهم رائجة  واتخذوه وسيلة للتسلية والتفكه  وزينة  للمجالس لان اغلبهم من اصول غير عربية  فتقوضت مجالس  الادب والشعر واصبح الناس غارقين في الجهل .

     اما في المغرب العربي في تونس والجزائر والمغرب فقد اشتهرت طوائف من الشعراء  يسمون  قصائدهم الاصمعيات واهل مصر والشام يسمونها ( البدويات ) مثلا قول احدهم :

 تقول فتاة الحي سعدى وهاضها    
                                          لها في  ظعون الباكين  عويل

ايا سائلي عن قبر  الزناتي خليفه
                                           خذ النعت منى  لا تكون هبيل

     وقد تولدت  ضروب من الشعر كثير ة منها المربع والمخمس الذي يلتزم  فيه القافية الرابعة في المربع والخامسة في المخمس والمواليا والزجل والسلسة  وكذلك ظهر ما يسمى عروض البلد  وهو ضرب من الموشح كقول ابن عمير  الاندلسي الذي هاجرالى المغرب  وسكن مدينة فاس  ونشر شعره فيه :

  ابكاني  بشاطي النهر نوح الحمام
                                     على الغصن في البستان قرب الصباح

وكف السحر يمحوا مداد الظلام
                                     وماء الندى يجري    بثغر    الاقا  ح  

        فاستحسنه  اهل فاس  ونظموا على طريقته مع اغفال الاعراب
او قواعد اللغة  في نظمهم  واختلفت الاسماء فيه  مثل الكاري والملعبة والغزل ومن المزدوج قول شاعرهم ابن شجاع في هذا المجال  وهو من فحول شعرائهم  :


 المال زينة الدنيا  وعز النفوس
                                        يبهي  وجوهار  ليس هي باهيا

 فها  كل  هو   كثير     الفلو س
                                        ولوه  الكلا م  والرتب  العالية


     وهذ النظم كثير الشبه بنظم العامة في الشام ومنها انتقل الى مصر ويقال له المواليا  ومنها  القوما  والكان  كان والسلسلة  وغيره من الاسماء الاخرى و من الدوبيت ومنه قول الشاعر:

طرقت باب الخبا قالت من الطارق
                                    فقلت  مفتون  لا ناهب ولا سارق

تبسمت لاح لي من ثغرها  بارق
                               رجعت حيران  في بحر ادمعي غارق
   
       وكذلك ظهر التاريخ الشعري  وهو ضبط تاريخ معين  لواقعة  او حادثة معينة يريد الشاعر ان يثبت تاريخها وخاصة في القرون المتاخرة من هذا العصر واستمر في العهد العثماني ايضا وكثر وهو اتخاذ من حساب الجمل  والحروف اساسا  في  قيمة هذه الحروف الحسابية اذ وضع السريان والعبريون لحروفهم اقياما حسابية وكذلك  شاع ايضا في العربية وضع اقيام للحروف العربية  ونتيجة جمع هذه الحروف يظهر التاريخ المطلوب وهذا ما استخد مه اهل الحسا ب في صدرالاسلام كانوا يستخدمون الحروف العبرية ويرمزون لكل حرف عدد معينا   وهو ما استخدمه المنجمون بكثره ولإيضاح ذلك  - فان  حرف الهمزة او الالف  اتبتوا له قيمة حسابية \ 1  والباء \2  والتاء\3  وهكذا في احتساب
 حساب الجمل الصغير  اما في حساب الجمل الكبير  فيرمز لحرف الالف او الهمزة قيمة حسابية \10 والباب \20 والتاء \ 30  حتى  الى وصلوا الى حرف الراء اثبتو له قيمة \100  والزاي \200   وهكذا  وهذا ما استخدمه  اصحاب علم  التنجيم  والحظ  والابراج  والسحرة  وغيرهم
 ولايزال لحد هذا التاريخ  موجودا فاذا ا راد المرء ان يعرف برجه  فما عليه الا ان يقيد اسمه واسم امه  وحسب قيمة احرفهما جمعا ثم يقسم  مجموع قيمة الحروف على \ 12  والباقي من خارج القسمة هو برجه  واعتذران خرجت عن الموضوع قليلا فقد اضفته للتسلية اوالاستراحة .

       نظم شعراء هذا العصر في معظم أغراض الشعرالعربي فمثلا كان لشعر الحماسة منزلة عظيمة بسبب الصراع القائم بين العرب المسلمين مع التتار والفرنجة في الحروب الصليبية والنعرات الطائفية بين الصفويين والعثمانيي إذ حمل الشعراء على عاتقهم مهمة تحميس الجند من أجل الجهاد ، وكانت المعارك التي وقعت بين المسلمين من جهة والتتار والصليبين من جهة ثانية مادة حية لهذه الأشعار والمتصفح لشعر الجهاد  في هذا العصر يجد كماً كبيراً من الأشعار بعضها يبكي سقوط الخلافة الاسلامية ، وبعضها يدعو إلى الجهاد من أجل استعادتها
كقول الشاعر تقي الدين اسماعيل التنوخي:

لسائل الدمع عن بغداد أخبارُ

                               فما وقوفك والأحباب قد ساروا

تاج الخلافة والربع الذي سرُفت

                                  به  المعالم  قد  عفّاه  إقفارُ

ومن ذلك أيضاً قول شهاب الدين محمود الكوفي:

إن لم تقرح أدمعي أجفاني     
                                        من بعد بعدكم فما أجفاني

إنسان عيني مذ تناءت داركم    
                     ما راقه  نظر  إلى  إنسان

     وكان الزنكيون والأيوبيون قد تولوا عبئ الصراع مع الفرنجة ، و المماليك قد تولوا عبئ الدفاع عن البلاد ومنازلة المغول ، وقد استطاع الملك المملوكي قطز أن يقضي على المغول ويردّ زحفهم بعد احتلالهم  حلب وحماة ودمشق ،وقد قام الامير ( قطز ) بقتل رسل المغول الذين جاؤوا يدعونه إلى الاستسلام ، وكانت ( عين جالوت )المعركة الحاسمة إذ اعتبرت من أهم معارك المسلمين ، مثلها مثل معركة اليرموك و القادسية والزلاقة ، ومن الشعراء الذين  ارخوا  لتلك الفترة الشاعر شرف الدين الأنصاري في مدح المنصور الثاني:

جرّدت يوم الأربعاء عزيمة
                                      خفيت عواقبها عن الإدراك

وأقمت في يوم الخميس مبالغاً
                                   في الجمع بين طوائف الأتراك

قعّدت أبطال التتار بصولةٍ 
                                      تركهم كالصّيد في الأشراك

      وقد فتح المماليك بعد الظاهر بيبرس بزعامة المنصور ( قلاوون) طرابلس الشام، وبناها من جديد بعد أن خربها التتار وفتحت (عكا ) من قبل الأشرف (خليل ابن منصور قلاوون) .

    ولمّا هاجم الفرنجة مدينة (الاسكندرية ) عام \767هجرية – 1365 ميلادية أسروا ونهبوا وقتلوا قسماً كبيراً منها، رثى شهاب الدين ابن مجلة هذا الثغر قائلاً:

أتاها من الإفرنج ستون مركباً 
                                        وضاقت بها العربان في البرّ والبحر

أتوا نحوها هجماً على حين غفلة   
                                   وباعهم في الحرب يصر عن فتر

     وقد صور شعر الحماسة الأحداث العامة في ذلك العصر وعبّر عن الآلام والآمال واتجه نحو التصنع والتلاعب اللفظي، وقد كان شعراء ذلك العصر يشعرون بالغربة في أوطانهم الا أن العواطف في شعر ذلك العصر كانت صادقة بسبب الأحداث الجليلة الجسام 

    وفي شعرالمديح  كانت هناك المدائح النبوية قيلت في مدح الرسول محمد عليه صلى الله عليه وسلم وقد لااج سوقها بسبب رجوع الناس الى الدين  بسبب سوء احول البلاد وكثرة مصاعبها
وقد دفعت هذه العوامل الناس إلى الالتصاق بالدين والاستشفاع بالرسول الحبيب المصطفى لتفريج الكروب، وقد شجع المماليك اتجاه الاحتفالات الدينية مما جعل هذا اللون من أنشط الألوان الأدبية.

 من ذلك ما قاله البوصيري :

أمن تذكر جيران بذي سلم
                                   مرجت دمعاً جرى من مقلة بدم

أم هبّت الريحُ من تلقاء كاظمةٍ
                           وأومض البرق في الظلماء ومن إضم

وقد حذّر الشاعر في قصيدته من هوى النفس فقال:

النفس كالطفل إن تهمله شبّ على

                                    حبّ الرضاع وإن تفطمه ينفطم

فاصرف هواها وحاذر أن توليه

                               إنّ الهوى ما تولّ يصم أو يصم


      وكذلك كثر المدح طلباً للعطاء والنوال ولبلوغ المراتب الوظيفية عند السلاطين ولن تقعد معانيه عن الشجاعة والكرم والحكم والعلم، وقد أغار شعراء هذا العصر على معاني غيرهم واستباحوها ورجعوا إلى ظاهرة الوقوف على الأطلال أو الغزل أو وصف  الطبيعة. من  ذلك  قول ابن نباته مادحاً الشهاب محمود الشاعر الذي كان من كبار الإنشاء وكاتب سر الملك :    

إمامٌ إذا هزّ اليراع مفاخراً به 
                                        الدّهر قال الدهر لست هناكا

علوت فأدركت النجوم فصفتها  
                                          كلاماً ففقت القائلين بذاكا

 كذلك كثرمدح الاصدقاء والاقرياء والمعارف وغالباً ما يكون أقرب إلى الصدق وإن كانت المبالغات تغزو معانيه، وتسيطر عليه الصنعة الشعرية و البديعية.
    اما  في شعرالوصف فقد وصفوا المعارك وما يتعلق بها ، والطبيعة وما تحتوي  والمظاهر المدنية كالأسواق والولائم والألم وآلام الجوع وتقلبات الزمن ودقائق الامور.
يقول النواجي القاهري في وصف مخدة:

هي نفع ولذة للنفوس            وحياة و راحة    للجليس

كم نديم أراحته باتكاء        وتواضعت عند رفع الرؤوس

ويقول ابن نباته واصفاً الفقر :

أشكو إلى الله ما أقاسي          من شدة الفقر والهوان

أصبحت من ذلةٍ وعُريٍ        ما فيّ وافٍ سوى لساني

 
       وكذلك  الغزل فقد أكثر منه الشعراء في العصر المملوكي حيناً بقصائد مستقلة وأحياناً في مطالع مدائحهم وقد كان الغزل يطل برأسه من خلال الافتتان والشكوى واللوعة تعبيراً عن المشاعر ويحمل في طياته التقليد حيناً والتجديد أحياناً أخرى، وقد انطلق شعراء هذا العصر بغزلهم من مفاهيم جمالية تقليدية وفيه وصف الحبيب فشبّهوا وجهه بالبدر والشمس وشعره بالليل، ورحيق الثغر بالخمر، ونظرات العيون بالسهام والحواجب بالقسي، وقدّه بالرماح وصدغه بالعقرب.
 يقول الشاعر التلعفري :
لو تنعق الشمس قالت وهي صادقة                                                                                                                                                                                                                                                             م                                         ما فيَّ فيها، وما فيَّ الذي فيها

هبني  أماثلها  نوراً   وفرط   سناً                                                                                                                                           م                                    من  أين أملك   معنى  من معانيها

 وكذلك جعلوا المحبّ يحزن وشوق وصبابة، وجعلوا المحبيبة قاسية ظالمة لا تلين، وجعلوا وصله أبعد من الثريا . وشكو من متاعب وعثرات الحب واتهموا العذال بالبلادة، و أعين الرقباء مخيفة نظارتها حاقدة حاسدة،  وتغيرت النظرة لجمال العيون فاحبوا العيون الضيقة
يقول ابن  نباتة  :

بهت العذول وقدر رأي ألحاظها  
                                        تركية تدع الحليم سفيهاً

فثنى الملام وقال دونك والأسى

                                 هذي مضايق لست أدخل فيها

وفي زيارة طيف المحبوب وخياله في المنام واليقظة يقول الحلّي:

ما بين طيفك والجفون تواعد
                                          فيفي إذا خُيّرت أني راقد

إني لأطمع في الرُّقاد لأنه
                                     شرده يصار به الغزال الشاردُ

       و نظراً للأحداث الجسام التي مرت على الأمة الإسلامية وما حصل من معارك نتج عنها الموت والقتل والتخريب فقد نشط فن الرثاء،
 فمانت فيه  المراثي الخاصة  كرثاء الاحبة والاباء والازواج ومن ذلك رثاء يحيى شرف الدين  لزوجته فاطمة  التي عرفت بالفضل والكرم :


وما فاطمٌ   إلاّ الحور أخرجت

                                           لنعرف قدر الحور قمّت ردّت

ورثاء صفي الدين الحلّي لعبدٍ مملوك له، ربّاه من صغره حتى
 صار كاتباً فطناً:

هدّ قلبي من كان يؤنس قلبي              إذ نبذناه بالعراء سقيماً

ونأى يوسفي فقد هذبت عبد منا         ي من حزنه وكنت كظيماً


وكذلك  رثاء الملوك والامراء وفيه الإشادة بصفات المرثي وكريم مزاياه

من خلال المبالغة والصنعة من ذلك رثاء الملك المؤيّد اذ رثاه  ابن نباتة فقال فيه :

ليت الحمام حبا الأيام موهبة                                                                                                                                                                                            ف                                           فكان يفني بني الدنيا ويبقيه

لهفي على الخيل قد وقت صواهلها                                                                                                                                                     ح                                      حقَّ العزا فهو يشبجيها وتشجيه

وكذلك نلاحظ المدن والامصاركما في رثاء بغداد التي سقطت بيد المغول:

إن لم تقرح أدمعي أجفاني   
                                      من  بعد بعدكم  فما  أجفاني

إنسان عيني مذ تناءت داركم
                                       فما راقه  نظرٌ إلى  إنسان

وأيضاً قول بهاء الدين الهائي يرثي دمشق:

لهفي على تلك البروج وحسنها  
                                      حفّت بهن طوارق الحدثان

كانت معاصم نهرها فضية  
                                     والآن صرن كذائب العقيان

   اما الهجاء فقد ظهر بصورته الفردية واختفى بصورته القلبية وركّز في المثالب ومزج السخرية.

      وقد كثرشرب الخمور وأصبح نوعاً من التحضر والرقي وانتشرت  في المجتمع الشبابي  فلسفة انهزامية تدعوا إلى الاستمتاع بالحياة قبل زوالها نتيجة ماحلَّ من تشريد وقتل وتدمير وخراب، وكثرت مجالس الخمرة وزال الحياء عند بعض الناس فاقيمت  النوادي مصحوبة بالرقص والغناء في المنازل أو على برك الأنهار علانية .

يقول الشاب الظريف:   

ناوليني الكأس في الصّبح            ثمّ غنّي لي على قدحي

واشغلي  كفّيك  في  وترٍ                         لا  تهدّيها   إلى  السّبح

         بالمقابل  كثر التزمت من الزمن بسبب انتشار الفقر والحرمان وغدر الزمان، يقول ابن نباته:

أشكو  لأنعمك  التي                 هي للعفاة سحائب

حالي التي يرثي العدوّ              لها فكيف الصاحب

  وذلك الشعراء قالوا  في الطرد والصيد و وصف الخيول والفهود والكلاب المدربة. يقول صفي الدين الحلّي في وصف صقر:

والطير في لجّ المياه تسري      كأنها    سفائن    في بحر

حتى إذا لاذت بشاطئ النهر     دعوت عبدي فأتى بصقري

من الغطاريف الثقال الحمر    مستبعد الوحشة حجمّ الصّبر


     وكذلك قيل الشعر في الألغاز والأحاجي مثل قول ابن نباته للغز
 في (علي):

أمولاي ما أسمٌ جليٌّ إذا          تعوّض عن حرفه الأول

لك الوصف من شخصه سالماً   فإن قلعت عينه فهو لي

       اما الشعر التعليمي وهو شعر المنظومات التي قالها العلماء في علوم الصرف والنحو والبلاغة والعروض والمنطق والحديث والصرف مثل ألفية ابن مالك في النحو والصرف:

كلامنا لفظٌ مفيدٌ كاستقم           اسم ، وفعل ثم حرف الكلم



***************************************




















شعراء الفترة  الراكدة

                  او المظلمــة
                         































           
تقية بنت غيث الارمنازية



       هي  ست النعم ام علي  تقية بنت غيث  بن علي بن عبد السلام  الاسلمي الأرمنازي الصوري . فهي أم تاج الدين أبي الحسن علي بن فاضل بن سعد الله بن الحسن بن علي بن الحسين بن يحيى بن محمد بن إبراهيم بن موسى بن محمد بن صمدون الصوري الأصل اصل  عائلتها من  مدينة  (صور )  .

        رحل والدها الى دمشق  فولدت فيها  في اواخر محرم الحرام وقيل في صفر  سنة \505 هجرية -1111 ميلادية  ولما كمل عمرها ثلاثة عشر عاما  كانت مدينة (  صور) قد احتلتها  القوات  الصليبية  في  سنة\ 518 هجرية - فرحل والدها مع عائلته من دمشق الى الاسكندرية  حيث اصبح هناك قاضيا و سكنت  في الإسكندرية .

        نشأت في بيت  ثقافي  شعري و علمي  وقالت الشعر  منذ صباها وكانت نجيبة ذكية حافظة  كانت تشبعت منذ صغرها بالشعر وتذوقها له ولا غرابة في ذلك ، فقد كان جدها أبو الحسن علي بن عبد السلام من الشعراء البارزين في مدينة ( صور  ) وقد  كان ابوها ابو الفرج  غيث المعروف بابن الأرمنازي كاتبا وخطيبا وكان جدها  كان جدها أبو الحسن علي بن عبد السلام من الشعراء البارزين في مدينة صور وقد ذكرها علي أبوطاهر في كتابه ووصفها بأنها سيدة شعرها لم ير له نظيرا   وكانت مثقفة ثقافة واسعة .

      تعرفت على أبي طاهر أحمد السلفي  فتلقت  العلم في و اعترف بها  استاذها ابو طاهر احمد السلفي  وأشاد بشعرها أدباء آخرون مثل الصفدي والمنذري والمقدسي  وكانت كثيرة الحنين الى موطنها الاصلي في صور ودمشق في الشام  وفيها تقول :


هاجَتْ وساوسُ شوقي نَحْوَ أَوْطَانِي
                                          وبان عَنِّي اصطِبَاري بعد سُلْواني

وبتُّ أَرْعَى السُّهَا والليلُ مُعْتَكِرٌ
                                           والدمعُ مُنْسَجِمٌ من سُحْبِ أَجْفَاني

وعاتَبَتْ   مُقْلَتِي   طيفاً  أَلَمَّ   بها                                                          أَ                                                اهكَذَا  فِعْلُ   خِلاّنٍ    بخلاّنِ ؟

نأَيْتُ عنكم وفي الأحشاءِ جَمْرُ لَظىً
                                             وسُقْمُ جِسْمي لِمَا أَهْوَاهُ عُنْواني

إذا  تذكرتُ  أيّاماً  لنا      سَلَفَتْ
                                            أَعانَ  دمعي على تَغْريق نسياني

    وكانت لها البراعة التامة وقوة تطويع المعاني كيفما شاءت وكان نظمها بديعا متقنا ومنه قولها في وصف الطبيعة  :

أعوامُنَا قد أَشْرَقَتْ أَيَّامُهَا
                                             وعلاَ على ظَهْرِ السِّماكِ خيامُهَا

والروضُ مُبْتَسِمٌ بِنَوْرِ أَقاحِهِ
                                                 لما بكى فَرَحاً عليه غَمَامُهَا

والنَّرْجِسُ الغضُّ الذي أَحْدَاقُهُ
                                                 تَرْنُو لِتَفْهَمَ ما يقولُ خُزَامها

والوردُ يحكي وجنةً محمَرَّةً
                                                 انحلَّ من فَرْطِ الحياءِ لِثامُها

       وقال الحافظ زكي الدين أبو محمد عبد العظيم المنذري رحمه الله أن تقية المذكورة نظمت قصيدة تمدح بها الملك المظفر تقي الدين عمر ابن أخ  السلطان صلاح الدين رحمهما الله تعالى، وكانت القصيدة خمرية، ووصفت آلة المجلس وما يتعلق بالخمر، فلما وقف على القصيدة  قال:

- الشيخة تعرف هذه الأحوال من زمن صباها ، فبلغها ذلك، فنظمت قصيدة أخرى حربية ووصفت الحرب وما يتعلق بها أحسن وصف، ثم سيرت إليه وهي تقول :

-علمي بهذا كعلمي بهذا ، وكان قصدها براءة ساحتها مما نسبها إليه .
 وكانت قد سألت الشيخ الإمام  العالم  أبا الطاهر إسماعيل  بن عوف الزهري عن الشعر فقال:

(  هو كلام إن تكلمت بحسن فهو لك . وإن تكلمت بشَرٍّ فهو عليك )

     وقد ذكرها  الحافظ  أبو الطاهر أحمد بن  محمد السِّلفي   - رحمه الله تعالى – زماناً  بثغر الإسكندرية ، في بعض تعليقاه، وأثنى عليها وكتب بخط يده فقال  :

(عثرت في منزل سكناي، فانجرح أخمصي، فشقت وليدة في الدار خرقة من خمارها وعصبته، فأنشدت تقية المذكورة في الحال لنفسها تقول:

لو وجدت السبيل جُدت بخدي
                                          عوضاً عن خمار تلك الوليدة

كيف لي أن أقبل اليوم رجلاً 
                                        سلكت دهرها الطريق الحميدة     )

    وقيل ان  القاضي أبو القاسم  حمزة  بن  القاضي علي  بن عثمان المخزومي المغربي المصري، وقد وفد إلى دمشق في شعبان سنة إحدى وسبعين وخمسمائة  بكراسة فيها شعر تقية بنت غيث، و قد سمعه منها، وخطها عليه بسماعه منها، بتاريخ محرم سنة تسع وستين وخمسمائة بالإسكندرية، وأنشد ذلك رواية عنها  .

       توفيت في مدينة (الاسكندرية)  بمصر في أوائل شوال سنة579  -  1183 ميلادية   وقيل  في  رواية  اخرى  سنة\ 581 هجرية- 1185 ميلادية  .

         نظمت الشاعرة  تقية  الارمنازي قصائد في الهجاء  والمديح  وفي الغزل أحيانا  وفي المعارك  والملاحم  أيضا  والفخر ؤ وكانت  لها البراعة التامة وقوة تطويع المعاني يتميز شعرها  ببلاغته واسلوبه الجيد ومعانيه الرائعة  وكانت لها القابلية على تطويع شعرها  كيفما شاءت وكان نظمها بديعا متقنا قالت في الفخر :

فعيبُ على الإنسان إظهارَ عِلْمِه 
                                                أَبالِجدِّ هذا منك أمْ أنْتَ تَمْزَحُ

فَدَتْكَ حياتي قد تقَدَّمَ قبلنا
                                            إلى مَدْحهِم قومٌ وقالوا فأَفْصَحوا

وللمتنبي أحرُفٌ في مديحهِ
                                            على نَفْسِهِ بالحقِّ والحقُّ أَوْضَحُ

أَرُوني فتاةً في زماني تَفُوقُني
                                            وتَعْلُو على عِلْمي وتَهْجُو وتَمْدَحُ

وقيل أهدت إلى بعض الأفاضل ( توتا ) أي (  تكي )، فكتب إليها يقول :

وَتُوتٍ أَتَانا ماؤُهُ في احمرارِهِ
                                         كَدَمْعِي على الأَحباب حين تَرَحَّلُوا

هدية من فافَتْ جمالاً وفطنةً
                                             وأبهى من البَدْرِ المنيرِ وأَجْمَلُ

فلا عَدِمَتْ نفسي تَفَضُّلَها الذي
                                              يُقَصِّر وَصْفِي عن مَدَاه وَيَعْدِل

فكتبت إليه شاعرتنا  تقية  تقول :

أتاني مديحٌ يُخْجِلُ الطَرْفَ حُسْنُهُ
                                             كمثل بهيِّ الدرِّ في طيِّ قِرْطسِ

        وقيل أعارت ابن حريز دفتراً في شعرها ، فحبسه عنده أشهراً فقالت فيه :

قل لذوي العلم وأهلِ النهى
                                              وَيْحَكُمُ  لا  تَبْذُلُوا   دفترا

فإن  تُعيروهُ  لذي   فطنةٍ
                                             لا بدّ َ أَنْ  يَحْبِسَه   أَشْهُرَا

وإِنْ تَعُودُوا بَعْدَ نُصْحِي لكمْ
                                          تخالفوني     فالبراءَ     البَرا

ولها من قصيدة:

خانَ أَخِلاَّئِي وما خُنْتُهُمْ
                                          وأَبْرَزُوا للشرِّ وجهاً صَفِيقْ

وكُدِّرَ الودُّ القديمُ الذي
                                         قد كان قِدْماً صافياً كالرحيق

وباعدوني بعد قُرْبي لَهُمْ
                                              وَحَمَّلُوا قلبيَ ما لا أُطِيقْ
    
  واختم بحثي في هذه الابيات في الحنين إلى موطنها:

نأيتُ وما قلبي عن النأيِ بالراضي 
                                         فلا تغتررْ مني بصدّي وإعراضي

