الخميس، 24 أكتوبر 2013

دراسات في الشعر المعاصر وقصيدة النثر تاليف فالح نصيف الحجية القسم الاول

 فالح  نصيف الحجية
        الكيلاني




 دراسات   في الشعر  المعاصر

                   وقصيدة  النثر
  









































                       الاهداء


 الى :

... ائمة العربية واساطين الحرف
...  اهل الادب والشعر ..


             اهدي هذه  السطور





                                                        فالح نصيف الحجية
                                                               الكيلاني
                                                  بلدروز -  ديالى - العراق
                                                     20 – 3 - 2012





























                    المقدمة


        اذا كان الادب العربي يمثل الحياة الدائمة  للغة العربية
  فان الشعر يمثل   روح   هذه   اللغة  منذ  طفولتها الى  يومنا  هذا وسيستمر الرافد   الاعظم  والاسمى  في  رقيها  وشموخها  وازدهارها   فيشع  سناءا   متقدا  منورا  مسالك  ومواطن هذا الارتقاء  نحو الكمال  في   جمالية  منبعثة   من   خلال  الحرف العربي  ويصب  عميقا  في بحر  اللغة العربية   ليتحفها  بمنابع الندى   المشرق   ويجري    في عمق   بلاغتها  وبيانها   ومن خلال  رشاقة  كلماتها  واشتقاقيتها  بعضها  من  بعض    فتكتمل حلتها  القشيبة  من   خلال  قصائد  العمود  الشعري او قصيدة التفعلية الحرة او  من خلال  قصائد النثر المعاصرة والتي تعتبر في دور البناء والتطويرعلى ايدي الشعراء الشباب .

     ومن هنا ولغرض دفع عجلة  تقدم ورقي هذه اللغة الشاعرة -  لغتنا العربية - نحو   الشموخ  والازدهار  وبغية  انبعاث  الشعر  وخاصة  قصيدة النثر  الجديدة   والاخذ   بايدي  الشعراء  الشباب  ممن  يكتبون  فيها  قصائدهم  الى  شاطيء  الامان  والسلامة  اللغوية  والبلاغية  والشعرية  في  اسمى  صورها    الر ائعة  لذا اقدمت  على  كتابة  هذه   الدراسة  التي  ربما  يراها    المتلقي  متباعدة   في  مواضيعها  ودراساتها   وهي  في  الحقيقة  تصب في  اخر الامر في  مصب واحد هو  الشعر العربي .

           فقد  كتبت  عن  اهمية  الشعر  ومفهوميته  كشعر  قد يعبر عما  في  خوالج  النفس   العربية  ومكا منها  والهاماته الكثيرة  ثم  كتبت  في  العروض  الذي  هو ميزان  الذهب  في شعرالعرب  وكتبت في الفنون الشعرية  قديما  وحديثا  والحداثة واساليبها  واثرها  التي  تنبع  من   بحر  القدم   وتشع  من  خلاله  على   محدثات  الامور  سناءها    وكتبت   ايضا   في   بعض       ا نواع  الشعر –  الذي  لم  يكتب  به   الاخرون  الا   قليلا–   مثل  المعارضات  والمطارحات   والمطاردات   الشعرية    وكتبت  في  قصيدة    النثر  وهو   الاغلب   والاكثر:

      في  اهميتها  وطبيعتها  وسيكولوجيتها  وبنائها  وجماليتها  و رمزيتها   وابهامها    وغموضها    وايقاعاتها    وموسيقاها ونغميتها    وملاءمتها  للعصر  وطموحاتها    نحو المستقبل .
  واهيب  باساطين  اللغة  و ذوي  الكلمة  المشرقة   من ادباء وشعراء  ونقاد  وكتاب  ابداء  آ رائهم  فيما  كتبت  ومقترحاتهم الهادفة   لتحقيق  ما  نرجو  اليه   من  طموح.

          والله الموفق. انه نعم المولى ونعم النصير

                                                                                          ا                                               الشاعر
                                      فالح نصيف الحجية
                                              الكيلاني
                                     عضو الاتحاد العام للادباء والكتاب العرب
                                   عضو الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق 
                                                  بلدروز -  العراق
                                                  20 – 3 - 2012









                  المؤلف  في سطور

   سيرة ذاتية

الاسم واللقب \ فالح نصيف الحجية الكيلاني
اسم الشهرة \   فالح الحجية
تاريخ الولادة \  بلدروز \  1\7\ 1944
البلد \ العراق - ديالى – بلدروز
 المهنة\  متقاعد
الحالة الثقافية \  شاعر وباحث                                                             
فالح الحجية شاعر وباحث  واديب عراقي معروف  من مواليد \- العراق – ديالى- بلدروز 1944- ومن الاسرة الكيلانية والتي لها تاريخ عريق و ترجع بنسبها  للشيخ عبد القادر الكيلاني الحسني والتي انجبت العديد من الاعلام على مر العصور. 
         كان يشغل  مديرا  في وزارة التربية العراقية حتى إحالته الى التقاعد 2001م
أهم مؤلفاته  "الموجز في الشعر العربي"،  ويعتبر من مراجع الكتب العربية في الأدب، والشعر عبر العصور والأزمنة، ومن اهم الموسوعات التاريخية الموضوعية في الشعر العربي في العصر الحديث، والمعاصر بكل مفرداته وأحداثه وتطوراته وفنونه وتغييراتها بما فيها عمود الشعر والشعرالحر وقصيدة النثر والشعراء وطبقاتهم وأحوالهم.
 السيد فالح  الحجية  هو:
     -    عضو الاتحاد  العام للادباء والكتاب في العراق
-         عضو الاتحاد العام للادباء  والكتاب العرب
-         عضو مؤسس في اتحاد ادباء  ديالى
-          عضو الاتحاد الدولي لعلوم  الحضارة الاسلامية – ممثل دولة العراق
-         عضو  الاتحاد العالمي للشعراء  والمبدعين العرب \ وكيل دولة العراق
-         عضو اتحاد الاشراف الدولي
-         عضو اتحاد المنتجين العرب( جامعة الدول العربية ) \ امانة شعرالتفعيلة – لجنة    التقييم والتصحيح .
-         عضو  اتحاد الكتاب والمثقفين العرب
-          عضو اتحاد  الكتاب والشعراء الاحرار
-         عضو اتحاد  كتاب الانترنيت العراقيين
-          عضو اتحاد الشعراء والادباء العرب
-         عضو اتحاد  الادباء والكتاب  التونسيين
-         عضو رابطة  الادباء والكتاب العرب
-          عضو رابطة  ادباء الامة
-         عضو رابطة  المبدعين اليمنيين
-         عضومؤسسة اقلام ثقافية للاعلام في العراق
-         عضو الملتقى الثقافي العربي
-  عضو منظمة الكون الشعري في المغرب

     *  اما  المقالات الكثيرة  التي كتبها الشاعر في الصحف والجلات العراقية والعربية      والاجنبية  الناطقة بالعر بية  .
  *  الا ف المقالات التي نشرها في موقعه او المواقع والمنتديات الالكترونية على النت او    الفيس  .
* وكذلك مشاركاته في كثير من المهرجانات الادبية مثل مهرجان المربد السنوي في العراق و اتحاد المؤرخين العرب وكل الندوات والمهرجانات التي عقدت في ديالى سواء عربية أو عراقية اومحلية
 * له علاقات وصداقات مع العديد من الأدباء والشعراء العرب والعراقيين منهم الشاعر    محمود درويش  الشاعرالفلسطيني المعروف والشاعر السوداني محمد مفتاح الفيتوري والشاعر نزار قباني والشاعر العراقي سركون بولس والشاعر وليد الاعظمي والادباء والمورخين الاساتذة والدكاترة  منهم  عماد عبد السلام رؤوف وسالم الالوسي وعبد الرحمن مجيدالربيعي وحسين علي  محفوظ  وجلال الحنفي  وغيرهم كثير  ..

     ومن مؤلفات فالح نصيف الحجية الكيلاني

ا-الدواوين الشعرية :

           نفثات القلب                1978
           قصائد من جبهة القتال   1986
           من وحي الايمان          8 0 20 
           الشهادة والضريح         2010
           الحرب والايمان            2011 
          سناءات مشرقة

ب – الكتب النثرية :
1 -في الادب والفن
2 -تذكرة الشقيق في معرفة اداب الطريق – دراسة وتحقيق وشرح للقصيدة التي تحمل نفس العنوان والمنسوبة للشيخ عبد القادرالكيلاني
3-الموجز في الشعر العربي \ دراسة موجزة في  الشعرالعربي عبر العصور بدءا من العصر الجاهلي وحتى عصر النهضة او الحديث ثم المعاصر اعتبر او قيم من قبل اغلب المواقع الادبية على النت - انه احد امهات الكتب العربية في الادب واللغة  في موضوع الشعر والادب       اربعة اجزاء
4-شرح ديوان الشيخ عبد القادر الكيلاني وشيء في تصوفه – دراسة شاملة في ادب الشيخ عبد القادرالكيلاني كنموذج للشعر
الصوفي وشرح القصائد المنسوبة للشيخ             اربعة اجزاء
5    -   كرامة فتاة ( قصة طويلة )
6-   اصول في الاسلام
7-   عذراء القرية (قصة طويلة )
8-  الاشقياء  ( مجموعة قصص قصيرة )
9-  بلدروز عبر التاريخ
10-  دراسات في الشعر المعاصر  وقصيدة النثر
11- الغزل في الشعر العربي
12– عبد القادر الكيلاني  وموقفه من المذاهب والفرق الاسلامية     دراسة
13--شرح القصيدة العينية \ مع دراسة  بحثية في شاعرها  الشيخ عبد القادر الكيلاني
14-  -مدينة بلدروز في الذاكرة
15- شذرات من السيرة النبوية المعطرة

 ج- موسوعة  التفسير الموضوعي للقران الكريم  وقد انجز منها الكتب التالية :
1-اصحاب الجنة في القران الكريم                 جزءان
2-القران في القران الكريم
3- الادعية المستجابة في القران الكريم
4-الانسان ويوم القيامة
05- الخلق المعاد في القرآن الكريم
     6-يوم القيامة في القران الكريم                    جزءان

     د – موسوعة الشعراء العرب   وقد انجز منها الكتب التالية  :
1- شعراء جاهليون
2-شعراء صدر الاسلام
3- شعراء العصر الاموي
4- شعر اء النهضة العربية

                  ******************************











            مفهوم الشعر المعاصر


             الشعر العربي  تعبير  مقصود به  أي شعر كتب او يكتب  باللغة العربية، بشرط أن يكون موزونا ومقفى، فالوزن شرط لازم في جميع أنواع الشعر، القديم والحديث، على حد سواء، بما   فيه الشعر المعاصر باستثناء ما يسمى(قصيدة
 النثر)

           أما القافية فهي لازمة في معظم أنواع الشعر القديم،  اما في  الشعر الحديث  فقد أخذ يتقلص  دور القافية الخارجية، فاستعمل مفهوم  (  الشعر المرسل ) أي الشعر دون تقفية خارجية، وإن كان قد سعى، في الواقع، إلى تعويضها بنوع من التقفية الداخلية حيث  لا يمكن الاستغناء عنها نسبيا  في عموم  أنواع الشعر العربي ، وفي أي   عصر من العصور التي قيل فيه هذا  الشعر ، جاهلي أو إسلامي أو أموي أو عباسي أو أندلسي أو حديث  او معاصر .

          ويمكننا من  تعريف الشعر المعاصر على انه  هو الشعر  الذي كتب في الزمن الذي يعاصر القراء. وصفة المعاصرة تدل على مرحلة بعينها   في  حياة  الشعر  الحديث وهي المرحلة  التي  نعاصرها  دون اعتبار إن كان الشاعر ميتا او لا يزال على قيد الحياة  .

            وكان الشعر العربي  في  الجاهلية - ديوان العرب - وعلمهم الذي لم يكن لهم علم غيره أصح منه .اذ  كان يصور حياتهم و حالاتهم العامة والخاصة بما في ذلك المنازعات والمعارك التي كانت من اهم أسباب وجود شعر الحماسة والفخر في الشعر الجاهلي  .

        ان اهم  ما يميز الشعر العربي هو التزام الشاعر بالتفعيلة  او بالوزن والقافية مع انها كانت تاتي عفوية في الشعرالجاهلي والعصور التي تلته  في مجمل  أنماطه  وفي مختلف  أجياله  وإن  جاءت  بعض المحاولات المعاصرة  خالية من الوزن  والقافية، إلا أنها  في  الواقع محاولات قد  تحسب على الشعر في بعضها ،  لكنها  تعتبر من  الشعر المنثور وهو اقرب  لمجال النثر منه   لمجال الشعر الا انه والحق يقال ان فيه  بعض قصائد النثر  جميلة  ورائعة وتعبر بحق عن شاعرية قائلها   ، ومتانة  وبلاغة   وخيال  واسع  ومع  ذلك  يبقى القول :
 ان أبرز ما   يفرق  بين  الشعر  والنثر هو الوزن،  وما  عدا   ذلك    قد تكون  اشبه  بعناصر مشتركة بينهما.

        الشعر الجاهلي كان لسان الامة العربية  ووسيلتها  للتعبير عما  يقع في المجتمع العربي  وكانت العرب  تقيم الأفراح  في  حالة  ظهور احد  أبنائها   كشاعر مبدع ، فالشعر عند العرب  قديما  يرفع  من شأن  قبيلة  ويحطه  من  أخرى وكذلك  ولادة   الشاعر فيها  فالقبيلة  التي   لا تنجب شاعرا  لا  يوجد من يدافع عنها  ..
            و كان الشعر في  صدر الإسلام وسيلة من وسائل الدفاع عن رسالة الإسلام ازاء كفار  ومشركي  قريش وما حولها من القبائل التي لم تدخل في   الاسلام في حينها . واستمر  الشعر، في العصر  الأموي، وفي العصر العباسي كوسيلة  من  وسائل الفرق   السياسية  والفكرية المتنازعة  ويمثل كل النزعات والنزاعات  التي سادت  المجتمع العربي  والاسلامي  بقصد  تبليغ  آرائها، والدفاع عن مبادئها، في  مواجهة خصومها  او بيان  خلافاتها  مع  الاخرين فهو اشبه  بصحيفة  سياسية مرتبطة بجهة معينة تعبر عن اراء هذه الجهة او تلك خاصة  في الشعر السياسي   والقبلي  والحزبي  والطائفي  وما اليه  من المشتركات التي اصبحت  بمرور الزمن  فنونا   واسعة   .

            لذا فللشعر العربي دور بارز في الحياة الأدبية  والاجتماعية والفكرية والسياسية، وقد تطور  بتطور الشعوب العربية والإسلامية، وعلاقاتها بالشعوب الأخرى   المجاورة لها  وغيرها .والتاثير اللغوي بينها  مما ادى الى  بروز فنون  شعرية متطورة في الشعر العربي  في كل مجالات التأثير  من حيث المضمون  ومن  حيث الأسلوب  واللغة و الأوزان  والقوافي  وما  إليها  فكان  سبيلا  لظهور انواع  كثيرة  من الفنون  الشعرية  مثل  الفخر  والمدح  والهجاء  والوصف  والبكاء  على الاطلال   ثم ظهور الشعر السياسي، والشعر الصوفي،  والشعر الاجتماعي  والشعر   الوطني ، وشعر  الموشحات  في  العصر  الاندلسي .

       اما في العصر الحديث والمعاصر فحدث ولا حرج  حيث كثرت الفنون الشعرية  وتشعبت   بتشعب   مفردات  الحياة   اليومية  وكل ما  يعبر عن نوازع  هذه  الامة  والذود  عنها   فظهر  شعر النكبة وشعر النهضة الحديثة  وشعر الثور ة  العر بية  بجوار الفنون الشعرية القديمة   وكذلك  وجدت القصيدة  العمودية  التي لا زالت  هي ا لاساس للشعر العربي  و و لادة قصيدة  الشعر الحر في منتصف  القرن الماضي وقصيدة  النثر او ما يسمى  الشعر المنثور في  نهاية القرن العشرين  والتي انتشرت انتشارا واسعا  في السنوات الاخير ة  بين  الشعراء  الشباب واخذ   يكتب  فيها  كل  من  هب ودب  وخاصة  بعد  ظهور الانترنيت  والفيس بك  وغيرها  من  وسائل  الاعلام  ووسائل  النشر  المختلفة   .

 ***********************



              اهمية الشعر المعاصر


           الشعر العربي   منذ  ان  وجد على  الارض  العربية  وقالوه الشعراء  وتغنوا  به  شق  له  طريقا  واسعا  من الريادة  وكانت  له  الاولوية  في  تمثيل  الحياة   العربية  في  جزيرة  العرب  او في  كل البلدان  التي  تكلمت  اللغة  العربية  في  ظل  الاسلام   بعد   انتشاره  على  ايدى المسلمين  الذين  يعتبرون  العرب  نواة  الحركة الاسلامية  في  تطورها وشموخها .

       فللشعر كان  دوره البارز والكبير  في حياة  الامة  العربية  وإن لم تبق  له تلك  المساحة  التي  كان  يحتلها في عصوره المتقدمة  وذلك  لأن  العرب  بتطور  حياتهم   تخلوا  عن  الشعر أو  أن الشعر  لم  يعد ممتعا   لهم  كما  كان  في العهود  الماضية  وذلك  بسبب تغيير  ظروف الحياة  وما  الت  اليه  الحياة  وتطوراتها  ومدياتها  وسبل  ايجاد  متعة افضل  منه  للنفوس  العربية  الا  بعضا  منهم  وهم الشعراء  ومستسيغوا الشعر  والكلمة  الفاضلة    حيث  دخلت  إلى حياتنا  أمور  كثيرة   قللت  من  اهمية  الشعر  وضيقت  مساحته  على ساحة  الحياة  الواسعة  والتي قلصتها  كثيرا .

          كان  العرب  في   الجاهلية  يقضون  اوقاتهم  في  السعي   في  طلب  الرزق  ورعي  انعامهم   وابلهم  نهارا  اما  في الليل  فيتجمعون  للتسامر والتحدث  والاستماع  للشعر باعتباره  الفن الوحيد  الذي كان سائدا  في  بلادهم  تقريبا  لذا  فقد  كان العرب  يعلمون  أولادهم الشعر وحفظه  وقولهم له  اضافة  الى  تعليمهم  الأنساب  لاعتزاز  العرب  بانسابهم  وهي  الامة  الوحيدة  من  بين  الامم  العالمية  التي لا زالت تحتفظ   بانسابها   لحد  الان  وكذلك    وأخبار العرب.

          اما عند  مجيئ  الإسلام  فقد أصبحوا  يعلمونهم  ايات  القرآن الكريم  والأحاديث  النبوية  وحفظها  فكان العرب في مجالسهم يحفظون ايات القران الكريم  ويتداولون  في  معانيها   وتفسيرها   وكذلك  الاحاديث  النبوية . لذا عزفوا عن الشعر .

          اما في العصر  الاموي  وما بعده  من العصور  فقد  اهتم العرب باللغة  العربية  واسسها  فأخذوا  يتعلمون   و يعلمون  اولادهم : النحو  والصرف والبلاغة  والبيان  والشعر  وفنونه   التي كثرت  والعروض وبعض  العلوم  المستحدثة  كالريا ضيات  والفلسفة  والطب وغيرها  .

            اما  في الوقت الحاضر  فنتعلم كل  العلوم التي ترتاح اليها نفسية أي منا  سواء  كانت علمية  بحتة او  فنية  كالشعر  او الموسيقى   ونعلم  ابناءنا  كل  العلوم  الفنية  والتطبيقية  والعلمية  البحتة   مثل الكيماء  والفيزياء   والمراسلات  والحاسوب  والضرب على الحاسوب والبث  والنشر او الاستقبال  من  خلاله  او  نعلمهم  العلوم  التي  يرغبون تعلمها .

        بعد انهاء  المراحل  الدراسية الاولية  وقد  تظهر  طفرات نوعية في الحياة  الثقافية  وتجديد ها   تبعا  لتطورالحياة  مع مرورالزمن  وما  يخبؤه  هذا  الزمن  المستحدث من  علوم وفنون ربما  لم نرها  او نسمع بها  لحد  الان   ولا نعرف ماذا  يخبئ لنا  المستقبل  في  تقدم  لكل  هذه العلوم  والابحاث  وقد  تصبح  الاجيال  القادمة  غير قانعة  بما نحن رضينا   فيه  من الفنون  والعلوم  وشموليتها   وتشعبها  الواسع  وما استحدث  منها  ويستحدث مع مرور الزمن  الاتي   .

      ومن المعلوم  أن الشعر لم يعد الفن الوحيد الذي يستمتع به الناس في الوقت الحاضر  فهناك الكثير من  الفنون المختلفة  والعلوم الكثيرة  مثل السينما والمسرح  و التلفزيون   وكذلك  المطالعة   مثل  القصص والروايات والخاطرة  والمقالة  وكل هذه الامور  تدخل في اضعاف اهمية الشعر وتوزيع  ساحة  المتعة بين الناس  بحيث اصبحت فرص التمتع والمؤانسة كثيرة  حيث لم يبق  للشعر الحصة الواسعة  التي  كان يحتلها   في الماضي  وهذه  الامور  طبيعية   فاذا  تشعبت   وكثرة   روافد المتعة النفسية في  عدة امور  فالناس تتوزع عليها كل حسبما يشعر به ازاء هذه الحالة او الفن  و كل حسب رغبته وما ترتاح اليه هذه النفوس .

         واستطيع القول ا ن  الشعر  بحد  ذاته  قد  تطور  و اصبح  اشكالا عدة في العالم العربي فاذا كان الشعر العمودي هو الاساس  والمرجع  فقد واستحدث الشعرالحر  وهو  شعر موزون حر سمي  شعر التفعيلة  تحرر  من القافية حيث  ينظم على  بحور  ثابتة  في تفعيلة  معينة  وقد حددت  هذه  البحور  بسبعة  بحور هي  البحور  الحر ة والمتكونة من تفعبية واحدة  مكررة في السطر الواحد عدة مرات .

            كذلك  وجد  الشعر   المنثور  او  وجدت  قصيدة النثر   وهذه   القصيدة   تكون     مفتوحة  من  دون   تقييد    بالوزن  او  القافية  او  بمعنى  اخر  ان  موسيقاها   تكاد   تكون  تضرب   في   كل الاتجاهات   الفنية   بحيث   اصبح  كل  من  يكتب  كلمات  مرتبة  تحت بعضها  ربما   يقول  أنه  كتب  شعرا  نثريا   فقد   ضاعت  كل  مقاييس الشعر  حيث  ان  للشعر  مقاييس  خاصة   حسب  تذوق   الشاعر   أو المتلقي   الا   ان   هذه     القصائد – قصائد  النثر -  لا  تخلو   من مقطوعات  غاية  في الروعة  والفنية   والجمالية  وفقا  لثقافة  الشاعر وقوة   شاعريته   فالقصيدة    الشعرية  سواء  كانت عمودية  او قصيدة تفعيلة او قصيدة  نثر  فقد  تبقى  حاضرة  ومهمة  ومفضلة  لجماليتها  ولرقتها  او لقربها من قلب المتلقي .

        شعراء   العصر  الحديث   او الشعراء  المعاصرون  انشدوا للحياة العربية  في كل عناصرها   واحتياجاتهم  مرورا  بالشعر  الوطني  او السياسي  الذي انشد  الوطنية  وما  يعتمل  في   نفسية الشاعر او نفسية المتلقي   وغرس  روح المواطنة    وتفعيل  القضية  العربية  وتحرير  الاجزاء  التي لا زالت تحت  ظلم الاستعمار الاجنبي  او الحكام المستبدين  وبعث   القضية  العربية  في  النفوس  والافئدة  وشحذ  الهمم   في هذه القضية  وكثير هم  الشعراء  الذين  كتبوا  او  انشدوا  في  هذه   الامور  تطغى على قصائدهم  الثورية  والوطنية وتحتل المكانة الاولى في الشعر العربي في الوقت الحاضر او المعاصر  وفي المستقبل . وهناك   منها هذه الامو ر يتفرع  شعر  النكبة  والمقول   بها  الشعر الذي  قيل  في  نكبة فلسطين   منذ  بداية  القرن العشرين  وحتى الان  واستطيع  القول  ان  كل الشعراء العرب قالوا في هذه القضية  لقربها من القلوب  والنفوس العربية  المناهضة   للا ستعمار من   ا لغزاة  والطامعين . 

              ولا  نخرج عن  الموضوع  ان قلنا  ان  الشعر  يمثل  الحياة  الانسانية  في هذا  الوقت افضل  تمثيل   وما  يقوله  الشعراء  هو  ما ينفعل في  نفوسهم  و قلوبهم  وقلوب  المتلقين  لهذا الشعر  بمختلف فنونه  فيتاثرون  بما  يقرأون  من شعر بما  في ذلك الغزل او شعرالحب  وهو الاغلب  وياتي من بعده الشعرالسياسي  او شعر  الاحداث اليومية  ولو اطلع احدنا  على  الصحف او  المجلات او  شاشات   التلفاز  او الانترنيت  عبر  النت  او الفيس بك  لشاهد  آلافا من   القصائد العمودية  التي هي  اساسا  للشعر العربي  وقصائد  في  الشعر الحر التي  استحدثت   في  منتصف  القرن  الماضي   وقصائد  في  النثر  او ما يسمى - الشعر المنثور - والتي وجدت في  نهاية  القرن العشرين وبالتحديد  في  الثمانينات  من هذا  القرن  والتي  انتشرت  انتشارا واسعا   لسهولة  نظم  القصيدة   بسبب تخلصها  من  الوزن  والقافية  او  البحر والموسيقى  الشعرية  في  السنوات  الاخيرة  بين الشعراء  الشباب واخذ يكتب فيها كل من هب ود ب   ويسمي   نفسه  شاعرا  وخاصة  بعد ظهور  وسائل  الاعلام  المرئية  ووسائل النشر السريعة  وكثرتها .
 
            ومن هنا يتضح اهمية الشعرالمعاصر   من انه  شغل مسافات  واسعة  ومستحدثة  من  اهتمامات  الشباب   سواء  الكتاب او المتلقين  ومن  بين  هذه  النتاجات  وجدت  نتاجات  ذات  قيمة   ادبية  عالية  لشعراء  هم   قمة   في الانتاج   الشعري  كمثل  الشاعر  بدر شاكر السياب  ونازك الملائكة   وصلاح   عبد الصبو ر وامل دنقل  في الشعر الحر و  نزار  قباني  محمود  دورويش  وفالح  الحجية  وسعاد الصباح وغيرهم الذين  جمعوا  بين  الحداثة   والمعاصرة   وجملة  من شعراء  المعاصرة  اذكر منهم :   محمد الحافظ  ووهاب شريف  واكرام الجنابي وكريم مرزة الاسدي  من العراق   وفوزية العلوي  من تونس   ونعيمة خليفي  وعبد العاطي  وفوزية  امين  وفاطمة المنصوري  من المغرب واسماء  صقر القاسمي  من الامارات  ولطفي الياسيني من فلسطين  و غيرهم   كثير في  كل الاقطار العربية  ممن برزت   ادواتهم   الفنية   ظاهرة   بينة  وتأثروا  بما حولهم  وربما  بالثقافا ت  الاجنبية  وتأثر  بعضهم   ببعض   ثقافيا  وادبيا وحضاريا. ممن  تجد  في  شعرهم  مسحة  من  الجمال  والخيال  ورسم الصور الشعرية  الر ائعة  التي  هي أهم عناصر القصيدة الشعرية  مهما  كان نوعها  وهذا  هو الشعر  الذي  يحمل  في   طياته   أكثر  المضامين الإنسانية  روعة   وجمالا  وائتلاقا .


                ***********************  



      الاوضا ع السياسية والشعر المعاصر



          انتهت  الحرب  الكونية  الاولى  وكان  من  نتائج  هذه  الحرب التي  قتلت  الملايين من  البشر وشرد ت  مثلهم  وهدمت  البيوت على الرؤس   ان  حصل  الاستعمار  الغربي  على ما  طمح    اليه  في  مد  نفوذه  الى  كثير  من   البلا د   في العالم  والحصول   على الثروات والاموال  وكان  مما  حصل عليه  من   الاقطار العربية  ان  تقاسمتها   الدول   الاستعمارية   فيما   بينها واغتصبت خيراتها  وحكمتها  حكما ظالما  قاسيا  وبيد ابنا ئها  من العرب  . أي ان  الحاكمين   كانوا   من ابناء البلاد  ذاتها  البسهم  الاستعمار جلبابا  قشيبا   جميلا  مزركشا وسلطهم على   رقاب اخوانهم العرب ليحكموهم   بالنار والحديد  وتكميم افواه اخوتهم   للاجنبي .

           ان ما  حصلت عليه  الاقطار  العربية  هو  اصوات  هدير هذه المدافع   وازيز   الرصاص  ان  ايقض  من  كان  نائما  من  الشعب العربي  في  شرق  هذه  البلاد   او غربها   فهبت  الجموع  العربية  من  رقدتها   تناضل   بعزم   ضد  هذا  الاستعمار   وتنتزع   استقلالها   منه  بالقوة –  مع العرض ان الاستعمار اي استعمار لا يخرج  من  اي  بلد  او مكان  الا   بالقوة   وهذه   بديهة  قائمة -  فاستقلت   اغلب  الاقطار العربية  وكان  اخرها  الجزائر  في  ثورتها  المباركة  ثورة المليون شهيد  في منتصف  القرن  الماضي   وبها   تخلصت  من الاستعمار الفرنسي الذي حاول  ان يجعل  الجزائر  العربية   فرنسية  فيفرنس الشعب  العربي  فيها  لولا  ان هب  شعبها   المناضل  فاعلنوها   ثورة  عارمة  بوجه  فرنسا  فازاحوا  هذا  الاستعمار  بالقوة  واستعادت الجزائر عروبتها  من جديد وقد خلدت  ثورة الجزائر  الاف الاف الابيات الشعرية التي  تغنى  بها  الشعراء  العرب  للثورة  وأبطالها.

            وحيث  ان  الاستعمار  لم   يترك  الوطن  العربي  ليفلت   من  براثنه  او  من  مخالبه  بسهولة  فزرع في  ارضه  وتدا  شديد   الصلابة والقوة –   انه مسمار جحا ( اسرائيل )  كما  يسمونه – اذ اوجد في قلب الوطن العربي  دويلة  جمع  فيها   اليهود  من  كل افاق  العالم  وجعلها   وطنا  لليهود على  حساب  الشعب  العربي  وراح   يغذيها   ويقويها   بكل  ما  اوتي  من  قوة  وما عنده  من  موارد   فكان  ان انتزع  من الوطن  العربي  قلبه   ليقدمه  هدية   ليهود  اسرائيل  التي  حاولت  طرد العرب  من فلسطين  نفسها  لتنشيء  دويلتها  على  أراضيهم   وتوسعها  يوما  بعد  اليوم .

           وقد  وقف   الشعراء  العرب  الوقفة  البطولية  ولا  زالوا  من  القضية  الفلسطينية  منذ الحرب الكونية الاولى  مرورا  بالثانية  ونتائجها وحتى الان  فقدموا الاف القصائد وملايين  الابيات  الشعرية  في القضية  الفلسطينية  وبكل  حالاتها   وما تمخضت عنه  واجزم انه  لا  يوجد شاعر عربي  واحد  في مشرق  الوطن  العربي  او مغربه  الا  وله في القضية الفلسطينية  اكثرمن قصيدة :
  لاحظ احدى الشاعرات المصريا ت تقول \

طفل شريد  ضائع   بين    المسالك   والدروب

يمشي على وجل ويبحث في المجاهل عن حبيب

صهيون غال اباه   في  غدر  ولم  يجن  الذنوب

فمضى   يئن   ابي حبيبي  قد ذهبت فهل  تؤوب

            ان الشاعر العربي المعاصر ومن قبله شعراء الحديث  او شعراء عصر  النهضة  ما كانوا  الا حرابا  وسيوفا مشرعة في وجه اعداء الا مة العربية وشعرهم  سجلا  حافلا  لكل  ما اصاب  الوطن العربي  من  مشاكل  وما  طرات  عليه  من  احداث  صغيرة   او  كبيرة   بضمنها  احداث  البلد الواحد من  الاقطار العربية  ناهيك  عن  توحد   الكلمة   العربية   فالشعر  العربي  انشد  للوحدة   العربية   بل  هو الوحدة  العربية  بعينها   فاذا كانت  الوحدة  السياسية  بعيدة  المنال  بسب  كثرة  الحكام   العرب واختلاف  ارائهم  وطبيعة  حكمهم- ومنهم من  لايزال مرتبط  بالاستعمار الاجنبي الحديث او يعيش على   في   كنفهم   و مداراتهم  له   وعلى مساعداتهم -  فان الشعر  العربي او  الثقافة  العربية  ككل  تجاوزت  هذه   الامور  وحققت  رغبات الشعب  العربي في  توحيد  كلمته   فانشات  ثقافة  عربية  موحدة  غذاها  الشعراء  والادباء  والمثقفون  بنتاجاتهم الثرة  وكلها   تكاد تكون  واحدة  في  اسلوبها  ومعانيها  وما تهدف  اليه  وان  اختلفت  الا راء  الشخصية  او  طبيعة  النص  بين  شاعر  واخر او بين  كاتب  واخر   وهذا  حق  مشروع  على اختلاف   وجهات النظر   لكن  العبرة  في العموم  الذي  اكد ويؤكد  ان  الادب  العربي  او الثقافة  العربية   بما  فيها  الشعر  ما  تصبو اليه   نفس المواطن العربي  اتجاه  شقيقه    في   البلد  الواحد  او في    البلاد   المتباعدة   فترى  الشاعر الجزائري  او المغربي  نظرته  هي  ذاتها   نظرة   الشاعر العراقي  او  السوري  او  الاماراتي  او اليماني  او السوداني لا   اختلاف   بينهم  ولا خلاف    فقضايا  الامة   العربية  مهما  اختلفت  فهي  واحدة .

          فالقضية   الفلسطينية  لا تزال القضية    الاولى   للشاعر العربي  المغربي  او المشرقي   ثم  تأتي من   بعدها   الاحداث التي ألمت  او  تلم بالوطن العربي   فعند   احتلال  العراق  مثلا  في   عام 2003  هب   الشعب  العربي  هبة  رجل  واحد  ولسان   الشاعر العربي   في العراق   ا و  في غيره  واحد     كتبو ا الكثير عن  بغداد  وفا جعتها   وما  الم   بها  وما اصابها   من  اعصار  دمر البلاد  واهلك  العباد   من   قبل  الاستعمار او من  الذين  ساروا   بركابه  او  الذين  جاؤا  معه  من  خارج  البلاد   ليحكموا  بلدهم    باسم  الوطنية  الكاذبة  من الذين   تنازلوا   عن  هويتهم  العربية   وجنسيتهم  العراقية  وقد جاؤوا   يحملون   جنسيات  من  بلاد  مختلفة   والا  فما رأيك  فيمن اعلن  التنازل  عن   بلده  وامته العربية   فسقط  جنسيته  لبلده  سواء  كان عراقيا  او مصريا او مغربيا  او أي كان . ولما  حان  الوقت  المناسب  وضع يده   في ا يدي  المحتلين   الجدد  لهذا  البلد  العزيز  او ذاك   واصبح  حاكما  يحكم   بلاده  للاجنبي  باسم  الوطنية  الكاذبة  .

             وفي العراق  مثلا  اقول  أليس من  سقط    جنسيته  العراقية  و تنصل  عن   وطنه   وامته  غير عراقي   وغير عربي   ولا يمت لهما  بصله لانه  قطع   هذه الصلة   ببلده  او باعها رخيصا  والا  فماذا  نفسر هذه الظاهرة : رجل تنازل عن  جنسية  وطنه  واكتسب   جنسية   بلد اخر الا  يكون  احساسه  الوطني   ما  في اعماق   نفسه  وقلبه   قد صفّر  او وصل  الى  حد  درجة  الصفر  في  وطنيته   فباع   وطنه  بلقمة  عيش  جرت  عليه  وتجر  خزي  الدنيا   والاخرة  وتبينت  ازدواجية  الشخصية  عنده   وانفصامها  والا  فماذا  نفسر كل هذه  الامور  بغير ما  ذكرت  او هناك  منهم  ادنأ من ذلك  هو العراقي الذي  تجنس  بجنسية  غير عربية  وجاء  مع  المحتل  ونفسيته  او هواه  في  نفسه  للاجنبي   وولاءه   الى   بلد  اخر   غير  بلده   فاي   نفوس هذه  واي  وطنية هذه  ترتجى  من هؤلاء  ومن  د نس  بغداد  ثم اعلن  عمالته   بوقاحة  للاجنبي  الغربي  او الشرقي ,
انها  مطامع شخصية  لا غير او اظنها  كذلك  .

          ان الوطنية    وازع  يعتمل  في  النفس  او القلب   يصب  في مصدر الانسان   ومحتواه  ويعبر عما  في   خوالجه   الحقيقية   اتجاه  بلده  وامته  - اذ  ان هذا  البلد  جزء   من  كل - فالعراقي  او المغربي  نفسه    تواقة  لتحقيق   مصالح   لعراقه  او  مغربه  او مصره  اولا   وللأ مته  العربية  ثانيا   ولا تزال  المقولة   العربية  القديمة   نافذة  الحكم  ( انا واخي  على  ابن  عمي  وانا  وابن عمي على الغريب )   اليس  كذلك  ياعرب   ام  تلاشت واندثرت   وتنا زلتم   عنها  الا  ان الواقع   يؤكد  وجوديتها   .

لاحظ   ما كتبت  عن بغداد عند  احتلالها \

بغداد    يابغداد   يارمز المحبة   والصفاء

ضيعوك    الغادرون   بظلمهم -   ياللغباء

جعلوك    فريسة   للطامعين        الغرباء

فليكتب التاريخ  سطرا  في  المذلة  والخناء

فقد   بلّت    نفوسهم   المها نة    بلا  حياء


         استميح   القاريء  الكريم  عذرا  ان خرجت  عن الموضوع  قليلا  انما  هي   العاطفة   تغلب  في بعض  الاحيان   صاحبها  والحقيقة  مرة  ولو  استحلت  كثيرا  او تغلفت   بغلاف  الحلاوة .


                    ******************




الاوضاع الاقتصادية والشعر المعاصر


           مما  لاشك  فيه ان الشاعر ابن   بيئته  ومتفاعل معها كيفما كانت  واينما  كانت  ولابد  من  تاثير لها  عليه  وقد  تحدثنا  عن  التأثير  السياسي   والاجتماعي   في  الشعر العربي   ومدياته  والان  نتكلم  عن  بعض الامور  الاقتصادية  التي  هي نسغ الحياة  ودمها   الجاري  في العروق  وتأثير  انماطها  على الشعر والشاعر العربي.

        ان الوضع الاقتصادي للبلد الواحد  او   قل  للعائلة الواحد ة  اي لعائلة  الفرد  او عائلة الشاعر لها   تاثير مباشر  و كبير على  نشاته  وشاعريته  ولو ان الشعر فطرة  قد  تنمى  بكثير  من الامور  وتقوى  بالاطلاع  والدراسة   والتتبع   والممارسة  على قول  الشعر ودراسة   دواوين  الشعراء   ومطالعة  او دراسة  اللغة  و اصول النقد  والبلاغة   والصرف  والنحو  وما اليها   وهذه حتما  بحاجة الى وضع اقتصادي  جيد لتمكن الشاعر من نيلها او الحصول  على  مستجدات  كتبها  ومؤلفاتها  وقد                        يراها  ذو الوضع  الاقتصادي الجيد او المتمكن  من الامور السهلة  وذكرها  او التحدث  عنها  من الامور  المضحكة  او يعتبرها  الاخر تافهة  ان  كان  وضعه الاقتصادي  جيدا وهي  بحقيقة  الامر  تنشأ  مع الشاعر  فتقيده   في  بعض الاحيان  وخاصة  اذا  كان هذا الشاعر   منحدرا من عائلة فقيرة  او معدمة   ولربما  لا  تملك   قوت   يومها  اقول  نعم  ان هذا الشاعر او ذاك  يتمتع  بفطرة شعرية  و خيال شاعري من خلال   الهامه الشعري  الواسع وما  غرس في  نفسيته   و تتفتق  شاعريته  وقادر على  قول  الشعر  الا ان هذه  الشاعرية  حتما  بحاجة  الى   صقل  موهبة واكتساب  بعض المعارف  المهمة  التي تحتاج الى  المال   وقد لاحظت ان   بعض  البسطاء  من الناس   يمتلك شاعرية  عجيبة  في  قول الشعر  الشعبي  - رغم اني لا احب  الشعر  الشعبي  واعتبره احد  العقبات  التي  يجب ان تزال   اما م  اللغة  العربية  وتوحيدها  وغير مهمة  في الانسان العربي – اذ يرفع  هذا الشاعر  صوته  فيغني ويؤلف   لنفسه  اشعارا  شعبية  وموالات  قمة في التعبير والجيادة وهو لا يقرأ ولا  يكتب   وتجد في  شعره   صورا شعرية  طافحة  بالفهم  وتهز مشاعر المقابل او المتلقي  هزا  عنيفا تحرك   العواطف الانسانية  فيه   فهذه  بطبيعة الحال  شاعرية  فطرية  فلو  كان هذا  الانسان  ينشد هذه الاقوال  بالعربية  الفصحى  ربما  لكان  شاعرا فطحلا  او ذا  مكانة  لا باس  بها  او كان   يمتلك   المقدرة  على المطالعة  والدراسة  واكتساب  العلوم  اللغوية  لكان  شاعرا  مبدعا  وربما  عبقريته  الشعرية  تفوق  كثير ا بعض الشعراء الذي اكتسبوا الشعر وقالوه من غير فطرة شعرية  او قريحة  شعرية  او انها  فيهم قليلة   لذا استطيع  القول ان  الوضع الاقتصادي  للفرد  له  تأثيره البالغ  في   المسيرة   الشعرية  للشاعر  وحتى  على الشعر نفسه
              
              ثم ان سياسة الدولة او المنطقة  التي  يتواجد  فيها الشاعر وتوجهها  الثقافي  الذي يتفاعل معه  الوضع  الاقتصادي للدولة  لهو رافد مهم  من روافد  النمو الشعري  في البلد  والذي  ينعكس  سلبا  على طائفة   من الشعراء  وايجابا على  طائفة  اخر ى  فلو احتضنت الدولة  كل الشعراء    بصورة    متساوية  لابدع  كل  شاعر  بما  منحته شاعريته من  شعر  وقصيد الا  ان اغلب الدول   وخاصة  العربية  دأبت على احتضان   من  يسير في ركابها  ويكون  لسانا ناطقا  منافقا  لها فتغدق عليه الاموال  والهدايا   والمنح  وترفع  من شانه عاليا  وتحارب  من لا  يستجيب  لها او من لا  يسير في ركابها   وتحاربه  فيقعد  ملوما محسورا    .                             .

         فمثلا  كانت الدولة في العراق تحتفل في مهرجان المربد الشعري سنويا  وترفد  هذا  المهرجان  واحتفالياته بملايين  الدنانير  وتدعو  اليه العديد  من الادباء  والشعراء  العراقيين  والعرب وبعض الاجانب  وكانت   تتدخل  الامور  الساسية  في هذا  المهرجان  فيدعى زيد من الشعراء   ويبعد عمرو   وتكون الافضلية لفلان  وفلان  لانه يمدح ويتعنصر  للشخص  الحاكم  ويمجده  واذكر  ان  شاعرا  من الشعراء الذين  اغدقت  عليهم الدولة  وحفتهم بعنايتها ورعايتها  كان عندما يصعد على  المسرح  ويقف  لينشد   قصائده يقول :
  انا شاعر صدامي  انا شاعر  صدامي-   يصرح   بها  علانية  وامام الاف الحضور من الشعراء والادباء  العراقيين  والعرب   والاجانب  ثم يبدأ   بانشاد  شعره   فكانت اليه  الافضلية  على الشعراء   من  حيث العناية   غير الطبيعية  و المركزة  والرعاية  الكبيرة  في  المال  والجاه  والمركز  فتراه  في  منصب  عال جدا   وفي   سيارة  فارهة  ومكتب  لا مثيل  له   وجيوبه مليانه  بالنقود   ولا  يحتاج اي شيء-  فقد وفرت له الدولة  كل طلباته  - الا  ان  يقعد  خلف  منضدته  يكتب   بقلمه  الذي   ربما  شباته   من ذهب   ويقضي  وقته في تنميق  وتزويق   شعره ومراجعته  واختيار ارق الالفاظ  واحسنها  فأين هو من شاعر لا  يجد لقمة  عيشه   بل لا  يجد الوقت الكافي   لكتابة  قصيدته او العودة اليها لمراجعتها  ربما  من اخطاء  فيها  نحوية ا و صرفية او بلاغية  او ربما شعرية  في  الوزن او القافية  او الشكل والمضمون بسبب  كده  وتعبه وارهاقه  وركضه  وراء  لقمة  العيش  فتموت الكلمة  في  تفسه  فهل  يستويان  مثلا .

                  وشاعر اخر  حفته  الدولة  لانه  صديق  حميم لولد الحاكم  فاغدق  عليه نعمه  وفضّله على الاخرين  وجعله  رئيسا  لهم  مثله  مثل صاحبه الاول او  يزيد  او حتى شعراء  المحافظات  كان بعضهم  تكرمه  الدولة  وتصرف  اليه رواتب شهرية  لكونه  كان  رفيقا  للدولة او من حزبها   في حين  يوجد  هنا ك  من هو افضل   منهم  شاعرية  قد   حرمته  مما  تصرفه على  اقرانه  الشعراء  رغم  كونه محتاجا  للمساعدة  المالية  والمعنوية   فهذا  لا  يجد  ما يسد  رمقه  وعائلته  او حتى لا  يستطيع  التنقل  للمشاركة  الشعرية  او مجاراة الشعراء  في  منتدياتهم  فهؤلاء  لو  اخذ  بايديهم  وساعدتهم الدولة   مثل اقرانهم   او احتضنت  الدولة  الجميع   بدون تمييز  سياسي او عرقي  او طائفي   فهل   يبقي  مثل هذا  الشاعر  متاخرا  عن الاخرين بسبب  سوء  الحالة  المعاشية  والاقتصادية  التي  فرضت  عليه  فهل يستويان   مثلا  ثم  جاءت  الطائفية  المقيته  فقربت  شعراء  او ابعدت اخرين  وعذبت  اخرين  او قتلتهم  بل هاجر  بعضهم  الى  خارج البلاد  حفاظا علي  نفسه  خوفا  من الموت  اوالقتل  فاي معادلة  هذه  ومتى ستتحسن  احوالنا  وامورنا   ونترك  ان  نفعل  لبلدنا  ما  مانحب او نريد  في  سبيل الصالح  العام  ونشارك  في بناء  هذا  البلد   فتحل علينا رحمة الله تعالى  بتآخينا   وتوحدنا  لا  فرق   بين هذا  وذاك الا من حيث  نتاجه  الادلي  او الشعري  وقوة شاعريته  وهذا  موكول  باهل  اللغة  والبيان والشعر  ممن  اصبحوا  في مواقع  متقربة  من  الدولة   متناسين زملائهم  الذين مستهم الضراء ان  ياخذوا  بايديهم    و يوفروا لهم  المكان المناسب   والحياة  الكريمة  اسوة بهم   .

               وعلى العموم ان الشاعر الذي تهيات له  اسباب  المعيشة ويعيش  في  وضع  اقتصادي  يمكنه من  ادارة  شؤون عائلته  وتمشية امورها  افضل  بكثير من  شاعر  هجر الشعر  او تركه  بسب   بعض الظروف  القاهرة او شاعر اخر  كتب  كثيرا  من   الشعر   فاحتفظ  به لنفسه  لعدم  تمكنه  من نشره  لسوء  حالته  المالية  فضاع  ما  ضاع منه  وربما  كله  بمرور الوقت  وهم غير قليل .

            وهكذا  في  بقية  الاقطار  العربية او على مستوى  البلاد العربية  فالدولة  العربية  التي  تهتم   بشؤون  الشعر والادب وتحيط  ادبائها  وشعرائها  بهالة  من الفخر والاعجاب  و تهيء  لهم الا جواء المناسبة وتقدم  لهم  يد  العون  والمساعدة  يكون ادباؤها  وشعراؤها  افضل حظا  من الدولة  التي لا تعير اهمية  للادب الشعر  والفن  وربما يضطر  بعض  الشعراء  ان يهجر  دولته  و يعيش  في غيرها   طلبا  للرزق  والحضوة  و ينحاز  الى دولة  اخرى والدخول في اهتماماتها  وهذا ايضا حسب  الواقع  الاقتصادي  للدولة او الحضاري  لها وطبيعة الحكم  وتصرف الحاكمين  ومثل هذه  الحالات كثيرة في بلادنا العربية .

          فمثلا  الامارات العربية  بدات  بتشجيع  الادباء   والشعراء         و محاولة  اكتسابهم اليها  من خلال  برامج  التلفزة   او الفضائيات وتنظيم  المهرجانات  الشعرية   وتغدق  العطايا   والجوائز  وتخلق المنافسة   بين  الشعراء  من  كل الاقطار العربية  لا  تفرق  بين دولة واخرى  وقد  لاحظت  قبل ايام  شعراء  من  العراق  وتونس  واليمن    و موريتانا   يحصلون على  جوائز  من دولة  الامارات  بعد  القائهم  قصائدهم الشعرية   في مهرجانات  شعرية  نظمت  لهم  وكان الشاعر منهم   ينشد  شعره  برغبة  وبالفن  الذي  يريد  . الم يكن مثل هذه الامور  دافعا  كبيرا  لتقدم  الشعر  وتحسينه  والاخذ   بيد الشعراء  للانطلاق  الى اجواء  افضل   ؟.
 الم يكن هذا الامر  نتيجة  حتمية  للوضع  الاقتصادي  المستقر في هذا البلد  المعني  بحيث   تغير ت  اموره  نحو الافضل ؟ .

             ان الوضع الاقتصادي  والاستقرار النفسي  يجعل للشاعر اجنحة  اخرى يطير بها  في سماء الشعر  فينظر من عل  الى  الارض تحته  فينزل  في  روضة  او على زهرة  او شذى يشمه  من فوق  فترتاح  اليه  نفسه   فيسعده   فيصبو اليه   فينشد.

              وربما  ينظر الى الارض  فيرى يتيما  قد  قتل  الغاصبون اباه  وانتزعوا منه ارضه فهي  يبكي  لفقدان  والده.  وعلى  ملجأ  او مأوى  يستوطنه  فلا  يجد   فيشقى  لبكائه  او يرى  حبيبته  الغالية  قد هجر ته ولاذت  بآخر  تتقرب  منه  فيعتمل  الحزن  والاسى  في قلبه  وتشتعل  نار  الفراق في  احشائه  فينكب  ينشد  شعرا حزينا ا و يندب  حظه العاثر  وفؤاده الشائق او يتامل في السماء   والوانها  الرائعة ونجومها  البراقة  ا للامعة  في ليل مقمر او في نهار مشمس ربيعي  فيتيه  بين  الخضرة  والزرقة  ولون البحر او لون الماء الصافي في البحر او في  النهر الخالد  فتسيح  نفسه  وتنثال عليه الصور الشعرية الناطقة  بلسان  ما يرى  فيبدع  شعرا  جميلا  رائعا  في خيال واسع  منبعث مما يحس به  و يهجسه   ويختلج  في قلبه وروحه  من شاعرية  فذة  وعبقرية  شعرية رائدة.


****************************************





الرمزية في الشعر المعاصر


          لم  تكن  الرمزية  في الشعر العربي  وليدة  الشعر المعاصر   ولا الشعر الحديث  انما  تمتد  جذورها  الى عصور متقدمة  الا انها كانت اشارات رمزية في قصائد لبعض الشعراء وخاصة    في  الغزل والتشبيب  وتطورت هذه لتكون اكثر انفعالا  واكثر  وجودا  في الشعر الصوفي وخاصة  في العصر العباسي الثاني وما  بعده  وتكاد   تكون  اتجاها   فنيا جديدا في الشعر العربي  وخاصة  في  شعر الحلاج  وعبد القادر الجيلاني  وابن  عربي  وابن  الفارض  وغيرهم   من   شعراء التصوف ( لاحظ  مقالتي  -عبد القادر  الجيلاني  كنموذج   من الشعر الصوفي -  )

          وقد  كثرت الرمزية  في العصر الحديث  لتشكل  نمطا  جديدا  في الشعر وخاصة  في الشعر الحديث او الشعر الحر كما  يسمونه  على يد الشعراء  نازك الملائكة  وبدر شاكر السياب  والبياتي  وصلاح  عبد الصبور  وادونيس  وامل  دنقل  وغيرهم.

       وقد  اوغل الشعراء  من  بعدهم  في الرمزية  في  الشعر  حتى انك لتقرأ  القصيدة  لبعض  شعراء الرمز فلا تفهم منها  الا  بعد الروية  -  هذا اذا  كنت شاعرا او اديبا - والتزام  القاموس فكيف بمفهمها المتلقي  والمتتبع   .

        وقد يعد بعض  النقاد والادباء ان هذه الرمزية هي فن جديد في  الابداع الشعري للعصر الحديث  او للشعر المعاصر  وقد كتب احد الاساتذة المتضلعين في هذا المقام  مقالة  حول الرمزية   في الشعر المعاصر اقتطف  منها  ما يلي للتاكيد على واقع  هذه الحالة الجديدة  في الشعر وتعبر  عن رأ يه  .

      (الرمزية بصفتها اتجاهاً فنياً برزت في الإبداع الشعري المعاصر، ترتقي فوق موجودات الظواهر المادية المتناثرة في العالم الواقعي إلى مدارك الآمال والأحلام المنشودة في العالم المثالي، مستنجدة بالرمز بصفتها آصرة له  تربط بين هذين العالمين، لتنتشل الأحاسيس الغائرة التي تألف التشابه النفسي بين الأشياء وتنسج على منوالها  وتوقها المستمر  من حيث للكشف عن الروابط المستترة خلف الظواهر المادية، وذلك عن طريق مقدرة بثنية ورؤية خاصة يتبناها الشاعر الرامز فيجعل من خلالها الرمز قائماً مقام  المرموز إليه  حاضرا فيه  بمس إبداعي   شفيف  لا تتسلل إليه الصور الفجّة، أو الاستعارات الساذجة، أو العبارات  الهلامية المستعلية، وهذا ما انتبه إليه (أوستن  وارين- ورينيه ويليك) صاحبا كتاب  نظرية الأدب، عندما قالا :
( إن الرمز موضوع يشير إلى موضوع آخر لكن فيه ما يؤهله لأن  يتطلب الانتباه -أيضاً- لذاته بصفته شيئاً معروضاً،).

       وهذا قول ينسجم مع تعريف الرمز الذي وقعنا عليه من خلال ما اتفق عليه الأدباء والفلاسفة بأنه شئ  حسي  معتبر كإشارة إلى شئ معنوي لا يقع تحت الحواس وهذا الاعتبار قائم على أوجه متشابهة بين الشيئين  أحست بها مخيلة الرامز على ان يبقى  الرابط بينهما واضحا .

           عليه فإن الشاعر الرامز يطلق طاقته الإيحائية ذات الخواص  الجمالية الفعالة في مخيلة المتلقي، ويغذيها بنوازع البحث، ويغريها بالتطلع إلى ما وراء الأكمة  إذ لابد أن خلف البناء الرمزي عالماً آخر يختبئ تحت الظلال، وإن اكتشافه  بتأويل الرمز يقع في أحايين كثيرة -من الصعوبة بمكان-  نظراً  للتعقيد الذي  يسكن التجربة الشعورية، وعناصرها العاطفية التي لا يقيدها منطق أو عقل، ولكن التركيب الشعري باهتزازاته الموسيقية يوحي كثيراً للمتلقي بالمعاني التي تبثها  الصور الرمزية او تدل عليها ، وقد قال الدكتور\ عدنان حسين قاسم في رؤيته التقديرية لبلاغتنا العربية: إن جُرس الأصوات والألفاظ والتراكيب الشعرية تلعب  دوراً خطيراً  في الإيحاء  بالمعاني التي  تبثها الصور الرمزية، والغامضة التي لا تستطيع الصورة بتراكيبها   اللغوية المألوفة أن تثيرها.

            ولما  كان الرمز حالة  تتجاوز الواقع الحسي، ويتخطاه إلى  الإشارات الدفينة في رماله، والدلالات الخبيئة وراءه والتي تكتشفها القوة الحدسية،أضحى امتلاك الملكتين الحسية والحدسية لازماً في إبداع الرمز، وقد إشار( جون مدلتونمري) إلى أن تراكم الانطباعات الحسية والحيوية يمد الشاعر العظيم بأقدر الوسائل التي  تمكنه من الإفصاح بدقة عن عمليات الحدس الروحية-. ولكننا  نرى أن هذه الدقة لا يمكن أن تصور المشاعر، والخواطر تصويراً منطقياً؛ حيث أن مردها  إلى أشياء حسية رافقتها  أحاسيس ضمت إليها خواطر ترتاد عوالماً أكثر عمقاً واتساعاً، والذي عنيناهُ هو ما أدركناه من قول الدكتور(عز الدين إسماعيل) حينما قال (إن الصورة الرمزية تجريدية   تنتقل من المحسوس إلى عالم العقل والوعي الباطني،) ثم هى مثالية نسبية؛ لأنها تتعلق  بعواطف وخواطر دقيقة وعميقة تقصر اللغة عن جلائها.

           وعن أنواع الرمز يكفينا ما أورده الدكتور عدنان حسين قاسم، والذي قال:
 (  إن الرموز تختلف باختلاف أشكال بنائها  ،فمنها رموز تستغرق القصيدة كلها، وتشكل محاورها، وأخرى تُعد  جداول صغيرة تتدفق من  شعاب جانبية، وتصب في المجرى الكبير لتلتحم به. وبوسعنا أن نقسم الرموز إلى نوعين  رئيسيين: أولهما- الرمز الجزئي  وهو أسلوب فني تكتسب فيه الكلمة المفردة أو الصورة  الجزئية قيمة رمزية من خلالها تتفاعل مع ما ترمز إليه؛ فيؤدي ذلك إلى إيحائها ،واستثارتها لكثير من المعاني  الخبيئة، وتشع هذه  الصور وتلك  الكلمات لارتباطها  بأحداث تاريخية، أو تجارب عاطفية، أو مواقف  اجتماعية  أو ظواهر طبيعية،   أو أماكن  ذات  مدلول   شعوري  خاص، أو إشارات أسطورية معينة وتراثية عامة. والشاعر في تعامله مع هذه  الأشياء يرتقي بمدلولها المتواضع عليه إلى مدلولها الرمزي،.
 ثانيهما- الرمز الكلي  وهو معنى محوري شفاف، مجسد في إحدى الظواهر المادية، تتمركز على أرضه جلّ الصور  الجزئية التي تتوزع العمل الشعري، وتشده نحو هدف جمالي منظور ويربطها به ينبوع  التجربة الشعورية.

         تعتبر القوى الابتكارية أو الابتداع الذاتي عند الشاعر الذي  تتراكم  لديه المكونات  الثقافية  الهائلة، ومخزونات الصور المتفردة والتراكيب الشعرية  البديعة أحد منبعي الرمز الأساسيين. ومن النماذج التي يمكن أن نسوقها بشأن ذلك ما أورده شاعرنا الرائد محمد سعيد العباسي في قصيدته (رسائل الصفا) التي وجهها للدكتور زكي مبارك فقد قال وهو يرمز لمصر بماديه، وللسودان بالقرط الذي يزينها بصفتها صورة رمزية لمعنى قائم في شعور الشاعر يشي بالوحدة بين قطري وادي النيل. كما بشر الشاعرفي صورة رمزية أخرى بالثورة على الإنجليز، وجعل الصرخة رمزاً لها، والتي ستمنع المحتل من أن ينفرد بالسودان، أو أن ينفصل عن مصر، ولا ريب أنها ستقع على قلب المحتل الواجف محل شدة، وفي نفوس الأحرار برداً وسلاماً، يقول :
:
فيا مار سيرى ولا تُخدَعي فينتزع القرطُ يا مارية

وهبي فإن لسمع الزمان رُنواً إلى صرخة  داوية

تشدُ بها واجفات القلوب وتُروى بها المُهج الصادية

        هذه الصورة الرمزية  تضافرت في إبرازها  قوى ابتكارية فذة -كما رأينا-، وبذلك يكون شاعرنا قد نهل من  ابتكاره وابتداعه الذاتي ببراعة والجاً أحد منبعي الرمز، والذي يتمثل منبعه الآخر  في التراث، أو ما يسمى بالحياة الواقعية والتراث الإنساني، والذي قُسِمَ من حيث  كونه منبعاً رئيسياً من منابع الرمز إلى تراث تاريخي وأدبي وأسطوري وديني وشعبي،وفي التراث التاريخي يستنزل الشاعر الدلالات التاريخية على الأبعاد المعاصرة، وقد  أورد الدكتور حسين قاسم (عدنان) مقتطفات من قصيدة (آهات أمام شباك التصاريح عند جسر النبي) للشاعرة الفلسطينية المبدعة فدوى طوقان لاتصالها اتصالاً وثيقاً بالتاريخ العربي والإسلامي، الذي استطاعت فيه فدوى أن تستحضر ليلى بنت لكيز التي أسرها الروم وهى في طريقها لتزف إلى زوجها، فأرسلت قصيدة قالت فيها ضمن ما قالت لزوجها  البراق:

ليت للبراق عيناً فترى              ما أُلاقي من بلاء وعناء

        كما استحضرت المرأة  الهاشمية التي اقترنت باستغاثتها للمعتصم، كما رفدت هاتين الشخصيتين التراثيتين بشخصية تراثية ثالثة؛ ليكتمل الموقف وتتضح صورته في بناء فني متماسك فأتت بشخصية هند بنت عُتبة التي أكلت  كبد حمزة بن عبد المطلب  في موقعة أُحد، والتي يتخذها العرب رمزآً لابشع   واشرس   صور الثأر، وكأنما أرادت الشاعرة أن تكون هذه الشخصيات الثلاثة  مجتمعة في ظل هم ثقيل وهو الاحتلال الصهيوني  لبلدها فلسطين، فصرخت قائلة:

آه وا معتصماهُ
آهيا ثأر العشيرة
آه جرحي مرغ الجلادُ جُرحى في الرُّغام
ليت للبراق  عيناً
آه يا ذل الإسار
ألف هند تحت جلدي
جوع حقدي فاغر فاه
سوى أكباد  هملا يشبع الجوع الذي استوطن جلدي
آه يا حقدي الرهيب المستثار

        أما التراث الأدبي فقد يجئ باستخدام الشخصيات الأدبية أو أقوالاً مشهورة اقترنت، كما ورد عند الشاعر الفذ أمل دنقل، الذي حور أبياتٍ معروفة  للمتنبي ليخلق  بها رموزاً  تحف بها  دلالات إيحائية فقال:

ما حاجتي  للسيف   مشهورا

ما دمت  قد جاوزت    كافورا

وعيد  بأية حال عُدت يا عيدُ

بما مضى أم لأرضي فيك تهديد

نامت نواطير مصر عن عساكرها

وحاربت    بدلاً  منها    الأناشيد

ناديت يا نيل هل تجري المياه دماً

لكي تفيض ويصحو الأهل إن نودوا

عيد     بأية  حال عدت    يا عيدُ

        ونجد -أيضاً عندما نتحدث عن التراث الأسطوري- أن أمل دنقل في قصيدته (عشاء) قد استلهم إشارة أسطورية،وألبسها ثوباً يتسق وتجربته الشعورية العميقة، وملأها بمفازٍ رمزية جديدة من خلال تناوله لأسطورة مصاص الدماء، فبرزت الصورة الرمزية في النص كصدمة إيحائية شديدة الوقع ذات إيجاز وضربة قوية استثارت الحياة الباطنية ورعشاتها الحية عند الشاعر؛لتسري إلى المتلقي. فمصاص الدماء لا يتحدث ولا يسمع، إنما يرنو بعينيه الصغيرتين،ويلعق الدماء وهو ذاته الفساد الذي يمتص دم الشعب الذي لا يُسمع له صوت  تقول الصورة:

قصدتهم في موعد العشاء
..                                                         
تطالعوا لي برهة..
ولم يرد واحد منهم   تحية المساء..
وعادت الأيدي تراوح الملاعق الصغيرة
في طبق الحساء..
نظرت  في الوعاء..
هتفت.. ويحكم.. دمي هذا دمي فانتبهوا
ولم يأبهوا..
وظلت  الأيدي تراوح الملاعق الصغيرة
وظلت الشفاه تلعق الدماء
..
           ولعل التراث الديني يعتبر من المصادر الكبيرة التي نهل منها الشعراء المحدثون رموزهم. يقول الشاعر محمد الواثق في قصيدته (أم درمان تشرق) :

رباه حلمك ما أم درمان منزلة
                                  لقد خلقت بها الإنسان في كبد

إن كان حكمك أنَّا لا نغادرها
                             فاجعل لنا  أجر من قد مات في أحُد

أو هب لنا منك صبراً نستعين به
                              أو ما حبوت  به أيوب من جَلَد


       وقد أخذ الشاعر نفسه في قصيدته (فضيحة أم درمان) شخصيات وأحداث ورؤى من التراث الديني تلميحاً وتصريحاً دارت حولها صورة الرمزية الرائعة أبانها في النص كما يلي:-

الناس جاءتك يا أم درمان كوكبة
                                      منهم شفيقٌ ومنهم لائمٌ لاحي

قالوا سفينتنا قد حلها دنس
                                من فعل مبذولة الفخذين ممراحي

ما مريم ابنة  عمران فنعذرها
                                     أو مثل حواء قد هشت لتفاحِ

فقلت ما ضركم صارت لها ولد
                                     عسيبُ ويحمي جانب الساحِ

القوه في اليم إن جارت سفينتكم
                             قد تزهق الروح تفدي بعض الرواحِ

فقال منهم زعيمٌ عابسٌ صلفٌ
                                   يخفيهم  بكريه  الوجهِ   مكلاحِ

إذا المؤودة في ملحودها سُئِلت
                                   ماذا نقول لربِ الناس يا صاحِ

ثم الشريعة إنا ما نخالفها
                                 فالجلد والرجمُ طهر بعد إصلاحِ

      فالقرآن الكريم، والكتب السماوية  المقدسة كانت منبعاً وَرَدَ منه الشعراء، وأخذوا منها شخصيات -كما رأينا في صور  محمد الواثق الرمزية-، وفي أنموذج آخر نرى شخصية المسيح عليه السلام حينما حملته إلينا قصيدة (أغنية إلى يافا) بصفته رمزاً للفلسطيني المطارد والمعذب:

يافا.. مسيحك في القيود
عارٍ تمزقه الخناجر عبر صلبان الحديد
وعلى قبابك غيمة    تبكي
وخفاش يطير

        وقد ركن  الشعراء  إلى الإرث  الشعبي  بإمكاناته  الثرة، وحكاياته  الشعبية الغنية بأحداثها وشخصياتها التي ارتبطت في أذهان الناس بمواقف خاصة؛ كعنترة  بن شداد، وأبي زيد الهلالي، وزرقاء اليمامة، وغيرهم ممن حفلت بهم ذاكرة المجتمع، أو  بطون الكتب وفي هذا الإطار يكمن الإبداع الرمزي في مقدرته؛ للمزاوجة بين المواقف المعاصرة، وبين ما يمكن أن يقتطف من القصة الشعبية من أحداث أو شخصيات كما فعل الشاعر الشاب المقتدر بدر شاكر السياب حينما أدرك أن شخصية السندباد تستطيع أن  تتشرب بالوقائع المعاصرة فقال:

رحل النهارُ

ها إنه انطفأت ذبالته على أفق  توهج دون نار

وجلستِ   تنتظرين عودة  السندباد   من السفار

والبحر يصرخ من ورائك بالعواصف والرعود

هو لن يعود..

        سلك الرمزيون طرقاً مختلفة لبناء الصورة  الرمزية، وابتكروا أساليب عديدة لاستخدام الرمز، ونجحوا بذلك في تصوير مشاعرهم  المعقدة بعد أن أدركوا أن اللغة -بتراكيبها المألوفة- لا تقوى على مثل هذا العطاء  الثر، وخطوا بالصورة الرمزية؛ لتصبح ذات كيان مستقل عن الواقع المحسوس وبذلك اختلفت الصورة الرمزية عن الصورة المجازية -سواء كانت استعارية أو تشبيهية- كما اختلفت عن التعبير بالكناية والتي ترتاد -أحياناً- تخوم الرمزية التي تُعد تطويراً لها  فالتعبير بالكناية ترافق مع الأدب القديم، وسلك في شعاب التقليد ومدرسته التي اعتمد على القوانين العقلية المحضة وعالمها الواقعي المحسوس. وقد أشار «إيليا حاوي» إلى أن الكناية تباين الرمز في أنها مستفادة من الواقع فيما يبدع الرمز مَشا  هد ه الحسية، أو يتفطن في المشاهد الواقعية إلى دلالات غير واقعية وغير مبذولة -وإن كانت صادقة-.

           وأخيراً نقول إن مَنْ يجرؤ على الخلط بين الصورة الرمزية  والصورة  السريالية اللتان تتشابهان في إقصاء المنطق بمعايير الواقع المحسوس فهو مخطيء وواهم فالنزعة السريالية التي شاعت في بيئات الأدباء القائلين بتحرير الشعر عن المنطق والقيم الأخلاقية وإقصاء الجمال بالتحليق به بعيداً في عالم التجريد  ليعبِّر عن فكرة أصيلة تغوص -أحياناً- في اللا شعور  فأفسحوا  بذلك  الطريق  لإظهار  مكبوتاتهم  في  صور محمومة  حتما  ستحترق  لانها لا تلائم طباعنا، ولا وثبتنا أو مواريثينا القومية) في الرمزية الطارفة  في الشعر المعاصر عموما

            وخلاصة القول  ا ن الرمزية اثبتت وجودها  كفن من فنون التعبير في الشعر الحديث والمعاصر  وعبر قصائد  شعراء الرمز بما  يعبر عن  عواطفهم وما يختلج  في اعماق  افكارهم وانفسهم  بها  افضل تعبير  الا اني الوم  بعضا  منهم  على  هذا  الغلو  الجانح  في الرمزية  الى حد   الابهام   و التعبير الذي   يجعل  من  الرمز جدارا  قويا  عاليا   صعب المرتقى  لا  يرتقيه  احد  الا الشاعر ذاته  بحيث اصبح   حاجزا  بينه  وبين  القراء  والمتلقين   ومحبي الشعر عامة.

---------------------------------
















   مفهوم الشعر المعاصر وطبيعته

         إن الحديث عن  الشعر العربي قديما وحديثا   يتوجب  ان  ينطوي على مبالغة كبيرة في تحديد المفاهيم التي ينبغي  توظيفها حينما نسعى إلى توصيف الوضع المراد توصيفه.
        فالشعر العربي  يمر بمرحلة  كمون  وفتور وتراجع للأدوار الشعرية  التي  كان  يضطلع  بها . لكن أن نقول إنه يعيش او يموت  فهذا القول  فيه  مبالغة  قد تخل  بالتفكير الموضوعي  او الجاد  في الموضوع .

      من هذا المنطلق أرى أن الشعر  لا يضمحل ولا يتقهقر، وذلك لأنه جوهر الإنسان ومنطلقه الوجداني. نابع  من أعماق وجدانه  متمثلا في  جريانه  وتسجيله عواطفه الفياضة  و ربما   تزاحمه بعض  الوسائل  والأشكال التعبيرية  الأخرى في ادواره التي  وجد من أجلها، .

            أما  وجهة  النظر التي ترى أن أحد  مظاهر  حالة   الشعر      العربي يتمثل في انتشار قصيدة  النثر او قل الشعر الحر  على حساب  القصيدة العمودية ، فأعتقد  بأن هذا  الانتشار إنما  يندرج في  إطار  التجديد   والتطور اللذين تعرفهما  الكتابة  الأدبية  بشكل عام. وأما   البقاء  فيكون  للأصلح  والأعمق  والألصق  بالامور الشعرية  من  حيث  كونها  نابعة من الوجدان، ومخاطبة  له . اي ان القصيدة   العربية  الجيدة  تفرض  نفسها  وبقاءها   وخاصة  اذا   كانت  نابعة  من قلب  شاعر  شديد  الاحساس بما  يكنه  هذا  الشاعر اتجاه  وطنه  وامته او يعبر بما يختلج في قلبه  من عواطف ومشاعر  وما يرتبط  به من  تخييل   ومحاكاة  وتشبيه  وصور شعرية  رائعة  تعبر عن  المفاهيم  الادبية والتعبيرية  والنقدية.
           أن السعي إلى تحديد  مفهوم معين  للشعر أو ماهيته قد يرتبط  بالظروف  والمعطيات  التي تفرزها  حقبة  زمنية معينة  أي أنه ليس ثمة  مفهوم  محدد  للشعر يمكن  أن نجعل منه  منطلقا  لقياس مدى انسجام  القصائد  والأشعار المنظومة في وقت ما مع هذا المفهوم.  لذلك  قد  يكون  مجتمع   معين  يعيش  في أسفل هرم التطور والتقدم، بينما  الشعر أو الأدب في  هذا  المجتمع  قد  يكون  في  أزهى  أشكاله   والوانه التعبيرية . فهذه  موريتانيا  الدولة  الفتية   الصغيرة  تسمى   ( دولة  المليون  شاعر) لكثرة  شعرائها مما  يدلل على ان الشعر ليس  حكرا على  بلد  واحد  او انه  ينمو في  منطقة  ولا  ينمو في اخرى   و في  اغلب  الاحيان   وربما  يكون العكس  اي ان الشعر  في  الاغلب  غير  خاضع  للزمن  الا  بقدر  معين .
        . لكن  هذه المحاولات  والثّورات  الشّعرية  لم  تنجح في  تحرير  ا و تطوير القصيدة  العربيّة من قيودها  القديمة. ثم ظهرت  الموشحات في الأندلس  بهدف  تحرير الشّعر من قيود  القافيّة  الموحّدة  حيث  أوجدت  الموشحات  لنفسها أوزانا  شعرية  خفيفة  تناسب  مجالس الغناء  التي  انتشرت  في  ذلك  العصر، ثم   تبعتها  محاولات  المدارس الشعرية الجديدة  كمدرسة  الديوان، وأبولو، والمهجر، لكن   هذه  المحاولات  لم  تنجح   في  تحرير  القصيدة  العربية   من قبضة  البيت العمودي  فبقي الشّاعر  أسيرا لوحدة البيت رغم تطوير  الألفاظ  والأساليب  وتعدد  القوافي   والأوزان   في القصيدة  الواحدة  وقد بينت كل ذلك في فصول هذا  الموجز المتقدمة  حتّى  ظهرت  مدرسة  الشعر الحر.
      ولعلّ السّبب في ذلك  الفشل  يعود  إلى سيطرة  الأفكار والمفاهيم  التّقليدية  على  حياة  المجتمع  العربيّ  طوال  تلك العصور والتي كانت   تقف  ضدّ  التّطور الفكري  والثّقافي  للحفاظ  على مصالحها الشّخصيّة ولم يجرؤ احد على تغيير  او احداث  طفرة   تغييرية  في مجال الشعر واسعة .  كما أن هناك   أسبابا  أخرى حالت دون هذا التّطور.
              ان ضيق المساحة التي كان يدور  حولها الشّعر قديما  حيث لم  يضطلع على الثّقافات والحضارات المختلفة. لكن الواقع العربي في  منتصف  القرن  العشرين  كان  قد بلغ  وتكامل  وظهرت عليه  علائم و بوادر تخلف  وبدأت الحقائق الكثيرة  المؤلمة   تظهر أمام عيني  الشّاعر المعاصر والتي عبّأت مشاعره  بالألم والجراح  والمحنة  وخاصّة  بعد مأساة  فلسطين  سنة\ 1948 وانهزام الجيوش العربية.

        ولقد استطاعت الشّاعرة العراقيّة نازك الملائكة أن  تصوّر حياة الجيل العربي الذي نشأ خلال الحرب العالميّة الثانيّة فقالت : (لقد نشأ  جيل خلال الحرب العالميّة الثانيّة وفتح عينيه على هذا الوجود المظلم فلم يجد فيه  ما يسرّ حيث رأى الجمود والعذاب  والصّرامة  والتّزمت الأعمى  والضّغط     وكبت العواطف ،ورأى القيود الرهيبة، كما رأى  نفسه   المتطلّعة التّواقة  للحبّ  والحياة ، لكنّه لم  يستطع   تحقيق   رغباته وأمانيه، فانطوى على نفسه ليعيش في غربة الضّياع والآلام).
         والشاعر  ليس منطلق  من الوزن  ولا من القافية  بل على العكس استمر  بالتمسك  بالوزن  العربي   والقافية  والموسيقى  العروضية  العربية:
.
 فالشاعر  يتوجب ان يكون  قادرا على تحمل المسؤولية الكاملة إتجاه ذاته  وكيانه العربي وقضايا مجتمعه  وهذا بديهي  أن يكون الشاعر حرا  في اختيار عدد التفعيلات في كل سطر شعري  بما يتناسب ودفقاته الشعرية  وحالاته النفسية.

       وكان أول من أطلق هذا الإسم  واعني به الشعر الحر الشاعران العراقيان  نازك الملائكة  وبدر شاكر السياب وقيل  ان اول  من قال  فيه الشاعر  المصري صلاح  عبد الصبور . وقد عرفت  نازك  الشعر الحر  في كتابها  ( قضايا الشعر المعاصر  بقولها ):
 إن الشعر الحر هو الذي لا يتقيد بقافية واحدة ولا ببحر واحد، ويقيم  القصيدة على التفعيلة بدلا من الشطر محطما  بذلك استقلال البيت العمودي من أجل  دمجه   مع  الأبيات الأخرى في بناء  فني متماسك )
       أن الشكل  الثوري  الجديد  للشعر العربي  لا ينبع  ولا ينبت  إلا من مضمون الأفكار الثورية الجديدة  التي تنبع من واقع الإنسان   العربي المعاصر، ولكي نخلق  إنسانا  ثوريا  جديدا  قادرا على  تغيير الأوضاع   السياسية   والإجتماعية المتعفنة والتي أدت إلى انهزام الإنسان العربي المعاصر فلابد إذن لنجاح  هذا التغيير من حيث المفاهيم  والأفكار  القديمة والعادات  والتقاليد  التي   ترسبت في   أعماقه  مند   مئات السنين.
       لذلك فإن   الشعر الحر ليس  مجرد  ثورة على الأوزان والعروض   والشعر العمودي  كما يتوهم بعض الناس، لكنه ثورة شاملة  للمضمون  أولا  والشكل  ثانيا  لأن  مضمون  الأدب  المعاصر ليس  مضمون  مناسبات  من فخر أو مدح أو رثاء ولا وصف عواطف  ذاتية  مريضة وإنما هو مفهوم فكري وثوري شمل الصراع الدائم بين الخير والشر وبين  الحرية والعبودية  وبين  الوجود  والعدم لأن  الأديب الحقيقي والشاعر الثوري لا يكتفي  بمشاهدة  الحريق الذي يلتهم أ مته  ووطنه  ومجتمعه ويقف متفرجا على آلام الإنسان وهو يتعذب فيها  بينما   يعيش  هو في  عالم  الأحلام  والخيال  وسط   برجه العاجي  أو هاربا  إلى أحضان  الطبيعة  والغاب  يجتر  بعض  آلامه    وأحزانه  في  رومانسيته  المعتادة،   وإنما  الشاعر  الثوري  هو  الذي  يحمل  الراية  أمام  الجماهير   ويعبر عن  آلامها   وأمانيها  جاعلا  من جسده   جسرا  تمر  من  فوقه  الأجيال . ومن  روحه  منارا  تضيء  حياة  الحرية   للأمة  بكليتها  مهما كلفه ذلك من  ثمن، ومن  ثمة يتحول الأدب من وسيلة  للتكسب  والإرتزاق إلى سلاح قوي  يشق به الإنسان المعاصر طريق امته الى  شاطئ الحرية والكرامة.

           وهناك بديهة اخرى  وذلك ان الشعر  لم  ينشأ   من العدم  والفراغ  بل نبتت   جذوره  في هذا  المجتمع  لظروف سياسية  واجتماعية  وثقافية  والدليل على  ذلك  إنتشاره  الواسع من المحيط إلى الخليج  ووجوده  حيث وجد  الانسان العربي واستمراره  حيّا  حتى اليوم  وسيبقى  مادام الانسان على وجه  الارض  ويحمل  بين  جنبيه  قلبا  نابضا  وفؤادا  يختلج  ونفسا  يملؤها  الحنين  والشوق  للجنس البشري  وما حوله عامة .
       ان  نزوع  الشاعر العربي  المعاصر إلى واقعه الإجتماعي  والسياسي  والإقتصادي  وهروبه  من عالم الرومانسية  الحالمة  التي  سادت الشعر العربي الحديث.  يبين  ويثبت حنين الشاعر المعاصر  وتطلعه  إلى استقلاله  الذاتي   وبناء   شخصيته  المستقلة  بعيدا  عن  التقليد  والمحاكاة للأخرين .

      ان .إهتمام  الشاعر العربي  المعاصر  بالأفكار والمضامين الجديدة  وخاصة  قضايا  الإنسان المعاصر السياسية منها أو الإجتماعية  أكثر  من  اهتمامه  بالشكل  القديم  جعله  اكثر ارتباطا  في  تربة  وطنه  وانسانه  العربي  وتعرف  على  كل ما لهذا المجتمع   من  قسوة  وشدة  وخاصة  في  الظروف السياسية و الإجتماعية  والإقتصادية  التي  كان  يعاني منها الشعب العربي  خاصة  بعد  هزيمته  في  حرب فلسطين، مما جعل الشاعر العربي  يتساءل عن  اسباب هذه الهزائم، وهذا  العار رغم  ما   تملكه  الأمة  العربية  من  إمكانات   عالية   مادية، بشرية، ومعنوية لا حدود  لها  وكذلك  تأثر الشّعراء المعاصرين  بالثقافات  الأجنبية المتعددة واطلاعهم على أفكار  وآراء  وقضايا هذه الشعوب مما زاد في  حصيلتهم الشعرية، والثقافية. مما زاد  من  وطنيتهم  وحبهم  للعروبة .
  لاحظ هذه المقطوعة لصديقي الشاعر محمود درويش:
 مرالربيع سريعا
مثل خاطرة
طارت من البال
 قال الشاعرالقلق
 في البدء اعجبه ايقاعه
 فمشى سطرا فسطرا
 لعل الشكل ينبثق
 وقال قافية اخرى
 تساعدني على الغناء
 فيصفو القلب والافق.

          ولذا يبقى الشاعر  العربي  مرتبطا بل  لصيقا   بتربة وطنه وامته  مدافعا عنها  حاميا لها صداحا بها في كل قصائده وكل ما يكتب او ينشد .
   


**********************************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق