الأحد، 21 أغسطس 2016

الشعر العباسي ين الكلاسيكية والتجديــد تاليف دكتور فالح نصيف الحجية الكيلاني




الشـعـر العـباسي
بين الكلاسيكية والتجديد


تاليف

اميرالبيــــان العربي
            د. فالح نصيف الحجية الكيلاني
عضو الاتحاد العام للادباء العرب






















تـقــديـــم


بســـــم الله الرحمن الرحيم


             الشعر العربي  تعبير مقصود  به أي شعر نظم او نظم يتم باللغة العربية ، وفي أي  عصر من العصور التي قيل فيه هذا  الشعر ، جاهلي أو إسلامي أو أموي أو عباسي او....

        وكان الشعر العربي  في  الجاهلية، ديوان العرب، وفيه علمهم الذي لم يكن  لهم علم غيره اوأصح  منه اذ  كان يصور حالاتهم العامة  والخاصة  بما في ذلك ايامهم  والمنازعات والمعارك التي كانت من اهم اسباب وجود شعر الحماسة والفخر في الشعر الجاهلي  .

         ان اهم ما يميز الشعر العربي التزام الشعراء  بالوزن والقافية، في مجمل أنماطه، فكان الشعر ولا يزال لسان الامة العربية ووسيلتها  للتعبيرعما يقع  في المجتمع  العربي . وكانت  القبائل العربية  تبتهج    وتقيم الأفراح في حالة  ولادة اوظهور احد أبنائها كشاعر مبدع، فالشعر عند العرب قديما  يرفع من شأن  قبيلة ويحطه من  أخرى كذلك .
.
       و كان الشعر في صدر الإسلام وسيلة من وسائل الدفاع عن رسالة الإسلام ازاء كفار  ومشركي  قريش وما حولها من القبائل التي لم تؤمن  بالاسلام في  حينه . واستمر  الشعر، في العصر  الأموي، وفي العصر العباسي كوسيلة  من  الوسائل  السياسية والفكرية الاجتماعية  ويمثل كل  النزعات التي سادت  المجتمع  العربي  والاسلامي  بقصد تبليغ آرائها، والدفاع  عن  مبادئها، في مواجهة خصومها  او بيان  خلافاتها  مع  الاخرين او مجريات حياتها  اليومية  .

    لذا  ساقدم دراستي هذه  المتواضعة  بقسمين :

الاول :دراسة في الشعرالعباسي  وتاثيرالسياسة والحالة الاجتماعية           والدينية  وشمولية  التطوير  للاسلوبية  الشعرية  والمعاني              والبحورالشعرية  وفنون الشعر واغراضه المختلفة .

 الثاني  :  دراسة  شاعرين هما  بشار بن برد كمجدد  في الشعر                   ا لعربي في العصر الاول وابو العلاء المعري في العصر                 ا لعباسي الثاني  .

  عسى  ان  اوفق  بدراستي هذه  لهذا الموضوع المهم   واقدم ما ينفع

                                 والله من وراء القصد.




                                                    اميرالبيــــــان العربي
                                         د. فالح نصيف الحجية  الكيلاني
                                           العراق -  ديالى –  بلدروز
                                             23- 7 - 2016
                                            












المؤلف  في  سطور

   سيرة ذاتية

الاسم واللقب \ فالح نصيف الحجية الكيلاني
اسم الشهرة \   فالح الحجية
تاريخ الولادة \  بلدروز \  1\7\ 1944
البلد \ العراق - ديالى – بلدروز
 المهنة\  متقاعد
الحالة الثقافية \  شاعر وباحث                                                                                                                                           
فالح الحجية شاعر وباحث  واديب عراقي معروف
 من مواليد \- العراق – ديالى- بلدروز 1944  .
من الاسرة الكيلانية  التي لها تاريخ عريق و ترجع بنسبها الى الشيخ عبد القادر الكيلاني الحسني والتي انجبت العديد من الاعلام على مر العصور:    

   *   كان يشغل  مديرا  في وزارة التربية العراقية حتى إحالته الى التقاعد  2001م
*أهم مؤلفاته  "الموجز في الشعر العربي"،  ويعتبر من مراجع امهات  الكتب العربية في الأدب  والشعر عبر العصور والأزمنة، ومن اهم الموسوعات التاريخية الموضوعية في الشعر العربي في العصر الحديث، والمعاصر بكل مفرداته وأحداثه وتطوراته وفنونه وتغييراتها بما فيها عمود الشعر والشعرالحر وقصيدة النثر والشعراء وطبقاتهم وأحوالهم.
* منح شهادة الدكتوراه في  الاداب من جامعة نابلس المرقمة \112 في عام \  2013
* منح  شهادة  الدكتوراه  الفخرية  من المجلس  الاعلى  للاعلام  الفلسطيني  المرقمة \20 في  عام 2015
     * منح لقب ( امير البيان العربي )   في  شباط 2014
  فالح نصيف الحجية هو:
     -    عضو الاتحاد  العام للادباء والكتاب في العراق منذ 1985
-         عضو الاتحاد العام للادباء  والكتاب العرب منذ 1994
-         عضو مؤسس في اتحاد ادباء  ديالى  في  1984
-          عضو  مركز الادب العربي - العراق
-          عضو الاتحاد الدولي لعلوم  الحضارة الاسلامية – ممثل دولة العراق
-         عضو  الاتحاد العالمي للشعراء والمبدعين العرب \ وكيل دولة العراق
-         عضو  المنتدى العالمي لمكارم الاخلاق والتنمية الانسانية ( الهيئة المؤسسة )
-         عضو اتحاد الاشراف الدولي
-          عضو الامانة العامة لشعبة المبدعين العرب ( جامعة  الدول العربية)
-          المدير الاقليمي لشعبة المبدعين العرب - فرع العراق –
-         المستشار ا الادبي في  شعبة المبدعين العرب – فرع العراق .
-          المستشار الادبي في البيت الثقافي العربي
-         عضو شعبة المبدعين العرب  العرب( جامعة الدول العربية ) \ امانة شعرالتفعيلة – لجنة  التقييم والتصحيح .
-          عضو نقابة الشعراء  والمبدعين العرب
-         عضو  اتحاد الكتاب والمثقفين العرب
-         عضو اتحاد كتاب الانترنيت العرب
-         عضو اتحاد  كتاب الانترنيت العراقيين
-          عضو اتحاد الشعراء والادباء العرب
-         عضو اتحاد  الادباء والكتاب  التونسيين
-         نائب رئيس  رابطة  المرفأ الاخير  الثقافية
-         عضو رابطة  الادباء والكتاب العرب
-         عضو رابطة  شعراء العرب
-         عضو رابطة  المبدعين اليمنيين
-         عضو  التجمع العالمي  للشعراء العرب
-         عضو رابطة شعراء البادية  ورئيس لجنة التقييم فيها
-         عضو مؤسسة اقلام ثقافية للاعلام في العراق
-         عضة منظمة  الكلمة الثقافية الانسانية
-          عضو شبكة  صدانا الاماراتية
-         عضو الملتقى الثقافي العربي
-    عضو منظمة الكون الشعري في المغرب
-    عضو البيت الثقافي  العراقي التونسي . 
-     نائب  رئيس  تحرير مجلة  الصريح الفلسطينية
-    رئيس تحرير قسم  المحاضرات في مجلة ورد المنى  المصرية 
-    عضو هيئة تحرير مجلة المرفأ الاخير
-    عضو هيئة تحرير مجلة  البيت الثقافي العراقي التونسي



     *  اما  المقالات الكثيرة  التي كتبها الشاعر في الصحف والمجلات العراقية والعربية      والاجنبية  الناطقة بالعر بية  .
  *  الا ف المقالات التي نشرها في موقعه او المواقع والمنتديات الالكترونية على النت او    الفيسبك  وخاصة  المجلس العلمي السعودي(الالوكة) وشبكة صدانا – فضاء الاديب فالح الحجية  واتحاد الكتاب والمثقفين العرب –روائع الاديب فالح الحجية  ومركز النور  وغيرها كثير  .
* وكذلك مشاركاته في كثير من المهرجانات الادبية والثقافية في العراق و اتحاد المؤرخين العرب وكل الندوات والمهرجانات التي عقدت في ديالى سواء عربية أو عراقية اومحلية
 * له علاقات وصداقات مع العديد من الأدباء والشعراء العرب والعراقيين منهم الشاعر الفلسطيني  محمود درويش والشاعر السوداني محمد مفتاح الفيتوري والشاعرالسوري نزار قباني والشاعر العراقي سركون بولس والشاعر وليد الاعظمي والادباء والمورخين الاساتذة  منهم  عماد عبد السلام رؤوف   وسالم الالوسي  وحسين علي  محفوظ  وجلال الحنفي  وغيرهم كثير                                                                                           






                                      *********************************




















































   دراســات في الشــعرالعـــربي

في العصر العباسي




























































بسم الله الرحمن الرحيم


الشعر في العصر العباسي

                                 (بين الكلاسيكية والتجديد )




     القديم  كل ما تقادم عليه الزمن وبقي محافظا على حاله  او رث  اثر هذا التقادم  فهو قديم لقدم زمنه او ما سار على اثره  .

        والكلاسيكية  مذهب ادبي اوربي  يقصد به مجموع الاثار الادبية  وَالفَنِّيَّةِ  القديمة التي تتميز بروعتها وديمومتها  فهو صفة تُطلق على أيّ أدب ممتاز ، يتميّز على الأقل  ببعض المميّزات الآتية  الاتِّزان والوحدة الفنيّة والاعتدال  اوالبساطة وتناسُب الأجزاء مع بعضها  ولو لم يكن قديمًا .

      ومن هذا المنطلق  نقول انها تعني بالعربية  الادب العربي الرفيع وما توارثناه -  في مجال الشعر - من  الشعر الجاهلي  وصدر الاسلام والاموي  والعباسي وما يقوله الادباء الشعراء من خلال تمسكهم بهذا  الامر  ونعني به  التراث الادبي للامة العربية .

     اما التجديد فهو مصطلح فقهي إسلامي  استخدم اول الامر لتجديد الوضوء ثم  ولاية العهد ، والتجديد في الشعر يعني الابتكار والإبداع، وعلى ان ياتي الشاعر بشعر جديدلم يسبقه اليه احد من الشعراء  في الاسلوب اوالمعنى او الخيال ....

     الشعر من  اوائل  الامور التي  تتأثر بامور الحياة  اليومية وما يكتنفها  من  تفاعلات  واحداث  وما  يجري عليها  ما يغير مسارها ومنهجيتها  سلبا او ايجابا تبعا للاحداث و ذلك لان الشعراء هم اعلى  طبقة  في المجتمع  البشري  في  احاسيسهم  وانفعالاتهم  النفسية  والقلبية  والفكرية  فهي عالية سامية رقيقة , لديهم  تبثق مما يشعرون به من خلال تعاملهم مع الحياة ومع الاخرين والطبيعة ومع  كل ما يدور بخلدهم او يكتنفهم  ولما  كانت الحياة في هذا العصر قد تطورت كثيرا فلا غرو  ان الشعر  تطور بتطورها  ايضا . فقد  تطور تطورا واسعا  تبعا  لتطور الحياة  ومنافذها  واتجاهاتها . والشعر  يدخل  من  كل المنافذ  ويلج  كل النفوس والافئدة  ويخرج  باتجاهات  شتى  ويسمو في كل الاتجاهات  وكانه شذى  عطر عبق  في مهب نسيم عليل .  فقد اتسعت افاق واخيلة الشعراء  - والشعراء اخصب الناس افكارا واسناهم  خيالا -  أ لم يقل  الله  تعالى  فيهم في محكم كتابه  الكريم : –
(  وانهم  في  كل  واد  يهيمون  ) – الشعراء اية \ 227

    فازداد  الخصب  الشعري وتفتقت  الاخيلة  واتسعت الفنون الشعرية والاغراض المختلفة  فيه  في كل مدارج الحياة فظهرت اغراض  وفنون  جديدة  لم تكن  موجود ة في العصر الاموي وما قبله  فنشأت  هذه  تبعا  للتطور الفكري والحضاري  نتيجة التقدم البشري  والتزاوج الفكري فكانت هذه الشاعرية  متأتية  من  التداخل  والتزاو ج  بين الثقافات  العربية  وغير العربية  ومن اجناس و اقوام المجتمع  العباسي  حيث  اختلطت  فيه  العربية  بالفارسية  والرومية  والتركية  والهندية وغيرها  فكانت  الثقافة الاجنبية رافدا واسعا  للحضارة  العربية في  هذا العصر  وما  بعده .

         نعم  لقد  تطور الشعر بتطور الحياة  وبهذا  تطورت معانيه ثم تصرف الشعراء  بمعاني واساليب الشعراء  قبلهم  وحللوها  ووسعوا دائرتها   وازادوا عليها  او انقصوا  منها  تبعا  لكل ظروف  مجتمعهم    و حاجته  في  تماشي  حياتهم  الجديدة  واسلوبية  المجتمع  الانساني  فيها  فتطور التصوير الشعري وكثر الابداع  فيه  فوجد التشبيه وصوره  المختلفة  وكثرت  المحسنات  اللفظية والبديعية  ورقت المعاني  ودقت واستعملت الفاظ  جديدة  ارق واسهل  مما كانت  عليه  في  العصور المختلفة قبله وتم  استبدال الالفاظ  البدوية  والصحراوية  بغيرها  واشتقت  الكلمات الرقيقة والطارفة  واللغة العربية  بحكم قواعدها ومفرداتها لغة اشتقاقية  تعتمد اشتقاق الاسمى والاسنى من الفعل  لتاتي  بالاجمل والانسق .  كما  استعملت  بعض الكلمات  غير العربية  ايضا
( الاعجمية ) في الشعر تبعا  لهوى الشاعر اواصله  ان  كان عربيا  قحا  او من  الموالي  واحسنوا  استعمالاتها  وصياغتها  وربط الكلمات او الجمل  العربية  بها  واصبحت  تسمى – الفاظا  معربة .

      ومن  المعلوم ان  العصر العباسي  مر باوسع  نهضة  ثقافية في تاريخ الحضارة الإسلامية، بتأثير  التقدم الحضاري المستمر للمجتمع العربي  تأثره بالثقافات المختلفة المحيطة به كالفارسية، والهندية، واليونانية والرومانية  او بترجمتها الى اللغة العربية ، وانصهارها بالثقافة العربية من جهة وفي  بوتقة الإسلام من جهة ثانية  الذي  أصبح حضارة عربية  جديدة  شملت  كل هذه الثقافات في كل البلدان .

       وقد تأثر الشعرالعربي  بهذه  النهضة  فتطور الكثير من  جوانبه 
إلا أن بعضه  لم يشمله التطور في كل فنونه واساليبه وبقي تطوره عند بعض الشعراء  محدودا لا يتفق والنهضة الشاملة لاغلب مرافق الحياة التي أحاطت به، ولا يتلاءم هذا التأثير مع جل الروافد الثقافية التي رفد منها  شعراء العربية الا ان  تأثير شعراء العربية  من ذوي الجنسيات المختلفة  في حركة التجديد  كان اكثر من الشعراء الذين هم من  الاصول العربية  .

     فالشعر العباسي في حقيقة  تكوينه ونظمه كلاسكي . الا انه يحمل في طياته نزعة  التجديد عند اغلب شعرائه وفي هذه السطور ابحث عن هذه  النزعة التجديدية .عسى ان اوفق في بحثي .


***************



























الشعر والامور السياسة والاجتماعية 



      لو بحثنا عن اسباب  هذا النمو وتطوره واختلافه بين شاعر واخر لوجدنا أن الشعر في هذا العصر قد اتيُح له أن يحيا حياة مستقلة  ليتطور التطور الواسع الذي تساعده عليه الظروف المحيطة به , ولو ان بعض الشعراء  لم تُتَح لهم الحرية في  هذه الحياة التي يعيشونها وبقوا يدورون في فلك صاحب النفوذ ينشدون له ما يريد وحسب مشيئته ، فحُرموا الحرية التي يزدهر الشعر في ظلها، وجاء نتاجهم الأدبي صدى لما يريد هذا الحاكم او ذلك وما يصبو اليه  وبتعبير اخر ان هؤلاء الشعراء كان تطورهم الشعري والثقافي  محدودا فبقوا يدورون في فلك  الحياة البدوية القاسية وتعبيرها  الشديدة الوقع او القاسية هي ذاتها  حياة الجزيرة العربية قبل الاسلام لكنهم قليل .

         ان الشعر العربي في هذا العصر نتيجة  لتطوره الواسع  وافاقه المتسعة تأثر بكل التيارات والاحوال السياسية والاجتماعية والاقتصادية  و تعكسه كل ما تراءى لها من امور , هذا بالاضافة الى تطور الثقافة الشعرية . أي  بقي الشاعر تابعا  لدولة  الخلافة  وسياستها  وكان لهذا  أثره على الشاعر الذي جعلته الظروف تابعاً لغيره وجعلت  فنية شعره  استجابة  لما  يريده الاخرون  مع العلم  أن  هذا  الشعر يحتل المكانة  العالية  في مجالس الخلفاء، بينما غيره من الشعراء لم يتح له  الاقتراب  من هذه المجالس  والتمتع بما  تفيضه من خيرات وهبات ، إلا إذا دس الشاعر عينيه على  حماة اللغة وسدنتها الذين يحتلون الصدارة فيها. ولذلك كانت هذه المحافظة الشديدة لدى الشعراء حتى غير العربي منهم لأنه خشى أن يتقدمه الشعراء العرب الأقحاح، سواء أكان ذلك   تصدر هذه المجالس التي يجب أن  تظل العربية  فيها  قوية  مزدهرة ، أم في ذيوع شعرهم وجريانه على ألسنة الناس، ومن أجل ذلك كان حرصهم  على التعمق  في سبر اغوار اللغة ، وانتقالهم  إلى البادية  لمشافهة الأعراب  والمحافظة  على الصورة  المألوفة  والمرجوٌ  اصالتها للغة العربية ،و كما يريد لها علمائها  الذين  شعروا  بالمكانة العالية  التي يتمتعون  بها، فاخذوا يبالغون  ويتشددون  في المقاييس التي  يزنون بها  الشعر، ولهذا  بقي الشعر القديم  الجاهلي او الاموي المثل  الأعلى الذي  يتوجب على الشاعر في من  يحاكيه ويحذو حذوه، فأخذ ينظر إلى التراث القديم  نظرة  تقديس  يصعب  معها  أي حركة للتطور الشعري فتنغلق اغلب المنافذ الاتية  منها رياح التجديد فيه .
      
       كان  من اسباب  سقوط  الدولة الاموية وقيام  الدولة العباسية والذي له ابلغ الاثر في الناحية الثقافية  والادبية  ان الامويين اتبعوا سياسة التعصب  للعنصر العربي الذي اعتبروه هو النسغ  الصاعد او الناقل الحياة الى جسم الدولة المترامية الاطراف مما أ ّلّب عليها الفئات غير العربية التي اصبحت ضمن حدود الدولة  الاسلامية  المحكومة من قبلهم اضافة الى ذلك ان العرب انفسهم  من اعداء الامويين من العرب  مثل  العباسيين  ومنهم  العلويين خاصة قد وضعوا ايديهم بأيدي  هذه الفئات غير العربية  وتحالفوا معها على اضعاف الهيمنة العربية على مرافق الدولة والعمل على اضعافها ومن ثم اسقاطها  ومن اكبر هذه التحالفات – الفارسية  العربية -  حيث  اخذ الفرس يشعرون  بقيمة رد اعتبار سلطة  الدولة الفارسية فاتخذوا من الاسلام  ذريعة  لذلك واخذوا يعملون على ا ضعاف العنصر العربي  واتخذوا من العلويين والعباسيين  شمّاعات  يختلفون  اليها  في  تعليقهم  عملهم السياسي  وشموعا  لتنير لهم  طريقهم  في ذلك  . وبدأت  تظهر لديهم  حركات  سياسية سرية في بداية امرها و تحولت  بمرور الزمن الى قوة عسكرية  تحالفت  مع  من اراد الاستحواذ على هيبـة  الـدولة  الامـوية  واسقاطـها  لامـور يعرفـها الســا سـة المنصفون . وقد عرجنا على ذكرها  قليلا  لارتباطها  بالثقافة  الادبية التي شملت كل مناحي الحياة ومنها السياسة.

      كما ان للمنازعات  الحزبية  والتعصب  القبلي يد طولى في سقوط الحكم الاموي فتجمعت  كل  هذه الاسباب والاحوال  على  بغض العنصر العربي الاموي او ما سار عليه الامويون اثناء  حكمهم واخطاء بعض خلفائهم  اثناء  حكمهم  فتجمعت كلها بقيادة العباسيين  وبمعاونة  التيار الفارسي  وقاموا  بثورة  انطلقت شرارتها من بلاد  فارس  لتقضي على الامويين  وتسقط  حكمهم  ولتقوم بدلها  الدولة  العباسية الجديدة  الفتية  سنة \ 132 هجرية.

       قامت الدولة العباسية  في العراق اثر سقوط  الدولة الاموية في الشام  وكان  للفرس اثر عظيم  وكبير في  قيام الدولة الجديدة  وفي سياستها  وشؤونها  وقد ادى ذلك الى تدخل  الفرس  بسياسة الدولة وقيادتها  وقد ادى  ذلك الى  اقتباس الكثير من النظم والعادات والتقاليد الفارسية التي  حلت  محل العربية  واخذ الناس  في  تقليد  الفرس في اشياء  كثيرة  فأدى ذلك الى هيمنتهم على  بعض المناطق وخاصة  في بلاد فارس  والثغور الشرقية  للدولة  الاسلامية  فضعف النفوذ العربي فيها  وزاد تدخلهم في شؤون الحكم  والدولة التي اصبح الكثير من  رجالاتها وقادتها من الفرس حتى اصبح العربي الذي كان يأنف ان  يعمل  في  بعض الاعمال الحرة التي  كان الفرد العربي  يحتقرها ولا  يزاولها الا  مكرها , اصبح يزاولها  طلبا  للعيش  والبحث عن لقمة تسد رمقه.

       ضعف النفوذ  الفارسي  في  العراق  (  دولة  الخلافة  العباسية ) بعد ان استتب الوضع الحكومي  و نتيجة  قوة  الخلفاء  العباسيين  في الصدر الاول  للخلافة  العباسية  كالمنصور بقتله ( ابو مسلم الخراساني )  والرشيد  ومافعله بالبرامكة مايسمى  بنكبة ( البرامكة )  وضربهم  الحركات  المجوسية  التي  ظهرت  في  وقتهم  والقضاء  عليها – الا انها انتعشت من  بعدهم  بعد الرشيد وهؤلاء الخلفاء  كانوا انفسهم  من اسباب ضعف العنصر العربي في الدولة العباسية  بسب زواجهم  ازواجا فارسيات وتركيات او روميات  فكان  اولادهم  منهن  يميلون  كل  الميل  الى اخوالهم  وهذا ما  فعله الخليفة  المأمون  اذ كانت  امه فارسية حيث  قرّب الفرس  واعتمد عليهم في  الحرب . و القضاء على اخيه الامين
( ابن العربية ) وقتله  وتسيير   د فة  الحكم  وما  فعله المعتصم  من بعده  و امه  تركية  اذ  قرب الاتراك  وتسيير دفة  الدولة  فيهم  مما  طمّع  هؤلاء  وهؤلاء  في  السيطرة  على الحكم  بحيث  اصبح  الخلفاء  العباسيون  ضعافا من بعدهم  بتصرف السلاجقة  والبويهيين وجعلوا هؤلاء  الخلــفاء  كأدوات  شــطرنج  يتلاعبون  فيهم  وفي  مصائرهم  كيفما  يشاؤون  وظهر التطرف التركي اوالنفوذ التركي بدلا عن الفارسي  وظهرت سيطرة  الاتراك  على الوضع  السياسي  وربـما  الاجتـماعي  والثقافي  ايضا  وساءت حالة  المواطن العربي  في  وطنه وفي بلده  في هذا الدور حيث لم  يبق للدولة هيبة غير الخلافة  وبالاسم والرسم  فقط. وكذلك الحال في العصر البويهي .

         هذه وغيرها ادت الى تغيير في وجه الشعر العربي  حيث ارتفع
 صوت  الشعر السياسي  ضد الامويين  ونعي  حكمهم  المنهار  كما تمثلت العصبيات  القبلية  بين  العرب انفسهم  واستعر اوارها  بين  قيسية  ويمانية  وعدنانية  وقحطانية  كما  ظهرت حركة ( الشعوبية ) قوية  جدا. وادت هذه الاحوال الى ظهور خلافات واسعة  بين الهاشميين   انفسهم  وخاصة  بين العباسيين  والعلويين  وصلت الى حد المقاتلة  والعصيان والكراهية كما ظهرت  الخلافات العقائدية والدينية المذهبية  بين الطوائف والنحل المختلفة  أي  ان  الفرقة  وصلت  في  كل  شيء  نتيجة  التوسع  الطامي في الدولة  الاسلامية  وكان  لكل فرقة او مذهب  او عنصر او قوم او قومية  ادباء وشعراء  ورجال يقودونها ويحركونها سواء كانت حركات سياسية او دينية او عنصرية او قبلية  او ثقافية..

     ان الشعر العربي في هذا العصر نتيجة  لتطوره الواسع وافاقه المتسعة تأثر بكل التيارات والاحوال السياسية والاجتماعية والاقتصادية  و تعكسه كل ما تراءى لها من امور هذا بالاضافة الى تطور الثقافة الشعرية .
      ومن  جانب اخر عنى الخلفاء  العباسيون  في الثقافة  عناية  كبيرة وبذلوا المال  بسخاء  لتطويرها  واغدقوه على الشعراء والعلماء والادباء  والمفكرين  وذوي الالباب  والعلوم  والثقافة  بحيث  تطورت كثيرا  ومثالا على ذلك  اذكر  ان  الخليفة  المهدي  قد اعطى الشاعر  ابا  دلامة  اربعة  آلاف درهم عندما  استحسن  شعره  وعندما  علم  ان ابا دلامة  رزق ببنت  اعطاه اربعة الاف اخرى . وقد اعطاه  اربعة  آلاف ثالثة  ليعينه  في  تربية  ابنته .
اما الشاعر سلم الخاسر فيدخل عليه وينشده:
أفنى سؤال السائلين   بجوده
                                      ملك  مواهبه  تروح   وتغتدي

هذا    الخليفة  جوده    ونواله
                                        نفدَ  السؤالُ  وجودُهُ  لم ينفدِ
 فيعطيه اربعة آلاف درهم  ويدخل عليه مرة اخرى يمدحه
 فيقول فيه :
إن الخلافة  لم  تكن  بخلافة
                                          حتى استقرت في بني العباس
شُدَّتْ  مناكبُ ملكهم  بخليفةٍ
                                            كالدهر  بخلِطُ  لينه  بشماس
 فيعطيه اربعة آلاف درهم اخرى
ويمدحه ثالثة فيقول :
أليس أحق الناس أن يدرك الغنى
                                            مُرجى أمير المؤمنين وسائله
لقد  بسط  المهديُّ  عدلاً  ونائلاً
                                            كأنهما   عدلُ  النبي   ونائله
    اليس في هذا  الكثير .

         كانت  المنافسة  بين هؤلاء الخلفاء  واسعة وشجعوا الترجمة  من اللغات  الاجنبية الى العربية  فكانت  رافدا جديدا يصب في بحر اللغة العربية  فاتسعت الافاق  وتبارى الرجال  في السباق  في  ميادين  العلم  والثقافة  والادب  واللغة  والدين  فكان  لذلك  الاثر الكبير في قيام  ثقافة عربية واسعة  في هذا العصر ما زالت لحد الان  تعد  مفخرة  من مفاخر الامة  العربية وعصورها الذهبية .

           
      كان لسيطرة الاتراك على الدولة العباسية وادارتها زمن الخليفة المعتصم  بالله وما بعده اثر بالغ في  ضعف الدولة  وسيرها في طريق الانحلال والتقهقر  فقد  عمل الرشيد على تقوية دولته – كما  توقع - فتزوج  من  زوجة  فارسية  ليقرب الفرس منه  ويأمن  جانبهم  لانهم سيكونون اخوال اولاده  منها  وهم  كثير في دولته  اذ  يشكلون الجزء الشرقي منها  ويتخذهم انصارا له . وتزوج  من اخرى تركية الاصل  ليقرب الاتراك منه   وليشدوا  على عضده  في  صيانة  دولته  وكانوا  كذلك في زمنه  فانجب من زوجته العربية ابنة عمه ( زبيدة)  ابنه  (الا مين)  ومن  زوجته  الفارسية ابنه ( المأمون ) ومن  زوجته  التركيه ابنه ( المعتصم ) وكان هذا  فيما بعد سببا من اسباب  سقوط الخلافة العباسية  وبينما كان سبب هذا الزواج كان يقصد به توطيد العلاقة  بين العرب والفرس والترك  كنتيجة للمصاهرة  والقرابة  الا ان  ما اثمره  هذا التصاهر  كان وبالا على الحياة السياسية  الى حد الاقتتال  .

