السبت، 23 يوليو 2016

كتاب ( د راسا ت في الشعر العربي وامــا راته ) تاليف د . فالح نصيف الحجية الكيلاني \\ القسم الثالث








          الشعر العربي  في بلاد الاندلس
                      وامرائــه        
        


  جزيرة ( البيرة ) او ( ايبيريا ) كما  يسمونها  العرب  او اسبانيا تقع  في اقصى الجنوب الغربي  من قارة اوربا  . يحدها من الشمال  بحر الشمال  و فرنسا تحدها من الشمال والشرق اما من الجنوب فيحدها البحر الابيض المتوسط  ويحدها من جهة الغرب المحيط  الاطلسي  وتشمل في الوقت الحاضرعلى مملكة اسبانيا ومملكة البرتغال . 
                         
     فتح العرب جزيرة  اسبانيا (الاندلس) في زمن الخليفة  الاموي الوليد  بن عبد الملك سنة\ 93 هجربة  عندما  وجه اليها حملة قوية بقيادة  القائد العربي ( طارق بن زياد ) ومن المفارقات النادرة  ان هذا القائد العظيم  بعد عبوره البحر من المغرب الى اسبانيا - من المضيق الذي يقع في فم البحر الابيض المتوسط  وكان يسمى مضيق ( اعمدة هرقل ) لان فيه كهف تكثر فيه الاعمدة الحجرية الطبيعية وتغير اسمه  الى مضيق( جبل طارق ) بعد عبوره وحتى هذه الساعة - احرق  كافة السفن التي اقلته هو وجنوده المقاتلين  بحيث اصبح الجيش الغازي امام امرين اما الفتح  والحياة  واما  الهزيمة و الموت المحقق فكان الجيش  العربي قاتل قتالا مريرا دفاعا  عن النفس قبل كل شيء اذ لا امل  له بالرجوع  والنجاة في حالة الانكسار و مستلهما من التضحية والجهاد في سبيل الله نبراسا لهم بحيث باعوا نفوسهم لله تعالى  :
 
(  ان الله اشترى  من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون )  سورة التوبة  الاية \ 111
 فكان النصر العظيم حليفهم .

       وغزت اللغة العربية بلاد الاندلس مع الفاتحين  وانتشرت بمرور الوقت لكثرة  من رحل من العرب او البربر الساكنين في شمال افريقيا  او العرب الذين هاجروا اليها لتصبح بعد فترة لغة سكان الاندلس  وما جاورها  فقد انتقل عدد كبير من العرب الى الاندلس بعد فتحها وتمركز الحكم العربي الاموي فيها وبالاخص من الشام ومصر وبلاد المغرب.

      ولما كان الشعر متأصلا في نفوس العرب وعواطفهم كغريزة فيهم   فقد عبر معهم البحر الى البلد الجديد وليجد مناخا  طبيعيا رائعا رائقا  لم  بجدوا مثله في البلاد التي قدموا منها حيث وجدوا الجمال و البهاء والخضرة الدائمة سواءا في الجبال او السهول او ضفاف الانهار الجارية وكثرتها مما اوقد  جذوة الشعر والثقافة في نفوسهم وافكارهم  فشعروا  بالهجة  والحياة الجديدة  وانتشر فيها الشعر الا انه طغت عليه الصفة  التقليدية العربية في البدء ثم بدء التاثر في المجتمع الاسباني والطبيعة الاندلسية الجميلة فتحولت الا ندلس الى جنة  الله  في الارض .

      افتخر العرب في بلاد الاندلس بانسابهم واحسابهم  كما كانوا في المشرق  وهاجرت معهم كل امورهم  حتى عصبيتهم القبلية  بين العدنانية والقحطانية  وانتشرت كما مدحوا اقوامهم وخلفاءهم  وامراءهم وهجوا اعداءهم  والمنافسين لهم فكان الشاعر الاندلسي  اول ذي بدء مقلدا للشاعر العربي في المشرق  ويحذو حذوه ويسيرعلى نسقه فقلد ابن زيدون في شعره ا لبحتري  وقلد ابن هانىء الاندلسي  المتنبي على سبيل المثال  وغيرهم كثير  .


     ظهر الشعر في  الأندلس في ظروف تختلِف  عنها في المشرق، ظروف تتَّصل بطبيعة الارض الأندلسية وتنوُّعها والعناية بمواطن جمالها، وأخرى متَّصلة بالتكوين  الثقافي والنفسي  للسكَّان، فلأوَّل مرة يلتقي العربي  مع  أجناس  مختلفة , قوطية و لاتينيَّة  وبربريَّة  ويهوديَّة  ومسيحية  وعلى أرض واحدة،  وتعايشت ابتداءا   تحت  سمائها  الأدْيان السماوية  الثلاثة:  الإسلام والمسحية واليهودية ، فكان في البدء  يسمع صوت المؤذن إلى جانب رنين أجراس الكنائس والبِيَع، وتتحدَّث العربيَّة إلى جانب الأمازيغية، والإسبانية  وفي مرور الزمن تبلورت في بوتقة واحدة لتكون العربية هي اللغة العامة لهذه البلاد وتذوب كل اللغات الاخرى فيها الا نادرا  وفي الاصقاع البعيدة  او في  البدان المجاورة او على  حدودها  وانشر الاسلام في كل اصقاعها الا ماندر.

      انتشر الشعر العربي في  بلاد الاندلس  بعد  ان دخل فاتحا  مع الفاتحين  العرب  وسار معهم  اينما  توجهوا  فبلغ  ايطاليا  وبحر الادرياتيك  ووصل الى جزيرة صقلية  وجزيرة مالطة بل وفي كل بقعة  او جزيرة في البحر الابيض المتوسط  وحتى سواحل الاطلسي الجميع تتكلم العربية وتكتب فيها واعتبرت العربية  اللغة الرسمية لهذه  البلاد وثقافتها وعلومها  وادابها  وخاصة  الشعر فازدهر في  كل مكان  صار اليه ووجد فيه  لجزالته  ورقة اسلوبه  ووضوح معانيه  وخاصة انه نظم في هذه الاصقاع  الجديدة  الغناء بين الخضرة الدائمة والجو اللطيف  وقد اكثرالشعراء من وصف هذه الديارالجديدة ورياضها  فهذا الشاعر
   ابن سهل الأندلسي  في  قصيد ته المشهورة بالرداء الأخضر يقول :

الأرض قد لبست رداءاًأخضـرا
                                                   والطـل ينثر في رباها جـوهرا

هاجت فخلتُ الزهر كافـورا بها
                                                 وحسبتُ فيها الترب مسكا أذفرا

وكأن سوسـنها يصافـح وردها
                                                    ثغر  يقبـل  منه  خـداً أحمـرا

والنهـر ما بين الريـاض تـخاله.
                                                      سيفا تعلق في نجـاد أخضرا

 و يقول الوزير ابن الحمارة الأندلسي:

لاحَتْ قُرَاهَا بَيْنَ خُضْرَةِ أَيْكِهَا  
                                                 كَالدُّرِّ  بَيْنَ  زَبَرْجَـدٍ  مَكْنُـون

ويقول الشاعر لسان الدين بن الخطيب في وصف غرناطة :

غِرْنَاطَةٌ   مَا   لَهَا     نَظِيرٌ  
                                                 مَا مِصْرُ مَا الشَّامُ مَا العِرَاقُ

  مَا هِيَ  إِلاَّ  العَرُوسُ  تُجْلَى
                                                 وَتِلْكَ   مِنْ  جُمْلَةِ  الصَّدَاقِ


ويقول  الشاعر ابن سفر المريني متغنِّيًا بالأندلس ومواطن الجمال فيها:

فِي  أَرْضِ   أَنْدَلُسٍ   تَلْتَذُّ   نَعْمَاءُ   
                                                وَلا  يُفَارِقُ  فِيهَا   القَلْبَ   سَرَّاءُ

وَلَيْسَ  فِي  غَيْرِهَا  بِالعَيْشِ  مُنْتَفَعٌ   
                                               وَلا  تَقُومُ  بِحَقِّ   الأُنْسِ   صَهْبَاءُ

وَأَيْنَ يُعْدَلُ عَنْ أَرْضٍ  تَحُضُّ  بِهَا    
                                              عَلَى    المُدَامَةِ     أَمْوَاهٌ     وَأَفْيَاءُ

وَكَيْفَ لا  يُبْهِجُ  الأَبْصَارَ  رُؤْيَتُهَا  
                                               وَكُلُّ رَوْضٍ بِهَا فِي الوَشْيِ صَنْعَاءُ

   أَنْهَارُهَا  فِضَّةٌ  وَالمِسْكُ   تُرْبَتُهَا 
                                                وَالخَزُّ   رَوْضَتُهَا  وَالدُّرُّ  حَصْبَاءُ  


     إنَّ السماحة التي ظلَّلت المجتمع الأندلُسي وبعده عن التعصُّب المقيت، لعِبت دورًا كبيرًا في خلق التَّعايُش والتَّجانُس بين سكَّان الأندلس، كان أثره المباشر على الشِّعْر الأندلسي       .

       لقد انتشر الشعر العربي  في الاندلس  حتى وصل الى منتهاه في الرقي  والتطور في  زمن  ظهور دول الطوائف  حيث ان كل امير جمع حوله الادباء  والشعراء  وبذلك حصل الشعر العربي في الاندلس  على مكانة عظيمة وثروة  ادبية  كبيرة  نتيجة هذا  التنافس  بين  الا مراء والشعراء  و الطبيعة  الخلابة التي بهرت الفكر العربي وبالاخص الشاعر  العربي  فابدع  فظهرت نتيجة هذا الابداع  معان جديدة واساليب جديدة  متطورة ومتمدنة  وظهر الموشح  في الشعر  والذي  لا يزال يعد  مفخرة من مفاخر الشعر العربي في الاندلس .

       مر الشعر الأندلسي بأطوار ثلاثة: فكان منذ الفتح حتى أوائل القرن الخامس الهجري يمثل شعر التقليد لأدب المشرق، ولم يكن التقليد عجزاً عن الابتكار، وإنما شعور بالانتماء إلى الأصل كشعر ابن عبد ربه، وابن هانئ وابن شهيد، وابن دراج القسطلي.              

      ونلاحظ في هذه الاطوار ان الاول  يمتدّ طيلة العهد الأموي و تستغرق نحواً من ثلاثة قرون.وفيها  الشعراء و الكتاب الذين ظهروا فى هذه الفترة كانوا شديدي الصلّة بأرض المشرق الّتي انطلقوا منها  ومنهم  العراقي  والحجازي ,والشامي  و اليمنى  وكلّ منهم  يحن إلى الربوع الّتي فارقها. فاذا الشعراء الأولّون يتّغنون بارض نجد و بلاد الشام و اليمن  و ينظمون  قصيدهم على نحو ما كان اهل الشرق ينظمون. و لقد  ظهر التقليد  فى كلّ شيءٍ, فى المعاني و الأساليب و الأخيلة و الصورالشعرية  و الموضوعات مثل المديح و الهجاء      
و الرثاء و الغزل و .....                                            .                                                               

       الا انه ظهر جيل اخر ترسم شعراءه خطى من سلفهم لأنّهم كانوا شديدي التأثر بهم و لم تكن الفترة الزمنيّة كافيّة لأنّ تجعلهم يذوبون فى البيئة الجديدة, فقد ظلوا يحسون انّهم غرباء, و ظلّت صلتهم بالمشارقة   و حنينهم الى مسقط رؤوس ابائهم حاضرة.  فنسجوا على منوالهم فى الاوزان و الأغراض و المعاني و الأساليب لكنّهم يقصرون عنهم تقصير المقلّد عن المبدع.  وكان ذلك واضحا فى شعر ابن هانئ الاندلس و ابن عبد ربه  و ابن درّاج  القسطلى بحيث كانت  مطالع  قصائدهم  غزليّة تقليديّة وفيها  وصف للطلول و الصحراء و خيام البدو وحتى الناقة .
      لكن ليس طبيعيّا أن يظلّ تقليديّا عدة قرون تقريباً, لولا أن شعراء الأندلس كانوا شديدي المحافظة على التقليد القديم, لشعورهم بالضعف حيّال المشارقة و لكثرة ما اهتدى اليه شعراء المشرق من وجوه الإجادة و الإبداع . فكان هولاء الأندلسيون   يحاولون تقليد ابي نواس و مسلم بن الوليد و ابي تمام و البحتري و  المتنبّي و سواهم من فطاحل الشعراء في المشرق العربي فى تلك الفترة من الزمن..
      و مما امتازت به هذه المرحلة أيضا النشاط اللغوي فقد بذ ر العرب الأولون القادمون من المشرق بذورها و تعهدها على سبيل المثال  ابو على القالي بالعناية  فتتلمذ  بعض الاندلسيين علي يديه  وتخرج على يديه لفيف من الأدباء و اللغويين امثال ابن القوطيّة  مّؤلف كتاب ( الأفعال) و ابن السيّد البطليوسى صاحب كتاب  (الأقتضاب) و أبي بكر الزبيدي صاحب كتاب ( أخبار النحويين)  وغيرهم كثير.
              اما الطور الثاني  وهو طور التجديد  وفيه  ادرك الأندلسيون خلالها شخصياتهم و تحقق لهم التأثر الفعلي بالبيئة الأندلسية وانماط الحياة فيها و تعمّقت جذورالثقافة العربية  فى أراضيهم. و هكذا ظهرت ملامح التجديد فى كلّ من الشعر و النثرعلى حد سواء من غيران يزول التقليد زوالاً نهائيّاً الا انّ تقليد الشعراء الاندلسيين للمشارقة المجددين هو ذاته لا يخلو من تجديد ولعل  أبرز مظاهر التجديد فى الشعر الأندلسي  بأنّ تلك الفترة  تتجلّى فى العناية بالشكل, وقد فهموا ان  الشعر عمليّة غنائيّة فنّية  فصرفوا اهتمامهم الى الموسقي و سهولة الألفاظ  و رشاقة التعبير و خفّة الوزن حتّى بات الشعر الأندلسي فى هذه المرحلة يمتاز عن الشعرالعربي في المشرق  بسهولة اللفظ  وأشراق الديباجة و قرب المتناول, بحيث   ان الأندلسيين بهذه الحقبة نسوا اوطان ابائهم و اجدادهم و راحوا يصفون بيئتهم وما فيها من خصب و جمال ونضارة  خضراء  و تعلّقوا بها تعلّقا زاده حدّة ما كانوا يلقونه من عيون تتفتّح على تلك الجنان و اطماع تمتدّ الى معاقل العرب فى الأندلس.  فكان الشاعر ينفعل اشدّ الأنفعال لمرأى الأرض الّتي ترعرع عليها و تكوّنت ذكرياته ايام الصبّا و الشباب بين حنايها فيغنيها  لسانه بغناء عذب رقيق فيصوّر مفاتن البلاد ومحاسنها                                                                  .
                                                            
        اما الطور الاخر اوالمرحلة الثالثة  فهي مرحلة التجديد  وتعني المرحلة الأخيرة من نهضة الشعر الأندلسي, حيث بلغ فيها  ذروته. وفيها تحررالشعرالاندلسي  من تقليد الشعر في المشرق العربي كل التحرر, وصارت له اساليبه وفنونه  الخاصة به والمستمدة من الحياة الاندلسية الخالصة, كشعر الموشحا ت  ورثاء المدن  و الشعر الغنائي, والاستنجاد وكل فنون الشعر  الاخرى …                                           

     أنَّ  اكتمال الشَّخصيَّة  الشعرية  الأندلسيَّة  لم  يؤدِ ّ إلى إثبات الوجدان الأندلسي المستقل فحسب؛  بل ساهم  بشكْلٍ  كبير  في ظهور إبداع أندلسي أصيل  شهِدته الأندلس، متمثِّلٍ في الموشَّحات والزَّجل، باعتبارهما  فنَّين  جديدين  في الشعر  الاندلسي  ثم العربي ، فهما يعدان  من  ثمار التطور الأندلسي.

      وقد صور الشعراء بيئتهم الرائعة ، وبرزت العوامل الأندلسية الذاتية كما في شعر ابن عبدون، وابن خفاجة، وابن سهل، وأبي البقاء الرندي، وابن خاتمة الأنصاري، ولسان الدين بن الخطيب، وابن زمرك، ويوسف الثالث ملك غرناطة، وابن فركون، وعبد الكريم البسطي.

     بسبب هذه محاكاة شعراء الاندلس للشعراء العرب في المشرق وتتبعهم أساليبهم ومعانيهم فقد تكنوا  باسمائهم  فقيل للرصافي ابن الرومي الأندلسي، ولابن دراج متنبي المغرب، ولابن هانئ الاندلسي متنبي الأندلس، ولابن زيدون بحتري الأندلس.

         وكانت ظاهرة الانتقاء من التراث من خصائص الأدب الأندلسي، فكانوا يضمنون  قصائدهم  أقوال الشعراء قبلهم  وأشعارهم وأمثالهم وكل ما صادف هوى في نفوسهم. ولقييت حركة التجديد صدى واسعا  مستحباً  في نفوس الأندلسيين، فلم  يتقيد أغلب الشعراء  بالاساليب الجاهلية او القديمة ومعانيها وأوصافها وقد نفروا من الألفاظ الوحشية  والغريبة عليهم  إلى الألفاظ المأنوسة الرقيقة، وكانت القافية الواحدة، وأوزان العروض الستة عشر ومثلها أكثر المعاني والأساليب المتوارثة في الشعر التقليدي في الأندلس .

        الاساليب الشعرية في الاندلس تتشابه مع الاساليب الشعرية في المشرق العربي  في بداية  تكوين الدولة الاندلسية  وتختلف عنها باختلافات بسيطة باختلاف شخصية الشاعر.

        وعلى العموم كان هناك اسلوب رصين ومتين بنى عليه الشعراء قصائدهم  دخلت عليه بعض من كلمات غريبة الا انه بقي جزل العبارة  فخم اللفظ  شديد سميك  البناء .

      الا ان الشعراء تاثروا  بالامم الغربية  بعد اطلاعهم على عاداتهم وتقاليدهم وتغيير البيئة  عليهم  والشعراء اول الناس يتغيرون ويتاثرون بمثل هذه الامور ويهيمون بمثل هذه الاشياء  فادى هذا التغير الى تطور اساليب الشعر  فتطور الاسلوب الشعري الغنائي اولا  وما ل الشعراء الى  التحرر من القيود الشعرية  والانطلاق منها   فكانت هناك  قصائد في الشعر  في الاسلوب السهل  والتفعلية القصيرة  او المشطورة  او قل قطعت تفاعيل الخليل الى النصف في بعض الاحيان  او الى الربع وحسب الحاجة  وموازنة  الموسيقى الشعرية  الغنائية  حيث  ظهر الموشح  في الشعر العربي  في الاندلس  واقتبسه  الغربيون  بعد  عشرات السنين  والموشح  موسيقاه  من الاوزان الشعرية  المألوفة في الشعر العر بي  توشحت اواخره اما  بقواف  ثنائية او ثلاثية  واما  بجمل  متحدة القافية  ومتوازنة المعنى .

       اما  اساليب الشعر العربي في الاندلس على العموم  سهلة رقيقة  مفهومة المعنى جعلت الشعراء  ينظرون  الى التقدم والتحضر والرقي   ويلقون بانفسهم في  مهاوي الحياة  السعيدة المؤطرة بالرفاهية  وسبل العيش الهني   ينشدون للحياة  المرفهة  بين الروضة والجنة  وبين الغنوة والرقصة واللحن الجديد او بمعنى اخر  ينشدون ما يبهج النفس  وفق ما املته الطبيعة الاندلسية الخضراء  فتركت هذه الطبيعة  ثروة شعرية ما زالت  تطوي الايام  وتقف  كالجبل الشامخ  في  وجه  كل الصروف الدهرية  والاحداث  الجسيمة  بقصائدها  العصماء التي هي من عيون الشعر العربي   ولا تستطيع ان تطويها الايام او تغير من مكانتها  الادبية والثقافية  رغم  مرور مئات السنين  .

       وعلى العموم فان الشعر الاندلسي  يتميز بميزات  كثيرة منها سهولة الالفاظ  وسلاسة التركيب ووضوح المعاني  كما ظهر في شعر الشعراء  وفي حركة التجديد  في الشعرالعربي  في بلاد الاندلس  مثل الموشح  وذلك لجمال الطبيعة الاندلسية  وسعة خيال الشعراء  بهذه الطبيعة وافتتانهم بها  فقد رق الشعر  وكثرت التشبيهات  البديعية والتوليدات الكلامية العجيبة فجاء ت قصائدهم رائقة التحلية  فائقة التورية بديعة  التنسيق.

        ومن المثير جدا  كثرة الشاعرات الاندلسيات  بالقياس الى عددهن في المشرق العربي  ومفاده ما تتمتع به المراة الاندلسية  من علم  ومعرفة وحرية شخصية   فمنهن  على سبيل المثال -  عائشة القرطبية وولادة ابنة  الخليفة المستكفي  وحسان التميمية و حفصة الحجازية  وحمدونة بنت زياد  وغيرهن كثير .

         وستبقى هذه القصائد وذلكم الشعراء يذكّروننا  ان  العرب  فتحوا بلاد الاندلس وعمروها واقاموا فيها حضارة عربية  لم تكن موجودة  في المجتمع الاوربي  كله  واصبحت هذه الحضارة  رافدا من روافد النهضة  الاوربية  الحديثة  وسببا من اسباب تقدم الانسانية في الماضي والحاضر والمستقبل .

         فالشعر  العربي في الاندلس ما هو الا امتداد للشعر العربي في المشرق  فقد تشابهت  معاني الشعر الاندلسي  اول الامر و معاني الشعر العربي   في جميع مناحي الحياة والا مور التي قيل فيها  فكأنه هو, فكان هناك  شعر عالى النشأة شريف المعاني  نشأ  بجانبه  شيء  من شعر المجون  والابتذال  والخلاعة  اوجدته  الطبيعة الاندلسية  الا انه قليل  وبمرور الوقت دخلت حركة التجديد الى الشعر الاندلسي كما  دخلته  في الشعر العربي المشرقي  و غالى الشعراء في المدح  الى  حد  ان  اتوا بالمستحيل  وغير المأتي  به  في وصف الممدوح في المشرق غير انه بعد الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد وتمركز الحكم فيها  واحساس الشعراء بتغيير البيئة والمجتمع  انعكس ذلك في شعرهم  فرق  ولطف  وابتعدوا عن البدوية التي  كانوا عليها الى شعر  محدث جديد   وكان  للطبيعة ومشاهدها الجميلة الحضور العظيم في الشعر العربي  الاندلسي  فتبدلت الطبيعة الصحراوية الجافة بطبيعة خصبة  خضراء قد افاض عليها الله  كل نعم  الحياة و الجمال  وحباها   بما شاء من  خير ونعم  بين الخضرة  وواريج الورود  وظلال وارفة وطبيعة غناء تسر الناظرين وتفتح القلوب وتبهج النفوس مقرونة  بالجمال الخلاب لينشد الشاعر قصيدته  فيها بل هي القصيدة ذاتها .

       وكان  لاتصال العرب  بالغرب  نتيجة هذا الفتح المبارك  وتطلعهم  على عاداتهم وتقاليدهم  ان اثر هذا في تقدمهم  فكان الشعر الاندلسي  رقيق الحواشي رفيع المعاني رقيق الشعور الشعري  عذب الالفاظ جميلها واضحة  البيان في تعبيرها  .

          كل ذلك ظهر في الشعر العربي في الاندلس  حتى تطور في معانيه وفي كل  ما لبسه من اثوا ب قشيبة وحلل ناعمة رقيقة فكان الشعر الموشح  الجديد في الشعر العربي  وكذلك ظهور شعر الزجل   تبعا لما اقتضته طبيعة المجتمع هناك و حاجته الى ايجاد فن  الغناء وموسيقى  تنسجم معه .

         فترنم الشاعر  الاندلسي  بكل مايحس به  وما تفرضه عليه  ظروف الحياة الحلوة الجميلة  التي يعيشها  والطبيعة الغناء  من ابتكار في المعاني ورقتها  وانتقاء الكلمات الخفيفة الرقيقة في النفس  والخيال الواسع  والتاثير  في الاخرين . ونتج عن هذا التطور الكبير  التجديد في الشعر في قصيدته واسلوبه ومعانية وفنونه  وايجا د نوع  جديد  من الشعر اسموه ( الموشحات) واخر اسمونه ( الزجل )  وسناتي  عليها  جميعا بايجاز.

      فالموشح فن من فنون  الشعر العربي استحدثه الاندلسيون بدافع الخروج على نظام القصيدة و على النهج القديم  وانسجاماً مع روح الطبيعة الجديدة كونه اقرب اندماجاً في تنوع الموسيقى الشعرية في التلحين والغناء.

        والموشح  فن جميل  من فنون الشعر العربي اتخذ قوالب بعينها في نطاق تعدد الأوزان الشعرية وقد اتسعت الموشحات وتطورت لتشمل كل موضوعات الشعر وأغراضه وقد عرف  ابن سناء الملك الموشح فقال :
( الموشح كلام منظوم على وزن مخصوص وهو يتألف في الأكثر من ستة أقفال وخمسة أبيات ويُقال له التام، وفي الأقل من خمسة أقفال وخمسة أبيات ويُقال له الأقرع، فالتام ما ابتدئ فيه بالأقفال، والأقرع ما ابتدئ فيه بالأبيات).

      وقيل سمي موشحاً لأناقته وتنميقه تشبيهاً له بوشاح المرأة في زركشته وتنسيقه . فالموشحا ت سميت بذلك لأن تعدد قوافيها على نظام خاص جعل لها جرساً موسيقياً لذيذاً ونغماً حلواً تتقبله الأسماع، وترتاح له النفوس،وقد قامت القوافي فيها مقام الترصيع بالجواهر واللآلئ في الوشاح فلذلك أطلق عليها (الموشحات) أي الأشعار المزينة بالقوافي والأجزاء الخاصة، ومفردها موشح  وتعني انها منظومة موشحة أي مزينة  ولهذا فلا يقال قصيدة موشحة لأن لفظ القصيدة خاص بالشعر المنظوم في البحور الستة عشر المعروفة .

     و قد نشأت الموشحات في الأندلس أواخر القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) وكانت نشأتها  في الفترة التي ازدهرت فيها الموسيقى وشاع الغناء من جانب،وقوي احتكاك العنصر العربي بالعنصر الاسباني من جانب آخر،فكانت نشأتها استجابة لحاجة فنية  حيث،أن الأندلسيين كانوا قد أولعوا بالموسيقى وكلفوا بالغناء منذ أن قدم عليهم زرياب وأشاع فيهم فنه . والموسيقى والغناء إذا ازدهرا كان لازدهارهما تأثير في الشعر أي تأثير، وقد اتخذ هذا التأثير صورة خاصة في الحجاز والعراق حين ازدهر فيهما الغناء والموسيقى في العصر الأموي ثم العصر العباسي، وكذلك اتخذ هذا التأثير صورة مغايرة في الأندلس حين ازدهر فيها الغناء والموسيقى فيظهر أن الأندلسيين أحسوا بقلة انسجام القصيدة الموحدة إزاء الألحان المنوعة، وشعروا بجمود الشعر في ماضيه التقليدي الصارم أمام النغم في حاضره التجديدي المرن، وأصبحت الحاجة ماسة إلى لون من الشعر جديد يواكب الموسيقى والغناء في تنوعها واختلاف ألحانها ومن هنا ظهر هذا الفن الشعري الغنائي الذي تتنوع فيه الأوزان وتتعدد القوافي، والذي تعتبر الموسيقى أساساً من أسسه فهو ينظم ابتداء التلحين والغناء ونتيجة لظاهرة اجتماعية .

     و كذلك  جاءت نتيجة لظاهرة اجتماعية حيث أن العرب امتزجوا بالأسبان، وألفوا شعباً جديداً  من العرب و الاسبان وكان من مظاهر الامتزاج أن عرف الشعب الأندلسي العامية اللاتينية كما عرف العامية العربية، أي أنه كان هناك تزاوج لغوي نتيجة للازدواج العنصري.

      واول من اخترع فن التوشيح الأندلسي مقدم بن معافى القبري،ثم ياتي بعده  اسم أحمد بن عبد ربه صاحب ( العقد الفريد)  ، أما المؤلف الفعلي لهذا الفن كما أجمع المؤرخون فهو أبو بكر عبادة ثم الأعمى التطيلي كبير شعراء الموشحات، وابن باجه الفيلسوف الشاعر ، ولسان الدين بن الخطيب .

     اما في  بلاد  المشرق فكان الفضل لابن سناء الملك المصري في ذيوع  فن الموشحات في مصر والشام وهو صاحب الموشح المعروف  :

    كللي يا سحب تيجان الربى بالحلى
                                     و اجعلي  سوارها  منعطف  الجدول


      ويتكون الموشح  من أجزاء ولكل جزء من هذه الأجزاء اسم يميزه عن غيره ولمعرفة هذه الاجزاء  نقوم بتحليل هذه الموشح القصير لابن مهلهل في وصف  الطبيعة ً:


      ( النهر سلّ حساما                     على قدود الغصون 
       
                                وللنسيم مجال
                                والروض فيه اختيال      
                                 مدّت عليه ظلال

        والزهر شقّ كماما                     وجداّ بتلك اللحون

                          أما ترى الطير صاحا
                           والصبح في الأفق لاحا
                           والزهر في الروض فاحا

       والبرق ساق الغماما                 تبكي بدمع هتون  )

 فنجد  انه يتكون  كما يلي :

1. المطلع:   اصطلاح يطلق على مطلع الموشح الذي يتكون عادة من شطر أو شطرين أو أربعة أشطر وهو هنا في موشح ابن مهلهل يتكون من قسمين أو شطرين أو غصنين:            
 
         النهر سلّ حساما                     على قدود الغصون

      وقد تختلف قافية الغصنين كما هو الحال في المثال السابق،وقد تتفق كما هو الحال في إحدى موشحات ابن زهر:

فتق  المسك     بكافور  الصباح
و وشت بالروض أعراف الرياح

2. الدور: وهو مجموعة الأبيات التي تلي المطلع، ، ويتكون الدور من مجموعة من الأقسمة لا تقل عن ثلاثة وربما تزيد عن ثلاثة بشرط أن يتكرر بنفس العدد في بقية الموشح وأن يكون من وزن المطلع ولكن بقافية مختلفة عن قافيته وتلتزم في أشطر الدور الواحد. والدور في الموشح موضع التمثيل هو:

                وللنسيم مجال
                والروض فيه اختيال
                مدت عليه ظلال

3. السمط: هو كل شطر من أشطر الدور،وقد يكون السمط مكوناً من فقرة واحدة كما  في هذا الموشح  ،وربما يتألف من فقرتين.

4. القفل: هو مايلي الدور مباشرة ويسمّى أيضاً مركزاً، وهو شبيه بالمطلع في الموشح التام من جميع النواحي أي أنه شبيهه في القوافي وعدد الأغصان وليس الموشح مشروط بعدد ثابت من الأقفال. والقفل هنا  هو:
                والزهر شق كماما                وجداً بتلك اللحون

5. البيت:وهو في الموشحة غيره في القصيدة ، فالبيت في القصيدة معروف أما في الموشحة فيتكون البيت من الدور مضافاً إليه القفل الذي يليه وعلى ذلك فالبيت في موشحنا هو:
                      وللنسيم مجال  
                      والروض فيه اختيال
                       مُدّت عليه ظلال
                   والزهر شق كماما           وجداً بتلك اللحون

6. الغصن: هو كل شطر من أشطر المطلع أو القفل أو الخرجة وتتساوى الأغصان عدداً وترتيباً وقافية في كل الموشحة وقلّما يشذ الوشاح عن هذه القاعدة، وأقل عدد للأغصان في مطلع أية موشحة ـ وبالتالي في الأقفال والخرجة ـ اثنان، وكما سبق القول يجوز أن تتفق قافية الغصنين ويجوز أن تختلف، على أنه من المألوف أن تتكون أقفال الموشحة من أربعة أغصان مثل موشح لسان الدين:


         جادك الغيث إذا الغيث همى   
                                     يـازمــان الـوصـــل بالأنـدلــس 
       
         لم يـكـــن وصــلك إلا حـــلـــماً
                                         في الكرى أو خلسة المختلس

7. الخرجة: هي آخر قفل في الموشح قفل بكل شروطه، تقع في آخر الموشح و تشكل مع مايسبقها من أقفال أجزاء أساسية في بناء الموشح و لولا الأقفال والخرجة لا يمكن أن تسمى المنظومة موشحاً.

والخرجة خرجتان :
    خرجة معربة وهي التي تكون فصيحة اللفظ بعيدة عن العامية.
و خرجة رجلية أي عامية أو أعجمية  الألفاظ  وهي  المفضلة  او المستحسنة.

      استخدم الوشاحون كل موضوعات الشعر المألوفة ميادين لتواشيحهم وقد وجدت موشحات في جميع الأنواع  فاول هذه الموشحات هي الموشحات الغزلية ثم الخمرية ثم موشحات في وصف الطبيعة وكثيراً ما كانت تتشابك هذه الموضوعات وتشترك كلها في موشحة واحدة فمن أشهر الوشاحين الغزلين (الأعمى التطيلي ) فوموشحته هذه تعتبر مثلاً أعلى لفن الموشحات في الأندلس  يقول :

            سافر عن  بدر
          ضاق عنه الزمان         وحواه صدري

          آه مــــــــما أجـــد       
           شفني ما  أجـد

          قــــام بي وقـــــعـد                  
          باطــش متئــــد

          كــلمـــــا قلت قد     قال لي أين قد

          وانـثنى خوط بان      ذا مهـز نضير
         عـــابثــــتــــه يــــدان    للـصبا والقطر


اما  الموشح الخمري  فلا تختلف مواضيعه عن معانيها في القصيدة الشعرية في الخمر  واشهر شعراء الموشحات الخمرية  ابن بقي القرطبي الاندلسي  فيقول :

أدر لـــنــا أكــــــــواب
ينسى به الوجـد
واستصحب الجلاس
كما اقتضى العهد

دن بالهــــوى شرعاً
ما عشت ياصــــاح
ونـــــزّه الســــمـــعـــا
عن منطق اللاحي
والحـــــكم أن يدعى
إليـــك بـــــالــــراح

أنامــــل العــــنـــــاب
ونقلك الورد
حفا بصــدغي آس
يلويهــــما الخد

   ويعجبني هذا الموشح الرائع لابن المعتز الشاعر العباسي في المشرق والذي  كان المغنون  يتغنون  به  الى وقت قريب .


ياحلو  يااسمر      غنى بك  السمر
رقوا ورق الهوى    في كل ما صوروا

---------------------

ما الشعر ماسحره    ما الخمر ماالسكر
يندى على ثغرك      من انفاسك العنبر

--------------------------

والليل يغفو على        شعرك او يقمر
انت  نعيم الصبا       والامل   الاخضر
ما لهوانا  الذي        اورق      لا يثمر

-------------------------

قد كان من  امرنا    ماكان هل يذكر
نعصر من ر وحنا    اطيب ما  يعصر

----------------------------

نوحي الى الليل     ما يبهج او يسكر
نبنيه   عشا  لنا       ياحلو يا  ا سمر

------------------------------------


         اما  الموشح الخمري  فلا تختلف مواضيعه عن معانيها في القصيدة الشعرية في الخمر  واشهر شعراء الموشحات الخمرية  ابن بقي القرطبي الاندلسي  فيقول :

أدر لـــنــا أكــــــــواب
ينسى به الوجـد
واستصحب الجلاس
كما اقتضى العهد

دن بالهــــوى شرعاً
ما عشت ياصــــاح
ونـــــزّه الســــمـــعـــا
عن منطق اللاحي
والحـــــكم أن يدعى
إليـــك بـــــالــــراح

أنامــــل العــــنـــــاب
ونقلك الورد
حفا بصــدغي آس
يلويهــــما الخد


         اما  موشحات وصف الطبيعة  الاندلسية الرائعة  الخلابة  فمن افضلها  موشح  الوزير  الشاعر  ابي جعفر  احمد بن سعيد  وفيها وصف الروض ووصف النهر الذي خلع عليه الوزير الوشاح الألوان البهيجة حين سلّط شمس الأصيل على ماء النهر  المفضض وجعل منه سيفاً مصقولاً يضحك من الزهر في الأكمام، ويبكي الغمام، وينطق ورق الحمام، ويصف أيضاً جمال الحور وفتنة الروض فتوحي بالشراب فيمد الشاعر أو الوشاح الأندلسي بالغزل فيقول فيها :

          ذهبت شمس الأصيل         
          فضة النهر
                             أي نهر كالمدامة
                             صيّر الظل فدامه
                             نسجته الريح لامه
                             وثنت للغصن لامه
          فهو كالعضب الصقيل         
       حف بالشـفـــر
                             مضحكاً ثغر الكمام
                             مبكــياً جفن الغمام
                             منطقاً وِرق الحمام
                             داعــــياً إلى المدام
          فلــــهذا بالـــقـــبــــول          
         خط كالسطـــر
                             وعد الحب فـــأخــــلــــف
                             واشتهى المطل وسوّف
                             ورســـــــولي قد تعرّف
                             منـــــــه بما أدري فحرف
          بالله قل يارسولي                  
          لش يغب بدري

         كما ان  هناك موشحات ظهرت في المديح والفخر  والهجاء والرثاء  والتصوف والحكمة و كثير من  الاغراض  اتجاوز عن ذكرها  خشية الاطالة .

      فالموشح والزجل قد ظهرا في وقت واحد ونرجح أن لهما أصلاً مشتركاً في البيئة الأندلسية منذ عهودها  الاولية  فالزَّجل هو الموشَّح المنظوم باللغة العاميَّة والزجل  فن من فنون الشعر العربي  ظهر في الاندلس فهو وليد البيئة الأندلسية  ثم تسرب او خرج إلى البيئات العربية الأخرى و انتشر فيها ويعتبر الشاعر  أبو بكر بن قزمان الذي عاش في عصر المرابطين بالأندلس هو أول من أبدع في فن الزجل  الا انه لم يكن أول من قال فيه ، بل قيلت  الأزجال  قبله بالأندلس   فهناك عدد من شعراء الأندلس من تقدموا  أبا بكر ابن قزمان  في القول فيه  و لكن هؤلاء الشعراء لم يبلغوا ما بلغه ابن قزمان  فيه .

        فالزجل نشأ  أصلا في بيئة  أندلسية  ثم انطلق  منها  إلى بيئات عربية أخرى لذا فقيمته  الحقيقية تكمن في ما استمده من واقع الحياة الشعبية العامة متمثلا في الجديد من معانيهم و حكمهم و أمثالهم ، و مبتكراتهم وتشبيهاتهم و غيرها من أنواع مجاز الكلام  و فيما شاع من مألوف ألفاظهم و صيغهم  العامية ،فهو  يمثل  تصوير لحياتهم العامة  بافراحها  واتراحها  وبجدّها و هزلها و همومها  وعلى العموم  فهو يعد فن من فنون  الادب  الشعبي .

        والاصل  في الزجل انه درجة معينة  من درجات شدة الصوت  وهي الدرجة الجهرية  ذات الجلبة والاصداء  مثل صوت  الرعد  في السحاب او صوت  الاحجار  والحديد وكل جماد ذي صوت  ثم تغيرت  فاصبحت تعني اللعب والجلبة والصياح  ثم توسع  ليشمل اصوات المغنين  والمطربين .ومعنى الصوت العالي المُنَغَّم  و كلمة زجَّالة ما زالت تُطلق  في كثير من المناطق العربية  على جماعة الشباب الذين يجتمعون في مكان بعيد ليؤدُّوا الرقص  والغناء الصاخب بمصاحبة آلاتهم الموسيقية . واصبحت كلمة زجل في الدوائر الأدبية والغنائية مُصطلحًا يدل على شكل من أشكال النظم العربي .

       وينقسم الزجل  الى قسمين  الاول  زجل العامة  وهم عامة الناس  ويمثل الاغنية الشعبية المحلية  وتنبع تلقائيا لديهم  من وحدة حدث معـين او  حالة  يتغنى بها المرء  وفتشيع ويرددها الاخرون افرادا او جماعات   او  قد تحدث  خلال  تجرية شخصية  او من خلال حدث عام  فهو بمثابة الاغنية الشعبية الرائعة والاكثر شيوعا وغنائية .

          اما  الزجل الاخر  فهو زجل  الشعراء  المعربين  فيبدو أنه جاء بعد نشأة  زجل العامة ، و لعل  الشعراء الذين  حاولوا اداء هذا النوع من الزجل قبل عصر ابن قزمان كانوا مدفوعين إليه بالرغبة في أن تنتشر أزجالهم المصطنعة بين الطبقات المثقفة كنوع من الطرافة أو بالرغبة في أن يعرف لدى العامة معرفتهم لدى الخاصة ، و ذلك بوضع أزجال لهم يتغنون بها و لكن هؤلاء الشعراء المعربين ممن اصطنعوا الزجل اصطناعا لم يستطيعوا في مراحله الأولى أن يتخلصوا فيه من الإعراب،  و هذا ما عابه عليهم ابن قزمان حين قال، أنهم يأتون بالإعراب ، و هو أقبح ما يكون في الزجل  وقد شهد ابن قزمان للشيخ  اخطل بن نماره  واعتبره شيخ الزجالين  بسبب  سهولة زجله وسلاسة طبعه و إشراق معانيه، و ومقدرته  على  التصرف بأقسام الزجل  و قوافيه  افضل من   غيره .

         والزجل في تطوره يمثل الأغنية الشعبية التي تأثرت إلى حدّ ما ببعض أشكال الموشحات  وقد شهد الزجل في  القرن السادس  أي نهاية المرابطين في الأندلس  طفرة نوعية  وانتشارا واسعا حيث كان بعض ملوك المرابطين لا يتقنون اللغة العربية  وانعكست  هذه الحالة  على  شعراء القصائد و الموشحات  حيث لم يلقوا تشجيعا من هؤلاء  الملوك والامراء فاشتهر الزجل في هذا القرن  الا انه لايغيب عن بالنا ان الضعف والوهن اخذ ينخر  في هذا المجتمع العربي وبدات تتساقط مدن الاندلس  بعد هذا القرن  بيد الاسبان واحدة بعد اخرى .