وإني    لمشتاقٌ    إليهم     متيم
                                           وقد طعنوا قلبي بأسمرَ عرّاضِ

إذا ما  تذكرتُ  الشامَ   وأهلَه
                                      بكيتُ دماً حزناً على الزمنِ الماضي

ومذْ غبتُ عن وادي دمشقَ كأنني
                                            يُقْرَضُ قلبي كل يوم بمقراضِ

أبيتُ أراعي النجمَ والنجمُ راكدٌ
                                     وقد حجبوا عن مقلتيّ طيبَ إغماضِ

فهل طارقٌ منهم يُلمُِّ بناظري
                                           فإن لقاءَ الطيفِ أكثرُ أغراضي

لعلّ الليالي أن تجرِّدَ صارماً
                                      على البينِ أو يقضي لها حكمُ قاضي




**************************









يحيى  بن يوسف  الصرصري

       هو  ابو زكريا  جمال الدين  يحيى بن يوسف بن يحيى بن منصور بن المعمر عبد السلام  الصرصري  البغدادي الانصاري
        ولد في قرية (صرصر) القريبة من  بغداد  سنة 588 هجرية -  1192 ميلادية . تبعد عنها  بفرسخين . سكن بغداد  وكان ضريرا  منذ طفولته .
              درس وتعلم في بغداد حتى صار علما من اعلام اللغة والادب والفقه  والسنة والزهد والتصوف . وقد نظم قصيدته في  المولد النبوي لسنة\  649 هجرية ، في ذكرى المولد الشريف، منها ::
يا شهرَ مولدِ خير العُربِ والعجمِ
                                                لأنتَ حقاً ربيعُ  الفضلِ  والنعمِ
بشرتنا    بنبيٍ    نورُ   طلعتِهِ
                                               عن البسيطةِ جلاّ حندس الظلمِ
ويقول في آخرها:
لا زلت في نفحات القدس في مددٍ
                                           ومن مزيد الرضا والقرب في نعمِ                 
ونال من فضل ما أعطيت آلك والـ
                                              أبرار أصحابك الموفون بالذممِ
والتابعون بإحسان ومشيخةٌ
                                              إلى  الطريقة   دلونا   بهديهمِ
كالعارفِ العدل تاج العارفين ابي
                                           الوفاء، والقطب عبد القادر العلم
وكابن إدريس ذي الحال الشهير أتى
                                           فكان   بعدهمُ   عنوانَ    سرهمِ               
ما زال   متبعاً   آثارَ  شرعتك  الـ
                                    ـبيضاء وعن حكمها المحمود لم يخم
فهم   وأمثالهم   أعيان   أمتكَ
                                          النزاع من عرب عرباء أو عجم
في كل عصر لنا منهم شموس هدى
                                       إذا عرى الجدب يستسقى الحيا بهم     
وإن طغى حادث عذنا بهم وإذا
                                            حلوا  قبورهم  عذنا   بترتبتهم
نصفيهم   ما حيينا   ودنا  فإذا
                                           متنا نموت على إخلاص حبهم
           صحب الشيخ علي بن  إدريس ( ابو ادريس دفين  بعقوبا ) تلميذ الشيخ عبد القادر الكيلاني   وكان  ذكيا  يتوقد نورا، وكان ينظم على البديهة سريعا أشياء حسنة فصيحة بليغة، وقد نظم الكافي الذي ألفه موفق الدين بن قدامة، ومختصر الخرقي  وأما مدائحه في رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقال إنها تبلغ عشرين مجلدا، وما اشتهر عنه
أنه لم مدح أحدا من المخلوقين من بني آدم إلا الانبياء.
      وقف أبو سليمان جمال الدين الصرصري يوما على المنبرولما وقف
 قال ارتجالا ولم يكن يدري أن أحدا سيكتب قوله:
أَنَا الْعَبْدُ الَّذِي كَسَبَ الذُّنُوبَا
                                               وَصَدَّتْهُ الْأَمَانِي أَنْ يَتُوبَا          
أَنَا الْعَبْدُ الَّذِي أَضْحَى حَزِينًا
                                                عَلَى زَلَّاتِهِ  قَلِقًا  كَئِيبَا
أَنَا الْعَبْدُ الَّذِي سُطِرَتْ عَلَيْهِ
                                       صَحَائِفُ لَمْ يَخَفْ فِيهَا الرَّقِيبَا
أَنَا الْعَبْدُ الْمُسِيءُ عَصَيْتُ سِرًّا
                                          فَمَا لِي الْآنَ لَا أُبْدِي النَّحِيبَا
أَنَا الْعَبْدُ الْمُفَرِّطُ ضَاعَ عُمُرِي
                                          فَلَمْ أَرْعَ الشَّبِيبَةَ وَالْمَشِيبَا
أَنَا الْعَبْدُ الْغَرِيقُ بِلُجِّ بَحْرٍ
                                          أَصِيحُ  لَرُبَّمَا  أَلْقَى مُجِيبَا
أَنَا الْعَبْدُ السَّقِيمُ مِنْ الْخَطَايَا
                                                    وَقَدْ أَقْبَلْتُ أَلْتَمِسُ الطَّبِيبَا   
أَنَا الْعَبْدُ الْمُخَلَّفُ عَنْ أُنَاسٍ
                                               حَوَوْا مِنْ كُلِّ مَعْرُوفٍ نَصِيبَا
أَنَا الْعَبْدُ الشَّرِيدُ ظَلَمْتُ نَفْسِي
                                                  وَقَدْ وَافَيْتُ   بَابَكُمْ   مُنِيبَا
أَنَا الْعَبْدُ الْفَقِيرُ مَدَدْتُ كَفِّي
                                               إلَيْكُمْ فَادْفَعُوا عَنِّي الْخُطُوبَا
أَنَا الْغَدَّارُ كَمْ عَاهَدْتُ عَهْدًا
                                              وَكُنْتُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ كَذُوبَا
أَنَا الْمَهْجُورُ هَلْ لِي مِنْ شَفِيعٍ
                                              يُكَلِّمُ فِي الْوِصَالِ لِي الْحَبِيبَا
أَنَا الْمَقْطُوعُ فَارْحَمْنِي وَصِلْنِي
                                                وَيَسِّرْ مِنْكَ لِي فَرَجًا قَرِيبَا
أَنَا الْمُضْطَرُّ أَرْجُو مِنْكَ عَفْوًا
                                           وَمَنْ يَرْجُو رِضَاكَ فَلَنْ يَخِيبَا
فَيَا أَسَفَى عَلَى عُمُرٍ تَقَضَّى
                                            وَلَمْ  أَكْسِبْ  بِهِ إلَّا  الذُّنُوبَا
وَأَحْذَرُ أَنْ يُعَاجِلَنِي مَمَاتٌ
                                               يُحَيِّرُ هَوْلُ مَصْرَعِهِ اللَّبِيبَا
وَيَا حُزْنَاهُ مِنْ نَشْرِي وَحَشْرِي
                                                بِيَوْمٍ  يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبَا                 
تَفَطَّرَتْ السَّمَاءُ بِهِ وَمَارَتْ
                                                وَأَصْبَحَتْ الْجِبَالُ بِهِ كَثِيبَا     
إذَا مَا قُمْتُ حَيْرَانًا ظَمِيئَا
                                             حَسِيرَ الطَّرْفِ عُرْيَانًا سَلِيبَا
وَيَا خَجَلَاهُ مِنْ قُبْحِ اكْتِسَابِي
                                              إذَا مَا أَبْدَتْ الصُّحُفُ الْعُيُوبَا
وَذِلَّةِ مَوْقِفٍ وَحِسَابِ عَدْلٍ
                                              أَكُونُ بِهِ عَلَى نَفْسِي حَسِيبَا
وَيَا حَذَرَاهُ مِنْ نَارٍ تَلَظَّى
                                                إذَا زَفَرَتْ  وَأَقْلَقَتْ  الْقُلُوبَا
تَكَادُ إذَا بَدَتْ تَنْشَقُّ غَيْظًا
                                               عَلَى مَنْ كَانَ  ظلَّامًا  مُرِيبَا
فَيَا مَنْ مَدَّ فِي كَسْبِ الْخَطَايَا
                                               خُطَاهُ أَمَا أَنَى لَكَ أَنْ تَتُوبَا
أَلَا فَاقْلِعْ وَتُبْ وَاجْهَدْ فَإِنَّا
                                                 رَأَيْنَا   كُلَّ   مُجْتَهِدٍ   مُصِيبَا
وَأَقْبِلْ صَادِقًا فِي الْعَزْمِ وَاقْصِدْ
                                               جَنَابًا    نَاضِرًا عَطِرًا رَحِيبَا
وَكُنْ لِلصَّالِحِينَ أَخًا وَخِلًّا
                                                 وَكُنْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا غَرِيبَا
وَكُنْ عَنْ كُلِّ فَاحِشَةٍ جَبَانًا
                                              وَكُنْ فِي الْخَيْرِ مِقْدَامًا نَجِيبَا
وَلَاحِظْ زِينَةَ الدُّنْيَا بِبُغْضٍ
                                             تَكُنْ عَبْدًا إلَى الْمَوْلَى حَبِيبَا
فَمَنْ يَخْبُرْ زَخَارِفَهَا يَجِدْهَا
                                              مُخَالِبَةً   لِطَالِبِهَا    خَلُوبَا
وَغُضَّ عَنْ الْمَحَارِمِ مِنْك طَرْفًا
                                            طَمُوحًا يَفْتِنُ الرَّجُلَ الْأَرِيبَا   
فَخَائِنَةُ الْعُيُونِ كَأُسْدِ غَابٍ
                                             إذَا مَا أُهْمِلَتْ وَثَبَتْ وُثُوبَا
وَمَنْ يَغْضُضْ فُضُولَ الطَّرْفِ عَنْهَا
                                             يَجِدْ فِي قَلْبِهِ رَوْحًا وَطِيبَا    
وَلَا تُطْلِقْ لِسَانَكَ فِي كَلَامٍ
                                                   يَجُرُّ عَلَيْكَ أَحْقَادًا وَحُوبَا
وَلَا يَبْرَحْ لِسَانُكَ كُلَّ وَقْتٍ
                                                     بِذِكْرِ  اللَّهِ رَيَّانًا  رَطِيبَا
وَصَلِّ إذَا الدُّجَى أَرْخَى سُدُولًا
                                                وَلَا تَضْجَرْ بِهِ وَتَكُنْ هَيُوبَا
تَجِدْ أُنْسًا إذَا أُوعِيتَ قَبْرًا
                                                وَفَارَقْتَ الْمُعَاشِرَ وَالنَّسِيبَا
وَصُمْ مَا اسْتَطَعْت تَجِدْهُ رِيًّا
                                                  إذَا مَا قُمْتَ ظَمْآنًا سَغِيبَا
وَكُنْ مُتَصَدِّقًا سِرًّا وَجَهْرًا
                                             وَلَا تَبْخَلْ وَكُنْ سَمْحًا وَهُوبَا
تَجِدْ مَا قَدَّمَتْهُ يَدَاكَ ظِلًّا
                                             إذَا مَا  اشْتَدَّ  بِالنَّاسِ الْكُرُوبَا
وَكُنْ حَسَنَ السَّجَايَا ذَا حَيَاءٍ
                                           طَلِيقَ الْوَجْهِ لَا شَكِسًا غَضُوبَا
فيا مولاي جد بالعفو وارحم
                                               عبيداً لم يزل يشكي الذنوبا
وسامح هفوتي وأجب دعائي
                                                   فإنك لم تزل أبداً مجيبا
وشفِّع فيّ خير الخلق طراً
                                                    نبياً لم يزل أبداً حبيبا
هو الهادي المشفّع في البرايا
                                                  وكان لهم رحيماً مستجيبا
عليه من المهمين كل وقتٍ
                                                   صلاة تملأ الأكوان طيبا
     ولما دخل التتار إلى بغداد دعاه  بالحضور اليه  ذارئها (كرمون بن هلاكو)  فأبى  الصرصري أن يجيب إليه، وأعد في داره حجارة ، فحين دخل عليه التتار داره  رماهم  بتلك الاحجار فهشم  منهم  جماعة، فلما خلصوا إليه  قتل  بعكازه أحدهم ، ثم قتلوه شهيدا  وله من العمر ثمان وستون سنة.
 استشهد الصرصري سنة \ 656 هجرية -1258 ميلادية  يوم استشهد ت  بغداد على يد هولاكو .
قال عنه ابن كثير:
 ( الصرصري المادح , الماهر , ذو المحبة الصادقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم . يشبه في عصره بحسان بن ثابت رضي الله عنه)
وقال ابن القيم فيه :
 ( حسان السنة في وقته المتفق على قبوله الذي سار شعرة مسيرة الشمس في الآفاق واتفق على قبوله الخاص والعام أي اتفاق ولم يزل ينشد في المجامع العظام ولا  ينكر عليه  أحد من أهل  الإسلام  معظم
شعره في مدح رسول الله  صلى الله عليه وسلم، وديوانه في ذلك مشهور معروف غير منكر، ويقال إنه كان يحفظ صحاح الجوهري بتمامه في اللغة.)
      يتميز شعره بالسلاسة والبلاغة  وقد طفح ديوانه بقصائد في  مدح الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم .

 ترك اثارا  دينية ولغوية وادبية كثيرة منها :
·                         ديوان الصرصرى   
·                         معارج الأنوار في سيرة النبي المختار
·                         نونية الصرصري
·                         قصيدة في مدح النبى الصرصرى.
·                         المختار من نظم الشيخ يحيى 
·                         الدرة اليتيمة والمحجة المستقيمة
·                         منظومة في قصة يوسف
·                         مختصر الكافي
·                         زوائد الكافي في فقه الإمام أحمد
·                         قصيدة دالية  طويلة في الفقه الحنبلي تبلغ \ 2774 بيتا

 

        واختم  بهذه القصيدة في مدح الرسول  الحبيب المصطفى محمد صلوات الله عليه وسلامه :
محمد المبعوث للناس رحمةً
                                         يشيِّد ما أوهى الضلال ويصلح   
لئن سبَّحت صُمُّ الجبال مجيبة
                                                لداود أو لان الحديد المصفح 
فإن الصخور الصمَّ لانت بكفه
                                               وإن الحصا  في كفه   ليُسَبِّح
وإن كان موسى أنبع الماء بالعصا
                                             فمن كفه قد أصبح الماء يَطفح
وإن كانت الريح الرُّخاءُ مطيعةً
                                             سليمان لا تألو تروح وتسرح 
فإن الصبا كانت لنصر نبينا
                                        ورعبُ على شهر به الخصم يكلح
وإن أوتي الملكَ العظيم وسخِّرت
                                         له الجن تسعى في رضاه وتكدح
فإن مفاتيح الكنوز بأسرها
                                           أتته  فرَدَّ   الزاهد    المترجِّح 
وإن كان إبراهيم أُعطي خُلةً
                                       وموسى بتكليم على الطور يُمنح
فهذا حبيب بل خليل مكلَّم
                                        وخصِّص بالرؤيا وبالحق أشرح
وخصص بالحوض الرَّواء وباللِّوا
                                          ويشفع  للعاصين والنار تَلْفح
وبالمقعد الأعلى المقرَّب ناله
                                            عطاءً  لعينيه   أَقرُّ وأفرح
وبالرتبة العليا الوسيلة دونها
                                         مراتب أرباب المواهب تَلمح
ولَهْوَ إلى الجنات أولُ داخلٍ
                                          له بابها قبل الخلائق يُفْتَح



                  ******************















شرف الدين  ابن الحلاوي



      هو شرف الدين أبو الطيب أحمد بن محمد بن أبي الوفاء
بن أبي الخطاب بن محمد بن الهزبر الربعي الموصلي الجندي
 بن الحلاوي.

       ولد في الموصل  سنة\ 603 ثلاث وستمائة هجرية – 1207 ميلادية  وفي الموصل  شب واكتمل  وخدم بالجندية وقيل كان  مليحا جميلا ذا لطف وكياسة وظرف وحسن عشرة  وخفة روح ، وقال الشعر الجيد الجميل في صباه وشبابهى  حتى اصبح من كبار الادباء والشعراء في زمنه ومن قوله في شبابه :

أألقى من خدودك في جحيم
                                       وثغرك كالسّراط المستقيم

وأسهدني لديك رقيم خدٍّ
                                         فواعجبا  أأسهر  بالرَّقيم

 وحتّام البكاء بكلّ رسمٍ
                                         كأنَّ علّي رسماً للرّسوم

  سئل أن ينظم أبياتاً تكتب على مشطٍ للملك ( العزيز محمد) صاحب حلب فقال:

حللت من الملك العزيز براحةٍ
                                            غدا لثمها عندي أجلَّ الفرائض

وأصبحت مفترَّ الثنايا لأنني
                                              حللت بكفٍّ بحرها غير غائض

وقبلت سامي كفّه بعد خدّه
                                        فلم أخل في الحالين من لثم عارض

ومن اخباره ماذكره الدمياطي انه سمعه يقول لنفسه :   

حكاه من الغصن الرطيب وريقه
                                        وما الخمر إلاّ وجنتاه وريقه

هلال ولكن أفق قلبي محله
                                           غزال ولكن سفح عيني عقيقه

وأسمر يحكي الأسمر اللّدن قدّه
                                           غدا راشقاً قلب المحبّ رشيقه

على خدّه جمر من الحسن مضرم
                                            يشب ولكن في فؤادي حريقه

أقر له من كلّ حسنٍ جليله
                                              ووافقه من كلّ معنّى دقيقه

بديع التثني راح قلبي أسيره
                                         على أنَّ دمعي في الغرام طليقه

على سالفيه للعذار جديده
                                              وفي شفتيه للسلاف عتيقه

يهدّد منه الطّرف من ليس خصمه
                                        ويسكر منه الريق من لا يذوقه

على مثله يستحسن الصبُّ هتكه
                                        وفي حبّه يجفو الصديق صديقه

من التّرك لا يصبيه وجد إلى الحمى
                                           ولا ذكر بانات الغوير يشوقه

ولا حلّ في حيٍّ تلوح قبابه
                                        ولا سار في ركبٍ يساق وسيقه

ولا بات صبّاً بالفريق وأهله
                                           ولكن إلى خاقان يعزى فريقه

له مبسم ينسي المدام بريقه 
                                             ويخجل نوّار الأقاحي بريقه

تداويت من حرّ الغرام ببرده 
                                           فأضرم من حرّ الحريق رحيقه

إذا خفق الرق اليمانيّ موهناً 
                                               تذكرّته فاعتاد قلبي خفوقه

حكى وجهه بدر السماء فلو بدا
                                           مع البدر قال الناس هذا شقيقه

رآني خيالاً حين وافى خياله
                                           فأطرق من فرط الحياء طروقه

فأشبهت منه الخصر سقماً فقد غدا
                                            يحمّلني كالخصر ما لا أطيقه

فما بال قلبي كلّ حبٍّ يهيجه
                                           وحتّام طرفي كلّ حسنٍ يروقه

فهذا ليوم البين لم تطف ناره
                                          وهذا فبعد البعد ماجفّ موقه

 ولله قلبي ما أشدَّ عفافه
                                       وإن كان طرفي مستمراً فسوقه

أرى الناس أضحوا جاهليّة ودَّه
                                         فما باله عن كلّ صبٍّ يعوقه

فما فاز إلاّ من يبيت صبوحه
                                          شراب ثناياه ومنها غبوقه

     ومدح الخلفاء والملوك ومن ذلك  قصيدته التي مدح  فيها الملك
 ( الناصر داود ) صاحب الكرك قال :   

أحيا بموعده قتيل وعيده
                                                 رشأ يشوب وصاله بصدوده

قمر يفوق على الغزالة وجهه
                                                   وعلى الغزال بمقلتيه وجيده

يا ليته يعد الهلال فإنه
                                                  ما زال ذا لهجٍ بخلف وعوده

قمر أطاع الحسن سنّة وجهه
                                                حتى كأن الحسن بعض عبيده

أنا في الغرام شهيده ما ضرَّه
                                                   لو أنَّ جنّة وصله لشهيده

يا يوسف الحسن الذي أنا في الهوى
                                                  يعقوبه   بثّي   إلى   داوده

       ودخل في خدمة السلطان ( بدر الدين لؤلؤ )صاحب الموصل. وكان السلطان( بدرالدين لؤلؤ) في أول ا مره لا ينادمه ولا يحضره مجلسه وإنما كان ينشده أيام المواسم والأعياد المدائح التي يعملها فيه  فلما كان في  بعض الأيام  رآه في الصحراء  وهو في  روضة معشبة وبين يديه برذون له مريض يرعى فجاء إليه ووقف عنده وقال :
 مالي أرى هذا البرذون ضعيفاً ؟ -
-                                                                                                                                  فقام وقبّل الأرض وقال :
يا مولانا السلطان حاله مثل الي وما تخلّفت عنه في شيء يدي بيده في كل رزق يرزقنا الله .
 فقال له : هل عملت في برذونك هذا شيئاً ؟
قال : نعم .
 وأنشده على البديهة :
أصبح برذوني المرقّع بال
                                          لمصقات في حسرةٍ يكابدها

رأى حمير الشّعير عابرةً
                                             عليه يوماً فظلّ ينشدها

قفا قليلاً بها علّي فلا
                                                أقلَّ من نظرةٍ أزودَّها    

فأعجب السلطان من  بديهته وأمر له ب بمائة دينار وخمسين مكوكاً من الشعير.
 وقال له : هذه الدنانير لك والشعير لبرذونك ثم أمره بملازمة مجلسه كسائر الندماء ولم يزل يترقّي عنده حتى صارالسلطان لا يصبرعنه .

        ولما توجه ( بدر الدين لؤلؤ ) صاحب الموصل إلى بلاد العجم للاجتماع ب(هولاكو ) كان ابن الحلاوي معه فمرض في مدينة ( تبريز)  وتوفي قبل وصولهم الى مدينة (سلماس) في خراسان  وهو في حدود الستين من عمره او اقل منها قليلا  وكانت وفاته في عام\ 656 ست وخمسين وستمائة للهجرة – 1273 ميلادية .

     يتمبز شعر شرف الدين ابن الحلاوي  بسهولته كثرة الصناعة اللفظية فيه مع انشغاله بالمحسنات البلاغية  وشعره يعتبرامتدادا للشعرالعباسي لانه اقرب عليه  وقداجاد وابع في اغلب الفنون الشعرية وخاصة بالمدح  كما ذكرت والوصف والغزل  وفي الامورالاخرى التي مر بها الشاعر فانشد فيها
فمن قوله متغزلا:
 
لحاظ عينيك فاتنات
                                     جفونها الوطف فاترات

فرّق بيني وبين صبري
                                      منك    ثنايا    مفرّقات

يا حسناً صدّه قبيح
                                        فجمع شملي به شتات

قد كنت لي واصلاً ولكن
                                      عداك عن وصلي العداة

إن لم يكن منك لي وفاء
                                       دنت  بهجرانك   الوفاة

حيّات صدغيك قاتلات
                                           فما  لملسوعها حياة

والثغّر كالثغر في امتناع
                                       تحميه من لحظك الرّماة

يابدر  تمّ    له  عذار
                                          بحسنه تمّت الصفات

منمنم الوشي في هواه
                                        يا طالما  نمّت  الوشاة

نبات صدغٍ حلاّك حسناً
                                       والحلو في السكّر النبات

وقال ايضا :

في حدَّها روضة إذا رعيت
                                   باللحظ راحت بطرفها تحمى

بقامةٍ   تلتوي   وناظرها
                                    يدمي  البرايا  ووجنةٍ تدمى

كأنما  الرَّدف  خلفها    أجأ
                                   كيف استقلّت بحمله سلمى

 وأجأ  وسلمى  هما جبلا  طي  في  موطن  قبيلة  طي  في نجد
  
 ومن قوله في برذونه وفيها شكاية غلام له وطرافة جميلة :

       جاء غلامي فشكا     أمر كميتي وبكى

        وقال لي لاشكّ بر     ذونك  قد تشبّكا

        قد سقته اليوم فما     مشى ولا تحرَّكا

        فقلت من غيظي له    مجاوباً لما حكى

       تريد أن تخدعني    وأنت أصل المشتكى

        ابن الحلاويَّ  أنا    خلَّ   الرَّياء  والبكا

       ولا تخادعني ودع       حديثك    المعلَّكا

         لو  انّه   مسيَّر        لما    إذا  مشبَّكا

         فمذ رأى حلاوةال     ألفاظ  منّي ضحكا

واختم بحثي بهذه القصيدة من شعره :
أرثَّ صرف الزمان حالي
                                     فما لدهري ترى وما لي
حتى كأني له عدوٌّ
                                      يرشقني  منه  بالنبال
وطالما كنت وهو عنّي
                                    وعن أخلاي في اشتغال
ولو أتاني لصلت فيه
                                     أمراً  ونهياً  ولا  أبالي
أين زماني الذي تقضّى
                                     وأين جاهي وأين مالي
وأين خفّي وطيلساني
                                      وأين قيلي  وأين قالي
وأين عيشي وأين طيشي
                                   وأين حسني وحسن حالي
ونحن في فتيةٍ كرامٍ
                                     نجارهم في الفخار عال
قد جعلوا اللهو رأس مالٍ
                                   فدته نفسي من رأس مال
قد درسوا الفسق من قديمٍ
                                    فكم  لهم فيه  من جدال
وقائل حين طاح سكراً
                                       وراح يحبو إلى البزال
ونحن في مجلسٍ بديعٍ
                                     جلّ عن الوصف والمثال
جمَّع فيه من كلّ شيءٍ
                                       فتمَّ  في غاية الكمال
فالرَّاحُ في الراح والملاهي
                                   في اللهو والنُّقل في النّقال
وللملاهي به ضجيجٌ
                                      وللرّواويق   والمقالي
فالدّفُّ دف دف ددف ددف دف
                                      والزّمر تلّى تلل تلالي
والجنك دن دن ددن ددن دن
                                       تصلحه ربّة  الحجال
خريدة   رودة   رداح
                                      سبحلةٌ  عذبة  المقال
تفتن   بالّدل  ّ والتجنّي
                                     والحسن والتّيه والدّلال
عنّت فهام الفؤاد منّي
                                  وجداّ إلى سحرها الحلال
وبيننا   قهوة      كتبرٍ
                                     رصّعها المزج باللآلي
جديدة   الطّعم   عتّقتها
                                      ألفا ً فألفا   يد  الليالي
صفراء كالنار بل تراها
                                    مذ شابها الماء ذا اشتعال
يسعى بها شادن رشيق
                                      مهفهف القدَّ  ذو اعتدال
مورَّد  الوجنتين لا  حلو
                                    سواه في الناس ما حلا لي
قلت له إذ أطال وعدي
                                       ولجَّ في العذل والمطال
دع التّجنّي فلست أسلو
                                        أخ  أخ  أخٍ  يا محالي
لم ؟ ا بدا وهي في يديه
                                      كالشمس في راحة الهلال
فطبَّ طرطبَّ فوق رأسي
                                       وطاق طرطاق في قذالي
إن كنت عاينت قطّ غصناً
                                      مرّت به  نسمة  الشّمال
  أحسن  منه  إذا تثنّى     
                                       تميله   نشوة    الدَّلال


*******************************




                       ا بن زبلاق الموصلي     



         هو محي الدين  يوسف  بن  يوسف  بن  سلامة  بن  إبراهيم الهاشمي الموصلي المعروف ب(ابن زبلاق) عربي الأصل ينتهي نسبه    إلى العباس ابن عبد المطلب عم النبي محمد صلى الله عليه وسلم .

   ولد سنة \ 603 هجرية  - 1207ميلادية في مدينة الموصل وتعلم فيها على ايدي علمائها  وادبائها  والموصل  مدينة العلم والادب  ففيها ابو تمام  حبيب بن اوس الطائي  و مخلد بن  بكار والسري الرفاء  وابن الحلاوي  وابن عدلان وابن دانيال وابن زبلاق .

      اشتغل في كتابة ديوان الانشاء للدولة في الموصل وقد اكثر ابن زبلاق من ذكر الموصل في شعره وقصيده ومن قوله فيها :

ومحاسن الحدباء مشرقة على
                                         كل البــلاد لها الفــخار الأفضل

ياساحة  الحــدباء تربــك اثمد
                                         للناظرين ، فما الدخول فحومل ؟

هبني أحــاول غيرها أو ابتـغي
                                        عوضا عن الأوطـان أو أتبـــدل

فعن  الذين  عهدتهــــم  بفنائــها
                                       أهلي وجــيراني بمــن اتـــــبدل


    وكان ابن زبلاق كثير التردد على بلاد الشام لاسيما دمشق حيث حظيت دمشق أكثر من غيرها من المدن الإسلامية بقصائد شعرية في وصف مباهجها ومفاتنها فيقول:

أنى الـــتفت فجــدول متسلــــسل
                                             أو جنـــة مرضية أو جوســق

يبدو لـــطرفـك حيث مال حديقة
                                            غناء نــور النــور منها يشرق

يشــدو الحــمــام بدوحـها فــكأنـما
                                             في كل عود منه عود مــورق

وإذا رأيت الغصن ترقصـــه الصـبا
                                            طربا رايت الماء وهو يصفـق  


    ولابن زبلاق شعر في الغزل جارى فيه شعراء عصره في خطاب المذكر ،وقد بدا عليه البرود ومسحة الصنعة ،ولكن اغلب شعره الذي وصل الينا هو في الغزل العفيف وبعيد عن الفحش ،وقد أدلى الشاعر بدلوه في نظم الموشح:

حيث شمس الكؤوس      بدر  فالــندامى  نجـــوم

واسقنيــها كـــــأنـهـــا    تـــبـر من بنات الكـــروم

ضحـكت في ثغورها الز  هـر  بكــــاء  الـــغيــــوم

وتغنــت بأطــيب اللـــــــحن صادحات الشــجر

ناطقـــــات بالــــسـن عـــجم طاب شرب السحر

حثها بيننـــا رشــــا وسنـــان نلت منه الأمان

ناعس الطرف بابلي الأجفان باســم عن جمـــان

قد سكرنا من لحظه الــــفتـان قبل خمر الدنــــان

رب خمر شربت من جـــفـن واجتنيت الزهــــــر

من خدود تحمــى عن اللــــثم بسيوف الحـــــور

وقد نظم ابن زبلاق في الحكمة وتمتاز حكمته  بالسطحية يقول: 

فالدهر لا يبقى على حالاته
                                          فيجور احيانا وطورا يعدل
صبرا فكل ملمة من بعدها
                                        فرج وكل عسير امر يسهل   

 يذكره صاحب فوات الوفيات في الجزء الرابع فيقول عنه :

(ان نثره يجري على طريقة القاضي الفاضل التي تعتمد على البديع ولاسيما الجناس ،كما تعتمد على التنظير)

      ويذكره  قطب الدين اليونيني  في الجزء الاول من كتابه  ذيل
مرآة الزمان :

   ( ان ابن زيلاق الموصلي شاعر لامع وناثر بارع ولكن حظه غير راجح )

       ولما احتلت الجيوش  المغولية  الموصل بقيادة هولاكو  قام هذا الجيش المغولي التتري الذي دخل الموصل وضرب الحصار على المدينة واستحلها  وكان ملكها انذاك الصالح( إسماعيل بن لؤلؤ)  فقبض على ملكها الصالح من قبل الجيش المغولي وقتلوا ابنه (علاء الدين) والقوا برأسه على باب الجسر وقتل خلق كثير  ومن جملة من قتل فيها الشاعر محي الدين بن زيلاق موضوع بحثنا.

      قتل  الشاعر  ابن زبلاق على يد هولاكو في العاشر من شعبان سنة 660هجرية - 1277  ميلادية  .

       يمتاز شعر ابن زبلاق  بسهولته وسلاسته  وتظهرعليه المحسنات اللفظية من بديع وجناس وتشبيه التي اغرقت الشعر في ذلك الحين ومال اليها الشعراء لتزويق شعرهم . وقد قال الشعر في اغلب الفنون الشعرية من مدح  ورثاء وغزل ونسيب  وحكمة وغيرها  كما نظم الموشح والدوبيت.
يقول في الغزل :
               ما بين بعدك والتداني        يا منيتي يفنى زماني
أحيا   بقربك    تارة           ويميتني بعد المغاني
ما دام لي منك النعي          م ولا الضنا مني بفاني
أطمعتني   حتى  إذا         ملك الهوى طوعا عناني
أبديت لي منك القلى         أنى وقد غلقت   رهاني
بجمال  طلعت  التي          أنوارها  تحيي  جناني
ومجال  أمواه  الحيا        ة على  جبينك  كالجمان
وبلؤلؤ  الثغر  الذي         يفتر عن  برق    يماني
نعم  علي   بنظرة           فيها  الشفاء  لما  أعاني

وقال في الدوبيت:

يا سامري الدجى  بذات  السمر        هل عندكما  لناشد  من  خبر

كم يسأل بالحمى ومن يخبره      عن سر هوى يخفى على ذي نظر

من علم ذا الحمام شدو الشجن      من هز من الغرام عطف الغصن

من أي  صبابة  حنين  البدن         ما  ذلك  إلا  لهوى  مستتر

يا طالب برء الدنف المشتاق        هل عندك  للديغ  من  درياق

واختم بحثي بهذه الابيات في معاتبته لنفسه:


يا قسوة القلب مالي حيلة فيك     
                                       ملكت قلبي فأضحى شر مملوك

حجبت عني إفادات الخشوع فلا     
                                          يشفيك ذكر ولا وعظ  يداويك

وما تماديك من كسب الذنوب ول
                                         كن  الذنوب أراها  من تماديك

لكن تماديك من كسب نشأت به
                                         طعام سوء على ضعفي يقويك

وأنت يا نفس مأوى كل معضلة
                                         وكل  داء  بقلبي  من عواديك

أنت الطليعة للشيطان في جسدي
                                           فليس  يدخل غلا من نواحيك

لما فسحت بتوفير الحظوظ له 
                                     أضحى مع الدم يجري في مجاريك

واليته بقبول الزور منك فلن  
                                           يوالي   الله  إلا  من  يعاديك

ما زلت في أسره تهوين موثقة
                                          حتى  تلفت  فأعياني   تلافيك

يا نفس توبي إلى الرحمن مخلصة
                                        ثم  استقيمي على عزم  ينجيبك

واستدركي فارط الأوقات واجتهدي
                                     عساك بالصدق أن تحمي مساويك

واسعي إلى البر والتقوى مسارعة
                                       فربما   شكرت   يوما  مساعيك

حب التكاثر في الدنيا وزينتها
                                      هي التي عن طلاب الخير تلهيك

لا تكثري الحرص في تطلابها فلكم 
                                      دم لها بسيوف الحرص مسفوك

بل اقنعي بكفاف الرزق راضية
                                       فكل ما جاز ما  يكفيك   يطغيك

ثم اذكري غصص الموت الفظيع يهن
                                      عليك   أكدار  دنيا  لا  تصافيك

وظلمة القبر لا تنسي ووحشته  
                                     عند  انفرادك  عن  خل  يوازيك

والصالحات ليوم الفاقة ادخري
                                      في موقف ليس فيه من يواسك

وأحسني الظن بالرحمن مخلصة 
                                     فحسن  ظنك  بالرحمن    يكفيك


******************************




شهاب الدين التَّلَّعْفَري


    هو ابو المكارم شهاب الدين أبوعبد الله محمد بن يوسف بن مسعود الشيباني من مدينة  (تل اعفر) وهي مدينة عراقية صغيرة تتبع  لولاية الموصل  فقيل له التلعفري.
       ولد في مدينة ( تل اعفر ) بالموصل في الخامس عشر من جمادى الآخرة من سنة \593 هجرية – 1197 ميلادية . درس فيها وتعلم في الموصل  وتلقى علومه على  يد علماء  الموصل  وأدبائها  وكان  ذكيا مطلعا على  أيام  العرب  وأخبارها  وأنه  توصل  من  خلاله  إلى  قلوب الملوك والأمراء وجيوبهم، وأنه بلغ مرتبة جعلته يقف أمام الملوك مادحاً بل  ومنادماً  حتى اصبح  شاعر من  شعراء  العصر المملوكي  فهو كان تحفة  زمانه  ونادرة  اوانه عاش  متنقلاً  في  حواضر الممالك  الإسلامية  متكسباً  بشعره واشتغل  بالادب ومدح الملوك  والامراء والاعيان من اهل زمانه  
           رحل إلى الشام واتصل  بالملوك  الأيوبيين ومدحهم  بقصائده      ومنهم الملك الاشرف الايوبي ونال عطاءهم في دمشق وكان يتصف بصفات سيئة يمقتها المجتمع منها شربه الخمر حيث اتلف أمواله في حانات الخمرو مجالس القمر وفي ذلك يقول :
   أقلعت إلا من  العقـــــــــار       
                                        وتبت  إلا من  القمار
    فالكأس والقمر ليس يخلو        
                                     منها يميني ولا شمالي
        ويقال أن الملك الاشرف قد ضجر منه ومن سلوكه المنحرف وطلب منه السير في الطريق السوي ولكن دون جدوى فبقي في مجونه فطرده الملك وانتقل إلى حلب واتصل بملكها الناصر يوسف بن محمد بن غازي ونصحه هو الآخر فلم يرتدع  . .
      فهو شاعر كبير من شعراء القرن السابع الهجري، عمر طويلاً، وطوف في حواضر العالم الإسلامي في زمانه، والوصف الذي وصلنا لديوانه لا يتوافق مع ما بين أيدينا لا من حيث الكم ولا من حيث النوع، فقد ذكروا أنه كان مداحاً، ومع ذلك لا نجد له من المدح إلا القليل جداً بالنسبة لما وصلنا من مجموع شعره الباقي، وبالنسبة لعمره الطويل الذي أمضاه في ظلال الملوك الأيوبيين وغيرهم  .

      يتسم  شعره بالسهولة المتناهية والعذوبة ، ولا ينال من هذا الرأي أن صاحبه سلك فيه مسلك شعراء عصره. فتأثر في بعض أشعاره بالاتجاه العام السائد في عصره من نزعة استخدام الصناعات البدیعیة کالجناس والطباق والاقتباس، الا انه لم یُغرق فيها كثيرا وخاصة التوریة ، فطبعه السلیم  أبعده عن الإسراف .لكنه  تاثر  بالأنماط  الشعرية التي غزت ذلك العصر، وأثقلت كاهل القصيدة بالزخارف اللفظية والمحسنات البديعية  لاحظ قوله  وما فيه من الطباق:
 كان عهدي بالخمر وهي حرام      
                                                  فبما ذا صارت المسك حرام
أنا قصدي تقبيله إرشـــــــــــادا  
                                                  كان رشفي رضابه او ضلالا
حار مني في شرح حاليه فكري   
                                                  كيف يسطو ليثا ويعطو غزالا
إن أطعت الغرام فيه فانــــــــي   
                                                  قد عصيت اللوام والعــــــذالا
    ومن الجناس في شعره هذين البيتين :
أنت خــال ممـا قاسيه قلبــي   
                                              من غرير له على الخد خال
كلما عز زاد في ذلي وحالت 
                                              لي فيه مع الزمـــان الــحال
   :  ومن اقتباس مصطلحات الحديث قوله

وانقل أسانيد الهوى عن أضلعي 
فحديث أهل العشق أنت امينه                                    
اعد الحديث عن الحبيب مكررا 
أخباره  فالصب هذا دينـــــــــه                        
        ولقد هجاه  الشاعر شرف الدين  سليمان  بن  بنيمان  الاربلي في مجلس الملك الناصر وطلب منه الملك الناصر بعدم اللعب مع الشاعر والا تقطع يده ،وعندها غادر الشاعر حلب بعد قطع المعونة عنه من الملك الناصر وذهب يستجدي المال من ديار الشام ومصر .واستقر به المطاف أخيرا في حماة عند الملك المنصور محمد   بعدما يئس من الأصدقاء وقد تاب الى الله تعالى   ومن شعره  يذكر الاخرة :
من قـــــال  بانــــــي            يوم القيامة اخسر؟
وأننــي بذنــوبــــــي           إلى جهنــم احشر ؟
مر يا جهول ودعني           أنا بربــــي اخبــــر

       ويقال انه ندم في أواخر أيامه على  أفعاله.  و انه انشد قبيل
وفاته هذه الأبيات :
إذا أمسى فراشي من تراب    
                                               وبت مجاور الــرب الـرحــيم
فهنوني إخـلائي وقولـــــوا    
                                               لك البشرى قدمت على رحيم

      وقيل قبیل وفاته  وکان في حماة عند ملکها المنصور الثاني سيف    
الدين محمد فقال فيها  :    
 
أحَماةُ إنّ عهودَ أهلِکِ أُحکِمتْ
                                            أسبابُها عندي، فلیست تُنقَصُ
لکنّما أزِفَ الرحیلُ وها أنا
                                            والعِیسُ تُحدَی مُنشِدٌ ومُعرِّضُ
أرضٌ أروحُ بغیرِها مُتعوِّضاً
                                          أتُری تَری عیني بمن تَتَعوَّضُ
 يقول عن نفسه :
((ولدت سنة 593للهجرة.. في الموصل كانت ولادتي.. فمنها ذاع صيتي .. في الشعر, والخمر, والقمر. تميزت  بالإطالة  في شعري.. وقيل أنني لأيام وأخبار العرب حَسِنَةٌ معرفتي .
      فطرقت أبواب الشعر المختلفة.. وأبدعت في دواني المؤلفة.. فقلت في المدح, بالموشح المشرقي المستحدث.. وفي الغزل, للحب والعشق وأخذ العبر.. ولم أهمل الخمر, فهو لي اللذة والأنس.. وفي القمار, ضاع مالي.. حتى أنني قامرت على نعالي.. وفي وصف الطبيعة , تدرجت بالمراحل الثلاثة.. ففي بداياتي اتجهت منهج القدماء.. ثم طورت نفسي إلى الجديد من المعاني.. وأخيرا نحوت منهجي الذاتي .. بوصف واقعي للطبيعة الساحرة , والجمال الأخاذ.
     أما حياتي .. فكانت متنقلة بين البلدان.. فمن العراق ظهرت.. وبالملك الأشرف موسى التقيت .. وبسبب القمار طردت.. فقصدت حلب.. ومدحت العزيز.. حتى أجزل إليّ العطايا.. وبسبب إدماني على القمار .. أخذ الملك ينادي: (من قامر مع التلعفري قطعنا يده).
     فضاقت علي الأرض بما رحبت.. فلملمت حاجاتي وخرجت.. إلى دمشق رحلت.. ومنها إلى القاهرة زرت.. ولكنها لم ترق لي.. فعدت من حيث أتيت.. إلى دمشق, أستجدي من شعري .. والقمار من عادتي.. وحمَاة نهاية رحلتي.. وبالملك المنصور الثاني كانت آخر صلتي.... ولي من العمر 82 سنة.
      ها أنتم عرفتم حكايتي..وأغراض شعري.. ولكنني نسيت أن أعرفكم بنفسي.. فأنا الشاعر الأيوبي المملوكي..(أبو المكارم, شهاب الدين محمد بن يوسف بن مسعود الشيباني)).
        توفي الشاعر ابو المكارم شهاب الدين محمد بن يوسف الشيباني  التلعفري سنة \675 هجرية – 1277ميلادية.
      التلعفري شاعر رقیق أکثرُ شعره الغزلُ والنسیب والمدح والخمر ووصف الطبیعة، وله مدیح ووصف. وله أیضاً موشّحات، وهو شاعر وجداني مطبوع ، ویمیل إلی السهولة في شعره، بل إن  فرقاً  كبيرا  بين  أدائه  وأداء أبناء جيله، بحيث نرى في استخدامه  للزخارف اللغوية اقل من الشعراء الذين تهالكوا على الإكثار من هذه الزخارف  بحيث  أصبحت غاية  ولا وسيلة، وهو ما يميز التلعفري عن كثير منهم. ومن شعره الغزلي يقول :
لولا  بروقٌ  بالعقیقِ  تلوحُ
تغدو علی عَذَباتِه وتروحُ                                                   
ما زادَ قلبي لوعةً کلا ولا أدمی
                                                    خدودي   دمعيَ  المسفوحُ    
   حكم الصّبا، حتّامَ  یُذکّرُني الصِّبا   
                                                   منها  نسیمٌ  کالعبیرِ یفوحُ؟
خطرتْ، وقد أهدی لنا منها الشَّذا
                                                    غارُ الغُویرِ ورندُه والشِّیحُ
یا أهلَ   وُدّي  یومَ   کاظمةٍ
                                       أما عن وصلِکم صبري الجمیلُ قبیحُ
ِرْتُم وأَسررْتُم بقلبي مهجةً
                                                  أودی بها  التقریحُ والتبریحُ
أطمعتُموني في الوصلِ ولیس لي
                                                   إلّا  صدودٌ  منکمُ   ونزوحُ
هذي الجفونُ ،وإنّما أین الکَّری
                                              منها؟ وهذا الجسمُ،أین الروحُ؟

      وقيل أن كثيراً من قصائد المدح له يصلنا إلا مقدماتها الغزلية  ولعل مرد ذلك إلى النساخ الذين جمعوا الديوان أو إلى الظروف التي عاشها الشاعر مع ممدوحيه، والتي كانت تنتهي بما لا يرضيه على الأغلب. و لعل عدم استقرار الشاعر في مكان كان أحد الأسباب في ضياع شعره، فقد كان كثير التحوال ويبدو أنه لم يكن يعنى كثيراً بجمع شعره رغم ما ذكر من أنه كان راوية له، وإلا فما السبب في ضياع شعره الذي نعت بالغزارة من قبل كثير من مؤرخيه؟ ومع ذلك يبقى شعره هو الأثر الوحيد الذي وصلنا عنه، مع أن افتراض أن يكون قد أقدم على شيء من التـأليف لا يجانف الحقيقة.
     يتميز شعره بسهولة متناهية ولا تخلو من عذوبة رائعة  الا ان اغلب قصائده  غلب عليها  المحسنات  اللفظية  التي انتشرت  في  وقته  حاله حال شعراء عصره  ولا يغير هذا الرأي من  أنه  سلك  فيه مسلك  شعراء عصره. وتأثر بالأنماط  الشعرية  التي  ظهرت  ذلك  العصر وكانت  سمة من سماته  .
نـهاري كله قلق وفكــــــــــــر      
                                            وليـلـــي كلـه ارق وذكـــــر
تقسمني الهوى كمدا وحــزنا      
                                            فأمرهما لحتفـــــــي مستمر
فقم نخطب عروسا بنت كــرم       
                                            لها الأموال الألبـــاب مـــهر
عجوز قد أسنــت وهي بكــــر      
                                           ومن عجب عجوز وهي بكر
مفرحــــة يفـــر الــهم منـــها       
                                           فليــــس يضـمها والهم صدر
إذا برزتْ وجنحُ اللیلِ داجٍ
                                                 تبلَّجَ من سَناها فیه فجرُ
غَنیْتُ بکأسِها وبها،ولِمْ لا؟
                                                ومن هذین لي وَرِقٌ وتِبرُ
یطوفُ  بها   علینا    بدرٌ
                                             تَمَّ منیرٌ عمرُه خمسٌ وعشرُ
لنا    بکؤوسِه     وبُمقلتَیْه
                                           کما حکمَ الهوی سَکَرٌ  وسُکْر
نَرُدُّ بها إلیه، وهي بیضٌ
                                           ویأخذُها    إلینا   وهي   حُمْرُ 




                             ******************



















جمال الدين ابن الجزار المصري


    هو ابو الحسين جمال الدين يحى بن عبد العظيم الجزار المصري، المعروف  بالجزار . هو أحد الشعراء  في عصر المماليك .
        ولد بمدينة(الفسطاط ) بمصر سنة 601هجرية / 1205 ميلادية وفي رواية اخرى ولد سنة \603 هجرية -1207 ميلادية ونشأ فيها،
   عمل جزارا  مع أبيه وأقاربه و بدت عليه منذ الصغر علامات الميل الى الشعر وشغفه به وبدت عليه دلائل قرض الشعر وميوله  الفطرية اليه فاحب العلوم الادبية واللغوية وقد دفعه شغفه بالأدب إلى التعلق به، وأول ما عرف عنه وهو صغير، أنه نظم أبياتاً قلائل، فأخذه أبوه وتوجه به إلى الشاعر ابن أبي الإصبع وقال له:
 يا سيدي، هذا الولد قد نظم شعراً واشتهى أن يعرضه عليك.
 فقال  له:  قل.
فلما أنشده من شعره
فقال له: أحسنت، والله إنك عوّام مليح.
  وأراد الوالد أن يعبر عن شكره لابن أبي الإصبع، فصنع طعاماً وحمله إليه. ولكن ابن أبي الإصبع كان قد طابت له (التورية) التي كانت اكبر هم أدباء ذلك الزمان، فقال له:
لأي شيء فعلت؟
فقال: لثنائك على ولدي.
 فقال: أنا ما أثنيت عليه.
 فقال: ألم تقل إنك عوام مليح؟
 فقال: ما أردت بذلك إلا أنه انتقل من بحر إلى بحر

    دأب الجزار على قرض الشعر،فاخذ يضرب في بحوره ويغوص على غرائب المعاني، ويكسوها أفضل الألفاظ، حتى استبان طريقه وتوضحت له الامور فكان يتطلع إلى حياة أخرى يتمتع فيها بلذات العيش غير حياة الجزارة التي يشقى فيها على غير طائل يقول :
أصبحتُ  لحاماً  وفي البيت لا
                                        أعرفُ ما رائحة اللحم
واعتضت من فقري ومن فاقتي
                                      عن التذاذ الطعم بالشحم
جهلته  فقراً   فكنت   الذي
                                      أضلهُ  اللهُ  على علم  
          ثم  ان ابو الحسين الجزار قد ترك مهنة ابيه وأقاربه، وتكسب بالشعر،وساعده على السير فى هذا المجال اتصاله بالحكام والوزراء والامراء والكتاب، فأخذ يمدحهم ويأخذ من عطاياهم وقد ودع حرفة الجزارة تماما  فقال :
حسبى حرافا بحرفتى حسبى           أصبحت منها معذب القلب
موسخ الثوب والصحيفة من           مطول اكتسابي ذنبا بلاكسب
اعمل في اللحم للعشاء ولا              منه  العشاء ..  فما   ذنبي
خلا فؤادي  ولي فم وسخ               كانني  في  جزارتي  كلبي
    ولما اشتد  ساعده  بقول الشعر  قصد شعرالمدائح، فانتجع القصور، وأنشد ساكنيها، الا انه لم يغفل –في  مدحه لهم - وصف حاله وما يعانيه من الحرمان، ثم اتصل  بالملوك والامراء لمدحهم  فمدح الملك الناصر بعدة قصائد  وفي آخر قصيدة مدح بها الملك الناصر في يوم النحر
 قال فيها :

كيف يبقى الجزار في يوم عيد الن  
                                    حر دهر الإفلاس والعيد عيده
يتمنى لحم الأضاحي وعند النا
                                       س  منه  طريه    وقديده
ولقد آن من لقائك أَن تبـ
                                    يض  أيامه  ويخضر  عوده
        
     أتصل  بالملك الكامل وبعده بالملك العادل ومدحهما كما مدح غيرهما من الحكام والأعيان. وأكثر من التنقل بين أقاليم القطرالمصري من الإسكندرية إلى أقصى الصعيد، يقصد الامراء والقادة والمترفين ليمدحهم، ويصف النيل وأسفاره فيه وما يلاقي  من العناء والتعب فيقدم ذلك في مطالع قصائده ،و قال من قصيدة في مدح ناظر الإسكندرية يصف رحلته في النيل:

 لا تسلني عما لقيت من البيـ    ن فحال الغريب حال ذميم

كنت في ككة تطير بقلع      وهي طوراً على المنايا تحوم

أنظر الموج حولها فإخال الـ      جيم تاءً لخيفتي وهي جيم

لم أجد لي فيها صديقاً حميماً     غير أني بالماء فيها حميم

شنقوا قلعها مراراً على الريـ          ح ولا شكَّ أنه مظلوم

وإذا ما دنت إلى البر أمسى          عندنار  منهُ مقعدٌ ومقيم

يسجدُ الجرف كلما ركع المو        ج فدأبي هنالك التسليم

وقبيحٌ علىَّ  أن أشتكي  براً        وبحراً  وأنت  برٌّ  رحيم

      ونظرا لكثرة الهدايا والهبات التي انثالت عليه من الملوك والامراء فقد  تغيرت حاله وتحسنت اموره فاخذ بالاسراف والبذخ حتى لم يبق من ثروته شيئ وأصبح فى ضيق من الحال والمال، فكانت سوق الشعر لمثله غير مربحة ولا تسد تكالف معيشته ، مما جعله تحت عادة كرمه المفتوحة على مصراعيها ينشد معبرا:
              
لا تسلنى عن الزمان فانى
                                 قد بدت لىّ اضغانه وحقوده     
زمن لان عطفه عند غيرى
                                   وهو عندى صعب المراس شديده
كيف يبقى الجزار فى يوم عيد
                                    النحر رهن الافلاس والعيد عيده
يتمنى  لحم   الأضاحى  وعند    
                                           الناس  منه  طريه  وقديده...!!
ويقول فيه صاحب كتاب (المنهل الصافي)  :
 ( بديع النظم، عذب التراكيب، غواصاً على المعاني، فصيح الألفاظ، حلو النادرة، وكان صاحب مجون ولطافة)
وإذا أردنا أن ننتقل إلى الميدان الذي كان يركض فيه مجلياً فإننا نضم تلك الأبيات إلى شعر كثير آخر قاله في التعبير عن مشاعره وتصوير ما يحيط به، ولست أدري أكان من حسن الحظ أم من
الا انه  اتلف كل ماحصل عليه و ما كان يظفر به من صلات الملوك الأيوبيين التي لم يبق تبذيره على شيء منها  لما عانى من كساد مدحه وجفاف أيدي الممدوحين وما عاناه  جعل يندب حظه الذي ضاع بين الشعر والجزارة فقال:
واللحم يقبح أن أعو -  د لبيعه والشعر بائر
يا ليتني لا كنت جزَّا -  راً ولا أصبحت شاعر
       ثم تغيرت  به الحال حتى وجد ان مهنة الأدب وقول الشعر لم تسعف سداد  نفقاته الكثيرة   فبدأ يفكر في العودة الى الجزارة من جديد، عساه أن يجد فيها بحبوحة من العيش، و لعله يسد فيها معيشته وقد ذكر ذلك  في شعره اذ يخاطب احد لائميه اسمه  شرف الدين على العودة الى الجزارة . فقال :
لا تلمنى  ياسيد  شرف
                                               الدين اذا ما رأيتنى   قصابا
كيف لا أشكر الجزارة ما عشت  حفاظا  وأرفض الاّدابا
وبها أضحت الكلاب ترجينى    وبالشعر كنت أرجو الكلابا

لم يكن في عصره من يقاربه في جودة النظم غير السراج الوراق، و كان فارس تلك الحلبة ومنه أخذوا وعلى نمطه نسجوا ومن مادته استمدوا. وبينه وبين شعراء عصره مجاراة ومباراة يقول :

قطعتُ شبيبتي وأضعتُ عمري
                                      وقد أتعبتُ  في الهذَيان  فكـري

وما لي  أجـرةٌ  فيـه  ولا لـي
                                      لـيإذا ما تبتُ يوماً بعـض أجـرِ

قرأت النحـوَ تبيانـاً وفهمـاً
                                    إلى أن كعْتُ منه وضاق صدري

فما استنبطتُ منه سوى محـالٍ
                                      يُحال به على (زيد وعمـرو )

قال صاحب نسمة السحر :

 (وكان من اهل مصر وله الشعر الجيد والنكت الدالة على خفة روحه ، وله مع سراج الدين عمر الوراق لطايف شعرية وكانا كنفس واحدة وشعرهما متشابه الا انه محكم.)

وقال فيه صاحب كتاب (المنهل الصافي)  :
 ( بديع النظم، عذب التراكيب، غواصاً على المعاني، فصيح الألفاظ، حلو النادرة، وكان صاحب مجون ولطافة)

   توفي ابن الجزار في الثامن عشر من شوال سنة679هجرية - مُصابًا بالفالج، وله من العمر ٧٦ سنة أو نحو ذلك  ودفن بالقرافة في بمصر.

    ابن الجزار شاعر مجيد بالفطرة  غلبت عى شعره  صيغ الشكوى وعدم الرضى فى زمن لاتنفع فيه حرفة الجزارة ولامهنة الأدب حيث بقي يعيش الحيرة بين هذه وتلك  يقول :

أصبحت فى امرى ولا
                                         أشكو لغير الله حائر
ولكم يذكرنى الشتاء
                                            بأمره ولكم أكاسر
واللحم يقبح اأن أعود
                                           لبيعه والشعر بائر
ياليتنى لاكنت جزارا
                                         ولاأصبحت شاعر...!!

      يتميز شعره بانه  بديع المعاني جيد التورية عذب التركيب فصيح الألفاظ  حلو النادرة، وكان  صاحب مجون وزوايد، يمدح الملوك والامراء والتجار، وكان يتزيّا بزي الكتّاب، عاش مرتزقا بالشعر ولم يكن في عصره من يقاربه في جودة النظم غير السراج الوراق، فكان فارس تلك الحلبة  في ذلك الزمن ومنه أخذوا وعلى نمطه نسجوا ومن مادته استمدوا. وكان  بينه وبين شعراء عصره مجاراة ومباراة.

      انشد الشعر بكل فنونه واغراضه وان غلب على شعره الشكوى وقد برع في استعراض شعر الشعراء القدامى وتصفيحه على صفحته ولم تكن هذه الحالة تعرف من قبل . فهو ما يسميه (شعر التحامق ) ومنه هذه الابيات على نسق معلقة امرئ القيس يقول :

قفا نبك من ذكرى قميص وسروال
                                                ودراعة لىّ عفا رسمها البالى

وماأنا من يبكى اسماء ان تأت
                                                ولكننى ابكى على فقد اسمالى

ولو ان امرأ القيس رأى الذى
                                                 أكابده من فرط همى وبلبالى

لما مال نحو الخدر خدر عنيزة
                                               ولابات الا وهو عن حبها سالى

ولى من هوى سكنى القياسر عن هوى
                                                بتوضح فالمقراة أعظم اشغالى

ولاسيما والبرد وافى بريده
                                       وحالى على مااعتدت من عسره حالى

ترى هل يرانى الناس فى فرجية
                                              اجر بها تيها على الأرض أذيالى

ويمسى عدوى غير خال من الأسى
                                                 اذا بات من  امثالها  بيته خالى

 وقد قال الشعر في الغزل :

 بذاك الفتور وهذا الهيف
                                              يهون على عاشقيك التلف
أطرت القلوب بهذا الجمال
                                           واوقعتها في الأسى والأسف
تكلّف بدر الدجى إذ حكى
                                               محياك لو لم يشنه الكلف
وقام بعذري فيك العذار
                                               واجرى دموعيَ لمّا وقف
وكم عاذل أنكر الوجد فيك
                                                عليّ فلما رءاك اعترف
وقالوا : به صلف زائدٌ
                                             فقلت : رضيت بذاك الصلَف
لئن ضاع عمري في مَن سواك
                                                 غراماً  فإن عليك  الخلف
فهاك  يدي   إنني   تائب
                                             فقل لي : عفى الله عما سلف

وكانت بينه وبين (السراج الوراق )  مداعبة فحصل للسراج رمد فاهدى الجزار له تفاحاً وكمثرى وكتب مع هديته هذه الابيات :

أكافيك عن بعض الذي قد فعلته
                                                 لأنّ   لمولانا عليّ حقوقا
بعثت خدوداً مع نهود وأعينا
                                     ولا غرو ان يجزي الصديق صديقا

وان حال منك البعض عما عهدته
                                            فما حال يوم عن ولاك وثوقا

بنفسج تلك العين صار شقائقاً
                                              ولؤلؤ ذاك الدمع عاد عقيقا

وكم عاشق يشكو انقطاعك عندما
                                            قطعت على اللذات منه طريقا

فلا عدمتك العاشقون فطالما
                                              اقمت لأوقات المسرّة سوقا


     كما تميز شعره بالتهكم والسخرية  المضحكة فعندما تزوج ابوه
من امرأة مسنة قال :

تزوج الشيخ أبى شيخه
                                                    ليس لها عقل ولاذهن
لو برزت صورتها فى الدجى
                                                   ماجسرت تبصرها الجن
كأنها  فى  فرشها  رمة
                                                  وشعرها من حولها قطن
وقائل   قال  ما   سنها
                                                    فقلت  ما فى فمها سن

ووصف داره التي  يسكنها فقال:

ودار خراب بها نزلت
                                                  ولكنى نزلت الى السابعة
طريق من الطرق مسلوكة
                                                   محجتها  للورى شاسعة
فلافرق مابين انى اكون
                                                  بها أو أكون على القارعة
تساررها هفوات النسيم
                                                     فتصغى بلا أذن سامعة
وأخشى بها أن أقيم الصلاة
                                                   فتسجد حيطانها الراكعة
اذا ما قرأت اذا زلزلت
                                                 خشيت بأن تقرأ الواقعة..!!

وقال  وهو  يصف حالة حماره:

لم أدر عيبا  فبه الا أنه
                                           مع ذا الذكاء بقال عنه حمار

ويلين فى وقت المضيق ويلتوى
                                               فكأنما  بيديك   منه سوار

ولقد تحامته الكلاب وأحجمت
                                               عنه  وفيه   كل  ما تختار

فرعت لصاحبه عهودا  قد مضت
                                                  لما علمن  أنه جزار....

واختم بحثي بهذه القصيدة من شعره :

حكم العيون على القلوب يجوز
                                                    ودواؤها من دائهن عزيز

كم نظرة نالت بطرف فاتر
                                                   ما لم ينَله الذابل المحزوز

فحذار من تلك اللواحظ غرّة
                                                فالسحر بين جفونها مركوز

يا ليت شعري والأماني ضلّة
                                                   والدهر يدرك طرفه ويجوز

هل لي روض تصرّم عمره
                                                   سبب فيرجع ما مضى فأفوز

وأزور من ألِفَ البعاد وحبّه
                                                    بين الجوانح والحشا مرزوز

ظبيٌ تناسب في الملاحة شخصه
                                                فالوصف حين يطول فيه وجيز

والبدر والشمس المنيرة دونه
                                                 في الوصف حين يحرّر لتمييز

تجفو غلالته  عليه   لطافة
                                                     فبحسنها من جسمه تطريز

مَن لي بدهرٍ كان لي بوصاله
                                                   سمحاً ووعدي عنده منجوز

والعيش مخضّر الجناب أنيقه
                                                    ولأوجه اللذات فيه بروز

والروض في حلل النبات كأنه
                                                  فرشت عليه دبابج وخزوز

والماء يبدو في الخليج كأنه
                                                     ظل لسرعة سيره محفوز

والزهر يوهم ناظريه إنما
                                                 ظهرت به فوق الرياض كنوز

فأقاحه ورق ومنثور الندى
                                                     درّ  ونور  بهاره   ابريز

والغصن فيه تغازل وتمايل
                                                     وتشاغل وتراسل ورموز

وكأنما القمري ينشد مصرعاً
                                                    من كل بيت والحمام يجيز

وكأنما الدولاب زمر كلّما
                                                 غنّت وأصواب الدوالب شيز

وكأنما الماء المصفّق ضاحك
                                                     مستبشر ممّا أتى  فيروز

يهنيك يا صهر النبي محمّد
                                                    يوم   به   للطيبين   هزيز

أنت المقدّم في الخلافة مالها
                                            عن نحو ما بك في الورى تبريز

إن يهمزوا في قول أحمد أنت مو
                                               لى للورى؟ فالهامز  المهموز

أنت القسيم غداً فلهذا يلتظي
                                                 فيها وهذا في الجنان يفوز


             ******************************






الشاب الظريف



       هو شمس الدين محمد بن عفيف الدين  سليمان بن علي بن عبد الله  بن ياسين الكومي العابدي  التلمساني، ويكنى ( ابن العفيف) نسبة إلى أبيه الذي عرف ب(العفيف التلمساني)  الذي  كان شاعراً  . ولقب ( الشاب الظريف ) لرقة شعره  وطرافته  فغلب عليه هذا اللقب وعرف به .

      كان والده متصوفا ( سعيد السعداء) وكان يلقب بالعفيف التلسماني ، كان شاعرا معروفا وهو أحد الأعلام المشهورين وكان فاضلا ، تزوج في مصر ورزق فيها ابنه شمس الدين محمد (الشاب الظريف ) فقضي بمصر طفولته وصباه وقد أشار إلى ذلك في شعره قال :
 
يا راقد الطرف ما لطرف إعفاء
                                           حدث بذاك فما في الحب إخفاء
 
أن الليالي والأيام من غزلي
                                           في الحسن والحب أبناء وأنباء
 
يا ساكني مصر شمل الشوق مجتمع
                                          بعد الفراق وشمل السكر أجزاء

       ولد الشاعر  في القاهرة في عشرة جمادي الأخرة سنة\ 661 هجرية  - 1263 ميلادية  ونشأ  في دمشق  حيث انتقل والده اليها بعد تولي امر الخزانة فيها حيث كان والده من اهل العلم والفكر وله مؤلفات ومصنفات وقصائد شعرية فتتلمذ الولد على يدي ابيه اولا وعلى طائفة من علماء دمشق انذاك منهم  ابن الاثير الحلبي فدرس العلم واللغة والفقه والمنطق وقد ظهراثر ذلك في شعره وقصيده .
       لم يكن والد الشاعر راضيا عن سلوكية ولده  وحياته الماجنة ، فكتب إليه يعظه  ويوصيه في قصيدة أبوية منها :
 
الى كم تماد في غرور وغفلة
                                          ولم هكذا نوم الي غير يقظة 
لقد ضاع عمر ساعة منه تشتري
                                      بملء السما والأرض أية ضيعة 
      ويبدو أنه أشتهر بين اصدقائه ومحبيه ومعاصريه باسم ( الشاب الظريف ) و أن سبب هذه التسمية-كما يظهر- يرجع إلى ما عرف عنه من عبث ولعب وعشرة وانخلاع ومجون في بداية حياته وصباه  حتى قيل له الأديب الظريف والأديب البارع .
      تفتَّحت شاعريته في سنٍ مبكرة فقال الشعر صغيراً  و ما إن أصبحَ شاباً حتى اكتَمَلَت شاعريته وذاع صيته  .
      بلغ الشاعر قمة مجده الأدبي  وهو في شرخ شبابه ،و لقي شعره  قبولا لدي الناس لسهولته وعذوبته ، واستطاع على الرغم من صغر سنه أن يصبح شاعرا معروفا مرموقا بين اشهر الشعراء والمعاصرين له وهذا المجد جعل له حسادا ومناوئين فاخذ هؤلاء الحسد في التمادي في غيهم ويزورون عليه القول ويبالغون في ايذائه ، حتى بلغ  منه اليأس مبلغه فانشد: 

كيف خلاصي من الذي أجد
                                        قد أعوز الصبر عنه والجلد
 
ماقلت يوما : قد انقظي عدد
                                          من  الأعادي  الأ أتي عدد
 
قد عرفوا من أنا ؟ وعاقهم
                                        عن اعتراف بفضلي الحسد
   
مما اضطره حاله  ان يندب شبابه التعس وحالته  السيئة يقول :
 
أمل سعيت أجد في إتمامه
                                          فعلام حل الدهر عقد نظامه        
 
والي متي يسعي الزمان لنقض ما
                                         أسعى بكل الجهد إلى إبرامه
 
وإذا الفتي قعدت قوائم حظه
                                              قام الردى من خلفة وأمامه 

      وفي اخر ايامه اعتزل الناس ولزم  بيته  فلم ير احدا من الناس و دب اليأس والالم والحرمان  في نفسه فكانت حياته القصيرة حالة معينة تكاد تكون فريدة للعبقرية المفجوعة   وأسطورة لشاعر رائع لم يهنأ ولم يتمتع  بشبابه .ويصف حاله فيقول:

ليت الليالي التي أولت بشاشتها 
                                            أن لم تدم هبة اللذات  لم تهب
 
ما بالها غلبت حزني علي فرحي
                                       وألقت  الجد  بين النجح  والطلب 

       عاجلته المنية على عجل، فوافاه اجله  في ريعان شبابه وهو في السابعة والعشرين من العمر فقد توفي  الشاب الظريف  سنة\ 688 هجرية  - 1289ميلادية بعد أن عرف أمره  وانتشر خبره فملأ الدنيا وشغل الناس في عصره. ويذكرني الشاعر الشاب الظريف بالشاعر الجاهلي  طرفة بن العبد الذي قتل وعمره ست وعشرين سنة ويذكرني ايضا بابن زويق البغدادي الشاعر الشاب الذي هاجر من بغداد الى الاندلس لعله يجد مكسبا فيسعد حبيبته  فمات في ريعان شبابه في ارض الغربة وليجدوا قصيدته تحت راسه .

قال  عنه  الصفدي :
  (شاعر مجيد ابن شاعر مجيد، وكان فيه لعب وعشرة وانخلاع)
      يتميز شعره برقةِ الألفاظ  وسهولتها حد الابتذال أحياناً . وجعلَتْه هذه الرقَّةُ في  شعره موضع إعجابِ أهلِ عصره وافتتان خُلَطائه من الفتيان و الشبان فيه  حتى كانوا يرونه افضل  شاعر و بالغوا في تقديرهم له حتى جعلوا منزلته  فوق امرئ القيس في شعرالغزل  لفهمهم لقصيده وقربه من نفوسهم وعاطفهم . فقد كان خفيف الظل حلو المعشر مما جعلهم  يُلقبونه (الشاب الظريف).

   و في ديوانه من مقطعات شعرية تؤكد حبه للنبي محمد صلى الله عليه وسلم  وصحة اتباعه تعالميه بكل جدية قال الشاب الظريف يمدح  الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم :

أرض الأحبة من سفح ومن كثب
                                           سفاك منهمر الأنواء من كثب

حياك يا تربة الهادي الشفيع حيا
                                        بمنطق الرعد باد من فم السحب

يا خير ساع يباع لا يرد ويا
                                           أجل داع مطاع طاهر الحسب
جعلت حبك لي ذخرا ومعتمدا  
                                        فكان لي ناظر من ناظر النوب
ما كان يرضى لك الرحمن منزلة
                                     يا أشرف الخلق إلا أشرف الرتب

لي من ذنوبي ذنب وافر فعسى
                                       شفاعة منك تنجيني من اللهب 
ويقول ايضا :
قالوا غـدا نأتي  ديار  محمد   
                                      فقلت لهـم  هـذا  الذي عنه أفحص
أنيخـوا فما بال الركوب وإنها 
                              على الرأس تمشي أو على العين تشخص
نبي له آيات صـدق تبينت     
                                         فكـل  حـسـود عنـدها  يتنـغـص
نـبـي بأملاك السماء مـؤيد    
                                        وبالمعجـزات البينات مخـصـص
ومالـي مـن وجـه ولا من وسيلة     
                                      سوى أن قلبي في المحبة مخلص
إذا صح منك القرب يا خير مرسل    
                                        عـن أي شـيء بعـد ذلك أحـرص

        اشتُهرالشاب الظريف  بالغَزل .  فشعره الغزلي كثير  جدا  يكاد يطغي على بعض اغراضه الاخرى ومن أجمل ما قال في الغزل :

لي مِنْ هواكَ بعيدُهُ و قريبُهُ
                                             و لكَ الجمالُ بديعُهُ و غريبُهُ
يا مَن أُعيذُ جمالَهُ بجلالِهِ
                                            حَذَراً عليهِ من العيونِ تُصيبُهُ
إن لم تكُنْ عينِيْ فإنّكَ نورُها
                                              أوْ لم تكُن  قلبي فأنتَ حبيبُهُ
هل حُرمةٌ أو رحمةٌ لمُتيَّمٍ
                                              قد قلَّ  فيكَ نَصيرُهُ و نَصيبُهُ
ألِفَ القصائدَ في هواكَ تغَزُّلاً
                                              حتى كأنَّ بِكَ النَّسيبَ نسيبُهُ
هَبْ لي فؤاداً بالغرامِ تَشُبُّهُ
                                           و استَبْقِ فَوداً بالصُّدودِ تُشِيْبُهُ       
لَم يَبْقَ لي سرٌّ أقولُ تُذيعُهُ
                                            عني , ولا قلبٌ  أقولُ   تُذيبُهُ
كم ليلةٍ قضَّيْتُها مُتَسَهِّداً
                                           و الدمعُ يجرحُ مقلَتِي مَسكوبُهُ
و النجمُ أقربُ مِنْ لُقاكَ منالُهُ
                                               عندي , و أبعدُ من رِضاكَ مَغِيبُهُ
و الجَوُّ قد رَقَّتْ عليَّ عيونُهُ
                                                و جُفونُهُ , و شَمالُهُ , و جنوبُهُ
هيَ مُقلةٌ سهمُ الفراقِ يُصيبها
                                                   و يَسِحُّ وابِلُ دمعِها فَيَصوبُهُ
ويقول ايضا في الغزل :

أتراك بالهجران حين فتكت في
                                           قلبي علمت بما يجن فتكتفي

عاهدتني ألا تخون ولمت في
                                         طلبي وفاءك بالعهود ولم تف

أنا صابر بل شاكر في الحب إن
                                       أخلفت عهد الوصل أو لم تخلف

إني لأنأى معرضا عن عاذلي
                                           إن عاد لي أوعن فيك معنفى

قد جار جار الحب في قلبي ولم
                                         أر في الصبابة من صفا منصف

ومن تلاعبه اللغوي في شعره مازجا بين الغزل والنحو يقول:
 
     يا ساكنا قلبي المعنى
                                          وليس فيه  سواك  ثاني
    لأي معنى كسرت قلبي
                                         وما  التقى  فيه  ساكنان

ومن المواضيع التي تناولها بإيجاز وصفه لآكل الحشيشة  فيقول: 

ما للحشيشة فضل عند أكلها
                                      لكنه غير مصروف إلى رشده

صفراء في وجه خضراء في فمه
                                   حمراء في عينه سوداء في كبده
ومن أبياته الجميلة في الحكمة و الموعظة قوله:

خذ من حديثي ما يغنيك عن نظري
                                                فإنه سمر ناهيك عن سمر

كم من أب قد غدا أما لمعشره
                                            فاعجب لإعطاء لفظ الأم للذكر

وناطح بقرون لا قرون له
                                           وكبش قوم بنقل العليم مشتهر           

وكم نظرت لوجه ليس في بدن
                                       وكم سمعت بصخر ليس من حجر

ولابس وهو عار لا رداء له
                                        كسوته أطلساً من أخشن الشعر
: واختم بحثي عن الشاعر الشاب الظريف بهذه الابيات من شعره

لا تخفِ ما فعلت بك الأشواقُ
                                                واشرح هواك فكلنا عشاقُ

فعسى يعينك من شكوت له الهوى
                                               في  حمله  فالعاشقون رفاقُ

لا تجزعنّ فلست أول مغرمٍ
                                               فتَكتْ به الوجنات والأحداقُ

واصبر على هجر الحبيب فربما
                                              حان الوصال وللهوى أخلاقُ

كم ليلة أسهرتُ أحداقي بها
                                               ملقى  وللأحداق  بي أحداقُ

يارب قد بعد الذين أحبهم
                                                عني وقد ألف الرفاق فراقُ

عرب رأيت أصح ميثاق لهم
                                                    أفلا يصح  لديهم ميثاقُ ؟

وعلى النياق وفي الأكلة معرض
                                                      فيه  نفارٌ   دائم  ونفاقُ

ما ناء إلا حاربت أردافه
                                              خصرا عليه من العيون نطاقُ

ترنو العيون إليه في إطراقه
                                                 فإذا  رنتْ  فلكلها  إطراق   



****************************