         بعد وفاة الرشيد اقتتل( الامين )و(المامون) الاخوة بينهم على سدة  الحكم  واستعان  كل  منهم  باخواله   والمقربين  منه  فاستعان الما مون  باخواله الفرس على اخيه  الامين  في  قتاله  والوصول  الى الخلافة  وقربهم اليه  واعتمد عليهم في كل امورالدولة  وانعكس ذلك حتى في الامور الدينية  والمذهبية  وتفرق الخلق واقتتل الناس بينهم  فكان ما كان و كتب التاريخ خير شاهد على ذلك وما فيها  من معارك واحداث  .
   
        وبعدها  أي بعد مقتل ( الامين) وانتصار (المأمون ) بمساعة اخواله الفرس  ووفاة (المامون). استخلف ( المعتصم)  وامه تركية  فقرب اليه الاتراك  واعتمد عليهم في اغلب  مفاصل الدولة  العربية الاسلامية  وعلى كل حال  فقد دخل الى  جسم الدولة او جسم الخلافة العربية من ليس منها  وعمل على تقويضها . كان  كل هذا  قد بدء  في العصر العباسي  الاول  واستمر  وزاد  في العصر العباسي الثاني.     
                          
          وكان في اثناء وجود الاتراك  في الحكم كان الفرس  يتحينون  الفرص لاعادة مجدهم الغابر  او السالف  فقاموا  بقيادة  ال بويه  بحملة قوية اعلنوا سيطرتهم على بلاد خراسان واكتسحوا الخلافة العباسية في بغداد التي كان الاتراك  مهيمنين على الحكم فيها وتنصب (معز الدولة )  الفارسي اميرا على بغداد في ظل الخلافة العباسية التي لم يبق منها الا  اسمها  ورسمها. اما الخلفاء العباسيون وبمرور الزمن تحولوا الى بيادق شطرنج يلعب بهم اللاعبون  من ال بويه  من الفرس  ومن  بعدهم من ال سلجوق  من الترك.

      نعم  لقد انحدر ت قوة وعظمة  الدولة  العباسية ا و  بدأت بالانحدار  نحو الاسوء  بعد الخلفاء  الاشداء  فيها  مثل  المنصور والرشيد ...  و سيطر البويهيون  على الحكم الاسلامي في بغداد  سنة \334 هجرية  بعد ضعف سيطرة الاتراك عليها وان اغلب هؤلاء الامراء كانوا ضعافا في ادارتهم للدولة فسارت الدولة نحو الانهيار والتقهقر والانحلال  ويعتبر  إقدام  القادة  الأتراك  على  قتل  الخليفة  المتوكل على الله في الخامس عشر من شهر شوال سنة \ 247 هـجرية  بداية العصر العباسي الثاني  وفيه  استبد  القادة  الاتراك  بالسلطة  وأصبح الخليفة العباسي  طوع  إرادتهم  وأسير هواهم  وقد عبر عن ذلك احد الشعراء  فقال:

       خليفـــة   فـــي   قفــص
                                    بيـن    وصيـف    وبغـا

         يقــول مـــا  قــالا   لـه
                                    كمــــا    تقول     الببغا

        وأدى ذلك الى ظهور استقلال او انفصال بعض الامارات  عن الخلافة  العباسية  في  بغداد  فبعد  ان  كانت  خلافة  اسلامية  واحدة .  اصبحت خلافة   في بغداد  وامارات مستقلة عنها  في الاقاليم  التابعة لها  كالامارة الاخشيدية في مصر التي قامت على اثر انقراضها  الدولة الفاطمية  التي  استقلت  عن الخلافة  العباسية  في بغداد  بل  نازعتها الخلافة  وامتدت  اجنحة  حكمها شرقا وغربا  وكذاك  ظهرت امارات عديدة  كالامارة الحمدانية في حلب ثم  توسعت فشملت الشام كلها تقريبا  الا انها بقيت معترفة بالسلطان العباسي عليها اسما فقط  .وكذلك  مثلها  
امارات  قد نشات  في الثغور الشرقية  للبلاد الاسلامية  وهكذا تفرقت الدولة  الاسلامية الموحدة وظهرت خلافات وامارات في البلاد نازعت الخلافة الاصلية  في كل امورها وخاصة الثقافية  والادبية .

        كان  هؤلاء خلفاء وامراء  هذه الاقاليم قد جمعوا حولهم الشعراء والادباء والعلماء ورجا ل الثقافة والعلم  وتباروا فيما بينهم  حول جمع كل منهم العدد الاكبر من هؤلاء  وبذلوا الاموال لهم منافسة  بينهم  فاثر هذا  في ازدهار كل العلوم  وعلى راسها  الادب  العربي  وخاصة الشعر حيث كثرت فنونه  وارتفعت رايته  وارتقت  خيالاته وفنونه  . الا ان اللغة العربية بدأت  تظهر عليها علائم الضعف في نهاية العصر ويكتنفها  الوهن  خاصة في الثغور الشرقية من الدولة الاسلامية  لعجمية سكانها  فبدات تحل مكانها اللغات المحلية او اللغة الاصلية لاهل  تلك  البلاد مثل اللغة  الفارسية  التي  حلت محل اللغة العربية  بعد  قرنين  من الزمن ودفعت الحالة الثقافية والاجتماعية  شعراءهم  الى النظم  في لغتهم  الفارسية كما فعل الشاعران عمر الخيا م  وسعدي الشيرازي  .

       وكذلك  ظهرت في البلاد الاسلامية عصبيات اشتد النزاع  بينها ومذاهب دينية تقاسمت البلاد  ا لاسلامية بينها كما اطلقت الحكومات الاسلامية  العنا ن لليهود  والنصارى  للعمل  كيفما  يشاؤون   وكذلك اختلفت  وجوه المعاش وكسب الرزق او الحالة الاجتماعية والاقتصادية  في البلاد وانقسم الشعب بين غني مترف وفقير جائع .

        فالقسم  الاول  وهو  الامراء والقادة والتجار  واصحاب الاموال والاعمال عاشوا بترف غير معقول في كل امورهم  في الملبس والمسكن  وهم طبقات الخلفاء  والامراء والقادة والتجار والشعراء المقربين والاغنياء .

         واما السواد الاعظم من الشعب  وهم الفقراء في المجتمع فهم راسفون في  قيود  من فقر مدقع  وعيش  ذليل  وكسب  قليل  لا يسد اودهم  ولا يسمنهم  من جوع  وقد انعكست كل هذه الاحوال على الادب والشعر في البلاد  فكان  ادب  الاغنياء  يتمثل بوصف القصور  الفخمة والرياض الزاهرة والغزل والغناء   والخمرة  واللهو  والترف  و القسم الاخر  يمثل حالة الشعب او السواد الاعظم  فيتسم بالشكوى والحنين والبكاء وذم الزمن  وصروف الدهر.

      اجتمع الشعراء حول  الخلفاء  والامراء   واصحاب النفوذ والجاه فانتشرت الثقافة في هذا العصر امتداد ا  لثقافة  العصر العباسي الاول  والتي آ تت اكلها  في هذا  العصر فنمت  في  ذاك  و اثمرت او اينعت  في هذا  وكذلك  كان  لصناعة  الورق  اثر عظيم في  انتشار الثقافة  ككل  ونشوء المكتبات العامة والخاصة  والمدارس النظامية الحكومية  بجانب المدارس الخاصة  والتعليم الفردي  للابناء الخلفاء و الوزراء ...  لكل هذا اثر عظيم في تقدم الثقافة ووصولها الى اوج عظمتها في  الدولة الاسلامية  وتقدم الشعر واتساع افاقه واخيلته وتحسين  معانيه  فازدهر في هذا العصر اكثر من  باقي العصور العربية  وبلغ  شأوته وظهر فحول من الشعراء كالمتنبي  وابي العلاء المعري والحمداني وابن النبيه  والشريف الرضي  وغيرهم ..

      لذا يمكننا ان نقول ان هذا العصر هو العصر الذهبي للشعر العربي
 بما  اوتي  فيه من نتاج  وتجديد  ورقة في النظم  والالفة في القول .

    ولما استولى البويهيون على السلطة بعد الأتراك  انتهجوا  نهجهم  فكان الأمير البويهي يولي الخلافة من يشاء من اولاد الخلفاء العباسيين  ويخلعها  ممن  يشاء  وكثرالخلع  . و كثيرا ما يتم بالذل والهوان.  حتى كان  يوم  خلع  الخليفة  يوم  ابتهاج  عند الجند  وفيه  يجري  نهب  دار الخلافة  وفيه  يطالب الجند الخليفة الجديد  برسم ( بيعته). وكان يجري على الخليفة المخلوع نفقة قد لا تكفيه, فيضطر إلى العيش  بالكفاف  وربما استعطاف الناس الميسورين .

      وكذلك  الوزراء  فلم  يكن  حال الوزراء بأفضل من حال الخلفاء  فكان الوزير يأتمر بأمر المتغلبين  فإذا غضبوا عليه  عزلوه  وصادروا أمواله  وربما يقتلونه  وكثيرا ما كان الوزير يُنصب  ثم  يُعزل,  ويتكرر نصبه وعزله   مرات عديدة وغالبا ما كان ينتهي عزله بمصادرة امواله  ومن ثم   قتله ومع ذلك فإن الكثيرين  كانوا  يطمعون  في تولي الوزارة, ويبذلون المال في شتى المجالات  في  سبيل  توزيرهم. كما هو الحال  لدينا الان  حيث أن الوزارة كانت موردا  للثراء  الفاحش عن  طريق الرشاوى  وقيل أن ( محمد  بن عبيد الله  بن خاقان ) وزيرالخليفة 
( المعتضد بالله ) كان  يأخذ الرشوة  من  كل  طالب  وظيفة  وربما عين للوظيفة الواحدة عددا من الموظفين  وقيل إنه عين في يوم واحد  تسعة عشر ناظرا للكوفة  وأخذ من  كل  واحد  منهم  رشوة معينة .  الا ان بعض الوزراء  كان  حسن السياسة  ذا دهاء  وذكاء  يستطيع  أن  ينال  من الخليفة أو الأمير البويهي تفويضا بتصريف أمور الدولة  وكان أهم هذه الامور  ضمان الخراج وتعيين الولاة  والعمال  والقضاة  والكتاب  لذا يكون للوزير على من يوليه جبايات يجني منها ربحا وفيرا  ويثري به ثراء فاحشا. و من أجل  ذلك  كانت  الوزارة  هدفا  للدسائس  والحسد . وكثر الطامعون  في منصب الوزارة,  فإذا  أفلح  الدس  وغلب  اهله  على الوزير عزل  هذا  الوزير وصودرت أمواله  وكان ما يصادر يعد بآلاف الآلاف  من الدنانير لذا  كان  بعض الوزراء  يطمرون  خزينهم من الاموال  والنقد  تحت الارض  الى أن تنتهي الازمة
 و قيل في ذلك:

       إذا أبصرت فـي خلع وزير  
                                            فقل أبشر بقاصمة الظهور

       بأيام   طـوال  فــي   بـلاء
                                            وأيام   قصار في  سـرور

      وكان العرب –  ولا يزالون –  يتكنـّون - وهي عادة عربية قديمة  -  بأسماء  أكبر أبنائهم  فيقال  ابو فلان  مثلا  وكان  الخلفاء  يتلقبون ب (أمير المؤمنين)  منذ عهد الخلفاء الراشدين  في زمن عمر بن الخطاب وما بعده  وكذلك  خلفاء  بني امية .

        وعندما  انتقلت الخلافة إلى بني العباس أضافوا إلى هذا اللقب ألقابا  اخرى  تدل على صفة  يتميز بها الخليفة. فقد عرف عبد الله أبو العباس وهو أول خليفة عباسي  بلقب (السفاح) وتلقب أخوه الخليفة  عبد الله أبو جعفر بلقب (المنصور) وتلقب ابنه الخليفة  محمد  بلقب (المهدي)  وتلقب  الخليفة  موسى  بلقب  موسى (الهادي)  والخليفة  هارون ب(الرشيد). ولقب الرشيد أولاده الثلاثة: محمد وعبد الله والقاسم بلقب محمد (الأمين)  وعبد الله (المأمون)  والقاسم (المؤتمن). وهكذا جرت  العادة  في تلقيب الخلفاء  واولادهم .

         ولما استبد القادة  الأتراك  بالسلطة فرضوا  على الخليفة  ان يطلق  لقب على من بيده السلطة منهم لقب ( أمير الأمراء)  ولما  جاء من بعدهم  البويهيون  الزموا الخليفة العباسي ان  يطلق  عليهم  ألقابا فيها معنى الاعتراف بسلطانهم  فلقب أحمد بن بويه بلقب (معز الدولة) ولقب أخوه علي  بلقب (عماد الدولة) ولقب أخوه الحسن بلقب (ركن الدولة), وهكذا كثرت  الالقاب  في الدولة  كعضد الدولة وجلال الدولة وبهاء  الدولة  وفخر الدولة.  حتى ان  منهم  من  لقب ( السلطان ) ا و     ( شاهنشاه ) أي (ملك الملوك ) ثم سرت هذه الحالة  في امراء الدويلات   المستقلة  .وهكذا كثرت  الكنى والألقاب  في العصر العباسي  الثاني  ويقول احدهم  في ذلك شعرا :

أما رأيت بني العباس قد فتحوا
                                         من الكنى ومـن الألقاب أبوابا

ولقبوا رجـلا لو عاش أولهم
                                        ما كان يرضى به للقصر بوابا

قـل الدارهم في كفي خليفتنا
                                          هذا فأنفـق في الأقـوام ألقابا


      وقد نهج الخلفاء الفاطميون نهج  الخلفاء  العباسيين  في الألقاب  فكان منها المهدي  بالله والعزيز  بالله والمعتز  بالله والحاكم  بأمر الله والمستنصر بالله, وفي  الأندلس  تسمى عبد الرحمن الثالث  بن محمد بالخليفة واتخذ لنفسه  لقب ( الناصر لدين الله ) ونهج  من جاء  بعده نهجه  فكان  منهم  المؤيد  بالله  والمستعين  بالله  والمستظهر  بالله والمعتمد على الله.

     واتخذ ملوك الطوائف في الأندلس الألقاب فكان منهم المعتضد بالله ملك أشبيلية وابنه المعتمد على الله وكانت هذه الألقاب على ضخامتها لا تمثل لمن اتخذها لنفسه شيئا من معانيها,    

       وظهرت  في هذا العصر الفتن المذهبية ثارت بين الشيعة وبين السنة, وخاصة الحنابلة منهم, فتن كان مسرحها بغداد . وقد بدأت في أوائل القرن الرابع الهجري وامتدت إلى أواخر القرن الخامس الهجري وكانت تتوالى الفتن عاما  بعد عام . وكثيرا ما كانت تشتد. فينشب فيها قتال  مرير بين ابناء البلد الواحد  والمدينة الواحدة على حساب المذهب او باذكاء هذا  الخلاف  من قبل  رجال الدين  من هذا المذهب  او ذاك   لاستفادتهم  الشخصية وعلو مكانتهم الدينية في مثل هذه الاوضاع  وظهورهم للقيادة    .
 
      وقد أزرالبويهيون  الشيعة في  تشيعهم, وشد الأتراك أزر أهل السنة لأخذهم بمذهبهم  وقد افضت هذه الامور الى اشتداد العداء  بينهم الى حد المقاتلة  فقتل  خلق كثير من الطرفين  جراء ذلك وكانت بغداد اول ساحة لمثل هذه المقاتلة  .

        وكذلك كانت الفتن تحدث  بين الحنابلة والأشاعرة  وبين الحنفية والشافعية, فكان أهل كل مذهب يتعصبون لمذهبهم  ويدفعهم التعصب إلى القتال  بينهم  مما اثر في  خراب المدن  واضعاف  شوكة المسلمين وقوتهم   وكانت  بغداد مسرحا  لمثل هذه الامور والاحداث  وقد كانت هذه  وغيرها  اسبابا  لنشوب  ثورات كثيرة  في  البلاد الاسلامية   مثل  ثورة الزنج  وثورة القرامطة في الجنوب  وكذلك ادى الى انفصال  بعض الاقاليم عن  جسم الدولة  العباسية  واقامة  اقاليم  وامارات  في البلاد  وخاصة  البعيدة  عن الخلافة  وربما  خلافات   جديدة  مستقلة  عن الخلافة  العباسية . مثل الدولة  الاخشيدية  والخلافة  الفاطمية  والامارة الحمدانية  والدولة  الصفارية   .

        فوجود  الدويلات  والامارات  وخاصة  غير العربية  المنسلخة  من جسم الدولة العباسية  ضمت بين  اهدافها هذه الامور.ثم  كانت هذه الانقسامات  سببا  واسعا  وكبيرا لقيام  الحروب  الصليبية  وطمع الدول الاوربية  تحت علامة  الصليب  في القضاء  على الدولة  الاسلامية  او الاستحواذ  على  بعض  اجزائها  المقدسة  لديهم  وخاصة ( فلسطين )  وفي  صفحات التاريخ  الشيء  الكثير الكثير  والشواهد  القائمة  على  ما  ذكرناه .
    
      كان لهذه التطورات السياسية  اثرعظيم في الشعر العربي  وتقدمه وازدهاره  فقد  كانت بغداد ام الدنيا  ومركزالخلافة  العربية الاسلامية  ومركز الثقافة والعلوم  وفيها جل الشعراء  الا انه ظهرت حواضر و مدن اخرى اجتمع فيها الشعراء  هي  مراكز الامارات  كحلب والقاهرة وجرجان وشيراز وبخارى وسمرقند والاندلس  وامارات  دويلاتها   وغيرها و كل امير من امراء هذه الامارات حاول ان يجمع حوله العديد من الشعراء والادباء والمثقفين ويجزل لهم العطاء  ويتباهى في جمع اكبر عدد منهم لحبهم الادب وخاصة الشعر  وليمدحوهم ويذكروهم في شعرهم  فادى هذا التنافس  حتما والى ايجاد  المنافسة  بين  الشعراء والادباء  دفعت الشعر نحو علائم التقدم والرقي الثقافي والحضاري في كل مجالات الحياة .

      لذلك فقد اجزل الخلفاء والامراء العطاء للشعراء الذين نالوا حضوة كبيرة عندهم  حتى بلغ بهم حد الاستيزار  ورئا سات  الدواوين الكتابية  وخاصة  اذا علمنا  ان  بعض الا مراء  والخلفاء كانوا  يجيدون نظم الشعر  وقرضه  ونقده .

 

                        *********************













روافــــــد ثقــافـــية



          الثقافة العربية مستقاة من مصدرين:
 الاول  : الثقافة العربية التي كان عليها العرب قبل هذا العصر من الاداب الجاهلية من شعر ونثر والاسلامية التي  نبعت من القران الكريم والسنة النبوية الشريفة  او قل كان  القران الكريم  رافدا  واسعا  لها  وحافظا ( وحارسا عليها ) وكذلك الحديث الشريف وكذلك اقوال الشعراء  الامويين  و الادباء  والعلوم  التي اخذت  بالاتساع  في زمنهم  لتصل  في نهاية الدولة الاموية الى الثقافة العربية المتميزة  بعد ان نمت جذورها  وعلت منابتها  الا  انها  ازدهرت في هذا العصر وآتت ثمارها .

       اما المصدر الثاني فهي الثقافة  الاجنبية  التي  ترجمت  من الامم المجاورة للعربية كالفارسية والتركية واليونانية والهندية و كانت نتيجة حتمية لانصهار اغلب اقوام هذه الامم في  يوتقة الامة العربية وبالاسلام  فآتت اكلها حيث اثرت التاثير الكبير على ا خيلة الشعراء  وثقافاتهم  فتوسعت افكارهم  وازدادت علومهم  وتفتقت قرائحهم لتاتي  بقصائد ذات  معان شعرية  جديدة  كان  الاقتباس  واضحا  وجليا  فيها.   فالمتذوق  للشعر العربي في  هذا العصر لا تخفى عليه  تلك الميزة التي تطالعه من خلال النتاج  الشعري الثر وطائفة  صالحة تحمل  ذلك الطابع المشوب  بالرقة  لتؤكد هذا الاتجاه في الأسلوب الشعري
 لاحظ قول بشار بن برد متغزلا :

لم يطل ليلي ولكن لم أنم
                                     ونفى عني الكرى طيفٌ أ لم ْ

ختم الحب لها في عنقي 
                                                  موضع الخاتم من أهل الذمم
  
رفِهي يا (عبد) عني واعلمي
                                                 إنني يا (عبد ) من  لحم  ودم

  إن  في  بردي  جسمًا  ناحلا
                                              لو   توكأت  عليه    لأ نهدم

        و كان العرب  امة واحدة  في عاداتهم  وتقاليدهم  وما آلفوه عن آبائهم  واجدادهم  وقد وصف القران الكريم  الامة  العربية عند  نزوله  في صدر الاسلام :

( وكنتم خير امة اخرجت للناس  تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر  وتؤمنون بالله .. )   ال عمران \  110

      فلما  اختلطوا  بغيرهم  من  الاقوام  نتيجة  توسع  رقعة  الدولة العربية  الاسلامية  او نتيجة  الفتح  الاسلامي  الواسع  حيث  امتدت الخلافة العربية  الاسلامية من الصين شرقا الى المحيط  الاطلسي غربا حتى قيل  ان الخليفة  هارون الرشيد كان يخاطب الغيوم  وهي تسير في السماء  فيقول لها :
( اذهبي ايتها الغيوم في السماء  فأينما  تكوني يأ تيني  رزقك وخيرك )  

     وامتزجوا  بهم  نتيجة  التعامل  او التقارب خاصة في العصرين  الاموي والعباسي وكان  لهذا التوسع  اثر عظيم  في   تفرق  العرب لاندساس الاقوام الاخرى فيهم وعملهم  الجاد  في  ايجاد  كيانات  لهم  ضمن الكيان العربي  ومحاولة هيمنتهم على امور الدولة  وتقريبهم  للفئات  التي  جاؤوا  منها  ومحاولة  ابعادهم  العرب عن  دفة  الدولة ورجالها  فأدى ذلك  الى قيام  حركات  شعوبية  معادية  للعنصر العربي  لامة  او جامعة للعناصر غير العربية  وخاصة من الفرس  والاتراك. فنزعة الشعوبية والشعر المتعلق بها،  ماهي – في نظري – الا حركة نزعة طائفية عنصرية مذهبية  تطورت من خلال نزعة  شعر العصبية الذي كانت تسود نزعة منه غيرها من النزعات، تبعاً لاختلاف الظروف الزمنية ففي العصر الجاهلي  كانت تتمثل  في عصبية   قبلية، ثم  تغيرت  في العصر الأموي بعصبية أخرى كادت تطغي عليها هي العصبية السياسية والمذهبية، أما في العصر العباسي فقد خفت صوت هاتين العصبيتين، وعلا عليها صوت العصبية الجنسية او العنصرية والتي ولدت منها ظاهرة الشعوبية . فكراهية الاقوام غيرالعربية في  الدولة  الاموية  للعنصر العربي  زادته  كراهية  اكثير  في العصر العباسي  فتولدت حركة الشعوبية  وانضم اليها  اغلب شعراء العربية  الذين هم
من الموالي او المطعون في نسبهم العربي  او انوا من اصول فارسية بصورة خاصة . امثال بشار بن برد وا بو نؤاس وغيرهما كثير .

         لقد  تأثر العرب  بالفرس  كثيرا فظهر هذا التأثير بمشاركتهم  اعيادهم  واحتفالاتهم  واقتناء  العرب  الجواري والغلمان  الجميلات  وشيوع  العبث  واللهو  و الخلاعة  والمجون  والفساد  واللا مبالاة  وكل  ما لم  يألفه العرب  من ذي  قبل  وبث الافكار الالحادية  المستقاة من المجوسية والوثنية  فكثرت  الزندقة  وظهرت  الشعوبية و كل امر مستطر او شائن مما حدى ببعض الخلفاء  العباسيين  في  صدر الدولة العباسية  من  مطاردة  دعاة هذه  الاعمال للحد  منها  كالخليفة  المهدي والمنصور والرشيد . وكذلك المذهبية . وطغت هذه  الامور على الحياة  العامة   حتى  في  دقائق  امورها  مثل  المأكل  والملبس والمسكن  وفي امور الحياة  الاجتماعية  فوجد  من  تزيا  بزي  جديد - نصف عربي - وشيدت القصور وتوسع الناس  في البناء و الانشاء  وتفننوا  فيها  بحيث  شملت  كل مرافق الحياة العامة .

        و كان لتشجيع الخلفاء والامراء  للادب والشعر والثقافة عموما  الاثر الابلغ  في تقدم الشعر وتطوره فقد كانت الثقافة في العصرالعباسي  الاول  قد شهدت  تقدما  كبيرا  وسمت  نحو التقدم والرقي سموا عظيما  فأتت هذه الثقافة  اكلها وثمارها  في العصر العباسي الثاني اي في هذا  العصر  حتى  بلغت اوج عظمتها  من التقدم والرقي .والحضارة في كل المجالا ت  الثقافية  فتطورت الاداب وتنورت العقول  وخاصة  الشعر.  فتحسـنت اساليبه  وسهلت مفرداته و كثرت معانيه  وشمخت  اخيلته  وازدادت  فنونه  واغراضه لتشمل كل امور الحياة ومتطلباتها .
  
        وكان لنشوء المكتبات العامة اوالخاصة وايجاد المواقع الدراسية بحيث  اصبح التحصيل العلمي والادبي ابوابه مفتوحة  للدارسين  واثره واسع  في ذلك . فقد انكب الناس  وبالاخص  الشعراء  على المطالعة  والتدارس ومحاولة  الايتاء  بما هو ارق و افضل  وادق  واسمى  من الموجود  فزاد هذا في تفتق افاق الشعر واخيلة الشعراء وكذلك فتحت مدارس  نظامية  درس بها الطلاب  الادب والشعر وفنونه وعلوم اللغة العربية مثل ا لنحو والبلاغة  والصرف  والعلوم الصرفة  والرياضيات والفلسفة   والهندسة  والبناء والري وفي كل  امورالحياة  وكانت هذه من اسباب تطور الشعر ودفعه نحو التقدم والرقي والاكتمال  والعظمة  فظهر شعراء  فحول لم تسبقهم سابقة مثل المتنبي والمعري ..

        الحالة الاجتماعية والمعاشية  في هذا العصر اختلفت  عما كانت عليه في العصر السابق فقد  ادى ضعف  الخلفاء  العرب في هذا العصر الى ظهور العصبيات - التي كانت  مكبوتة  في العصور السابقة اوالتي كانت تعمل في الخفاء - على نطاق واسع  ودون  تخوف  من احد  او  ردع  من  رادع  وذلك لاحتمائها برجال الدولة من غيرالعرب  واصبح لكل  قومية  جماعتها  التي  يناصرونها  ويؤيدونها  ولها  رجالها  وشعراؤها ومؤيدوها  وانتشر التحلال الجتماعي  وعم الضعف والوهن كل  مفاصل  الخلافة  العباسية  لذا تدهورت  الحالة  السياسية  وتبعتها بقية الامور 

       وكذلك  انقسمت  الدولة الاسلامية الى مذاهب دينية عديدة وشاعت الفرقة  والتباغض  بين المسلمين او قل بين  اتباع  مذهب  واخر  في العصرالعباسي الثاني  حتى وصل في نهاية الامر حد الاقتتال والتخريب  بين المسلمين يقتل بعضهم بعضا  ويخرب  ممتلكات البعض الاخر ويسفه اراءه .

   اما غيرالمسلمين من من الملل والطوائف والاديان الاخرى كاليهودية والنصرانية والمجوسية وما اليها فلا احد يحاسبهم  فقد اطلقت  الحريات  لهم  يعملون ما تشاؤون  ويؤدون  شعائرهم  ومعتقداتهم  بحرية  تامة  وربما عاونهم ضعاف العقيدة  من بعض المسلمين على اداء هذه الشعائر وقد حضر بعض الخلفاء العباسيين بعض شعائرهم واعيادهم مرغمين .؟
 وكان لاختلاف  هذه العصبيا ت والمذاهب وتنازعها  اثره البالغ على الشعر فظهر شعراء غير مسلمين  وغير عرب  وخاصة  الفرس  وهم كانوا  اصحاب حضارة  فتمجدوا بديانتهم القديمة او بفارسيتهم .

       اما اختلاف طرق المعيشة فقد انقسم الناس في معيشتهم ومعاشهم الى طبقات  عديدة فمنهم طبقة الخلفاء والامراء والمترفين الذين اوغلوا  في الاسراف والتبذير والغلو الفاحش فانكب  اغلبهم على اللهو والمجون والصخب وعاشوا حياة  مترفة  مبتذلة  بين  شرب  الخمرة  واقتناء  الجواري الحسان  والغلمان والولدان الذكور .

        وقسم اخر دون ذلك  وهو طبقات التجار واصحاب المهن والحرف فكان التجار يجلبون البضائع والمواد من الهند والصين ومن شرق البلاد وغربها  واواسط  اسيا  وهؤلاء  في  اكثر الاحيان  تنهب  الحكومات اموالهم بحجة الضرائب او المصادرة  مما  ادى بهم ان  يتظاهر اغلبهم  بالفقر والعوز وما هم بفقراء ولا معوزين .

     اما الاقسم الاخر فهم السواد الاعظم من الشعب فقد كانوا يعيشون في حالة من البؤس والفاقة  والحرمان  عظيمة .

       وقد رسم لنا الشعر الصور  الواضحة والجلية لكل هذه الاحداث فقد كان مرآة  صقيلة صافية  تعكس كل ما في البلاد من احداث وكل  ما  في المجتمع من امور .

        لقد  كا ن  الشعر سجلا حاضرا  حافلا يسجل كل  كبيرة وصغيرة  فالشعراء هم ابناء الامة  وابناء  البلد  ومن شتى طبقاته  الاجتماعية المختلفة  . وكل  يصور حالته  والحالة  التي يعيش   فيها امثاله  فهو صورة حية  للواقع المعاش  يمثل الحقيقة  الواقعة  فعلا الا ما  ندر .

   انعكست هذه الامور على اللغة العربية ايضا  وبدأت تنحسر عن بعض المناطق التي انتشرت فيها  وخاصة في  الشرق  . وهكذا غربت  شمس اللغة العربية عن مناطق كثيرة كانت قد اشرقت عليها  وانارتها  بنور الاسلام  والقران الكريم  ونور العلم والادب والمعرفة .

         فقد  ظلت اللغة العربية  لغة الدين  والثقافة  والعلوم  والادب  والدولة  طوال هذ العصر والعصور التي قبله وهي في اتساع وامتداد حتى  وصلت اوربا  بما فيها فرنسا وشواطيء البحر المتوسط  وجزره مثل  صقليـة ومالطــة  وحول  بحر الادرياتيـك .و وصلت الى اواسط  افريقيا  و الى الهند  والصين  وانشات  مدنا  وعواصم  للعربية  فيها   مثل   بخارى وسمرقند  فاينما توجه العرب  نشروا الاسلام دينا والعربية لغة.  الا ان استقلال  بعض الامارات عن الخلافة في هذا العصر وفي قرنه الثاني وما بعده و تاميرها  بامراء غير عرب  وخاصة الامارات الشرقية  جعلتهم  يتعصبون  للغاتهم الاصلية وا خص الفارسية  حيث شجعوا  تلك اللغة التي  كانت عاجزة من ان تقوم  بها  الاعمال الادبية اوالعلمية خلال قرون من بعد الفتح العربي  الاسلامي لبلادهم . فقد تطورت في تلك الامارات وحلت اللغات المحلية محل اللغة العربية  وظهر فيها شعراء وادباء  وعلماء  دونوا  بهذه اللغات المحلية   مؤلفاتهم وقصائدهم  مثل عمر الخيام و سعدي الشيرازي 

       وهكذا  ضعفت  اللغة العربية  في هذه الاصقاع  النائية وانكمشت  كلما  تقدم الزمن  وبقيت لغة  الدين فيها  فقط  وقد  تحرج  علماء  اللغة  من  الاستشهاد  باقوال  الادباء  والشعراء  في  هذا العصر  والعصور التالية  خشية الوقوع  في الخطأ اللغوي  وانحسر الاستشهاد  بما قيل قبل هذا العصر.

     اما في الجها ت الغربية من الدولة الاسلامية في الشام   ومصر  وشمال افريقيا ووسطها  وبلاد الاندلس فقد بقيت اللغة العربية فيها  قوية وهي لغة  التخاطب  والدين والعلم والادب  لان اغلب الشعب في هذه الاقاليم  من اصل عربي  لذا حافظ  على عروبيته  فيها وخاصة اللغة . وحرص  الخلفاء  والامراء  في الدول  والامارات  فيها  على  تقدم اللغة العربية والحفاظ عليها  فتقدمت .

     اما في بلاد الاندلس فقد انحسرت اللغة العربية بمرور الزمن وحلت محلها لغة البلاد الاصليين بعد ان تم طرد العرب منها بعد ظهور دويلات الامارات التي  كانت وبالا على الحكم العربي  في هذه البلاد . فقد  تقاتل الامراء العرب فيما بينهم في بلاد الاندلس  فأدى ذلك الى ضعفهم  نتيجة  التناحر والتقاتـل  فيما بيـن هذه الدويـلات – وهذ ه هى  الحالة  عامة في كل  الدول وفي تقسيمها الى دويلات ثم ياكل بعضها  بعضا ثم تموت وتحتل من قبل دولة اخرى لها اطماع فيها  - هذه المقاتلـة الطويلة  الامـد   و كانت  سببا في ضياع  بلاد  الاندلس  من ايديهم  ومن ثم طردهم منها حتى عذب العرب والمسلمين  اشد انواع  العذاب  وخير دليل على  ذلك قيام المحاكم الغاشمة في هذه البلاد  لقتلهم وطرهم منها.   

      مما لا شك فيه ان الشعر يمثل حياة الانسان في المجتمع ويصورها افضل  تصوير فمن  يطلع على  شعر حقبة زمنية معينة يستطيع  معرفة الكثيرعن احوال هذا المجتمع في تلك الحقبة الزمنية .



                   *************************




























الاساليب والمعاني في الشعر
العباسي



        تنوعت اساليب الحياة  وطرق الكسب  والمعيشة وكان  لكل ذلك
اثره الكبير في  تطور  تيار الشعر العربي  بحيث  ظهرت  فنون  شعرية جديدة لم تكن موجودة او معروفة . ووصفت  الحياة  ومظاهر الحضارة  الجديدة  على حالتها  التي  وصلت اليها  من قصور ورياض  ومواسم  واعياد  وقد  ادى ذلك  الى ارتقاء الشعر درجات  اعلى في  سلم  الثقافة العربية.

     وتطورت اساليب الشعر العربي في العصر العباسي  كثيرا جراء اطلاع  الشعراء  على الثقافات  الاجنبية  ونمو  مداركهم   وزيادة معلوماتهم  وتطور الحياة  الحضارية في هذا العصر فقد مال الشعراء الى استخدام الاساليب السهلة المفهومة المنسوجة  من واقع الحياة المعاشة وابتعدوا عن اللفظة الصعبة او البدوية التي قل استعمالها او هجرت في الاغلب نتيجة ترفية المجتمع  وتقدمه وتحضره   واستعملوا المحسنات  البديعية  والالفاظ  الجديدة   تبعا  لتطور الامور وحتى وصلت الحال في بعض الشعراء  من استخدام الفاظ  اعجمية  في شعره وقد  نشير  ان  مفهوم الأسلوب  يعني الطريقة  او السلوكية التي يتبعها الشاعر في نظم شعره  فيقال مثلا  سلكت أسلوبه وتعني طريقته  وكما  يقال كلامه  أسلوبه  الافضل .

       و استعمل الشعراء  المحسنات  البلاغية و البديعية من  طباق وجناس وتشبيه واستعارات وكثرت هذه  بشكل ملفت للنظر  في هذا العصر  واول  من  استخدم  هذه الامور بشار بن  برد  ومسلم بن الوليد ( صريع الغواني )  والبحتري  وابو  تمام  وابن  المعتز
ومن شعر بشار بن برد يقول :

جفا جفوة فازور إذ مل صاحبه  
                                       وأزرى به أن لا يزال  يصاحبـه

خليلي لا تستكثرا لوعة الهوى
                                     ولا لوعة المحزون شطت حبائبه  

     وحسن الشعراء  بها  اقوالهم  الشعرية  وكانت قبلهم  تاتي هذه المحسنات عفوية على السنة الشعراء  قبلهم  وبالاجما ل  فان الشعر  في هذا  العصر تطورا  تطورا واسعا وعظيما  في  جميع  اموره  وفي  شتى المجالا ت الادبية  الشعرية  واللغوية والفنية. يقول ابن رشيق القيرواني  في كتابه ( العمدة )في مقارنة جملة من الشعراء:

(... فأما حبيب فيذهب إلى حزونة اللفظ، وما يملأ الأسماع منه ، مع التصنيع المحكم طوعاً وكرهاً، يأتي للأشياء من بعد، ويطلبها بكلفة، ويأخذها بقوة . وأما البحتري فكان أملح صنعة، وأحسن  مذهباً  في الكلام، يسلك منه دماثة وسهولة مع إحكام الصنعة وقرب المأخذ، لا يظهر عليه كلفة ولا مشقة. وما أعلم شاعراً أكمل ولا أعجب تصنيعاً من عبد الله بن المعتز؛ فإن صنعته خفية لطيفة لا تكاد تظهر في بعض المواضع إلا للبصير بدقائق الشعر، وهو عندي ألطف أصحابه شعراً، وأكثرهم  بديعاً  وافتتاناً، وأقربهم  قوافي  وأوزاناً، ولا أرى وراءه غاية لطالبها في هذا الباب، غير أنا لا نجد المبتدئ في طلب التصنيع ومزاولة الكلام أكثر انتفاعاً منه بمطالعة شعر حبيب وشعر مسلم بن الوليد؛ لما  فيهما  من الفضيلة لمبتغيها، ولأنهما  طرقا إلى الصنعة ومعرفتها طريقاً سابلة، وأكثرا منها في أشعارهما تكثيراً سهلها عند الناس، وجسرهم عليها. على أن مسلماً أسهل شعراً من حبيب، وأقل تكلفاً، وهو أول من تكلف البديع من المولدين، وأخذ نفسه بالصنعة، وأكثر منها. ولم  يكن في الأشعار المحدثة قبل مسلم (صريع الغواني) إلا النبذ اليسيرة، وهو زهير المولدين : كان يبطئ في صنعته ويجيدها وقالوا: أول من فتق البديع من المحدثين بشار بن برد، وابن هرمة، وهو ساقة العرب وآخر من يستشهد بشعره. ثم أتبعهما مقتدياً بهما  كلثوم  بن عمرو العتابي، ومنصور النمري، ومسلم  بن الوليد، وأبو نواس. واتبع هؤلاء حبيب الطائي، والوليد البحتري،  وعبد الله بن المعتز؛ فانتهى علم البديع والصنعة إليه، وختم به. وشبه قوم أبا نواس  بالنابغة  لما  اجتمع  له من  الجزالة  مع  الرشاقة،  وحسن الديباجة،  والمعرفة  بمدح الملوك. وأما  بشار فقد  شبهوه  بامرئ القيس؛ لتقدمه على المولدين وأخذهم عنه) .


        و كلمة الأسلوب التي  تجري على ألسنة الشعراء والادباء والنقاد  في بعض الاحيان  المراد  بها  التراكيب اللغوية  بمعنى  انفصالها عما تدل عليه  من  معانٍ  كانت  مضمرة  في نفس الشاعر الاخر وهو إيهام يجعل من الأسلوب كلمات مرصوفة ذات حروف ومقاطع ربما  تدل على  فهم شيء  للأسلوب  حيث يهب الحياة والجمال  أو الجمود والقبح  لذلك النص او هذا .

        وبالجملة  هو طريقة التعبير بالألفاظ المترتبة على معرفة ترتيب المعاني في النفس في طريقة الأداء اللفظي لما  ينسقه الفكر من معانٍ  وينظمه العقل من أفكار ازاء  الطريقة التعبيرية التي ترتبط  بالمعاني  اذ ان أول ما تحدث في هذا المعنى  وأنه ربما يعتمد في نظريته على الاعتداد بمجموع ما يذكره في مواضيع  مختلفة اذ إنه لا يتصور أن يعرف  للفظ  مواضع من غير أن  يعرف  معناه  و أنما  يتوخى الترتيب  في الألفاظ - من حيث هي ألفاظ  ترتيبًا وتنسيقا ونظمًا أي يتوخى الترتيب في المعاني  ويعمل الفكر في انتقاء  الالفاظ  ويقتفي  آثارها  بحيث  تترتب  بخدمة  المعاني  وتبقى تابعة  لها  او  لاحقة  بها  مع  العلم بمواقع المعاني في النفس  او بمواقع  الألفاظ   الدالة عليها  في النطق و يقوي النص  في  الأسلوب  او بمعنى اخر هو الأداء  اللفظي  المطابق  للصورة  الذهنية لمفهوم  الأسلوب الناجم  عن  قدرة  الملكة  في  اللسان العربي   بحيث  يكون  ثمرة  الاعتماد على الطبع  والالهام  والتمرس على ايجاد  الكلام  البليغ  الذي ينسج فيه التراكيب  أو القالب الذي يفرغ  فيه  ما يعتمل في  قلبه  ونفسيته  من احاسيس  وهنا  تكمن وظيفة  البلاغة والبيان  .

         فالأسلوب هو الصورة  الذهنية  للتراكيب المنظمة  كلية  باعتبار انطباقها  على تركيب  خاص  وتلك الصورة  ينتزعها  الذهن  من أعيان التراكيب وشخوصها بحيث يصيرها في الخيال كالقلب في الانسان  ثم ينتقي التراكيب الصحيحة على اعتبار النحو والبيان فينسقها  فيه تنسيقا  متراصا  كما يفعله  البنّاء  في قالبه  الخاص أو النساج  في المنوال  حتى  يتسع  ذلك بحصول التراكيب الاسمى  بمقصود الكلام  للحصول  على الصورة الامثل والافضل  والاقرب  لملكة  اللسان  للشاعر  العربي  . لذا  فلكل  فن  من  الفنون  من الكلام أساليب تختص به وهذه  الأساليب  التي نحن  نقررها  ليست من القياس  في شيء  وإنما هي  حالة  قد  ترسخ  في النفس  من  تتبع  التراكيب  في الشعر العربي  تجري  كجريانها على اللسان  كي تثبّت صوتها و صورتها المطلوبة  في  تقريبه  إلى فهم  المتلقي  بشكل  اسنى وافضل  والتي  تمثل  منزلة  الروح  من الجسـد  فالخيال  في الأسـلوب  بوسائله  المسـتعارة وما يتصل بالمعنى اتصالا  وثيقًا  بطريقة مرنة  من طرق التفكير حيث أنه الأداة الواضحة  للتعبير فهو طريقة التعبير اللفظي الحادثة  على  تنسيق الفكرة  والمعبرة  عن أدق خفاياها  ومدار جودتها  أو انها  طريقـة  التنسـيق  ومدى نهوضها  بالمـعاني  المعبـرة عما  في  دواخلها او ما  تكتنفه  من  معان  بليغة . لاحظ  قول البحتري:

   كأ ن الرياض الحور يكسين حولها
                                      افانين   من  افواف  وشي    ملفق

 اذا الريح  هزت  نورهن تضوعت
                                       روائحه  من  فائر  مسك     مفتق

  كأن القباب البيض  والشمس  طلعة
                                         تضاحكها انصاف  بيض    مفلق

        لقد صاغ الشعراء العباسيون أساليبهم في ضوء حضارة  الدولة  وثقافتها  وطريقة  تذوقها  للفنون  لذا جاء الأسلوب الشعري اقرب إلى الرقة في النسج  والدقة في التصوير  والدماثة  في التعبير وشاعت  في حواشيه ألوان من الزخرفة اللفظية  وضروب من الزينة والجمال واكتنفت أنغامه  حالة  من  الفخامة  المؤثرة  والتي  قد  تهز  العواطف  وتحرك المشاعر  وتثير الاحساس . فالشعراء  الاكثر  تحضرا  يميلون  بطبعهم  إلى  الكياسة  والزينة  والانس  في   كل شيء  فالطبع الحضري تستهويه  الأناقة  في  كل ما حوله  ويجذبه  التأنق وتقربه اليها  وهو ما يدلل على تطور هذه الأذواق  ورقيها  وهذا سبب  قوي  في ايجاد  أسلوب  شعري  تركن اليه النفس  لتستريح عنده  في  حسن  صياغة  أ نيقة مثل  مرآة صافية  وصقيلة  عاكسة  على صفحتها  كل  فنون  الجمال  والتنسيق  الاسنى  والافضل  نلاحظ  قول بشار في ذلك  : 

      ومخضب رخص البنا ن
                                               بكى عليَّ  وما  بكيته

      يا منظرًا حسنًا رأيـ ـت
                                               بوجه   جارية   فديته

       بعثت  إليَّ   تسموني  
                                           ثوب الشباب وقد طويته

        ثم  حالة جديدة ونقصد  بها السهولة في الاسلوب  ذلك الأسلوب اللين الذي يميل إلى العامية أو يؤثرها  بعضهم  وهذه  السهولة  ربما حاولها غيرهم في أساليبهم  فيخفقون  وينكصون  عن الايتاء   بمثلها وتستعصي عليهم  وتمتمنع  عنهم  امتناعا  ربما  يكون  عند  بعضهم  شديدا   قد  يسلمهم إلى اليأس  وينتهي  بهم إلى الحيرة  المشوبة بكثير من الإعجاب.وهذا ما نسميه  في مجال الشعر بالسهل الممتنع  وقد نسج  فيه  كثير من  الشعراء  في هذين العصرين منهم  ابو العتاهية :
نلاحظه  يقول :

                 كَمْ رأينا مِنْ عَزِيزٍ
                                                   طُوِيتْ  عنه  الكشُوحُ

               صاحَ منه بِرَحِيلٍ
                                                  صائحُ الدَّهْرِ الصَّدُوحُ

              موتُ بعضِ الناسِ في
                                                الأرْضِ على قومٍ  فُتُوحُ

              سيصير المرءُ يوماً
                                                جَسَداً  .. ما  فيه  رُوحُ
     ومن الواضح  في هذا العصر ميل الشعراء الى المبالغة والتهويل وربما  كانت هذه بسبب  الاختلاط  االثقافي  والتاثر بالاخرين من الشعوب المجاورة للعربية وخاصة الفرس حيث تأصيل هذه الظاهرة و جذورها في تأثير الفرس وطغيان ثقافتهم، فقد كانوا مولعين منذ القدم بالإغراق في المبالغة، ووجد هذا الاتجاه  صدى طيباً عند الخلفاء والامراء ، فاضطر شعراء العربية إلى مجارتهم  كيلا  ينفردوا بانعام الخلفاء عليهم مما  تمتلئ  به  قصور الخلفاء  من امور التمتع  واللذائذ.  فأصبح هم الشاعر محصوراً  في التفوق على غيره  في الإبداع  ونزوعه  إلى الإفراط  والتهويل . وكان المدح قد حظى بالنصيب الاسمى من هذه الحالة وقد امتدت منه إلى غيره من فنون الشعر .

          وقد  ترك  اغلب شعراء هذا العصر كثيرا مما كان يسير عليه الشعراء في الجاهلية  كاستهلال القصيدة  بالغزل . ووصلت  الامور الى ان  تهكم  بعضهم   من هذه  الطريقة  واعتبروها بالية  و سخروا  من الشعراء  الذين حافظوا عليها.
 يقول ابو نؤاس  :

قل لمن يبكي على رسم درس
                                    واقفا   ما  ضر  لو  كان    جلس

      وكذلك لاحظ  دخول الشعر بعض الالفاظ والاصطلاحات العلمية واللغوية كقول الشاعر ابو تمام في الخمرة:

         خرقاء  تلعب  بالعقول  حبابها

                                      كتلاعب   الافعال      بالاسماء

       وكذلك كثر استعمال المحسنات الكلامية البلاغية  كالبديع  والطباق والجناس والتشبيه  الفردي و التصويري  والاستعارات المختلفة  وتفنن الشعراء  فيها  وتزيينهم  لشعرهم  بها  كل  قدر امكاناته  اللغوية وقدراته البلاغية والشعرية  وقوة  شاعريته :
يقول البحتري:

     فلم ار مثلينا  او مثل  شأننا

                                     نعذب   ايقاظا   وننعم  هجّدا

      وكذلك  كثر استعمال الكلمات  الاعجمية  في الشعر فوجد  فيه  كلمات اعجمية مثل الديباج  او الفاذولج   وخاصة  الفارسية فالشاعر كأنه يتحدث  إلى  جمهور مزيج من العرب  والعجم  ويعيش في بيئة  حضرية  يقول ابو نؤاس :

 لاتبك  ليلى  ولا تطرب الى هند
                                 واشرب على الورد  من حمراء كالورد

 وقال في الخمرة  ايضا :

  صفة  الطلول  بلاغة القدم             فاجعل  صفاتك  لابنة  الكرم

 او قوله :

 بنيت  على  كسرى   مدامة  
                                        مكللة      حاناتها    بنجوم

فأوردّ في كسرى  بن  ساسان  روحه 
                                    اذاً   لاسطفاني  دون  كل  نديم

ويتبين مدى هواه الى الفارسية  وحنينه  الى المجوسية في شعوبية واضحة .

  و في هذه  البيئة  الجديدة نجد  انها :
اولا : قد ا بتعدت  بالشباب  الجديد عن  صلابة  حياة البادية  وصعوبة  أنماطها  في  الصحراء  العربية  فلم  تعد  ملكاتهم  العربية  الأصيلة  وقابلياتهم  النفسية  قادرة  على  التماسك  ازاء هذه  التغيرات  فلانت انفسهم  واحوالهم  بالحضارة العباسية  وتأثروا  بالوافد  الجديد الذي حبب السهولة إلى نفوسهم  وخلطها  بأذواقهم.
 نلاحظ  احدهم يمدح الخليفة  الرشيد فيقول:

من يلقه من بطل مسرندي

في  زعفه  محكمة  بالسرد

تجول  بين  رأسه   والكرد

لما هوى بين غياض  الاسد

                        وصار في كف الهِزَبْر الورد

وثانيهما: أن الشعراء أنفسهم كانوا – غالبًا -  من هذا  المزيج  ولكن مواهبهم  الفنية  كانت  تعطفهم  إلى النهج  العربي  الصميم  وثقافتهم العربية وآدابها و كانت تشد من ملكاتهم فيما يتصل بالتعبير  ولهذا كانت أساليبهم في يسرها  من باب السهل الممتنع  بما تضمنت من رقة آسرة وعذوبة خلابة. والشعراء الذين  ا دخلوا هذه الالفاظ  في الاغلب  اما من اصل فارسي او يميلون الى الاصول الفارسية  او لهم  اطلاع  واسع في اللغة  الفارسية  كابي نؤاس  وابن الرومي  وابن المعتز.
 يقول ابن المعتز :

قم نصطبح فليالي الوصل مقمرة
                                        كانها  باجتماع  الشمل  اسحار

اما ترى اربعا للهو قد جمعت
                                       جنك   وعود   وقانون  ومزمار

      ثم ا دخلت الى اساليب الشعر الفاظ  فلسفية و علمية  وكل ما احاط بالشعراء  من امور ثقافية  ومعالم  وتطور وابتذال  وقوة  اسلوب  وجد وهزل  في شعر هذا العصر  والشاعر  من ابدع  فيها  واجاد .
.نلاحظ قول ابي العلاء المعري  :

 اذا رجع الحصيف الى  حجاه
                                      تهاون  بالشرائع   وازدراها

  فخذ منها  بما  اتاك    لب
                                     ولا يغمسك  جهل في  صراها

وهت اديانهم  من كل وجه
                                     فهل  عقل  يشد   به   عراها

        وكان من اثار تطور الحياة العامة في العصرالعباسي ان تطورت الحضارة والثقافة والسياسة وتطورت تبعا لها معاني الشعر واخصبت اخيلة الشعراء وازدحمت بشتى معالم الحياة وتفنن الشعراء في معاني الشعر فقد تصرف الشعراء اولا بمعاني شعر الاقدمين  قبلهم  واضفوا عليها  طابعا  من  الحسن  والطرافة  ورقة  حواشي  الصور الشعرية والبلاغية  فاستخدم الشعراء  اقيسة  منطقية  وتعبيرات  لغوية  تكاد تكون  جديدة فيما  البسوه  لها  من  قشابة  الالوان  وتباين  الانواع  فاحسنوا التصوير  والابداع  واتسعت  اخيلتهم الى افاق  واسعة  اضافية  فجاؤوا بها  وتظهر هذه الابداعات  في التشبيه وسعة الخيال الشعري وما اكتنفه من اضافات  في  محسنات اللغة  من  طباق  وجناس  و  بيان  اضافة الى  التراكيب  اللفظية  والصور  الجميلة   وتسلسل  المعاني  وتلاحمها  فمن تصرف الشعراء بمعاني الاقدمين قول الشاعر سلم الخاسر:

فانت  كالدهر  مبثوثا   حبائله
                                            والدهر لا ملجأ منه ولا هرب

ولو ملكت عنان الريح تصرفه
                                          في  كل ناحية ما  فاتك  الطلب

ومن تطور واستعمال الاقيسة المنطقية قول الشاعر البحتري:

دنوت  تواضعا  وعلوت  مجدا
                                       فشأناك   انحدار   وارتفاع

كذاك الشمس تبعد ان تسامى
                                    ويدنو  الضوء منها والشعاع

     ومن  حسن  الابداع  والتصوير الشعري الحسن  قول الشاعر المجدد  بشار بن برد  متغزلا:         

 يا قوم اذنى لبعض الحي عاشقة
                                                 والأذن تعشق قبل العين أحيانا

فقلت احسنت انت الشمس طالعة
                                        اضرمت في القلب والاحشاء نيرانا

باتت  تناولني  فاهاً  فألثمـــــهُ   
                                             جنيّة زُوّجت في النوم إنســانا

فاسمعيني صوتا مطربا هزجا
                                                يزيد   صبا   محبا  فيك  اشجانا

يا ليتني  كنت  تفاحا  مفلجة أو كن
                                                ت من   قضب  الريحان   ريحانا

      ولو  لاحظنا  معاني الشعر  في هذا العصر  لوجدنا انها تطورت وتوسعت  كثيرا الى حد لا يمكن حصره  وتحديده  بكلمات  نكتبها عنه   فمنها ما  قيلت  بحالة من الرقي  والقوة والمتانة   بعيدة عن الا بتذال  والاسراف  فكانت قصائد  ذات معان  راقية  متطورة  وخاصة تلك التي قيلت في المدح والفخر او تلك التي اختصت بالسياسة والاجتماع  اوالتي قيلت في الرثاء والهجاء  والغزل المحتشم . ومنها  من اكثر في الاسراف  الى حد الغلو في المجون  والابتذال وبالكلمات الرخيصة  وخاصة  تلك  القصائد التي قيلت في الغزل  والمجون  والغزل بالمذكر وما اليها والتي لم تكن معروفة لدى الشاعر العربي او كان  يأنف ان يقول فيها  قبل هذا العصر.

    وكذلك ظهرت المعاني الفلسفية  في الشعر فكانت في اغلب الاحوال  معقدة وصعبة الفهم . الى جانب الشعر التعليمي  وتأييد المعرفة  او نشرها عن  طريق الشعر .

        وعلى العموم  صارت  ارضية  المعاني الشعرية  خصبة  يتصرف بها الشاعر او ياتي بها على هواه  وامتداد  سعة  خياله الذي حلّق في الافاق عند بعض الشعراء الخالدين مرتكنة الى ثقافته . وكذلك ادخلت على الشعر الرموز الصوفية  والفلسفية   والاخلاقية  وكانت  بداية  للرمزية  في الشعر العربي  وقد  رقت معاني الشعر في الاغلب  وكثرت  فيه  المحسـنا ت اللغويـة برقة الكلمات  والبلاغية  كالبديع والبيان والتشبيهات المختلفة  والصناعة الشعرية

 نلاحظ  قول ابي فراس الحمداني في التشبيه يقول :

  لبسنا رداء الليل  والليل راضع
                                      الى  ان تردى  راسه  بمشيب

بحال  ترد  الحاسدين  بغيظهم
                                   وتطرف   عنا  عين  كل   رقيب

الى ان بدا ضوء الصباح كانه
                                  مبادى  نصول  في  عذار خضيب

         كل ذلك  كان في  اسلوبية   شعرية  اختلفت  في هذا العصر لما اصابها من تقدم وتطور  بحيث اصبح لكل شاعر اسلوبه الخاص او يكاد ان يكون هكذا  فقد اختلفت الاساليب  تبعا لنفسية الشاعر  وحالته  التي  يعيشها  و البيئة التي  قيل فيها  الشعر  بعد  امتداد  الدولة  العربية  من الصين شرقا حتى بلاد الاندلس والمغرب العربي غربا  فالبيئة  الشرقية في فارس  وشرقيها اساليب الشعر فيها اختلفت عما هي عليه  في مصر والشام وبلاد الاندلس او المغرب العربي  كما اختلفت اساليب شعراء الجد عن اساليب شعراء الهزل .

          فالشعراء  الجادون اسلوبهم  فيه القوة  والمتانة وحسن اختيار اللفظ  والديباجة على غرار  الاساليب  الشعرية في العصور التي قبل هذا العصر مع  فارق التقدم والتطور الذي شمل اللغة العربية  وادابها على ايدي هؤلاء الفحول مثل المتنبي  والمعري  والحمداني والشريف الرضي  وغيرهم  بينما امتاز الشعر  الهزلي  بسهولة اسلوبه وسطحية  فكرته  وادخال الشعراء بعض الالفاظ  الفارسية والعامية فيه .

        الشعر عامة  في هذا العصر غلبت عليه  المحسنات اللفظية والبديعية وطغيان الصناعة اللفظية عند كثير من الشعراء فنجد الشاعر  كانما  ينحت  نحتا في ايجاد  الكلمة المناسبة واللفظة – صناعة شعرية -  و اهتموا باللفظ  على حساب المعنى  وخاصة في شرق البلاد وفي بغداد  وغيرها .

         اما في  الشام   ومصر  فقد  ظل الشعر  قويا  متين  البناء  الا  انه  دخلته  بعض  الكلمات  الغريبة  والتعقيدات  الكثيرة  ودخلت  اليه  العلمية والفلسفة على ايدي بعض الشعراء .الا  انها سايرت التقدم الحضاري  ولم  تتوقف .

        كما استمرت عملية  التجديد  التي ابتدات في العصر العباسي الاول على يدي بشار بن برد وزمرته  فغلبت على الشعر النعومة والرقة عند  كثير من شعراء هذا العصر  بل اغلبهم  نلاحظ قول بشار  يتغزل :

يا قوم أُذني لبعض الحي عاشقة
                                        والأذن تعشق قبل العين أحياناً
قالوا بمن لا ترى تهذي فقلت لهم:
                                     الأذن  كالعين توفي القلب ما كانا

       وقد  ظهر  شعر المربع والمخمس وشعر الموشح  والزجل  والمواليا ....  حتى  ان  بعض الشعراء  من  ادخل اللهجات الدارجة او العامية في الشعر مع المحافظة على  بيان  وروعة  وبلاغة العربية  كل حسب مقدرته  وكفاءته  الادبية  وثقافته  اللغوية .





            ********************

















          الاوزان ( العروض) والقوافي




        اما علم  العروض او علم اوزان  الشعر  وكيفية  نظم  الشعر والنطق به  والفارق    بين  الشعر  والنثر  فنشأ   بنشوء  الشعر فهو روح الشعر وحركته  اذا اتفق مع  حسن  المعاني  وارتبط  بافضل الاساليب  او قل هو  النغم  او الموسيقي  التي تسري  في  جسد  الشعر  العربي  ومن  خلال الاذن الموسيقية  العربية  لا نشاء  الشعر او سماعه  او تذوقه.

     فلم يكن العربي بحاجة الى تلقي موسيقى الشعر عن طريق الدراسة او  تثبيتها  باوزان  معينة  بل  كانت  الاذن  الموسيقية  لدى  العربي مرهفة صاغية  حساسة  الى  مدى  بعيد  خلال العصور الجاهلي وصدر الاسلام والاموي  فانشد العربي الشعر على  انغام  و اصوات  حركة  الابل  وسيرها  في  ليل  او  نها ر او  من خلال  تهادي المرء  العربي  وهو  راكب  عليها  تتهادى  به قليلا  قليلا  او حركة امراة  تهتز  فوق ظهره  في  هودجها  او من  حركة  الهواء  الضارب  في  تلك  الخيام التي يسكنها  وعبثه  فيها  ا و من شدة  حركة الخيل الزاحفة  للقتال , فمن  كل هذه  ومن غيرها  وجدت  الموسيقى الشعرية وتطورت  فبقيت الاذن العربية  عارفة  انغامها في الشعر و ترابطها او بعض  معايبها  كطيها وخبنها  وزحفاتها  او اوتادها  واعمدتها  ورويها  والقول في هذا الموضوع    طويل- لاحظ مقالتي بعنوان ( النغم الايقاع )المنشورة في كتابي( في الادب والفن)  وفي مدونتي على النت  او موقعي فيه ( اسلام سيفلايزيشن ) .

       ازدحمت الحياة  وكثر اللغط وتشابكت الاصوات كلما كثرت البشرية واختلطت ببعضها  فكثرت على الاذن العربية كل هذه الاصوات  واختلفت نغماتها  بعد تطور الحياة وازدهارها وتمازج العرب  بالاعاجم  وبالحياة  العامة  والحضارة  الاممية  وتشابكها  والاسواق  وما  فيها من لغظ وضجيج  فاصبح  من  الضروري ايجاد  امر مكتوب  لتفهمه  وتتذوقه ويعينها  او تعين الاذن في نشاته او عند  سماعه  فنشأ علم العروض في العصر العباسي الاول على يد الخليل بن احمد الفراهيدي البصري .

         درس هذا العالم العربي الجليل  كل ما قاله الشعراء ودرس الاصوات  ونغماتها  ومخارج الحروف من الحلق  والتباين بين نغمة واخرى وقيد كل ذلك . فأوجد ان الشعر العربي قديما  وحديثا لا تتعدى انغامه الخمسة  عشر نغما  اسماها  بحورا  هي بحور الشعر العربي الذي انشد  فيها  الشعراء  العرب - ولا يزالون - قصائدهم واشعارهم  .

         ثم جاء  من  بعده  تلميذه  الاخفش و اجهد  نفسه في الدراسة  ليجد  بحرا  اخر ابتكره ابتكارا من خلال معرفته الواسعة في الموسيقى الشعرية اسماه (المتدارك)  تدارك  به  اخر النغمات من  حيث  الوزن الشعري  فاصبحت  بحور الشعرالعربي ستة عشرا بحرا هي التي نظم او ينظم بها الشعراء قصائدهم واشعارهم  .
وهذه هي اذكرها مع تفاعليها:

1- الطويل : وأصل تفاعيله:

فعولن  مفاعيلن  فعولن  مفاعل  .


2- المديد : وأصل تفاعيله:

فاعلاتن  فاعلن  فاعلاتن  فاعلن  .


3- البسيط : وأصل تفاعيله:

مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن .


4- الوافر : وأصل تفاعيله:

مفاعلتن  مفاعلتن  مفاعلتن .


5- الكامل : وأصل تفاعيله:

متفاعلن  متفاعلن  متفاعلن


6- الهزج وأصل تفاعيله:

مفاعيلن   مفاعلين   مفاعلين .


7- الرجز وأصل تفاعيله:

مستفعلن  مستفعلن   مستفعلن .


8- الرمل وأصل تفاعيله:

فاعلاتن   فاعلاتن   فاعلاتن  .


9- السريع وأصل تفاعيله:

مستفعلن مستفعلن مفعولات.


10- المنسرح وأصل تفاعيله:

مستفعلن  مفعولات  مستفعلن .


11- الخفيف وأصل تفاعيله:

فاعلاتن  مستفع لن  فاعلاتن.


12 - المضارع وأصل تفاعيله:

مفاعيلن   فاع لاتن  مفاعيلن .


13- المقتضب وأصل تفاعيله:

مفعولات  مستفعلن  مستفعلن   .

14-       المجتث وأصل تفاعيله:  

     مستفع  لن  فاعلاتن  فاعلاتن


15-       المتقارب وأصل تفاعيله:

    فعولن  فعولن  فعولن فعولن   .


16-       المتدارك ( ويسمى الخبب أو المحدث )
وأصل تفاعيله:

   فاعلن  فاعلن  فاعلن   فاعلن   .

 وفي نظرة لتفعيلات  هذه البحور نجد ان بعضها يتكون من تفعلية واحدة  تتكرر عدة مرات  وهذه البحور هي  الوافر  والكامل  والهزج  والرجز  والرمل  والمتقارب والمتدارك  وهذه  البحور السبعة  اطلق عليها  البحور الحرة  ومن هذه التسمية جاء لفظ ( الشعرالحر)  حديثا  حيث  تلاعب الشعراء  في اوزان  هذه البحور  السبعة مستخدمين نفس البحر لكن  بتفعيلات قد تختلف في عددها عن  البحر الاصلي  الخليلي من دون ان يكون هناك صدر للبيت او عجز  مستخدمين  السطر الشعري  فيكون عدد التفعيلات فيه واحدة  او اثنتان او ثلاث او ربما تسع في الاكثر  ولطلقوا عليه ( الشعرالحر )  فالسطر الشعري  في الشعرالحر  يتكون من تفعيلة حرة واحدة او اثنتين او ثلاث  تفعيلات وقد تمتد الى التسع في اقصى  مداها .

          الا ان هذه  البحور  الخليلية  لم تبق على حالها  فقد اجتزئت  ونهكت  ولحقها  التغيير او انشطرت فنظمت القصائد بمجزوء البحر او مشطوره  ودخلت اليها بعض الامراض العروضية مثل الخبن  والطي  والزحاف و...
نلاحظ   الشاعر  صريع  الغواني   في الغزل يقول  :

يا أيها المعمود       قد شفك  الصدود

فأنت   مستهام        خالفك   السهود

تبيت ساهرًا  قد          ودعك  الهجود

                  وفي الفؤاد  نار          ليس لها  خمود

                   تشبها النيران          من الهوى وقود                                                                                                                                                                                                                                             

إذا  أقول  يومًا          قد  أطفئت تزيد

يا عاذلي  كفى            فإنني   معمود


       وقد ألمّ الشعراء العباسيون بالأوزان التي أخرجها الخليل ونظموا في  تفعيلاتها   وكان افضلها  واقربها  واطوعها  للغناء  هي  الأوزان القصيرة  كالمجتث  والقتضب  ومجزؤء الكامل  والهزج  وغيرها  من البحور المجزوءة  التي تستدعي الرشاقة والعذوبة وتلائم حياة القصور والحانات  والخمائل  وساعات الانس والطرب  وما يحبب  النغم  إلى النفسِ او أكثر استجابتها   للغناء  وطواعيتها  للنغم الموسيقي.
 نلاحظ  ابا  نؤاس  حيث يقول  :

حامل الهوى تعب   يستخفه الطرب

 إنْ بكى  يحقُ  لـه  ليسَ ما به لعبُ

  تضحكين  لاهية   والمحب  ينتحبُ

    كلما انقضى سببٌ  منكِ عاد لي سببُ .

        وكذلك الاوزان الشعرية وبحور الشعر العربي ازدادت وتطورت فظهرت انغام جديدة واوزان لم تكن معروفة من ذي قبل مثل الموشح والزجل اللذان  ظهرا لاؤل مرة في بلاد الاندلس ثم انتشرا في المشرق بعد ذلك  ثم  المواليا والمزدوج والمسمط والمربع والمخمس تبعا لتطور حالة المجتمع  وحاجته للنغم والغنائية .  هذا بالاضافة الى التغيير في الفاظ الشعر واساليبه .  فقد افتتح الشعراء   قصائدهم  بالغرض الذي نظمت القصيدة من اجله في بعض الاحيان عازفين عما كان الشعراء  الجاهليون يسيرون عليه من استهلال القصيدة بالغزل او البكاء على الاطلال ولو ان بعضا منهم ظل ينشد على الطريقة المالوفة.

       كما  تصرف بعض الشعراء بالأوزان كما ذكرت واستحدثوا أوزاناً أخرى تنسجم مع روح العصر  كأبي العتاهية الذي كان من أشهر الذين ابتكروا  في  الأوزان  الشعرية  لما  يقول  من الشعر وهذا  التجديد الموسيقي باستخدام هذه القوافي استخدمه في قوله:
وذوو  المنابر   والعساكر 
                                         والحضارة  والمدائن  والقرى
وذوو المواكب والكتائب والنجائب
                                        والمراتب والمناصب في العلى

وقد  قال ابن  قتيبة  فيه :
( وكان لسرعته وسهولة الشعر عليه ربما قال شعراً موزونا يخرج به عن أعاريض الشعر وأوزان العرب )
        اما القوافي  فهي  تعتمد على الحرف الاخير من البيت الشعري  وحركته وحركة الحرف الذي قبله ويسمى الروي  فقديما كانت القصيدة نهاية  ابياتها كائنة على وتيرة واحدة  ونسق  واحد وروي واحد  مهما  طالت القصيدة او قصرت  فهي   من  بحر  واحد  وقافية  واحدة ويشكل  الحرف الاخير  قافية القصيدة  فيقال هذه قصيدة بائية اذا كانت قافيتها منتهية بحرف الباء ورائية اذا كانت قافيتها منتهية بحرف الراء وهكذا يقال  ميمية  ونونية ر و.......
     ومن  تجديد الشعراء العباسيين في القافية  استخدامهم للمسمطات. التي جاءت غالباً على بحر الرجز. وهي قصائد تتألف من أدوار وكل دور يتكون من أربعة أشطر أو أكثر، تتفق كلها في القافية، ما عدا الشطر الأخير. الذي يستقل بقافية مغايرة، ويتحد في ذات القوت مع الشطور الأخيرة في الأدوار المختلفة. ولذلك يسمى عمود المسمطة أي محوره الذي يرتكز عليه.
       ومن السهل أنه يمكن ترتيب هذه المسمطات ترتيباً آخر تخرج
 به عن المسمطات، إلى وزن عادي يتضمن قوافي داخلية، فتصبح وقد اكتسبت  لوناً آخر من الوان  التجديد  لمسناه عند كثير من الشعراء العباسيين:
    سلاف  دن كشمس  دجن
                                             كدمع  جفن  كخمر عدن
    طبيخ شمس كلون ورس
                                             ربيب فرس حليف سجن
    يا من لحاني على زماني
                                              اللهو شاني فلا تلمني
       وقد وصل أمر التجديد في القافية إلى تحرر بعض الشعراء منها تحرراً كاملاً،    بحيث حقق الشاعر وخاصة في العصرالعباسي الثاني  قدراً كبيراً من التطور بموسيقى شعره ، فأضاف إلى الاستعمالات السابقة للبحور استعمالات أخرى، ونظم بعضهم شعره على بحر جديد ( المتدارك ) الذي  اكتشفه  الأخفش.
       كما عمد بعض الشعراء إلى البحور الشعرية  المهجورة  في الشعر ، فأحياها، فاصبحت قوالب موسيقية مألوفة  تتسع  لكثير من التجارب  الفنية. ومن هذه البحور بحر المقتضب الذي نظم فيه  ابو نؤاس  قصيدته :
حامل الهوى تَعِبُ
يستخفه الطرب
إن بكى يحق له
ليس ما به تعب
     وهم  بذلك  يصبحون الآباء المقدمين  في التجديد الموسيقى الذي طرأ على الشعر العربي في العصر الحديث والذي تخلص، إلى حد كبير، من القافية التي كان يراها شعراؤه قيداً يحد من إبداعهم، ويعوق خطواتهم   .
        وفي العصر العباسي  ا وجد  التطور انواعا اخرى من  القصيد  منها  المربع  ومنها  المخمس والمشطور فالمربعات  تكون  من عدة ادوار  وكل دور  يتكون من  اربعة اشطر متحدة  القافية  والقافية فيها تختلف من دور لاخر. 
     أما المخمسات فهي تتألف من عدة أدوار يتكون الواحد منها من خمسة أشطر الأربعة الأولى منها  متحدة القافية و التي تختلف من دور لآخر، على حين أن الخامس يظل على قافية موحدة في جميع الأدوار . والمشطور هو النظم  بنصف البيت الشعري او بمعنى اخر  بنصف  تفعيلات  البحر الذي  نظم  فيه  البيت  ومنها  ما  يسمى الموشح  والذي ظهر في  بلاد  الاندلس  ثم انتشر في المشرق  ايضا  كقول  الشاعر  العباسي عبد الله ابن المعتز :

يا حلو  يا اسمر      غنى بك السمر
رقوا ورق الهوى    في كل ما صورا

---------------------

ما الشعر ماسحره    ما الخمر ماالسكر
يندى على ثغرك      من انفاسك العنبر

--------------------------

والليل يغفو على        شعرك او يقمر
انت  نعيم الصبا       والامل الاخضر
ما لهوانا  الذي        اورق      لايثمر

-------------------------

قد كان من  امرنا    ماكان هل يذكر
نعصر من ر وحنا    اطيب ما  يعصر

----------------------------

نوحي الى الليل     ما يبهج او يسكر
نبنيه   عشا  لنا       ياحلو يا  ا سمر

******
       وكذلك  وجدت  المواليا  والزجل  وقد  دخلت  فيها  اللهجة العامية     او المحلية كثيرا وهكذا الا ان الجميع  كانت تحتكم الى البحور الشعرية العربية  الستة عشر  ولا تخرج  عنها  الا نادرا  وحسب  مقتضيات  القصيدة  والضرورة الشعرية التي  اجازت  للشاعر ما لم  تجزه لغيره.





                              *****************  





















           الفنون الشعرية العربية المتجددة



     
         من المفيد ان اذكر ان عجلة  الزمن لا تتوقف فهي  في حركة دؤوبة كالليل والنهار  والشمس  والقمر  قد تتقدم الى الامام وهو الغالب وتاتي بكل متطلبات  الانسان  وما يحتاجه في مسيرته  الطويلة  وربما قد  تعترض  طريق تقدمها عوارض تحول دون حركتها للامام  فتتقهقر الى الخلف فيحدث ما ليس بالحسبان مثل الحروب والكوارث الطبيعية  فيحل التخلف والحرمان وتنعكس صفحة النهار الى  ليل و ربما قد يطول . وهذا ما يحدث لكل العلوم والاداب في المجتمعات الانسانية تبعا لحركتها وديمومتها  وسياقاتها .

       فالفنون الشعرية  العربية قد استشرقت وجهتها  بنور التطور والتقدم والرقي واخذت زمامها تعلو ولا تستقر في رفعتها  وتقدمها  فكانت حركات ادبية كثيرة  في  الشعرالعربي  خاصة في العصرالعباسي وحيث جاء الشعراء  بما لم يأت به الاقدمون من افكار وصور جمالية وخصوبة راقية فانتشرت انواعا جديدة من الشعر او قل توسعت آفاق الشعر وازدهرت  ولما ضاق  بها المقام  تطورت لتجد لها محطات جديدة تعمل خلال الابتكار والجدة سبلا حديثة او تجديدية ومن خلال بوتقة المصدر ذاته هو الشعرالعربي  فابتكر في الشعرالعربي الموشح في بلاد الاندلس ثم انتشر في المغرب العربي والمشرق ايضا  وخلال تتابع الايام وحاجة الانسان العربي  لنوع معين من الادب  اوجدت انواع اخرى منه  مثل الزجل  والمواليا والكان كان والدوبيت وغيرها من انواع  الادب الشعبي وحسب متطلبات كل عصر ودهر و حتى وقت تقهقرها وتخلفها نتيجة احتلالها من قبل اقوام اخرى وخراب بلدانها  . لذا – وانا اكتب عن الشعرالعباسي وتطوره وحركة التجديد فيه  الا ان اكتب او اشير الى بعض الفنون  التي ابتكرت  فيما بعد هذا العصر وتعتبر امتدادا اليه  وهذا من الامورالطبيعية  في كل المجتمعات الانسانية .



1-   الموشحات الاندلسية :



       الموشح منظومة شعرية  تتميز بتعدد القوافي وبخروجه على بحور الشعر العربي المعروفة  في بعض الاحيان وتنويعها في الموشح الواحد  وربما يكون مؤلفا  من اربعة عشرا بيتا  على الاكثر على وزن ايقاعي غنائي معين  غير مقيد وقد يزيد او ينقص عن ذلك .

       والموشح  هو وزن  معين من اوزان الشعر العربي  المالوفة في الشعر العربي  الا ان اواخره موشحة اما بجمل متوازنة متحدة القوافي  يؤتى بها في اخر كل مقطع من مقاطع الموشح العديدة او موشح بقواف  ثنائية او ثلاثية اورباعية   وهكذا .

      ظهر الموشح على حقيقته كفن  قائم في بلاد الاندلس لاول مرة أي ان الموشح قصيدة شعرية  كانت موجودة في الشعر العربي تطورت وفق تطور الحياة  العربية في الاندلس وما املته هذه الحياة من ايجاد نوع من الشعر  احتاجته الاذن العربية  او النفس العربية هناك ليتفاعل معهما في الغناء والنفس الطرية  التواقة الى كل جميل  وجديد .

     اول من ابتدع الموشح في شكله الجديد في العربية الشاعر الاندلسي  - مقدم  الفريري – وقيل  انه  الشاعر محمد  بن  حمود  القبري  وقيل 
ايضا انه ابن عبد ربه الاندلسي صاحب كتاب ( العقد الفريد) وقيل غيرهم       وقد اكثر الشعراء بعد ذلك من نظمه والتغني به وانشاده كثيرا  في دواوين  وبلاطات  الامراء الاندلسيين أي كأنه ابتدع من قبل شعراء هذه البلاطات  والداخلين في خدمة الامراء والخلفاء  .

        والموشح  على العموم  متكون من عدة اجزاء  وكما يلي :

المطلع : وهو القفل الاول  فيه  
الدور :وهو ماياتي بعد المطلع  
السمط : وهو كل شطر من اشطر الدور
الغصن :وهو الشطر الواحد من اشطر المطلع   
البيت : وهو ما يتكون من الدور والقفل  الذي يليه مجتمعين 
الخرجة :وهو مايمثل القفل الاخير من الموشح . وهذه هي الجزء الوحيد الذي لا يلتزم  بالفصاحة ولا الاعراب بل في الاغلب ياتي عفويا قد دخلته ايضا الكلمات المحلية او العامية .

      وتعد الموشحات  الاندلسية اكبر حركة  تجديدية في  الشعر العربي  واوزانه التقليدية في تلك البلاد وذلك لحاجة هؤلاء الى الغناء والطرب وباساليب  ومعان جديدة واضحة المعاني جلية الصورة سهلة الاسلوب  تشنف الاذان وتطرب السامع  بالحانها الجميلة  وكلماتها  الفياضة الداخلة الى القلب مباشرة  .

         اما اغراض الموشح فكثيرة  فهي مماثلة للقصيدة العربية في اغراضها  كالغزل والمدح والهجاء والرثاء  وغيرها.:

ومن هذه الموشحات هذا الموشح الذي يتغنى به المغنون لوقت قريب  وقيل انه  موشح مشرقي نظمه  الخليفة العباسي  الشاعر ابن المعتز .

ياحلو  يااسمر      غنى بك السمر
رقوا ورق الهوى    في كل ما صورا

---------------------

ما الشعر ماسحره    ما الخمر ماالسكر
يندى على ثغرك      من انفاسك العنبر

--------------------------

والليل يغفو على        شعرك او يقمر
انت  نعيم الصبا       والامل  الاخضر
ما لهوانا  الذي        اورق      لايثمر

-------------------------

قد كان من  امرنا    ماكان هل يذكر
نعصر من ر وحنا    اطيب ما  يعصر

----------------------------

نوحي الى الليل     ما يبهج او يسكر
نبنيه   عشا  لنا       ياحلو يا  ا سمر


2- الزجل :-


         الزجل في اللغة يعني الصوت  وجاء من  السحب التي كانت ترعد  . والزجل اشبه بالرعد من السحابة  وقد تطور من الشعرالعربي  في الاندلس ونشأ في الأندلس في أواخر القرن الرابع الهجري وقيل ان  ابا بكر بن قزمان اول من كتب فيه وبعضهم يعتبر( ابن عبد ربه ) صاحب كتاب (العقد الفريد) اول من  كتب فيه وطوره وجنح نحو التصوف والزهد بسبب المصائب التي أحاطت بالأندلس ، وانتقل إلى المشرق ومصر قبل كل البلاد لقربها من المغرب وأول من عني به من المشارفة صفي الدين الحلي في كتابه العاطل الحالي والمرخص الغالي اذ جعله في أول الفنون الشعرية غير المعربة ، وكذلك جاء ذكره في كتاب (بلوغ الأمل في فن الزجل) لتقي الدين ابي بكر بن حجة الحموي الشامي  حيث تابع الاهتمام بهذا الفن بعد صفي الدين الحلي .

       ويذكر لنا صفي الدين الحلي في كتابه ( العاطل الحالي) رأيه في مكانة هذا الفن , فالزجل هو اكثر الفنون المستحدثة اوزانا  وارفعها رتبة وارجحها ميزانا  و.. واشرفها نسبة  فاوزانه متعددة وقوافيه متجددة  .

    والزجل عادة يتالف  من أربعة اشطر وثلاثة مصاريع  الثلاثة الأولى من روي واحد معين والرابع مغاير له .ويشيع الجناس في القوافي الثلاثة الاولى ،وقد ينظم الزجل من الأقفال التي لا يزيد الواحد منها عن بيتين ويكون للصدر روي وللعجز روي ربما  تكون  قافية واحدة  وفن الزجل يصلح للغناء  بسبب غلبة التسكين فيه وبعده عن جادة الإعراب في العربية ى وقد نظم على موسيقى البحور الشعرية والفراهيدية العربية المعروفة.وربما نظم على غيرها  والملاحظ  للزجل انه يتكون من اربعة اشطر حيث يشيع الجناس في الثلاثة الاولى . وياتي في تشكيله على شكل اقفال  ولا يزيد القفل الواحد منها عن بيتين ويكون للصدر روي وللعجز روي او تجمعهما  قافية واحدة .
 ولابي بكر بن عبد الله بن ايبك الدواداري المصري  هذا المقطع :

يا مالك الحسن أرفق بالمستهام

 العليل حياته قربك

ولكن ما يلتقي له سبيل

خدام حسنك كثير

هم سبحان من صورك

وصفك جميل ووجهك صبيح

 ما ازهرك

ياقوت وجوهر بثغر وريحان

عذارك شرك

كافور خدك وعنبر خالك

أهاجوا الغليل بمهجتي

يا معيشق وصوروني ذليل

       وانتقل الزجل إلى الشام واستساغه العامة والخاصة ونظموا فيه ومن أشهرهم ( شهاب الدين احمد بن عثمان الامشاطي) و(ابن حجة الحموي )،و يذكر( ابن حجة الحموي) في كتابه ( خزانة الأدب) فيقول :

(ان الشيخ شمس الدين بن الصائغ قد استشهد في شرح البردة الذي سماه (الرقم) بغالب أهل عصره فيما عرض من أنواع البديع حتى اورد لهم شيئا من محاسن الزجل) .

       ولما  وصل الزجل إلى العراق اقبل عليه الشعراء  ونظموا فيه أمثال صفي الدين الحلي في كتابه العاطل الحالي والمرخص الغالي ومن ذلك قوله المنشور في كتابه المذكور اعلاه  في مدح الملك الصالح شمس الدين بن غازي بن ارتق صاحب ماردين حيث يقول :

انت يا قبلة الكرام زينة المال والبنين..

 الله يعطــــيك

فــــــوق ذا المـــقـــــــــــــــــــــام

ويعيــــــــدك على السنيـــــــــــــن

انت شامة بيــن الأنام الله

يحرس شـــــمائلك

ويؤيـــــــدك بالــدوام تانعيش

 في فواضــلك

وتانطوي ذكر الكــرام

 تاننشــر فضـــــــــائلك

ونهنيك بـــــــــــــــكل عام

والخلائق تقول آميــــــــــن


3- الكان وكان :-



      والكان كان  فن اخر اخترعه  العراقيون في بغداد  وظهر في القرن الخامس الهجري وشاع بعد ذلك وسمي بالكان وكان لأن العراقيين  يحكون حكاياتهم  ويبدأن بقولهم كان يا ماكان في قديم الزمان ... وقد سمعناها من ابائنا واجدادنا وهم يحكون لنا الحكايا ت في العقد الرابع والخامس من القرن الماضي  وكانت  للدلالة على أنها روايات لا أصل لها ولا سند .

   ويذكر الدكتور كامل مصطفى الشبيبي في الحديث عن وجه الشبه بين الكان كان وفن أخر شاع انذاك ويطلق عليه ( الفلك المحملة بأصناف بحر السلسلة )  او ما  يعرف بالسلسلة بان هذا الفن من الشعر الملحون وينظم بأربعة إقفال مختلفة ويكون القفل الأخير منه (الرابع) مردفا بحرف علة وتسمى الأقفال الأربعة بيتا حيث يمكن للشاعر نظم أبيات عدة على قافية القفل الرابع وعليه  يكون  لهذا النوع من الشعر او الفن وزن واحد هو :

مستفعلن فاعلاتن مستفعلن مستفعلن
مستفعلن فاعلاتن مستفعـلن فـعــــلان

    ويعتمد  في هذا الفن القول  بالحكم والأمثال والمواعظ والزهد ،ومما يذكره الشاعرالعراقي  الشاعر صفي الدين الحلي في كتابه (العاطل الحالي والمرخص الغالي ) واتبع طريق النظم فيه ، وظهر مثل العلامة (جمال الدين بن الجوزي) و(الشيخ شمس الدين بن الكوفي) ،فنظموا فيه المواعظ والحكم والأمثال وغيرها .

        وانتقل فن الكان كان إلى مصر وسمي (الزكالش)  والعراقيون يسمونه (الكان وكان)  ،وأما في الشام فلم يكن له اثر بارز. ومما قيل فيه ماجاء في ( كتاب الكشكول ) لبهاء الدين العاملي  في مخاطبة الغافلين عن ذكر الله تعالى  فيقول :


إلى من غفل وتوانى الركب فاتـــك صحبته

وفي الدجى حدا بيهم الــحادي وحث النوق

حث الــمطايا لعــلك بـمــن تـــقدم تلحـــــــق

من لا يحث المطايـا ما يبصر المعشـــــــوق

فناقتـــك تتضــــــمخ من شــدة السيـــر بالدما

تصـــل إلى مواطنها مضمـــخــه بخـــــــلوق

ياذا مطلب قد بلغت الارب وقد زال التعب

إلف الفت فالناقــــة لها عليك حقــــــــوق

يا بدر ثـم تجلــــــى وتيم الخلـــق منظره

جميع من في العالم الــى لقاك مشـــــوق

فبالنبي محمــــــد وحــق مولانا علي

ما تيــم القلــب الا قوامـــك المشـــوق


ومما قيل فيه من المصريين  قيل في مجلس الامير( الصالح بن روبك ) يقول فيه :

النار بين ضلوعي       ونا غريق في دموعي

كني فتيلة قنديــــل       أموت غريق وحريــق

وقول إبراهيم المعمارفي ذلك : -

شكوت للحب دائــــي       وما ألاقي من الهوى

وقلـت :يا نــور عيني      قد شفنــي التبريــــح

قال تدعي الحب تكذب        مـــارا عليك دلائله

قلت :اكتمه في فـؤادي       فقــال: هــذا ريــح



4-  المسمط :



      المسمطات  نظم على  وزن بحر الرجز  في الغالب . وهي قصائد تتألف من أدوار وكل دور يتكون من أربعة أشطر أو أكثر، تتفق كلها في القافية، ما عدا الشطر الأخير. الذي يستقل بقافية مغايرة، ويتحد في ذات القوت مع الشطور الأخيرة في الأدوار المختلفة. ولذلك يسمى عمود المسمطة أي محوره الذي يرتكز عليه.

       ومن السهل  أنه يمكن  ترتيب هذه المسمطات  ترتيباً آخر تخرج
 به عن المسمطات، إلى وزن عادي يتضمن قواف داخلية، فتصبح وقد اكتسبت  لوناً آخر من الوان  التجديد  لمسناه عند كثير من الشعراء العباسيين:

      سلاف دن كشمس دجن
                                             كدمع جفن كخمر عدن
    طبيخ شمس كلون ورس
                                           ربيب فرس حليف سجن
    يا من لحاني على زماني
                                              اللهو شاني فلا تلمني




5- المواليا :-


       ان ناظم هذا اللون من الشعر  يسمى ( الموالي ) ،نشا في واسط  من اعمال الكوت  في العراق واخترعه أصحاب البرامكة بعد نكبتهم لان هارون الرشيد حرم على الشعراء رثاءهم  باللغة الفصحى فراح الشعراء يرثونهم بلهجة عامية وتنتهي عبارة رثاء الشعراء بكلمة (يا مواليا) فعرف بهذا الاسم . وهذا اللون هو من جراء تزايدات الشعوبيين الذين عز عليهم  مصرع البرامكة والقضاء عليهم  ،أو أن سبب التسمية كما يذكر لنا الدكتور صفاء خاوصي في كتابه( علم القافية ) موالاة قوافيه بعضها بعضا .

    ويتكون المواليا من أربعة مصاريع متشابهه الأواخر ساكنة الروي وعلى بحر البسيط :

(مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن )  ( مستفعلن فأعلن مستفعلن فعلن)

أي تام البسيط او مجزوء البسيط اوربما جاء من  مخلع البسيط فهو من وزن واحد فقط ، وفي كتاب ( وفيات الأعيان ) الجزء الاول  قال ابن خلكان فيه :

( ان البغداديين لا يتقيدون بالاعراب في المواليا ،فهم ينظمونه كيفما اتفق )

ومن المواليا قول احد البغداديين ولم يذكر اسمه :


ظفرت ليلة بليلى ظفرة المجنون

وقلت وافى لحظي طالع ميمون

تبسمت فأضاء اللؤلؤ المكنون

صار الدجى كالضحى فاستيقظ الواشون

      ومن المعلوم ان المواليا شاع في نهاية الدولة العباسية ومن الذين نظموا فيه حسام الدين الحاجري الاربلي  ومجد الدين النشابي وعز الدين الموصلي وعلي بن ابراهيم بن معتوق الواسطي وصفي الدين الحلي  ومن المواليا  ماقاله (البدر الزيتوني ) بعد القرن التاسع  حيث قال في مدح الرسول الكريم :

امدح لامة محمد يظهر الإيناس

وحده في المدح واخزي الحاسد الخناس

منهم ورب الفلق في سائر الأجناس

من القدم خير امة أخرجت للناس

وكذلك قوله :

لم تدعي الذوق والوجدان والاحوال

وانت خالي من الاخلاص في الاعمال

ارجع لجســمك فــسم البين لك قتــال

ترمي حجر مايشيلة خمسميت عـتال

ومنه  قول (حسام الدين الحاجري الاربلي) مواليا وقد قاله في حبيبته التي رآها في المنام وكأنها قد عادت اليه  بعد  قطيعة  وجفوة يقول :

يامن ملكني وعن طرف الوفا عرج

اطلق رقادي وجفني بالسهر زوج

ومن لحسنك بتاج الحسن قد توج

عيد الوصال فبحر الشوق قد موج


   وجاء في وفيات الاعيان لابن خلكان  مواليا ينسبها  الى (عمر ابن الفارض ) الصوفي المعروف وكان يتميز بان ما كتبه المصريون اصطلاح لا يراعون فيه الاعراب  ولا ضبط  اللغة  ويجوزون اللحن فيه  فجاء اكثره ملحونا  لانهم لا يؤاخذون على اللحن او الضبط  ويتبين ان اغلب الصوفيين كانوا يستخدمونه في مدائحهم  واغانيهم او تراتيلهم  الدينية يقول فيها :

لم تدعي الذوق والوجدان والاحوال

وانت خالي من الاخلاص في الاعمال

ارجع لجســمك فــسم البين لك قتــال

ترمي حجر مايشيلة خمسميت عـتال


اما في الشام فقد رغب الشاميون في المواليا وشاع بينهم ومن الذين نظموا  في  هذا الفن  (عز الدين إبراهيم  بن محمد ) المعروف ( ابن السويدي) و(علي بن مقاتل الحموي)  و(صلاح الدين ألصفدي ) ومن المواليا لابن السويدي حيث يقول:

البدر والسـعـد :ذا شهبــك وذا نجمــك

والقد واللحظ: ذا رمحـك وذا سهمــك

والبغض والحب :ذا قسـمي وذا قســمك

والمسك والحـسن : ذا خـالك وذا عمــك

        وكان للمواليا  في مصر والشام تقارب عجيب والسبب في نوعية وطبيعة  الحكم  حيث  ان المصرين قد خضعا للحكم الأيوبي وأدى ذلك  إلى التشابه بين موالي أهل الشام ومواليا أهل مصر ويسمى عندهم ( الدوبيت ) أي البيتين  اما في المغرب العربي  فقد شاع بينهم  وعرف  هذا النوع من النظم عندهم  وكانوا يسمونه  (العيطة)  وهو اقرب ما يكون في تركيبه إلى المواليا القديمة الرباعية  وغالبا ما تنتهي هذه المنظومة  بكلمة (يا سيدي.. )  .


6- البند :-


       فن أدبي نشا في العراق في أواخر القرن الحادي عشر الهجري ثم انتقل إلى منطقة الخليج العربي وشاع فيها مدة ثلاثة قرون كما يذكر  الاستاذ (عبد الكريم الدجيلي) في كتابه  (البند في الأدب العربي ).

       والبند يكتب على شكل نثر فهو يشبه النثر في كتابته وياتي على وزن بحر الهزج  ( مفاعيلن مفاعلين مفاعيلن )  مكررة وكفها جيد وحسن والكف هو حذف نون مفاعيلن لتصبح مفاعيل ، ويجوز في اول التفعيلة الحزم وهو زيادة في اول التفعيلة ولا يعتد بها في المقطع  ويغلب الحذف  في اخرها  بحيث تكون (مفاعي ) وكذلك الخرم  وهو حذف اول متحرك من الوتد المجموع  بحيث ( مفاعيلن) تصبح (فاعيلن)  وأما الحزم فهو زيادة في أول التفعيلة  لا يعتد بها في المقطع ،ويغلب في آخر جزء منه الحذف فتاتي تفعيلته (مفاعي) .

     والبند اشبه بالشعر الحر من حيث إقامة الوزن على التفعيلة دون الاشطر ،ولقد اشتهر الكثيرون في نظم البند منهم ( شهاب الدين  بن معتوق البغدادي ) و(عبد الرؤوف الحسين الحسني ) و( محمد بن احمد الزيني ) و(عبد الغفار الأخرس  وغيرهم  وجاء في كتاب ( ميزان البند ) للاستاذ جميل الملائكة :

 ان العراقيين  ينشدون البند  بطريقتين :

الأولى/ الوقوف اختيارا في مواضع القوافي حيثما يمكن الوقف لأجل الموسيقى وهذا هو الشائع في الانشاد .
الثانية / إعراب أخر الكلمات كما في التلاوة السريعة.

       وقد نظم البند في المدح   كما قال الشاعر (عبد الغفار الأخرس) يمدح فيه السيد سلمان بن السيد علي القادري الكيلاني متولي الاوقاف القادرية فيقول فيه :

محب ذائب الدمع

رماه البين بالصدع

بكى من حرقة الوجد

على من حفظ العهد

وخشف ناعم الخد

مليح عبل الردف

صبيح لين الوطف

أدار الكأس والطاس

وحاكى الورد والأس

لعمري منه خدا وعذارا

ولقد طالت عليه حسراتي

بعدما كانت قصارا

فهل يرجع ما فات

وهيهات وهيهات

فلو تنظر أشياء نظرناها

بأيام قضيناها

بحيث ابتسم الزهر

وقد بلله القطر.



7-  القوما :-

        ظهر هذا الفن  في بغداد في أواخر الدولة العباسية  وقد اخترعه   ( أبو بكر محمد بن عبد الغني) الملقب  (ابن نقطة) ويذكر الشاعر (صفي الدين الحلي ) فيقول:

                 ( ان القوما ياتي  سهلا  ومأنوسا )

       ان البغداديين قد اخترعوه في شهر رمضان واصله ( قوما على السحور ) ويأتي على بحر الرمل أو الزجل  حيث  نظموا فيه  الغزل والعتاب وقد شجعه الخليفة الناصر العباسي وأجزل العطاء للشعراء الذين نظموا فيه وخاصة الشاعر ابن نقطة ومن بعده ابنه .

   وياتي نظم هذا الفن المستحدث سهلا ومأنوساعلى شكل أربعة إقفال ثلاثة منها تأتي على روي واحد وقافية واحدة وهي الأول والثاني والرابع  وأما القفل الثالث فأطولها وهو مهمل القافية. ومجموع الأقفال الأربعة تسمى بيتا ووزنه (مستفعلن. فعلان .أو فاعلان )،ومن  القوما ما نقله  لنا ( ابن حجة الحموي )في كتابه ( بلوغ الأمل)  في فن الزجل والمنسوب الى (غلى ) الولد الصغير لابن نقطة يقول فيه:

يــا ســـيد الســـــادات
لك بالكـــرم عـــادات
أنا بنـــي ابـــن نقطــه
وأبي تعيش أنت مات

       ومن القوما قول صفي الدين الحلي في الملك (المؤيد إسماعيل بن علي بن محمود صاحب) والمنشور في ديوان الشاعر  صفي الدين الحلي المسمى (العاطل الحالي والمرخص الغالي)حيث يقول:

لازال سعدك جديد

دايم وجدك ســعيد

ولا برحـــت مهنا

بكل صــوم وعيد

في الدهر أنت فريد

وفي صفاتك وحيد

فالخلق شعر منقح

وأنت بيت القصيد

       ويتضح عند قراءة هذا القوما فيها سمات اسلوب الشاعر الحلي واضحة :فغرضه المدح في شهر رمضان .ونعت الملك المؤيد بنعوت العظمة والجلال. وقد تم  وصف الملك بالجود والكرم دعا له  بالعمر المديد وبالعيد السعيد .

     وهذه الالوان من الفنون  الشعبية  او بصيغتها المحلية ولدت في العصرالعباسي الاول ومنها في الاخيرمنه  واستمرت  في ديمومتها عبر فترة الركود ( الفترة المظلمة ) ولسهولتها وقربها من امزجة ونفوس الناس او قل عامة الشعب لذا رغبها الاهالي وابناء العامة ونظموا فيها واختلطت لغتها الفصحى بالعامية في اغلب انواعها وكانت نتيجة تدهور وانحطاط  الاوضاع العامة في عموم البلاد العربية.



                     *****************************





  







الفنون والاغراض الشعرية




       اما فيما يخص الفنون الشعرية واغراضها  وكيفية  تطورها فاقول:

     مما  لاشك  فيه ان الأغراض الشعرية  في العصر العباسي هي امتداد للأغراض الشعرية في العصور السابقة  و لكنَّ هذا لا يعني عدم بروز موضوعات جديدة  فقد تطورت الموضوعات التقليدية  في العصر العباسي في الشعر و برزت موضوعات جديدة في هذا العصر واهمها مايلي :

      واول هذه الفنون الفخر و المدح  وهي اغراض  شعرية معروفة
 منذ  العصر الجاهلي  ومتداخلة  بين  الفخر والمدح , فقد كانَ مدار المدح  في الجاهلية  و في العصر الإسلامي و الأموي الكرم و المروءة و الشجاعة والاقدام  واقامة العدل ...  و في العصر العباسي  اشتق فن المدح  لنفسه  مضامين  جديدة  فقد  برز الإلحاح  في  هذا العصر على المعاني  الإسلامية  خاصةً  في  مدح  الخلفاء  و الوزراء على نحو  لم يُعهد  مِنْ  ذي قبل فالخليفة  في  نظر الشعراء هو  إمام  المسلمين وحامي  حمى الإسلام  و قد بالغ الشعراء في  وصف  مكانة  الممدوح  الدينية وخرج لى الغلو فيه  نلاحظ ذلك  قول أبي  نؤاس  في  مدح   الخليفة  هارون  الرشيد  وهي  حالة جديدة   لم  يسبق لها مثيل  :

  لقـد اتقيتَ الله حقَّ  تُقـاتـه
                                      و جَهَدْتَ نفسك فوق جُهدِ المُتقي

 وَ أَخفْتَ أهلَ الشِرك حتى أَنَّه
                                          لَتخَافكَ  النُطف التي لَمْ تُخلقِ

  وهذا الشاعر منصور التمري  يمدح  الخليفة  هارون  الرشيد  فيخرج في مدحه عن  المألوف في الإسراف  والغلو، بحيث يصل به الحد الى الابتعاد  عن العقيدة الدينية   فيقول فيه :
 أي امرئ بات من هارون في سخط
                                        فليس بالصلوات الخمس  ينتفع
إن المكارم  والمعروف  أردية
                                         أحلك  الله   منها   حيث  تتسع
إذا رفعت امرءاً  فالله  يرفعه
                                        ومن وضعت من الأقوام مُتَّضعُ

      كمَا  قام  الشعراء  بتصوير الأحداث  والحروب  في  قصائد  المدح  والفخر و بذلك أصحبت  قصائد  المدح  وثائق  تاريخية  تُصوَّر  البطولات العربية.  وافضل ما قيل  بهذا المعنى قصيدة  أبي  تمام الطائي في  فتح  مدينة  عمورية:

  السيف أصدق إنباءً من الكتب
                                        في حدَّهِ الحَدُّ بينَ الجد و اللعبٍ
 فتح  تفتح  أبواب السماء  له
                                       وتبرز الأرض في أثوابها القشب
تدبير  معتصم بالله،  منتقم لله،
                                         مُرتقبٍ    في   الله    مرتغب
        وبروز حالات التجديد في هذا الفن مثل  مدح المدن و التعصب  لها  و الإفاضة  في  تعداد  محاسنها . و أشهر المدن  التي نالها المدح الكوفة  و البصرة  و بغداد  باعتبار هذه المدن  مراكز رئيسية  للحياة الفكرية  و الاجتماعية  و الاقتصادية  في العالم  الاسلامي  او الدولة العربية  . وفي قصيدة المدح نجد التجديد في الشكل الفني والمضمون الشعري. وكذلك نجد السلاسة في انتقاء  التعبير في الأداء والخفة في الوزن مثل قول ابي العتاهية في مدح الخلفة المهدي :
     أتته  الخلافة   منقادة
                                         إليه   تجرر  أذيالها
      ولم تك تصلح   إلا  له
                                         ولم يك يصلح إلا لها
     ولو راغها أحد  غيره
                                        لزلزت الأرض زلزالها

ونلاحظ  قول عمارة بن عقيل في مدح بغداد:

أعاينت في طول من الأرض أو
                                     عرض كبغداد داراً إنها جنة  الأرضِ

صفا العيش في بغداد واخضر عوده
                                      وعيش سواها غير صاف ولا غض

تطول بها الأعمار إن غذاءها مريء
                                          وبعض الأرض أمرؤ من  بعض



       وفي العصر الثاني بقي اول هذه الفنون والاقرب الى نفوس  الخلفاء ووالامراء والقادة  هو الفخر و المديح فقد بلغ من التوسع شاءوا  كبيرا وعظيما  واتسعت آفاقه  وكان  من  اهم اسباب  تقدمه  ورقيه  واتساع  مفاهيمه  ودقة  اساليبه تقريب  الخلفاء  والامراء  الشعراء  اليهم  وكثرة  وجود  العديد  من العواصم والمدن التي  يتواجد فيها الامراء ومحاولة كل منهم ان  يجمع  اكبر عدد من الادباء  الشعراء  والعلماء  في  مجلسه  ليكون افضل من مجالس الاخرين . وبذخهم المال على هذه المجالس  ومنح  الهبات  والعطايا  السنية  للشعراء  وغيرهم  ومنهم من  امّل الشعراء بالامارة كما فعل الاخشيد مع المتنبي  ومنهم من اهدى الشعراء الضياع والجواري الحسان اضافة الى المال الكثير فكانت هذه اسباب ا زدياد وجود الشعراء  وتهافتهم على هذه المجالس  فكثر  المدح  والفخر والغلو فيهما .

      وقد تميز المدح  في هذا  العصر بالاطراء  والمبالغة  كما  وصف المعارك والامراء وهم  يقاتلون وينافحون عن البلاد وكذلك مدح الامراء والقواد  والشجعان من المقاتلين و ذكر تلك الانتصارات التي حققوها  في هذ ا العصر  كما  فعل  المتنبي   والشريف الرضي وابن الهبارية  وابن مطروح  وابن النبيه وغيرهم .

     يقول المتنبي في  مد ح سيف الدولة الحمداني :

 رايتك محض العلم  في محض قدرة
                                  ولو شئت كان الحلم  منك   المهند ا

  وما قتل  الاحرار   كالعفو   عنهم
                                 من    لك  بالحر   الذي  يحفظ   اليدا

  اذا انت  اكرمت  الكريم   ملكته 
                                     وان انت  اكرمت   اللئيم   تمر دا

 ولكن تفوق الناس  رأ يا    وحكمة
                               كما  فقتهم    حالا   ونفسا      ومحتدا

        والغزل  من  الفنون  المعروفة  منذ  القدم في  العصر  الجاهلي   و قد  تميز  فيه  عدة  اتجاهات  الاول  التغزل  بالمرأة  وفيه  اتجاهين:  الاول الغزل  الحسي  الجسدي
 والثاني الغزل العفيف ( العذري او البدوي ) –
 لاحظ كتابي ( الغزل في الشعرالعربي )
     و قد أدَّ ت  طبيعة  الحياة  في العصر العباسي  إلى  ازدهار فن الغزل  فظهر أثر ذلك على الحياة الفكرية، فتميزت صورته الشعرية بالجدة  والطرافة، وكمثال  للتجديد والابداع  اذكر  أبيات الشاعر
بشار بن برد  حيث يقول:

  لم  يطل ليلي   ولكن  لم  أنم
                                         ونفى عني الكرى طيفٌ ألم
  ختم  الحب  لها  في عنقي
                                        موضع الخاتم من أهل الذمم
 ان في بردي  جسما ناحلا
                                        لو  توكأت  عليه      لانهدم
ختم الحب  لها في  عنقي 
                                        موضع الخاتم  من  اهل الذمم

       وبرزت في هذا العصر  أنواع عديدة وجديدة  من الغزل كالغزل القصصي و هو امتداد  لما  كان  معروفًا  في  العصور السابقة  وكذلك  الغزل  الحسي  او الجسدي ولكنه  صار أكثر مجونًا وخلاعة و تعابثًا.  
و للزندقة  والشعوبية دور كبير في شيوع  هذا  الغزل وانتشاره  و تعدد  الملاهي  وذيوع  الآراء  والافكار  الإباحية التي نشرها الموالي .
 نلاحظ  قول  حماد  عجرد في الغزل :

أني لأهوى (جوهراً)  ويحب قلبي قلبها

وأحب  من حبّي لها  من  ودَّها  وأحبها

وأحب  جارية  لها   تخفي  وتكتم  ذنبها

   ومن الغزل العفيف  وهو امتداد للغزل العذري في العصرالعباسي الاول  قول  العباس بن الاحنف يتغزل في حبيبته (فوز ) :

ألم تعلمي يا فوز أني معـــــــــــــذب ُ
                                       بحبكم , والحين للمرء  يجلــــــــــــــــب ُ

وقد كنت أبكيكم بيثرب مـــــــــــــــــرة ً
                                        وكانت منى نفسي من الأرض ِ يثـــرب ُ

أُؤملكم حتى إذا ما رجعتمـــــــــــــــــــوا
                                         أتاني صدود ٌ منكم ُ وتجنــــــــــــــــــب ُ

فان ساءكم ما بي من الصبر , فارحموا
                                        وان سرّكم هذا العذاب , فعذّبــــــــــــوا

فأصبحت ُ فيما كان بيني وبينكـــــــــــم
                                   أحدّث عنكم من لقيت ُ فيعجـــــــــــــب

  وكذلك  وجدت  رسائل الحب والهوى  في  هذا الغزل كما كانت في العصر الاموي عند  عمر  بن  ابي  ربيعة  المخزومي  وغيره من شعراء الغزل  .
 يقول بشار بن  برد وهو شيخ المجددين   في إحدى رسائله:
من المشهور   بالحب      إلى  قاسية   القلب
سلام  الله ذي العـ ـرش،   على وجهك يا حِبِّيَ
فأما   بعدُ  يا  قُرَّ           ة عيني ومنى قلبي
ويا نفسي   التي تسكن     بين الجنب  والجنب
لقد  أنكرت  يا عبدُ         جفاء منك في الكُتْبِ

        ولون  جديد  او اخر  ظهرَ في الشعر العباسي هو الغزل  بالغلمان أو الغزل بالمذكر. على ايدي نخبة من الشعراء  المجان مثل  والبة بن الحباب  وابو نؤاس  والحسين بن الضحاك وغيرهم . حيث خطى بعض الشعراء  بالغزل  خطوات  واسعة  الا انها  كانت  في اللهو  والفجور، واللهاث وراء الإباحية والمجون العابث. وخاصة بعد انتشار مجالس اللهو والشراب التي امتلأت بالقيان والمغنيات اللاتي خلعن ثياب العفة، وعشن على الفجور، وأحاطت بكل شاعر  بعض منهن وخاصة  أعلام الشعراء فقد التف حولهم هؤلاء الفاجرات ممن ينشدن  اللذة  والعبُّ من كئوس الشهوات  فانحدروا في غزلهم الإباحي المستعر بعشق الجسد والرغبة الحيوانية. انحداراً واسعا وبلغ من حدة هذه الموجة  الماجنة  فهذه الشاعرة عنان الناطفية  تقول في احد مجالسها الشعرية :

خليليَّ    ما    للعاشقينَ    (.... )   
                                        ولا   لحبيبٍ   لا   ينالُ    سرورُ

فيا معشرَ العُشّاقِ ما أبغضَ الهوى    
                                      إذا  كان  في  (.... ) المحبِّ   فتورُ

        وكذلك  من  حدة  هذه  الموجة  أن  يشيع  الاستمتاع  بالغلمان  والتغزل  بهم. تلك  العادة  القبيحة  المزرية  بكرامة  الإنسان والتي  كانت  شائعة  بين  الفرس، وعمت  بلواها المجتمع  العباسي على  أيدي بعض الفاسدين  من الموالي، ومن سار على خطاهم  ممن  احب الإباحية  ومن المخنثين من الرجال والغلمان .
    فتحول هذا النوع من الغزل في هذا العصر إلى دعارة وفجور واستجابة صارخة لغرائز هم الجنسية .
ومن ذلك ما قاله أبو نواس في التغزل بغلام:
           يا بدعة في مثال
                                         يجُوزُ حدَّ الصفات
           فالوجه بدر تمامٍ
                                        بعينِ   ظبي  فلاةِ
         مذكَّرُ حين يبدُو
                                        مؤنَّث    الخلواتِ

       فقد نقل الشعراء  الماجنون  إلى الغلمان  معظم الأساليب الغزلية التي كان  يوجهونها  إلى المرأة  فيتغزلون  بهم  حتى ليصعب  التمييز بين من  يتوجه إليه الشاعر بالغزل  الى  المراة ام الى الغلام  لولا  الضمير الخاص  بالمذكر. و نستشعر في هذا اللون  من الشعر  -  في رأيي – انقلابا  ًقاسيا  وظالما  لقيم المجتمع  المجتمع العربي  الرافض  لهذا النوع من الغزل   وكذلك  ان هذا  الغزل لم  يضف شيئا مهما او كثيراً إلى التراث  الغزلي السابق  ليغدو لوناً  من الوان  الشعر يمثل سمة للأدب العربي بقدر ماكان قذى او قذارة  في عيون  قائليه  ومتلقيه.
يقول والبة بن الحباب في غلام متغزلا به :

         ﻗﻠﺕ  ﻟﺴﺎﻗﻴﻨﺎ  ﻋﻠﻰ  ﺨﻠﻭﺓ
                                               ﺃﺩﻥ ﻜﺫﺍ ﺭﺃﺴﻙ ﻤﻥ ﺭﺃﺴﻲ

          ﻭﻨﻡ ﻋﻠﻰ ﻭﺠﻬﻙ ﻟﻲ ﺴﺎﻋﺔ
                                                ﺇﻨﻲ  ﺍﻤﺭﺅ ﺃﻨﻜﺢ   ﺠﻼسي   

        وهناك  نوع  اخر من الغزل  هو الغزل الصوفي  جاء ردا صارخا على الغزل الاخر  وهو نوع  جديد  اذ  تطرّق  الصوفيون  إلى الحب  فجعلوا  محبتهم لله تعالى وجعلوا منه النور الذي يُستضاء  به   والسر الذي يتكئ عليه والمشعل الذي يسير الصوفي على هداه ليؤكدوا  قاعدة  اساسية هي ( أن  الحب هو طريق  الوصول إلى الله )  وهذا  يعني  أن غاية  الحب  القصوى هي  الاتصال  بالله  تعالى مما  يمهــد الطـريق للمعارف والإشراقات والفتوحات  وتلازم الأقوال والأفعال  مع  بعضها  ليكون  الحب الإلهي  قمة السلوك البشري الرفيع   كالتوبة  والإنابة  والورع  والزهد ، والتوكل  والرضى .. وما  إلى ذلك   مما  يدعو إلى التحرر من  صرخة الجسد  وطغيان  الرغبات  الحسية   بالترفع  إلى المعاني الراقية  والمراتب الذوقية التي تنأى في كل الأحوال عن  شؤون المعرفة  العقلية  حيث الذوقُ  والكشفُ  وميلُ  القلب  إلى الله  وليس لسواه ، فيطيب عيشه  وتصفو نفسه فالحب الصوفي  فناء مطلق  يجعل من الحب والمحبوب كُلاً موحِّداً  .
لاحظ كتابي ( شرح ديوان الشيخ عبد القادرالكيلاني وشئ في تصوفه ) الجزء الاول   الصفحات \  93-104     .

        فالحب الروحي  و المثالي المجرد عن رغبة الجسد   ونزوة الغريزة ، يجعل من  صاحبه  في  حالة  اندماج و التصاق  حقيقي بالمحبوب  فتتألق  النزعة  الوجدانية  الصافية  في  شعر الحب  الصوفي .  

     ومن شعراء الصوفية:  رابعة العدوية و الحلاج  والسهرودي والقشيري  وابن  الفارض  وابن عربي  والشيخ عبد القادر الكيلاني  وغيرهم  وتلاحظ  قول السهروردي :

لمعت نارهم وقد عسـعس     
                                    الليل وملّ الحادي وحار الدليل

فتأملتها وفكري من البيـن  
                                     علـيل ، ولحظ الغرام الدخيلُ

وفؤادي ذاك الفؤاد المعنّى   
                                      وغـرامي ذاك الغرام الدخيلُ

ثم مالوا إلى الملام فقالوا :    
                                         خُلَّبٌ مـا  رأيـت أم تـخييلُ


          اما  في  فن الوصف  فالشعراء  بطبيعة  انفسهم  ودواخلهم  وصّافون  وبسبب اتساع خيالهم و دقة ملاحظتهم فالشعر العربي زاخر بفن الوصف ابتداءا  من العصر الجاهلي وحتى الشعرالمعاصر في هذا الوقت .  اما  في  العصر العباسي  فنظراُ  للتطور الحضاري  و النمو  الاقتصادي  اتسع  مجال  الوصف  وظهرت عدة  اتجاهات في الوصف اهمها  الاتجاه  القديم  وقد امتدت  يد الحضارة  لهذا الاتجاه بالتهذيب  والتطوير وفقا  للتطور الزمني  والحضاري  وفيه  وصف الشعراء  الرحلة  في الصحراء  ووصف  الناقة  و الفرس و الليل  والضحى       و النجوم  و وصف  المعارك  و الحروب  ومن  ثم  الاتجاه  التجديدي      في العصرالعباسي  ويتمثل في الابتكار والتجديد اذ  كان  نتاج  التطور الحضاري و النمو الاقتصادي  و شيوع   الترف والاسراف , فوصفوا المظاهر الحضارية  كالجسور  والطرق والبساتين والرياض والحدائق والزهور والموائد  والقصور والمآكل والمشارب.

 نلاحظ   قول  ابي الفرج  في  وصف جسر جديد  شيد  
على  نهر دجلة في قصيدة له يقول :

أيا حبذا جسراً على متن دجلة
                                      بإتقان تأسيس وحسنٍ ورونق

جمالٌ وفخر للعراق ونزهة
                                     وسلوة من أضناه فرط التشوق

        كما  وصفوا  القصور وما  فيها  من فرش  وأثاث ورياش  وما يحيط  بها  من حدائق غنّاء  تتغني فيها  الطيور وتغرد وتلعب  فيها  الظباء والغزلان و وصفوا الآلات الموسيقية والنغمية والألعاب  ورحلات الصيد  والطرد  و وصفوا الخمرة  ومجالسها وأدواتها  وسقاتها  وغلمانها  وما  يتردد  فيها  من أصوات المغنين والمغنيات. 
       كان  الشاعر البحتري  كمجدد لهذا الفن ووصل به إلى مرتبة عالية  من الإجادة. ولكن هذا  الوصف  ظل  وصفاً  حسياً  له دلالته المباشرة  فوصف البحتري كثيراً ما يتجاوزه إلى خلطه بأحاسيسه وامتزاجه بها  أو ان  الشاعر المذكور في وصفه يرى الأشياء رؤية خاصة تمر خلالها بمشاعره، وتمتزج بها، وتحمل أثراً من اهتزاز تلك المشاعر، فهو عندما يصف إيوان كسرى يتجاوز الوصف إلى تجسيد إحساسه وشعوره إزاء ما يصف، ففي تصويره لما في إيوان كسرى من مناظر خلابة  يظهر  فيها الملك كسرى أنو شروان مرتدياً زيه الكسروي  متقدماً  جنوده  يخوضون  معركة  ضد الروم  البيزنطيين  الذين كان  الصراع بين  الدولتين  قائما  منذ مئات السنين فيبين تأثير ذلك على شعوره، فهو يكاد يشعر ان الحياة  تدب  في هذه الصورة ويتخيل أن أمامه جنودا حقيقية  بامكانه  تلمسها بيده  فيقول :
فإذا  ما رأيت  صورة   أنطا
                                        كية، ارتعت  بين  روم وفُرس
والمنايا   مواثلٌ،   وأَنُوشـر
                                   وان يُزجي الصفوف تحت الدرفس
في اخضرار من اللباس على أصـ
                                       ـفر  يختال  في  صبيعةِ  ورس
وعراكُ   الرجال   بين    يديه
                                  في خفوت   منهم  وإغماض  جرس
من مشيح  يهوى  يعامل  رمحٍ
                                    ومليحٍ    من    السنان     بترس
تصف  العين  أنهم   جِدُّ    أحيا
                                      ء، لهم   بينهم   إشارة   خرس
      اما في وصف الربيع فاذكر هذه الابيات  حيث يبشر بمقدمه بانبعاث الحياة وسريانها في كل المظاهر الطبيعة فتغدو الارض  معرضا زاهياً للجمال والورود  والبهجة  ومظاهر البشر والسعادة  فيقول الشاعر البحتري :

أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكاً
                                           من الحُسن حتى كاد أن يتكلما
وق نبه النيروز في غسق الدجى
                                          أوائل  ورد  كُنَّ  بالأمين  نُوَّما
يفتقها  برد  الندى،    فكأنه
                                          يبُثُ  حديثاً   كان  قبل   مُكتَّمَا
فمن  شجر رد  الربيع  لباسه
                                        عليه، كما  نشَّرْتَ  وشْيَّا  مُنَمْنَمَا
أحلَّ، فأبدى  للعيون  بشاشة
                                         وكان  قذى للعينِ إذْ كانَ مُحرِما
ورَقَّ نسيمُ الريح حتى حسْبته
                                        يجيءُ   بأنفاسِ  الأحبَّةِ    نُعَّمَا

        وكذلك في العصر الاخير  توسع فن الوصف  واتسعت  معالمه  ومجالات  القول فيه  فقد وصف الشعراء  المعارك الحامية التي دارت بين المسلمين والاقوام الاخرى  ووصفوا البلدان التي فتحت على ايديهم كما وصفوا بل وا كثروا من وصف الطبيعة ومناظرها الرائعة الخلابة ومظاهرها وجمالها الساحر  ووصفوا  مجالس الخمرة  ومجالس الغناء ووصفوا النساء المشاركات فيها  وهن  يرقصن  ويغنين  ووصفوا  الرياض  والقصور  والعمران   والورود  في الحدائق  و تفتقت  اخيلتهم في  هذه الوصوف  وظهرت  المقدرة  لدي العديد  من  الشعراء  مثل  الصنوبري الذي اختص في  وصف الطبيعة  والوءواء   الدمشقي والحمداني  والمتنبي  في  وصف  المعارك .

     يقول الصنوبري في وصف زهرة شقائق  النعمان :

           كأن  محمر  الشقيق   
                                      اذا  تصوب  او تصعد

         اعلام  ياقوت  نشرن    
                                     على بساط  من زبرجد

       وفن  شعر الطرديات  وهي قصائد قيلت  الطرد والصيد، وهو فن له جذوره في العصر الجاهلي الا انه  ترعرع و نمى وازدهر  في العصر العباسي  .و يُعدّ  الشاعر  أبو نواس افضل شاعر لشعر الطرديات في الشعر العربي  وأكثرهم تمثيلاً لها  لما بلغته هواية الصيد  في هذا العصر من  رقي  وحضارة وأكثر  طردياته  نراها حول الصيد  بالكلاب    و خلع عليها  أفضل  الأوصاف  من  شجاعة  وخفة حركة وبراعة على الوثوب على الفريسة واقتناصها .  و يصور عناية  صاحبه  عناية  شديدة به  فيقول  :
أنْعتُ كلباً ليس بالمـسْبوق
                                          مُطهمًا يجرى على العُرُوقِ
جاءتْ به الأمْلاك من سَلوق
                                          كأنَّه في المِقْود المَمْشُوقِ

وكذلك  اشتهر بالطرد والصيد الشاعر علىّ بن الجهم وابن الرومي .

      اما فن الهجاء  فنلاحظ  فيه في  العصر العباسي اتجاهين الهجاء السياسي والهجاء الشخصي وقد امتاز اللونان معاً بالسخرية  الشديدة والإيذاء المؤلم  فالهجاء السياسي في الاغلب اتجه نحو التركيز على الإنحراف الديني و نسب الشذوذ و الزندقة  للمهجوين .

       ومِنْ الهجاء  السياسي او الهجاء العام  قول دعبل الخُزاعي في هجاء المعتصم و الواثق:

     خليفةٌ ماتَ لمْ يَحزنْ لهُ أحدُ
                                           و آخرٌ قامَ لمْ يفرح به أحدُ

    فَمَرَّ هَذا وَمَرَّ الشُؤمُ  يَتبَعُهُ
                                          وَقامَ هَذا فَقامَ الشُؤمُ وَالنَكَدُ


       والهجاء  الشخصي اتجه نحو السخرية ورسم الصورالهزلية المضحكة والمعيبة  للمهجو. مثال  ذلك قول ابن الرومي  في
  الهجاء   :

         ولحية  يحملها  مـائق
                                          مثل الشراعين إذا أشرعا

        تقوده الريح بها صاغرا
                                           قودا عنيفا يتعب الأخدعا

        فإن عدا والريح في وجهه
                                         لم ينبعث في وجهه إصبعا

         لو غاص في البحر بها غوصة
                                          صـاد  بها  حيتانه  أجمعا

      وقد هجا بشار بن برد  الشاعر  حماد عجرد ووصمه  بالخنى ويرميه بالقيادة على زوجته، وفسقه وتجديفه  فقال :
ما ذاك يا عجرد بيت الخمار
رفيق فساق ومأوى دَعـار
عارٍ من الدين وليس بالعار

   و كان للهجاء المقذع بين الشعراء  انفسهم  وقع  شنيع على نفوس الذين هجوهم فيه حتى لو كانوا من ذوي سلاطة اللسان . فقد  هجا الشاعر حماد عجرد  بشار بن  برد  يعيره بعماه فقال فيه :
           وأعمى يشبه القرد
                                            إذا ما عمى القرد
           دنيء لم يرح يوماً
                                            إلى مجد ولم يغد
         ولم يحضر مع الحضا
                                        ر في خير  ولم  يبد
           ولم يخش لسه ذم
                                           ولم  يُرْجَ له  حمد
     ورد عليه  بشار  بهجاء  اقذع  مما  قاله فيه بعد ان بكى. بكى بشار من شدة وقع الهجاء على نفسه وتالمه الشديد فقد  طعنه  بسهام  مُصمِيةً في مقتل لم يتوقعه فقال فيه :
       نهاره  أخبث  من ليله
                                            ويومه أخبث من أمه
     ما خلق الله شبيهاً له
                                          من جنِّهِ طُرّا ومن إنسه
    والله ما الخنزير في نتنه
                                         برُبْعه في النتن أو خُمسه
    بل ريحه أطيب من ريحه
                                          ومسه   ألين  من  مسه
       وقد  بالغ  الشعراء  في الهجاء حتى  ليعد الهجاء في الإقذاع والفحش بالنسبة لنتاجهم الهجائي حتى ليحق لنا  ان نقول  مهما بلغ الهجاء الجاهلي  في حالته  ومهما انحدرت  إليه  النقائض  من  تنابز بالألقاب  وبالفحش ونبش  المساوئ  فان ما وصل اليه  الهجاء  في العصر العباسي  فاقه  وزاد عليه  وكان لضعف الوازع الديني وانغماس الناس  في الترف وملذات الحياة  أثراً في  بذاءة  الهجاء والإقذاع  فيه. والتفنن  في اختراع  معاني  جديدة  فيه . فهذا أبو نواس  يهجو
المفضل بن سيابة بالبخل فيقول :
أصبحت أجوع خلق الله كلهم
                                     وأفزع الناس من خُبْزِ إذا وُضِعا
خبز المفضل مكتوب عليه ألا
                                        لا بارك الله في ضيف إذا شبعا
إني أ؛ذركم من خبز صاحبنا
                                     فقد  ترون بحلقى اليوم ما صنعا

     واصاب الهجاء في هذا العصر  بعض التوسع و كان من اسبابه التنافس بين الشعراء حول الحضوة لدى الامراء  والخلفاء  .

      وتميز الهجاء في هذا العصر بالاسراف  في القول البذيء والنيل 
من الاعراض مما  يذكرني  بهجاء الحطيئة  في العصرين الجاهلي وصدرالاسلام  او شعر النقائض بين  جرير و الاخطل  او الفرزدق 

        ومن اشهر شعراء  الهجاء  المتنبي  وابن  الصياد  وما  هجاء
ابي الطيب  في  كافور الاخشيدي عنا  ببعيد  بعد ان  مناه  وامّله  كافور الاخشيدي بالولاية  ثم  نكث  فصب  المتنبي  عليه  غضب  الدهر ولعنة  الزمن  على  مدى الدهور والازمنة  وجعله اضحوكة  للاخرين  يقول :

 كلما  اغتال  عبد السوء  سيده
                                      او خانه  فله في  مصر   تمهيد

  نامت نواطير مصر عن ثعالبها
                                   فقد بشمن  وما تفنى       العناقيد

 العبد ليس  صالح   باخ
                                   لو انه  في    ثياب   الحر   مولود

لا  تشتري العبد  الا  والعصا معه
                                    ان   العبيد   لانجاس        مناكيد

 ما  كنت  احسبني ابقى الى  زمن
                                   يسيء  بي  فيه  كلب  وهو محمود

ولا توهمت ان الناس قد فقدوا
                                 وان  مثل     ابي البيضاء    موجود


 او قوله في قصيدة اخرى  فيه :

 أمينا  واخلافا  وغدرا  وخسة ؟؟
                                      اشخصا  لحت  لي  ام مخازيا ؟؟

    ثم  ان رخاء ويُسرُ الحياة في العصرالعباسي عند القمة المسيطرة او الطبقة المترفة من طبقات المجتمع  كان مجالاً لانتعاش فن جديد هو فن الفكاهة  وربما  نزوعه الى السخرية والتهكم  فيدخل  في  باب  الهجاء  حيث   نزعت النفوس في هذا الوسط نحو الحياة الصاخبة اللاهية إلى الإعجاب  بأساليب الفكاهة  التي  تزيد المجالس  بهجة  فكان الشعر الفكاهي الساخر . ومن امثلة  هذا الشعر ما قاله دعبل الخزاعي حين طار من داره ديك  فاخذه  بعض اصدقائه  الظرفاء وذبحه وأكله. فما كان من دعبل إلا أن نظم قصيدة فيه  شنع بها عليهم، ومن قصيدته هذه الابيات  الظريفة:
أسر (المؤذن) صالح وضيوفه
                                           أسر الكمي هفا  خلال  الماقط
بعثوا عليه بنيهمو   وبناتهم
                                             ما بين  ناتفة  وآخر سامط
يتنازعون كأنهم قد أوثقوا
                                           خاقان، أو هزموا كتائب ناعط

        والزهد  ليس  ظاهرةً جديدة على العصر العباسي  إنما  هو من عصر الصحابة  او التابعين  ثمّ  العصر الأموي الذي  برز فيه  الكثير من الشعراء  وفي أشعارهم  بوادر للزهد  والتصوف  مثل  الحسن  البصري والامام الشافعي  وقطع  الأسباب  المتصلة  بالقلوب .لذا  أصبح  الشعر الذي  ينظم  في الامور  الزهدية  والدينية  بذاته  اصبح  سلاحا  حادا يواجه  تيار الزندقة  و الإنحرافْ والمجون .

        والزهد  بحد ذاته يعتبر سلوكية يهدف للابتعاد عن الدنيا وهجرها  والالتزام  بالعبادات  والطاعات  الربانية . من ذلك يقول ابو العتاهية الشاعرالمعروف بزهده :

        اذا المرء لم يعتق  من المال نفسه
                                              تملكه المال  الذي هو مالكه

       الا انما مالي الذي انا منفق     
                                           وليس لي المال الذي انا تاركه

    او قوله :

          يا ساكني الاجداث  انتم
                                           مثلنا  بالامس   كنتم

         ليت شعري ما صنعتم
                                     لا    اربحتم   ام  خسرتم   


      وربما  اعتبر شعر الزهد اساسا  لشعرالتصوف  ومنبعا اليه. وشعر الزهد  الخالي  من  الغلو يتجلى في  شعر أبي العتاهية  وشعر أبي نواس الشاعر الماجن  بعد  توبته  في شيخوخته  فله  أبيات  في الزهد تعد من روائع الشعرالعربي  وقيل انه قالها  في اخريات ايامه  بعد أنَ  تيقظ  من غفلته و تاب إلى الله تعالى .

 نلاحظ  قوله في الزهد :

يا رب إن عظمت ذنوبي كثرةً
                                        فلقد علمت  بأن عفوك أعظمُ

أدعوكَ ربِّ كما أمرتَ تضرعاً
                                       فإذا رددت  يدي فمن ذا يرحمْ

إنْ كانَ لا يرجوك إلا مُحسنٌ
                                      فبمن  يلوذ و يستجيـر المجرم

مالي إليكَ وسيلةً إلا الرجــا
                                      و جميل  ظني  ثمَّ إني  مسلـمُ

       
         أما التصوف  فهو  نزعة  روحية خالصة  اساسها  المجاهدة  والرياضة  الروحية  والوصول  للكشف عن  الذات  الالهية. وقد ظهر من الرجال المتصوفين كثسر .اشتهر منهم الشيخ  معروف الكرخي  والجنيد  البغدادي  والحلاج  والقاضي الفاضل  والقشيري  وابن الفارض  والشيخ  عبد القادرالكيلاني والسهروردي وابن عربي وغيرهم كثير .

 لاحظ الشيخ عبد القادرالكيلاني يقول:


مافي الصبابة منهل مستعـــــــــــذب
                                         الا ولي  فيه الالذ  الاطيــــــــب

اوفي الوصال مكانة مخصوصــــــة
                                          الا و منزلتي اعز واقـــــــرب

وهبت لي الايام ر ونق صفوهـــــــا
                                          فغلا  مناهلها  وطاب المشرب

اضحت جيوش الحب تحت مشيئتي
                                        طوعا ومهما رمته لايغـــــرب


 راجع كتابي ( الغزل في الشعر العربي ) صفحة 233- 258.

       ومن  النساءِ المشهوراتِ بالعبادة والصوم والاستغراق في عشق  الذات  الالهية  الشاعرة رابعة العدوية  وقد  نادت  بالحب الإلهي  واتخذته مصدرا لشعرها .

لاحظ قولها  تناجي حبيبها  :

           أحبك حبين حب الهوى
                                             وحبـًا   لأنك  أهلاً  لذاكـا

          فأما الذي هو حبّ الهوى
                                           فشغلي بذكرك عمن سواكا

         وأما الذي أنت أهل له
                                            فكشفك للحجبِ حتى أراكا


     اما في  شعرالحكمة - وكانت هذه في الجاهلية ايضا قالها كثير من شعراء  الجاهلية  مثل زهير بن ابي سلمى  ولبيد – وقد  أثرَّت  حركة الترجمة الواسعة في  شعر الحكمة . فنجد أن بعض الشعراء في العصر العباسي استوعبوا الحكم  اليونانية  والفارسية و الهندية التي ترجمت للفارسية  ثم نقلها ابن المقفع  وغيره  إلى العربية فتمثلوا بها شعراً ، وضمنوا بعضها أبياتهم  مثل كتاب( كليلة ودمنة ) ذي الاصول الهندية  او  كتاب( الأدب الكبير) وكتاب ( الأدب الصغير)  اللذين نقل فيهما ابن المقفع من تجارب الفرس وحكمهم  الكثير .

لاحظ  قول  صالح  عبد  القدوس  يقول :

المرء يجمع و الزمان يفـرق
                                        ويظـل يرقع و الخطوب تمزق

ولأن يعادي عاقلا خيـر له
                                        مـن أن يكون له صديق أحمق

فارغب بنفسك أن تصادق أحمقا
                                     إن الصديق علي الصديق مصدق

وزن الكلام  إذا  نطقت  فإنما
                                     يبدي عيوب ذوي العقول المنطق

 ومن شعر بشار بن برد في الحكمة :

    اذا  كنت  في  كل الامور معاتبا
                                            صديقك لم تلق الذي لاتعاتبه

    فعش واحدا او   صل اخاك فانه
                                           مقارب  ذنب  تارة   ومجانبه

  اذا انت لم تشرب مرارا على القذى
                                      ظمئت واي الناس تصفو مشاربه


         اما الشعر الفلسفي فقد نشأ في الشام  او يكاد  ان يكون هكذا  ومنها تسرب .وممن  اقحم الفلسفة  في الشعر ابو العلاء المعري وابن سينا والرازي  وغيرهم  وكانت روح العصر تتطلب ايجاد مثل هذه الفنون  وهي في بعض الاحيان اقرب للحكمة .
 وتعجبني هذه الابيات  لابي العلاء المعري :

 اذا رجع الحصيف الى  حجاه
                                             تهاون بالشرائع   وازدراها

  فخذ منها  بما  اتاك    لب
                                           ولا يغمسك  جهل في  صراها

وهت اديانهم  من  كل  وجه
                                       فهل  عقل  يشد   به   عراها



       اما في  الرثاء  فقد  أثرَّت الحضارة  فيه  فبعدَ أن كان  الشعراء العرب  ينظمونه  في البحور الطويلة  اصبح  الشعراء  في هذا العصر ينظمونه في البحور الخفيفة. وفي رثاء الخلفاء  وليس جديدا على الشعر العربي رثاؤهم  . نلاحظ قول  ابي نؤاس في  رثاء  الامين :

طوى الموت ما بيني وبين محمّد
                                         وليس   لما تطوي المنية  ناشر

وكنت عليه أحذر الموت وحده
                                         فلم  يبق لي  شئ  عليه  أحاذر

    وفي العصر العباسي وجد  فن  رثاء المدن  فرثى الشعراء المدن التي اصابها  الضيم  او الحرب  فخربت  بعض  معالمها  فأصبح  حنينهم منصباً  على هذه المدينة، أو تلك  التي  يعيش  فيها الشاعر  او  التي نشأ فيها، او تشابكت علاقاته الاجتماعية مع أهلها  فرثيت القاهرة ودمشق والقيروان  ومدن الاندلس في كثير من القصائد . وقد رثى الشاعر الفضل بن العباس العلوي المدينة المنورة  مما حل فيها من تخريب  عندما دخلها محمد وعلي ابنا الحسن بن جعفر ابن موسى بن جعفر العلوي  سنة \ 291هجرية فخربا المدينة  وعذبا أهلها عذابا شديدا
 يقول :
أخربت دارُ هجرة المصطفى
                                      البر فأبكى خرابها المسلمينا
قبح الله معشراً أخربوها
                                       وأطاعوا   مشردا  ً معلونا

      كما بكى شعراء هذا العصر أبناءهم  ورثوهم  مثلما  فعل الشعراء  في العصور المتقدمة  قبلهم  ومِنْ ذلك رثاء ابن الرومي  لأ بنه محمد حين  توفاه الموت اوخطفته  يد المنون :

بكاؤكما يُشفي و إنْ كانَ لا يُجدي
                                         فجودا فقد أودى نظيركما عندي

بُنيَّ الذي أهدتـهُ كفاي للثـرى
                                       فيا عزَّة المَهديّ يا حسرةَ المُهدي

ألا قاتل الله المنايا ورميـها
                                       من القوم حبات القلوب على عمد

توخى حمام الموت أوسط صبيتي
                                           فللَّه كيف اختار واسطة العقد

       الا ان من  جديد رثاء  العصر العباسي رثاء المغنين  والاحبة والاصدقاء  و تضمن هذا الرثاء  أوصافًا  لم يعرفها  الرثاء  العربي. 
   و من  ذلك قول أحدهم  في رثاء المغني إبراهيم الموصلي:

          بكت المسمعات حزناً عليه
                                        وبكاه الهوى وصفو الشراب

         وبكت آلة المجالس حتى
                                          رحم العود دمعة المضراب

     اما  الخمرة  فهي  فنٌ أدبيٌ  ليسَ  بجديدٍ  على  الشعر العربي   وإنما  هو قديم  ابتدأ   قبلَ الإسلامْ  ومن أشهر الشعراء  في العصر الجاهلي   في  وصفِ  الخمرة الاعشى وعمرو  بن كلثوم وكثير من شعراء الجاهلية  ولما  جاء  الإسلام  أمر  بتحريمها   وحدّ  شاربيها  وصانعيها  وبائعيها وحامليها  . ولذا  قلّت  معاقرتها  والقول  فيها  واقتصر على  نفرٍ قليل  ممن لم يعتنقوا الاسلام وبالخفاء . وفي العصر الاموي انبعث هذا الفن  من جديد  على ايدي عدد  من الشعراء من غير المسلمين مثل الاخطل .

           وفي العصر العباسي شاعت الخمرة  وتوسعت مجالسها  وكثرت حاناتها  وزاد الإقبال عليها  نتيجة الترف  وكثرة اللهو  ومجون العصر وانفتاحه  ويبدو  أن الحرية  وراء هذا الإقبال.  وفي كل هذا  قال الشعراء وانشدوا  ومن اشهر  من قال في الخمرة ومجالسها  الشاعر ابو نؤاس والشاعر غالب عبد القد وس  الذي يقول فيها :

   أديرا عليّ الكأس إنّي فقدتها
                                          كما فقد المفطوم درّ المراضعِ

  و قول ابي نؤاس  هذه الابيات :


دع عنك لومي فإن اللوم إغراء
                                 وداوني بالتي كانت هي الداء

صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها
                                   لو مسها  حجر مسته سراء

قامت بإبريقها والليل معتكر
                              فلاح من وجهها في البيت لألاء

فأرسلت من فم الإبريق صافية
                                   كأنما أخذها  بالعين   إغفاء

رقت عن الماء حتى ما يلائمها
                                  لطافة وجفا عن شكلها الماء

فلو مزجت بها نوراً لمازجها
                                   حتى تولد  أنواراً  وأضواء

دارت على فتية دان الزمن لهم
                                   فما يصيبهم  إلا بما  شاؤوا

لتلك أبكي ولا أبكي لمنزلة
                                    كانت  تحل بها هند وأسماء


          وظهر  كذلك فن  التشكي من الزمن  ومن الاحداث الاجتماعية  وكان موجودا كشذرات في قصائد الشعراء  الا انه في هذا  العصر  ظهر كفن  جديد  ويتميز بذكر الحوادث  والاحدات التاريخية  ونقد  المجتمع نقدا تحليليا  والشكوى من  مصائبه واحداثه وهي كثير .
 نلاحظ قول ابي العلاء  المعري  فيه :

  دنياك دار  شرور لاسرور بها
                                   وليس يدري  اخوها  كيف يحترس

  بينا امرؤ يتوقى الذئب عن عرض
                                 اتاه   ليث   على   العلات   يفترس 

 الا ترى هرمي مصر  وان شمخا
                                 كلاهما  يبقين     سوف     يندرس


    وكذلك  كثرت  الاخوانيات  بما فيها  المعاتبة بين الشعراء  او غيرهم
 كقول ابي  فراس الحمداني  معاتبا :

     لم  اؤاخذك  بالجفاء  لاني
                                      واثق منك  بالوفاء الصحيح

     فجميل  العدو غير جميل
                                    وقبيح   الصديق   غير  قبيح

    
       وكذلك الحكمة  والامثال  وان كانت موجودة في الشعرالعربي منذ عصرالجاهلية  وافضل من قال فيها واكثر الشاعر المتنبي  يقول :

   على قدر اهل العزم تأتي العزائم
                                           وتأتي على  قدر الكرام المكارم

  وتعظم في عين الصغير  صغارها
                                      وتصغر في  عين العظيم    العظائم


         وكذلك قالوا  في  المطايبة  والمفاكهة  والهزل  وفي كل امور الحياة اليومية .

     وقد استحدث الشعراء العباسيون لونا  جديدا من  الشعرهو الشعر التعليمي الذي لم تكن له أصول قديمة، بل نشأ  من  خلال  رقي الحياة العقلية في هذا العصر والحاجة  اليه و تنوع روافد الثقافة   بضرورة احاطة الأديب بقدر وافر منها، وظهرت الحاجة إلى  وسيلة  تيسر هذه الإحاطة، فلجأ  الشعراء أو الناظمون  الشعر إلى  نظم  بعض القصص المعروفة،  كما نظموا متونا  منظومة في كثير من العلوم كالنحو والفقه والمنطق، فضلاً عن المواعظ التي ركزوها في حكم منظومة بحيث يسهل تداولها على اللسان واستقرارها في الذاكرة.
    وكان الشاعر أبان بن عبد الحميد اللاحقي اول من اشاع هذا النوع من الشعر،  اذ نظم فيه العديد من المنظومات التعليمية وشملت القصص والعلوم والسير. ووضع  الكتب المنظومة  في  التاريخ  والصوم والصلاة وغير ذلك  مما طلبه  منه بعض  رجال البرامكة الذين أجزلوا له العطاء على نظمه  لكتاب  ( كليلة ودمنة )  شعرا  فقال في اوله :
هذا  كتاب   أدب   ومحنه
                                       وهو الذي يدعى كليلة دمنه
فيه  دلالات   وفيه   رشد
                                          وهو كتاب وضعته الهند
فوصفوا آداب كل عالم
                                          حكاية عن ألسن البهائم
فالحكماء يعرفون فضله
                                          والسفهاء يشتهون هزله
وهو على ذاك يسير الحفظ
                                        لذُّ على اللسان عند اللفظ

    وقد نظم الشعراء  قصائد  شعرية  مستقلة  في الفضائل الانسانية كفكرة التسامح  والحلم  والكرم  والحياء  والعفة  والصبر ونجد اغلب هذه الخاصية  في شعراء الزهد  كأبي العتاهية، اذ يقول:
كم من سفيه غاظني سفهاً
                                          فشفيت نفسي منه بالحلم
وكفيت نفسي ظلم عاديتي
                                       ومنحت صفو مودتي سلمي

ولقد رزفت لظالمي غلظاً
                                         ورحمته إذ لج  في  ظلمي



 ومن هنا  يتبين  ان  فنون هذا العصر كثيرة  كثيرة  وقد  جئنا على اشملها او اشهرها .   
      وفي ختام بحث الفنون الشعرية واغراض الشعرالعربي في العصر الاسلامي  اكون  قد اتيت على نهاية هذا البحث  الموجز والذي تناولت فيه  التجديد الشعري في العصرالعباسي والذي يعد العصرالذهبي  لكل  العلوم العربية بما فيها الادب والشعر  وبقيت حالة واحدة اضيفها وهي دراسة موجزة لحياة المجدد الشاعر  بشار بن برد  شخ المجددي في العصرالعباسي الاول واذكر حياة الشاعر  ابي العلاء المعري  الشاعر الفيلسوف المجدد  ليكتمل البحث  وتعم الفائدة  والله الموفق .




                **************************





                     


















بشـــا ر بن  بـرد
(  شيخ المجددين )

( نموذج من العصر العباسي الاول )


         هو أبو معاذ  بشار بن  برد  بن  يرجوخ ، فارسي الأصل  ينتهي نسبه إلى  (يستاسب  بن الملك  لهراسف  ) وكان  يرجوخ  من  منطقة  (طخارستان) غرب  نهر (جيحون ) فسباه  المهلب  بن  أبي صفرة  وجاء به إلى البصرة   وجعله   خادما  لامرأته  (خيرة القشيرية )   وعندها  انجبت  زوجة  يرجوخ  ( برد ا )  والد  بشار.  فلما  كبر  برد   زوجته    ووهبته  زوجة المهلب  القشيرية  لامرأة  من بني عقيل من قيس عيلان  كانت على علاقة  شديدة بها   فولدت  لبرد  امرأته ( بشارا )  فأعتقته العقيلية   فانتسب إلى بني عقيل بالولاء فقيل العقيلي نسبه لامرأة من بني عقيل تلك   المرأة التي  أعتقته.

      ولد في نهاية القرن الأول للهجرة المباركة .اي في سنة \ 96 هجرية عند بني عقيل  في بادية البصرة  وأصله فارسي كما  بينت  اعلاه  و من أقليم (طخارستان).

أبوه كان يعمل في الطين فيقال له ( طيانا )  اما  أمه فيقال أنها  رومية. الاصل . وقيل  ولد  بشار اعمى  وقد وصف نفسه  قائلا:

(عَميتُ جنيناً والذكاءُ من العَمَى
                                                 فجئتُ عجيبَ  الظنَ   للعلم   
 موئلا     دميم   الخلقة  
                                                طويلا     ضخم    الجسم(.

         تعلم  في  مدينة  البصرة  حيث كانت  حاضرة  من حواضر الثقافة والعلم والادب  في بني  عقيل وذهب الى البادية  فتعلم اللغة العربية بشكل جيد  وكان ذكيا  مفرطا في الذكاء اضافة الى تردده على حلقات المتكلمين بالمساجد يستمع إلى  محاورات أصحاب الملل والنحل  والأهواء المختلفة  وانتقل بعدها  إلى بغداد .

        اما  نفسيته وتكوين شخصيته فقد تاثر فيها باصله الفارسي  فكان حاد المزاج سريع الغضب  وكان عماه الولادي له تاثير في نفسيته ايضا حيث قيل  انه كان  يشعر في قرارة نفسه بالمرارة  والاسى و حقده على المبصرين   كما  كان  لمستوى الحياة  الفقيرة  التي عاشها  بالحرمان والفقر  اثر بالغ  في تشكيل نفسية  هذا الشاعر وحقده على المجتمع الذي عاش فيه  ومن هم حوله  فظهرت بوادر الشعوبية  لديه في سن مبكرة .

  بشار  شاعر مخضرم  عاش  في  بني أمية  وبني العباس .

         ولعل أول رحلة  له كانت إلى حران  فقد وفد إلى سليمان بن هشام بن عبد الملك   فمدحه بقصيدة بائية   وكان سليمان بخيلا فلم  يعطه شيئا   وقيل أعطاه خمسة آلاف درهم   فاستقلها  وردها عليه   وخرج من عنده ساخطا وهجاه  .  وكذلك  كانت  له  وفادة  على  مروان  بن  محمد  في دمشق   فلم  يعطه  وقد  وعده  بشيء   وأخلف وعده ، فهجاه بقصيدة لم  يبق منها الا  بيت واحد يقول فيه :

             لمروان  مواعد  كاذبات كما  
                                                    برق الحياء وما استهلا

       وعموما  فأن بشارا  لم تكن  له حظوة عند خلفاء بني أمية  فعاد
الى البصرة  ولبث  فيها   يمدح  الولاة  والقواد    ويشبب  بصويحباته من النساء   وكانت  البصرة  حافلة  بالعلماء  والادباء  في ذلك العهد  مثل  واصل  بن  عطاء  شيخ  المعتزلة   ووصال  بن عبد  القـدوس   وعمرو بن عبيد وغيرهم من أصحاب الكلام ،  الا ان  واصل بن عطاء  جافاه  لما بلغه من إلحاده   وحرض الناس على قتله .و عمرو بن عبيد  ايضا  ناصر واصل بن عطاء  والحسن  البصري  ومالك بن دينار  فتم نفيه من البصرة بحوالي  سنة\ 127 هجرية  فأقام  في  الكوفة  يمدح   الوالي ( يزيد  بن هبيرة الفزاري )  ويمدح  قيس عيلان  حتى  سقطت الدولة  الأموية   وقتل  يزيد  بواسط  سنة\ 113هجرية  ،  فرجع إلى البصرة   وكان قد مات واصل بن عطاء الا أن عمرو بن عبيد لم يتركه يطمئن في أرضها بل سعى في نفيه ثانية ، فظل  يتنقل  من  بلد إلى بلد حتى توفي (عمرو بن عبيد ) سنة \145 هـ ، فأفرخ  روعه  وأنست به  البصرة زمنا   فأقام يمدح ولاتها حتى انتهت الدولة الاموية  وقيام الدولة العباسية  .

     بشار شخصية  تغلغلت الشعوبية في نفسه  فحين  يفخر بنفسه وقومه  الفرس  يقسو على العرب بسخرية  مريرة  ولاذعة   وعلى أغلب  الظن  كان  سلاحه  الحاد كردّ  فعل مضاد  لمن  كان  يستهين به وبشخصيته  وبشاعريته ، ومقدرته اللغوية وهم من العرب  فيظهر شعوبيته على حقيقتها في نفسه  غير هياب من احد  :

ارفق بعمرو إذا حركت نسبتهُ
                                                فإنـّه عربيّ ٌ من قوارير ِ

ما زال  في كير حدادٍ  يردّدهُ
                                             حَتَّى بَدَا عَرَبِيًّا  مُظْلِمَ النُّورِ

إِنْ جَازَ آباؤُه الأَنْذَالُ في مُضَرٍ
                                       جازت فلوس بخارى في الدنانير

واشدُدْ  يَدَيْكَ  بِحَمَّادٍ أبي عُمَر
                                        فإِنَّــــهُ   نَبَطِيٌّ    مـــن  زنابير

 ومن اخباره  في ذلك ما يرويه صاحب الاغاني  :

    دخل أعرابي على (  مجزأة بن ثور السدوسي) وبشار عنده وعليه بزة الشعراء فقال الأعرابي :
-        من الرجل
-        فقالوا رجل شاعر
-        فقال  بشار أمولى هو أم عربي ؟
-         قالوا بل مولى
-        فقال الأعرابي :وما للموالي وللشعر.
 فغضب بشار وسكت هنيهة ثم قال:
- أتأذن لي يا أبا ثور
- قال قل ما شئت يا أبا معاذ .
 - فأنشأ بشار يقول :

  ِسأخبر فاخر الأعراب عني
                                          وعنه  حين  تأذن  بالفخار ِ

 أحين كسيت بعد العري خزاً
                                         ونادمت  الكرام على العقار

تفاخر يابن راعيةٍ وراع
                                       بني الأحرار حسبك من خسار

 وكنت إذا ظمئت إلى قراح ٍ
                                        شركت الكلب في ولغ الإطار

تريغ بخطبة كسر الموالي  
                                        وينسيك  المكارم  صيد  فار ِ

       فلم يسبق أحدٌ بشاراً بمثل هذه الجرأة في التطاول على العرب ، ولكن هذا الشعر أغراه بالتمادي حيث   وجد باب الحرية  مفتوحا على مصراعيه ، وان الدولة  العباسية الفتية  يومها منشغلة  بالقضاء المبرم على الأمويين في عصر ابو العباس السفاح  ومن بعدها  ثورتي ( النفس الزكية)  في المدينة المنورة و( ابراهيم الامام)  في البصرة .

         ولما انتقلت الخلافة إلى بني العباس  وما كاد يستخلف ( أبو جعفر المنصور )  حتى  خرج  عليه ( محمد النفس الزكية )  واخوه ( إبراهيم الامام)  ابنا (عبد الله  المحض بن الحسن  بن  الحسن السبط  بن علي  بن ابي طالب )  رضي الله عنهم  فثار ( محمد ) في المدينة فبايعه  أهلها وأفتى بصحة البيعة (الإمام مالك بن أنس ) .

      وثار( إبراهيم الامام ) بالبصرة  وكان  بشار منفيا عنها   فأرسل إليه  من الكوفة بقصيدته الميمية الشهيرة   يحرضه بها على ( المنصور ) ويمدحه ويشير عليه  ولكن  الأخوين  لم  يوفقا  في  ثورتيهما  فظفر  بهما  الخليفة ( المنصور ) وقتلهما رغم قرابتهما منه  .

        ولم  تصل  قصيدة الشاعر بشار  إلى (إبراهيم  الامام )  أو أنها وصلت إليه  وضاعت   فلم  يروها احد الا انه  بدلها  او عدّلها  او قلب  معناها  فجعل التحريض  فيها على ( أبي مسلم الخراساني) والمدح والنصر ( للخليفة المنصور ).ولعل هذه القصيدة بعد تغييرها  كانت السبب في اتصال الشاعر بالخليفة (المنصور ) والحظوة عنده .

        ولما ولي (المهدي ) الخلافة اتصل به بشار اتصالا وثيقا   وأخذ يفد إليه ويأخذ جوائزه ، وكان شعره قد طار وتناقله الناس ، وكان( المهدي ) شديد  الحب  للنساء   غيورا  عليهن   فبلغته  أبيات  لبشار  فيها  مجون و عهر  فلما  قدم  عليه  استنشده  الشعر فأنشده  إياه فغضب الخليفة عليه وقال :
- ويلك أتحض الناس على الفجور  وتقذف المحصنات المخبآت  والله لئن قلت بعد هذا بيتا واحدا في نسيب لآتين على روحك  .

        فلما ألح على  بشار في  ترك  الغزل  شرع  يمدحه  ويقول  أنه  قد ترك الغزل ، وودع الغواني ، ثم يأخذ في قص حوادثه الماضية ، فيتأسف عليها ويصف النساء  اللواتي  صاحبهن  فلا  يخلو  كلامه  من  الغزل ، ولم  يكن  خبثه  في هذا  الأسلوب  ليخفى على( المهدي ) فأظهر له جفوة وحبس عنه عطاياه   فكان  يمدحه  فلا يحظى  منه  بشيء  من  ذلك .  قال المهدي لبشار :
-أجز هذا البيت.

- أبصرت  عيني  لحيني
  فقال بشار على البديهة :

                           أبصرت  عيني لحين    منظراً وافق شيني

                           سترته   إذ  رأتني     تحت بطن الراحتين

                          فبدت   منهُ  فضول      لــــم توار باليـدين

                          فانثنت  حتى توارت    بيـن  طيٍّ  العكنتين

فقال المهدي: والله ما أنت إلاّ ساحر، ولولا أنك أعمى لضربت عنقك  

        وحاول أن  يتقرب من وزيره (يعقوب بن داود)  فلم يحفل به ولا أذن له ولا أعطاه ، فرحل  إلى البصرة  غاضبا ، وأخذ  يهجو المهدي ووزيره  فكان طول  لسانه  سببا في  هلاكه .

       و في العصر العباسي  الاكثر انفتاحا  استغل  بشار تقريب  الخلفاء  العباسيين  للفرس  فاخذ يجاهر بمجوسيته  ومن ذلك  قوله :

        ورُب ذي تاج كريم الجد 
                                                  كآل  كسرى  أو كآل   برد

   وعندما ساله الخلفة المهدي عن  اصله  قال : 

              ألا أيها  السائلي   جاهدا
                                                    ليعرفني  أنا  أنف  الكرم

              نمت في الكرام بني عامر
                                            فروعي  قريش  وأصلي العجم

      كان  بشار بن برد هجّاءا  فاحشا في شعره  هجا الخليفة ( المهدي)  ووزيره (  يعقوب  بن  داود ) .  وهجى  العلماء  والادباء  العرب  وكان  جريئا  في الاستخفاف  بكثير من الاعراف  العربية  وقيل  كا ن  يهجو من لا يعطيه  ويعرض بهم  مثل  الاصمعي  وسبيويه  والاخفش  وواصل بن عطاء  وغيرهم  ومن هجائه للخليفة ( المهدي ) وخلافته يقول :

بني أمية هبوا طال نومكمُ
                                              إن الخلـــيفة يعقوب بن داود

ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا
                                               خليفة الله  بين الزقِّ والعود

      ومن اخباره  انه  روى  عن نفسه انه انشد أكثر من اثنتي عشر الف قصيدة  ولكن ما وصل الينا من شعره لا يرى في هذا القول سوى مبالغة هائلة  فما  وصل  من  شعره  ليس  بكثير ويعلل  بعض  مؤرخي  الادب  ان ما وصل  الينا  اقل  بكثير مما قاله  بشار حيث  ان الرقابة  الدينية والسياسية والاجتماعية في عصره قد حذفت كثيرا من شعره بعد وفاته وهو متهم  في معظمه  وخاصة  في  الغزل  والهجاء.

 عرف  بشار بقابليته التجديدية  وكان يتميز عن غيره من الشعراء  بانه  متمكن  من استخدام  التشبيهات الجاهلية المركبة  في صورها المعقدة  فقد جارى امرأ القيس  في معلقته  مقلداً ومنازعاً ، وفاقه متفلسفاً  يقول  :

وجيش كجنح الليل يزحف بالحصى
                                       وبالشوك  والخطى  حمر   ثعالبُهْ

غدونا له والشمس في خدر أمها
                                        تطالعنا  والطل  لــــم  يجر  ذائبُهْ

كأن مثار النقع  فوق  رؤوسنا
                                            وأسيافنا ليــــــــل تهاوى كواكبُهْ
  
           ويبدو أن بشار كان مولعا  بجرير وشعره  فقد حاول في مطلع شبابه ان يهجوه حين كان العصر عصر هجاء والذي يعرف  بالنقائض ولكن  جرير استصغر بشارا  ولم يرد على هجائه  وكان  بشار يأمل  ان يرد عليه  جرير فيشتهر  لان جرير   كان  شاعرا  يملأ الساحة الشعرية الأموية  ومع ذلك يبدو أن  بشارا ظل على حبه  لجرير وحاول استغلال اسمه  في شهرته  وذيوع  صيته  فطلب من  مغنية  ان تغني ابياتا لجرير   تلك التي يقول فيها:

ان العيون التي في طرفها حور
                                                     قتلننا  ثم لم  يحيين   قتلانا

        و حاول ان  يجعل المغنية  تذكر  انها ستغني  شعرا  أفضل  من شعر  جرير  الذي  تغنت  به  فطربت  وانشدت  من شعر بشار :

وذات دل كأن البدر صورتها   
                                                 باتت تغني عميد القلب سكرانا

(ان العيون التي في طرفها حور
                                                   قتلننا   ثم   لم  يحيين  قتلانا)

قلت احسنت يا سؤلي ويا املي
                                                 فاسمعيني  جزاك  الله  احسانا

يا حبذا جبل الريان  من  جبل
                                                وحبذا  ساكن  الريان  من  كانا

قالت فهلا فدتك النفس احسن من
                                               هذا لمن كان صب القلب حيرانا

يا قوم اذنى لبعض الحي عاشقة
                                                 والأذن تعشق قبل العين أحيانا

فقلت احسنت انت الشمس طالعة
                                        اضرمت في القلب والاحشاء نيرانا

 لم أدر ما وصفها يقظان قد علمت
                                         وقد لهوتُ بها في النومِ أحيانا

باتت تناولني فاهاً فألثمـــــهُ   
                                             جنيّة زُوّجت في النوم إنســانا

فاسمعيني صوتا مطربا هزجا
                                                يزيد   صبا   محبا  فيك  اشجانا

يا ليتني  كنت  تفاحا  مفلجة أو كن
                                                ت من   قضب  الريحان   ريحانا

حتى إذا وجدت ريحي فأعجبها
                                                   ونحن  في  خلوة  مثلت إنسانا

فحركت عودها ثم انثنت طربا
                                                تشدو  به  ثم  لا  تخفيه   كتمانا

أصبحت اطوع خلق الله كلهم
                                              لاكثر الخلق لي في الحب عصيانا

قلت اطربينا يا زين مجلسنا
                                                    فهات  انك  بالاحسان   اولانا

لو كنت اعلم أن الحب يقتلني
                                                    اعددت لي قبل أن القاك اكفانا

فغنت الشرب صوتا مؤنقا رملا
                                               يذكي السرور ويبكي العين الوانا

لا يقتل  الله  من  دامت  مودته
                                               والله    يقتل   اهل   الغدر  أحيانا


        كان  بشار مفتونا  بشعره وبالنساء وبالحياة التي اقتحمها  معبرا عن  الزمن  ببيته الشعري  الذي يقول فيه:

من راقب الناس لم يظفر بحاجته
                                                   وفاز  بالطيبات  الفاتك  اللهج

 معارضا بيت الشاعر سلم الخاسر الذي يقول فيه :

 من   راقب    الناس  مات  هما
                                         و فاز  باللذات  من  كان  جسورا  
                                

        ومن اخباره  انه  عشق امرأة يقال لها (عبدة )  وقد  نظم فيها  اشعارا كثيرة  يقول فيها:

أَبِيتُ أَرمَدَ مَا لمْ أَكْتحِلْ بِكُمُ
                                            وَفِي اكْتِحالٍ بِكُمْ شافٍ مْن الرَّمَدِ

وَكُلُّ حِبٍّ سَيَسْتشْفِي بِحِبَّتِهِ
                                       سَاقتْ إلى الغيِّ أَوْ سَاقتْ إِلى الرَّشدِ

  ويقول فيها ايضا :

يا منية  القلب  إنّي لا  أسميك ِ
                                                أكني بأخرى أسميها وأعنيـكِ

يا أطيب الناس ريقاً غير مختبر
                                                 إلاّ شهادة  أطراف المساويك

قد زرتنا زورة في الدّهر واحدة
                                              فاثني ولا تجعليها بيضة الديكِ   

         يتميز   بشار  بشاعرية  خصبة  فياضة  أتيح  لها  أن تتجاوب مع روح العصر وتعبر عن خوالج النفس  وقد اجاد  في اغلب الفنون الشعرية  وكان  قوي الحس  مرهف الشعور سريع الانفعال. ذا  قدرة  فائقة  على التوفيق  بين اللفظ  والمعنى وبين  الصورة  الشعرية  والموضوع   فهو شاعر  مطبوع  غير   متكلف  وقد  وهبه الله تعالى  طبعاً  قاسياً  وذكاءً  حاداً .  والغزل احتل  جانباً مهماً من شعره  فهو يصف مجالس حبه ويتحدث عمن  يحب .

 يقول عنه الجاحظ:

( إنه هو والأعشى وهما أعميان قد اهتديا من حقائق هذا الأمر ما لا يبلغه البصير ولـ بشار  خاصية في هذا الباب ما ليس لأحد )


 يذكر ابن رشيق القيرواني في (عمدته) فقال :

    سئل بشار : ( بم  فقت أهل عمرك  وسبقت  أبناء عصرك : افي حسن معاني الشعر، وتهذيب ألفاظه ؟
 فقال :  لأني  لم  أقبل  كل ما  تورده  علي  قريحتي  ويناجيني   به  طبعي   ويبعثه  فكري ،  ونظرت إلى مغارس الفطن ،  ومعادن الحقائق ، ولطائف التشبيهات ،  فسرت إليها بفكر جيد ،  وغريزة قوية ، فأحكمت  سبرها ،  وانتقيت حرها ، وكشفت عن حقائقها ، واحترزت عن متكلفها ، ولا والله ما ملك قيادي الإعجاب  بشيء  مما آتي به )

وقال عنه  صا حب الاغاني  :

  ( عهدي بالبصرة وليس فيها غزل ولا غزلة إلا ويروى من شعر بشار )

 ويذكر صاحب الاغاني ايضا  :

    (   كان بشار يهوى امرأة من أهل البصرة فراسلها يسألها زيارته فوعدته بذلك ثم أخلفته  وجعل  ينتظرها  ليلته  حتى أصبح  فلما لم تأته أرسل إليها يعاتبها فاعتذرت بمرض أصابها  فكتب إليها بهذه الأبيات :

                يا ليلتي تزداد نكرا ... من حب من أحببت بكرا   

                حوراء إن نظرت إليك ... سقتك بالعينين خمرا    

               وكأن رجع حديثها ... قطع الرياض كسين زهرا  

               وكأن تحت لسانها  .. . هاروت ينفث فيه سحرا   

             وتخال ما جمعت عليه    .   .. ثيابها ذهبا وعطرا   

            وكأنها برد الشراب .   .   . صفا ووافق منك فطرا   

             جنية  إنسية ... أو             بين  ذاك  أجل  أمرا    

             وكفاك أني لم أحط ..      . بشكاة من أحببت خبرا   

              إلا  مقالة   زائر ...          نثرت لي الأحزان نثرا   

         متخشعا تحت الهوى .  .. عشرا وتحت الموت عشرا  

           ويتضح  في غزل  بشار أنه كان  يتمثل  بكل ما نظم  في هذا الفن منذ القدم  من التشبيب  والنسيب  والبكاء على  الديار  ومن الغزل المادي عند (عمر بن أبي ربيعة ) وأقرانه   ومن الغزل العذري عند( قيس ليلى ) و(  جميل بثينة )  وأمثالهما  وفي اسلوب  جديد  يستلهم الرقي العقلي الحديث  والحضارة  العباسية  وكان  يردد في  شعره ما  يتمثل  بتعويض بصره  من  سمعه حيث اثبت  أن السمع  يحل  بمكان العين  في تقدير الجمال فيقول :
 
يا قوْمِ أذْنِي لِبعْضِ الحيِّ عاشِقةٌ
                                                 والأُذن تَعْشَقُ قبْل العَيْن أحْيانَا

قالوا بِمَن لا تَرى تَهْذِي فقُلْتُ لَهُمْ
                                              الأُذنُ  كالعَيْن تُؤْتِي القَلْبَ ما كَانَا

            فهذه براعة  عجيبة  في صياغة شعر الغزل عنده وقد اجاد فيها   
و بشار  من الشعراء المجددين  بل  اعتبروه شيخ  المجددين فمن جاء بعده حذا حذوه   فقد  كان  يقتني  الكلمات  البسيطة العذبة الرقيقة  المحببة  على  مسامع  عامة الناس  دون  تبذّل  لغوي  بتطويع اللغة، و ببحر راقص  قابل  للغناء  والطرب  في  عصره  وبشعر حضري ناعم  يهدهد  به على المكشوف ، لا حاجة  للشكوى من الحرمان، ونقض العهد والهجران ، والتلميح والرمز فبشار  أول من جعل الأذن تعشق  قبل العين أحيانا ً:

يا قوم اذني لبعض الحي عاشقة  
                                            والأذن تعشق قبل العين أحيانا
قالوا بمن لا ترى تهذي؟فقلت لهم
                                         الأذن كالعين توفي القلب ما كانا

     وكأنّه يخشى أنْ تنسى أذنه ، فيما  تراه  أعين الآخرين  يحسب المبصرين  ببصيرتهم من  دون إحساس او إنَّ  إحساسه  ليفوق إحاسيسهم وانه لا يخجل من تكرار المعنى قائلا :

فقلت دعوا قلبي وما اختار وارتضى
                                           فبالقلب لابالعين يبصره واللب

وما تبصرالعينان في موضع الهوى
                                           ولا تسمع الأذنان إلا من القلب
 وكذلك  يقول :

قالت عقيل  بن كعب  إذ تعلقها
                                       قلبي  فأضحى به من حبها  أثــــرُ

أنّى ولم ترها تصبو ؟ فقلت لهم
                                         إن الفؤاد يرى ما لا يرى البصرُ


   ويقول في قصيدة اخرى وهي من روائعه :

بلّغوها  إذا  أتيتم    حماها  
                                             أنني متُّ في الغـــرام فداها

واصحبوها  لتربتي  فعظامي
                                             تشتهي  أنْ تدوسها قدماها

رحمة ربّ لستُ أسأل عدلاً
                                          رب خذني إن أخطأت بخطاها

دع سليمى تكون حيث تراني
                                           أو فدعني أكون حيث أراها 

        اما مديحه  وهو الوسيلة التي يعتمد عليها  في توفير  ما ينفقه من المال الوفير الذي يحتاجه لينفقه في حياته وعلى ملذاته  لذا كان مبالغا      في  مدائحه طمعا  في  رضى  ممدوحيه  ولإغرائهم  لزيادة  العطاء له  ويعد المديح أهم غرض وصلَّ بشاراً بالتراث  فقد  حافظ  فيه على نهج  القدماء   سواء من حيث  جزالة  الألفاظ  ورصانتها  ومتانتها، أو من حيث المنهج الذي سار عليه القدماء حيث كانوا يبداؤن قصائد المديح  بالغزل والنسيب ثم الوصف  ثم  المدح  ثم  الحكمة   وهذا ما سلكه  بشار  في  كثير  من مدائحه ،  بل احتذى  نفس المعاني  والأخيلة. وأخذ يخلع على ممدوحيه من الخلفاء والولاة  نفس  الشيم  الرفيعة والصفات  التي  طالما  خلعها  الشعراء  الجاهليون  والإسلاميون  مثل  الكرم  والمروءة  والشجاعة  والصفات الدينية  التي خلعها الإسلاميون  على  ممدوحيهم  من الخلفاء والوزراء. يقول في  احد ممدوحيه :

           إِذَا جِئتَهُ للْحَمْدِ أشْرَقَ وَجْهُهُ
                                           إِلَيْكَ وأعْطَاكَ الكرَامةَ بالحَمد


   واما حين يفخر بنفسه وقومه  الفرس فانه  يقسو على  العرب بسخرية مريرة  ولاذعة  وكانت هذه  السخرية ردّ فعل  مضاد  لمن    يستهين  به  وبشخصيته  وبشاعريته  ومقدرته  اللغوية  فيظهر شعوبيته على حقيقتها فيما يعتمل  بنفسه  لا يهاب احدا .
 يقول في ذلك :

ارفق بعمرو إذا حركت نسبتهُ
                                             فإنـّه  عربيّ ٌ من  قوارير ِ

ما زال في كير حدادٍ يردّدهُ
                                             حَتَّى بَدَا عَرَبِيًّا مُظْلِمَ النُّورِ

إِنْ جَازَ آباؤُه الأَنْذَالُ في مُضَرٍ
                                       جازت فلوس بخارى في الدنانير

واشدُدْ يَدَيْكَ بِحَمَّادٍ أبي عُمَر
                                               فإِنَّــــهُ نَبَطِيٌّ مـــن زنابير


          اما  الهجاء  عند  بشار فقد كان  شديد الوطأة في هجائه خاصة على هؤلاء الذين يمتنعون عن عطائه  فكان  يهجوهم  مرالهجاء .
    وقيل  استمنح  بشار ( العباس بن محمد )  أخا الخليفة  المنصور فلما لم يمنحه هجاه يقول فيه  :
   ظل اليسار على العباس ممدود
                                            وقلبه  أبداً  بالبخل   معقود
    إن الكريم ليُخفي عنك عسرته
                                         حتى  تراه  غنياً  وهو مجهود
   وللبخيل  على  أمواله  علل
                                         زُرْقُ العيونِ عليها أوجه سُود

     وكان في طفولته وصباه إذا هجا قوما جاؤوا الى أبيه فيشكونه  فيضربه ضربا شديدا موجعا  فكانت أمه تحنو عليه و تقول  لابيه  :  
- كم تضرب هذا الصبي الضرير أما ترحمه!)
  فيقول  ابوه لها:  بلى والله  إني  لأرحمه  ولكنه  يتعرض للناس فيشكونه إلي  .

 فسمعه  بشار  فطمع  فيه  فقال  له :

 - يا أبتِ إن هذا الذي يشكونه مني إليك هو قول الشعر  وإني  إن ألممت عليه أغنيتك وسائر أهلي فإن شكوني إليك   فقل لهم : أليس الله يقول :      ( ليس على الأعمى حرج  ).

       فلما عاودوه  شكواه  الى  ابيه  قال  لهم ما قاله بشار   فانصرفوا وهم يقولون :  
-  فقه برد أغيظ لنا من شعر بشار.
          فبشار طبع على الشعر منذ حداثته   وطبع معه على الهجاء  وحب التكسب والسخرية  بالدين والناس  فقد عرف بذكائه الفطري وأن والده ساذج جاهل   فعبث بأبيه لينجو من عقابه  ولم يتحوب من العبث بآية من القرآن  الكريم  فأولها إلى غير معناها حيث جعل الأعمى بريئا من الإثم إذا ما اقترفه ، والآية المباركة  لا تقصد إلا إعفاء الاعمى  من التكاليف التي لا قبل له بها كالجهاد  في سبيل الله  .

        ونجد  في  شعره ايضا  خيوطاً  جديدة  متجدد ة من الحكمة  في استلهامه ,   من ذلك قوله:

       إذا كنت  في كل الأمور معاتباً
                                            صديقك  لم تلق الذي لا تعاتبه

      إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى
                                       ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه

         ومن  اخباره : . اتهم في آخر حياته  بالزندقة.  فضرب  بالسياط  حتى مات. وقد ذكر ابن المعتز  في كتابه  ( طبقات الشعراء)  سبب وفاته فقال:

     ( كان بشار يعد من  الخطباء  البلغاء  الفصحاء  وله  قصائد  وأشعار كثيرة  فوشى  به  بعض  من  يبغضه  إلى  المهدي  بأنه  يدين  بدين  الخوارج   فقتله المهدي  وقيل   بل  قيل للمهدي:  انه يهجوك .

        واتهم في آخر حياته بالزندقة. فضرب بالسياط حتى مات. وقد ذكر ابن المعتز في كتابه ( طبقات الشعراء)  سبب وفاته  فقال:

 ((كان بشار يعد من الخطباء البلغاء الفصحاء وله قصائد وأشعار كثيرة  فوشى به بعض من يبغضه إلى  المهدي  بأنه  يدين  بدين  الخوارج   فقتله المهدي  وقيل:  بل قيل للمهدي:

     (( إنه  يهجوك  فقتله  والذي صح من الأخبار في قتل بشار أنه كان يمدح المهدي  والمهدي ينعم عليه  فرمي  بالزندقة  فقتله  وقيل: ضربه سبعين  سوطا ً فمات  وقيل: ضرب عنقه ))  .

       وقيل  كان المهدي قدم البصرة فدخل عليه وزيره  يعقوب وقال:
أن  بشار زنديق وقد ثبتت البينة وقد هجا أمير المؤمنين .

    فأمرالمهدي  قائد الشرطة أ ن يقبض على بشار بن برد .. ويضربه بالسوط  حتى الموت   فأخذوه  في زورق وجلسوا يضربونه على النهر فكلما ضربوه بالصوت قال بشار  ( حس )  و حس هي  كلمة  تقال عند العرب لمن أحس بالألم .
فقال بعضهم :
 - انظروا إلى زندقته ما نراه يحمد الله تعالى .
. فقال بشار: ويلك  أثريد هو حتى أحمد الله عليه .
... فما وصل إلى السبعين سوطا أشرف على الموت  فألقي على صدر السفينة فقال بشار:
  ليت عين الشمقمق تراني حين يقول :

       (إن بـشــار بـــن بـــرد     تيس أعمى  في  سفنية )

      ثم مات من ساعته وقد عمّر  سبعين عاما  وكان موته  سنة \198 هجرية – 813 ميلادية .

        وقيل  أنه  دفن مع الشاعر  الخليع  حماد عجرد ، فكأن الأقدار شاءت أن تجمع بين هذين الشاعرين في قبر واحد ، بعد أن تنافرا شطرا من حياتهما  وتباعدا  وتقارضا  أقذع انواع الهجاء.

ويقول ابن رشيق القيرواني في كتابه ( العمدة) :

((سئل بشار : بم فقت أهل عمرك وسبقت أبناء عصرك   في حسن معاني الشعر، وتهذيب ألفاظه ؟ 
فقال:
 (  لأني لم أقبل كل ما تورده علي قريحتي  ، ويناجيني به طبعي ، ويبعثه فكري ،  ونظرت إلى مغارس الفطن ،  ومعادن الحقائق ، ولطائف التشبيهات ،  فسرت إليها بفكر جيد ،  وغريزة قوية ، فأحكمت سبرها ،  وانتقيت حرها ، وكشفت عن حقائقها ، واحترزت عن متكلفها ، ولا والله ما ملك قيادي الإعجاب بشيء مما آتي به  ) ،

   ومن هنا يتبين ان بشارا  :

( قد عجن الطبع  الفطري  لموهبته ، وإرهاف  حسّه ، وفسلجة  تكوينه النفسي لكونه من المولدين ،فهو فارسي الأصل... بالخلق الإبداعي الفكري التخيّلي اللغوي لصناعته ، وتطويع لغته وفكره سبراً وكشفاً دون تكلف وإعجاب ، ولابد أن نشير أنّ بشاراً قد تفاعل واستوعبَ النهضة اللغوية والاجتماعية في عصره ، وعكسها في شعره ، فاعتمد على عمق الفكرة ، وأسلوب البيان  وعنصر المفاجأة ، والإحساس الإنساني الشمولي لتجاوز عقدة نقص التوليد العرقي ، لهذا بشار وأصحابه  زادوا معاني ما مرت  قط  بخاطر جاهلي  ولا مخضرم  ولا إسلامي ، والمعاني  أبداً  تتردد وتتولد ، والكلام يفتح بعضه بعضاً ...)

      وفي الختام  اذكر ميمية  بشار بن برد في  مدح (  ابراهيم  الامام   بن عبد الله المحض بن الحسن بن الحسن السبط بن علي بن ابي طالب)  رضي الله عنهم  والتي عدلها الى مدح  المنصور:


  أبا جعفر ما طول عيش بدائم
                                                   ولا سالم عما قليل بسالم   
قلب هذا البيت فقال أبا مسلم :

  على الملك الجبار يقتحم الردى
                                              ويصرعه في المأزق المتلاحم   

  كأنك لم تسمع  بقتل  متوج
                                              عظيم ولم تسمع بفتك الأعاجم   

  تقسم كسرى رهطه  بسيوفهم
                                              وأمسى أبو العباس أحلام نائم   

يعني  به ( الوليد بن يزيد ):


  وقد كان لا يخشى انقلاب مكيدة
                                             عليه ولا جري النحوس الأشائم   

  مقيما  على   اللذات   حتى  بدت
                                                وجوه المنايا حاسرات العمائم  

  وقد    ترد   الأيام   غرا  وربما
                                                 وردن كلوحا باديات الشكائم   

  ومروان قد دارت على رأسه الرحى
                                               وكان لما أجرمت نزر الجرائم   

  فأصبحت تجري سادرا في طريقهم
                                                    ولا تتقي أشباه تلك النقائم  

  تجردت  للإسلام  تعفو    سبيله
                                              وتعري مطاه لليوث الضراغم   

  فما زلت حتى استنصر الدين أهله
                                             عليك فعاذوا بالسيوف الصوارم   

  فرم وزرا ينجيك يابن سلامة
                                               فلست بناج من مضيم وضائم   

جعل موضع يابن سلامة يابن
                                                وشيكة  وهي  أم  أبي  مسلم

  لحا الله قوما رأسوك عليهم
                                           وما زلت مرؤوسا خبيث المطاعم  

  أقول   لبسام   عليه   جلالة
                                                  غدا أريحيا  عاشقا  للمكارم   

  (من الفاطميين الدعاة إلى الهدى
                                          جهارا ومن يهديك مثل ابن فاطم  )  

هذا البيت الذي اخافه  فحذفه بشار من هذه الأبيات :


  سراج لعين المستضيء وتارة
                                                   يكون ظلاما للعدو المزاحم   

  إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن
                                                 براي نصيح أو نصيحة حازم  

  ولا تعجل الشورى عليك غضاضة
                                                  فإن  الخوافي  قوة  للقوادم   

  وما خير كف أمسك الغل أختها
                                                  وما خير سيف لم يؤيد بقائم  

  وخل الهوينا للضعيف ولا تكن
                                                 نؤوما فإن الحزم ليس بنائم )

( وحارب إذا لم تعط إلا ظلامة
                                           شبا الحرب خير من قبول المظالم )





*****************************************


                      



















                الشاعر ابو العلاء المعري
                      الشاعر الفيلسوف                          


( نموذج من  شعرالعصر العباسي الثاني  )



            هو ابو العلاء  احمد بن عبد الله  بن سليمان  المعري التنوخي ولد في معرة النعمان احدى مدن سورية  عام\ 363 هجرية  في بيت عز وشرف  وغنى ومحتمد  عربي اصيل الاانه اصيب بمرض  الجدري  في الثالثة من عمره  فافقده البصر  وعاش طيلة حياته في ليل طويل تعلم ابو العلاء  على يد والده فنشأ رغم عماه  ذكي الفوءاد  مرهف الحس  متوقد الذاكرة  وقد قا ل الشعر  في عمر الطفولة   وقد توفي والده  في صباه وعمره  اربعة عشرة سنة  تاركا لولده الاعمى  ثروة طائلة  واكتنفته امه سهرت على تعليمه وقد  تنقل في طلب العلم  بين  معرة النعمان مسكنه واللاذقية  وحلب وطرابس  وبغداد  لمواكبة دراسته وكانت انــــذاك  قبلة  الأدباء  وموئل الشعراء  وبقوا فيها ردحا من الزمن  متنقلا بين مجالس الادباء والشعراء ونواديهم وقد اجلوه واحترموه بما يليق بمكانته  وفي بغداد انكب على دراسة الادب  والفليسفة والعلوم العربية والحكمة ولم يترك علما من العلوم أو الآداب  الاوخاض غماره وتولاه  بالدرس والتحليل  ولما عاد الى المعرة عاد  بحرا  من العلوم  والاداب والفلسفة   ساعده  حدة ذكائه وحفظه المفرط وسمو وعزة نفسه الابية وهو في بغداد  علم ان والدته مريضة  فهجر بغداد مكرها  وسافر  الى المعـــــــــــرة  لاستطلاع الأمر الا انه فوجئ  بخبر وفاتها ولما يصل وعند وصوله  انقطع الى نفسه وانعزل عن الناس  وعاش منفردا وحرم  على نفسه الاختلاط بالناس  حتى انه  عبر عن حالته في شعره  يقو ل:-         

  اراني في الثلاثة من سجوني     
                                           فلا تسال عـــــن الخبر النبيـــث

 فقدي ناظري ولزوم بيتــــــي      
                                            وكون النفس في الجسم الخبيث

         كان طلبة العلم يتوافدون عليه وهو قابع في بيته  فينهلون من  معين صاف لاينضب وبحر غزير واسع المعرفة . وقيل انه  حرّم اكــــــل اللحوم  وقيل انه  في حد المرات اكل دبسا  وخرج الى  مجلسه فقال  له احد الحاضرين مجلسه بصيغة السؤال  :  اكلت دبسا ؟؟ فحرمها على نفسه  حتى قيل  انه لا ياكل طعاما  امام احد من الناس  فكان خادمه  يضع له الطعام في غرفـة  معزولة  ثم يتوارى عنه فياكل بمفرده  .
 كما انه  لم  يتزوج  ابدا واعتبر الزواج جناية  الاب على ابنائه  
 فقال:- 

هذا ما جناه علي ابي      وما جنيت على احد

     توفي ابو العلاء  بعد اصابته بمرض خطيراودى بحياته بعد ثلاثة ايام  من اصابته به وذلك سنة \ 449 هجرية بعد عمر ناهز 86 عاما  قضاها في محبسه في ظلمة الحياة.

         لقد صب ابو العلاء جام سخطه على الحياة وحدجها  بنظرة  ماساوية  شـــــــــــــــــزراء  تشاؤمية  فهو يراها  مفعمة  بالشر والكدر
بل كلها شر وما الخير فيها الا كزهرة  تقطع  ثم  ترمى فتذوى وتذبل وتنضوي بل عدها ضلالـــــة وجهالة وما هي الا مكر وحذاع وما تظاهر الناس  بها الا رياء او ما يتدينون عن تعقل وروية وهو المفكر الفاحص بل يعتبره تقليد ابائهم كما فعل الجاهليون  كما يرى ان الدين سبب العداوة بين الخلق ومصدر العداوة والشقاق بينهم  لما  قراه وحظه  من احداث جرت  الويلات  على البلاد بسبب المذهبية  او الدين  فيقول:-                                    

ان الشرائع ألقت ببننا احنا        وعلمتنا  افانين  العداوات

       لكن  الشاعر وهو الزاهد في الحياة المتفرد بها  غير ملحد كما تصور البعض  وانه مؤمن بربه  كل الايمان  لكنه يرجع كل الامــــــور الى العقل  فما  قبله العقل وفكر فيه  وعقله واطمان به  فكره  وعقله ارتضاه وسار عليه  فالعقل عنده  المرجع  الاول  والامام  لذا فهو مؤمن بوحدانية الله تعالى  :

توحد فان الله ربك واحد       ولا ترغبن في عشرة الرؤساء

          اساء المعرى الظن بالناس الى شاوى بعيد  ونزع الثقة منهم  وسخط على الحياة , كان يرى الانسا ن المثالي  الحر العقل  والكريم في هذه الحياة  غريب  عن هذه الدنيا  ولا مكان له فيها , لذلك انزوى عن العالمين .وابو العلاء فيلسوف شاعر  فلسف الحياة في لزومياته  وقد استقى  اراءه  وافكاره التي غذاها  من انبع  مناهل العلم  واغزرها  في الادب والحكمة والفلسفة  والعقائد وظهــر كل ذلك في  قريضه   بنظم بديع  وكلام متين  بليغ و شعر ابي العلاء  بعد هذا وذاك  قوي متين  شديد النزعة  فهو  شاعر  فنان  فيلسوف اديب  حجته بالغة  عارف باصالة الفن وروائعه  يمزج الفكر بالخيال  والفلسفة بالحكمة  واسع الادراك  والفهــــــــم  فياض المعاني  له  نظم  بديع  وشعر بليغ وقافية  متينة  لم يسبقه اليها احد من الشعراء   فنظم  بعض شعره على قافية  معتمدا حرفين او ثلاثة احلاف حين الحرف الواحد يكفي .
 انظر اليه يقول:-                                                                  
        
اللَّه لا ريبَ فيه، وهو مُحتجبٌ، 
                                             بادٍ،  وكلٌّ  إلى  طَبعٍ  له  جذبا

أهلُ الحياةِ، كإخوان المماتِ، فأهْـ
                                          ـوِنْ بالكُماةِ أطالوا السُّمرَ والعَذبا

لا يعلمُ الشَّريُ ما ألقى مرارتهَ
                                           إليه، والأريُ لم يشْعُر، وقد عذُبا

سألتُموني، فأعيْتني إجابتكمْ؛  
                                             من  ادّعى  أنّه  دارٍ  فقد  كذبا

       وهذه سمة لم يسبقه الشعراءاليها  ولم يات احد بعده عليها  فكان المعري  كان يلهّي  نفسه  بها  في وحشته وانعزاليته  ومن حيث اللفظ  فهو كثير غريب اللغة ووحشي اللفظ   حتى ان المتتبع  لشعره بحاجة  الى معجم لغة  لمعرفة  معانيه ومقاصده  وليــــس هذا  بغريب على شاعر مثل المعرى  الواسع الذكاء العارف  بخفايا العربية واسرارها  ومعانيها واساليبها وبلاغتها  خاصة وانــــه عاصر عهدا وصلت العربية فيه الى ارقى اللغات واسماها  اضف ان  قصائده  تطغى عليها مسحة  بلاغية  جناسية في اكثر الاحــــــــــــــوال :

   وجدت الناس في هرج ومرج     
                                             غواة  بين  معتز ل و مــــرج

   فشان ملوكهم غرف ونــــزف 
                                              واصحاب الامور جبا ة خرج

       
       فاللزوميات  فلسفة الحياة ومبادىء الاخلاق تتجلى فيها اساليب نقد وسخرية هذا الشاعر من الحياة  ومن الناس  بدعابة في جد  يكشف  اغوار النفس الانسانية  واسرارها  في شعر بليغ  لم يات بمثله الذين سبقوه  والذين  جائوا  من بعده  يقول:-

  جهلنا فلم نعلم على الحرص مـا  
                                        الذي يراد بنا والعلم لله ذي المـــــن  

  اذا غيب المرء استسر حديثـــــه   
                                          لم تخبر  الافكار عنه بما يغنــــــي 

  تضل العقول الهبرزيات  رشدها    
                                         ولـم يسلم الراى القوي من الافــــن

 طلبت يقينا من جهينة  عنهـــــم  
                                         ولم تخبريبي  ياجهين  سوى  الظن 

   فان تعهديني  لا ازال  مســـائلا     
                                         في لم  اعط الصحيح  فاستغنــــــــي

    و ابوالعلاء غير متطير كما  يتهمونه  لكنه متشائم شديد التشاؤم  لايرى في هذه الدنيا الا شرا مستطيرا لا يستطيع دفعه ولا يامل بازالته  او تحسينه  لذلك كان  ينظر الدنيا  بمنظارة سوداوية  حالكة يقول:- 

وهل لحق  التثريب  سكان يثرب 
                                   من الناس  لا بل في الرجال غباء

اوقوله:-

أراني في الكرى  رجل  كأنــــي    
                                          من الذهب  اتخذت غشاء راسي    

قلنسوة خصصت بها  نضــــارا  
                                          كهرمز اوكملك اولى  خراســـي

فقلت معبرا ذهب ذهابــــــــــــي   
                                         وتلك نباهة  في  انـــــــــــدراس

اقمت وكان  بعض الحزم يومـــا 
                                         لركب السفن ان تلفي الرواســي

 اسمع قوله في  التطير :-

وما اسر لتعشير الغــــــراب اسى 
                                          ولا ابكي خليطا حل تعشــــــارا

ولا توهمت انثى الانجـــــم امــراة  
                                            ولا ظننت سهيلا  كان عشتارا

             بقي ان نقول ان الشاعر الكبير ابو العلاء المعري  شاعر الحياة وفيلسوفها  ترك وراءه جملة من الكتب والمؤلفات - إضافة إلــى ديوانيه ( سقط الزند ) و ( لزوم ما لا يلزم )  او اللزوميات  في الشعر- تربو على الثمانين مؤلفا و في مكتبتي منها :  رسالة الغفران  ورسالة الصاهل والشاحج  ومنها  رسالة الملائكة وذكرى حبيب .و الأيك والغصون  وعبث الوليد . ومعجز احمد . والفصول والغابات . وغيرها رحم الله شاعر العربية وفيلسوفها  الكبير   . 

   واختم بحثي بهذه القصيدة  من شعر ابي العلاء  المعري  :                                                 

غير مجدٍ في ملتـي واعتقـادي
                                                 نـوح بـاكٍ ولا ترنُّـم شــادِ

وشبيهٌ صـوت النّعـي إذا قـيــس
                                                بصوت البشير في كل نـادِ

أبكـت تلكـم الحمامـة أم غـنّــت
                                                   على فرع غصنهـا الميـادِ

صاح  هذي قبورنا تملأ الرُّحــب
                                                  فأين القبور من عهد عـادِ ؟

خففِ الوطء ماأظـنُّ أديـم الأر
                                                 ض إلا مـن هــذه الأجـسـادِ

وقبيحٌ بنـا ، وإن قـدم العـهـد ،
                                                    هـوان  الآبـاء  والأجــدادِ

سر إن استطعت في الهواء رويداً
                                                لا اختيالاً علـى رفـات العبـادِ

ربَّ لحدٍ قد صار لحـداً مـراراً
                                                  ضاحكٍ مـن تزاحـم الأضـدادِ

ودفيـن علـى بقـايـا دفـيـنٍ
                                                 فـي طويـل الأزمـان والآبـادِ

فاسـأل الفرقديـن عمَّـن أحسّـا
                                                    مـن قبيـلٍ وآنسـا مـن بـلادِ

كـم أقامـا علـى زوال نهـار
ٍ                                                     وأنـارا لمدلـجٍ فـي ســوادِ ؟

تعبٌ كلها الحيـاة فمـا أعجـبُ
                                                   إلا مـن راغـبٍ فـي ازديــادِ

إنَّ حزناً في ساعة الموت أض
                                              عـاف سرورٍ فـي ساعـة الميـلادِ

خلـق النـاس للبقـاء فضلَّـت
                                                       أمــةٌ يحسبونـهـم للـنـفـادِ

إنمـا ينقلـون مـن دار أعـمــالٍ
                                                       إلـى دار شقـوة أو رشـادِ

ضجعة الموت ، رقدةٌ يستريح الــجسم
                                                     فيها ، والعيش مثل السهادِ

كل بيـتٍ للهدم ماتبتنـي الـور
                                                   قـاء والسيّـد الرفيـع العـمـادِ

والفتى ظاعنٌ ويكفيه ظـلُّ السـدر
                                                     ضـربَ الأطنـاب والأوتـادِ

بان أمـر الإلـه واختلـف النـاس
                                                      ، فداعٍ إلـى ضـلالٍ وهـادِ

والـذي حـارت البريـة فـيـه
                                                  حيـوانٌ مستحـدثٌ مـن جمـادِ

واللبيبُ اللبيبُ من ليـس
                                                 يغتـرُّ بـكـونٍ مصـيـرهُ للفـسـادِ






                      ************************






















المراجع



امراء االشعر  العربي في العصر العباسي   المقدسي انيس 9 196
امراء الشعر العربي في العصر العباسي  الخوري    انيس  1932
دراسة نقدية ادبية لغوية  (ديوان البحتري)-  عبد السلام هارون   1964
التشخيص في الشعرالعباسي  حتى نهاية القرن الرابع  الشمري  ثائر سمير حسن  2012
الموسوعة العربية الميسرة    شرف الدين.  خليل دار مكتبة الهلال  بيروت  1985
مفهوم  الشعر  مصطلحاته ومكوناته     الشرقاوي الحسني   فاس\  المغرب  1992
الصورة الشعرية عند لشار بن برد   عبد الستار صالح نافع
التشكيل الجمالي في شعر بشار بن برد     د  عبد الكريم الحبيب
 البواعث النفسية في  هجاء بشار بن برد  مجلة دراسات (جامعة البصرة )
   ابو عبادة االبحتري دراسة ومختارات  شرارة عبد اللطيف الشركة العالمية للكتاب  بيروت
ابو العلاء  المعري  دراسة ومختارات  شرارة عبد اللطيف  الشركة العالمية للكتاب بيروت  
ديوان البحتري    الصيرفي   حسن كامل    دار المعارف     القاهرة 1995
ابو العلاء المعري في  سجنه    طه  حسين    الشركة العالمي للكتاب  1983
تاريخ الادب العربي      السباعي  بيومي    الجزء الثالث  دارالمعارف القاهرة
تاريخ اداب اللغة العربية      جرجي زيدان   الجزء الثاني   دار الهلال  القاهرة
الموجز في الشعرالعربي -   فالح الحجية الكيلاني  دار دجلة – عمان  2016
موسوعة (شعراء العربية )- فالح  الحجية الكيلاني  دار دجلة – عمان 2016
موسوعة  ( شعراء العربية ) المجلد الخامس  الجزء الاول    
الجامع في أخبار أبى العلاء و آثاره ،  الجندي  محمد سليم  المجمع
العلمي العربي ، دمشق ، 1384 هـ   1964
دفاع عن أبى العلاء المعري     الملوحي  عبد المعين . دار الكنوز الأدبية ، بيروت ، 1994
العمدة في محاسن الشِّعر وآدابه ونَقْده   لابن رشيق    
 ديوان بشار بن برد  - ديوان شعر
سقط  الزند   ديوان شعر - ابو العلاء  المعري
لزوم ما لا يلزم  (اللزوميات ) ديوانشعر - ابو العلاء المعري




*************************************

الفهرس

  تقديم                                                              3
المؤلف  في سطور                                              5
 دراسات في الشعر العربي في العصرالعباسي           7
 الشعرفي العصر العباسي   بين الكلاسيكية والتجديد   13
الشعر والامورالسياسية والاجتماعية                       15
روافد ثقافية                                                        28
الاساليب والمعاني                                               35
الاوزان(العروض) والقوافي                                  48
الفنون الشعرية العربية المتجددة                           58
الفنون والاغراض الشعرية                                   75
بشار بن برد                                                      104
ابو العلاء المعري                                               125
المراجع                                                             133
الفهرس                                                             135
مؤلفات فالح الحجية الكيلاني              

   *******************************




    من مؤلفات فالح نصيف الحجية الكيلاني

ا-الدواوين الشعرية :

           نفثات القلب                1978
           قصائد من جبهة القتال   1986
           من وحي الايمان          8 0 20 
           الشهادة والضريح         2010
           الحرب والايمان            2011 
            سناءات مشرقة           2014

ب – الكتب النثرية :
1 -في الادب والفن
2 -تذكرة الشقيق في معرفة اداب الطريق – دراسة وتحقيق وشرح للقصيدة التي تحمل نفس العنوان والمنسوبة للشيخ عبد القادرالكيلاني
3-الموجز في الشعر العربي \ دراسة موجزة في  الشعرالعربي عبر العصور بدءا من العصر الجاهلي وحتى عصر النهضة او الحديث ثم المعاصر اعتبر او قيم من قبل اغلب المواقع الادبية على النت - انه احد امهات الكتب العربية في الادب واللغة  في موضوع الشعر والادب       اربعة اجزاء
4-شرح ديوان الشيخ عبد القادر الكيلاني وشيء في تصوفه – دراسة شاملة في ادب الشيخ عبد القادرالكيلاني كنموذج للشعرالصوفي وشرح القصائد المنسوبة  اليه             اربعة اجزاء
5    -   كرامة فتاة ( قصة طويلة )  
6-   اصول في الاسلام
7-   عذراء القرية (قصة طويلة )
8-  الاشقياء  ( مجموعة قصص قصيرة )
9-  بلدروز عبر التاريخ
10-  دراسات في الشعر المعاصر  وقصيدة النثر
11- الغزل في الشعر العربي
12– عبد القادر الكيلاني  وموقفه من المذاهب والفرق الاسلامية     دراسة
13--شرح القصيدة العينية \ مع دراسة  بحثية في شاعرها  الشيخ عبد القادر الكيلاني
14-  -مدينة بلدروز في الذاكرة
15- شذرات من السيرة النبوية المعطرة
16 – الشعرالعباسي بين الكلاسيكية والتجديد
17 -  من عيون الشعرالصوفي

 ج- موسوعة  التفسير الموضوعي للقران الكريم  وقد صدرمنها الكتب التالية :
1-اصحاب الجنة في القران الكريم                 جزءان
2-القران في القران الكريم
3- الادعية المستجابة في القران الكريم
4-الانسان ويوم القيامة
5- الخلق المعاد في القرآن الكريم
    6 -يوم القيامة في القران الكريم                      جزءان

     د – موسوعة  ( شعراء العربية )  في عشرة مجلدات    وفيها الكتب التالية :

1- شعراء جاهليون                            المجلد الاول
2-شعراء صدر الاسلام                        المجلد الثاني   
3- شعراء  العصر الاموي                    المجلد الثالث            جزءا ن
4- شعراء  العصرالعباسي الاول            المجلد الرابع            جزءا ن
5- شعراء العصر العباسي  الثاني           المجلد الخامس         جزء ان
6- شعراء العربية في الاندلس               المجلد السادس         جزء ان
7 - شعراء  الفترة الراكدة والعثمانية       المجلد السابع
8- شعر اء النهضة العربية                   المجلد الثامن 
9- شعراء  الحداثة  العربية                  المجلد التاسع           جزءا ن
10- شعراء  المعاصرة العربية              المجلد العاشر           جزءا ن



     ****************************