       اما  موضوات الزجل فهي نفسها  اغراض  اوفنون  الموشحات الاندلسية  مثل  الغزل  والمدح والخمرة ووصف الطبيعة ، و المجون     و التصوف و غير ذلك من فنون الشعر التقليدية المعروفة

        وبنية  الزجل  ياتي  بأربعة  مصاريع، يلتزم  الرَّابع  منها رويًّا واحدًا  في القصيدة،  وأمَّا  الثَّلاثة  فتكون على قافية واحدة،
 وتسمَّى ( القراديات )  ومن الزجل هذه المقطوعة :

              فلا  بثقهم ينسد        ولا  نهرهم يجري
                خلو ا منا زلهم      وساروا مع  الفجر


         ولاتختلف  الفنون الشعرية او اغراضها في  بلاد الاندلس عن مثيلاتها في  المشرق العربي  او مغربه في شمال افريقيا الا قليلا وحسب متطلبات الموقع  والزمن  المعاش   وفي كل انواع الشعر  كالشعر التقليدي  او الموشح او الزجل  ومن اشهر  الفنون الشعرية الاندلسية هو فن  المدح  حيث انتقل مع العرب  الى  تلك البلاد   فقد تمجد الشعراء العرب في الاندلس  بانفسهم وانسابهم  وبالاخص عندما اشتدت  المنازعة  بين القبائل العدنانية والقحطانية في المشرق  وانتقال هذه المنازعة الى الاندلس وانشغال الناس بها في هذا البلد ايضا . ومن اشعر ما قيل   في المدْح   ما قاله الشاعر لسان الدين بن الخطيب في مدح  المعتمد بن عباد  في موشح  نادر  مطلعه :

         جَادَكَ الغَيْثُ إِذَا الغَيْثُ هَمَى     
                                   يَا  زَمَانَ   الوَصْلِ   بِالأَنْدَلُسِ

       لَمْ  يَكُنْ   وَصْلُكَ  إِلاَّ   حُلُمًا     
                              فِي الكَرَى أَوْ خِلْسَةَ المُخْتَلِسِ

       وكذلك رائيَّة أبي بكر بن عمَّار في مدح المعتمد بن عباد  حيثُ استهلَّها بمدخل رائع  لوصف الطبيعة الاندلسية   يقول فيه:

أَدِرِ  الزُّجَاجَةَ  فَالنَّسِيمُ   قَدِ   انْبَرَى   
                                             وَالنَّجْمُ قَدْ صَرَفَ العِنَانَ عَنِ السُّرَى

 وَالصُّبْحُ   قَدْ   أَهْدَى   لَنَا   كَافُورَهُ    
                                           لَمَّا    اسْتَرَدَّ    اللَّيْلُ    مِنَّا    العَنْبَرَا

ثم ينتقل بعد وصْف الطبيعة إلى مدح الامير المعتمد قائلاً:

أَثْمَرْتَ رُمْحَكَ مِنْ رُؤُوسِ مُلُوكَهُمْ  
                                                لَمَّا  رَأَيْتَ  الغُصْنَ   يُعْشَقُ   مُثْمِرَا

وَصَبَغْتَ دِرْعَكَ مِنْ دِمَاءِ  مُلُوكِهِمْ  
                                                  لَمَّا  رَأَيْتَ  الحُسْنَ  يُلْبَسُ   أَحْمَرَا

وَإِلَيْكَهَا  كَالرَّوْضِ   زَارَتْهُ   الصَّبَا  
                                                وَحَنَا   عَلَيْهِ   الطَّلُّ    حَتَّى    نَوَّرَا

            اما  الهجاء  فلَم تكُن  له سوق رائجة في بلاد الأندلس ولا سيما الهجاء السياسي وذلِك لقلَّة الأحزاب السياسيَّة وعدم وجود الشعوبية وقد تميز عند بعض شُعَراء الأندلس بالتطرُّف والقسْوة،فهذا ابن حزمون مثلاً حين هجا نفسَه  هجاها بقسوة  لامثيل لها ويذكرني بهجاء الحطيئة لنفسه ويقول في ذلك :    

تَأَمَّلْتُ  فِي  المِرْآةِ  وَجْهِي   فَخِلْتُهُ      
                                    كَوَجْهِ  عَجُوزٍ قَدْ  أَشَارَتْ  إِلَى اللَّهْوِ
 إِذَا شِئْتَ أَنْ  تَهْجُو  تَأَمَّلْ  خَلِيقَتِي     
                                     فَإِنَّ  بِهَا   مَا  قَدْ  أَرَدْتَ  مِنَ  الهَجْوِ

      والغزل  كان من اهم الفنون الشعرية التي توسعت في الاندلس  وقال فيه الشعراء  الكثير الكثير من الشعر  وكان  يؤثر على الشعراء   الطبيعة الجميلة  والحياة الناعمة  وغالبا ما يتداخل الغزل بوصف الطبيعة  كقول الشاعر  ابي الربيع الموحدى:

      لِرَكْبٍ     أَدْلَجُوا      بِسُحَيْرَةٍ    
                                                     قِفُوا سَاعَةً حَتَّى  أَزُورَ  رِكَابَهَا
       وَأَمْلأَ عَيْنِي مِنْ مَحَاسِنِ وَجْهِهَا    
                                                     وَأَشْكُو إِلَيْهَا إِنْ أَطَالَتْ  عِتَابَهاَ


     و يمتاز  الغزل الاندلسي  برقة الاسلوب  وجمال المعنى وقد انشد  او اشعر  فيه اغلب  بل  كل الشعراء العرب  في الاندلس  وتفننوا  فيه  وكانت المرأة صورة من محاسن الطبيعة، والطبيعة تجد في المرأة ظلها وجمالها، ولذا كانت الحبيبة روضاً وجنةً وشمساً، وهكذا كانت العلاقة شديدة بين جمال المرأة وبين  جمال  الطبيعة فلا تُذكر المرأة إلا وتُذكر الطبيعة  في وصف الحبيب  ووصف  لوعات الشعراء  وهواهم اليه 
ومن شعر ابن زيدون في الغزل مخاطبا حبيبته  ولادة ابنة الخليفة المستكفي  يقول :

  اني ذكرتك بالزهراء  مشتاقا
                                 والافق طلق  ووجه الارض قد را قا

 يوم  كايام لذات  لنا انصرمت
                                بتنا لها  حين  نام    الد هر    سراقا 

        اما الرثاء فقد قلد شعراء الاندلس شعراء المشرق فيه  وتفجعوا على الميت  ووصفوا المصيبة  الواقعة  وعددوا مناقب المرثي  ومن  ذلك قول الشاعر  ابن حزمون  في رثاء  ( ابي الحملات )  قائد الاعنة  في مدينة ( بلنسية )  وقد قتله نصارى ا لاسبان :
   يَا عَيْنُ بَكِّي السِّرَاجْ الأَزْهَرا ...   النَّيِّرَا  اللامِعْ
   وَكَانَ   نِعْمَ  الرِّتَاجْ  فكُسِّرَا ... كَيْ تُنْثَرَا مَدامِعْ

   وقد  تميز الرثاء  بشدة لوعته وصدق العاطفة فيه ومنه قول الشاعر الحصري في رثاء ابيه:

 ارى نير الايام   بعد   ما   اظلما
                                           وبنيان مجدي  يوم  مت  تهدما

وجسمي الذي ابلاه فقدك  ان  اكن
                                             رحلت  به فالقلب  عندك خيما

سقى الله  غيثا  من تعمد  وقفة
                                              بقبرك  ما استسقى له وترجما

وقال سلام  والثواب  جزا ء من
                                              أ لم  على  قبر الغريب    فسلما

          كما وجد نوع اخر من الرثاء  هو رثاء الممالك والمدن  الذَّاهِبة، فكان أكثر روْعة من رثاء الشُّعراء في المشرق  فقد هالَ الشعراء  ان يَرَوا ديارَهم تسقط  بلدة بعد أُخْرى في أيدي الأسبان فبكَوْها بكاء الثَّكالى وتفجعوا عليها تفجع من فقد اولاده ومن احبهم   ومن أشهر ما قيل في هذا الضَّرب من الرثاء ( راجع مقالتي  رثاء الاندلس ) قصيدةُ أبي البقاء الرندي  التي يرْثِي فيها الأندلس بأسرها، ومطلعها:

لِكُلِّ شَيْءٍ إِذَا  مَا  تَمَّ  نُقْصَانُ   
     فَلا يُغَرَّ  بِطِيبِ  العَيْشِ  إِنْسَانُ
  ومنها هذه الابيات  يقول :
دهـى الـجزيرة أمرٌ لا عزاءَ له
                                                        هـوى لـه أُحـدٌ وانـهدْ ثهلانُ
أصابها العينُ في الإسلام فارتزأتْ
                                                       حـتى خَـلت مـنه أقطارٌ وبُلدانُ
فـاسأل(بلنسيةً) ما شأنُ(مُرسيةً)
                                                      وأيـنَ(شـاطبةٌ) أمْ أيـنَ (جَيَّانُ)
وأيـن (قُـرطبة)ٌ دارُ الـعلوم فكم
                                                     مـن عـالمٍ قـد سما فيها له شانُ
وأين (حْمص)ُ وما تحويه من نزهٍ
                                                    ونـهرهُا الـعَذبُ فـياضٌ وملآنُ
قـواعدٌ كـنَّ أركـانَ الـبلاد فما
                                                  عـسى الـبقاءُ إذا لـم تبقَ أركانُ

          اما  الوصف وما ادراك  ما الوصف في بلاد الاندلس  فقد توسع شعراء العربية في الاندلس  فيه وتاثروا بطبيعة البلاد الخصبة الخضراء الجميلة الموارد .. ومناظرها الفاتنة الساحرة بين الجبال العالية والوديان الفارهة  الغناء الوارفة الظلال روعة وجمالا تلك التي تفتح النفوس لتتيه الارواح  سادرة في ظلالها و لتغني القلوب فتطرب الافئدة وتغني لتشنف الاذان بالحانها  وتحدق العيون  بروعتها  بسناء ازاهيرها  فتطيرالقلوب فيها  كالفراشات  الملونة  فتمتلىء  بنور الحب  واشراق  الزهر وعبق الشذى وخفة النسيم  وتفننوا في الوصف و تعلّق الشاعر الأندلسي ببيئته الطبيعية وهيامه بها  هياماً  مبالغا ً بلغ حدّ الحلول، إذ إن الطبيعة  شكّلت حضوراً في معظم إبداعاته الفنيّة حتى تشظّى معجمها في مختلف الفنون وبلغ هذا التمازح بين الشاعر والطبيعة مرتبة  التشخيص   ويعد وصف الطبيعة الا ندلسية من جيد الوصوف الشعرية في اللغة العربية وروعتها
    منها قول الشاعر ابن خفاجة يصف روضة :-

    في روضة جنح الدجى  ظل بها
                                            وتجسمت  نو را  بها الانوا ر

   قام الغناء بها وقد نضح الندى
                                         وجه  الثرى  واسيتيقظ   النوا ر

  والماء في حلي الحباب  مقلد
                                      زرت  عليه   جيوبها    الاشجا  ر


وصقـيلة الأنوارِ تلـوي عِطـفَها         
                                                   ريحٌ  تلفّ  فروعـها  معـطار

عاطـى بها الصهباءَ أحوى أحورٌ      
                                                سَحّابُ  أذيال  السّـُرى   سحّار

والنَّورُ عِقدٌ والغصـونُ سـوالفٌ      
                                                والجذعُ   زَندٌ  والخـليج  سوار

بحديـقة مثـل اللَّمـى ظِلـاَّ بـها         
                                                وتطـلعت   شَنَبا  بها   الأنـوار

رقص القضيبُ بها وقد شرِبَ الثرى  
                                                  وشـدا   الحمامُ  وصَفَّق التيار

غَنّاء ألحَـفَ عِطفَـها الوَرَقُ النّدي    
                                                  والتـفّ  في  جَنباتها  النـوّارُ

فَتطـلّعت في كل مَـوِقع لحـظةٍ    
                                               من كل غُصـنٍ  صَفحةٌ  وعِذارُ

            وهناك اغراض اخرى غير هذه الاغراض اذ قال الشعراء في  الخمرة كثيرا  و في الزهد  وفي نظم الملاحم  والاحداث  والقصص  وفي  كل ما وقعت عليه اعين الشعراء  وهاموا به في هذه الارض ذات الطبيعة الخصبة ذات الرياض الرائعة التي لم ير العرب  اجمل منها  في بلادهم عامة



      ********************************************










ا بن زيدون المخزومي

امير الشعراء الاندلسيين



         هو ابو الوليد  احمد  بن عبد الله بن احمد بن غالب  بن زيدون  المخزومي .

      ولد في جانب الرصافة من  مدينة  قرطبة بتاريخ  الاول من رجب سنة\ 394 هجرية \ الخامس من ابريل (نيسان)  سنة 1003 ميلادية  وكانت قرطبة انذاك عاصمة البلاد  ومنارة ا لعلم والادب والثقافة . نشأ في مدينة الرصافة وهي جزء من قرطبة ومجاورة لها وقد بناها عبد الرحمن الداخل  عندما دخل الاندلس وحكمها  وتعلم علومه الأولى بها

         مات والده وهو فتى صغير فكفله جده وتولى تربيته وأكمل تعليمه في قرطبة فدرس الشعر والادب العربي حتى برع فيه وتمرس عليه  وهو من أسرة من فقهاء قرطبة من بني مخزوم ، أبوه فقيه من بني مخزوم القرشية ، وجده لأمه صاحب الأحكام الوزير أبو بكر محمد ،وهو من بيت حسب ونسب  .كان والده ذا جاه عريض ومال وضياع .. وله المشورة المحترمة العالية  في قرطبة وتولى جده لأمه القضاء بمدينة  
( سالم) ثم أحكام الشرطة والسوق في قرطبة  . تعلَّم ابن زيدون في جامعة قرطبة تلك التي كانت أهم جامعات الأندلس يَفِدُ إليها طلاب العلم من الممالك الإسلامية والنصرانية على السواء... ولمع  بين أقرانه كشاعر وكاتب .. وكان يقول الشعر بداية تعرُّفه بولادة بنت المستكفي الخليفة الأموي الضعيف المعروف بالتخلف والركاكة  الذي يقول فيه  ابو حيان التوحيدي ( كان مشتهرًا بالشرب والبطالة، سقيم السر والعلانية، أسير الشهوة، عاهر الخلوة) .                                                   .                                                                        

        احب  ابن زيدون الشاعر ة والاديبة  ولادة ابنة الخليفة المستكفي   التي كانت شاعرة اديبة ,  تعقد الندوات  والمجالس الادبية والشعرية في بيتها  وبادلته حبا  بحب  وقد انشد في  حبها الشعر الكثير شعرا فياضا عاطفة وحنانا  وشوقا  ولوعة  وولها .  الامرالذي جعلنا نتغنى في شعره الى وقتنا هذا  وسيبقى خالدا  للاجيال  بعدنا  حبا  صادقا
  فراح  يتقرب  منها  حتى نال منزلة  في  قلبها فبادلته  الحب
 وكتبت له تقول :-

ترقب إذا جـــــن الظـــلام زيارتي
                                         فإني رأيت الليــل أكتــم للســر

وبي منك ما لو كان للبدر ما بدا
                                      وبالليل ما أدجى وبالنجم لم يسر


      وتواصلت لقا آتهما حتى  دخل الوشاة بينهما و فرقت بينهما الأيام ففاض الوجد والحنين بعشيقته فكتبت إليه تقول:

ألا  هــل لنا من بعـد هذا الــتــفرق
                                  سبـــيل فيشكو كل صب بما لقي

وقد كنت أوقاتا لتزاور في الشتا
                              أبـيـت على جمر من الشوق المحرق

تـمـر الـلــيالي لاأرى البين ينقضي
                              ولا الـصبـــر من رق التشوق معتقي

سقـا الــلـه أرضا قد غدت لك منزلا
                                بـكل سـكـون هاطــل الـوبـل مـعدق


          ولما علمت ولادة  بإن حبيبها قد تولع  بغيرها او هكذا صوره لها الوشاة والحاقدون عليهما  .مالت عنه  كل الميل فأحبت الوزير ابا عامر ابن عبدوس  فندم ابن زيدون وراح يتوسل  من غير جدوى وينظم الشعر مهددا الوزير  ابا عامر  شاكيا إلى ولادة  تباريح الهوى ، وكتب  ابن زيدون إلى الوزير  رسالته المعروفة  بالرسالة الهزلية سخر فيها منه على لسان حبيبته ولادة ، فلم يلبث الوزير أن عمل على سجن الشاعرابن زيدون ، فتم سجنه . ولما طال سجنه راح ابن  زيدون في سجنه يكتب الشعر مسترحما ،و كتب إلى أبي حزم رسالته المعروفة  بالرسالة الجدية مستعطفا اياه لعله يخرجه من سجنه  ولكن لم يجد اذنا تصغي ولا قلبا يرحم قلبه  فصمم على الهرب ، ففر من السجن في  ليلة عيد  الأضحى المبارك وظل متخفيا عن الانظار حتى عفا عنه ابو حزم  فبعث إلى ولادة  بقصيدته  المشهورة بالنونية  والتي  تعتبر من روائع الشعر العربي  وعيونه في الادب  و التي من أجلها  كتبت عنه وجمعت مااستطعت  جمعه من عدة مؤلفات والتي يقول  في مطلعها:-

أضحى التنائي بديلا من تدانينا
                                             وناب عن طيب لقيانا  تجافينا

      الغزل عند ابن زيدون حاجة في النفس يلبي القلب  نداءها ، وشوق جامح يسير في ركابه ،وثورة في الفؤاد  يندفع  في  تيارها، فهو رجل المرأة الغاوية  يهواها إلى حد الجنون والوله ويريدها  ابدا  طوع هواه ، ويوجه  نحوها جميع  ذاته وقواه ، في ترف أندلسي ، وجماح نواسي ، وقد عانى من لوعة  الحب الوانا من  الألم والشوق العظيم  ، وقاسى في سبيل حبها  أمرّ العذاب ، فعرفها رفيقة حياة، ولقي في أس هواها الف حرارة ومرارة ، فراح يسكب نفسه حسرات ، ويعصرلباب  قلبه ويرسله تأ وّهات  وزفرات ، وإذا  قصائد ه  مزيج  من  شوق ، وذكرى , وألم ، وأمل وإذا غزله حافل بالاستعطاف والاسترحام، حافل  بالمناجيات الحرّى ، والنداءات السكرى ، وإذا الأقوال  منثورة مع كل نسيم ، مرددة مع كل صدى ، وإذا  كل  كلمة  فيها  رسالة حبّ وغرام ، وكل لفظة لوعة واطلاقة  سهام لاحظ  قوله :                                                

إليكِ منَ الأنـــــــــامِ غدا ارتياحـــــي
وأنتِ على الزّمانِ مدى اقتراحـــــــي

وما اعترضتْ همــــومُ النّفــــــسِ إلاّ
وَمِنْ ذُكْرَاكِ رَيْحانــــــي وَرَاحـــــــي

فديْتُكِ إنّ صبرِي عنـــكِ صبـــــــرِي
لدى عطشِي على المـــــاء القـــــراحِ

وَلي أملٌ لَوِ الوَاشُــــــونَ كَفُّــــــــــوا
لأطْلَعَ غَرْسُـــــــهُ ثَمَرَ النّجَــــــــــاحِ

وأعجبُ كيــــــــفَ يغلبُنــــــــي عدوٌّ
رضَاكِ عليهِ منْ أمضَــــــــى سلاحِ !

وَلمَّا أنْ جَلَتْكِ لـــيَ اخْتِلاســــــــــــاً
أكُــــــفُّ الدّهْرِ للحَيْــــنِ المُتـــــــَاحِ

رأيْتُ الشّمسَ تطلعُ منْ نقــــــــــابٍ
وغصنَ البانِ يرفُلُ في وشـــــــــاحِ

فُؤادي مِن أسى ً بكِ غيرُ خـــــــــالٍ
وقلبي عن هوى ً لكِ غيرُ صـــــــاحِ

وأنْ تهدِي السّلامَ إلـــيَ غبّـــــــــــــاً
ولَوْ في بعضِ أنفــــاسِ الرّيـــــــــاحِ

      هكذا كان غزل ابن زيدون روحا متململا ، وكيانا تتقاذفها الامواج ، و كان  شعره   بحر من  العاطفة والوجدان ، يترقرق ترقرق الماء الزلال ، في  صفاء البلور ، ولين الأعشاب على ضفاف الغدران و الانهار، وفي عذوبة  تتماوج  على  اعطافها  كل  معاني  الموسيقى الساحرة التي  هي السحر  الحلال ، موسيقى تنام على أوتارها الدهور ويغفو  بين حناياها  النور والجمال  , و  كانت الفاظه بسهولة  تنمو في أجواء الطبيعة الزاهية ، فتمتزج  بها امتزاج الارواح بالارواح ، وإذا كل شيء في القصيدة حي نابض، وإذا كل شيء رونق وجمال، وكل شيء حلقة  نورانية  بين الذكرى والآمال . وفيها يقول:

إنّي ذكرْتُكِ بالزّهراء مشتــــــاقــــــــا
                                         والأفقُ طلقٌ ومرْأى الأرض قد راقَـــا

وَللنّسيمِ اعْتِلالٌ في أصـــــــــــــــــائِلِهِ
كأنهُ رَقّ لي فاعْتَلّ إشْفَـــــــــاقَـــــــــــا

والرّوضُ عن مائِه الفضّيّ مبتســــــمٌ
كما شقَقتَ عنِ اللَّبّـــــاتِ أطواقَــــــــا

يَـــوْمٌ كأيّامِ لَذّاتٍ لَنَـــــــــــا انصرَمــتْ
بتْنَا لها حينَ نـــــامَ الدّهرُ سرّاقَـــــــــا

نلهُو بما يستميــــلُ العـــينَ من زهـــــرٍ
جالَ النّدَى فيهِ حتى مالَ أعنـاقَـــــــــا

كَـــــأنّ أعْيُنَهُ إذْ عايَنَــــتْ أرَقـــــــــى
بَكَتْ لِما بي فجــالَ الدّمعُ رَقَرَاقَــــــــا

وردٌ تألّقَ فـــي ضــــاحي منـــــــابتِــهِ
فازْدادَ منهُ الضّحى في العينِ إشراقَـا

سرى ينافحُهُ نيـــــــــلوفرٌ عـــــــــبقٌ
وَسْنَانُ نَبّهَ مِنْهُ الصّـــبْحُ أحْـــدَاقَـــــا

كلٌّ يهيجُ لنَا ذكرَى تشـــــــــوّقِنـــــــَا
إليكِ لم يعدُ عنها الصّدرُ أن ضاقَــــــا

          فهو شاعر الاندلس وبلبلها   الغرّيد  كان شاعر العبقرية التي تعطي النفس من خلال الطبيعة التى تصف سناءها وشذاها  ،وتعصر القلب في كؤوس الحب التي ترتشفه خالصا  ، وتصعّد الزفرات والآمال أنغام  سحر وروعة ،وتعتصر اللغة لتستخرج منها كل ممكوناتها  الشعرية والموسيقية لتشدو الحانها الشجية وقد  ملكت على العرب ألبابهم في عصورهم  القديمة والحديثة .

       اما في حياته العامة ومناصبه :
     كان ابن زيدون من الصفوة المرموقة من شباب قرطبة ؛ ومن ثم كان من الطبيعيّ أن يشارك في مسيرة الأحداث التي تمر بها .وقد ساهم بدور رئيسي في إلغاء الخلافة الأموية بقرطبة ، و شارك في تأسيس حكومة جمهورية بزعامة  ( ابن جهور)   وإن كان لم يشارك في ذلك بالسيف والقتال فقد كان دوره  رئيسيا  في  توجيه السياسة  وتحريك الجماهير وذلك باعتباره شاعراً معروفا ً ذائع الصيت وأحد أعلام مدينة  ( قرطبة )  ومن أبرز أدبائها المعروفين ، فسخر جاهه وثراءه وبيانه في توجيه الرأي العام وتحريك الناس نحو الوجهة التي يريد.  

        حظي ابن زيدون بمنصب الوزارة في عهد ( ابن جهور )  واعتمد عليه الحاكم الجديد في سفارته بينه وبين الملوك المجاورين ، إلا أن هذا  لم  يشف طموح  ( ابن زيدون ) الذي كان ظلاً للحاكم اذ كان طموحا.  فاستغل اعداؤه  هذا الطموح  فأوغروا عليه صدر صديقه القديم ونجحوا في الوقيعة بينهما  حتى انتهت العلاقة بين الشاعر والأمير إلى مصيرها المحتوم .  يقول في قصيدته :                                             
  
وَيَــهـتـاجُ قَــصــرُ الـفـارِسِـيِّ صَـبـابَـةً
لِـقَـلـبِيَ لاتَــألـو زِنـــادَ الأَســـى قَــدحـا

وَلَــيـسَ ذَمـيـماً عَـهـدُ مَـجـلِسِ نـاصِـحٍ
فَـأَقـبَلَ فــي فَــرطِ الـوَلـوعِ بِــهِ نُـصحا

كَــأَنِّـيَ لَــم أَشـهَـد لَــدى عَـيـنِ شَـهـدَةٍ
نِــــزالَ عِــتــابٍ كـــانَ آخِـــرُهُ الـفَـتـحا

وَقــائِـعُ جـانـيـها الـتَـجَنّي فَــإِن مَـشـى
 سَـفـيـرُ خُــضـوعٍ بَـيـنَـنا أَكَّــدَ الـصُـلحا

         فقد  ترقى ابن زيدون  في الادارة  الى ان تمكن من ادارة الدولة سياسيا  واصبح مشرفا  على الديوان فيها فقد  تولى ابن زيدون الوزارة لأبي الوليد بن جهور صاحب قرطبة، وكان سفيره إلى أمراء الطوائف في الأندلس  ثم اتهمه ابن جهور بالميل إلى المعتضد بن عباد صاحب إشبيلية، فحبسه . وحاول ابن زيدون استعطاف ابن جهور برسائله  فلم  يعطف عليه. وفي عام \441 هـجرية \ 1050 ميلادية ، تمكن ابن زيدون من الهرب من سجنه  ولحق  ببلاط  المعتضد بالله .

       انتقل الى  مدينة  بلنسية  ثم الى الزهراء  ثم  استقر به  المقام  في مدينة اشبيلية  فتلقاه  اميرها   المعتضد بالله  بلقاء  حسن  فاكرمه  ونعمه  واستوزه  فولاّه وزارته، وفوض إليه أمر مملكته فأقام مبجّلاً مقرباً ولقب بذي الوزارتين واقر بقاءه في منصبه  ولما توفي  المعتضد بن  عباد وورثه ابنه  المعتمد بن عباد  امارة البلاد  اثبته المعتمد بن عباد في حكمه  ايضا ثم زادت مكانته وارتفعت في عهد المعتمد بن المعتضد   الشاعرالمعروف ، ودان له السرور وأصبحت حياته كلها أفراحا لا يشوبها سوى حساده في بلاط  المعتمد مثل ( ابن عمار) و (ابن مرتين)  اللذين كانا سببًا في هلاكه إذ ثارت العامة في أشبيلية على اليهود فاقترحا على المعتمد بن عباد  إرسال ابن زيدون لتهدئة الموقف، واضطر ابن زيدون لتنفيذ  أمر المعتمد  رغم  مرضه  وكبر سنه، فأجهده ذلك  وزاد المرض عليه فدهمه الموت وبقي في اشبيلية حتى وافاه الاجل.

    توفي الشاعر ابن زيدون  والزعيم السياسي ذو الوزارتين   في الخامس عشر من رجب سنة \ 463 هجرية  \ 1078ميلادية  عن عمر  يناهز الخامسة والسبعين عاما .

     يمتاز  شعره  بسلاسة النظم وعذوبته  وسهولة اللفظ  ورقة المعاني   وحسن الصناعة  الشعرية وبراعتها ويعتبر  متنبي البلاد الاندلسية لتماثل شعره  بشعرالمتنبي وتقليده اياه  وهو حقا  افضل شعراء  الاندلس واسماهم شعرا لذا يحق الينا ان نسميه  اميرا للشعراء الاندلسيين  وقد نظم في اغلب الاغراض الشعرية  وخاصة في الغزل  .

         ومن  قوله  في حب ولادة ابنة المستكفي  بعد ان هجرته  واحبت غيره . لكنه بقى  محبا لها شاكيا  شوقه حبه ولوعته اليها هذه الابيات من قصيدة تعد من عيون الشعر العربي  يقول فيها :-

أَضْحَى التَّنَائِي بَدِيْلاً مِنْ تَدانِيْنا
                                          وَنَابَ عَنْ طِيْبِ لُقْيَانَا تَجَافِيْنَا
ألا وقد حانَ صُبح البَيْنِ صَبَّحنا
                                          حِينٌ فقام بنا للحِين ناعِينا
مَن مُبلغ المُبْلِسينا بانتزاحِهم
                                         حُزنًا مع الدهر لا يَبلى ويُبلينا
أن الزمان الذي ما زال يُضحكنا
                                          أنسًا  بقربهم قد عاد  يُبكينا
غِيظَ العِدى من تساقينا الهوى فدعوا
                                             بأن نَغُصَّ فقال الدهر آمينا
فانحلَّ ما كان معقودًا بأنفسنا
                                        وانبتَّ ما كان موصولاً بأيدينا
لم نعتقد بعدكم إلا الوفاءَ لكم
                                           رأيًا ولم  نتقلد  غيرَه  دينا
ما حقنا أن تُقروا عينَ ذي حسد بنا،
                                                ولا أن تسروا كاشحًا فينا
كنا نرى اليأس تُسلينا عوارضُه
                                                وقد يئسنا فما لليأس يُغرينا
بِنتم وبنا فما ابتلت جوانحُنا
                                             شوقًا  إليكم  ولا  جفت مآقينا
نكاد حين تُناجيكم ضمائرُنا
                                                يَقضي علينا الأسى لولا تأسِّينا
حالت  لفقدكم  أيامنا   فَغَدَتْ
                                                  سُودًا وكانت بكم بيضًا ليالينا
إذ جانب العيش طَلْقٌ من تألُّفنا
                                              وموردُ اللهو صافٍ من تصافينا
وإذ هَصَرْنا غُصون الوصل دانية
                                                قطوفُها  فجنينا  منه ما شِينا
ليسقِ عهدكم عهد السرور فما
                                                 كنتم لأرواحنا  إلا رياحينا
ا تحسبواؤ  نَأْيكم   عنا  يُغيِّرنا
                                              أن طالما غيَّر النأي المحبينا
والله ما طلبت  أهواؤنا  بدلاً
                                          منكم ولا انصرفت عنكم أمانينا
يا ساريَ البرقِ غادِ القصرَ فاسق به
                                        من كان صِرفَ الهوى والود يَسقينا
واسأل هناك هل عنَّي تذكرنا
                                          إلفًا،   تذكره    أمسى     يُعنِّينا
ويا نسيمَ الصِّبا بلغ تحيتنا
                                        من لو على البعد حيًّا كان يُحيينا

فهل أرى الدهر يَقصينا مُساعَفةً
                                     منه   ولم   يكن   غِبًّا   تقاضينا
ربيب  ملك  كأن  الله  أنشأه
                                             مسكًا وقدَّر إنشاء الورى طينا
أو صاغه ورِقًا محضًا وتَوَّجَه
                                      مِن ناصع التبر إبداعًا وتحسينا
إذا تَأَوَّد  آدته   رفاهيَة   تُومُ
                                         العُقُود  وأَدْمَته  البُرى لِينا
كانت له الشمسُ ظِئْرًا في أَكِلَّتِه
                                        بل ما تَجَلَّى لها إلا أحايينا
كأنما أثبتت في صحن وجنته
                                       زُهْرُ الكواكب تعويذًا وتزيينا
ما ضَرَّ أن لم نكن أكفاءَه شرفًا
                                        وفي المودة كافٍ من تَكَافينا
يا روضةً طالما أجْنَتْ لَوَاحِظَنا
                                    وردًا أجلاه الصبا غَضًّا ونَسْرينا
ويا  حياةً  تَمَلَّيْنا   بزهرتها
                                    مُنًى  ضُرُوبًا   ولذَّاتٍ  أفانِينا
ويا نعيمًا خَطَرْنا من غَضَارته
                                    في وَشْي نُعمى سَحَبْنا ذَيْلَه حِينا
لسنا نُسَمِّيك إجلالاً وتَكْرِمَة
                                       فقدرك المعتلى عن ذاك يُغنينا
إذا انفردتِ وما شُورِكْتِ في صفةٍ
                                          فحسبنا الوصف إيضاحًا وتَبيينا
يا جنةَ  الخلد  أُبدلنا  بسَلْسِلها
                                          والكوثر العذب زَقُّومًا وغِسلينا
كأننا  لم نَبِت   والوصل  ثالثنا
                                       والسعد قد غَضَّ من أجفان واشينا
سِرَّانِ في خاطرِ الظَّلْماء يَكتُمُنا
                                         حتى يكاد لسان الصبح يُفشينا
لا غَرْو فِي أن ذكرنا الحزن حِينَ نَهَتْ
                                          عنه النُّهَى وتَركْنا الصبر ناسِينا
إذا قرأنا الأسى يومَ النَّوى سُوَرًا
                                            مكتوبة وأخذنا الصبر تَلْقِينا
أمَّا هواكِ   فلم   نعدل   بمنهله
                                           شِرْبًا وإن كان يروينا فيُظمينا
لم نَجْفُ أفق جمال أنت كوكبه
                                             سالين عنه ولم نهجره قالينا
ولا اختيارًا تجنبناه عن كَثَبٍ
                                           لكن عدتنا على كره عوادينا
نأسى عليك إذا حُثَّت مُشَعْشَعةً
                                            فينا  الشَّمُول  وغنَّانا  مُغَنِّينا
لا أَكْؤُسُ الراحِ تُبدى من شمائلنا
                                           سِيمَا ارتياحٍ ولا الأوتارُ تُلهينا
دُومِي على العهد، ما دُمْنا، مُحَافِظةً
                                               فالحُرُّ مَنْ دان إنصافًا كما دِينَا
فما اسْتَعَضْنا خليلاً مِنك يَحْبسنا
                                               ولا استفدنا حبيبًا عنك يُثْنينا
ولو صَبَا نَحْوَنا من عُلْوِ مَطْلَعِه
                                            بدرُ الدُّجَى لم يكن حاشاكِ يُصْبِينا
أَوْلِي وفاءً وإن لم تَبْذُلِي صِلَةً
                                           فالطيفُ  يُقْنِعُنا  والذِّكْرُ  يَكْفِينا
وفي الجوابِ متاعٌ لو شفعتِ به
                                          بِيْضَ الأيادي التي ما زلْتِ تُولِينا
عليكِ مِني سلامُ اللهِ ما بَقِيَتْ
                                          صَبَابةٌ منكِ     نُخْفِيها   فَتُخفينا


                          -------------------------






الشــعر في عصر الركــود

اوعصرالدول والمتتابعـة

( الفترة المظلمة )




      التتر او المغول اقوام من اواسط اسيا ومن هضبة الصين وغربيها  ومسكنهم الاصلي في مدن  يأجوج ومأجوج في الصين او هكذا يخيل الي تجمعوا بقيادة ملكهم هولاكو حين ضاقت عليهم سبل العيش في بلادهم فغزوا العالم. يتميزون بوحشية  عنيفة وحب للقتل  والموت  ويفرحهم  رؤية الدماء تسيل والارواح تزهق  بين ايديهم  قلوبهم قاسية  قساوة الدهر عليهم  فصبوا جام غضبهم وحقدهم على البشرية  .

      قادهم هولاكو باتجاه الغرب  فعاثوا في الارض الفساد والقتل وحل الدمار في البلاد اينما توجهوا فنهبوا كل البلاد التي دخلوها من الهند الى مشارف البحرالمتوسط  دمروا البلاد ونهبوها وقتلوا العباد واكثروا فها الفساد  .

      فقد احتلوا كل الامارات والممالك بين بلادهم والبحرالمتوسط  بما فيها خوارزم  وسمرقند وبلاد ماوراء النهر وبلاد فارس   والعراق والشام وكثير غيرها .

    دخل المغول بغداد سنة\ 656 هجرية -1258 ميلادية وفي هذا العام دخلها الخراب  فاحرقوا الاموال و الممتلكات والمؤن وعاثوا في البلاد فسادا قتلا وتجويعا ودمارا وقد وصف المؤرخون  ذلك خير وصف ولاحاجة لذكر مافعلوه  فانه كله كان في الاخبار مسطورا .

      قيل ان من وحشيتهم احراق المكتبات والكتب ورميها في  الانهر والشوارع والازقة وان دجلة  بقيت سبعة اوعشرة ايا م تجري ماءا احمرا او اسودا لكثرة ما القي فيها من كتب  ذابت احبارها وامتزجت بماء دجلة فتغيرت الوان ماء النهر بلون احبارالكتب . فاي وحشية هذه وكم من العلوم والاداب ذهبت وذابت فيها .

   دامت الفترة المظلمة – كما يسميها المؤرخون-  قرابة السبعة  قرون من منتصف القرن السابع الهجري الى القرن الثالث بعد الالف هجرية .حكم البلاد العربية المغول والفرس والاترا ك العثمانيين  وشكلوا دويلات  كثيرة تقاتلت فيما بينها وكان اهالي هذه البلاد واموالهم واحوالهم اصبحوا وقود هذه النار. فدمرت كل مالديهم من ممتلكات واموال واحرقت الحرث والنسل واشتد بالناس الفقر وغلب عليهم القحط  وعمتهم المجاعة حتى قيل ان الناس  اخذت تنبش المزابل للبحث عن لقيمة تسد بها الرمق فاكلوا فيما اكلوه القطط والكلاب والحيوانات النافقة اوالميتة وبيعت الاعراض وهتكت جراء لقمة العيش .
وكتب التاريخ خير شاهد على ذلك .

     وبهذا فقد تفرقت الدولة الاسلامية  وانشأت حكومات محلية في كل بلد  وكان الصراع عنيفا بينهم وظهرت النزعات القومية  وظهرت الدولة العثمانية التركية في تركيا والدولة الصفوية في ايران وشرق البلاد الاسلامية  والبلاد العربية  باتت في صراع  دامٍ ٍ  بينهما   وهذه كانت في صراع مقيت وطويل بيهما على حساب المذهبية والطائفية وكان العراق قد تحمل  ثقل هذا الصراع العنيف وشدته  وفي كل معركة يكون ابناؤه واموالهم وقود هذه المعارك فمرة تكون الكفة الرابحة للصفويين  ويكسبون المعركة فيدخلون بغداد ويعيثون فيها قتلا وتشريدا  ومرة اخرى  تكون للعثمانيين  فيطردون الصفويين منها ويعيثون  قتلا وتشريدا بالشعب  وهكذا كان العراق  ومنها بغداد ساحة قتال  للطرفين واصبحت البلاد تحت خط الفقر وانتشرت المجاعة والجهل وكثرت الامراض والاوبئة وهكذا في بقية البلاد العربية  .

    فاستيلاء التتار المغول على البلاد  وجثمهم  على رقاب الناس بعد ان اذاقوهم العذاب الشديد قيد هذا الاستيلاء السنتهم  واسكتها و جمد عقولهم و قرائحهم  جمودا شديدا فلم ينبغ من الشعراء من يستحق الذكر في داخل مملكة التتار الا خارجها  وخاصة في العراق والشام  ومصر الا انه لا تخلو البلاد الاخرى من شعراء مجيدين الا انه  بالاجمال  يمكن القول ان حالة الشعر اصابها الخمول او الجمود  وان وجدت في شخصية معينة  في بلد ما فقد اصبح الشعر صناعة لفظية .

    من سمات هذا العصر ان اختلط الشعر بالادب وقلما  ظهر شاعر الا جمع الشعر والادب لذا فقد الفت الكتب في الادب وجمع الشعر والحكم والمواعظ وحتى النكات وابتذلت الصناعة الشعرية  وانتشرت  بين الناس فتبارى الناس بينهم على قول الشعر المصنوع وحشرت الكلمات حشرا في قوالب الشعر وموازينه حتى اصبح الشعر يقال لقتل ساعات الفراغ وكثر الناظمون  حتى من اصحاب الحرف والمهن الحرة  كالنجارين والخياطين والدهانين والجزارين والعطارين  وما اليهم  وعلى العموم  كان الشعر كاسدا  و ربما يقال للتسلية فقط  فاذا نبغ شاعر ممن يقولون الشعر الجيد فلا يجد آذانا صاغية اليه  ولا يوجد من  يشجعه او يسمعه  من الخلفاء والامراء  ليشحذ قريحته ويشده الى الشعر وقوله ويرغبه فيه وعساه ان يهجر مهنته فان فعل مات جوعا . لذا يبقى في مهنته وسبيل عيشه اضافة الى قوله الشعر او قل نظمه الشعر  واذا ظهر وان قرّب احد  الخلفاء او الملوك  او الامراء شاعرا فانهم يقربونه  ليؤلف لهم الكتب في التاريخ اوالادب او العلوم الاسلامية  وليست يقرب لشاعريته  لذا فقد كسدت سوق الشعر وفسدت الطباع .

       وفي هذا العصر ونتيجة للظروف القاسية التي المت بالشعراء فقد وجد ضرب من الشعر اقتضته تلك الظروف ونشأ من فساد اللغة الفصحى الذي استشرى نتيجة اختلاط  اهل البلاد بالاعاجم فتولدت طبقة من الشعراء  نستطيع ان نطلق عليهم ( المستعجمة )  قليلوا المعرفة باللغة العربية الفصحى  فيعمدون لادخال الالفاظ العامية في شعرهم وخلو شعرهم من الاعراب .

      ورعى عدد من  ملوك الشام والعراق ومصر وماردين  الشعراء فاصبح الشعر سوقهم رائجة  واتخذوه وسيلة للتسلية والتفكه  وزينة  للمجالس لان اغلبهم من اصول غير عربية  فتقوضت مجالس  الادب والشعر واصبح الناس غارقين في الجهل .

     اما في المغرب العربي في تونس والجزائر والمغرب فقد اشتهرت طوائف من الشعراء  يسمون  قصائدهم الاصمعيات واهل مصر والشام يسمونها ( البدويات ) مثلا قول احدهم :

 تقول فتاة الحي سعدى وهاضها    
                                          لها في  ظعون الباكين  عويل

ايا سائلي عن قبر  الزناتي خليفه
                                           خذ النعت منى  لا تكون هبيل

     وقد تولدت  ضروب من الشعر كثير ة منها المربع والمخمس الذي يلتزم  فيه القافية الرابعة في المربع والخامسة في المخمس والمواليا والزجل والسلسة  وكذلك ظهر ما يسمى عروض البلد  وهو ضرب من الموشح كقول ابن عمير  الاندلسي الذي هاجر الى المغرب  وسكن مدينة فاس  ونشر شعره فيها :

  ابكاني  بشاطي النهر نوح الحمام
                                     على الغصن في البستان قرب الصباح

وكف السحر يمحوا مداد الظلام
                                     وماء الندى يجري    بثغر    الاقا  ح  

        فاستحسنه  اهل فاس  ونظموا على طريقته مع اغفال الاعراب
او قواعد اللغة  في نظمهم  واختلفت الاسماء فيه  مثل الكاري والملعبة والغزل ومن المزدوج قول شاعرهم ابن شجاع في هذا المجال  وهو من فحول شعرائهم  :


 المال زينة الدنيا  وعز النفوس
                                        يبهي  وجوهار  ليس هي باهيا

 فها  كل  هو   كثير     الفلو س
                                        ولوه  الكلا م  والرتب  العالية


     وهذا النظم كثير الشبه بنظم العامة في الشام ومنها انتقل الى مصر ويقال له المواليا  ومنها  القوما  والكان  كان والسلسلة  وغيره من الاسماء الاخرى و من الدوبيت   قول الشاعر:

طرقت باب الخبا قالت من الطارق
                                    فقلت  مفتون  لا ناهب ولا سارق

تبسمت لاح لي من ثغرها  بارق
                               رجعت حيران  في بحر ادمعي غارق
   
       وكذلك ظهر التاريخ الشعري  وهو ضبط تاريخ معين  لواقعة  او حادثة معينة يريد الشاعر ان يثبت تاريخها وخاصة في القرون المتاخرة من هذا العصر واستمر في العهد العثماني ايضا وكثر وهو اتخاذ من حساب الجمل  والحروف اساسا  في  قيمة هذه الحروف الحسابية اذ وضع السريان والعبريون لحروفهم اقياما حسابية وكذلك  شاع ايضا في العربية وضع اقيام للحروف العربية  ونتيجة جمع هذه الحروف يظهر التاريخ المطلوب وهذا ما استخد مه اهل الحسا ب   . كانوا يستخدمون الحروف العبرية ويرمزون لكل حرف عدد معينا   وهو ما استخدمه المنجمون بكثره ولإيضاح ذلك  - فان  حرف الهمزة او الالف  اثبتوا له قيمة حسابية \ 1  والباء \2  والتاء\3  وهكذا ويعتمدون  الابجدية اساسا للحساب  كما جعلوا الحساب حسابين  سمي الاول  حساب الجمل الصغير وهذا هو . اما في حساب الجمل الكبير  فيرمز لحرف الالف او الهمزة قيمة حسابية \10 والباب \20 والتاء \ 30  حتى  الى وصلوا الى حرف الراء اثبتوا له قيمة \100  والزاي \200   وهكذا  وهذا ما استخدمه  اصحاب علم  التنجيم  والحظ  والابراج  والسحرة  وغيرهم
 ولايزال لحد هذا التاريخ  موجودا فاذا ا راد المرء ان يعرف برجه مثلا  ولا يعرف تاريخ ميلاده وساعةولادته  فما عليه الا ان يقيد اسمه واسم امه  ويحسب قيمة احرفهما جمعا ثم يقسم  مجموع قيمة الحروف على \ 12  والباقي من خارج القسمة هو برجه  واعتذر ان خرجت عن الموضوع قليلا فقد اضفته للتسلية اوالاستراحة .

       نظم شعراء هذا العصر في معظم أغراض الشعرالعربي فمثلا كان لشعر الحماسة منزلة عظيمة بسبب الصراع القائم بين العرب المسلمين مع التتار والفرنجة في الحروب الصليبية والنعرات الطائفية بين الصفويين والعثمانيين إذ حمل الشعراء على عاتقهم مهمة تحميس الجند من أجل الجهاد ، وكانت المعارك التي وقعت بين المسلمين من جهة والتتار والصليبين من جهة ثانية مادة حية لهذه الأشعار والمتصفح لشعر الجهاد  في هذا العصر يجد كماً كبيراً من الأشعار بعضها يبكي سقوط الخلافة الاسلامية ، وبعضها يدعو إلى الجهاد من أجل استعادتها
كقول الشاعر تقي الدين اسماعيل التنوخي:

لسائل الدمع عن بغداد أخبارُ

                                        فما وقوفك والأحباب قد ساروا

تاج الخلافة والربع الذي سرُفت

                                          به  المعالم  قد  عفّاه  إقفارُ

ومن ذلك أيضاً قول شهاب الدين محمود الكوفي:

إن  لم  تقرح  أدمعي  أجفاني     
                                         من بعد  بعدكم  فما   أجفاني

إنسان عيني مذ تناءت داركم    
                                          ما راقه  نظر  إلى  إنسان

     وكان الزنكيون والأيوبيون قد تولوا عبئ الصراع مع الفرنجة ،      و المماليك قد تولوا عبئ الدفاع عن البلاد ومنازلة المغول ، وقد استطاع الملك المملوكي قطز أن يقضي على المغول ويردّ زحفهم بعد احتلالهم  حلب وحماة ودمشق ،وقد قام الامير ( قطز ) بقتل رسل المغول الذين جاؤوا يدعونه إلى الاستسلام ، وكانت ( عين جالوت )المعركة الحاسمة إذ اعتبرت من أهم معارك المسلمين في ذلك الزمن ، مثلها مثل معركة اليرموك و القادسية والزلاقة ، ومن الشعراء الذين  ارخوا  لتلك الفترة الشاعر شرف الدين الأنصاري في مدح المنصور الثاني:

جرّدت يوم الأربعاء عزيمة
                                         خفيتر  عواقبها عن الإدراك

وأقمت في يوم الخميس مبالغاً
                                       في الجمع بين طوائف الأتراك

قعّدت أبطال التتار بصولةٍ 
                                       تركهم  كالصّيد  في  الأشراك

      وقد فتح المماليك بعد الظاهر بيبرس بزعامة المنصور ( قلاوون) طرابلس الشام، وبناها من جديد بعد أن خربها التتار وفتحت (عكا ) من قبل الأشرف (خليل ابن منصور قلاوون) .

    ولمّا هاجم الفرنجة مدينة (الاسكندرية ) عام \767هجرية – 1365 ميلادية أسروا ونهبوا وقتلوا قسماً كبيراً منها، رثى شهاب الدين ابن مجلة هذا الثغر قائلاً:

أتاها من الإفرنج ستون مركباً 
                                        وضاقت  بها العربان  في البرّ والبحر

أتوا نحوها هجماً على حين غفلة   
                                   وباعهم في الحرب يصر عن فتر

     وقد صور شعر الحماسة الأحداث العامة في ذلك العصر وعبّر عن الآلام والآمال واتجه نحو التصنع والتلاعب اللفظي، وقد كان شعراء ذلك العصر يشعرون بالغربة في أوطانهم الا أن العواطف في شعر ذلك العصر كانت صادقة بسبب الأحداث الجليلة الجسام 

    وفي شعرالمديح  كانت هناك المدائح النبوية قيلت في مدح الرسول محمد عليه صلى الله عليه وسلم وقد راج سوقها بسبب رجوع الناس الى الدين  بسبب سوء احوال البلاد وكثرة مصاعبها . وقد دفعت هذه العوامل الناس إلى الالتصاق بالدين والاستشفاع بالرسول الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم  لتفريج الكروب، وقد شجع المماليك اتجاه الاحتفالات الدينية مما جعل هذا اللون من أنشط الألوان الأدبية.

 من ذلك ما قاله البوصيري قصيدته المشهورة  :

أمن تذكر جيران بذي سلم
                                     مرجت   دمعاً  جرى من مقلة  بدم

أم هبّت الريحُ من تلقاء كاظمةٍ
                                   وأومض البرق في الظلماء ومن إضم

وقد حذّر الشاعر في قصيدته من هوى النفس فقال:

النفس كالطفل إن تهمله شبّ على

                                    حبّ الرضاع وإن تفطمه ينفطم

فاصرف هواها وحاذر أن توليه

                                     إنّ الهوى ما تولّ يصم أو يصم


      وكذلك كثر المدح طلباً للعطاء والنوال ولبلوغ المراتب الوظيفية عند السلاطين ولن تقعد معانيه عن الشجاعة والكرم والحكم والعلم، وقد أغار شعراء هذا العصر على معاني غيرهم واستباحوها ورجعوا إلى ظاهرة الوقوف على الأطلال أو الغزل أو وصف  الطبيعة. من  ذلك  قول ابن نباته مادحاً الشهاب محمود الشاعر الذي كان من كبار الإنشاء وكاتب اسرار الملك يقول  :                                                 :                        

إمامٌ إذا هزّ اليراع مفاخراً به 
                                        الدّهر قال الدهر لست هناكا

علوت فأدركت النجوم فصفتها  
                                          كلاماً ففقت القائلين بذاكا

 كذلك كثرمدح الاصدقاء والاقرياء والمعارف وغالباً ما يكون أقرب إلى الصدق وإن كانت المبالغات تغزو معانيه، وتسيطر عليه الصنعة الشعرية و البديعية.

    اما  في شعرالوصف فقد وصفوا المعارك وما يتعلق بها ، والطبيعة وما تحتويه  والمظاهر المدنية كالأسواق والولائم .والألم وآلام الجوع وتقلبات الزمن ودقائق الامور.
يقول النواجي القاهري في وصف مخدة:

هي نفع   ولذة    للنفوس           وحياة  و راحة    للجليس

كم  نديم   أراحته   باتكاء        وتواضعت عند رفع الرؤوس

ويقول ابن نباته واصفاً الفقر :

أشكو  إلى  الله ما  أقاسي          من  شدة  الفقر  والهوان

أصبحت  من  ذلةٍ  وعُريٍ        ما فيّ وافٍ سوى لساني

 
       وكذلك  الغزل فقد أكثر منه الشعراء في العصر المملوكي حيناً بقصائد مستقلة وأحياناً في مطالع مدائحهم وقد كان الغزل يطل برأسه من خلال الافتتان والشكوى واللوعة تعبيراً عن المشاعر ويحمل في طياته التقليد حيناً والتجديد أحياناً أخرى، وقد انطلق شعراء هذا العصر بغزلهم من مفاهيم جمالية تقليدية وفيه وصف الحبيبة فشبّهوا وجهها بالبدر والشمس وشعرها بالليل، ورحيق الثغر بالخمر، ونظرات العيون بالسهام والحواجب بالقسي، وقدّها بالرماح وصدغها بالعقرب.
 يقول الشاعر التلعفري  :

لو تنعق الشمس قالت وهي صادقة                                                                                                                                                                                                                                                             م                                         ما فيَّ فيها، وما فيَّ الذي فيها

هبني  أماثلها  نوراً   وفرط   سناً                                                                                                                                           م                                    من  أين أملك   معنى  من معانيها

       وكذلك جعلوا المحبّ بحزن وشوق وصبابة، وجعلوا المحبيبة قاسية ظالمة لا تلين، وجعلوا وصلها أبعد من الثريا . وشكو من متاعب وعثرات الحب واتهموا العذال بالبلادة، و أعين الرقباء مخيفة نظارتها حاقدة حاسدة،  وتغيرت النظرة لجمال العيون فاحبوا العيون الضيقة والناعسة  .
يقول ابن  نباتة  :

بهت العذول وقدر رأي ألحاظها  
                                        تركية تدع الحليم سفيهاً

فثنى الملام وقال دونك والأسى

                                 هذي مضايق لست أدخل فيها

وفي زيارة طيف المحبوب وخياله في المنام واليقظة يقول الحلّي:

ما بين طيفك والجفون تواعد
                                          فيفي إذا خُيّرت أني راقد

إني لأطمع في الرُّقاد لأنه
                                     شرده يصار به الغزال الشاردُ

       و نظراً للأحداث الجسام التي مرت على الأمة الإسلامية وما حصل من معارك نتج عنها الموت والقتل والتخريب فقد نشط فن الرثاء،
 فكانت فيه  المراثي الخاصة  كرثاء الاحبة والاولاد والاباء والازواج ومن ذلك رثاء يحيى شرف الدين  لزوجته فاطمة  التي عرفت بالفضل والكرم :


وما فاطمٌ   إلاّ الحور أخرجت

                                           لنعرف قدر الحور قمّت ردّت

ورثاء صفي الدين الحلّي لعبدٍ مملوك له، ربّاه من صغره حتى
 صار كاتباً فطناً ثم توفى فقال فيه :

هدّ قلبي من كان يؤنس قلبي               إذ  نبذناه   بالعراء  سقيماً

ونأى يوسفي فقد هذبت عبد منا         ي   من  حزنه روكنت كظيماً


وكذلك  رثاء الملوك والامراء وفيه الإشادة بصفات المرثي وكريم مزاياه

من خلال المبالغة والصنعة من ذلك رثاء الملك المؤيّد اذ رثاه  ابن نباتة فقال فيه :

ليت الحمام حبا الأيام موهبة                                                                                                                                                                                            ف                                           فكان  يفني بني الدنيا  ويبقيه

لهفي على الخيل قد وقت صواهلها                                                                                                                                                     ح                                      حقَّ العزا فهو يشبجيها  وتشجيه

وكذلك نلاحظ المدن والامصاركما في رثاء بغداد التي سقطت بيد المغول:

إن لم تقرح أدمعي أجفاني   
                                      من  بعد بعدكم  فما  أجفاني

إنسان عيني مذ تناءت داركم
                                            فما  راقه  نظرٌ  إلى  إنســـــان

وأيضاً قول بهاء الدين الهائي يرثي دمشق:

لهفي على تلك البروج وحسنها  
                                           حفّت   بهن  طوارق الحدثان

كانت  معاصم  نهرها   فضية  
                                         والآن  صرن كذائب  العقيان

   اما الهجاء فقد ظهر بصورته الفردية واختفى بصورته القلبية وركّز فيه على المثالب ومزجها بالسخرية.

      وقد كثرشرب الخمور وأصبح نوعاً من التحضر والرقي وانتشرت  في المجتمع الشبابي  فلسفة انهزامية تدعوا إلى الاستمتاع بالحياة قبل زوالها نتيجة ماحلَّ من تشريد وقتل وتدمير وخراب، وكثرت مجالس الخمرة وزال الحياء عند بعض الناس فاقيمت  النوادي مصحوبة بالرقص والغناء في المنازل أو على برك الأنهار علانية .

يقول الشاب الظريف:   

      ناوليني الكأس في الصّبح             ثمّ غنّي لي على قدحي

      واشغلي  كفّيك  في  وترٍ             لا  تهدّيها   إلى  السّبح

         بالمقابل  كثر التزمت من الزمن بسبب انتشار الفقر والحرمان وغدر الزمان، يقول ابن نباته:

       أشكو  لأنعمك  التي                 هي للعفاة سحائب

       حالي التي يرثي العدوّ              لها فكيف الصاحب

  وكذلك الشعراء قالوا  في الطرد والصيد و وصف الخيول والفهود والكلاب المدربة. يقول صفي الدين الحلّي في وصف صقر:

       والطير في لجّ المياه تسري       كأنها    سفائن    في بحر

      لا حتى إذا لاذت بشاطئ النهر     دعوت عبدي فأتى بصقري

         من الغطاريف الثقال الحمر    مستبعد الوحشة حجمّ الصّبر


     وكذلك قيل الشعر في الألغاز والأحاجي مثل قول ابن نباته للغز
 في اسم (علي):

        أمولاي ما أسمٌ جليٌّ إذا          تعوّض عن حرفه الأول

        لك الوصف من شخصه سالماً   فإن قلعت عينه فهو لي

       اما الشعر التعليمي وهو شعر المنظومات التي قالها العلماء في علوم الصرف والنحو والبلاغة والعروض والمنطق والحديث  مثل ألفية ابن مالك في النحو والصرف فيبداها :

كلامنا لفظٌ مفيدٌ كاستقم           اسم ، وفعل ثم حرف الكلم


         ***************************************




صفي الــدين الحـــلي

 امير  شعراء الفترة الراكدة



         هو عبد العزيز بن نجم  الدين  سرايا بن علي بن  ابي القاسم ويعرف بصفي الدين الطائي السنبسي ولقب بالحلي نسبة الى مدينة الحلة في العراق وكان والده نجم الدين سرايا تلميذا للمحقق الحلي .

     ولد بمدينة الحلة من العراق سنة \ 677   هجرية - 1276 ميلادية ونشأ فيها ثم انتقل الى بغداد وقال الشعر في صباه  ثم درس  فنونه  عندما انتقل الى بغداد .واشتغل اول امره بالتجارة فكان يتاجر الى الموصل وشمالها والى الشام  ومدنها  ثم   يعود الى بغداد .

    عاش بالفترة التي تلت دخول المغول ( التتر ) الى بغداد  بقيادة هولاكو  فدمروها تدميرا وقضوا على الخلافة العباسية  انذاك .

        انتقل الى (ماردين)  ليكون شاعر (الدولة الارتقية ) فيها  ومدح ملوكها فاجزلوا له العطاء . فعاش في (الموصل) في ظل الملك المنصور ( نجم غازي بن أُرتُق ) وبعد وفاته مدح ابنه (الملك الصالح ). نلاحظ فيه
( ديوان درر النحور في مدح الملك منصور الأرتقي ملك ماردين)، والذي يحتوي على 29 قصيدة كل منها يتكون من 29 بيتا . تبدأ أبيات كل قصيدة منها وتنتهي بأحد حروف اللغة العربية نفسه.

      غادر الموصل في رحلة إلى الشام ثم إلى الحجاز لأداء فريضة الحج ولما عاد من مكة المكرمة  بعد حجه  توجه إلى مصر وقضى حياته هناك يمدح السلطان الناصر (محمد بن قلاوون)ومنها قصيدته التي مطلعها :

أسبَلنَ من فَوقِ النّهودِ ذَوائِبا،
                                                  فجَعَلَنَ  حَبّاتِ  القُلوبِ  ذَوائِبَا

           قضى  سني حياته  في عصر تراجعت  فيه المعطيات الحضارية للأمة العربية في معظم نواحيها  السياسية منها والاجتماعية والاقتصادية وقد اصطلح على هذا العصر بعصر انحطاط الدولة العربية لمّا ألقى بظلاله الداكنة على الوضع السياسي والاجتماعي القائم آنذاك، وحتى الشعر العربي الذي كان رغم حالة التردي هذه لكن بقي له حضوره في الساحة  العربية  وكان  قبسا متقدا لإلهاب المشاعر وشحذ الهمم عندما يتطلب الأمر ذلك، وصوتا مفعما  بالأحاسيس عندما يراد التعبير عن حالة وجدانية أو عاطفية تهز الضمير وتوقد النفس  .

عاد الى بغداد في اخريات ايامه فمرض وما ت فيها .

          توفي الشاعر  صفي الدين الحلي سنة \750 هجرية – 1349 ميلادية.

          اتسم و تميز شعره بسهولة اللفظ وحسن السبك وهو اشعر شعراء  زمانه بلا منازع في  حينه  ونظم الموشح المضمن . وقد ضمن في احد موشحاته  قصيدة  ابي  نؤاس البائية  منها  ما يلي  :

وحق الهوى ما حلت يوما عن الهوى
ولكن نجمي في المحبة قد هوى

ومن كنت ارجو وصله قتلني نوى
واضنى فؤادي بالقطيعة والنوى

ليس في الهوى عجب ان اصابني النصب
حامل الهوى تعب يستفزه الطرب

      فشخصية الحلي الفنية تتردد وتتكرر، في معظم قصائده، ولم نلحظ فيها حظا  للتطور فشعره كله كما قيل فيه :
                       ( نفس واحد ومنهج منسوخ )

       والواضح ان قصائده في المديح على الاغلب كان يفتتحها بالغزل وربما يستعمله في الفخر والحماسة ايضا لكن بقلة . ويسير في هذا النوع من الغزل سيرة من سبقه من الشعراء متتبعا لخطاهم ناسجاً على منوالهم من حيث الطريقة المتبعة في المقدمات الغزلية في القصيدة العربية  فهو في معظم قصائده مقلدا ومكررا من حيث السبك الفني والحس الشعري ، فهو يقف على الأطلال الدوارس  والآثار المعفاة، فيناجيها ويستنطقها، ويبثها حرقة قلبه ونوزاع نفسه ويبكي أمامها مستعطفاً، شاكياً، ويستعيد معها الذكريات الخوالي وأيام الأنس والصفاء. قال في ذلك :

لا تخش يا ربع الحبيب هموماً
                                          لقد أخذت على العهاد عهوداً

وليفنين ثراك عن صوت الحيا
                                        صوب المدامع إن طلبت مزيدا

كم غادرت بفناك يوم وداعنا
                                          سحب المدامع منهلا مورودا

ولكم سكبت عليك وافر أدمعي
                                           في ذلك اليوم الطويل مريدا

       وفي وصف النساء الحسان يؤكد بأنهن أخجلن زهر الأقحوان وضاهين شقائق النعمان، وأن أردافهن ثقيلة، وقدودهن مياسة، وبعدها يصل إلى وصف أناته العاشقة وسقام جسمه، وسهد جفنيه، مترقباً زيارة الحبيبة فيقول متغزلا 

    قد   سهرت  الليلر  أرقب  زورة
                                       منها    فلم أر للصباح عمودا

ورعيت أنجمه فأكسبت السها
                                       سقمي وأكسب جفني التسهيدا

وحملت أعباء الغرام وثقله
                                       فرداً وحاربت  النوى   تا ييدا     


      ويلاحظ في غزله ً برودة العواطف وسطحيتها وكونه متكلفا حيث ان شعره لا يستقي  من ينبوعه وإنما  يستقي  من  ينابيع من  سبقه من الشعراء  لذا اقول انه ينظم بذاكرته وعقله وثقافته أكثر مما ينظم بقلبه ومشاعره وانفعالاته .يقول متغزلا 

يا ديار الأحباب بالله ماذا
                                        فعلت في عراصك الأيام

أخلقتها يد الجديدين حتى
                                      نكرت من رسومها الأعلام

قد شهدنا فعل البلى بمغاني
                                     ك ودمع الغيوم فيك سجام

واقترضنا منها الدموع فقالت
                                      كل قرض يجر نفعاً حرام   

ويقول ايضا: 

ما بين طيفك والجفون مواعد
                                         فيفي  إذا خبرت  أني  راقد

إني لأطمع في الرقاد لأنه
                                       شرك يصاد به الغزال الشارد
ويقول ايضا متغزلا

لم تخل منك خواطري ونواظري
                                        في حال تسهادي وحين أنام

فبطيب ذكر منك تبدأ يقظتي
                                      وبشخص طيفك تختم الأحلام

اما في طيف الحبيبة فلا يجفوه ولا ينساه بل دائم الذكرى له يقول:

لعمرك ما تجافى الطيف طرفي
                                        لفقد الغمض إذ شط المزار

ولكن زارني من غير وعد
                                         على عجل، فلم ير ما يزار

      والحقيقة  قد خمدت العواطف في هذا العصر، خموداً محزناً، وأنشدّ الشاعر نحو ظواهر الشعر وعاف بواطنه وأًصبح كما قلنا من قبل ينظم بعقله أكثر مما ينظم بقلبه، وهذا لا يمكن لعاطفة باردة خامدة سقيمة أن تفجر شعراً حاراً مندفعاً صحيحاً

آخر من بني الأعراب حفت
                                      جيوش الحسن منه بعارضين

تلاحظ  سوسن  الخدين  منه
                                        يبدلها     الحياء    بوردتين

       وصفي الدين الحلي اعجبه  الغلمان  فتغزل  بالمذكر ايضا والغريب ان معظم غلمانه ممن تغزل بهم يحملون أسماء الأنبياء كيوسف وسليمان وداود وموسى وإبراهيم، ويستغل شاعرنا هذه الأسماء في شعره استغلالاً حسناً، فيستفيد من معاني التسمية وما تحمله من دلائل :

يقول في غلام اسمه يوسف:

يا سمي الذي به اتهم الذئ
                                          وأفضى  إليه  ملك العزيز

لو تقدمت مع سميَّك لم يم
                                       س فريداً في حسنه المنبوز

(والمنبوز بالزاي هنا بمعنى المتعارف)

ويقول في غلام اسمه سليمان:

يا سمي الذي دانت له الج
                                          ن وجاءت بعرشها بلقيس

غير بدع إذا أطاعت لك الأنٍ
                                     س وهامت إلى لقاك النفوس

ويقول في غلام له تمرض متغزلا :

لا حال في جوهر من جسمك العرض

                                        ولا سرى في سوى الحاظك المرض

حوشيت من سقم في غير خصرك أومض

                                          في  موعد لك  في  أخلافه  غرض

فتور  نبضك  من عينيك   مسترق

                                          وضعف جسمك من جفنيك مقترض

ويقول ايضا :

جاء في قده اعتدال مهفهف ما له عديل

                                  ففت عطفه  شمال وثقلت  جفنه  شمول

ثم انثنى راقصاً بقد تثنى إلى نحره العقول

                                  فعطفه داخل خفيف وردفه خارج ثقيل


      وله في المديح شعر كثير وفي الفخر ايضا وقيل حدث  نزاع على الرئاسة بين اخواله وال ابي الفضل  قتل على اثره خاله عبد الله بن حمزة بن محاسن غيلة وهو في مسجده فرثاه الشاعر بقصيدة حارة وحث قومه على الاخذ بالثأر من قاتليه . فحدثت معركة  قرب بغداد سنة\ 701هجرية عرفت بمعركة ( زوراء العراق)  شارك فيها الشاعر وابلى بلاء حسنا  فقال  قصيدته النونية  المشهورة ومنها هذه الابيات :


سلي الرماح الـعوالي عن معالينا
                                           واستشهدي البيض هل خاب الرجا فينا

لما  سعينـا  فمـا  رقـت  عزائمنـا
                                      عما  نـروم ولا خابـت مساعينـا

قوم إذا أستخصموا كانوا فراعنـة
                                      يوما وان حكموا كانـوا موازينـا

تدرعوا العقل جلبابا فـان حميـت
                                      نار الوغي خلتهـم فيهـا مجانينـا

خيـل  مـا ربطنا هـا   مسـوّمـة
                                        لله نغزوا بها مـن بـات يغزونـا

إن العصافيـر لمـا  قـام  قائمهـا
                                        توهمت أنهـا صـارت شواهينـا

انـا  لقـوم  أبـت  اخلاقنـا  شرفـا
                                    أن نبتدى بالاذى من ليس يؤذينـا

بيــض  صنائعنا  سود  وقـائعـنا
                                      خضر  مرابعنا  حمر  مواضينا

لا يظهر العجز منا دون نيل منـى
                                     ولو رأينـا  المنايـا  فـي  أمانينـا

       كما انه نظم مفاتيح البحور الشعرية الستة عشر.  ونظم باللهجة العامية وله نظم في الموشح  ولقد ابتدع صفي الدين الحلي الموشح المضمن كقوله:

   وحق الهوى ما خلت يوما عن الهوى   
   ولكن نجمي في المحبة قد هوى

  وما كنت ارجووصل من قتلي اكتوى
       واضنى فؤادي بالقطيعة والنوى

  ليــــــس في الهــــــوى عجــــــــــب       ان اصـــــابنـــــي النــــصــــب

 (حانـــــــــل الهــــــوى لعــــــــــــب         يســــتفـــزه الــــــــــــــطرب)

  اخـــــو الحـــــب لا ينفك صبا متيما     غريق دموع قلبه يشتكــي الظما

   لـــفرط البكا قد صار جلدا واعظما        فلا عجب ان يمزج المع بالــدما

  الــــــــــــــغرام انـــــحلـــــــــــــــه        اذ اصـــــــــــــاب مقتـــلـــــــــه

  (ان بكــــــــــى يحن لــــــــــــــــــه       لـــــيس ما به لـــــــــــــــــعب )



 وكذلك  له نظم  في الزجل والمواليا والقوما وغيرها والتي تكثر فيها الفاظ اللهجة المحكية او المحلية (العامية) .

ومن شعره فيها هذه الابيات :

كن عن همومك معرضاً  وكل الأمور إلى القضا

وانعـم بـطـول سـلامـة   تُسليك عما  قـد  مضى

فلربـمـا  اتسع المضيق  وربـمـا ضـاق  الـفـضا

ولـرب أمــر مـسـخـط     لك  في عواقبه رضى

الله  يفـعـل مـا  يـشاء     فـلا  تـكـن  مـتـعـرضا

وهناك نوع آخر من شعره يسمّى الشعر العاطل أو المهمل  يتميز بخلو كلماته من  التنقيط  منها قوله:

سَدَدَ  سَهماً  ما عَدا  روعَه
                                           ورَوّعَ العُصمَ، وللاُسْدِ صادْ

أمالكَ   الأمرِ  أرِحْ   هالِكاً
                                              مدرِعاً  للهَمّ  دِرعَ  السّوادْ

أراهُ  طولُ   الصدّ   لمّا عَدَا
                                             مَرامَهُ ما هَدّ  صُمَّ   الصِّلادْ

ودّ  وداداً  طارِداً   هَمَّهُ
                                               وما  مُرادُ  الحُرّ إلاّ  الوَدادْ

والمَكرُ  مَكرُوهٌ   دَها  أهلَهُ
                                              وأهلَكَ  اللهُ  لهُ  أهلَ  عادْ

  وله باع  في الكتابة النثرية الادبية ومن اثاره مايلي :

1- ديوان شعر كبير 
2- تائج الالمعية في شرح الكافية البديعية .
3- الدر النفيس في أجناس التجنيس .
4- العاطل الحالي: رسالة في الزجل والموالي،
5- الأغلاطي : معجم للأغلاط اللغوية
6- درر النحور في مدح الملك المنصور:قصائده المعروفة(الأرتقيات)،
7- صفوة الشعراء وخلاصة البلغاء 
8- الخدمة الجليلة: رسالة في وصف الصيد بالبندق.

 وعلى العموم  شعره رائق  وجيد ونتاجه الشعري كثير ويعد افضل  شعراء  هذه الفترة الراكدة او المظلمة وقيل لها فترة الدول المتتابعة ايضا   فهو  اميرشعرها  وامير شعرائها  بلا منازع .

    واختم بحثي بقصيدته في مدح السلطان الناصر (محمد بن قلاوون ) في مصر والتي تعد من اروع  قصائده  وهي من  عيون الشعرالعربي  :


أسبَلنَ من فَوقِ النّهودِ ذَوائِبا،
                                                  فجَعَلَنَ  حَبّاتِ القُلوبِ  ذَوائِبَا

وجَلَونَ من صُبحِ الوُجوهِ أشِعْة ً،      
                                                  غادرنَ فودَ الليلِ منها شائبَا

بِيضٌ دَعاهنّ الغبيُّ كَواعِبا،    
                                                 ولو استبانَ الرشدَ قالَ كواكبَا

وربائِبٌ، فإذا رأيتَ نِفارَها       
                                                 مِن بَسطِ أُنسك خِلتهنْ رَبارِبَا

سَفَهاً رأينَ المانَويّة َ عِندَما     
                                               أسلبنَ من ظلمِ الشعورِ غياهبَا

وسَفَرنَ لي فَرأينَ شَخصاً حاضراً
                                                  شُدِهتْ  بَصِيرَتُه، وقَلباً غائِبَا

أشرقنَ في حللٍ كأنّ وميضَها
                                                  شفقٌ تدرَّعُهُ الشموسُ جلاببَا

وغربنَ في كللٍ، فقلتُ لصاحبي:
                                               بأبي الشموسَ الجانحاتِ غواربَا

ومُعَربِدِ اللّحَظاتِ يَثني عِطفَهُ،
                                                فُخالُ مِن مَرَحِ الشّبيبَة ِ شارِبَا

حلوِ التعتبِ والدلالِ يروعُهُ
                                                 عَتبي ، ولَستُ  أراهُ إلاّ عاتِبَا

عاتَبتُهُ، فتَضرّجَتْ وجَناتُهُ،     
                                                 وازوَرّ  ألحاظاً  وقَطّبَ حاجِبَا

فأذابَني الخَدُّ الكَليمُ وطَرفُه
                                            ذو النّون، إذْ ذهبَ الغَداة َ مُغاضِبَا

ذو منظرٍ تغدو القلوبُ لحسنِهِ
                                                نهباً، وإنْ منحَ العيون مواهِبَا

لابدعَ إن وهبَ النواظرَ حظوة ً
                                                 نِعَماً، وتَدعوهُ القَساوِرُ سالِبَا

ملكٌ يَرى تعبَ المكارمِ راحة ً،
                                                  ويعدُّ راحاتٍ القراعِ متاعبَا

بمكارم تذرُ السباسبَ أبحراً؛    
                                                  وعَزائِمٍ تَذَرُ البحارَ سَباسِبَا

لم تخلُ أرضٌ من ثناهُ، وإن خلت.     
                                                 من ذكره ملئتْ قناً وقواضبَا

ترجى مواهبهُ ويرهبُ بطشُه،
                                                 مثلَ الزّمانِ مُسالِماً ومُحارِبَا

فإذا سَطا ملأ القُلوبَ مَهابَة ً؛
                                                  وإذا سخا ملأ العيونَ مواهبَا

كالغيثِ يبعثُ من عطاهُ وابلاً
                                             سبطاً، ويرسلُ من سطاه حاصبَا

كاللّيثِ يَحمي غابَهُ بزَئيرِهِ،     
                                            طورا ويُنشِبُ في القَنيصِ مَخالبَا

كالسيفِ يبدي للنواظرِ منظراً
                                            طَلقاً، ويُمضي في الهِياجِ مَضارِبَا

كالبَحرِ يُهدي للنّفوسِ نَفائِساً
                                                  منهُ، ويُبدي للعيونِ عَجائِبَا

فإذا نظرتَ ندى يديهِ ورأيهُ
                                                    لمْ تُلفِ إلاّ صائِباً أو صائِبَا

أبقى قلاونُ الفخارَ لولدهِ 
                                                 إرثاً، وفازوا بالثّناءِ مَكاسِبَا

قومٌ، إذا سئموا الصوافنَ صيّروا
                                                  للمجدِ أخطارَ الأمورِ مراكبَا

عَشِقوا الحُروبَ تَيَمّناً بِلقَى العِدى ،
                                                   فكأنهمْ حسبُوا العداة َ حبائبَا

وكأنّما ظَنّوا السّيوفَ سَوالِفاً،
                                                   واللُّدنَ قَدّاً، وللقِسيَّ حَواجِبَا

يا أيها الملكُ العزيزُ، ومن لهُ
                                                 شَرفٌ يَجُر على النّجومِ ذَوائِبَا

أصلحتَ بينَ المسلمينَ بهمة ٍ
                                                   تذرُ  الأجانبَ  بالودادِ  أقاربَا

ووهبتهم زمنَ الأمانِ، فمن رأى
                                                  ملكاً يكونُ لهُ الزمانُ مواهبَا

فرأوا خِطاباً كانَ خَطباً فادِحاً   
                                                   لهمُ، وكتباً  كنّ  قبلُ  كتائبَا

وحَرَستَ مُلكَكَ من رَجيمٍ مارِدٍ  
                                                   بعزامٍ إنْ صلتَ كنّ قواضبَا

حتى إذا خَطِفَ المكافحُ خَطفَة ً،
                                                    أتبعتهُ   منها  شهاباً  ثاقبَا

لا يَنفَعُ التّجريبُ خَصمَكَ بعدَما
                                                 أفنيتَ من أفنى الزمانَ تجاربَا

صرمتَ شملَ المارقين بصارمٍ،
                                                    تبديهِ مسلوباً فيرجعُ سالبَا

صافي الفرندِ حكى صباحاً جامداً،
                                                 أبدى النجيعَ به شعاعاً ذائبَا

وكتيبَة ٍ تَذَرُ الصّهيلَ رَواعَداً،
                                              والبيضَ برقاً، والعجاجَ سحائبَا

حتى إذا ريحُ الجِلادِ حَدَتْ لها
                                                مَطَرَتْ فكانَ الوَبلُ نَبلاً صائِبَا

بذَوائِبٍ مُلدٍ يُخَلنَ أراقِماً،
                                                  وشَوائِلٍ جُردٍ يُخَلنَ عَقارِبَا

تطأُ الصّدورَ مِنَ الصّدورِ كأنّما
                                                تعتاضُ من وطءِ الترابِ ترائبَا

فأقَمتَ تَقسِمُ للوُحوشِ وظائِفاً
                                                فيها، وتصنعُ للنسورِ مآدبَا

وجَعلتَ هاماتِ الكُماة ِ مَنابراً،
                                                وأقمتَ حدّ السيفِ فيها خاطبَا

يا راكِبَ الخَطَرِ الجَليلِ وقَولُهُ فخراً
                                               بمجدكَ، لا السيفِ فيها خاطبَا

صَيّرتَ أسحارَ السّماحِ بواكِراً،
                                                   وجعلتَ أيامَ الكفاحِ غياهبَا

وبذَلتَ للمُدّاحِ صَفوَ خَلائِقٍ،    
                                                  لو أنّها للبحرِ طابَ مشاربَا

فرأوْكَ في جَنبِ النُّضارِ مُفَرِّطاً،
                                              وعلى صلاتكَ والصلاة ِ مواظبَا

إنْ يَحرُسِ النّاسُ النُّضارَ بحاجِبٍ
                                               كانَ السماحُ لعينِ مالكَ حاجبَا

لم يَملأوا فيكَ البُيوتَ غَرائِباً،
                                                 إلاّ وقد مَلأوا البيوتَ رَغائِبَا

أولَيتَني، قبلَ المَديحِ، عِناية ً،
                                                 وملأتَ عَيني هَيبَة ً ومَواهِبَا

ورفعتَ قدري في الأنامِ، وقد رأوا
                                                  مثلي لمثلكَ خاطباً ومخاطبَا

في مجلسٍ ساوَى الخلائقَ في النّدى
                                                  وترتبتْ  فيهِ  الملوكُ  مراتبَا

وافَيتُهُ في الفُلكِ أسعَى جالِساً، 
                                              فخراً على من جاءَ يمشي راكباً

فأقَمتُ أُنفِذُ في الزّمانِ أوامِراً
                                              منّي، وأُنشبُ في الخطوبِ مَخالِبَا

وسقتنيَ   الدنيا غداة َ أتيتهُ
                                                 رَيّاً، وما مَطَرَتْ عليّ مَصائِبَا

فطفقتُ املأُ من ثناكَ ونشرهِ
                                                  حِقَباً، وأملأ من نَداكَ حَقائِبَا

أثني فتثنيني صفاتُك مظهراً
                                                عِيّاً، وكم أعيَتْ صِفاتُك خاطِبَا

لو أنّ أغصاناً جَميعاً  ألسُن
                                               تُثني علَيكَ لمَا قَضَينَ الواجِبَا



**************************


  




الشعر و  النهضة العربية

وامير الشعر فيها





     بدأ المجتمع العربي  ينهض من سبات عميق دام قرونا طويلة وقد بدت هذه اليقضة  في النصف الثاني من القرن التاسع عشر واوائل القرن العشرين  في وقت فتح المثقون والاحرار من رجال الدين  والمفكرون فيه عيونهم فرأوا شعبهم العربي يغط  في نوم عميق ومن فوقهم الاخرون الغرباء  يسومونهم  سوء  العذاب  ويحاولون طمس معالم  الامة العربية  والاستحواذ على كل خيراتها واشاعة روح الجهل والامية فيها من جهة  والاستبداد  والجثم على الرقاب  وبالقوة والاكراه  من جهة اخرى  فكانت  بداية  نهضة عربية  في سوريا ومصر ثم تبعتها في العراق وشمال افريقيا ثم شملت كل اقطار الامة العربية .

       و الادب العربي  مر بفترة ركود طويلة  بما فيه الشعر ,ثم  سرت فيه نفثة حياة  من جديد  كمريض بدأ يتماثل للشفاء فلابد ان يمر بفترة  نقاهة  تعيد له صحته وقوته  فسار في طريق التقدم ولايزال كذلك  وقد كان الادباء والشعراء  من اوائل  قادة  المجتمع العربي وهم اصحاب الرؤية الواضحة والفكر الوقاد ولهم الزعامة في السياسة والثقافة والثورة .

      بدت  روح النهضة  العربية  الادبية وعلى راسها الشعر في النصف الاول  من القرن التاسع اوقبيله بقليل – أي في نهايات العصر العثماني – بعد ان خمدت  وانتكست انتكاستها الكبرى خلال الفترة السوداء في تاريخ الامة العربية  ابتداءا من دخول المغول( ا لتتار)  بغداد وحتى بداية القرن التاسع عشر او قبيله  بقليل .

     وكانت الدولة العثمانية تجثم على انفاس الامة العربية  ومهيمنة على البلاد العربية  بحكمها القاسي  حكما استعماريا  ظالما – لا  فرق بين  استعمار واخر الكل يريد  تحقيق  مصالحه  على حساب البلد الذي ابتلعه ويروم جعله تحت  سيطرته مدة  اطول- ادى الى تأخر في مختلف  نواحي الحياة  وخاصة  الثقافية  فقد اتبع الاتراك  في نهاية حكمهم  سياسة تتريك العرب للغتهم العربية ونشر التركية في بلادهم وخاصة في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين  والقضاء على  لغتهم  الام – العربية - التي هي لغة القران الكريم والدين  الاسلامي الذي  يدين به الاتراك أي  فضلوا اللغة التركية على دينهم في  سبيل  نشر  لغتهم  وطمس معالم العربية في البلاد  التي تحت  سيطرتهم وخاصة قبيل الحرب العالمية الاولى وفي زمن  ( اتاتورك ) وكان  نتيجة  ذلك ان ساد الامة العربية  ثالوث  الفقر والجهل  والمرض .

     وقد ادى ذلك الى مهاجرة  جماعات من البلا د العربية خاصة  من   سوريا ولبنان  الى خارج بلادهم خوف القتل والتنكيل بهم من قبل الحاكمين الاتراك او الفرنسيين الذين جاؤوا واستعمروا البلاد من بعدهم  او من سايرهم من الحكام  العرب الذين كانوا يحكمون  اهلهم واخوانهم للاجنبي  وقد  اسس هؤلاء العرب المهاجرون  جاليات   وجماعات وجمعيات في  اميركا والبرازيل  وغيرها من الدول التي هاجروا  اليها  وبرز منهم  جماعات  في مجال الثقافة والادب والشعر  مثل  ايليا ابوماضي  وجبران  والمعلوف  وغيرهم.

      اما في الشرق العربي فقد دبت الحياة تسري  من جديد في الروح العربية  وخاصة النهضة الفكرية  وتسربت بين الشباب العربي وبعد اتصال البعض منهم بالغرب  مثل بريطانيا او فرنسا  اوغيرها واخذ شبابنا العربي  يتطلع  بما في هذه الشعوب  ويدرك ضرورة التخلص من الاستعمار  والثورة على  العادات والنظم البالية  والمتهرئة التي البسها هذا  الاستعمار  للامة العربية  وكذلك  كان من اسباب  هذه النهضة التمازج العربي مع الغربيين عن طريق الارساليات التبشيرية- ولو انها كانت تهدف الى استعمار من نوع جديد-  ودخولها الوطن العربي وايجا د المطابع ودخولها البلاد العربية ونشر الحرف العربي  والفكر العربي  وطبع بعض الكتب القديمة ومنها الدواوين الشعرية وكذلك فتح بعض المدارس باللغة العربية  بعد غزوة نابليون لمصر.

      ظل الشعر في فترة الانحطاط والتاخر – الفترةالمظلمة -  مطبوع بطابع الفردية تقليديا  وعناية الشاعر  تنطوي  على التزويق  اللغوي واللفظي  دون المعنى  وتحول  الى صناعة شعرية بحتة  تكثر فيها الصور التقليدية الماخوذة  ممن  سبقهم  وكثرت التشبيهات  الى حد  انعدام  المعاني  الشعرية الجديدة او طمسها .

       وكان الشعر العربي  في بداية  النهضة العربية  على موعد مع القدر، ينتظر من يأخذ بيده، ويبعث فيه روحًا جديدة تعيد  فيه الحركة والحياة، وتعيد له الدماء في الأوصال، فتتورد ابياته وتزدهر نضرة وجمالاً وابداعا - بعد أن ظل قرونًا عديدة واهن المعنى اسير الحكايات والمحاكاة ، قليل الحركة، كليل الموسيقى الشعرية  اوالقوافي والابداع .-  ليعيد نشاطه الواسع والثابت في النفوس العربية  المتعطشة اليه .

      وشاء الله تعالى  أن يكون الشاعر البارودي هو الذي يعيد الروح إلى الشعر العربي، ويلبسه أثوابًا قشيبة، زاهية  اللون، بديعة  الشكل  والصورة، ويوصله بماضيه التليد، بفضل موهبته الفذة وثقافته الواسعة وتجاربه الغنية.

   
 ولم يشأ الله تعالى أن يكون البارودي هو وحده فارس الحلبة ونجم عصره- وإن كان له فضل السبق والريادة- فلقيت روحه الشعرية الوثابة نفوسًا تعلقت بها، فملأت الدنيا شعرًا بكوكبة من الشعراء من أمثال: إسماعيل صبري، وحافظ إبراهيم، وأحمد محرم، وأحمد نسيم، وأحمد الكاشف، وعبد الحليم المصري.في مصر والكاظمي والزهاوي والرصافي  والنجفي في العراق وناصيف اليازجي  وابراهيم اليازجي وميخائيل نعيمة  وعمر ابو ريشة في الشام وابوالقاسم الشابي في تونس  وغيرهم كثيرفي بقية البلاد العربية  ومنهم شعراء  المهجر  وكان أحمد شوقي هو نجم هذه الكوكبة وأميرها بلا منازع عن رضى واختيار، فقد ملأ الدنيا بشعره، وشغل الناس، وأشجى القلوب

    اما في بداية هذا العصر فقد تغيرت  وطبعت بطابع التحرر والانطلاق  والدعوة الى الثورة  على كل ما خلفه الاستعمار  من اوضاع ومفاسد  وطبع الشعر بطابع التجديد من جديد  فتوسعت افق افكار  وخيالا ت  بعض الشعراء  بعد اطلاع بعضهم على الاداب الغربية   والتأثر بالشعر العربي القديم  الذي بدأ ينشر  من جديد في حركة ادبية بدأت  تتحرك وتتحرر  في البلاد   ومن الشعراء  من   اوجد  شعرا جديدا  فتحررمن قيود  القافية  كما هو الحال في الشعر الحر  الذي ظهر  حديثا  في الشعر العربي  ونتيجة اطلاع الشعراء العرب  على الفن المسرحي الغربي  فوجد الشعر التمثيلي .

        الشعر العربي  تميز في هذا الوقت بثوريته و وطنيته و يدعو الى استنهاض الهمم  والتخلص من الاستعمار والثورة على كل ما هو- قديم وبال  لا خير فيه لأمتنا  العربية – فكان  في اغلبه شعرا هادفا قاد البلاد الى حركة وطنية قومية  فكان الشعراء والمفكرون والادباء هم قا دة الثورات التحررية في الوطن العربي  ومذكوا  اوارها.

      اوجدت النهضة العربية  التي احدثت انقلابا في الحياة العربية الجديدة نوعا من  التقدم  الثقافي في  كل المجالات الثقافية بما فيها الدينية  والسياسية  والتاريخية  والادبية في النثر والشعر  كان نتيجته   نشوء  انواع جديدة  من الشعر مثل الشعرالحر والشعر المسرحي او التمثيلي او الشعرالمنثور كتب فيه جملة من الشعراء وخاصة  الذين تاثروا بالثقافة الغربية  اضافة الى  عمود الشعر  اذ بقي شامخا  يكتب فيه الكثير من  الشعراء العرب ولا يزال عمود الشعر هوالسمة الواضحة في الشعر العربي  .

     وعمود الشعر  هو الشعر  الموزون  المقفى ويدعى بالشعر التقليدي  ايضا  لانه  تقليد للشعر القديم  وامتداد له  في الوزن والقافية  فالشعر التقليدي هو هذا الشعر الذي نظم على  موسيقى بحر من البحورالشعرية العربية الستة عشر التي اوجدها العالم البصري الكبير الخليل الفراهيدي  وتولد القصيدة  على  روي واحد وقافية واحدة  ووزن  واحد  فالقصيد ة   العربية فيه وحدة متماسكة من حيث البناء كانها بيت واحد واغلب  شعر هذه الفترة  من هذا النوع الذي يمثل  اصالة الحضارة  العربية الادبية  .

      لقد حافظ الشعراء على اصالة عمود الشعر العربي  وموسيقاه  واوزانه والاسلوب الشعري القديم المتمثل  بالقافية  الواحدة والبيت الشعري الواحد المتكون من شطر وعجز في تنسيق  متسق وبحر واحد أي متساوي التفاعيل  الوزنية  او موحد الموسيقى الشعرية للبيت الواحد  بحيث تكون كل القصيدة مهما طالت  ذات تفاعيل محددة الوزن  ضربها الموسيقي واحد  لاتخرج عما رسمه في الاصل الشعراء العرب  وهو  الماءلوف في الوزن الموسيقي للشعر العربي   وكذلك  الالتزام  بالقافية الواحدة في القصيدة.

      وسيبقى كذلك عمود الشعر طويلا مرتفعا مهما اختلفت الاغراض والفنون الشعرية واساليب الشعراء  شامخا  وله االقدح المعلى والجو الانسب  على امتداد الوطن العربي حيث الاذن الموسيقية  العربية  جبلت عليه واستساغت سماعه  واستسمجت كل انواع الشعر الا اياه  فقديما وحديثا كانت القصيدة العربية  التقليدية هي الاساس الشعري في الادب العربي  وما جاء بعدها عيال عليها او تفرع منها  وليس الفرع  كالاصل  ومن قصائد عمود الشعر هذه الابيات  للشاعر العربي على محمود  طه في ا ستنهاض  همم  الشعب العربي  ودفعه الى الثورة  بوجه  الطغاة  يقول  فيها \

اخي  جاوز الظالمون المدى
                                                 فحق الجها  د  وحق  الفدا
 
اتركهم  يغصبون العروبة
                                                     مجد  الابوة  والسؤدد ا

وليسوا بغير صليل  السيوف
                                               يجيبون  صوتا لنا  او  صدى

 فجرد حسامك من غمده
                                                 فليس   له  بعد  ان   يغمد ا  

 اخي ايها العربي الابي
                                                اري اليوم موعدنا  لا     غدا 

اخي اقبل الشرق في امة
                                                ترد  الضلال  وتحي  الهد  ى

اخي ان في القدس  اختا لنا
                                               اعد  لها   الذابحون     المدى

صبرنا على غدرهم قادرين

                                                 وكنا   لهم     قدرا   مرصدا

 اخي قم الى قبلة  المشرقين
                                                      لنحمي    الكنيسة  والمسجدا

 يسوع الشيد على ارضها
                                                         يعانق  في  جيشه   احمدا      


         بدات  المحاولات الداعية الى التخلص من وحدة القافية  في القصيدة الواحدة في الشعر العربي  في العصر العباسي الثاني وفي الاندلس  كظهور الموشحات الاندلسية  والمواليا و المثلث والمربع والمخمس وحتى الزجل .

      ظل الشاعر العربي  ملتزما بوحدة القافية  و موسقى البحر الواحد  الا ان  في بدايات  القرن العشرين  ا وجد من شعراء المهجر من  دعى الى الثورة على الاسلوب الشعري القديم  فدعوا الى   التحرر من هذه القيود  فنظمو شعرا  من غير  وزن ومن غير قافية  او خرجوا فيه  عن المالوف في الوزن الموسيقي للشعر العربي  وكذلك  لم يلتزموا بالقافية الواحدة في القصيدة .

       وعن شعراء المهجر  تسربت هذه الحالة الجديدة في الشعرالعربي الى الاقطار العربية  فظهرت في اغلب البلاد  ما يسمى بالشعر الحرفهي اشبه بثورة  على الشعر القديم  شعر التفعيلة  في بناء القصيدة وقد التزمت  قصيدة  الشعر الحر نغمة  البحور الحرة  السبعة  من  بحور الفراهيدي  فتخلصوا من نظام الشطروالعجز وابتعدوا عن النظم  بالعمود الشعري  المتسق المتناسق في البناء وظهرت منازعات بين رواد الشعر  العمودي الذين اعتبروا  الشعر الحر ضرب من انواع النثر  وانه نقص في  شاعرية الشاعر او في اذنه الموسيقية اخرجته عن المالوف وبين رواد الشعرالحديث الذين يعتبرونه من متطلبات العصرالحديث.

    ولا اعلم  ان  كانت هذه  الطريقة  اهي نقص  في شاعرية الشاعر العربي الحديث مع العلم  ان هناك قصائد في الشعر الحر رائعة وجميلة وذات خيال شاعري يهز الوجدان هزا ام انها  طريقة جديدة مبتكرة  لنظم الشعر اقتضتها  ظروف الحياة في هذا العصر  الا  اني اقول  ان طبيعة العربي  ستبقى متاثرة  بالقصيدة الشعرية ذات التفعيلة  الواحدة والقافية الواحدة لدى سماعها او مطالعتها  وتشد المواطن العربي اليها  اكثر من قصيدة الشعر الحر الخالية ويظل المواطن العربي ينظر الى قصيدة الشعر الحر انها  تمثل  قصيدة النثر وقد اثبت الزمن صحة ذلك خلا ل هذه الايام على كثرة ما قيل في الشعرالحر  ونظم فيه من دواوين  شعرية  واني رغم كتابتي بعض قصائدي على نسق الشعرالحر وفي قصيدة النثر الا اني افضل  القصيدة  العمودية الموزونة المقفاة عليها .

    واشعر انها  قصيدة  الشعرالعربي  قديما وحديثا  واني شعرت  حين اكتب القصيدتين ان  الاولى اعلى قدرا  وافضل سماعا   واكثر تاثيرا في الوجدان العربي   ومع هذا تبقى قصيدة النثر حاجة ملحة  لشعر هذا العصر ولعلي ارجع يوما  للتفضيل بينهما واكتب فيهما .
  
     من اشهر شعراء  قصيدة الشعرالحر وروادها  بدر شاكرالسياب  وعبد الوهاب البياتي وصلاح عبد الصبور  ونازك الملائكة  وميخائيل نعيمة  وجبرا ن خليل جبران  وغيرهم كثير

 ومن الشعرالحر هذا النموذج للشاعرة نازك الملائكة تقول :

في دجى الليل العميق
راسه النشوان القوه هشيما
واراقوا دمه الصافي الكريما
فوق احجار الطريق

-------------------

وصباحا دفنوه
واهالوا حقدهم فوق ثراه
عارهم ظنوه لن يبقى شذاه
ثم سارو ا ونسوه

-----------

حسبوا الاعصار  يلوي
ان تحاموه بستر اوجدار
وراءو ان يطفؤا  ضوء النهار
غير ان المجد اقوى

------------------

ومن القفبرالمعطر
لم يزل منبعثا صوت الشهيد
طيفه اثبت من جيش عنيد
جاثم لا يتقهقر

-------------------
يا لحمقى اغبياء
منحوه حين اردوه شهيدا
الف عمر  وشبابا وخلودا
وجمالا   ونقاء

*     *   *
        ومن الفنون الشعرية الحديثة التي ظهرت جراء النهضة العربية  الشعر التمثيلي او المسرحي وهو فن طارئ على  الادب العربي اقتبسه العرب نتيجة اتصالهم بالغرب  وتاثرهم بهم من خلال البعثات  الثقافية والترجمة  واطلاع بعضهم على المسارح الغربية  فقد اطلع الشعراء  العرب على حركة المسارح الغربية وما يعرض فيها  مما  كتبه الادباء الغربيون  من مسرحيت  شعرية  مثلت على المسارح  فاقدم  بعض شعرائنا على محاكاتهم  بدافع حب التشابه الى  نظم مسرحيات  تمثيلية باللغة العربية  فنظموها  شعرا .

       وقد نجح هذا النوع من الشعر في اول  بداياته   الا انه ركد او مال الى الركود  مع مرورالزمن  وقد كانت اغلب الروايات الشعرية   مستقاة مادتها من التاريخ ومن اشهر من كتب في هذا الشعر واوجده  الشعراء  احمد شوقي وعزيز اباظة من مصر و خالد الشواف من العراق  وغيرهم  .
  وهذا مقطع من  مسرحية –كليوباترة  -  شعر احمد شوقي  -

       اونيس – محاولا  اسعاف الجرح –

 تلك انفاسه  توالى  وهذا         جسمه لا يزال  غضا طريبا

 هو   ذا قد تخلجت شفتاه      وتهيا     لسانه        ليثو  با

ايها الملائكة  ارفقي بجريح    بات  تحت الرواء جرحا صبيبا

لاتناديه   بالدموع   مرارا        ربما  ضر  جرحه  ان يجيبا

  انطونيو-

 كليوباتره  عجب انت  هنا     لم تموتي  هم اذن مكذبون

    كليوباترة –

  سيدي  روحي حياتي  قيصري     امن حي

   انطونيو

        بعد حين لا اكون

 كليوباتره

  من  تعاني  كذبا  من قالها  لك

 انطونيو

                                اوملبوس    النذل     الخؤون

    مر فاستوقفته  اساءله
                                 قال  ماتت فتجرعت المنون 

*    *    *
                  
         تميز الشعرالعربي في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين  بنهضته وثوريته  فكان الشعر سياسيا  ثوريا  ناهضا  وكان الدافع الرئيس لهذا الامر هو الحالة الجديدة الناهضة في الوطن العربي  فقد شارك الشعراء العرب في اذكاء كل حركات التقدم و الثورة العربية وكا نوا رؤوساء  او دعاة لها او مشتركين فعليا فيها فهم الاساس الاول في النهضة العربية لذلك  فالمطلع على شعر شعراء النهضة العربية في بدايات هذا العصر يجد ان القصيدة العربية  تقطر د ما  في ثورة جامحة  صارمة  كأن ابيات قصائدهم  سيوفا مصلتة  مسلولة من اغمادها وهم قد ركبوا  جيادهم  للجها د  في سبيل الحق  ونصرة شعبهم  والذود  عن وطنهم  المسلوب  وهم  يرون ان الامم  قد تقاسمت اسلابهم فهتفوا في الشعب العربي  وتغنوا ببطولات هذا الشعب الذي استجاب لهذا  النداء فهب كالمارد يشق طريقه الى الحرية و الانعتاق  وطرد  الاستعمار  وينشد  النور والامان و بالايمان  بقدراته  وروحيته الابية  الطامحة الى العلو والارتقاء  والثورة  والرفعة .

      والشعر السياسي يمثل الاحداث العربية  تمثيلا صادقا فقد ذكرت فيه الصغيرة والكبيرة  من الاحداث التي ألمت  بالامة العربية وكان الشعراء  صوت الشعب الهادر والمدوي.

        فالشعرالعربي كان  نارا تلتهب  لتحرق ظهور المستعمرين   وثورة في نفس العربي  تزيدها  قوة  واندلاعا   فالشعراء  كل الشعراء هتفوا للتحرر العربي  وطرد المعتدين  والفخر في الشخصية العربية واذكاء نار الثورة فيها . يقول الشاعرالاخطل الصغير في هذه الابيات من قصيدته ( سائل العلياء عنا والزمانا ):

  سائل  العلياء  عنا  والزمانا
                                                هل  خفرنا ذمة  مذ عرفا نا

المروءات  التي   كانت   بنا
                                              لم تزل  تجري سعيرا في دمانا

ضجت الصحراء تشكو عريها
                                              فكسوناها  زئيرا      ود خا نا

ضحك المجد  لنا لما رءانا
                                               يد م الابطال  مصبوغا  لوانا

عرس  الاحرار ان يسقى العدى
                                             اكؤسا حمرا وانغاما   حز ا نا


            ومع كل ماتقدم   نقول ان الفنون الشعرية في  بدايات عصر   النهضة  العربية  التي ظهرت حديثا وانشد فيها شعراءالعربية قصائدهم   كثيرة  الا ا ن اغلبها كا ن في الثورة العربية والتغني بامجادها  ورموزها  وتكريس ما لاقته  البلاد العربية من نكبات واحداث  ومن اهمها  نكبة دمشق  ونكبة ضياع فلسطين  واستلاء  اليهود عليها . 

   لذا تبقى هذه  القصائد الوطنية هي السمة الغالبة لهذا العصر والمحرك القوي  للشبا ب العربي المؤمن  برسالة  امته  واعادتها الى سالف عهدها التليد .




******************************************

























محمود سامي البا رودي

امير شعراء النهضة العربية




             ولد محمود سامي البارودي عام \1839 ميلادية  ، وكان أبوه حسن حسين بك البارودي من أمراء المدفعية ثم صار مديرا لمنطقة         ( بربر) ومن ثم (دنقلة) في عهد الوالي  محمد علي باشا والي مصر ، وكان جده لأبيه عبد الله بك الجركسي كشافا في عهد محمد علي  ومأمورا وأحد أجداد الشاعر واسمه  مراد بن يوسف شاويشا ملتزما في العصر العثماني لبلدة (آيتاي البارود) إحدى مناطق  محافظة البحيرة، وقد لقب بالبارودي نسبة الى هذه المنطقة   وبقيت  هذه التسمية ملازمة لعائلته من بعده .

          وكان أجداده بربطون نسبهم  بنسب  المماليك حكام مصر  وانهم منهم  وكان الشاعر محمود سامي البارودي  شديد الاعتزاز بهذا النسب في شعره وفي كل أعماله ، و كان له فيه اثرا قويا في جميع أدوار حياته وفي المصير الذي انتهى أليه .

     توفى والده وهو في السابعة من عمره فكفلته امه تر بية  وتدريسا وسهرت على تعلمه.

          تلقى البارودي وهو في السابعة من عمره دروسه الأولى في البيت فتعلم القراءة والكتابة، وحفظ القرآن الكريم، وتعلم مبادئ النحو والصرف، ودرس شيئًا من الفقه والتاريخ والحساب، ثم التحق وهو في الثانية عشرة من عمره بالمدرسة الحربية.

           ابتدات  مظاهر حبه وشغفًه بالشعر العربي تظهر في  شخصيته ودراسته  فحفظ الكثير من شعر الشعراء القدامى وخاصة شعراء العصر الاموي والعباسي  مثل جرير والاخطل والفرزدق وابي تمام والبحتري  والمتنبي  وابن زيدون  وكثير من  الشعراء الفحول، فنظم الشعر واجاد وابدع  فكان شاعرا فذا وهو في عمر الصبا ومقتبل الشباب  .

           وبعد أربع سنوات من الدراسة تخرّج عام\ 1845م برتبة (باش شاويش ) ثم سافر إلى إستانبول مقر الخلافة العثمانية، والتحق بوزارة الخارجية، وتمكن في أثناء إقامته من إتقان اللغتين  التركية والفارسية ومطالعة آدابهما، وحفظ  كثيرًا من الأشعار بهما، ودعته سليقته الشعرية المتوهجة إلى نظم  الشعر بهما . وفي  أثناء عمله  بالجيش  اشترك  في الحملة العسكرية التي خرجت سنة (١٢٨٢ هـ - ١٨٦٥م) لمساندة جيش الخلافة العثمانية في إخماد الفتنة التي نشبت في جزيرة (كريت)، وهناك أبلى البارودي بلاء حسنًا، وجرى الشعر على  لسانه  يتغنى  ببلده  الذي فارقه، ويصف جانبًا من الحروب التي خاض غمارها، يقول في رائعة من روائعه الخالدة :

أخذ  الكرى  بمعاقد  الأجفان
                                                وهفا السرى بأعنة الفرسان

والليل منشور الذوائب ضارب
                                               فوق المتالع  والربى  بجران

لا تستبين العين في ظلماته
                                               إلا     اشتعال  أسِنَّة   المران


    كان الشعر العربي على موعد مع القدر، ينتظر من يأخذ بيده، ويبعث فيه روحا جديدة  تبعث فيه الحركة والحياة من جديد، وتعيد  له الحياة والحركة  في الأوصال، فتتورد وجنتاه نضرة وجمالاً بعد أن ظل قرونًا عديدة واهن البدن،راكد الحركة، كليل البصر.

     وشاء الله أن يكون البارودي هو الذي يعيد الروح إلى الشعر العربي، ويلبسه أثوابًا  قشيبة، زاهية الالوان، بديعة الشكل  والصورة، ويوصل حاضره  بماضيه التليد، بفضل موهبته الفذة وثقافته الواسعة وتجاربه الغنية.

           أن ولاية مصر الت   إلى الخديوي  عباس الأول ثم إلى سعيد وكان عباس قد عدل عن خطة محمد علي الذي نظّم الجند وتقدمه حين لاحظ  ان  الدولة العثمانية تنظر إلى الجيش المصري بعين الريبة والقلق وهذا  ما جعله  يغير خطته   ويبتعد عن  كل ما يقدم الجيش والتعليم كافة   لذا تعطلت النهضة  التي كانت متصلة بالجيش و في الصناعة والدراسة  والتعليم .مما اثر على الحياة  الثقافية  في البلاد عموما .

          ترقى البارودي في السلك العسكري والسلك المدني، وحصل على أعلى المراتب، فكان وزيراً للمعارف والأوقاف ووزيراً للحربية والبحرية في عهد الخديوي توفيق.

      وبعد عودة البارودي من حرب جزيرة ( كريت)  تم نقله إلى المعية الخديوية ياورًا خاصًا للخديوي إسماعيل، وقد بقي في هذا المنصب ثمانية أعوام، ثم تم تعيينه كبيرًا لياوران ولي العهد ( توفيق بن إسماعيل)  في  ( يونيو ١٨٧٣م)، ومكث في منصبه سنتين ونصف السنة، عاد بعدها إلى معية الخديوي إسماعيل  كاتبًا  لسره (سكرتيرًا)، ثم ترك منصبه في القصر وعاد إلى الجيش.

      ولما استنجدت الدولة العثمانية بمصر في حربها ضد روسيا ورومانيا وبلغاريا والصرب، كان البارودي ضمن قواد هذه الحملة الضخمة التي بعثتها مصر للقتال  ولنجدة  الدولة  العثمانية العلية، ونزلت  الحملة  في (وارنة) أحد  ثغور البحر الأسود، وحاربت في ( أوكرانيا)  بكل  بسالة وشجاعة، غير أن الهزيمة لحقت بالعثمانيين، وألجأتهم إلى عقد معاهدة (سان استفانوا) في ( مارس ١٨٧٨م)، وعادت الحملة إلى مصر، وكان الإنعام على البارودي برتبة اللواء والوسام المجيدي من الدرجة الثالثة، ونيشان الشرف؛ لِمَا قدمه من ضروب الشجاعة             و البطولة.

           وبعد عودة البارودي من حرب البلقان تم تعيينه مديرًا لمحافظة الشرقية في ( إبريل ١٨٧٨م)، ثم سرعان ما نقل محافظًا  للقاهرة، وكانت مصر في هذه الفترة تمر بمرحلة حرجة من تاريخها، بعد أن غرقت البلاد في الديون، وتدخلت  إنجلترا وفرنسا في توجيه السياسة المصرية، بعد أن صار لهما وزيران في الحكومة المصرية، ونتيجة لذلك نشطت الحركة الوطنية وتحركت الصحافة، وظهر تيار الوعي الديني الوطني الذي يقوده الداعية الاسلامي ( جمال الدين الأفغاني ) لإنقاذ  العالم  الإسلامي من الاستعمار، وفي هذه الأجواء المشتعلة تنطلق قيثارة البارودي بقصيدة ثائرة تصرخ في أمته، توقظ  النائم  وتنبه الغافل،  يقول :

جلبت أشطر هذا الدهر تجربة
                                               وذقت ما فيه من صاب ومن عسل

فما وجدت على الأيام  باقية
                                               أشهى إلى النفس من حرية العمل

لكننا  غرض  للشر في  زمن
                                                  أهل العقول به في طاعة الخمل

قامت به من رجال السوء طائفة
                                           أدهى على النفس من بؤس على ثكل

ذلت بهم مصر بعد العز واضطربت
                                                قواعد  الملك  حتى  ظل  في  خلل

       
     وبينما كان محمد شريف باشا رئيس مجلس النظار يحاول أن يضع للبلاد دستورًا قويمًا يصلح أحوالها ويرد كرامتها، فارضًا على الوزارة مسؤوليتها على كل ما تقوم به أمام مجلس  النواب، فإذا بالحكومة الإنجليزية  والفرنسية  تكيدان للخديوي إسماعيل عند الدولة  العثمانية ل بسبب إقصائه وزيريهما الأجنبيين عن الوزارة، وإسناد  نظارتها  إلى شريف باشا الوطني الغيور، وأثمرت سعايتهما، فصدر قرار من الدولة العثمانية بخلع  إسماعيل  وتولية  ابنه توفيق حاكما لمصر .

           غير أن (توفيق) نكص على عقبيه  بعد أن  تعلقت به  الآمال في الإصلاح، فقبض على (جمال الدين الأفغاني)  ونفاه من البلاد، وشرد أنصاره ومريديه، وأجبر شريف باشا على تقديم استقالته، وقبض هو على زمام الوزارة، وشكّلها  تحت رئاسته، وأبقى البارودي في منصبه وزيرًا للمعارف  والأوقاف، بعدها صار وزيرًا  للأوقاف  في وزارة رياض .

          وقد نهض البارودي بوزارة الأوقاف، ونقح قوانينها، وكون لجنة من العلماء والمهندسين والمؤرخين للبحث عن الأوقاف المجهولة، وجمع الكتب والمخطوطات الموقوفة  في المساجد، ووضعها في مكان واحد، وكانت هذه المجموعة  نواة  لدار الكتب المصرية التي أنشأها علي مبارك، كما عُنى بالآثار العربية وكوّن لها لجنة لجمعها، فوضعت ما جمعت في مسجد الحاكم حتى تُبنى لها دار خاصة، ونجح في تولية  صديقه  محمد عبده في تحرير صحيفة الوقائع المصرية، فبدأت الصحافة في مصر عهدًا جديدًا.

          ثم تولى البارودي وزارة الحربية خلفًا لرفقي باشا إلى جانب وزارته للأوقاف، بعد مطالبة حركة الجيش الوطنية بقيادة عرابي بعزل رفقي، وبدأ البارودي في إصلاح القوانين العسكرية مع  زيادة   رواتب الضباط  والجند، لكنه لم يستمر في المنصب طويلاً، فخرج من الوزارة بعد تقديمه استقالته في ( ٢٢ من اب  (أغسطس) ١٨٨١م)؛ نظرًا لسوء العلاقة بينه وبين رياض باشا  الذي اصبح  رئيسا للوزراء، الذي دس   له عند الخديوي.

        ثم عاد شاعرنا  البارودي مرة أخرى إلى نظارة الحربية والبحرية في الوزارة التي شكلها  شريف باشا عقب مظاهرة عابدين التي قام بها  الجيش  في  ايلول (سبتمبر ) \ ١٨٨١م، لكن هذه الوزارة  لم تستمر طويلاً ،  حيث كلف  البارودي  بتشكيل   البارودي الوزارة الجديدة  في ٢٤  من شباط ( فبراير) ١٨٨٢م) فعين أحمد عرابي وزيرًا للحربية، و( محمود فهمي ) للأشغال؛ ولذا أُطلق على وزارة البارودي وزارة الثورة؛ لأنها ضمت ثلاثة من زعماء الثورة المصرية ( البارودي  واحمد عرابي  ومحمود فهمي ) .

            وافتتحت الوزارة أعمالها بإعداد الدستور، ووضعته بحيث يكون موائمًا لآمال الأمة، ومحققًا لأهدافها، وحافظا لكرامتها واستقلالها، وحمل البارودي نص الدستور إلى الخديوي، فلم يسعه إلا أن يضع خاتمه عليه بالتصديق، ثم عرضه على مجلس النواب.

             تم كشف مؤامرة قام بها بعض الضباط الجراكسة لاغتيال البارودي وعرابي، فتم تشكيل محكمة عسكرية لمحاكمة المتهمين، فقضت بتجريدهم من رتبهم ونفيهم إلى أقاصي السودان، ولمّا رفع البارودي الحكم  إلى الخديوي توفيق  للتصديق  عليه، رفض الخديوي تصديقه بتحريض من قنصلي إنجلترا  وفرنسا،  فغضب البارودي، وعرض الأمر على مجلس النظار،  فقرر أنه ليس من  حق  الخديوي أن يرفض قرار المحكمة العسكرية العليا وفقًا  للدستور،ثم عرضت  الوزارة  الأمر على
 مجلس  النواب، فاجتمع  أعضاؤه  في منزل  البارودي، وأعلنوا تضامنهم  مع الوزارة التي  كان يراسها البارودي، وضرورة  خلع  الخديوي  ومحاكمته إذا استمر على دسائسه.

        انتهزت إنجلترا وفرنسا هذا الخلاف، وحشدتا أسطوليهما في الإسكندرية، منذرتين بحماية الأجانب، وقدم قنصلاهما مذكرة في(٢٥ من مايس (مايو) ١٨٨٢م) بضرورة استقالة الوزارة، ونفي عرابي، وتحديد إقامة بعض زملائه، وقد قابلت وزارة البارودي هذه المطالب بالرفض في الوقت الذي قبلها الخديوي توفيق ورحب بها ، ولم يكن أمام البارودي سوى الاستقالة، ثم تطورت الأحداث، وانتهت بدخول الإنجليز مصر، والقبض على زعماء الثورة العرابية وكبار القادة المشتركين بها، وحُكِم على البارودي وستة من زملائه بالإعدام، ثم خُفف إلى النفي المؤبد إلى جزيرة( سرنديب).

         أقام البارودي في الجزيرة سبعة عشر عامًا وبعضا من عام، وأقام مع زملائه في ( كولومبو) سبعة أعوام، ثم فارقهم إلى مدينة ( كندي) بعد أن دبت الخلافات بينهم، وألقى كل واحد منهم فشل الثورة على أخيه، وفي المنفى شغل البارودي نفسه بتعلم الإنجليزية حتى أتقنها، وانصرف إلى تعليم أهل الجزيرة اللغة العربية ليعرفوا لغة دينهم الحنيف، وإلى اعتلاء المنابر في مساجد المدينة ليُفقّه أهلها بشعائر الإسلام.

        وطوال هذه الفترة كان البارودي ينشد الشعر ويقرض القصيد فكانت   قصائده  خالدة، في المنفى  يسكب فيها آلامه وحنينه إلى الوطن، ويرثي من مات من أهله  وأحبابه  وأصدقائه، ويتذكر أيام شبابه ولهوه وما آل إليه حاله، ومضت به أيامه في المنفى ثقيلة واجتمعت عليه علل الأمراض، وفقدان الأهل والأحباب، فساءت  صحته، واشتدت  وطأة المرض عليه، ثم سُمح له بالعودة بعد أن تنادت الأصوات وتعالت بضرورة  ارجاعه إلى الوطن، فعاد في (١٢من ايلول ( سبتمبر ١٨٩٩)م

       بعد سلسلة من أعمال الكفاح والنضال ضد فساد الحكم وضد الإحتلال الإنجليزي لمصر عام \1882 قررت السلطات الحاكمة نفيه مع زعماء الثورة العرابية في كانون الاول عام  1882 إلى جزيرة (سرنديب( .  اي جزيرة (سريلانكا ) الحالية مع مجموعة من رفاقه الثوار وعندها اطل شاعرنا على ساحل مصر ليلقي عليه نظرة وداع , حسرة  المت بقلبه ، وما تكاد الباخرة تغادر أرض النيل الى  جزيرة ( سرنديب ) حتى تشتد  عواطف الشاعر الدافقة لتتحول إلى مشهد حزين ينتهي إلي تجربة شعرية  صادقة تتجسد في  قصيدته النونية :

ولما  وقفنا   للوداع   وأسبلت
                                                   أهبت  بصبري أن يعود فعزّني


وما هي  ألا  خطرة   ثم  أقلعت
                                                  مدامعنا  فوق  الترائب  كالمزنٍ

وناديت حلمي أن يثوب فلم يغن
                                               بنا عن شطوط الحي أجنحة السفن


      وهكذا  ظل في المنفى أكثر من سبعة عشر عاماً يعاني الوحدة والمرض والغربة عن  وطنه , بعد أن بلغ الستين من عمره اشتدت عليه وطأة المرض وضعف بصره وبناء على توصية الاطباء  تقررت عودته إلى وطنه مصر للعلاج ، فعاد إلى مصر  كما اسلفت وكانت فرحته غامرة بعودته إلى الوطن وأنشد قصيدته  ( أنشودة العودة ) التي تعتبر من روائع  الشعر العربي  :

أبابلَ  رأي العين  أم هذه  مصـر ُ
                                               فإني أرى فيها عيوناً هي السحرُ

نواعسَ أيقظن الهوى بلواحـظٍ
                                             تدين لها بالفتْكةِ البيضُ و السمرُ

فليس لعقلٍ دون سلطانها حـمىً
                                                 ولا  لفؤادٍ  من غشْيَانِها  سترُ

فإن يكُ موسى أبطل السحرَ مرةً
                                            فذلك عصر المعجزات  و ذا عصرُ

        كان البارودي في شعره السياسي ناقداً اجتماعياً وثائراً وطنياً ومصلحاً صريحاً شديد الحرص على حرية أبناء بلده ناقداً لهوانهم وذلهم وتهاونهم في الرد على الظلم والسكوت عليه لاحظ  اليه  يقول :

وكيف ترون الذل دار إقـــامـة
                                    وذلك فضل الله في الأرض واسـعُ

أرى رؤوساً قد أينعت لحصادهــا
                                    فأين ـ ولا أين ـ السيوف القواطعُ ؟

فكونوا حصيدا خامدين أو افزعـوا
                                    إلى الحرب حتى يدفع الضيم دافـع

أهبت فعاد الصوت لم يقض حاجـة
                                      أليّ ولبّاني الصدى وهو طائـــعُ

فلم ادرِ أن الله صور قبلكـــــم
                                       تماثيل   يخلق لهن   مسامـــــعُ

         وكثيرا ما تغنى بمصر وجمالها وسحرها لاسيما في المنفى إذ ظلت تلك القصائد تؤكد مشاعره تجاه احبته ووطنه وامته انظر اليه  يقول :

فيا (مصر) مدّ الله ظلك وارتوى
                                                  ثراك بسلسال من النيل دافــقِ

ولا برحت تمتار منك يد الصـبا
                                                   أريجا يداوي عرفه كل ناشــقِ

فانت حمى قومي ومشعب أسرتي
                                               وملعب أترابي ، ومجرى سوابقي

بلاد بها حل الشباب تمائمـــي
                                                    وناط نجاد المشرفيّ بعانقـــي

          امتازت   مراثي البلاد  عند البارودي بصدق الإحساس ورقة العاطفة لذا فانه لم يرث صديقاً أو قريباً إلا كان رثاؤه صادقاً بعيداً عن شعر المناسبات، ويبدو على شعره الحزن العميق بعد أن تسلم خبر وفاة زوجته وتعد هذه القصيدة من عيون الشعر العربي في رثاء الزوجات يقول:

أَيَدَ  المنون  قدحت  أي زنـــاد
                                            أطرت أية    شعلة  بفــــؤادي

أوهنت عزمي وهو حملة فيلق
                                          وحطمت عودي وهو رمح طراد

لا ادري هل خطب ألم بساحتي
                                            فأناخ ، أم سهم أصاب سوادي ؟

أقذى العيون فأسبلت بمدامـع
                                                تجري على الخدين كالفرصـاد

ما كنت احسبني أراع لحـادث
                                                حتى منيت به  فأوهـــن   آدي

أبلتني الحسرات حتى لم يكـد
                                                جسمي  يلوح  لأعين الـــعوّاد

استنجد الزفرات وهي لوافـح
                                                  وأسفه العبرات وهي بــوادي

       بعد عودته إلى القاهرة ترك العمل السياسي، وفتح بيته للأدباء والشعراء، يستمع إليهم، ويسمعون منه، وكان على رأسهم  احمد شوقي وحافظ  ومطران، وإسماعيل صبري، وقد تأثروا به ونسجوا على منواله، فخطوا بالشعر خطوات واسعة، وأُطلق عليهم (مدرسة النهضة )أومدرسة الأحياء .

      ولم تطل الحياة  بالبارودي  بعد عودته من المنفى  اذ  توفته المنية  في الرابع من شوال  سنة\ 1322هـجرية  الموافق ، 12 من ايلول  (ديسمبر ) 1904م، بعد سلسلة  من الكفاح والنضال .

           ويعد البارودي قمة الشعراء  وشافتهم وباعث النهضة الشعرية الحديثة في الشعر العربي، فقد نجح في تحميل الإطار القديم تجارب حياته الخاصة، كما  نجح  في إعادة الشعر العربي إلى ما كان عليه في عصوره الزاهرة، فأضحى شعره يماثل شعر الفحول في صدر العصر العباسي. كابي تمام   والبحتري والمتنبي  وساعده ذكاؤه الحاد وموهبته الفذة على تحقيق هذا  الهدف  فكثرت معارضته الشعراء الأقدمين وتقليد أساليبهم , ومعانيهم الشعرية في بناء القصيدة ، وبذلك أصبح رائد حركة إحياء الأدب العربي الحديث، وكان عظيم التأثير في المدارس الشعرية التي اتت من بعده ،وفي شعره تلاحظ  تجديدًا ملموسًا من حيث التعبير عن شعوره وإحساسه، وله معان جديدة وصور  رائعة مبتكرة يعد  امير الشعر  وباعثه من ركوده الذي خيم عليه قرونا طوالا واميرا للشعراء من جاء قبله  او بعده  بقليل  ويعد مجيئ البارودي طفرة نوعية في عالم الشعرالعربي  من حيث الاساليب والمعاني والاغراض  .

       وقد نظم الشعر في كل أغراضه المعروفة من غزل ومديح وفخر وهجاء ورثاء، مرتسمًا   نهج  الشعر العربي القديم، غير أن شخصيته كانت واضحة في كل ما نظم؛ فهو الضابط الشجاع، والبطل المغوار الثائر على الظلم، والمغترب عن الوطن، والزوج الحاني، والأب الشفيق، والصديق الوفي.. ونلاحظ  في شعره  تجديدًا ملموسًا من حيث التعبير عن شعوره وإحساسه، وله معان جديدة وصور مبتكرة.


 اثاره الادبية:

1-  ديوان شعر يزيد عدد أبياته على خمسة آلاف بيت، طبع في أربعة مجلدات،
2- قصيدة طويلة عارض بها البوصيري، أطلق عليها (كشف الغمة)
3- ( قيد الأوابد) وهو كتاب في النثر سجل فيه خواطره ورسائله بأسلوب مسجوع،
 4- (مختارات البارودي)وهي مجموعة انتخبها الشاعر من شعر ثلاثين شاعرًا من فحول الشعراء  العباسين ، يبلغ نحو ٤٠ ألف بيت.


       وفي الختام  اخترت من جميل قصائده  هذه القصيدة النونية :

 مــحــا البــيــنُ ما أبقتْ عيون المها مني
                                 فـشِـــــــــبتُ ولم أقضِ اللُّبانة من سني
   
 عـــناءٌ ، ويــــأسٌ ، واشــــتيــــاقٌ وغــربةٌ
                                 ألا ، شــدَّ ما ألقـــــاه في الدهر من غبنِ
  
 فإن أكُ فــــارقـــــــتُ الــــديار فـــلي بـها
                               فُــــــؤادٌ أضـــــــلتْهُ عــــيـــون المها مِني
   
 بعــــثــــتُ به يــــوم النـــوى إثـــــرَ لَحْظَةٍ
                                      فأوقــــعــــه المِقدارُ في شَـرَكِ الحُــسنِ
   
 فـــهل من فتى في الدهــــر يجمع بـينـنا
                                    فـــلـــيــس كِلانا عــن أخــيه بمـسـتغــنِ
   
 ولــما وقـــفــــنـا لِلــوَدَاع ، وأســـبَــلَـــتْ
                                   مـــــدامـــعنا فـــــوق التـــرائب كالمـــزن
   
 أهـــبتُ بـــــــصبري أن يعودَ ، فــعـــزنـي
                                   وناديت حــلــمــي أن يـثــوب فــلــم يُغـنِ
  
 ولمْ تَــمـْــضِ إلا خَــطْــرَةٌ ، ثــــم أقلــعـت
                                      بنا عـــن شطوط الحـــي أجـنِحةُ السُّفْـنِ

     فـكم مُـــــهجةٍ من زَفْرَةِ الوجدِ في لــظى
                                     وكم مُقـْــــلَةٍ مِنْ غــزرة الدمــع في دَجْنِ
  
 ومـــا كــــنتُ جــــربتُ النـــوى قبل هـذه
                                     فـــلما دهــــتني كِدتُ أقــضي من الحزن
  
 ولكـــنني راجـــعــــتُ حِــــلْمـِي ، وردني
                                    إلى الحَــــزْمِ رأيٌ لا يــحـــومُ عــلـى أَفْنِ
  
 ولولا بُـــنــيــاتٌ وشِـــيـــبٌ عــــــــواطـــلٌ
                                       لــمــا قَــرَعَـتْ نفـسي على فائِتٍ سِني
   
 فيــا قــلــبُ صــبـراً إن جـــــزِعتَ ، فربمـا
                                  جَـــرَتْ سُـــنُــحاً طَيْرُ الحــــــوادثِ باليُمْنِ
   
 فــقــد تُـــــورِقُ الأغـــصــان بـعد ذبـــولـها
                                  ويــبــدو ضـــياء البــدر فـي ظــلمةِ الوَهنِ
   
 وأيُ حـــســـــــــامٍ لم تُصِـــبهُ كـــهـــامُةٌ
                              ر   ولهْــــذَمُ رُمْــــحٍ لا يُــــفَــــلُ مـــن الطـعنِ

     ومن شــــــــاغــــــب الأيامَ لان مَــرِيـــرُهُ

                                     وأســــلــمــهُ طولُ المِـــراسِ إلى الوَهْـنِ
   
 وما المــــــــرءُ في دنـــيـاه إلا كـــســالِكٍ

                                   مناهِـــــجَ لا تخـــلو من الســهل والحَــزْنِ
   
 فإن تـــكـــــن الــدنيا تـــولــــت بــخـيـرها

                                   فأهــــون بدنيا لا تــــدوم عــــــــلـى فَـنِّ!
   
 تحــمــلــتُ خـــوفُ المَــنِّ كـــلَّ رَزِيــئـــةٍ
                         
                                    وحـــمـــلُ رزيا الدهــــر أحــلـى من المنِّ
  
 وعــــاشـــــرتُ أخــداناً ، فلما بَلَــــــوتُهُمْ

                                   تـــمـــنــيــتُ أن أبقى وحـــــيداً بلا خِـدنِ
   
 إذا عـــــرف الــمـــــرءُ القلوبَ وما انطـوتْ

                                 عـــليه مـن البغضاءِ - عاش على ضِــغْــنِ
   
 يــــرى بــــصــــري مــــن لا أودُ لِـــقــاءَهُ

                                    وتــسمـــعُ أذني مــا تــعــافُ مِن اللحــنِ
   
 وكــيــف مُــقــامي بين أرضٍ أرى بـهــــا

                                      من الظلم ما أخنى على الدار والسَّكْـــنِ
   
 فسَمْعُ أنين الجَوْرِ قد شـــــاك مسمعي

                                 ورؤيـــةُ وجـــه الغـــدر حــل عُرا جَفــــني
  
 وصــعــب عــــلى ذي اللُّبِ رئــمـانُ ذِلةٍ

                                   يَظَلُ بها في قــــومـــــــه واهي المـــتـنِ
   
 إذا المــــرُء لم يــــرمِ الهـــــناةَ بــمــثلـها
                                  تــخــطى إليه الخـوف من جـانب الأمـــن
   
 وكـن رجلاً ، إن سيمَ خَــــسْفاُ رمـتْ به
                                حَــــمِـــيـــتُــهُ بــيـــن الصــــوارمِ واللُّــدنِ

   فلا خـــيْرَ في الــدنيا إذا المرءُ لم يعـشْ
                                 مـــهيباُ ، تـــراه العينُ كـــالنار فـي دغْــنِ





*****************************************



                        يتبع  في    القسم  الرابع 






هناك تعليق واحد:

  1. مرحبا بالجميع،
    اسمي أحمد Asnul بروناي، اتصلت السيد عثمان قرض الشركة مقابل مبلغ القروض التجارية من 250،000 $، ثم قيل لي عن الخطوة الموافقة لي مبلغ القرض المطلوب، بعد المخاطرة مرة أخرى لأنني كنت حتى يائسة بكثير من إقامة الأعمال إلى أكبر مفاجأة لي، وكان الفضل مبلغ القرض إلى حساب حسابي المصرفي في غضون 24 يوما المصرفية بدون أي جهد للحصول على قرض بلدي. فوجئت لأنني كنت تقع أولا ضحية لعملية نصب واحتيال! إذا كنت مهتما تأمين أي مبلغ القرض وكنت موجودا في أي بلد، وأنا أنصحك يمكن الاتصال بالسيد عثمان قرض الشركة عبر البريد الإلكتروني osmanloanserves@gmail.com

    معلومات شكل قرض التطبيق
    الاسم الأول ......
    الاسم الأوسط .....
    2) الجنس: .........
    3) مبلغ القرض مطلوب: .........
    4) مدة القرض: .........
    5) البلد: .........
    6) عنوان المنزل: .........
    7) رقم الجوال: .........
    8) عنوان البريد الإلكتروني ..........
    9) الدخل الشهري: .....................
    10) المهنة: ...........................
    11) أي موقع هل هنا عنا .....................
    الشكر وأطيب التحيات.
    البريد الإلكتروني ديريك osmanloanserves@gmail.com

    ردحذف