الأربعاء، 30 أكتوبر 2013

راسات في الشعرالمعاثر وقصيدة النثر تاليف - فالح نصيف الحجية






                     المعارضات والمطارحات 

                 والمطاردات  الشعرية

          المعارضات الشعرية  هي القصائد الشعرية التي قالها شعراء ثم عارضها غيرهم والمعارضة تعني القول مثلها وفي اللغة عرض\ ظهر، وعارضه\سار حياله، أو أتى بمثل ما أتى به. وعارض الكتاب بالكتاب اي قابله. وقد جاء في معجم لسان العرب أن المعارضة هي المحاذاة.
وجاء في مختار الصحاح  عارضه  في المسير أي سار حياله وعارضه بمثل ما صنع   أي اتى اليه بمثل ما اتى .

و(اصطلاحا) هي تلك القصائد التي قالها الشعراء فقال مثلها غيرهم معارضة لقصائدهم  أي  يقول الشاعر قصيدة في موضوع ما، فيأتي شاعر آخر، فينظم قصيدة أخرى على غرارها، محاكياً القصيدة الأولى في وزنها، وقافيتها، وموضوعها مع اظهار القدرة  على التفوق عليها من حيث اللغة والاسلوب والمعنى وانتقاء الصور البلاغية وما اليها  من امور التفوق

          و تقتضي المعارضة وجود حدث  فني  او نموذج  شعري ماثل أمام  المعارض ليقتدي به، ويحاكيه، أو يحاول تجاوزه او الاتيان بافضل منه  على نفس النسق أي ضمن القافية الواحدة والروي الواحد والبحر الواحد  واقول  انما هي نوع من المباريات الشعرية التي قد تجري بين الشعراء، مع العلم انها  تختلف عن التقليد فهي نوع من إثبات الذات  والمقدرةعلى الإبداع الشعري وتبدأ بنظم شاعر معين قصيدة رائعة  فيأتي شاعر آخر يعارضها بنفس وزن هذه القصيدة وموسيقاها الشعرية وبنفس قافيتها  وذلك لعدة اسباب  منها الإبداع داخل هذا النوع اذ ان هذا الشاعر  أعجبه ذلك مثلا  فرغب ان يكتب مثل هذه القصيدة التي اعجبته   او  لنقض معاني هذه القصيدة وأفكارها حيث  ان  الشاعر ربما  يتبنى وجهة نظر مضادة، لكنه إمعانًا  منه  في التحدي يلزم نفسه أن يبدع في نفس القالب الشعري الذي التزمه الشاعر الأول، فيلتزم نفس الوزن والبحر والقافية او الموسيقى الشعرية  كما يسمونها حديثا

         تختلف قصائد  المعا رضات عن  النقائض حيث ان  النقائض فن جديد في الشعر العربي وربما يتعبره  اخرون امتدادا لشعر الهجاء في الجاهلية وصدر  الاسلام  الا انه في الواقع اتخذ طابعا جديدا   فالنقائض قصائد في منتهى القوة والبلاغة والعاطفة الشعرية تمتاز بطولها   وقد قالها  فحول شعراء العربية في العصر الاموي  في الرد على الخصم  فيها او الرد على قصيدة الخصم بحيث ينقضون ما فيها من مدح  ويحولونه الى ذم  والفخر الى هجاء ويظهر كل منهم مثالب الاخر ومعايبه وقومه وينسبون الفخر والمدح الى انفسهم اوالى قومهم    ومن اليهم  راجع مقالتي ( النقائض ) المنشورة في موقعي اسلام سيفلايزيشن\ منتدى الشعر .
          و ان النقائض زادت من حدة الخلاف وشدة النزاع  الحزبي والقبلي بين  الاطراف المتنازعة  حيث ذهب الشعراء في البحث عن مثالب  بعضهم  البعض ومثالب اقوامهم   واللهاث وراء  معرفة كل مثلبة في الشاعر اوفي قومه وعشيرته   في الماضي او في الحاضر الا ا نها رسمت صورة لحياة  الشعراء واحداث عصرهم فكانت مصدرا مهما من مصادر تاريخ العصر الجاهلي فهي نبش في التاريخ  وراء الاحداث وما تمخض عنها  من  نوازع وامور   تهم هذا الطرف او ذاك  انها البحث في التاريخ  للقبائل العربية ومعرفة  مفاخرها ومثالبها  للفخر  بها او الطعن فيها.

            المعارضات الشعرية يرجع تاريخ ابداعها  إلى فترة صدر الا سلام  مثل (قصيدة البردة ) لكعب بن زهير بن ابي سلمى في مدح النبي محمد صلى الله عليه وسلم والتي مطلعها \

 بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
                           متيم اثرها لم يفد يفد مكبول

             تلك التي  نالت إعجاب الشعراء كثيراً فأكثروا من معارضتها

   اما في العصر الاموي  فان المعارضات لم تكن قد عرفت بعد باستثناء حالة  بين  الشا عرجميل بن معمر، والشاعر عمر بن أبي ربيعة، فقد قال جميل بثينة:

عرفت مصيف الحي والمتربعا
                         كما خطّتِ الكفُّ الكتابَ المرجعا

فقال عمر بن أبي ربيعة معارضا:

ألم تسألِ الأطلالَ والمتربعا
                            ببطنِ حليات دوارس بلقعا.

        فقد جاءت الألفاظ في قصيدة عمر بن ابي ربيعة  شبيهة بمفردات قصيدة جميل  التي تمت معارضتها ، وهذا لا ينقص من قدر القصيدة الثانية. والقصيدتان تعارضان قصيدة الصّمّة القشيري التي يقول في  مطلعها \

  حَنَنْتَ إلى ريّا ونفسُكَ باعَدَتْ
                        مزارَكَ من ريّا وشعباكما معا

وقيل  أن عمر بن أبي ربيعة قد تأثر بشعر جميل بن معمر  فأبدى إعجابه برائيته التي يقول فيها \

أغاد أخي من آل سلمى فمبكر؟
                          أبن لي أغاد أنت أم متهجر

فعارضها عمر بقصيدة رائية ايضا  تحاكيها روعة وجمالا من نفس الوزن والقافية ومنها قوله:

أمِنْ آلِ نُعْم أنتَ غادٍ فمبكرُ
                         غداةَ غدٍ أم رائحٌ فمهجّرُ

    وفي  العصر العباسي فقد وجدت حالات  فردية  ايضا تأثر فيها الشعراء بقصائد  فحاكوها اونسجوا على منوالها من ذلك قصيدة ابي نؤاس  التي يقول فيها \

يا ريم هاتِ الدواةَ والقلما
                    أكتب شوقي إلى الذي ظلما

              فقد عارضه الشاعر الخراز بقصيدة التزم فيها ذات الموضوع والوزن والقافية وحركة الروي يقول فيها \

إن باح قلبي فطالما كتما
                      ما باح حتى جفاهُ مَنْ ظلما

  ولم تكثر المعارضات في الشعر العباسي الا انه لا يخلو من نماذج منها
   فلما قال أبو تمام قصيدته الرائعة التي مطلعها \

السيفُ أصدقُ أنباءً من الكتب
                  في حدّه الحدُّ بين الجدّ واللعبِ

عارضه الشاعر  القيسراني بقصيدة مماثلة مطلعها

هذي العزائمُ لا ما تدعي القُضُبُ
                        وذي المكارمُ لا ما قالت الكتبُ.

 
        أما المتنبي فقد عارضه الكثير من الشعراء حيث انه (مالئ الدنيا وشاغل الناس). كما قيل فيه وهل من شاعر بعد المتنبي فكل الشعراء عيال عليه  فعندما قال قصيدته في مدح سيف الدولة \

على قَدْرِ أهلِ العزم تأتي العزائمُ
                              وتأتي على قدر الكرامِ المكارمُ.

عارضها ابن زريك بقصيدته التي مطلعها:

ألا هكذا في الله تمضي العزائمُ
                         وتقضي لدى الحرب السيوفُ الصوارمُ

و عارضه الشاعر القائد أسامة بن منقذ بقصيدة مطلعها:

لك الفضل من دون الورى والأكارم
                               فمَنْ حاتمٌ؟ ما نال ذا الفخر حاتمُ

-
وعندما قال المتنبي قصيدته الاخرى التي يمدح بها سيف الدولة، ومطلعها ايضا :

أعلى الممالك ما يُبنى على الأسَلِ
                                  والطعنُ عند محبيهن كالقبلِ

عارضه  الشاعر عبيد الله الموصلي بقصيدة مطلعها؛:

ظبا المواضي وأطراف القنا الذبل
                               ضوامنٌ لك ما جازوه من نفل

-
وعندما قال المتنبي قصيدته في تفضيل الاعرابيات على  بنات الحضر او بنات  المدن او الحضريات  التي مطلعها؛:

بأبي الشموس الجانحات غواربا
                              اللابسات من الحرير جلاببا

عارضه الشاعر  صفي الدين الحلِّي بقصيدة مطلعها\:

أسبلن من فوق النهود ذوائباً
                           فجعلن حباتِ القلوب ذوائبا

         وكذلك قصيدة البوصيري  في مدح الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم  وقد عارضها كثيرون  بعده
       ويعد هذا الفن إحياء للفن العربي ولتراث الشعراء السابقين في كل زمان ومكان، حيث نشطت  فيه  حركة الشعر العربي مما ادى  الى ان تشد هذه المعارضات الشعرية  ماضي الشعر العربي بحاضره وربما بمستقبله  في حالة وجود شعراء يتبعون هذا النسق من القصائد العربية

        و أن المعارضات وجدت
 ايضا  في الشعر العربي  الأندلسيّ ، عندما شعر الأندلسيون أنهم أقل من الشعراء العرب في الشرق  علماً في علم الشعر  فقام كثير من شعراء الأندلس بمعارضة قصائد مشهورة لشعراءفي شرق البلاد الاسلامية   كما  تلقبوا بألقاب كبار شعراء الشرق العربي  ، فلقّب ابن درّاج القسطلي بـ ( متنبي الأندلس ) ، لكثرة معارضاته للمتنبي ، ولقّب ابن زيدون بـ ( بحتري الأندلس ) ؛ لكثرة معارضاته للبحتري. الأندلس من ذلك معارضة أبي بكر الأشبوني لرائية أبي فراس الحمداني التي مطلعها:

أراك عصيّ الدمع شيمتك الصبرُ
                            أما للهوى نهيٌ عليك ولا أمرُ؟

فقال الأشبوني:

وليل كهمّ العاشقين قميصُهُ
                              ركبتُ دياجيه ومركبُهُ وعْرُ.

ومعارضة ابن دراج القسطلي لأبي نواس التي يمدح فيها الخصيب، ومطلعها:

أجارةُ بيتينا أبوك غيورُ
                       وميسورُ ما يُرجى لديك عسيرُ

فعارضه ابن درّ ا ج بقصيدة يمدح فيها المنصور بن أبي عامر، مطلعها:

ألم تعلمي أنّ الثواءَ هو الثرى
                            وأنّ بيوتَ العاجزين قبورُ

وعارض أبو الحسن البغدادي الملقب الفكيك مسلم بن الوليد في قصيدته التي قالها في مدح الرشيد والتي فيها:

أديرا عليّ الكأسَ لا تشربا قبلي
                               ولا تطلبا عند قاتلتي ذحلي

فقال ابو الحسن معارضا:

لأية حال عن سُنّةِ  العدل
                      ولم أصغ يوما في هواك إلى العذل

كما عا رضها محمد بن عبد ربه  صاحب العقد الفريد بقوله:

أتقتلني ظلماً وتجحدني قتلي
                         وقد قام من عينيك لي شاهد عدل

-
وعارض أبو بكر بن نصر الإشبيلي أبا تمام في رائيته التي يمدح فيها المعتصم والتي مطلعها:

رقّتْ حواشي الدهر فهي تمرمرُ
                             وغدا الثرى في حليه يتكسّرُ

فقال  ابو بكر  الإشبيلي:

انظرْ نسيمَ الزهر رقّ فوجههُ
                             لك عن أسرّته السرية يُسفرُ

            وقد عارض الشاعر  محمود سامي البارودي  عظماء  شعراء العربية  لمقدرته الفائقة على مجاراتهم  وقدرته على الخلق والابداع  
يعتبر الشاعر  الكبير أمير الشعراء أحمد شوقي  المتصدر في  شعر المعارضات في العصر الحديث ؛ لأنّ قصائده كانت بعثاً وإحياءً لقصائد البحتري في الوصف ، والمتنبي ، وأبي تمام في الحماسة ، والبوصيري  في المدائح النبويَّة ، وابن زيدون في الغزل ؛ فحققت معارضاته إنجازاً وقوةً وإبداعاً له.

           وقبل ان اخرج من القول في هذا الفن الجميل اود ان اذكر نوعا اخر  من القصائد الشعرية هي المطارحات و التي هي قريبة من  المعارضات وقد ازدهرت في مجال الأنس والسمر والشراب، من ذلك قصيدة أبي نواس همزيته  في وصف الخمر، والتي مطلعها:

دَعْ عنك لومي فإنّ اللومَ إغراءُ
                         وداوني بالتي كانت هي الداءُ

فعارضه الحسين بن الضحاك  بقوله:

بُدّلت من نفحات الوردِ بالآء
                          ومن صبوحك درّ الإبل والشاءِ

فقد تابعه الخليع في ذكر الخمر والشعوبية. كما عارضه ابن المعتز في قصيدة يقول فيها:

أمكنت عاذلتي من صمت أباء
                        ما زاده النهي شيئاً غير إغراء


           وقد  راقت لي هذه القصائد السينية القافية   اولها للبحتري ويعارضها كل من  الشاعر احمد شوقي والشاعر عبد الله بلخير  يعارضان  فيها البحتري وشوقي  كليهم احدهما بعد الاخر   حيث تعتبر بحق اجمل القصائد المعارضة لبعضها  في الشعر العربي لحد الان \ وهذه هي القصائد  الثلاث \
  1-  سينية البحتري=

         وصف الشاعر العباسي البحتري إيوان كسرى في سينيته المشهورة التي تتوارد في أبياتها العظة التاريخية لهذه الدولة التي كانت ذات قوة عظيمة ثم اضمحلت واندثرت  يقول فيها:



صُـــنتُ نَفسي عَمّا يُدَنِّسُ نَفسي
وَتَرَفَّعــــــــــتُ عَن جَدا كُلِّ جِبسِ

وَتَماسَكتُ حينَ زَعزَعَني الدَهـر
التِماساً مــــــــــِنهُ لِتَعسي وَنَكسي

بُلَغٌ مِن صُبابَةِ العَيشِ عِـــــندي
طَفَّفَتها الأَيّـــــــــــامُ تَطفيفَ بَخسِ

وَبَعيدٌ مابَينَ وارِدِ رِفَـــــــــــــــهٍ
عَلَلٍ شُـــــــربُهُ وَوارِدِ خِـــــــمسِ

وَكَأَنَّ الزَمانَ أَصبَحَ مَحــــــمولاً
هَواهُ مَـــــــعَ الأَخَسِّ الأَخَــــــــسِّ

لَو تَراهُ عَلِمتَ أَنَّ اللـــــــــــَيالي
جَعَلَت فيهِ مَأتَماً بَعدَ عُــــــــــرسِ

وَهوَ يُنبيكَ عَن عَجائِبِ قَـــــــومٍ
لا يُشابُ الـــــــبَيانُ فيهِم بِلَــــبسِ

وَإِذا ما رَأَيتَ صورَةَ أَنطـــــاكِيَّة
اِرتَعـــــــتَ بَينَ رومٍ وَفُـــــــــرسِ

وَالمَنايا مَواثِلٌ وَأَنوشَــــــــروان
يُزجي الصُفوفَ تَحتَ الدِرَفــــــسِ

في اِخضِرارٍ مِنَ اللِباسِ عـــــَلى
أَصفَرَ يَختالُ في صَبيـــــغَةِ وَرسِ

وَعِراكُ الرِجالِ بَينَ يَــــــــــــدَيهِ
في خُفوتٍ مِنهُم وَإِغمـاضِ جَرسِ

مِن مُشيحٍ يَهوى بِعامِلِ رُمـــــحٍ
وَمُليحٍ مِــــــــنَ السِنانِ بِتُـــــرسِ

تَصِفُ العَينُ أَنَّهُم جِدُّ أَحــــــــياءٍ
لَـــــهُم بَينَهُم إِشـــــــارَةُ خُــــرسِ

يَغتَلي فيهِم ارتيِابي حَـــــــــــتّى
تَتَقَرّاهُـــــــــــمُ يَدايَ بِلَــــــــــمسِ

وَتَوَهَّمتُ أَنَّ كِسرى أَبَـــــــرويزَ
مُعــــــــــاطِيَّ وَالبَلَهبَذَ أُنــــــــسي

حُلُمٌ مُطبِقٌ عَلى الشَكِّ عَــــــيني
أَم أَمانٍ غَيَّرنَ ظَنّي وَحَــــــــدسي

وَكَأَنَّ الإيوانَ مِن عَجَبِ الصَنعَةِ
جَوبٌ في جَــــــــــنبِ أَرعَنَ جِلسِ

يُتَظَنّى مِنَ الكَآبَةِ إِذ يَبــــــــــــدو
لِـــــعَينَي مُصـــــَبِّحٍ أَو مـــــُمَسّي

مُزعَجاً بِالفِـــراقِ عَن أُنسِ إِلفٍ
عـــــَزَّ أَو مُــــرهَقاً بِتَطليقِ عِرسِ

عَكَسَت حَظُّهُ اللَيالي وَباتَ المُشـ
تَـــــري فيهِ وَهوَ كَــــــوكَبُ نَحسِ

فَهوَ يُبدي تَجَــــــــــــــلُّداً وَعَلَيه
كَلـــــكَلٌ مِن كَلاكِلِ الدَهـــرِ مُرسي

لَم يَعِبهُ أَن بُزَّ مِن بُسُطِ الــديباج
وَاِســـــتَلَّ مِـــــن سُتورِ المَـــــقسِ

مُشمَخِّرٌ تَعلو لَهُ شُـــــــــــــرُفاتٌ
رُفِعَت في رُؤوسِ رَضوى وَقُـدسِ

لابِساتٌ مِنَ البَياضِ فَما تُـــبصِرُ
مِـــــنها إِلـــــّا غـــــَلائِلَ بــــــُرسِ

لَيسَ يُدرى أَصُنعُ إِنسٍ لِجـــــــِنٍّ
سَكَنـــــوهُ أَم صـــــُنعُ جِــنٍّ لِإِنـسِ

فَكَأَنّي أَرى المَراتِبَ وَالقَــــــــومَ
إِذا مـــــا بَلَغتُ آخِـــــرَ حِسّــــــــي

وَكَأَنَّ الوُفودَ ضاحينَ حَســـــرى
مِن وُقـــــوفٍ خَلفَ الزِحامِ وَخِنسِ

وَكَأَنَّ القِيانَ وَسطَ المَقاصــــــيرِ
يُرَجِّـــــعنَ بَينَ حُـــــوٍ وَلُعــــــــسِ

وَكَأَنَّ اللِقاءَ أَوَّلَ مِن أَمــــــــــسِ
وَوَشـــــكَ الفِـــــراقِ أَوَّلَ أَمـــــسِ

وَكَأَنَّ الَّذي يُريدُ إِتّـــــــــــــــِباعاً
طامـــــِعٌ في لُحوقِهِم صُبحَ خَـمسِ

عُمِّرَت لِلسُرورِ دَهراً فَــــصارَت
لِلـــــتَعَزّي رِبـــــاعُهُم وَالتـــــَأَسّي

فَلَها أَن أُعينَها بِدُمــــــــــــــــوعٍ
موقَفاتٍ عَلى الصـــــَبابَةِ حُـــــبسِ

ذاكَ عِندي وَلَيسَت الـــدارُ داري
بِإِقتِرابٍ مِنها وَلا الجــــِنسُ جِنسي



2- سينية شوقي\


        وصل شوقي إلى بلاد الأندلس بعد رحلة طويلة مضنية في أرجاء البلاد عندما قرر الانجليز نفيه من مصر  شاهد خلالها الأطلال والآثار المتهدمة من القصور والقلاع والجوامع، هيجت لديه الأحزان، وجددت به الآلام وهزت فيه الوجدان فأثارت مشاعره وشحذت أحاسيسه، وتجلت في خياله قصيدة البحتري، فانطلقت قيثارة شعره بسينيته معارضاً بها البحتري في خضم الظروف السيئة التي أحاطت به، وآثار الرحلة الشاقة التي زادت من تعاسته وعذابه النفسي، تطأ قدمه أرض الأندلس التي تضم أروع صور التاريخ الإسلامي وأزهرها وأشرقها، فأنشأ يقول:



اخـــــتلاف النــــــهار والـــــليل ينسي
اذكــــــرا لـــي الصبا وأيـــــام أنسي

وصـــــفا لـــي ملاوة مـــــن شـــــباب
صـــــورت مــــن تصـــــورات ومس

عصـــــفت كالصبا اللــــعوب ومـــرت
ســـــنة حـــــلوة ولـــــذة خــــــــــلس

وســلا مصر: هل سلا القلب عــــنها
أو أسا جـــــرحه الـــزمان المؤسي

كلـــــما مـــــرت الـــــليالـــي عـــــليه
رق، والعـــــهد فـي الليالي تقــــسي

مســـــتطـــــار إذا البـــــواخـــــر رنت
أول الـــــليل، أو عوت بــــعد جرس

راهـــــب فـــــي الضلوع للسفن فطن
كـــــلما ثرن شاعـــــهن بنــــــــــقس

يا ابـــــنة اليـــــم، ما أبـــــوك بـــخيل
مـــــاله مولعاً بمـــــنع وحــــــــــبس

أحـــــــرام عــــلى بلابـــــله الـــــدوح
حــــلال للـــــطير من كـــــل جـــنس؟

كـــــل دار أحـــــق بـــــالأهـــــــــل إلا
في خبيث مـــــن المـــذاهب رجـــــس

نفســـــي مـــــرجل، وقـــــلبي شراع
بهما في الدموع ســـــيري وأرســــي

واجـــــعلي وجهك (الفنار) ومجراك
يـــــد (الثغر) بــــين (رمل) و(مكس)

وطـــــني لو شـــــغلت بالخلد عـــــنه
نازعتني إلـــــيه في الخـــــلد نفسي

وهـــــفا بالفـــــؤاد فـــــي سلســـــبيل
ظمأ للـــــسواد مـــن (عين شمس)

شهد الله لـــــم يغب عـــــن جـــــفوني
شخـــــصه ساعـــــة ولم يخل حسي

يـــا فــــؤادي لكـــــل أمـــــر قـــــرار
فــيه يبـــــدو وينجـــــلي بعـــــد لبس

عقلـــــت لجـــــة الأمـــــور عـــــقولاً
طالت الحوت طـــــول ســـبح وغس

غـــــرقت حـــــيث لا يصاح بطـــــاف
أو غـــــريق، ولا يصـــــاخ لحـــــس

فلـــــك يكســف الشـــــموس نــهــاراً
ويســـــوم البـــــدور ليـــــلة وكــس

ومـــــواقـــيت للأمـــــور إذا مـــــــــا
بلغـــــتها الأمـــــور صـــــارت لعكس

دول كالرجـــــــــــــــال مـــرتهـــــنـات
بقـــــيام مـــــن الجـــــدود وتـــــعس

وليـــــال مــــن كـــــل ذات ســــــــوار
لـــــطمت كـــــل رب (روم( و(فرس(

ســـــددت بالهـــــلال قوســــاً وســلت
خنـــــجراً ينـــــفذان مـــــن كل ترس

حكـــمت في القرون (خوفو) و(دارا)
وعـــــفت (وائلاً) وألـــــوت) (بعبس(

أيـــــن (مروان) في المشارق عــرش
أمـــــوي وفي الـــــمغارب كــــرسي؟

سقمت شـــــمسهم فـــــرد عــــــــليها
نـــــورها كل ثاقـــــب الرأي نـــــطس

ثم غابت وكل شمس سوى هـــــــاتيك
تبلـــــى، وتنـــــطوي تحـــــت رمس

وعـــــظ (البحتري) إيـــوان (كسرى)
شـــــفتني القصور من (عبد شمس(

رب ليـــــل ســـــريت والبرق طـــرفي
وبساط طويـــــت والريـــــح عنسي

أنظم الشرق في (الجزيرة) بالـــــغرب
وأطوي الـــــبلاد حزنـــــاً لـــــدهس

فـــــي ديـــــار من الخـــــلائف درس
ومـــــنار مـــــن الطـــــوائف طمس

وربى كالـــــجنان في كنف الـــزيتون
خـــــضر، وفـــــي ذرا الكرم طـــلس

لـــــم يرعـــــني سوى ثرى قــــرطبي
لمست فيه عــــــــــبرة الدهر خمسي

يـــــا وقى الله مـــــا أصبح مــــــــــنه
وسقى صــفوت الحيا ما أمــــــــــسي

قرية لا تـــــعد في الأرض كـــــــــانت
تمسك الأرض أن تمــــــــــيد وترسي

غشيت ســـــاحل المحيط وغــــــــطت
لجة الروم من شراع وقـــــــــــــــلس

ركب الدهر خـــــاطري فــــي ثراهــــا
فأتى ذلك الــــــــــحمى بــعد حـــــدس

فتجلت لي القصور ومـــــــــن فيـــــها
من العــــــــــز في مــــــــــنازل قعس

ســـــنة من كـــــرى وطـــــيف أمـان
وصــــــــحا القلب مـن ضلال وهجس

وإذا الـــــدار ما بها مـــــن أنيـــــــس
وإذا القوم ما لــــــــــهم مـــــن محس

ورقيـــــق مـــــن الـــــبيوت عـــــتيق
جاوز الألف غير مــــــــــذموم حرس

أثـــــر مـــــن (مــحـــــمد) وتـــــراث
صــــــــار (للروح) ذي الولاء الأمس

بلــــــــغ النجـــــم ذروة وتنـــــاهـــــى
بين (ثهلان) في الأساس و(قـــــد)

مـــــرمر تســـــبح الـــــنواظر فـــــيه
ويطــــــــــــــول المدى عليها فترسي

وســـــوار كأنـــــها فـــــي اســـــتواء
ألفــــــــــات الوزير في عرض طرس

فـــــترة الدهـــــر قد كست ســـطريها
مــــــا اكتسى الهدب من فتور ونعس

ويحـــــها! كـــــم تـــــزينت لعلــــــــيم
واحــــــــــد الدهر واستعـــدت لخمس

وكـــــأن الرفيف فـــــي مسرح العين
مــــلاء مــــــــــدنرات الــــــــــدمقس

ومكـــــان الكـــــتاب يغـــــريك ريـــــاً
ورده غــــــــــائباً فــــــــــتدنو للـمس

صـــــنعة (الداخـــــل) المبـــــارك في
الغـــــرب وآل لـــــه ميامـــين شمس

مـــــن (لحمراء) جـــــللت بغبـــــــــار
الدهر كالـــــجرح بـــــين بـرء ونكس

كـــــسنا البرق لو مــحا الضوء لحظاً
لمحتها العـــــيون مـــــن طــول قبس

حصـــــن (غرناطة) ودار بني الأحمر
مـــــــن غـــــافل ويقـــــظان نـــــدس

جـــــلل الثلج دونـــــها رأس (شيرى)
فـــــبدا مــــــــــنه في عـصائب برس

ســـــرمد شـــــيبه، ولـــــم أر شـــــيئاً
قـــــبله يــــــــــرجى البــــقاء وينسي

مشت الحادثات في غرف (الحمراء(
مــــــــــشي النـــــعي في دار عــــرس

هـــــتكت عــزة الحجـــــاب وفـــــضت
ســــــــــدة الباب مــــن سمير وأنسي

عـــــرصات تخـــــلت الخــيل عـــــنها
واســــــــــتراحت من احتراس وعس

ومغـــــان عـــــلى الليالـــي وضـــــاء
لـــــم تجــــــــــد للــــعشي تكرار مس

لا ترى غـــــير وافدين عـــلى التاريخ
ساعـــــين فـــي خـــــشوع ونـــــكس

نقلوا الطـــــرف فـــــي نضـــــارة آس
مـــــن نقــــوش، وفي عصارة ورس

وقبـــــاب مـــــن لازورد وتـــــــــــــبر
كالـــــربى الشـــــم بيـــن ظل وشمس

وخطـــــوط تكـــــفلت للمـــــعانــــــــي
ولألفـــــاظـــــها بـــــأزيـــــن لـــــبس

وتـــــرى مجـــــلس السبـــــاع خـلاء
مـــــقفر القـــــاع مــــن ظباء وخنس

لا (الثـــــريا) ولا جـــــواري الثريـــــا
يـــــتنزلن فـــــيه أقـــــمار إنـــــــــس

مـــــرمر قامـــــت الأســـــود عـــــليه
كـــــلة الظـــــفر ليـــــنات المـــــجس

تنثر المـــــاء في الحـــــياض جمــــاناً
يـــــتنزى عـــــلى تـــــرائب مـــــلس

آخـــــر العـــــهد بالجزيـــــرة كــــانت
بـــــعد عـــــرك مــن الزمان وضرس

فتـــــراها تقـــــول: رايـــــة جـــــيش
باد بالأمـــــس بـــــين أســـــر وحـس

ومفـــــاتيحها مقـــــالـــــيد مــــــــــلك
بــــــــــاعها الوارث المضــيع ببخس

خـــــرج القــــوم في كـــــتائب صـــــم
عن حــــــــــفاظ كموكب الدفن خرس

ركـــــبوا بالبـــــحار نعـــــشاً وكـــانت
تحــــــــــــت آبائهم هي العرش أمس

رب بـــــان لهـــــادم، وجـــــمـــــــوع
لمـــشت ومحــــــــــسن لمــــــــــخس

إمـــــرة الـــــناس هـــــمة لا تــــــأنى
لـــــجبــان ولا تســـــنى لــــــــــجبس

يا ديــــــــــاراً نزلت كالخلد ظــــــــــلاً
وجـــــنى دانياً وســــــــــلسال أنـــس

مـــــحسنات الفـــــصول لا نـاجر فيها
بقـــــيظ ولا جــــــــــمادى بـــــــقرس

لا تـــــحش العـــــيون فـــــوق ربــاها
غـــــير حـــــور حــو المراشف لعس

كســـــيت أفـــــرخي بظـــــلك ريـــشاً
وربـــــا فـــــي ربـــاك واشتد غرسي

هـــــم بـــــنو مـــصر لا الجميل لديهم
بمضـــــاع ولا الصـــــنيع بـــــمنسي

مـــــن لسان عـــلى ثنـــــائك وقـــــف
وجـــــنان عـــــلى ولائـــــك حـــــبس

حسبـــــهم هـــــذه الطـــــلول عـــظات
مــن جـــــديد على الدهـــــور ودرس

وإذا فاتـــــك التفـــــات إلـــى الماضي
فـــــقد غـــــاب عـــــنك وجه التأسي

3- و الشاعر عبدالله بلخير  كتب سينيته  معارضاً  فيها
البحتري وشوقي قائلاً :

ذكرياتي مـــــــــــا بين يومي وأمسي
هي عمري ما بين سعدي ونــــــحسي

ضاع منها ما ضــاع في مهمه العمر
وطواها بين اخـــــــــــــضرار ويبــس

وتبقى منها الــــــــذي رسبت مـــــنه
رؤى لا تــــــــرى بفــــــــكري وحسي

مومضات تشع طوراً وتخــــــــــــــبو
في شريط، في ظلمة الــــــذهن منسي

تتعــــــالى به حياتــــــــي وتكــــــــبو
بين كرب مـــــــن الزمان وأنســــــــي

خــــــــاض أمواجها شراعي يطـوي
البـحر طياً بــــــــه يسير ويــــــــرسي

تتغشاه من أعــــــــاصير الـــــــهوج
مــــــــثال الجــبال (رضوى) و(قدس(

فهو ما بينها يغــــــــوص ويطــــــفو
ثــــــــم يمــــضي على ظهور وغطس

هو عمر مضى وقد أذن العــــــــصر
فأضحى مصــــــــبح العـــــــمر ممسي

وهــــــــو في دورة المحاق فلم تبق
اللــــــــيالي مـــــــن بدرها غير سدس

ما تبــــــــقى من ذكريــــــــاتي عنه
قــــــــطرات عــــــلى حصى منه ملس

جـــــف في بعدها نداها فــــــــلا تبتل
من مســــــــها بنــــــــاني بمــــــــسي

طافت الــــــذكريات بي فــــــــي ذرى
(
الحمراء) في عالم على المجد مرسي

طفــــــــت فيها وفي حناياي مــــــنها
زفــــــــرات الواعي، العليم، الـــمحس

نادباً عــــــــزها، وملك (بني الأحمر)
فيها، بــــــــهيبة المــــــــلك مـــــكسي

طفت أرجــــــــاءها وبــــين صياصيه
كــــــــأني أطــــــــوف فيــــها برمسي

في جموع تــــــــوافدت من زوايا الـ
أرض كانت غــــــــريبة الــــدار ليسي

تتلاقى أنــــــــظارهم فــــــــي تلاقيهم
وتصــــــــغي الآذان في كـــــــل دعس

في وجوم كأنهم فــــــــي عـــزا موت
فــــــــقيد لــــــــهم ورنــــــــات تقــس

هي هذي (الحمرا) ولا غـــــــالب إلا
الله كــــــــانت (دار الخــــــــلافة) أمس

كانت الملك والخــــــــلافة والــــــفتح
لآل مــــــــن العــــــــروبة شــــــــمس

ثـــــم زالت وزال ملك (بني الأحمر(
مــــــــــــــــنها لمــــــــا أصيب بنـكس

مثل ما زال مـــــــلك (دارا) و(قسطنـ
طين) في الأرض بعــــد ملك (تحمس

وانتــــــــهى (هيـــــــنبال) و(إسكندر
الأكبر) وانهار مـــلك (روم) و(فرس(

سنة الكــــــــون أن يزول وينــــــــهار
بناء الباني عــــــــــــــــلى غــــير أس

تلك (حمراؤنا) على مفرق (أوروبا
مــــــــنار يهدى بــــــــه كل مـــــمسي

وهي في حمرة العقيق تـــــــــــراءت
تتــــــــلألأ وفــــــــي بريق الــــدمقس

مشرئباً إلى رفافها أرنو إليهــــــــــــا
تفــــــــيض بالــــــــحزن نفـــــــــــسي

خــــــاشع الطرف عندما لاح لــــــــي
فيها (المصلى) ولاح (تاج) و(كرسي(

فاقشعرت مشاعري وتـــــــــــــراءت
لـــــــي رؤى حاضري الحزين كأمسي

خـــيلت لي تموج أكــــــــنافها بالخيل
كالصبح في صهــــــــيل وعـــــــــــس

أشرقت في سنا (الخلافة) تــــــــزهو
بــــــــرجال شــــــــم المعاطس نــطس

والكراديس من (تجيب) ومن (حمير(
(صنــــــــهاجة) الفــــــــتوح و(قيس(

وقــــــــفوا في رماحــــــــهم وظـباهم
كــــــــسنا الفــــــجر بين طرد وعكس

في ظــــــــلال المصفقات من الرايات
فــــــــي (خزرج) تــــــــرف و(أوس(

فوق هامات قــــــــادة (العــرب) من
(عبد مناف) ومـــن بني (عبد شمس)

والأذان الــــــــداوي عـــلى الهضبات
الخضر يدعو إلى فرائض خــــــــمس

تتعــــــــالى به قراهــــــــم وتسمـــــو
حــــــــين تصحو عليه أو حين تمسي

وتــــراءى لي (الخليفة) في  إيوانه
مصــــــــبحاً بــــــــها أو ممــــــــسي

حوله الفاتحون فــــــــي زرد الفولاذ
يــــــــزهون فــــــــي إبــــــــاء وبأس

فلك شع بالشموس أنـــــــار الغرب
عــــــــبر القــــــــرون فــــي كل درس

ما رأت فــــــي ظلامها قبله (أوروبا)
ضيــــــــاء يضــــــــيء فيـــــها بقبس

مثل أضواء (قرطبا) وسنا (غرناطة)
فــــــــــــــــي الدجــــــى ونور (بلنس(

كـــانت الأرض كلها تتــــــــــــــــلاقى
حــــــــــــــــول أبوابها ومن كل جنس

تتلقى العلم الغزير على أعــــــــلامها
الغر من إمــــــــــــــــام وكيـــــــــــس

ووفود (الرومان) و(الغال) و(الجر
مان) حول الأبواب أطــــــــــياف نكس

وقفوا في الصفوف يلتمسون الإذن
لا ينــــــــــــــــبسون فيها بنــــــــــبس

كلما لاح حاجب حفت الأنظـــــــــــــار
مــــــــــــــــنهم به ولــــــــفت بـوجس

كـــــلهم شاخص إلى الإذن في غمزة
طــــــــرف أو فــــــــي إشارة خــــلس

شــــــــرف باذخ لهم أن يقــــــــوموا
فــــــــي صـــفوف على ظلال الدرفس

يستظلون بـ (الخــــــــــــــــلافة) فيها
وهي عدل يبنــــــــي وينــشي ويكسي

تلك (حمراؤنا) بنـــــاها (بنو الأحمر)
يضـــــــــــــــــحي الخيال فيها ويمسي

تخت مــــــــــلك الإسلام فوق روابي
(البيرينه) الخــــــــــضرا أقيم وأرسي

فاحت الأرض حولها بالربيع الطـــلق
قــــــــد ضاع من خــــــــزامى وورس

عبق لا تــــــــــــــــزال أستارها تنفثه
فــــــــي الأكــــــــف، في كــــــل لمس

وهي تــــــــختال في مطارفها الحمرا
عـــــــــــــــروساً يزهو بها ليل عرس

طفت فيها أجر خطوي، ودقــــــــــات
فــــــــــــــــؤادي تقود ترجيع دعــسي

وتجــــــــــــــــولت بين أروقة القصر
حــــــــــــــــزيناً في خيبتي بعد يأسي

تتوالى خواطــــــــري ورؤى شجوي
بــــــــــــــــذهني على خيالي وهجسي

حينما راعــــــــني الذي راعني منها
فــــــــــــــــحوقلت في قنوطي وبؤسي

وتحــــــــسست مهجتي وعرى قلبي
فـــــــــــــــــــــــــــلم أهتد إليها بحسي

فتهاويت خائر العــــــــــــــــــــزم ثاو
واضــــــــــــعاً راحتي من حول رأسي

شـــــــــــارد الذهن لا أرى ما أمامي
حاسباً رجـــــــــس أمتي أمس رجسي

وعــــــــلى هامتي هواني على نفسي
هـــــــــــــــوان المجنى عليه المخس

فكـــــــــــــــــــأني وحدي الملوم على
تعـــــس جدودي يهزني  هول تعسي

تــــــــــــــــلك حمراؤنا وحين أسميها
أســــــــــــــــمي ما أفـــــــتديه بنفسي

مجــــــدنا الأعظم الذي انقض وانهار
وما زال ذكــــــــــــــــــره اليوم قدسي

نـــــــاح (شوقي) على مشارفها قبلي
تشـــــــــــــاجى بـ (البحتري) في تأس

وتشاجيت منهما حـــــــــــــــين سالت
دمــــــــــــــوعي على يراعي وطرسي

وتماديت حين زاحمت فـــي (القصر
 )(
الأميرين) فــــــــــي غرور (البرنس(

فقصور الحمــــــــــــــــراء (دار أبي
سفيان) داري والجنس لا شك جنسي

حــــــــــــــاملاً رايتي أهز بها شعري
تعــــــــــــــــــالت به جذوري وغرسي

ما تخطتني الصفوف فمن حــــــــولي
وخلفي (قيسي) و(عبسي) و(عنسي(

جـــــــــــــــزتهم في سما (عكاظ) فقد
رف جنـــــاحي على السحاب وجرسي

يتبـــــــــــــــــــــارون في لحاقي وهم
خــــــلف غباري على مدى قاب قوس

وأنا عــــــــــــــــــند (سدرة المنتهى)
أرنو إلـــــــــــــيهم على أهازيج قعس

لا أبــــــــــــــــالي بأن يغص بما قلت
شــــــــحيح الإنصاف في ضيق نفسي

فكثير ألا يقال لــــــــــــــــمن أحـــسن
أحســـــــــــــــــنت، في الزمان الأخس

هـــــــمسات رنت بأذني في (الحمرا)
كهــــــــــــــــمس الجني في أذن إنسي

فتريثت فــــــــي مقــــــــــــــــاصيرها
أصــــــــــــغي إليها بكل وعيي وحسي

سابحاً فــــــــي مشاعري في متاهات
تلاقى فيــــــــــــــــــــها يقيني بوجسي

كيف كـــــــــنا، وها هو اليوم ما كان
وكـــــــــــــــــــــنا، أطلال سعد ونحس

هي هذي ديارهم عـــــــــــــبرة الدنيا
وكــــــــــــــــــــــبرى العظات للمتأسي

بقيت عبرة يطــــــــــــوف بها الناس
وتــــــــــــــــــرنوا لها العيون فتخسي

ويحج (السياح) ساحــــــــاتها ماجت
بأفواجهم بزهــــــــــــــــــــــــو وميس

كل ركـــــــــــــــــــــــن منها يئن لما
مـــــــــــــــــر عليها من نائبات وحس

بحــــــــــــــــت النائحات فيها عــــلى
الا ضــــــــاع يندبن في مواكب عمس

وأمحى ما عــــدا (شعار) بني الأحمر
وما زال فضــــــــــــــــــــلة المتحسي

وهو فــــيما يرى (ولا غالب إلا الله)
فيه أسى الخــــــــــــــــــطوب المؤسي

يصــــــــــــــــطفيه (السياح) في سوق
(
غرناطة) فــــي هزء من أصيب بمس

جــــــــــــــــــعلوه مثل الدنانير ذكرى
حــــــــــــــــــول أعناقهم تـدلى بسلس

                اما المطاردات الشعرية في نوع من المباريات او المسابقات في الشعر ظهر احدث من المعارضات والمطارحات ويستعمل في السباقات الشعرية في الدواوين والتجمعات وفي الكتاتيب والمدارسوهي ان ياتي الفريق المتسابق ( مفردا او جماعات ) باحد ابيات الشعر فياتي الاخر ببيت من الشعر ايضا يبدا بحرف القافية التي انتهى به البيت الاول او الذي قاله الفريق الا ول وهكذا يتبارى الفريقان حتى يعجز احدهما عن الاتيان ببيت شعر يبدا اوله بحرف قافية الفريق الاخر فياتي به الفريق الاول فيكون الفوز او الغلبة له . وهذا ما كنا نفعله من نحن طلاب في المدرسةالثانوية في درس اللغة العربية .
مثال على ذلك يقول المتسابق الاول:

ان العيون التي في طرفها حور
قتلننا ثم لم يحيين قتلانا

فيقول الاخر :

نـــــــاح ) شوقي) على مشارفها قبلي
تشـــــــــــــاجى بـ (البحتري) في تأ س

فيقول الفريق الاول:

سرت في ديجور ليل حندس
متنجدا بنجاد سيف اعوج

فيجيب الاخر :
جزيناهم بما صبحوا شُعيْثاً
وأصْحاباً لَهُ ورَدوا قَرارا

وهكذا .

*****************************











         الموسيقى  الشعرية  و قصيدة النثر

          

               من المعلوم  ان الايقاع  الموسيقي  هو توزيع  الصوت  ومداه  بمقتضى  حركات  معينة  والموسيقى  نوع  
من انواع  الايقاع  وقد وجد هذا  الايقاع او النغم على الارض بوجود  الانسان   فهو ملازم لحياته  منذ القدم  وقد تمثل في القديم  في دندنة  الانسان  مع نفسه في حالتي  فرحه وحزنه حين تغلب عليه عاطفته  فيصفق بيديه فرحا  او يبكي نشيجا  حزنا  فيعبر عما في مكامن  النفس الانسانية  من عواطف او خوالج نفسية  .

         مر الايقاع   او النغم  بمراحل  زمنية  عريقة على مر الدهور  والازمنة وتسمت بمسميات  عديدة  وهو ما يطلق عليه  بالموسيقى    وقد  تفرعت  الى انغام  و ايقاعات مختلفة  بحيث اصبحت  بمفردها مجالا  واسعا  وفنا مماثلا  للفنون  الشعرية  لكل الشعوب  حتى اصبحت متلازمة  لابداع  هذا الانسان  في اقربه الى نفسه  وهو الشعر  فاصبح الايقاع الشعر ي  والايقاع  الموسيقي  ينبع  من  معين   واحد  لكنها تفرعت  في مداها  الواسع  بتنويعها  وفقا  للحاجة  والتطور الزمني  بين الشعوب المختلفة وطبيعة  تكوينها  وثقافتها  الماضية  والحاضرة والمستقبلية  واصبح  لكل فن منها  من يهتم  بها  فهو ذو  تاثير بكل عرق انساني .
      
          و قصيدة  الشعر ايضا  اختلفت  تنسيقاتها النغمية  بمرور الزمن   فحكمتها او دخلت عليها  سلطة النظام الموسيقي التقليدي للقصيدة العربية  ( الوزن والقافية )  فأوجد ت البحور الشعرية   بموسيقية   البيت  الشعري  او الشطر الشعري  وما لحقها  من  تطور مستمر  حتى  وجد ت القصيدة الحديثة  ( الشعرالحر  ) في بدايا ت القرن العشرين  والتي كانت  سببا في ايجاد القصيدة المعاصرة  ( قصيدة النثر) أو الجملة الشعرية وكلتاهما تعتمد على تقنيات فنية عديدة  لنسج منظومة الموسيقى التي تشكل في النهاية نمطا معينا  من الموسيقى الشعرية  فقصيدة النثر– ايضا ذات  نظام  موسيقى  لكنه فوضوي الايقاع .
        
         لذا فقد  ظل في  تكوينه  ذات  خصوصية  فهي  موسيقى لكنها   ليست   موسيقى الخضوع  للإيقاعات  القديمة . بل  هي موسيقى الاستجابة لإيقاع معين  وهو إيقاع يتجدد كل لحظة و في قصيدة النثر يحس الشاعر ايقاعا معينا  يتلذذه  فيصوغ به  شعره  والمتلقي فيعجب به  ويتذوقه وتأنس اليه نفسه .

        ومن خصائص  البناء الفني لقصيدة النثر  ومميزاتها انها  تعتمد على  نغمات  موسيقية متداخلة غير مترابطة  وهي بذلك تحرص على إيجاد  تقنيات هذا النوع من الموسيقى عند تشكيل السطر الشعري أو الجملة الشعرية  وهذه الموسيقى قد  تعتمد في تقنياتها على فنية معينة  كأن تكون  تكرارا متوازيا  وإزاحة ذات دلالية . وخاصة  مع  حروف المد  وبتزاوج  الحروف  والكلمات . فتتمثل   بجرسيتها وعلاقتها النغمية مع الحرف  بحيث  تنعكس  مع خلفية الحالة الانفعالية  في نفسية الشاعر والحراك  الأدائي  والانفتاح الدلالي  فتاتي  متجانسة  نغيمتها  . فهناك   ارتباط  وثيق بالدلالة المنبعثة  أساساً  من الصياغة اللغوية  التي هي بمثابة  سلسلة   من الحركات  الصوتية  المقترنة و النابعة  من الحركات الفكرية ، وحركة  تمكزها الأساسي من خلال الصياغة اللغوية وفاعلها  مع النص مكونة  علاقة تأثيرية  بين الإيقاع  والدلالة الشعرية  واقصد بها  فاعلية النص مع اللغة .

         ومن المعلوم ان قصيدة النثر تعتمد على الجملة الشعرية التي  يقا بلها  السطر الشعري في شعر التفعيلة ( الشعرالحر ) متمثلة بالوحدة في قصيدة النثر  ومن هنا  وجب التمييز بين  الجملة الشعرية  في قصيدة   النثر والتي  تختلف عن السطر الشعري بحسب عدد تفعيلاتها وتكرارها  وتشكيلاتها . 

        فالسطرالشعري  يتكون  من اساسية  التفاعيل  الخليلية  الصافية  لذا اعتمد  شعراؤه  مثل  بدر شاكر السياب  والبياتي  ونازك الملائكة وجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وصلاح عبد الصبور وشاذل طاقة وادونيس  وعبد الناصرالعيسوي  ومحمود درويش  وغيرهم عليها  و هذه التفاعيل  متناغمة مع عدد  مرات تكرارها   في السطرالشعري  وفي اغلبها  من تفعلية واحدة  الى  خمس تفعيلات  وربما تصل الى تسع تفعيلات  في حدها  الاعلى وتتمثل  في البحورالنقية  كما تسميها نازك الملائكة  وتجزئتها  بينما الجملة الشعرية هي  نفس واحد ممتد قد تمثل سطر شعري واحدا  وربما  أكثر لا يخلو  من الوقفات إذا استعصى استمرار نفس الجملة  الواحدة  تبعا  لما  ينهجه  الشاعر وفقا  لمرئياته      ا و  امكانياته  الشعرية واللغوية  . فقد تكون هذه  الوقفات  عدة سطور أو في سطر واحد   فهي بمثابة أثر تقطيعي  متمثلا بما  يقصد ه الشاعر وما  يرنو اليه في  قصيدته كما في قصائد الشعراء : مصطفى القرنة من الاردن و فاطمة  الفلاحي من العراق و اسماء القاسمي من الامارات ومريم الترك  من لبنان    وسوزان سامي جميل من كندا   ورشيد زهاينة من الجزائر وفوزية العلوي من تونس وفوزية امين  من المغرب  وغيرهم كثير .

        فاللغة  العربية  هي  مجموعة  إيقاعات  واحرف  نغمية  واستطيع ان  امثل بحور  الخليل  الفراهيدي  بحديقة خضراء  جميلة  نمت بها  مجموعة  محدَّدة   وجميلة  من الزهور الرائعة    و كأني  بها  وجود   من   يتعهدها   بالرعاية  والتعشيب  وهم  كوكبة   كبيرة من شعراء العربية  من بعده  واما إيقاعات اللغة  اي لغة  في هذا المجال  الا  غابةٌ واسعة  بكل  تنوعِّها  وجموحها  ونفورها  وقسوتها  ورقتها  وعلى السائر فيها  أن يشقَّ طريقاً بِكراً جديداً. او يسير  في دروب  الاخرين  من قبله  فهي تكون مسلوكة .

     وربما   يرجع بعض شعراء قصيدة النثر   النمط الموسيقي للقصيدة النثرية  الى  ايقاعها الداخلي  من خلال خلق  نظام موسيقي  معين للقصيدة  ياتي من  خلال تكرار  بعض الكلمات ذات النغمة المقبولة  او استعادة  لازمة معينة في مراحل منتظمة من  هيكلية القصيدة .

          وهذا لايعني  بالضرورة   دفقة  نغمية  ذات طابع موسيقي  او  دلالة صوتية  انما يعني  نهاية الدفقة الشعرية  على انه  هناك  من القصائد الشعرية  يجتمع فيها السطرالشعري والجملة الشعرية  وربما تكون  لا ارادية لدى الشاعر .  لاحظ قصيدتي ( قبلة الشوق) اقول في مطلعها  :

افيقي  افيقي

ذات المكحل الاخضر

في بلدتي عرس

اوحى به النجم

اهتزت له الدنيا

وليل الحب مسروج


                                  *   *   *
 ويقول الشاعر خالد باطرفي  في احدى قصائده :

أنت يا متكأ الجفن الذي امتد سهره ..

وملتقى الدرب الذي تاه دربه ،

وجوى العاشق الذي طال سهره ..

تمتطين النور وتنفثين النار ..

وأنا فيك يا وصالي

لم أعد...
لم أعد .. ..
لم أعد أدري...

                             *   *    *


             *******************************






          نظرة في الخصوصية الشعرية


         الشاعر أي  شاعر قد يحس  او  يشعر حالة انحباس  نفسية وهو في لحظة من لحظات  الهامه فهي - في الاغلب – متأتية اليه     من حالتين:

    الاولى  لحظة   احتباس  الذات او النفس   واندغامها  في  صوت  الجماعة   فتتراكم عليه  الهامات  مختلفة وتعابير متمايزة فيتحير من ايها ياخذ او بأيها ينجز فكرته فيستقي عواطفه  بحيث ياتي شعره معبرا عما يخالجه في  اعماقه  وبالاقرب  الى نفسه  فياتي شعره  معبرا عما في نفس المتلقي ويزيد الأمر حدة  أن المتلقي  ربما يتعامل مع الشاعر وكأنه حادي الركب يشعر بما في مداخل نفسه-  اي نفس المتلقي - من لواعج  وعواطف وما تميل اليه  ذاته ويشعر بعبارات  الشاعر كانها  منبعثة من اعماقه وافكاره  فيرددها على  لسانه  وفي  نفسه  ومعها  في  حرارة  وحرقة  متمثلا بها وكانه الشاعر ذاته .

       وقد  يلاحظ  المتلقي  أن فكرة   اللجوء    لترديد  شعر الشاعر والتغني  به  بحد  ذاتها تغري الجميع   بالنشيد أو  التغني  بها . وعلى هذا فلا  يمكن أن  يكون الموضوع  أساساً    لحكم  القيمة الشعرية وفنيّتها ولا يسع المتلقي  إلا  الانحناء  بالتحية   للمعاناة   الإنسانية  المتأ تية من تفاعل الشاعر مع نفسيته  خلال ولادة القصيدة  .

    والثانية :  لحظة  شعورية الشاعر بذاته ولنفسه فقط  فياتي شعره  ذاتيا معبرا عن ( الانا)  لديه  وهذه الحالة ربما تكون في ذات الشاعر عندما يجبر على قول الشعر في موضوع معين  او يفرض عليه موضوعا او خصوصية نفسه .فياتي بشعرقد يكون  منكوصا لا تحس بانبعاث  حرارته من  قلبه . وفي   هذه   الحالة   قد  توجد  ومضات مشرقة  مضيئة  في حالة   كون الموضوع  المعني  في القصيدة موضوعا  عاما  او هاما   يهم  بعض من  المتلقين  فتاتي قصيد ته  معبرة عنهم ايضا .

       و يمكن ايجاد  نواظم مشتركة شغلت الشعراء  الذين كتبوا في ضوء انبعاث الشعر وفكرة الاندلاع  وتصوير لحظة الحدث ، ومعاناة  الشاعر  ممزوجة  بمرارة  ما يحس  به  وتاثيره  في نفسيته  قد تكون  كافية   لتجعل  التعامل  معه  شاعراً  صادق العواطف  والانفعالا ت  وهناك أشكال من  التعبير المختلفة  التي تجعل  لكل شاعر خصوصيته. وربما اهتدى الشاعر إلى القصيدة الدرامية او  الموضوع  الدرامي في القصيدة  في  فترة  ما  وهو الاغلب في الشعرالعربي  حيث يجعل من المسيرة الأليمة والحدث الدرامي  مادة  لتطور الشخصية  في القصيدة. وقد  يميل  او  يهتدى إلى أشكال مختلفة  مغايرة  تميزت  فيها  كهرباء الغضب وشحنة  التوتر عنده . وهذا لا يعني   أن   القصيدة   الدرامية المشحونة بالغضب والتوتر مقصورة على شاعر دون شاعر  بل ربما تكون في قصيدة دون غيرها . وعلى العموم  فالخصوصية  تنبعث من الهام   الشاعر  وتعبيره  والصيغ  التي   يتبعها   في   قصيده  بحيث تكون شخصيته متمتيزة  عن الاخرين  ومعروفة  وخاصة  لدي  النقاد  والمتذوقين للشعر  ومن  خلال المدار  الشعري  الذي  ينشد فيه .  
         
          ان  بعض  الشعراء  المعاصرين  قد  استفادوا  من العناصر الدرامية في  خلق شخصية غنية معقدة، فاتجهوا الى التراث بأنواعه للتعبير عن تجارب معاصرة،  وهذا يؤكد  اصالة  القصيدة  المتكاملة، وتكتشف  ان  الشخصيات الدرامية   التي ابتدعها   هؤلاء   الشعراء   ذات خلفيات   مختلفة   فبعضها   من الماضي   والآخر  من  الحاضر وبعضها  من الدين او الادب او   الواقع   الاجتماعي    وبعض  هذه الشخصيات  ذات  منبت  اجتماعي  طبقي  او ذات مهن  اجتماعية وضيعة ا و  ذات هموم  معيشية متدنية .وهذا  ما يثبت  ارتباط  القصيدة المتكاملة  وقائلها  بواقعها  الاجتماعي. فتبرز   شخصية الشاعر من خلال  ما ينتج من شعر وخصوصيته.




                     *******************
























                    العزوف عن القراءة


       قيل (   العلم نور والجهل ظلام   )  في هذا القول الماثور تشد يد على  طلب  العلم  في  القراءة  والتعلم  وتكمن   اهمية القراءة  في إثراء  النفس  البشرية  بحبها للقراءة والتعلم  من  كونها  تسبح  في عالم جميل رائع  يستحق المغامرة  لأكتشافه والخوض  في  ثناياه  والسمو فيه  إلى  أعلى  درجات  الثقافة والمعرفة .

         وتهدف هذه العملية الى تمكينه من بلوغه  اعلى الدرجات  في  سبيل  بلوغ غاياته  واهميتها  وطموح هذه النفوس في تكوين الشخصية  الانسانية  لهذا الانسان او ذاك  والارتقاء  بمحصلته للوصول الى اعلى درجات الرقي النفسي والثقافي  والاجتماعي والفني  مما  يوطد  الثقة بالحياة  ويشدها  شدا وثيقا  الى النفس ومراميها  .

        وهذه القاعدة وجدت مع الانسان وتطورت بتطوره  ونمت معه منذ بدء تطوره  ومن خلال السعي اليها من قبله .

      فاساس العلم والتعلم  هي القراءة   ولو رجعنا الى الوراء  لوجدنا  ان القراءة عرفت منذ اقدم العصور ومنذ ان وجد الحرف  وكان اساس القراءة وجود الكتاب  لذا اهتمت  الامم والاديان بنشر الكتاب  وايجاد المكتبات  وتهيأتها  للقارئين وتحفيزهم  لارتيادها لطلب العلم   واختلفت  معالم  هذه  المكتبات  وانواعها واشكالها  وتخصصاتها  بمرور الزمن  وكلما  تقدمت  الامم  ا زداد ت اهميتها .

         فالقراءة  هي اللبنة  الاولى   في   بناء  الشخصية  وتفتق الاذهان والادمغة  في العلم وقتل الفراغ  وتحويل الفراغ الى نفع كبير فوجود الكتاب مع المرء  يفتح  عليه  سبل  التعلم  وزيادة المعرفة  عنده ( هل يستوي الذين يعلمون والذين الا يعلمون ) حتى لو كان هذا الكتاب ترفيهيا . وتهيأت  انواع  الكتب واختلفت  اشكالها  للقارئ حتى وجدت المجلدات  العلمية والثقافية  والادبية ووجد  الكتاب   الصغير الحجم  الممكن حمله  في الجيب  بجوار الكتب الكبير ة  التي يصعب حملها  اي في كل مجال  وفي متناول اليد وكلما  اتسعت  افاق  التفكير والعقلية دلت على  كثرة القراءة   اتساع  افاقها لدي المرء   لذا وجدت المكتبات الخاصة واصبحت من الامورالمهمة في البيت و دليل سعة  الاطلاع  و الفهم  لدى اصحابها  ثم تحولت   الى امور  كمالية  في  كل بيت  فاهتم الناس  بجمع الكتب والموسوعات التي  تزين خزائن هذه المكتبات

    وفي الوقت  الحاضر تغيرت  الامور واختلفت  فاصبحت الاجهزة الحديثة مثل الراديو  والتلفاز و ثم الحاسبات  والانترنيت البديل   الافضل  لهذه  المكتبات  وغيرها  من  مصادر القراءة    و التعلم  ودخلت في  اغلب البيوت  وتكاد  تنتشر او توجد  في كل جيب .

          الا اننا  نجد عزوفا واسعا عن القراءة في هذه الايام وقد اتسعت  هذه  الفجوة منذ  سبعينات وثمانينات القرن الماضي  ومن اسباب هذا العزوف  فيما اراه هو طغيان وسائل الإعلام  الحديثة من إذاعة وتلفزيون  ثم  وجود الإنترنت  والحاسوب  والموبايل  وكلها  وسيلة سهلة للحصول علي المعلومات  بضغطة زر واحدة دون اللجوء إلي القراءة. حيث أصبحت هذه الأجهزة تقدم  افضل المعلومات جاهزة دون أدنى مجهود  .وعليه  تم الإستعاضة عن القراءة  بالمشاهدة  الحسية  والبصرية  اي تحولت القراءة الكمتابية  الى قراءة انترنيتية اوهاتفية  سماعا وابصارا   ومكنت  الانسان  من الحصول على كل المعلومات المطلوبة دون تعب  و هذه الحالة اشعرت بعضهم بان لا حاجة للقراءة   في  الكتاب  ما دامت  كل المعلومات  تحت تصرف  المرء وفي  اية  لحظة شاء او يريد  وهذه  ساقت  القارئ  الى الكسل النفسي  والعملي   فاصيب باحباط  في  حياته  السياسية والاقتصادية  والحياتية  التي يعاني منها  .  وهذه الحالة  جعلت  الكتاب الذي هو منارالمعرفة وضؤها المشع  يضمحل نوره  ويخفت ويصبح  موقعه ادنى مما  كان عليه  . مما  حدى  بالمطابع  العزوف عن عملها  الاصلي  واغلاق البعض الاخر ابوابها  ا وتحويلها الى عمل اخر  وارتفاع  سعر الكتاب  كثيرا  بحيث  اصبح  الموطن  وخاصة  المثقف  المولع بالقراءة  يجد  صعوبة  مالية او اقتصادية  ازاء  الحصول على الكتاب وقد  انسحبت هذه الحالة  قبل ذلك الى طبع الكتاب  ايضا  حيث  لحقه  الغلاء  في ارتفاع اسعارالطبع . وظهرت  المكتبات  الالكترونية  حديثا   والتي  افادت  بعض  الكتاب كثيرا في  نشر مؤلفاتهم  على صفحات  الانترنيت  ا و في المكتبات  الالكترونية  على سبيل المثال . وتحول  الكتاب    او بقي   تحفة  في المكتبة  فشملت غلافه الزروقة  والتفنن فيه
 .
       ان  الحاجة  للقراءة   هي  ليست  الحاجة  للكتاب  فاقتناء  الكتاب لا يعني – في هذا الوقت - قراءته  لذا فالقراءة  غيرالكتاب  وتستمر الحاجة الى القراءة  اكثر من الحاجة اليه   ففي مجال التقنيات  الحديثة و متابعة تطورها  وما تقدمه للانسان من امور تهمه  تجعل  البعض  يحب  القراءة  ويعشقها  في اي موضوع يهمه  سواء كان هذا الموضوع  ذو فائدة او متعة  نفسية  اوتعلم او اطلاع  او اي حالة اخرى . لذا تغيرت حالة القراءة – كما  اراها-  من  قراءة  في  كتاب الى  قراءة  اخرى على صفحات النت  
   اما نوعية  القراءة فهذه ما  تحددها نفسية القارئ  وحاجته  اليها  لذا  ارى ان المجتمع اصبح  اكثر  التصاقا  من ذي قبل  بالقراءة  ولكي تكون  هذه  القراءة  مثمرة  نافعة و تشد القارئ الى المنحى او الموضوع الذي نريد  وجب  ايجاد السبل الكفيلة  بتهيئة  وتهيئة الاجواء لنفسية  القارئ  الى  نوعية  معينة  من القراءة  وحسب  الاهواء والرغبات النفسية  والحاجة  اليها  مع عنصر التشويق لقراءتها  على صفحات النت  من خلال  البيت  او المدرسة او المقاهي النتية المنتشرة   او موقع العمل .

       لكني  ارى ان صفحات النت غير كافية  لبناء شخصية  مرموقة  عالمية من  خلال  قراءتها فقط   فما ينشر على  النت فيه الغث والسمين وقد  وجد  الغث اكثر.  لذا تبقى الحاجة الى الكتاب  الرصين  حالة   ملحة  للبناء  الشخصي القويم  وهذه الحالة تجعلنا  بحاجة الى ايجاد الكتاب  بجوار النت  للرجوع  اليه وقت الحاجة  لغرض القراءة  . 



      ******************************


















           سيكولوجية القصيدة العربية المعاصرة



             الشعر هو الاساس الاول في النتاج الادبي في اللغة العربية اذ لوتتبعنا تاريخ الادب العربي لوجدناه يبدأ بالشعر ظهورا واهتماما ثم من بعده النثر بجميع مضامينه واشكاله وبهذا اختلفت الامة العربية عن غيرها من الامم مثل اليونانية والرمانية والفارسية والهندية والصينية وغيرها من الامم في وجودية الادب
وقد مر الادب العربي بمراحل زمينية او عصور او فترات توالت عليه كان فيها بين المد والجزر تبعا لهذه الحقبة اوتلك واخرها الفترة المعاصرة

         واستطيع ان اثبت ان كل نتاج أدبي لابد ان ينطوي على طاقة رمزية أو مجموعة من الأفكار الرمزية التي تتخفى خلف الكلمات . خاصة في الادب الحديث او المعاصر تبعا لظروف التقدم والحاجة اليه ، لان كل نتاج أدبي يتضمن خطابا رمزيا وبتعبير اخر جهد تعبيري تحتش فيه الدلالات الرمزيةو التي ربما قد تتفاوت حيويتها  جماعية كانت  او فردية بين شاعر و آخر

      الشاعر المعاصر لجأ إلى استخدام الرمزية وربما ما ل الى الاسطورة فينهل منها    فيتكشف   اليه   عناصر الثراء المادي والروحي المؤثرة في النفس أي الإفصاح عما تتضمنه الأساطير من قيم روحية وتجارب إنسانية خالدة تثري العمل الأدبي وتزيد من ايمانية النص الشعري التعبيريةعلى عوالم جديدة وتمنحه طابعا مميزا في باب المعارف الإنسانية ،فتميزه هذه عن الفلسفة والعلمية وعن العلم التجريبي .

         ولعل وقائع او الاحداث التي رافقت هذا العصر و المتعاقبة فيه ربما أسهمت في كثير من الاحيان في اختلال بعض  القيم والمعايير الإنسانية ،و كانت السبب المباشر الذي دفع بالشاعر المعاصر الاهتمام بالمعطيات الموضوعية والفنية لهذه الأسطورة ليهرب من واقعه المرير إلى عوالم اخرى قد تسودها المثالية ويحلق فيه الخيال الجانح نحو الارتقاء والتمكن ،فيبني الشاعر عالمه الخاص به والذي يملأعليه فراغات من ذاته المكبوتة وقد طفق الشعاعر المعاصر ،نتيجة  لهذه المتغيرات السياسية والأحداث المأساوية التي شهدها العصر الحديث يتلمس او يتفهم المقومات القادرة على الإفصاح عن رؤيته الإنسانية الشاملة إلى أبناء وطنه او انسانيته وقد تكون هذه الأسطورة اوتلك خيروسيلة للتعبير عن النوازع النفسية والحوافز الداخلية عنده او تعبر عن نفسية  الاخرين ربما جاءت لتعبر عن تجسيد للتوق الإنساني الشديد وشكله الخيالي المناسب لهذا التعبير ،

        لذلك أصبحت هذه الفكرة او الاسطورة من أهم احداث القصيدة الحديثة التي عبأ الشاعر فيها هواجسه وارؤاه وأفكاره و تجربته الشعرية بدءا من مستواها الذاتي إلى المستوى الارقى لتمثل بواسطتها الواقع الإنساني في هذا العصر بصورة عامة.
ان دواوين الشعراء وخاصة المعاصرين منهم لتجد فيها او ترصد فيها أنماطا متعددة من الرموز والأساطير التاريخية على مر العصور ،فقد أولى عدد منهم اهتماما واضحا بالأساطير البابلية والآشورية والسومرية او الفرعونية او الامازيغية التي قد ترتبط بأحداث تميزت بالقدرة على إظهار إحداث العجائب والخوارق ،واوجدت شكلية جديدة للشعر المعاصر و عاملا مهما من عوامل التحفيز والإثارة وجسدت بشكل حيوي في أنشطة هذا الإنسان منذ القدم في الوقت الحاضر او بمعنى اخر غيرت اسطوريته الى واقع حاضر ليستلهم منها كل جديد

       اذن فالأسطورة هي الوعاء الذي وضع فيه الشاعر المعاصر خلاصة فكره وجديد عواطفه ونزعاته ، واستطيع ان اقول ان هذه الأساطير تمثل ما تبلور في أذهان الانسان القديم في العراق ومصر واليونان والرومان والفرس وغيرهم من الاقوام القديمة ذات التاريخ العتيد والثقافة الرفيعة من قصص وحكايات أسطورية فعبرالشاعر في تصويره الشعري لخلق العالم من جديد ،ولوجود الإنسان على الأرض ،ومصيره المجهول وما يحيط به من مظاهر الكون والطبيعة وتساؤلات واسعة اوربما تكون في بعض الاحيان غامضة يتكهن الاجابة عليها وربما تفلت منه فتبقى سرا سرمديا قديما  وحديثا  .





         *****************************















  
            خصائص  جمالية قصيدة النثر

         الشعر هو الكلمة  الجميلة  التي  تنمو  ضمن   مفاصل الحياة  ومن  خلالها   لتسجل  اعمق   بواطنها   فحلم  جميل  تسعد  اليه   النفس   وتسمو   اليه    الروح    حتى  في   حالة  شقائها  . .         
   فالشعر  معرفة  انسانية   مستلهمة  تحمل  معطيات   الرؤية     و الاحساس  النابع  من  القلب   وهذا   الاحساس   هو  المصدر   الوحيد    لمعرفة   الاشياء  في العالم  وقد  يكون   تعبيراً  عن  العلاقات  التي  تخلفها  اللغة  لو تركت  لذاتها   بين الحد  العيني   والتجرد  المادي  والمثالي   وبين  المجالات  المختلفة    للحواس.  او بمعنى  اخر أن  الشعر هو  الإيحاء  بصور  مثالية   تتصاعد  إلى     الإعلى  محلقة  باجنحة   شعرية   منبثقة   من  روحية   الشاعر  وعاطفته   المنبعثة  من    اعماقه  وممتزجة  بخوالجه  المتدفقة   منها   المشحونة    بها     لتبحر  في  هذه  القصائد  عبر  مسارات   النفس  الشاعرة  لتغدق  عليها    نبعا    متدفقا   وفيضا  غامرا  وحدسا   راقيا   ليشكل  معينا  لا ينضب  والهاما  جميلا  كان  قد  اكتسب – فيما  اراه -  حالة فنية  وانسانية   بما   يحقق   توازنا  شاملا    بين   سعة  هذه  الحياة   وما  فيها  من    مفردات  وتجارب  وقدرات  صاغتها   بجمالية   مفرطة  ولفظة   راقية   .  فالشعر عندي يمثل  جزءا   من إ صل  الجمال،  وعندما  ينتج  الشاعر  الجمال  في  شعره   يكون   قد   اكتسب  حالة  فنية   وانسانية  راقية   من   خلال  نظرتها  الحساسة  في  سبر اغوار  نفسيتها   الشاعرة  المرهفة من خلال الكلمة  الجميلة  لتنمو في مفاصل الحياة  ومن  خلالها  و لتسجل اعمق   بواطنها   واعلى  شواّفيها   وتجمعها    في  بوتقة   حلم  جميل  تسعد  اليه  الانفس  وتسمو  اليه  الارواح  والافئدة  عما  يجيش  في  نزعاتا ممتزجة  بأقوى  عناصر   الجمال    الشعري   والشعوري  الذي يتمثل  في  الموسيقى  الكلامية  المنبعثة   من    امكانية  الشاعر في   الايتاء   بها    من  خلال  تمازج او تزاوج  الحروف  اللغوية  مع  بعضها   بحيث  تعطي    نمطا   او  نسقا   موسيقيا   معينا  تبعا  لأمكانية  شاعرتنا  الفذة   ومقدرته  على  الخلق   والابداع  لأنها   طريق  السمو بالروح   نحو مسارات  عالية ذات  نغمات   تنبثق   مشاعر ها   وعواطفها   وامكانيتها التعبيرية  والتي  هي  السبيل  للإيحاء   وللتعبير عما   يعجز  التعبير عنه الاخرون
        و من  المعلوم  ان  الشعر يدخلنا  في حالة من الانبعاث  والتأثر النفسي  او ربما يمزتح الى الوجل النفسي ،وهذه حالة تنتج  عن جمالية النص  الذي نقراه   ونتاثر به  حيث  شفافية المشاعر ، وروعة الأسلوب ، والنغمية   المتولدة   في الألفاظ والتراكيب  التي  أبدعها   الشاعر  واوجدها  حية  بين الألفاظ والتراكيب اللغوية  بقوة حدسه وشاعريته مهما كان نوع  هذا الشعر: عمودي او  شعر تفعيلة  وهذا ما  تحققه  قصيدة  النثر ايضا  حيث  أنها  اكتسبت  مشروعية  وقبولا  لدى المتلقين في  كل  انحاء  العالم  واتسعت  منافذ  وجوديتها   وكثر من  كتب  فيها  ونلاحظ  اغلب ما  فيها  ما  نسميه   قوتها   التاثيرية  في النفس  ( الصدمة  الشعرية  ) حيث  انها  إحدى  أبرز  المعايير في  تلقي  قصيدة  النثر  فهي  ليست  هذيانا  ولا  افتعالا  ولا تراص لفظي فقط .

         فقصيدة النثر شكل  أدبي  جديد  معاصر  اوجد ت مجالها الواسع في  مجال الشعر ويتسع هذا المجال كلما تقدمت وتطورت الحياة  فهي قد تحقق  الدهشة  أو قل الصدمة  في التعبير المستجد  المستحدث  وهذا متوقف على  امكانية  الشاعر في التقاط  رؤيته المثالية   وصياغتها  في بنية جديدة ، قوامها  الصور والرموز الشعرية غير الموغلة في الابهام  والتوهج  المنبعث  من التركيب  اللفظي  وكيفية  استخدامه  في التعبير وجماليته من حيث الانتقاء والبيان اللغوي
   .
           ومن المهم  أن   نعرف ان  مصطلح  ( قصيدة النثر )  قد اكتسب  شكلا ادبيا و رسوخا ثابتا ، وتنظيرا واضحا، استقرت معه الكثير من  الأطر الجمالية وهو الأساس  لقصيدة  النثر المعاصرة  والتي  تظهر   ابرز  ملامحها   في  التخلي عن  الوزن  والقافية ، والإبقاء على روح الشعر المتمثلة في الإحساس المتقد ، والصورة الخلابة ، واللفظ   المنغّم   وتستقي  جماليتها منها  .  والتي كانت كمحاولات   تعود   إلى  أشكالية  مصاحبة  للمدرسة الرومانسية للشعر  في مطلع  القرن العشرين  وقد  امتازت  باعتماد ها  على وحدة   السطر  الشعري  بدل   البيت   العمودي   القديم  وكذلك  على  نغم الألفاظ ، وجمال  الصورة ، وتألق   العاطفة  فنجد  في قصيدة النثر  نفس مفاهيم   الشعر الرومانسي وآلياته وقد نعتبره  في  الاغلب   الأب   الشرعي  لقصيدة  النثر  في  الأدب العربي المعاصر ، ومن المهم  كيفية   قراءة    قصيدة  النثر في  ضوء تجربة  هذا  النوع  من  الشعر.

             ويجدر بالذكر  أن  الشعر  المنثور ، يخالف  بكل  شكل  من الأشكال ما يدونه  البعض  من  الخواطر المكتوبة  فخو ليست بخاطرة   لكنه ربما يكون  قريبا  منها   من حيث التعبير  وانتقاء الكلمة   الاوضح   وهذا  واضح   ومفهوم   فالشعر المنثور نص عالي الشاعرية  وقد  يدور  حول  رؤية  جديدة  أساسها  الوجدان المتقد  وما يحقق من جمالية عالية مستفيضة كالزهرة في الحديقة العامة  فعي ملك للجميع  وتنثر  شذاها  اليهم بالتساوي. 

          ومن   اهم  خصائص   جمالية    قصيدة    النثر  وهو       الإيجاز   ونعني به  الكثافة  في استخدام  اللفظ   سياقيا  وتركيبيا .
-  والتوهج   ونعني به  الإشراق  حيث  يكون  اللفظ  متقدا  متألقا  في سياقه ، كأنه  مصباح  يطفح  نورا  حتى  إذا  استبدلناه بغيره ينطفئ  بعض بريقه او يتلاشى   وتكون في هذه القصيدة  واعني قصيدة   النثر   متوحدة    في  صياغتها    بحيث   يكون  السطر  الشعري   ( البيت    الشعري    فيها)  وحدة  متكاملة  مع   بقية سطورالقصيدة  فلا يقرأ بمفرده  اي  ان القصيدة  تكون  مترابطة  متوحدة    شمولية  لا    تحدد   بزمن   بحيث     تكون  تنسيقية  متفاعلة   مفتوحة     اطرها   تخلت   في  بنائها   عن   النغمية  والايقاع    العمودي  لحساب    جماليات   جديدة ، وأساس   هذه الجماليات : تجنب  الاستطرادات  والإيضاحات  والشروح ، وهذا  ما نجده في الأشكال النثرية الأخرى  على  ان تكون  قوة  اللفظ وإشراقه  قوة  جديدة   فيها.
          
            فقصيدة   النثر : تؤلف  عناصر  من    الواقع  المنظور  وفق  الرؤية  الفكرية  للشاعر   بعلاقات  جديدة   بين ألفاظ النص وتراكيبه ، هذه  العلاقات   مبنية  على وحدة  النص  وحدة  واحدة ، ذات  جماليات  مبتكرة  تعتمد  على رؤية  الشاعر للواقع  المادي الخارجي  بمنظور جديد  ،واكانياته   الشعرية   في سياقاتها  نحو الجمالية   والافضلية   بحيث   تنعكس  هذه  الرؤية على  العلاقة اللفظية ، وبنية   التراكيب ، وقوة   التخييل ، وجدة  الرمز   وهذه الرمزية  اتخذها  بعض  شعراء  هذه  القصيدة  ذريعة  في الايغال في الابهام  والغموض  بحيث  انعكست  سلبا  على  المتلقي  وادت الى عزوفه  عن  قراءتها  في  بعض  الاحيان  حيث  يفضل عليها قصيدة العمود الشعري  لما  فيها  من  موسيقى في الوزن والقافية القريبة الى  اذن  المتلقي العربي  الموسيقية  والتي تعودتها اذنه واحبتها  نفسيته .


              *******************
                     انتهى

                            






























الفهرس
 الاهداء                                                              3
المقدمة                                                              5
 المؤلف في سطور                                                 7
مفهوم الشعر المعاصر                                             10
اهمية  الشعر المعاصر                                             13
 الاوضاع السياسية والشعر  المعاصر                            18
الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والشعر المعاصر             23
 الرمزية في الشعر المعاصر                                      31
طبيعة الشعر المعاصر وشكليته                                   40
الشعر  المعاصر  بين التعبيرية والتجريد                        47
بناء القصيدة العربية  المعاصرة                                  53
 النغم  والايقاع                                                     59
 نظرة في تطوير  الشعرالحر( شعر التفعيلة)                   64 
تطور الشعر المعاصر                                             70
اساسيات الفن الشعر ي بين الحداثة والمعاصرة                75
في القصيدة العربية المعاصر ة  \1                              83
في القصيدة العربية المعاصرة\2                                 87
الشعر والجمال                                                     91
الشاعر بين الموهبة والالهام                                     97
الايقاع الشعري في القصيدة العربية المعاصرة                 103
الرمزية  في الشعر بين الحداثة  والغموض                    108
نظرة  في شعر الزهد والشعر الصوفي                          112
الاساليب الشعرية                                                  116
العروض _ ميزان الشعر العربي                                 131
 الفنون الشعرية المعاصر ة                                       135
تطور موسيقى الشعر العربي                                      151
 الاساليب  الشعرية المعاصر ة                                    175
المعارضات والمطارحات والمطاردات الشعرية                 179   
  الموسيقى الشعرية في قصيدة النثر                           211  
   تظرة في الخصوصية الشعرية                                216
  العزوف  عن القراءة                                            219
سيكولوجية  القصيدة العربية المعاصرة                         223
 خصائص جمالية قصيدة النثر                                    226
  الفهرس                                                           230




        *********************************************


































































































                                                                 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق