الخميس، 2 يناير 2014

كتاب ( شذرات من السيرة النبوية المعطرة ) تاليف- فالح نصيف الحجية القسم الاول



    شذرات

من السيرة النبوية المعطرة


                 دراسة  في سيرة وحياة النبي محمد

                                صلى الله عليه وسلم    



                                 تاليف

                 فالح  نصيف الحجية

                                الكيلاني




               




























        

          تمهيد


                         بسم الله الرحمن الرحيم

                  ( وما ارسلناك الا رحمة للعالمين)

        الصلام والسلام على سيدنا  محمد نبي الرحمة  ورسول الامة  وكاشف الغمة ومنير الظلمة بنور الايمان والاسلام  وعلى اله واهل بيته الاطهار واصحابه الاخيار .
 
 وبعد:                                                                             
         السيرة المعطرة هي سيرة الحبيب المصطفى  محمد صلى الله عليه وسلم  . المبعوث رحمة للعالمين وهذه السيرة الطيبة  هي من اشرف  العلوم  وأسناها  وأفضلها  اعلاها  بعد القرآن الكريم .

         والحمد لله  اذ  ألهمني  في  هذا  اليوم  ان  اكتب في  هذه السيرة   المعطرة بعد ان كتبت  الكثير في  القرآن  الكريم:  ستة كتب  لحد الان  في سلسة ( التفسير الموضوعي للقرآن الكريم ) منها:  اصحاب الجنة في القران الكريم  -  والقران في القران الكريم -  والادعية المستجابة - ويوم القيامة في القرآن الكريم و....)  ولا زلت  بحمد لله وفضله اكتب فيه  وقد  نظمت ستة  دواوين شعرية وعشرا ت  الكتب  في الادب  والشعر والقصة  والثقافة ... 

        اسال الله تعالى ان لا يجف  مداد قلمي  مادمت على قيد الحياة ... ويفتح  ا مامي  سمتا  واسعا  في  سبيل  خدمة  الانسانية  ولما  يحب ويرضى ...

              النبي  الكريم  صلى الله عليه  وسلم  هو الشخصية  العظيمة        والفريدة   في التاريخ  والكتابة  فيها  لا تنضب  ولا تنتهي  انما معادا او مكرورا  لما  دونه  اولئك الافذاذ  من علماء  الحديث والتاريخ  والتراجم وغيرها منذ القدم  وقد كتبت فيه ملايين الكتب  والدراسات  واسال الله تعالى ان يجعل كتابتي فيه  بعضا من وفاء  لما اسداه  للبشرية من نور الايمان والاسلام .

        فقد كان النبي محمد  صلى الله عليه وسلم  يمتاز  بكمال الاخلاق الحميدة وتمام الخلق العظيم قال تعالى :
( وانك لعلى خلق عظيم)  سورة القلم – 4

       وكان خاتم الانبياء المرسلين الا ان رسالته  كانت  افضل الرسالات واسناها  سموا   وهداية   ورفعة  وخدمة  للانسانية  جمعاء  وان   كان الانبياء  والرسل  من قبله قد ادوا  رسالاتهم  وما امرهم به الله تعالى الا  انها كانت  ليست مثل رسالة  النبي  محمد صلى الله عليه وسلم فقد بعثه  الله تعالى رحمة  للعالمين  وارسله   للناس  جميعا  فكل الرسالات التي قبله  كانت دون رسالته  قال تعالى :

( قل يا ايها الناس اني رسول الله  اليكم جميعا  الذي له ملك السموات والارض لا اله الا هو يحيي ويميت فآمنوا  بالله ورسوله النبي الامي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون )  الاعراف - 158

             فهو  رسول   الله   تعالى  صلى  الله   عليه  وسلم  الى الناس  جميعا   وكل   الديانات  والرسالات   التي  اتت   قبله   قد  ا نضوت  في  رسالته  وبامر  من  الله  تعالى   وفي   هذه   الاية  امر  من  الله  تعالى  لجميع    بني  البشر من  كل الملل  والاديان  ان  يكون  ايمانهم  المطلق   بالله   تعالى  وبالنبي   محمد   صلى الله  عليه  وسلم   فهو  النبي الامي الذي  يؤمن  بالله   تعالى  وبكلماته  ( القران الكريم )  وان  يتبعوه  ولا   يتبعون غيره ابدا   لعلهم  الله تعالى  يهديهم الى صراط  مستقيم  وسبيل   مبين  وطريق  موصل الى الهداية  والتقى  ففي هذه الاية دعوة  من الله تعالى  باتباعه  صلى الله عليه وسلم .
     
            واذا  خلصنا – كما  سلف – تبين  لنا  ان  النبي   محمد  تاج  البشرية وسناؤها  ومصدر علمها وبهاؤها   لذا يحق لاي احد ان يكتب فيه ويظهر اي نفحة من نفحات هذه  الشخصية الفذة  .    
                                                
          فاقول  –  وبالله  التوفيق-  ان  الله  تعالى   يوم  خلق   السموات والارض  وخلق   ادم  من  تراب  خلق  فيه   نطفة  طيبة  زكية  غرسها   في صلب آدم عليه   السلام   وباركها  فتنقلت هذه النطفة من صلب طاهر الى صلب  طاهر   حتى  انحدرت  في  صلب  ابي  الانبياء  ابر اهيم عليه السلام .
 
         اختار الله تعالى  ابراهيم عليه السلام   نبيا وخليلا  وارسله الى  الناس  نبيا ورسولا  فلما  بدء  بدعوة  الناس  للايمان  والاسلام  ارسل  اليه النمرود –  مملكته  تمتد من جنوب العراق الى وسطه في بغداد ولا  تزال  اثار قصره  و ملكه شاخصة  تقع جنوب بغداد في منطقة يقال لها ( عكركوف ) وقد زرتها وتجولت في اثارها - وحاجه  في قصة  ذكرت  في  القران الكريم  قال تعالى:
       ( الم تر الى الذي  حاج ابراهيم  في ربه ان آتاه الله الملك  اذ قال ابراهيم  ربي الذي يحيي  ويميت  قال انا احيي واميت  قال ابراهيم فان الله ياتي  بالشمس  من  المشرق فا ت بها من المغرب  فبهت الذي كفر  والله لايهدي القوم الظالمين *)   البقرة\ 258

          ثم  عاد  ابراهيم عليه السلام  الى بابل  وفي  يوم العيد والناس مشغولون   بافراحهم فيه . حطم  ابراهيم عليه السلام   اصنامهم  وعلق الفأس  التي  حطم  فيها  الاصنام  في  عنق  الصنم  الاكبر  ولما رجعوا عرفوا  انه  هو الذي  قام  بتحطيمها   فاخبروا   الملك   فاصدر   قراره  بموته   حرقا   ورميا   في  النار  على   فعلته  بعد . محاججته   تلك   . فبنوا  جدارا  كبيرا  وجمعوا   احطابا واخشابا   كثيرة  واوقدوها  فلما استعرت  رموه  فيها   وقيل  ان  ابليس  اللعين  حضر  مع   الجمهور بصفــة  رجل   منهم   وهو  الــذي اشــار عليهم  بذلك  فأ خذ  الــملك  باستشارته  . الا  ان النار لم  تحرق  ابراهيم  عليه السلام   باذن  الله تعالى  فخرج  منها  سالما  و لم  يحترق  ولم  يصبه  اي اذى  .
 قال تعالى:  
(ولقد آتينا ابراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين* اذ قال لابيه وقومه  ما هذه  التماثيل  التي انتم  لها عاكفون * قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين * قال لقد كنتم  انتم  واباؤكم في  ضلال  مبين * قالوا أ جئتنا  بالحق ام انت من اللاعبين * قال  بل ربكم  رب السموات  والارض  الذي فطرهن  وانا على ذلكم  من  الشاهدين *  وتالله  لأكيدن اصنامكم  بعد ان تولوا مدبرين * فجعلهم جذاذا الا كبيرا لهم  لعلهم  اليه  يرجعون * قالوا من فعل  هذا بآلهتنا  انه لمن الظالمين *  قالوا سمعنا  فتى يذكرهم يقال له ابراهيم *  قالوا فأتوا به على أعين الناس  لعلهم  يشهدون* قالوا أأنت  فعلت هذا بآلهتنا  يا ابراهيم  * قال  بل فعله  كبيرهم  هذا فاسألوهم ان كانوا ينطقون *  فرجعوا الى  انفسهم  فقالوا  انكم  انتم الظالمون * ثم  نكسوا على  رؤوسهم  لقد  علمت  ما هؤلاء  ينطقون * قال أ تعبدون  من  دون الله ما لا  ينفعكم  شيئا  ولا يضركم * اف لكم  ولما  تعبدون  من دون الله  افلا  تعقلون  * قالوا حرّقوه  وانصروا  آلهتكم  ان كنتم  فاعلين *  قلنا يا نار كوني  برد ا  وسلاما على ابراهيم * وارادوا  به كيدا   فجعلناهم الاخسرين  *) الانبياء \51-70

  وكذلك ذكر هذا الموضوع مفصلا ومكررا في سورة  هود  الا يات \69- 74 وسورة الصافات  الايات\83-113 وسورة  الذاريات الايات 24- 30  وفي مواضع اخرى .

        قرر ابراهيم عليه السلام الرحيل من  ارض بابل  فخرج مهاجرا الى ربه  ومعه زوجته سارة  ابنة عمه  بعد ان  آمنت ايمانا  تاما  بالله تعالى  و بالاسلام  –  فهي  على  دين   زوجها  ابراهيم الخليل  عليه السلام  فكانت اول  من آمن  به  فهي   ابنة  عمه  وزوجته  - واتجه غربا الى الشام الى ارض فلسطين  ولما  وصل الى ارض الملك الجبار خاف على زوجته  منه -  وكانت  زوجته احسن النساء  خلقا  وحسنا  وجمالا –
 فقال لها :
- ان علم هذا الجبار بانك زوجتي  سيغلبني عليك  فان سألك فاخبريه أنك اختي  وانك حقا  اختي في الاسلام  واني لا اعلم في الارض  مسلما  غيري  وغيرك.

      فلما  دخل ارض الملك الجبار اخبره الناس قائلين له :
-        دخل ارضنا اليوم رجل  يدعى ابراهيم و معه  امراة  لا تصلح  الا  لك ايها الملك .

      فارسل  الملك الجبار اليها . فاخذوها اليه فقام ابراهيم عليه السلام  الى الصلاة  فلما دخلت اليه  انبهر بها  ولم يتمالك نفسه   الا  ان  بسط   يده  اليها   فشلت  يده  باذن الله   تعالى  وقبضت  قبضة  شديدة
 فقال لها :
  - ادعي الله  ان  يطلق  يدي. ولك الله  ان لا اضرك .
ففعلت  فعادت  يده  صحيحة   كما  كانت  فعاد  لبسط  يده اليها فقبضت يده مرة  ثانية  قبضة اشد من الاولى فكرر القول عليها  قائلا :
 ادعي  ربك  ان  يعيد  حركة  يدي  ولك  علي   ان  لا   اضرك . فا نبسطت يده  فعاد اليها  ثالثة  فقبضت  يده  اشد من  القبضتين الاوليتين  فقال لها :
- ادعي الله ان يطلق يدي ولك الله علي  ان لا اضرك.

      ففعلت   فاطلقت يده  فدعا  بالرجل  الذي  جاء  بها اليه   فقال له:
- انما جئتني  بشيطان ولم تاتني  بانسان  فاخرجها  من عندي 

        فخرجت  من عنده  بعد ان  اكرمها  و اعطاها  ( هاجر) جارية لها  فلما رآها  ابراهيم عليه السلام  اقبلت عليه مع جاريتها قال لها:
 - مهيم..؟؟؟ يعني ماذا وراءك.؟
قالت  :
-  خيرا . ..كف الله يد الفاجر وأخدم خادما .
 وفي  رواية اخرى وردت في  صحيح  البخاري :
         ان  ابراهيم  لما  سئل   عن سارة  قال هي  اختي  ثم رجع اليها  فقال   لها:
-        لا تكذبي  حديثي  فاني  اخبرتهم  انك  اختي  والله  ما على الارض  مؤمن غيري وغيرك.
  فارسل بها اليه فلما حضرت اليه  قام اليها  فقامت   تتوضأ وتصلي  فقالت :
  - اللهم ان كنت امنت بك وبرسولك واحصنت فرجي الا على زوجي  فلا تسلط  علي  يد  هذا  الكافر.
 فضغط على الجبار حتى  ركض برجله الارض فقالت:
-  اللهم  ان يمت يقال هي قتلته .

        فعاد   صاحيا  سالما  فقام اليها ثانية  ففعلت  مثلما فعلته في الاولى فقبض الملك الجبار  فدعت الله تعالى بنفس دعائها في المرة الاولى  فقام اليها  الثالثة  فدعت الله تعالى  فقبض عن الحركة  اشد  ايضا  فلما  فكته  بدعائها لله تعالى لمرة ثالثة    قال لحاشيته:
-  والله  ما ارسلتم لي الا شيطانا  ارجعوها  الى ابراهيم واعطوها  (هاجر) .
 فرجعت الى  ابراهيم  ومعها  (هاجر ) فقالت له:
 - اشعرت .. ان الله  كبت الكافر  وأخدم وليده .

         ثم استوطن ابراهيم  عليه السلام  ارض الشام في فلسطين  وكانت  زوجته  سارة   عاقرا  فلم  تنجب  له  ولدا   فلما  اعطاها الملك  الجبار  ( هاجر ) جارية  لها  اعطت  سارة  الجارية  الى  زوجها  ابن عمها  ابراهيم عليه السلام  لعله  ينجب  منها  فواقعها  ابراهيم  عليه  السلام  فحملت   وولدت  له  ولدا اسماه  ( اسماعيل ) فدبت  الغيرة  في  نفس  سارة  وطلبت  منه  ابعادها  وولدها  عنها  فأمره الله تعالى ان يخرج  بهاجر  وولدها  الى  ارض مكة  في الحجاز  وهي ارض غير ذات زرع  جبلية بعيدة بعيدة  .

            فاخذها  ابراهيم عليه السلام  وولدها  معها الى ارض الحجاز فلما وصل ارض مكة  انزلهما  في  بقعة  محاطة  بالجبال   من  كل  جانب  وتركهما في  اكمة   ومعهما  شنة من ماء وجعبة  فيها  طعام  وعاد .

      فلما رأته  زوجته  انه  تركهما  ورجع  لحقته  وهي تنادي عليه  وهو ساكت لا يرد   فلما  وصلا  الى  منطقة  ( كداء) نادته  من  ورائه  :
- يا ابراهيم  اين  تذهب  وتتركنا  بهذا  الوادي الذي  ليس به انيس او اي شيء ..
قالت  له  ذلك  مرارا وهو مستمر في  سيره لا يلتفت  اليها  فقالت له:
- الله امرك بهذا؟؟؟
قال : نعم
قالت  : اذن لا يضيعنا الله 
   وفي رواية اخرى قالت:
- الى من تكلنا  الى الله ؟  
- قال: نعم
- قالت : رضيت  لا يضيعنا الله .
 ثم رجعت .
     وهذه هي المرة الاولى  التي تطأ  اقدام ابراهيم عليه السلام  ارض مكة  وموقع البيت العتيق .

            عاد ابراهيم  عليه السلام  الى الشام  في ارض  فلسطين الى  زوجته سارة . ولما نزلت الملائكة  لتصب العذاب على  قوم لوط  نتيجة اجرامهم وفعلهم المنكر ونزلوا على ابراهيم  عليه السلام  ضيوفا  فنحر لهم  عجلا  سمينا  الا انه  شاهد ان  ايديهم لا تصل الى الطعام  فنكرهم  وخافهم   فاخبروه  انهم  رسل  الله تعالى  الى  لوط عليه السلام  فلما سمعت  سارة بالحكاية  لفت نفسها  بخرقة ( صرة ) او ربما تكون عباءة   واتت  اليهم  مسلمة  فضحكت   فبشروها  وزوجها  ابراهيم   بالبشرى  بالولد  عندها  ضربت وجهها بيدها قائلة: عجوز عقيم .
   
       فحملت  سارة  فانجبت  له (اسحاق) ورزقه  الله  تعالى من  بعد اسحاق  ولده   يعقوب  قال تعالى :
( ولقد  جاءت رسلنا  ابراهيم  بالبشرى  قالوا  سلاما  قال سلام فما لبث  ان جاء بعجل حنيذ *  فلما  راى ايديهم  لا  تصل  اليه  نكرهم واوجس منهم خيفة  قالوا لاتخف انا ارسلنا الى قوم لوط * وامرأته قائمة  فضحكت فبشرناها باسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب * قالت أألد وانا عجوز وهذا بعلي شيخا ان هذا  لشئ عجيب * قالوا اتعجبين من امر الله  رحمة الله  وبركاته  عليكم اهل البيت انه حميد مجيد * ) هود \ 69-73    .

           رجعت ( هاجر ) الى  ولدها  بعد ان غاب عن عينها زوجها ابراهيم  راجعا الى   ارض فلسطين  فجعلت   تشرب  من  الشنة  فيدر لبنها  فترضع  ولدها  حتى نفد  الماء  فعطشت وعطش وليدها  واصبحت  تنظر اليه  وهو يتلوى من العطش  والجوع  وأضامها  الضيم في نفسها  وصارت تتهيب ان تنظر الى وليدها  وهو يتلبط من العطش  فنظرت الى  جبل  ( الصفا )  لعلها تنظر شيئا  فاسرعت   اليه  صاعدة  فوقه  لعلها ان  تجد فرجا   او منقذا  او تجد  شيئا  ما  يرويّ عطش  وجوع  ولدها  فلم تر شيئا  فنزلت  ثم  نظرت الى جبل يقابله  وهو جبل ( المروة ) لعلها تجد ضالتها فيه  فسارت اليه مسرعة  فصعدته  فلم  تجد  شيئا  فبقيت  تجري بين الصفا  والمروة  سبع مرات لعلها  تجد ما يعينها  على حاجتها   حتى تعبت  وشعرت بالارهاق ..

      فقالت  في نفسها  لأذهب  فأرى ولدي (الرضيع)  ماذا يفعل  وماذا حل  به   فاذا هو على  حاله  يتضور  جوعا  و كأنه  ينشغ   للموت  فكانت هذه  المرات   السبع  هي اشواط  السعي  السبعة  بين الصفا  والمروة  من شعائر الله عند  الحج  والعمر ة  .
 قال تعالى : ( ان الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت او اعتمر فلا جناح عليه ان يطوف  بهما  ومن تطوع خيرا فان الله شاكر عليم ) البقرة \ 158.
  ومن هنا شرع  السعي بين الصفا  والمروة  في الحج  والعمرة  سبعة اشواط .
 واذا بصوت سمعته  فقالت :
 - أغث ان كان عندك خير ...
 فاذا بجبريل عليه السلام  يقول:
   -  بعقبه على الارض  ...

        فنظرت الى الطفل وهو يضرب بعقب رجليه الارض ينازع الموت والحياة   فانبثق  الماء  من تحت  عقب  الطفل    فكان  ( زمزم )  فشهقت  شهقة  فرح  ثم اخذت  تغرف الماء  في سقائها  ثم شربت  وارضعت  ولدها .  وفي هذا قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم :
   - (رحم الله ام اسماعيل  لو تركت زمزم – او قال لو لم تغرف الماء- لكانت زمزم عينا معينا) اي عينا سائلة جارية .
 فقال لها  جبريل  عليه السلام :
-( لا تخافي الضيعة  فان ههنا  بيتا لله  يبنيه  هذا  الغلام   وابوه  ان  الله لا يضيع  اهله ).

       وكان البيت  مرتفعا   قليلا عن  الرابية   فتأتيه السيول من الجبال المحيطة بهذه البقعة  فتاخذ عن يمينه  وشماله  فبقيت  ساكنة قرب  الماء ( زمزم )  فكان  لها  ولولدها  رواءا  وغذاءا    حتى  جاءت  قافلة  بهم  رفقة  من  جرهم  مقبلين  من  ( كداء)  فرأوا  طيرا تحوم في السماء  فقالوا :
- هذا طائر يبحث عن الماء .
  فارسلوا من ينظر اليهم  فلما  جاء  الجري فوجدوه ماءا  فاقبلت القافلة  مع  من  فيها  وقالوا  لام  اسماعيل  عليه السلام  :
- اتقبلين ان ننزل عندك ؟؟
- قالت:  نعم  ولكن  لا حق لكم  بالماء
-  قالوا: نعم
 فارسلوا الي  اهليهم  فنزلوا معهم  في  هذه البقة . فكانت( مكة ).

            جاء  ابراهيم  عليه  السلام  متفقدا  زوجته وولده  وكان ابنه اسماعيل قد بلغ السعي في  العمل  واكتمل  يافعا . فلما  وصل مكان  البيت  الحرام  حيث  وجدهما  ساكنين . وفي الليل  راى في المنام  رؤيا  ان الله  يأمره  بذبح  ولده اسماعيل  وكان  ذلك  في ليلة  اليوم  الثامن  من ذي الحجة  فأجل الامر الى النهار للتروي والتفكر  في  نفسه  وليعلم هل هذه الرؤيا  من الله تعالى  ام من الشيطان فسمي هذا  اليوم  الثامن  من  ذي الحجة  ( يوم التروية ) . الا ان الرؤيا  جاءته  في  الليلة  التالية ايضا  في  ليلة  اليوم التاسع من ذي الحجة  فعرف ان هذه  الرؤيا  رؤيا  حق  وانها   من  الله تعالى  وهنا  قد  صدق  الرؤيا  وعرف  انها  رؤيا   حق مؤكدة  وسمي هذا اليوم يوم ( عرفة )  ثم راى  نفس الرؤيا في ليلة اليوم  العاشر من  ذي الحجة   فتاكد  الخبر انه  امر  من  الله  تعالى   يامره  ان  ينحر ولده ( اسماعيل ) فهم  بنحر ولده   لذلك  سمي اليوم العاشر من ذي الحجة    ( يو م النحر) عند  ذلك  اخبر  ولده  اسماعيل  بالامر  بشفقة  و حنان  ليأخذ رأيه  في هذا  البلاء  العظيم  فاطاع  الولد  (اسماعيل)  اباه  فيما اراد  فقال له:
-(يا بني اني ارى  في المنام اني اذبحك  فانظر ماذا ترى).
الصافات \102
 وكان يعلم ان امر الله  تعالى  لابد  نافذ  وكذلك  ليعلم  ما عند  الفتى اليافع  من  الصبر  والجلد  عند  تلقي  هذا  الامتحان العظيم .
 فقال له اسماعيل  بكل طاعة  وتوقير لابيه  وطاعة واستسلام لامر الله تعالى  :
-        ( يا ابتي افعل ما تؤمر ستجدني انشاء الله من الصابرين)
-        الصافات \102على قضائه  وقدره  والممتثلين  لامره  سبحانه وتعالى .

           فاستسلما لامر الله تعالى  اذعانا  لامره  وحكمته  وهمّ ابراهيم عليه  السلام  بذبح  ولده  اسماعيل  واسلم الولد  نفسه  لابيه  فوضعه على الارض  باتجاه البيت  واخذ  السكين  في يده وكبر( الله اكبر) وقرب السكين من رقبة  ولده  اسماعيل  لذبحه  .  وهنا جاء الفرج  حيث  سمع  ابراهيم  عليه السلام   نداءا  من السماء ( ان  يا ابراهيم  قد صدقت  الرؤيا )  وان  قد حققت  ما امرناك به في المنام  من  التسليم  بذبح  ولدك  (اسماعيل ) . لقد   مننا عليك  وجاءك   الفرج  من عندنا   وانقذناك   من الكرب  العظيم  وبمثل  هذا  الجزاء  سنجزي  المحسنين  المطيعين لامرنا  امثالك  فهذا  هو البلاء  المبين   وامر الله  تعالى ان  يذبح  كبشا  سمينا  كبيرا بدلا  من  ذبح  ولده  فداءا  له  وفي  رواية  اخرى قيل   انزل الله  سبحانه وتعالى  كبشا  من السماء  ليذبحه  ابراهيم عليه السلام  فداءا  عن  ولده  (اسماعيل) عليه السلام .

         عند ذلك  قام بفك رباط  ولده اسماعيل  عليه السلام  واخذا بعضهما با حضان الاخر وهما  يبكيان  فرحا بهذا  الامر وتنفيذا لامر الله تعالى   واخذ ابراهيم  عليه السلام  الكبش  ونحره  فكان  اضحية عن اسماعيل عليه السلام  ومن هنا سنت الاضاحي في الاسلام   .
  وقيل  ان اسماعيل قال لابيه :
(  ياابت اشدد رباطي حتى  اصبط ولا اضطرب عند النحر واكفف ثيابك وشمر عن ساعدك  لئلا ينتضح  شيء من دمي على ملابسك فتراه امي فتحزن او تراه  انت  فتتذكر  الحالة  فتحزن  واسرع مرور السكين عند  الذبح  ليكون  الذبح  اهون علي   وكبني على وجهي  لكي لا  ترى  وجهي عند الذبح  لئلا  تنظر اليه  فترحمني )   وهذه هي المرة الثانية التي جاء  بها ابراهيم عليه السلام الى ارض مكة  وموقع البيت العتيق .
قال تعالى:
 (   فلما بلغ معه السعي  قال يابني اني ارى في المنام اني اذبحك فانظر ماذا ترى  قال ياابت  افعل ما تؤمر ستجدني  انشاء الله من الصابرين * فلما اسلما  وتله للجبين * وناديناه  ان  يابراهيم * قد صدقت الرؤيا  انا كذلك نجزي المحسنين *  ان هذا لهو البلاء  المبين * وفديناه  بذبح  عظيم  * وتركنا  عليه  في  الاخرين * سلام على ابراهيم * كذلك نجزي المحسنين *) الصافات\ 102-  110
         
     فلما  شب  اسماعيل  وتعلم  العربية من جرهم  الذين سكنوا معه قرب الكعبة في مكة  فاعجبهم  فزوجوه  احدى بناتهم  واختاره الله تعالى  نبيا .

        ومرت  الايام  والسنون  حيث  ماتت  هاجر زوج   ابراهيم  ام  اسماعيل  عليهما  السلام  فجاء  ابراهيم عليه السلام  يتفقد  زوجته  وولده  فدلوه على  بيته  فعرف  ان زوجته  قد  ماتت وان  ولده  تزوج   فسأ ل  زوجة  ولده  عن حالتهم ومعيشتهم  وهيأتهم  فاخبرته انهم في  ضيق وشدة  وشكت اليه  .
 فقال لها :
-  اذا جاء زوجك اقرئ عليه السلام  وقولي له  يغير عتبة بابه
فلما جاء اسماعيل  عليه السلام  فكأنه  آنس  شيئا  فقال  لزوجته – هل جاءكم من احد؟
قالت : نعم  جاءنا شيخ صفته كذا وكذا  فسألني عنك  فاخبرته  وسالني كيف عيشنا فا خبرته  في  جهد وشدة .
فقال اسماعيل عليه السلام  لزوجته :
- فهل اوصاك  بشيء ؟
قالت  : نعم  امرني ان اقرأ عليك السلام ويقولك  غيّر عتبة بابك .
فقال : ذاك ابي  وقد امرني ان افارقك  فألحقي باهلك .
 فطلقها  وتزوج  بغيرها .
   وهذه هي المرة الثالثة  التي جاء ابراهيم عليه السلام الى ارض مكة  وموقع البيت الحرام.

          ولبث ابراهيم عليه السلام  مدة غير قصيرة في فلسطين ثم قدم الى  مكة حيث  ترك  ولده  ليتفقد  حالته  فلما جاء   سال  زوجته  عن زوجها  ولده اسماعيل عليه السلام  فاعلمته انه ذهب للصيد  ورجته  النزول عندها  لاقرائه 
فسالها عن  طعامهم  وشرابهم  فاخبرته  ان  طعامهم  اللحم وشرابهم  الماء. من ( زمزم)
فقال :  اللهم بارك لهم في طعامهم وشرابهم .
 وسالها عن  عيشهم  وهيأتهم ؟
 فقالت : نحن بخير وسعة وأ ثنت على الله تعالى .
فقال لها : اذا جاء  زوجك  فاقرئي عليه السلام  وأخبريه ان يثبت  عتبة بابه .
         ثم رجع قافلا  الى الشام  وهذه هي المرة الرابعة  التي  جاء  ابراهيم عليه السلام  فيها  الى ارض مكة  وموقع  البيت الحرام .
        
و جاء  اسماعيل  عليه السلام  الى بيته و سال امراته ان كان احد  جاء  اليهم  فاخبرته  :نعم  شيخ حسن الهيئة – واثنت عليه-
 وقالت :
- سالني عنك  فاخبرته و سالني كيف عيشنا فاخبرته انّا بخير
قال لها: وهل اوصاك بشيء؟
قالت نعم : هو يقرؤك السلام  ويأمرك ان تثبيت عتبة بابك .
فقال:  ذلك ابي  وقد امرني ان امسكك .

         وقيل  لما عاد ابراهيم عليه  السلام  قافلا  الى الشام   فلما وصل الى ( الثنية) من ارض مكة - موقع معروف - توجه الى ربه تعالى  بالدعاء  مستقبلا البيت الحرام  قائلا:

      ( ربنا اني اسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة  فاجعل افئدة من الناس تهوي اليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون  )

      ومكث   ابراهيم  عليه  السلام مدة  ثم  جاء  اخرى يتفقد  ولده  اسماعيل عليه السلام  فوجد ه  جالسا يبري النبال تحت دوحة  فوق زمزم  فلما راى  اسماعيل عليه السلام  اباه قام اليه مشغوفا  فتعانقا  او صنعا  كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد عند لقائهما  من فراق طويل .
 وقال  ابراهيم عليه السلام :
-  يا ا سماعيل  ان الله  امرني بأمر.
فاجابه اسماعيل  عليه السلام :
- فاصنع  ما امرك  به ربك .
-  او تعينني ؟؟
-  وأعينك ..
-  فان الله امرني ان ابني ههنا بيتا .
واشار الى اكمة مرتفعة على ما حولها وهو موقع الكعبة المشرفة المباركة فاخرج اسسها . فعند ذلك  بدءا بالعمل فكان اسماعيل عليه السلام  ياتي بالحجارة  ويناولها لابيه وابوه عليهما السلام  يبني  البيت  .

       فرفعا القواعد من البيت حتى اذا  ارتفع  البناء جيئ بالحجر الاسود  فوضع له   وهما  يدعوان  الله:
 ( ر بنا  تقبل  منا  انك  انت  السميع العليم )
 ال عمران \ 7 12
    وكان ابراهيم  عليه السلام  - لما رتفع البناء- يقف على حجر ثم  يبني  الجدار  فكان هذا الحجر هو مقام ابراهيم  عليه  السلام   بجوار الكعبة المشرفة  قال تعالى ( واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى ).  وهذه هي المرة الخامسة والاخيرة  التي جاء فيها ابراهيم عليه السلام الى مكة المكرمة وبنى فيها هو وولده اسماعيل عليها السلام  الكعبة المشرفة . بيت الله الحرام

        ومن هنا كانت الليالي العشر التي اقسم الله تعالى فيها في سورة الفجر  قال تعالى( والفجر وليال عشر*) من الايام الفضيلة  وصيامها مشروع عند الله تعالى  وفيها تتم   مناسك الحج  وتنتهي بعيد الاضحى المبارك .  ومن المهم ان اذكر ان كل ما حدث لابراهيم الخليل  وولده اسماعيل عليهما السلام  وما قامت به  زوجته (هاجر ) اصبحت مناسك  في  الاسلام  يتوجب  الالتزام  بها خاصة  في  الحج  والعمرة  وعيد الاضحى المبارك  مثل الاضاحي  والسعي  والصلاة   بجوار مقام  ابراهيم عليه السلام  وشرب  ماء  زمزم  وغيرها .

        فقد  اتخذ الله  تعالى  ابراهيم عليه السلام  خليلا  ونبيا  ورسولا  وانعم الله تعالى عليه بان رزقه  اسماعيل  واسحاق عليهما السلام .
  فمن ذرية  اسماعيل عليه السلام  امة العرب  وفيهم رسول الله  محمد صلى الله عليه وسلم .
       ومن ذرية اسحاق  يعقوب والعيص ومن ذرية يعقوب  بني اسرائيل اذ  ان  يعقوب هو اسرائيل  ذاته  واولاده - الاسباط  – يوسف واخوته- ومن العيص  الروم  فهم اولاد العيص بن اسحاق بن ابراهيم عليهم السلام جميعا  .

      ومن الاء الله تعالى على ابراهيم عليه السلام   ان جعل في ذريته النبوة والكتاب  حيث جعل كل الانبياء  من ذرية ابراهيم عليه  وعليهم  السلام وجعل كل الانبياء من  ذرية اسحاق بن ابراهيم عليهم السلام وبعثهم الى اقوامهم او الى  اممهم  بينما  جعل  النبي  محمد   صلى الله عليه وسلم  وحده من ذرية اسماعيل بن ابراهيم عليهم السلام دون غيره  وجعله خاتم الانبياء  والمرسلين  وبعثه الى  الناس جميعا - كما مر بنا – وفضله على جميع  رسله وانبيائه  كلهم وجعله رحمة للعالمين   قال تعالى (وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب ) اية  27

 ومن الائه ان بين له  قواعد البيت  الحرام  فبناها بمعاونة ابنه اسماعيل عليهما السلام كما بينا  قال تعالى :
( واذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت  واسماعيل  ربنا  تقبل منا  انك انت السميع العليم ) ال عمران الاية\ 127  .

             وهكذا  صارت ولاية البيت ومكة  لاسماعيل  وبنيه من بعده  انتشرت ذريته في الحجاز  وكانوا على  دين الاسلام  دين  سيدنا  ابراهيم  عليه السلام  قرونا طويلة  ولا  يزالون على ذلك  سيبقى  الى اخر الدنيا –الا  من  شذ منهم -  فصححه  الانبياء من بعده  وكان  خاتمهم الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم  فهو النبي المجتبي والرسول المهتدى و رحمة للعالمين  ولاجله   الف هذا الكتاب .


                                                   فالح نصيف الحجية
                                                        الكيلاني
                              عضو الاتحاد العام للادباء والكتاب العرب
                          عضو الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق



            **************************



                  المؤلف  في سطور

 ا
   سيرة ذاتية

الاسم واللقب \ فالح نصيف الحجية الكيلاني
اسم الشهرة \   فالح الحجية
تاريخ الولادة \  بلدروز \  1\7\ 1944
البلد \ العراق - ديالى – بلدروز
 المهنة\  متقاعد
الحالة الثقافية \  شاعر وباحث                                                             
فالح الحجية شاعر وباحث  واديب عراقي معروف  من مواليد \- العراق – ديالى- بلدروز 1944- ومن الاسرة الكيلانية والتي لها تاريخ عريق و ترجع بنسبها  للشيخ عبد القادر الكيلاني الحسني والتي انجبت العديد من الاعلام على مر العصور. 
كان يشغل  مديرا  في وزارة التربية العراقية حتى إحالته الى التقاعد 2001م
أهم مؤلفاته  "الموجز في الشعر العربي"،  ويعتبر من مراجع الكتب العربية في الأدب، والشعر عبر العصور والأزمنة، ومن اهم الموسوعات التاريخية الموضوعية في الشعر العربي في العصر الحديث، والمعاصر بكل مفرداته وأحداثه وتطوراته وفنونه وتغييراتها بما فيها عمود الشعر والشعرالحر وقصيدة النثر والشعراء وطبقاتهم وأحوالهم.
 السيد فالح  الحجية  هو:
     -    عضو الاتحاد  العام للادباء والكتاب في العراق
-         عضو الاتحاد العام للادباء  والكتاب العرب
-         عضو مؤسس في اتحاد ادباء  ديالى
-          عضو الاتحاد الدولي لعلوم  الحضارة الاسلامية – ممثل دولة العراق
-         عضو  الاتحاد العالمي للشعراء  والمبدعين العرب \ وكيل دولة العراق
-         عضو اتحاد الاشراف الدولي
-         عضو اتحاد المنتجين العرب( جامعة الدول العربية ) \ امانة شعرالتفعيلة – لجنة    التقييم والتصحيح .
-         عضو  اتحاد الكتاب والمثقفين العرب
-          عضو اتحاد  الكتاب والشعراء الاحرار
-         عضو اتحاد  كتاب الانترنيت العراقيين
-          عضو اتحاد الشعراء والادباء العرب
-         عضو اتحاد  الادباء والكتاب  التونسيين
-         عضو رابطة  الادباء والكتاب العرب
-          عضو رابطة  ادباء الامة
-         عضو رابطة  المبدعين اليمنيين
-         عضومؤسسة اقلام ثقافية للاعلام في العراق
-         عضو الملتقى الثقافي العربي
-  عضو منظمة الكون الشعري في المغرب

     *  اما  المقالات الكثيرة  التي كتبها الشاعر في الصحف والجلات العراقية والعربية      والاجنبية  الناطقة بالعر بية  .
  *  الا ف المقالات التي نشرها في موقعه او المواقع والمنتديات الالكترونية على النت او    الفيس  .
* وكذلك مشاركاته في كثير من المهرجانات الادبية مثل مهرجان المربد السنوي في العراق و اتحاد المؤرخين العرب وكل الندوات والمهرجانات التي عقدت في ديالى سواء عربية أو عراقية اومحلية
 * له علاقات وصداقات مع العديد من الأدباء والشعراء العرب والعراقيين منهم الشاعر    محمود درويش  الشاعرالفلسطيني المعروف والشاعر السوداني محمد مفتاح الفيتوري والشاعر نزار قباني والشاعر العراقي سركون بولس والشاعر وليد الاعظمي والادباء والمورخين الاساتذة والدكاترة  منهم  عماد عبد السلام رؤوف وسالم الالوسي وعبد الرحمن مجيدالربيعي وحسين علي  محفوظ  وجلال الحنفي  وغيرهم كثير  ..

      من مؤلفات فالح نصيف الحجية الكيلاني

ا-الدواوين الشعرية :

           نفثات القلب                1978
           قصائد من جبهة القتال   1986
           من وحي الايمان          8 0 20 
           الشهادة والضريح         2010
           الحرب والايمان            2011 
          سناءات مشرقة

 ب – الكتب النثرية :
 1 -في الادب والفن
2 -تذكرة الشقيق في معرفة اداب الطريق – دراسة وتحقيق وشرح للقصيدة التي تحمل نفس العنوان والمنسوبة للشيخ عبد القادرالكيلاني
3-الموجز في الشعر العربي \ دراسة موجزة في  الشعرالعربي عبر العصور بدءا من العصر الجاهلي وحتى عصر النهضة او الحديث ثم المعاصر اعتبر او قيم من قبل اغلب المواقع الادبية على النت - انه احد امهات الكتب العربية في الادب واللغة  في موضوع الشعر والادب       اربعة اجزاء
4-شرح ديوان الشيخ عبد القادر الكيلاني وشيء في تصوفه – دراسة شاملة في ادب الشيخ عبد القادرالكيلاني كنموذج للشعر
الصوفي وشرح القصائد المنسوبة للشيخ             اربعة اجزاء
6    -   كرامة فتاة ( قصة طويلة )
7-   اصول في الاسلام
8-   عذراء القرية (قصة طويلة )
9-  الاشقياء  ( مجموعة قصص قصيرة )
10-  بلدروز عبر التاريخ
11-  دراسات في الشعر المعاصر  وقصيدة النثر
12- الغزل في الشعر العربي
13– عبد القادر الكيلاني  وموقفه من المذاهب والفرق الاسلامية     دراسة
14--شرح القصيدة العينية \ مع دراسة  بحثية في شاعرها  الشيخ عبد القادر الكيلاني
15-  -مدينة بلدروز في الذاكرة
16- شذرات من السيرة النبوية المعطرة

 ج- موسوعة  التفسير الموضوعي للقران الكريم  وقد انجز منها الكتب التالية :

1-اصحاب الجنة في القران الكريم                 جزءان
2-القران في القران الكريم
3- الادعية المستجابة في القران الكريم
4-الانسان ويوم القيامة
05- الخلق المعاد في القرآن الكريم
     6-يوم القيامة في القران الكريم                    جزءان

     د – موسوعة الشعراء العرب   وقد انجز منها الكتب التالية  :
1- شعراء جاهليون
2-شعراء صدر الاسلام
3- شعراء من العصر الاموي
4- شعر اء النهضة العربية

                  ******************************




































                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                 
   شذرات من السيرة النبوية المعطرة
                                                                                                                                                                                                                                                                      
                                            1                                                                                                                                                                         
                                                                       
                             بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله   :                                                                                          
                                                                                            
            السيرة المعطرة هي سيرة الحبيب المصطفى  محمد صلى الله عليه وسلم  . المبعوث رحمة للعالمين وهذه السيرة الطيبة  هي من اشرف  العلوم  وأ سناها  وأفضلها  اعلاها  بعد القرآن الكريم .

          وقد  ألهمني  الله  تعالى في  هذا  اليوم  المبارك  ان  اكتب  في  هذه السيرة المباركة  بعد ان كتبت في  تفسير القران الكريم    ولا زلت  بحمد لله وفضله اكتب فيه . ونظمت العديد من دواوين شعرية  وعشرا ت  الكتب  في الادب  والشعر والقصة  والثقافة ... .
                                                                 
   نسبه الشريف :

         فاستفتح باسم الله تعالى  وابدأ  بنسبه الشريف  فاقول:

 الحمد لله تعالى رب العالمين 
 
          ان محمدا  صلى الله عليه وسلم هو  اكرم خلق الله تعالى  وافضل انبيائه ورسله وخاتمهم  وان  نسبه الشريف معلوم  لا شائبة فيه  عذب  فرات سائغ  شرابه  رحمة للعالمين .

          فهو اذن   محمد  بن عبد الله  بن   شيبة  ( عبد المطلب ) بن  عمرو    ( هاشم)  بن عبد مناف بن قصي  بن كلاب  بن مرة  بن  كعب  بن  لؤي  بن غالب  بن  فهر بن مالك  بن  النضر بن  كنانة  بن  خزيمة  بن  مدركة  بن الياس  بن  مضر  بن نزار بن  معد  بن عدنان  جد القبائل العدنانية  وعدنان  من ذرية  نبي الله اسماعيل بن  ابراهيم الخليل  عليهما السلام)) .

          فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم من ذرية  النبي   اسماعيل  بن  النبي  ابراهيم الخليل  ومن العرب  وجاء في الحديث الشريف ان النبي  صلى الله عليه وسلم قال : ( انا دعوة ابي ابراهيم )
    وهذه الدعوة او الدعاء  جاء ذكرها في القران الكريم


 قال تعالى :

   (واذ يرفع ابراهيم  القواعد من البيت واسماعيل ربنا تقبل  منا انك  انت السميع العليم .* ربنا واجعلنا  مسلمين لك ومن ذريتنا امة مسلمة  لك  وارنا مناسكنا  وتب علينا انك انت التواب الرحيم .*  ربنا  وابعث فيهم رسولا  منهم   يتلو عليهم  آ  ياتك  ويعلمهم  الكتاب و الحكمة ويزكيهم  انك  انت  العزيز الحكيم*)   البقرة الايات 127 و128 و129  .

           فبعث الله تعالى  الحبيب المصطفى  محمدا  نبيا  في   العرب  وهو منهم  يتلو  عليهم  اياته  ويعلمهم  الكتاب  وهو القران الكريم  والحكمة  والايمان  التام  ويزكي انفسهم  بهذا الايمان  استجابة  لدعاء ابراهيم الخليل وابنه اسماعيل  عليهما السلام  وهما يبنيان البيت الحرام ويرفعان  قواعده  .

            فهو اذن  محمد  بن عبد الله  ووالده  عبد الله كان  احب اولاد عبد المطلب  اليه  وافضلهم  واحسنهم  وقد تعرض عبد الله  الى الذبح  كما تعرض اسماعيل نبي الله  الى الذبح  في قصة معروفة  ومشهورة  كما اوضحتها  في التمهيد  وقصة ذبح عبد الله  هي (  ان  عبد المطلب  بعد  ان  حفر  بئر زمزم  واجرى  الماء  منه  اخذت بعض فروع  قريش تنازعه فيه  فنذر  نذرا  مفاده  اذا  رزق بعشرة  اولاد  وبلغوا مبلغ الرجال  وبلغوا  ان  يمنعوه أي بلغوا  يحافظون على  زمزم  ويمنعون  من  اراد  التجاوز عليه  يذبح  احدهم  فداءا  وتضحية    فلما  تم  ذلك
 له  جمع  اولاده  العشرة  فأ جرى القرعة بينهم  فوقعت  على  عبد الله  فاخذه  الى الكعبة  ليذبحه  فمنعه  ملأ  من  قريش  وخاصة  اخوانه  واخواله  ففداه  بمائة بعير  ذبحها فدية عن عبد الله  مثلما  تم  فداء اسماعيل  بن ابراهيم الخليل عليهما السلام   حين اخذه  والده ابراهيم  عليه السلام  ليذبحه  فانزل الله تعالى  الفداء  من السماء كبشا  فداءا  عنه.

             فالحبيب   المصطفى  محمد  هو  ابن  الذبيحين  اسماعيل  عليه السلام   و عبد الله بن عبد المطلب  وابن المفديين  فداء اسماعيل بالكبش وفداء عبد الله  بمائة  من الابل .   وعبدالله   بن  شيبة  وهي كنية  عبد المطلب  وذلك ان والده هاشم  مر  بقافلته التجارية في ( يثرب ) قاصدا الشام  وهي (رحلة الصيف ) فمكث  فيها  مدة  تزوج  فيها ( سلمى بنت عمرو بن عدي)  من  بني   النجار  وكانت قبله قد تزوجت احيحة بن الجلاح الاوسي – راجع كتابي شعراء جاهليون في معرفة سيرة احيحة - فتركها  في (  يثرب)  حاملا  وسار  بقافلته  الى الشام  ثم   وافته المنية في  ارض   الشام  في مدينة  (غزة) من ارض  فلسطين  ودفن هناك .

          فولدت  سلمى هذه   بعد   وفاة  زوجها  هاشم   ولدا  اسمته       ( شيبة)  حيث  قيل  انه  لما  ولد  وجد  في  رأسه  الشيب  . وقد   نشأ     ( شيبة )   في   يثرب   بين  اخواله  حتى  بلغ  ثماني  سنوات  فعلم بذلك  اعمامه   فطلبه  اخوه  المطلب  بن  ها شم   واخذه   الى   مكة   فكان  اغلب الناس  لا  تعلم  انه  اخوه  وظنوا  انه  عبده   فقيل ( عبد المطلب )   فكانت هذه  شهرته .

          وعبد المطلب  جد النبي صلى الله عليه وسلم وصف بالجمال والكمال  والوسامة  وكان اعظم الناس   شرفا  حيث  كان سيد قريش  وصاحب عير مكة   حتى  قيل  انه  لقب  ب( الفياض) لفيض  سخائه  وجوده   وكرمه .

           ومن  العجائب  في زمنه   حفر  بئر زمزم  بعد اندثارها  بعد رؤيا جاءت  لعبد المطلب  في  منامه  حدد   له  فيها   موقع  البئر  فأمر بحفره وأشرف عليه بنفسه  - فكان  زمزم  ولا زال  سقيا الحجاج  رواءا وطعاما  منذ ذلك الوقت و لحد الان  ويستمر الى ما شاء الله تعالى.
.
      وقيل  ان(  جرهم) القبيلة العربية التي كانت  تسكن  مكة  قد ردموا البئر  عند   جلائهم   من   مكة  وترحيلهم  خارجها  .

           وفي  زمن  عبد المطلب    وقعت  واقعة (الفيل ) ومفادها  ان  ملك الحبشة ابرهة الاشرم  بعد احتلاله  لليمن   قدم الى مكة  من اليمن لاجل هدم الكعبة  في جيش  من الاحباش قدره  ستين الف مقاتل   وفي مقدمة هذا الجيش جعل عددا من الفيلة  . فلما وصل الى مشارف مكة . استقر  ليريح  جيشه  ثم  يهجم على مكة و ليهدم الكعبة  المشرفة  و السبب انه كان قد بنى كنيسة  كبيرة  في  اليمن  في مدينة صنعاء اسماها ( القليس )  دعا   الناس  للحج اليها الا انه لم يستجب له احد . فاشاروا عليه بهدم الكعبة   لعل الناس  تتجه - بعد  هدمها-   الى كنيسته  حسب  رايه و ما اشار ه عليه   قومه  فقرر  هدم الكعبة .

         ولما  تهيأ  للهجوم  على مكة  بركت  الفيلة  ولم تتقدم نحو مكة  ولم يفلح  في تحريك الفيلة باتجاه الكعبة  بينما تتحرك مسرعة في اي اتجاه اخر  وجيشه  حتى  ارسل  الله  تعالى عليهم   طيرا  ابابيل  أي   جماعات  جماعات  من   الطير    ترميهم  بحجار ة من  سجيل  أي  من   ( جهنم )  أي تحمل في مناقيرها طينا متحجرا  مفخورا  في الجحيم  فيه  انواع   من الامراض القاتلة  والمعدية  فتساقطت عليهم   من مناقيرها  ومخالب ارجلها   بكثرة  فكانت اينما   تقع  منهم  هذه الاحجار  تحرق موضع  سقوطها  على الجلد  فتزيل  لحومهم عن جسومهم  . فانهزموا  شر هزيمة  فقتلوا  بالموت  المحقق  فمن  لم يمت  في  مكانه في   مكة   مات  في الطريق  وجعلهم  الله   تعالى عبرة   لمن اعتبر . فسمي  هذا العا م  ب(عام الفيل )  وفي   هذا  العام   ولد  الحبيب  المصطفى  محمد   بعد  شهرين   من هذه الواقعة.

        بن  عمرو المكنى ( هاشم) وذرية  الحبيب المصطفى  لا  تزال تسمى الاسر ة الهاشمية  نسبة  الى هاشم  جد  ابيه  والذي كنيته غلبت  اسمه  فقيل  عبد المطلب   بن هاشم  وسبب  هذه الكنية  ان هاشما  كان اعظم  اهل زمانه  فهو رجل عظيم  الشأ ن في قومه   فقد  كان  يؤوي الضيف  والجائع  والمسكين  و يطعم الحجيج  في  المواسم  حيث  كان  يهشم الخبز  ويثرده  في  مرق اللحم  ثم  يتركه   للناس  ليأكلوه   فكني  ( هاشم )  وكان يلقب  بمطعم  الناس  في السهل   ومطعم  الوحش   والطير في  الجبل .

              وهاشم  هو  الذي  سيّر  الرحلتين  التجاريتين  ( رحلة الشتاء  والصيف )  فكانت رحلة الشتاء الى اليمن  ورحلة الصيف الى الشام  تبعا  للظروف المناخية ووجود المواد  التجارية في هذين المصرين  في  هذه المواسم  .

        ابن عبد مناف  بن (قصي)  وقصي اسمه ( زيد)  وزيد اول  من جمع قريشا  في مكة  واسكنهم فيها   حول الكعبة    بعد ان كانوا  خارج  مكة  وفي  اطرافها  و ضواحيها   وهو  اول  من   تولى   الكعبة   من  قريش  فكانت له  سدانتها  وحجامتها   فكان  الامر اليه  فيها  و بيده   مفا تيح  الكعبة   يفتح   لمن يشاء  ومتى  يشاء  ويمنع  من  يشاء  وقد   انشأ  فيها  (السقاية)  وهو ماء عذ ب  يخلط   فيه  نبيذ التمر او نبيذ العسل  او نبيذ الزبيب . كان  يعده  في احواض من الاديم   يشربه الحجيج  اثناء حجهم  الكعبة   و انشأ  (الرفادة ): وهو  طعام  يصنع   للحجاج  في  موسم الحج  وكان قصي  قد  بنى   قرب الكعبة  وقيل  في  شمالها  دارا اسماها (دار الندوة ) وهي  دار مجلس  شورى  قريش  يجتمعون فيها  لمدارسة امورهم - وبلدهم  كان  مركزا  سياسيا   واقتصاديا   واجتماعيا   لهم - فكانت  كل  الامور تتم  فيها  ومن   خلالها   حتى  عقود  النكاح  والزواج   وكان  قصي   بيده  القيادة  واللواء  فلا  تقام  الحرب ولا  تعقد  رايته  الا  بامره  فهو  صاحب  الراي   والمشورة  والكلمة  المسموعة   في  قومه .
           اما  قبيلته صلى الله  عليه وسلم  فهي  قبيلة  قريش  المشهود  لها  بالشرف  الرفيع  والمجد  المؤثل  والقداسة والرفعة   بين  سائر  القبائل  العربية .  وقريش  لقب  ل( فهر بن مالك) و قيل ( للنضر  بن كنانة )  وكلاهما من   آباء  النبي  محمد  صلى الله عليه وسلم  وقد زادها النبي محمد شرفا الى شرفها   .


                     *************************




شذرات من السيرة النبوية المعطرة


                                            2 

                                  بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله :

         كنت قد تحدثت في الشذرة السابقة عن نسب النبي محمد  صلى      الله عليه وسلم واليوم نتحدث عن  ولادته الى مبعثه .

           فاقول  وبالله  التوفيق  -  توفى والد  محمد  عبد الله بن عبد المطلب  وزوجته امنة  بنت وهب لازالت  حاملا  فيه   لم تلد ه .

          ولد  النبي  محمد  صلى الله عليه  وسلم  صباح  يوم الاثنين  التاسع  من  شهر  ربيع  الاول  من عام الفيل  أي  في  عام  | 571 ميلادية  وقيل  في  الثاني عشر منه  وهو الاشهر   وقالت قابلته  وهي  الشفاء  بنت عمرو:
-  لما  وضعته  امه  وخرج الى الحياة ( خرج  نور منها   لحظة خروجه  أضاءت  له  الدنيا  وحتى  قصور الشام )
       وكان  موضع  ولادته  بشعب بني هاشم  بالقرب من  البيت الحرام   واليوم حدد  موقعه  عند  المكتبة  العامة  بجوار المسجد  الحرام  كما  رأينا  اثناء   زيارتنا  للموقع  حيث وجدنا  لافتة  مكتوب عليها  : ( هنا  ولد  النبي  محمد   صلى  لله  عليه وسلم )  وهذا الموضع  اليوم  جزء من  ساحة  البيت الحرام .

         وفي  مولده  المبارك  في الثاني عشر من شهر ربيع الاول  نحتفل  كل عام  وهذه  بعض  ابيات  من احدى قصائدي  في  ذكرى  مولده صلى الله عليه وسلم: .

انا نذرنا رؤى الايمان عابقة
                                      فالقلب معدنها الهادي له خشعا

لاخير غير الذي تروى مناقبه
                                  من قاع بحر الهدى اصلا ومفترعا


لسنا نهاب الدهر والاحسان رائدنا
                                      منذ الطفولة  والايمان  قد رضعا

عفو   وعفو  وهذا  جل  من حلم
                                  من  سيدي المصطفى للعالمين رعا

عشقا لكم سيدي لا شكوى ولا الم
                                        ومن سواك بمن يهواه قد رجعا

نبي  له  في  رحاب  الله  ارفعها

                                     من سدرة خصها الرحمن منتجعا

كل المروآت من قرآنه انبثقت
                                        ومن سناه  تجلى النور فارتفعا

اكرم  بفضلك  فالايمان  مؤتلق
                                     
                               سمحا ويزجي السنى ا لاتي وقد جمعا

اجلال فضلك باسم الله محتسبا
                                        قد استنرت بنور الحق  فالتمعا

وكنت نور الهدى شوقا على امل
                                          وكم  زينم بنار الكفر قد قبعا

اكرم   فديت   فؤادا  انت   ساكنه
                                   في لبه حبكم    مذ صيغ  قد صنعا

يا سيدي يا رسول الله معذرة
                                     ان  تاه  قلبي  في حبكم  فقد ولعا

اجلال فضلك باسم الله محتسبا
                                        قد استنرت بنور الحق فالتمعا

اكرم فقلبي قد هاجت هواجسه
                                    قد  آسر النفس  مزهوا  بما  دفعا

                             ************

       ارسل الى  جده  عبد المطلب بن هاشم  ببشارة  ولادته  صلى الله عليه وسلم  فحضر  مسرعا مسرورا  فأخذه  باحضانه  ثم  ذهب  به  الى  الكعبة  وادخله  فيها  فشكر  الله  وسماه  محمدا  ليكون  محمودا   في السماء  ومحمودا  في الارض.

          ارضعته  بعد امه  مولاة   ابي  لهب عمه  ( ام ثويبة ) بلبن  ابنها (مسروح ) وقيل  انها  ارضعت  قبله   عمه  (الحمزة   بن عبد المطلب ) وارضعت   بعد ه  ( ابا  سلمة  بن  عبد  الاسد المخزومي)  . فهؤلاء اخوته  من الرضاعة . فاعتقها عمه  ابو لهب  استبشارا   بولادته  صلى الله عليه وسلم .

               و من عادة  العرب  يرضعون   اولادهم  في البادية  خوفا عليهم من الامراض  وكثرتها  في  المدن  و لتقويم  ألسنتهم  واشتداد  سواعدهم ونصوح اجسادهم . وقد  جاءت النسوة  من البوادي  لرضاعة  اولاد  الذوات  من  مكة   فعرض عليهن   محمد  الا  انهن  لم يأ خذنه  لكونه  يتيما . ثم أخذته  ( حليمة  السعدية )  بعد  ان لم  تجد   رضيعا   لترضعه  فارضعته  مع  اولادها  من الحارث  وهم  كل  من ( عبد الله  وانيسة  والشيماء )  لهذا  فقد  كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم  اخوة من  الرضاعة  هم:
 (   عمه الحمزة  بن  عبد المطلب  ومسروح   وابو سلمة  بن عبد الاسد المخزومي   وعبد الله  و انيسة و الشيماء  اولاد الحارث الاسدي ).
 ومرضعته  حليمة هي بنت ابي ذؤيب عبد الله  بن الحارث زوجة الحارث بن عبد العزى السعدي .

          كان  ا لحارث  زوج  حليمة  معيلا  وحالته  المالية  ضعيفة  جدا وكان  جدب  قد الم  بالناس  شديد  وكان  قد جاء  مع  زوجته  ومعهما  دابة  من الحمير( اتان ؟)  بطيئة لا تقوى على المسير  لهزالها  وناقة لا تدر  قطرة  من لبن  ومعهما  ولدهما  عبد الله  صغيرا  يبكي  ويتضور جوعا  . فلما  أخذت  حليمة  محمدا  صلى الله عليه وسلم  للرضاعة  ووضعته  في  حجرها  در حليبها   فأرضعته  حتى أشبعته  ثم  أرضعت ابنها  فناما  بعد  ان شبعا . وتقدم الحارث  الى  ناقتهما  فحلبها   فدرت  لبنا   كثيرا  خالصا   سائغا  للشاربين  فشربا  منه  حتى  شبعا . ببركة  هذا الرضيع  المبارك  صلى الله عليه وسلم .  ولما عادا  الى  ديارهما - وكانا في  آخر العير  عند مجيئهما  لهزال   الدابة  والناقة  وضعفهما - فاصبحا  في اول  العير عند  العودة  ولم  تستطع  العير ان تحلق بهما لسرعة  سير الدابة والناقة.

          ولا زالا  في نعيم وخير وفير حتى  اكتملت  مدة الرضاعة وهي سنتان  فقد فطمته  مرضعته  بعد ان اشتد  وقوي في هذه المدة  وجاءت به  الى  امه  وكانت  قد رغبت  في  أعادته  معها  لديار     بني   سعد  ورجت والدته  امنة  بنت وهب   ان  تعيده  معها  حتى  يغلظ    ويشتد ساعده  وأنها  تخاف عليه من وباء  في  مكة   فرضيت  والدته  فرجعت حليمة   به  الى  بيتها  وبقي عندها  سنتين  اخرتين .

           الا   انه حدث  حادث   قلب  كل  الموازين   فقد  جاء  عن انس  بن مالك رضي الله عنه - ان جبريل عليه  السلام  اتى النبي  محمدا  صلى الله عليه وسلم  وهو يلعب  مع  الصبيان  فأخذه   ثم  صرعه   وشق  صدره  فاستخرج  قلبه  واخرج منه  علقة  ثم  غسله   بماء  زمزم  في   طست  من ذهب  ثم  أعاده  الى موضعه   . فهرع    الصبيا ن  الى  امه  حليمة  ( مرضعته )  فاخبروها  ان ابنها  محمدا  قد  قتل .  فاتجهوا اليه  مسرعين   فاستقبلهم   منتقع   الوجه  متغيرا  واخبرهم  بالخبر.  فخاف عليه زوجها  وأعاده  الى امه  آمنة  بنت  وهب  .

          ذهبت به  والدته  امنة بنت وهب  الى اهلها  اخواله  في   يثرب  وبقيت في ضيافتهم   شهرا ثم عادت الى مكة  وقبل ان تصل مكة  مرضت  وهي في الطريق  فتوفيت في منطقة  يقال لها  ( الابواء ) ودفنت  هناك  . هكذا  اصبح  النبي صلى الله عليه وسلم  يتيم  الاب  والام  ثم عاد  به  جده  عبد المطلب  الى مكة صحبة  خادمة  امه ( ام ايمن ) .

             عاش  في  كنف  جده عبد المطلب  فكان له الاب والجد  وسهر على تربيته  كثيرا  وكان يتصور او يعتقد  في نفسه  ان   ولده  محمدا صلى الله عليه  وسلم   سيكون  له  شأن  كبير في  المستقبل  لنباهته الا  ان  جده كان  قد  توفي    وعمره  ثمانية  اعوام . فكفله  عمه  ابو طالب  شقيق  والده  وكا ن  قليل  المال  كثير  العيال  فبارك الله  له  في رزقه وعياله .

           ولما اراد ابو طالب  ان يتاجر  الى الشام  كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  في  الثانية  عشرة من عمره  وقيل  اكثر  بقليل  رغب في   الذهاب معه  فاخذه    الى الشام  .حتى اذا  وصلت القافلة  الى ( بصرى ) وهي  مدينة  اثرية  تقع  على   مشارف  بلاد الشام   خرج  لهم  الراهب  ( بحيرا )  واخذ  النبي  صلى الله عليه  وسلم  في  يده  وقال:
 ( هذا سيد العالمين  هذا رسول رب العالمين  هذا يبعثه الله رحمة للعالمين )   فتعجب  من بالقافلة من قوله   فقال لهم:
 ( انكم  حين  اشرفتم  من العقبة  لم  يبق  حجر ولا  شجر الا   خر ساجدا   ولا يسجدان  الا  لنبي   واني لأ عرفه   بخاتم  النبوة   في  اسفل غضروف  كتفه  مثل التفاحة  وانا  لنجده  مكتوبا  في  كتبنا )
    ثم  أ لتفت الى عمه  ابو طالب  ورجاه  ان يرده  ولا يقدم  به  الى الشام مرة اخرى  خوفا عليه  من اليهود . فأرجعه  عمه  الى مكة .

          ولما   كان   في العشرين  من عمره  شهد  حرب  الفجار التي دارت  في  سوق  عكاظ  ثم  شهد  حلف الفضول   وهو حلف  قام  في دار  (عبد الله  بن جدعان ) تعاقدت  فيه  قريش  وتحالفت  ( على ان لا يجدوا في مكة  مظلوما  الا  ترد  اليه  مظلمته ).

          عرف   منذ صباه   بالصدق  والامانة  والعفة  والخلق  القويم  وبهذا  احبه  الناس  وأسموه (  الصادق  الامين )  وعلى  هذه الخصال ارسلت اليه  (خديجة  بنت  خويلد)  رضي الله عنها  وكانت  افضل  نساء   مكة  واكثرهن  مالا  وعرضت  عليه   ماله  ليخرج  للتجارة    فيه  الى الشام   فوافق  على ان  يذهب  معه  غلامها  ( ميسرة )  فذهب    به  الى الشام  فربحا  ربحا  كثيرا  . فلما رجع  ورأت  أمانته  والبركة  على  يديه  وحدثها  غلامها  ( ميسرة )  عن  خلقه   وفضائله  طلبته  زوجا  لها   فرضي  بذلك  فخطبها  له عمه  ابو  طالب  من عمها  فزوجها  له   وتم  زواجه  بها  بعد عودته  من التجارة   بشهرين   وكان  في  الخامسة   والعشرين  من عمره.

      اما هي فكانت ا كبر منه  سنا   فقد  قيل انها  تكبره  بثلاث سنوات   وقيل  بخمس  عشرة سنة  وكانت   تزوجت  قبله  مرتين   وقد سعدت  بهذا  الزواج  سعادة  فاضلة  غبطها  عليها  الاخريات   وقد  انجبت له  كل  اولاده  الا  ابراهيم   كان  من مارية  القبطية   فقد  انجبت له  ولدا اسماه ( القاسم )  واربع بنات ( زينب  ورقية  وام كلثوم   وفاطمة ) وقد توفي    القاسم   وابراهيم  صغارا  والاناث  ادركن  النبوة  واسلمن وهاجرن  الى المدينة  ثم  توفين  في  حياته   ايضا  ا لا فاطمة   فقد  توفيت بعد  وفاته صلى الله عليه وسلم  بستة  أشهر رضي الله تعالى عنهن جميعا  واسكنهن فسيح جناته  .

         في عام \  606 م  ميلادية  تعرضت  الكعبة  الى  حدوث  سيل جارف  فتصدعت  جدرانها  مما   حدى  بقريش  ان  تجدد  بناءها   وقد خصص  لكل  قبيلة جزءا  يقوم  ببنائه   وشارك   في البناء   السادة   والاشراف   وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم  يحمل  الحجارة   في  بنائها  مع عمه  العباس  واشترطو ا  ان  لا يدخل  في بنائها  مال حرام . فضاقت  عليهم  نفقة  البناء  ولم   تكف  عن  اتمامها  على  ما بناها  ابراهيم  الخليل   وابنه اسماعيل  عليهما السلام   فاضطر القرشيون  الى  ترك   قسم  منها  من  جهة الشمال  قدّر بستة  اذرع  أي  ما يقارب ثلاثة  امتار ونصف  فقد بني على شكل  جدار  قصير. عليه  ليكون علامة  ان  هذا  الجزء هو من داخل  الكعبة .  ولا  يزال  لحد  الان  كذلك   وهو المسمى  بالحجر  (حجر اسماعيل ) او الملتزم  . وقد  رزقنا  الله تعالى بفضله واحسانه رؤيته والدخول فيه  و الصلاة  فيه عشرات  المرات  والحمد لله رب العالمين . 

       ولما  وصل البناء الى  ارتفاع   متر ونصف تقريبا  وهو ارتفاع  موضع   الحجر الاسود  فاختلف  رؤساء  واشراف  قريش  فيمن  يكون له الفضل في  وضع  الحجر الاسود   في مكانه  وتوقف العمل  واستمر الخلاف  عدة  ايام  وكا د  يتطور على اقتتال  بين القبائل  الا   ان رجلا  منهم  هو ( ابو  امية  بن المهير ة  المخزومي )  وكان  اكبرهم  سنا  اقترح  عليهم  ان يحكّموا  فيه اول  رجل  يدخل  عليهم   باب المسجد  فرضي  الجميع .  فكان  النبي  صلى الله عليه  وسلم  اول  الداخلين  .  ففرحوا  وهتفوا  ( هذا  الصادق  الامين  رضيناه . هذا  محمد )  فلما  اخبروه  الخبر  اخذ رداءا  ووضع  الحجر الاسود  فيه  و امرهم  ان  يمسك  كل  واحد  منهم   بطرف الرداء  ويرفعوه  سوية   فرفعوه   فاخذه  النبي  صلى الله عليه وسلم   بيده  الشريفه  ووضعه  في مكانه   فكان له الشرف الرفيع في وضع الحجر الاسود في مكانه  وفي حقن دماء قريش في هذا الامر.

        وهكذا  حسم  النزاع  بفضله  صلى الله  عليه وسلم   وسداد  رأيه  لقد حفه  الله  تعالى  بالحفظ   والرعاية   والصدق  والشجاعة   والحكمة  والعفاف  والغني  والحلم   والحياء   والقناعة   والتواضع   وكل الخصال الحميدة   صلوات الله  وسلامه  عليك  ياحبيبي   يارسول الله .

                                   يتبع


         ****************************
                                 


      



                            



شذرات من السيرة النبوية المعطرة


                                   3

                     بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله :

            تغيرت الاحوال  الفكرية  والنفسية للرسول  الكريم  صلى الله عليه وسلم كلما تقدم  به العمر  وخاصة  في السنوات الثلاث  قبل ان يبلغ الاربعين  اذ اشتد  به القلق  وهو يرى قومه  يعبدون  الاصنام  في الكعبة المشرفة  اذ لم يسجد  لصنم  منها  واخذ   يرغب  بالخلوة   والانقطاع  لنفسه  والتفكر  فيما  يراهم يعملون  ولا يقره  وبدأ يفكر في قرارة نفسه   بايجاد  سبيل  لذلك.  و تزداد هذه الرغبة  كلما  تقدمت به السن . فأخذ  بالخلوة  والتفكر فيه  ثم أخذ ت  خلوته  تطول عندما  ناء وخلى  بنفسه  في  غار حراء   في  قمة  جبل   عال على بعد  ميلين عن  مكة  - وقد  وقفنا والحمد لله  تحت اقدام هذا  الجبل- لعدم استطاعتي الصعود اليه في هذا  العمر – ويسمى  الان  ب  (جبل النور )  وشاهدنا   مكان الغار فيه  وهو با رتفاع  شاهق   وقد  قرأت  من صفاته  ان الغار يقع  بجنب قمته  اسفل  منها  ولا يمكن الدخول اليه الا  بالصعود الى القمة والنزول  من القمة  اليه   وطوله  اربعة امتار  بعرض   مقداره   متر ونصف المتر  تقريبا .

        وكان الحبيب المصطفى  صلى الله عليه وسلم في السنوات الثلاث قبل مبعثه   يتعبد في هذا الغار على دين  ابراهيم  الخليل  عليه السلام – دين التوحيد  ويخلو فيه  -   في كل سنة  شهر واحد  - في رمضان  - ثم ينصرف  الى  بيته. وكانت تبدأ  عليه  الرؤيا   من نومه  فكانت  رؤياه  صحيحة .

        فلما  اكمل  الاربعين من العمر بدأت تباشير النبوة  تظهر عليه  فبينما  كان  يتعبد في غار حراء في  شهر رمضان  من هذا العام  نزل عليه  الملك  جبريل عليه السلام  فقد جاء في الاثر  ان الرسول الكريم قال  فلما  جاء الملك اليه  فقال له:
-        اقرأ
-          قال: ما انا بقارئ –
 فاخذه فغطه حتى أجهده  ثم أرسله  مرتين ثم قال له:
-   ( اقرأ باسم ربك الذي خلق.* خلق الانسان من علق .* اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم * علم الانسان ما لم يعلم *) سورة العلق 1-5.    فكان هذا بداية نزول الوحي  عليه  بالقران الكريم .

         فرجع  الرسول  صلى الله عليه   وسلم الى   بيته  مرتجفا  خائفا   فدخل على زوجته خديجة بنت خويلد رضي الله عنها  وهو يقول :
 --زملوني زملوني   .

        فزملته حتى ذهب روعه  و استقرت نفسه الشريفة   فقص عليها ما حدث  اليه  فاخذته الى ابن عمها ( ورقة بن نوفل) فقص عليه القصص فبشره  ( ورقة  ) بالنبوة .

         وكان ذلك في اواخر شهر رمضان  المبارك  قال تعالى :
 ( شهر  رمضان  الذي  انزل  فيه  القران  للناس   وبينات  من الهدى والفرقان  )  البقرة  الاية \ 185
 وفي ليلة  من افضل  لياليه .  قال تعالى :

(   انا انزلناه في ليلة مباركة  انا كنا منزلين*فيها يفرق كل امر حكيم * امرا من عندنا  انا كنا مرسلين *  رحمة من ربك انه هو السميع العليم* )  الدخان  الايات \ 3-6

   فبوركت هذه الليلة   فهي ليلة مباركة  وبورك الشهر الذي  فيه هذه الليلة  فقيل شهر -رمضان المبارك - وسميت هذه الليلة  ب (ليلة القدر)   قال تعالى:

 ( انا انزلناه في ليلة القدر.* وما ادراك ما ليلة القدر.* ليلة القدر خير من الف شهر.* تنزل الملائكة والروح فيها  باذن ربهم من كل امر.* سلام هي حتى مطلع الفجر.*)   سورة القدر كاملة

      وفيها   يؤكد  الله سبحانه وتعالى  وبصيغة الجمع وهي صيغة تدل على عظمة الله تعالى  وقدرته  ان الله تعالى انزل القران الكريم في ليلة القدر  وهي ليلة مباركة  باركها الله تعالى  بنزول القران الكريم  وباركها  بان جعلها احدى ليالي شهر رمضان المبار ك  وهذا الشهر  باركه  فيها  ولأجلها  وباركها  بأن  فضلها على كل ليالي الاشهر والسنين  فجعلها خير من الف شهر وباركها ايضا حيث  فيها  تكتب ارزاق العباد   وآجالهم  وامور اخرى ذكرها علماء التفسير  وقد سميت  ليلة  القدر بمعنى  ليلة الشرف او ليلة  التعظيم و التقدير  تقدر فيها  الامور المستقلبية للانسان وغيره من المخلوقات  وقيل ان امور كل سنة من السنين تقدر  في هذه الليلة المباركة

        و روي  ان شخصا  من بني اسرائيل  حمل  سلاحه في سبيل الله  الف شهر وكسب الاجر العظيم  فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم  فتعجب من ذلك وتمنى ذلك  الاجر  لأمته  فقال:
      (يارب  جعلت  امتي  اقصر الامم اعمارا وأقلهم اعمالا ) –
  فاعطاه الله تعالى له ولأمته  هذه الليلة ( ليلة القدر)  فهي خالصة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم  باقية فيهم الى يوم القيامة  .       

           انزل فيها القران الكريم من اللوح المحفوظ في السماء السابعة الى بيت العزة في  السماء  الدنيا  جملة  واحدة  في ليلة القدر  ثم انزله جبريل عليه السلام  ايات ايات منجما على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من يوم مبعثه الى يوم وفاته  وانها ليلة شريفة ازدانت بشرفها ليالي رمضا ن المبارك  وانها ليلة  تتنقل بين الليالي في رمضان فقد تكون في اوله  وقد  تكون    في اخره.

       وقد  ذكر علماء الحديث ورجا ل  الصحاح منهم احمد والبخاري  ومسلم والترمذي رضي الله عنهم جميعا  نقلا عن عائشة ام المؤمنين رضي الله عنها  ان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قال:
 –( تحروا ليلة القدر في العشر الاواخر من رمضان  وانها  في   وتر)
-   فحسم الامر انها قد تكون في ليلة 21 او 23 او 25 و27 او 29 من رمضان  وانها في ابهام من هذه الليالي  لترغيب المسلمين  في احياء ليالي رمضان المبارك  كلها  في  سبيل الظفر  بها  لأن عبادتها خير من الف شهر أي ما يعادل ثلاث وثمانين سنة . 

     ونقل صاحب الطريقة الطحاوية  في كتاب حواشي الدر المختار عن بعض علماء الشافعية ان افضل الليالي ليلة مولد النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليلة القدر ثم ليلة  الاسراء والمعراج  ثم ليلة عرفة ثم  ليلة الجمعة ثم ليلة النصف من شعبان  ثم ليلة العيد  .

         وقد وجدت  في بعض الكتب  ان هذه الليلة  المباركة  كانت   ليلة الاثنين   الحادي والعشرين من رمضان المبارك   يقابله اليوم العاشر من شهر ا ب ( أغسطس ) من سنة\ 610  والله تعالى اعلم . 

             ومضت ايام  بعد هذه الليلة ولم ينزل الوحي  و فيها  هدء  روعه  وسكنت نفسيته  وارتاحت سريرته  وكان خلالها  في استمرارية التعبد  في غار حراء  حتى اذا كان اليوم الاول من شوال أي بعد  تسعة ايام من  نزول الوحي على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم اول مرة  وبينما كان الحبيب المصطفى  ينزل  من غار حراء الى الوادي  . ويتحدث الرسول الكريم عن هذه الحالة  عن  نفسه الشريفة   فيقول:

-        ( فلما استبطنت  الوادي – نوديت  فنظرت عن يميني فلم ار شيئا  ونظرت   عن  شمالي فلم ار شيئا  ونظرت امامي  فلم ار شيئا  ونظرت خلفي فلم ار شيئا  فرفعت  راسي  فرايت  شيئا  فاذا الملك جاءني جالس على كرسي بين السماء والارض فجئشت  منه رعبا  حتى هويت الى الارض  فاتيت خديجة  فقلت: زملوني زملوني دثروني وصبوا على ماء باردا  )
  فدثروه  وصبوا عليه   ماءا  باردا  فنزلت  هذه  الايات:
  (  يا أيها المدثر* قم فانذر* وربك فكبر * وثيابك فطهر*  والرجز فاهجر*ولا تمنن تستكثر * ولربك فاصبر*)  المدثر الايات\1-7

               وهذه الايات  - من خلال دراستها وتفسيرها-  كانت  اول بداية  الامر بالدعوة  الى  عبادة  الله  تعالى   وتحذر الناس من عذاب  الله  في حالة استمرارهم عبادة  الاصنام   والاوثان   .

       فقام الرسول الكريم  صلى الله عليه وسلم  بالدعوة  الى الله تعالى سرا اذ ان قومه   كانوا يعبدون الاصنام  والاوثان  جفاة  وانهم  كانوا يعبدون   ما عبد  آباؤهم  من قبل  وكانوا   يشعرون    بالانفة  والعزة  والمكابرة  ولا يذلون لشيء واغلب مشاكلهم يحلونها  بالسيف والقتال  وهذا  خلاف ما جاء به الاسلام  اوجاء به محمد صلى الله عليه وسلم  لذا بدء بالدعوة  للاسلام من يعرف  انه من ذوي الخير  وحب الحق  وتطمئن اليه نفسه الشريفة  ويبدا  با هله وذويه واصدقائه واقاربه .  فاسلمت  زوجته  خديجة بنت خويلد  فكانت اول المسلمين  ثم  امن  به  ابو بكر الصديق  وهو الصديق  الودود و الحميم اليه  وامن به  علي بن ابي طالب وهو  ابن عمه وكان في بيته وبكفالته  ثم امن به  زيد  بن  حارثة  وزيد  بن حارثة كان يسمى زيد بن محمد  وذلك ان زيدا  لما كان طفلا صغيرا اسر او سرق  وبيع  في ايام  الجاهلية  فاشتراه  حكيم بن حزام  . ثم وهبه الى عمته  خديجة بنت خويلد   فلما تزوجها  الحبيب المصطفى  صلى الله عليه وسلم  وهبته اليه.

 ولما  جاء والده  وعمه  يبحث عنه  ويرجوه الى  يعيده لهما .  دعا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم   زيدا  وخيره بين  ذهابه  مع ابيه وعمه وبين بقائه عنده  فاختار بقاءه مع رسول الله صلى  الله عليه وسلم عندئذ اخذ الحبيب المصطفى   بيد  زيد  وذهب الى الملا من قريش  وقال لهم : اشهدوا ان  هذا  زيد هو ابني   وارثا  وموروثا   فدعته قريش – زيد بن محمد - فكان  رابع  من  ا من    بالرسول الكريم  واعلن  اسلامه   وكان هؤلاء قد اعلنوا  اسلامهم  يوم واحد .

           ثم  اصبحوا  يدا  مساعدة  للنبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة سرا الى الاسلام وخاصة  ابو بكر الصديق   فاسلم  عددا من  رجال قريش منهم ( عثمان بن عفان .  عبد الرحمن بن عوف. الزبير بن العوام . طلحة بن  عبيد الله  . سعد بن ابي وقاص . ابو عبيدة الجراح . الارقم بن ابي الارقم . ابو سلمة بن عبد الاسد  وزوجته  وغيرهم  كثير )  وكان هؤلاء هم الرعيل الاول من المسلمين .

         وبقي الرسول الكريم  صلى الله عليه وسلم ثلاث سنوات   دعوته للاسلام  سرية  ولم  يجهر  بها  الا  ان  دعوته  صارت  معلومة  لدي  القرشيين في  مكة ولم  تكن  معارضتهم  لها  ذات  اهمية  لكون الرسول الكريم  صلى الله عليه وسلم  خلال هذه الفترة   لم  يتعرض  لمعتقادتهم   الدينية  ولم  يتحدث  عن  آلهتهم  واصنامهم  الا  انه  اصبح  له  اصحاب  صالحين وطيبين واشداء   من قريش  ومن غيرها   ومن  بينهم  من  هو خيرة  رجالها  مثل  ابو بكر الصديق  وعثمان بن عفان الاموي  و الزبير   بن العوام وغيرهم  .

            وهذه الحالة  تدلل  على  صبر  الرسول الكريم  محمد  صلى الله عليه وسلم   مستمدا  ذلك  الصبر من  كلام  الله  تعالى الذي  نزل عليه  .       ( ولربك  فاصبر )   .  المدثر \ 7








           **********************************













شذرات من السيرة النبوية المعطرة


                                     4 


                         بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله :

              قلت في الشذرة الثالثة من هذه الشذرات المباركة  ان النبي صلى الله عليه وسلم  بقي  ثلاث سنوات  صابرا في  دعوته  و سريتها  وانفراديتها  وفي هذه المدة  دخل  في الاسلام  اعداد من قريش  ومن غيرها  وصارت دعوته  معروفة  في قريش  وقد تعرض بعض المؤمنين للاعتداء  ولربما للتعذيب الا انهم لم يبالوا  وخلال هذه الفترة  كانت  قد  تهيأت  لها  الظروف والاجواء المناسبة  لأ ظهارها علنية  وقد نزل  من القرآن الكريم  ما يوضح السبيل  امام  الحبيب المصطفى  محمد  صلى الله عليه وسلم  في  كيفية  الدعوة  وانجاحها . قال الله تعالى:
 ( وانذر عشيرتك الأقربين * واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين* فان عصوك فقل اني  بريء مما تعملون*  )  الشعراء 214-216 .

           فتوجه  النبي صلى الله عليه وسلم الى بني هاشم وبعض بني المطلب  في اول  الدعوة  علانية  فجمعهم  وخطب فيهم  فحمد الله تعالى وتشهد بالشهادتين ( اشهد ان لا اله الا  الله   وان  محمدا رسول الله )  وقال :
     -( ان الرائد لا  يكذب اهله . والله لو كذبت الناس  جميعا ما كاذبتكم ولو غررت  الناس  جميعا  ما غررتكم  والله الذي لا  اله الا هو  اني  رسول الله اليكم  خاصة  والى الناس كافة . والله  لتموتن  كما  تنامون  ولتبعثن  كما تستيقظون  ولتحاسبن  بما  تعملون  ولتجزون  بالاحسان احسانا  وبالسوء سوءا  وانها  الجنة  ابدا  او النار ابدا )  .

      وكان كل الحضور تكلموا بكلام طيب الا  عمه ابو لهب  فقد  تكلم  بشدة لمنعه  من مواصلة  الامر غير ان ابا طالب  عمه  أيده ووقف  بوجه كل من يحاول  صده   او يقف في  سبيل  نشر دعوته .     
                    
           و كان الرسول  الكريم  صلى الله عليه وسلم   يطوف  في الكعبة المشرفة  ويصلي  في  المسجد  الحرام  على مسمع   ومرأى  من كل القرشيين .

          وما هي الا  ايام  من اجتماع الحبيب المصطفى محمد  صلى الله عليه وسلم باقاربه  حتى  صعد الى اعلى قمة  في  جبل  الصفا  المجاور  للبيت الحرام  والكعبة  المشرفة  ثم وقف هاتفا :
( يا صباحاه ....)
 وهذه الكلمة كانت  تعني  لاهل  مكة  الانذار  او تخبرهم  بخطر  يدهم مدينتهم   كهجوم  جيش عليها او  وقوع  امر عظيم فهرع  اهل مكة الى استجابة النداء  وليستكشفوا الخبر   من الهاتف  فعلموا انه  محمد   فلما اجتمع الكثير اخذ   ينادي او يهتف بالقبائل  باسمائهم  ثم  خطب فيهم قائلا :

  - ( ايها الناس  ارأيتكم لو اخبرتكم ان خيلا  بالوادي بسفح هذا الجبل تريد ان تغير عليكم  ا كنتم مصدقي)؟
 اجابوا : نعم  ما جربنا عليك الا صدقا .
 فقال صلى الله عليه وسلم :
 ( فاني نذير  لكم  بين يدي عذاب شديد . انما مثلي ومثلكم كمثل رجل رأى العدو فانطلق يربأ  اهله )  
 فخشي ان يسبقوه الى الكلام  فجعل ينادي:
( ياصباحاه . يامعشر قريش اشتروا انفسكم من الله  انقذوا  انفسكم من النار فاني لا املك  لكم ضرا  ولا نفعا ولا اغني  عنكم من الله شيئا )
   ثم اخذ ينادي على القبائل والبيوتات الحاضرة وغير الحاضرة  باسمائهم :
-        ( يابني....   انقذوا انفسكم من النار)
  حتى انتهى  بنداء اقاربه باسمائهم ( ياعباس بن عبد المطلب لا اغني  عنك من الله شيئا ...
 ياصفية بنت  عبد المطلب عمة رسول الله  لا اغني عنك من الله شيئا
 يافاطمة  بنت  محمد رسول الله  سليني  بما  شئت  انقذي  نفسك  من النار  لا اغني عنك  من الله شيئا...)
    ثم توجه  الى الجميع  فقال:
-        ( غير ان لكم  رحما  سأبلها  ببلالها)-  أي ساصلها حسب حقها.

     بهذا يكون  قد انذر القريب  والبعيد من  القرشيين في مكة ومن معهم انذارا عاما  وعلنيا . و بدء  النبي صلى  الله عليه  وسلم  يجاهر في دعوته  ويدعو الناس الى الاسلام  ويتلو عليهم  مانزل عليه من القران الكريم:
-        (  ياقوم اعبدوا الله مالكم من اله غيره ) 
       ويعبد  الله تعالى اما م  اعينهم  جهارا  فلقيت  دعوته  قبولا لدى بعض القرشيين وغيرهم  ودخل  في  الاسلام عدد  من القرشيين  ومن غيرهم  وكثر عدد المسلمين  مما  اثار الحفيظة و التباغض بين من دخل في الاسلام وبين المشركين  .

         كان المسلمون يتعبدون في بيت الارقم بن ابي الارقم في مكة  ومما يذكر  ان اسلام   ثلاثة  اشخاص  في  سرية  الدعوة  الاسلامية     كان لهم اثرا  كبيرا في امر الدعوة الاسلامية وعلانيتها :

 - فاول هؤلاء الرجال   ابو بكرالصديق فقد كان من رؤساء   تيم  كان رجلا عفيفا  كريما جوادا معظما في  جاهليته عليما بانساب القبائل العربية وايام العرب   ذا مال ووجاهة في قريش  وكان صديقا حميما  لمحمد صلى الله عليه وسلم . اسلم في اليوم الاول للدعوة الاسلامية في يوم مبعث الرسول الكريم  امن به  دون تردد  وصدقه دعوته  وكان الساعد الايمن  للنبي محمد صلى الله عليه وسلم  وكان يقصده الناس لعلمه  وخلقه  وفضله  وحسن معاملته  في تجارته   فدعا  اصدقاءه للاسلام   فآ من  فضلاء من قريش منهم عثمان بن عفان الاموي  و عبد الرحمن بن عوف الزهري وسعد بن ابي وقاص والزبير  بن العوام و طلحة بن عبيد الله  التيمي فقد اتى بهم الى النبي صلى الله عليه وسلم  واسلموا جميعا.

 وثانيهما حمزة بن عبد المطلب  عم رسول الله صلى الله عليه وسلم واخوه من الرضاعة  واعز فتى في قريش واشجعهم  واقواهم  و  كان اسلامه  فضل من الله تعالى على المسلمين  ودون قصد منه  فقد روي ان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم  كان عند جبل الصفا  فمر به   ابو جهل   فآذاه  ونال منه  وقيل  ان ابا جهل  اخذ حجرا  بيده  فضرب  به النبي  محمد  صلى الله  عليه  وسلم   فشج  راسه  ونزف دم الحبيب المصطفى  صلى الله عليه وسلم . ثم ذهب الى  نادي قريش  بجوار الكعبة المشرفة . وكانت ترقب الحالة مولاة عبد الله بن جدعان عن كثب من فوق سطح الدار  فآلمها الامر .  فلما مر الحمزة بن عبد المطلب  وكان  مقبلا من الصيد  وبيده  قوسه  خرجت اليه  واستوقفته  واخبرته الامر كله فثارت ثائرته   فذهب الحمزة  يبحث عن ابي جهل  حتى جاء اليه في النادي فشتمه و قائلا له:
-        اتشتم  ابن اخي وانا على دينه ؟؟

 ثم ضربه  بالقوس  بيده  فشجه  شجا  عميقا  . فكان لسانه  قد قال( وانا على دينه ) دون قصد ثم شرح الله تعالى صدره للاسلام  فاسلم . وكا ن اسلامه  في السنة السادسة من مبعث  رسول الله صلى الله عليه وسلم .

           اما الاخر  فهو عمر بن الخطاب. كان فتى فتيان قريش  شجاعا  ذا شكيمة لا يهاب احدا  وكان  شديد ا على المسلمين قبل اسلامه

         قيل  انه   في  ليلة  من الليالي   سمع  سرا  بعض  ايات القران الكريم  وكان  النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في الكعبة المشرفة  فوقع في  قلبه  ان  ماقرأه  النبي  من الحق . وفي احد  الايام  خرج  متشوحا  بسيفه  قاصدا  قتل الحبيب المصطفى  محمد  صلى الله عليه وسلم  فلقيه  رجل من معارفه  فقال  له:
- اين انت ذاهب  ياعمر
 فقال له عمر :
-        ذاهب لأ قتل محمدا  .
-        قال له :
-         وكيف تأمن  بني هاشم ان قتلت محمدا
-          فرد  عليه  عمر:
-          ما اراك الا قد صبوت
-         قال له:
-         الا  اخبرك باعجب من ذلك ؟
-          قال له عمر :
-         وما ذاك؟؟
-          قال :
-         اختك  وزوجها قد صبأوا .

           فتركه عمر  وسار مسرعا الى بيت اخته   ليرى صحة ذلك . وكان عندهما  خباب بن الارت يعلمهما  القران الكريم  فلما سمع صوت عمر اختبأ  في البيت  وسترت  اخته  الصحيفة  التي فيها  آيات القران الكريم  فلما دخل عمر البيت  قال :
- ماهذه الهينمة التي سمعتها ؟
  قالت اخته وزوجها :
-        كنا نتحدث فيما بيننا .
 قال لهما:
-        فقد قيل لي انكما صبوتما .
 فقال له  زوج اخته
- ارايت ان كان الحق في غير دينك؟
 فوثب عليه  عمر وطرحه ارضا  فجاءت اخته  لترفعه عن زوجها  فضربها  على وجهها   فأدماها  فقالت  له وهي غاضبة:
-        ياعمر وان كا ن الحق في غير دينك  ؟– اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله.
     ندم عمر  وخجل  من اخته  على  ما فعل فيها  وقال:
- اعطوني الذي عندكم لأقرأه
 قالت له اخته:
-  انك رجس و الذي عندنا لا  يمسه  الا المطهرون  فقم واغتسل وسنعطيكه .
 فاغتسل  عمر ثم تناول الصحيفة وقرا فيها :
بسم الله الرحمن الرحيم (. طه * ما انزلنا عليك القران لتشقى – الى قوله (انني انا  الله  لا  اله  الا انا  فاعبدني  واقم الصلاة  لذكري* ... ) اربعة عشرة  اية من سورة طه \1-  14 
  فقال ما احسن هذا الكلام واكرمه ؟  دلوني على محمد.
 عند ذلك خرج خباب  من  مخبئه وقال له:
-  ابشر  ياعمر  فاني  ارجو ان  تكون   دعوة  الرسول   صلى  الله عليه  قد أ جيبت   .
       وكا ن النبي صلى الله عليه وسلم قد دعا  في ليلة الخميس:
-        اللهم اعز الاسلام  بأحد الر جلين  اليك : بعمر بن الخطاب او بأبي جهل بن هشام  -
-         
         وذكر له الخباب ان النبي صلى الله عليه وسلم  موجود في  دار الارقم  بن ابي  الارقم .   فقصد عمر الدار  ولما  وصل  ضرب   الباب فأطل  رجل من ثقب  فيها  فرأى عمر بن  الخطاب  متوشحا  سيفه  فأخبر  النبي صلى الله عليه وسلم    وابلغ  المسلمين  بذلك 
 فقال الحمزة عم النبي :
- مالكم ؟؟ .
قالو ا   :  عمر
 فقال : افتحوا  الباب  فأن كان  يريد  خيرا  بذلناه  وان  كان  يريد  شرا قتلناه بسيفه.

 فخرج  رسول الله صلى الله عليه وسلم  من الحجرة  فجذب عمرا جذبة آخذا  بمجاميع   ثوبه  وسيفه
 قائلا : (اما تنتهي  ياعمر  ؟؟)

 ثم قال :( اللهم هذا  عمر بن الخطاب  اللهم  اعز  الاسلام  بعمر ) .
 فقال عمر بن  الخطاب:( اشهد ان  لااله الا الله واشهد  انك رسول الله  ). فكبر  كل من في الدار تكبيرة بصوت عال  سمعها من في المسجد الحرام . وكان اسلامه بعد اسلام الحمزة بثلاثة ايام .
  وبعد اسلامه  ذهب الى اشد الناس  كراهة  للمسلمين  فذهب الى ابي جهل فقال له:
-        جئت  لاخبرك  باني امنت بالله  وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم..
 وذهب الى جميل  بن معمر الجمحي  فا خبره باسلامه   فنادى جميل  باعلى صوته : ان عمر صبأ
 فقال عمر  لمن سمعه:   كذب   لكنني  اسلمت
  وذهب الى خاله العاصي بن هاشم  فاخبره باسلامه  ثم دارت معركة بينه وبين عدد من المشركين فقاتلهم.

         كان المسلمون يصلون سرا فلما اسلم الحمزة وتبعه بثلاثة ايام عمر بن الخطاب  فقال عمر للنبي محمد صلى الله عليه وسلم :
-        يارسول الله أ لسنا على الحق ان متنا وان حيينا ؟
   قال الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم  :
-  ( بلى)
-        فقال عمر :
-        ففيم الاختفاء؟  والذي بعثك بالحق لنخرجن .

        فخرج المسلمون   في صفين  احمدهما يتقدمه الحمزة بن عبد المطلب  والاخر  يتقدمه عمر بن الخطاب حتى  دخلوا المسجد الحرام وبهذا اصبحت الدعوة الاسلامية من ذلك اليوم علنية وجهرية .

              




                    *********************
                        
               

















شذرات من السيرة النبوية المعطرة


                                            5

                                    بسم الله الرحمن الرحيم

  الحمد لله :

             كنت قد بينت في الشذرة  الرابعة  انه حصل  بين  المسلمين والمشركين في مكة تباغض  وتباعد و لما كثر عد د المسلمين واصبح لهم كيان اخذ يزداد او يكبر  يوما بعد يوم . وزاد هذا التباغض استمرار النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته واجهاره بها في نواديهم  وامكنة تواجدهم  حيث كان يتلو عليهم   القران الكريم  ويدعوهم للدخول في الاسلام( ياقوم اعبدوا  الله ما  لكم من اله غيره  )  ويعبد  الله  علانية   ويصلي في المسجد الحرام علانية  .

        وقد ازداد هذا النتاحر  عندما  خرج المسلمون من دار الارقم بن ابي الارقم  في  صفين على راس احدهما  الحمزة  بن عبد المطلب  وعلى راس  الا خر عمر بن الخطاب  ودخلوا المسجد الحرام  يطوفون  حول الكعبة .

       وكان قد قرب موعد موسم الحج  - حيث  كانت العرب  تحج البيت الحرام  وتطوف بالكعبة وتحضر الموسم  من كل صوب  وفج  ومن كل القبائل القريبة  والبعيدة -   لذا  اجتمع ملأ  من قريش في دار الوليد بن المغيرة  -وكان الوليد  شيخا طاعنا في السن  ذا شرف ومقام معروف وله عشرة اولاد  يزينون  مجلسه  ويلتفون   حوله  فيزيدونه  وجاهة  ومنعة  وكان اكثرهم مالا  فقد  كانت بساتينه  العامرة تمتد  بين الطائف و مكة -   وكان من المجتمعين  في  بيت الوليد هذا  ابو لهب بن  عبد الطلب  وابو جهل  وابو سفيان  وغيرهم  يتدارسون  امر الحج  وامر الدعوة  الاسلامية وما يفعلونه ازاءها  وكانوا قد ضاقوا  ذرعا  بمحمد  وراوا  ان دعوته  تصادف اذعانا وقبولا  من  كثير من العرب  وان محمدا  سيجتمع بهم ويعرض عليهم  دعوته  ويدعوهم  في الدخول في الاسلام  فاجتمعوا فيما يفعلون وليحبطوا  دعوته  لعلهم  يصرفون  محمدا  عن  الاتصال  بالحجيج  من العرب  .
  فقال لهم  الوليد :
-        يامعشر قريش انه قد حضر هذا الموسم وان وفود العرب ستقدم  عليكم  فيه  وقد  سمعوا  بامر صاحبكم – يعني به  محمد  صلى الله عليه وسلم – فاجمعوا فيه رأيا  واحدا  ولا تختلفوا  فيكذّب  بعضكم بعضا  .
        فتحيروا ماذا  سيقولون في امر النبي  صلى الله عليه وسلم  واخذ كل منهم  يقول خلاف صاحبه  :( كاهن . مجنون . ساحر..)
 فقال لهم الوليد :
- والله  لقد  سمعت  محمدا  يقرا  كلاما  فما هو لا كلام انس ولا  كلام  جن   وان   لقوله  لحلاوة  وان عليه  لطلاوة  وان  اصله  لعذق  وان   فرعه  لجناة  وما  انتم  بقائلين  من  هذا  شيئا  الا  عرف  انه  باطل  وان اقرب القول ان  تقولوا  ساحر  فقوله  سحر  يفرق  بين  المرء وأبيه  وبين  المرء  وأ خيه  وبين  المرء  وزوجه   وبين   المرء   وعشيرته .

          وتفرق القرشيون  على هذا القول  فلما حضر موسم الحج  كانوا يجلسون في طرق الناس القادمين للحج  ودروبهم  يحذرونهم أمر محمد  صلى الله عليه وسلم   ويذكرونهم   أمره   من  انه:  ساحر .

        وكان  النبي   صلى الله عليه  وسلم  يخرج الى  مجاميع  الحجيج  ورحالهم  ومنازلهم او مواقع   اقامتهم  ويدعوهم   الى الايمان والاسلام  ويقول لهم:
-  ( ايها  الناس قولوا لا اله  الا  الله  تفلحوا ) .
        انتهى موسم الحج  لهذا العام  فصدرت العرب  وعادت  ادراجها  وقد عرفوا  امر رسول الله صلى الله عليه  وسلم  وانتشر ذكره  في كل فج  وركن  من الجزيرة العربية.

           قرر القرشيون  ان  يستمروا  في  الوقوف   بوجه  الدعوة  الاسلامية  فاخذوا  يثيرون  الشغب   ويفعلون  الضوضاء   بحيث  كلما  شاهدوا  الرسول  الكريم  محمد   صلى الله عليه   وسلم  يستعد  ليقوم  بالدعوة  لا يتركوا  له  فرصة  للتحد ث الى الناس  او قراء ة القرآن الكريم على اسماعهم   الا  وفعلوا ما  يغير  الامر  ويبعدوا الناس عنه  وشددوا على ذلك . فقال الله تعالى  فيهم:
 ( وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا  فيه  لعلكم  تغلبون).

           حتى ان بعضهم اخذ  بسرد القصص للناس في منتدياتهم   منهم  النضر بن الحارث الذي سافر الى الشام والحيرة  ليتعلم  قصصا  وحكايات   اخذ يقصها عليهم  لاجل صرف الناس  عن الاستماع  لرسول الله صلى الله وسلم  فكان  كلما  سمع  بمجلس  يجلس فيه النبي صلى الله عليه وسلم   جاء  اليه  واخذ يقص على الناس  هذه  القصص  والنوادر التي سمعها  وقيل انه اشترى   مغنية او  قينة تغني فاذا سمع ان فلانا يريد  ان يدخل الاسلام   اخذ تلك  المغنية  لتغنيه  وتطعمه  لاجل  الا   يذهب الى الرسول  الكريم  صلى الله عليه  وسلم  فيدخل الاسلام فانزل الله تعالى فيه : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث  ليضل عن  سبيل الله  بغير علم  ويتخذها هزوا  اولئك لهم  عذاب  مهين ).

         وكانوا  يعملون على تخذيل  الحبيب  المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم والمسلمين  فيتهمونه  انه  رجل  مسحور او انه  مجنون  او كاهن  او  انه مفتر  او انه ساحر بل ويسخرون منه قال تعالى على لسان المشركين :
  ( اهذا الذي بعث الله رسولا  * ان كاد  ليضلنا عن آلهتنا  لولا  ان  صبرنا عليها * )
 وكذلك  يستهزؤون  بالملسمين  وخاصة  الضعفاء  منهم  فاذا راؤوهم  يقولون:
-( جاؤوكم ملوك الارض) وقال تعالى على السنتهم:
(  اهؤلاء  من الله  عليهم  من  بيننا *)  ؟؟
وكان الرسول الكريم  صلى الله عليه وسلم   يضيق صدره الشريف  بهم  وبما  يفعلونه  بالمسلمين  ذرعا  قال تعالى واصفا الحالة :
 ( ولقد نعلم انك يضيق صدرك بما  يقولون*)
 فثبته الله تعالى  على  الدين  فانزل الله تعالى :
( فسبح  بحمد ربك وكن  من الساجدين *واعبد  ربك حتى يأتيك اليقين )  (  انا  كفينا ك المستهزئين * الذين  يجعلون  مع  الله  الها  اخر فسوف يعلمون )

      والملاحظ ان القران الكريم  قد تماشا في نزوله مع الدعوة الاسلامية  في  كل مساراتها  في سريتها وعلانيتها  ووصفها وصفا دقيقا و مسهبا  فكان  ينزل في  كل  حالة  ايات من القران  الكريم  ليثبت  الحبيب المصطفى محمد  صلى الله عليه وسلم على دينه  ويقوّي عزيمته  ويشد في عضده :
( ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق  بالذين سخروا منهم  ماكانوا به يستهزؤون )  .

         وقد  اثاروا  الشبهات  والدعايات الكا ذبة  وكثّفوها  وتفننوا فيها فقد  كانوا  يقولون  للقران الكريم :
-        احلام  واوهام  كاذبة  تراود محمد ا  اثناء الليل فيقراءها  في النهار على الناس او يقولون  انما  يعينه على القول اخرون وقال الله تعالى على السنتهم:
-         
( وأعانه عليه  قوم  آخرون  فقد  جاؤا  ظلما  وزورا*)
  وان  له  شياطينا  تعينه على قوله  كما  كان  للشعراء  شياطين  تملي عليهم  قصائدهم  وتعينهم على قول الشعر .     
                                                                    
         اما تعذيبهم للمسلمين تعذيبا جسديا  فانه كثير فقد أوذي  ابو بكر  الصديق  وطلحة  بن عبيد الله  فقد  شدهما  نوفل بن خويلد  العدوي  في حبل لمنعهما  من  حضور الصلاة. وكان ابو جهل  اذا  سمع  احدا  اسلم  من ذوي الجاه  والشرف  اخزاه  وأنبه  وهدده  بالحاق الاذى و  الخسار ة  به  وبماله  وبجاهه  وان كان ضعيفا  ضربه  مبرحا  واغرى الاخرين  على  ضربه  واهانته.

         وعذب  عثمان  بن عفان حيث كان عمه يلفه بحصير  من خوص النخيل ثم يدخنه  من تحته . وعذب  بلال  بن رباح  اذ  كان عبدا  مملوكا  لأميه بن خلف  حيث  كان  يضع  حبلا في عنقه  ويعطيه للاطفال  يلعبون به ويضربونه  او يخرجه  في الحر الشديد  فيرميه على  الرمل  المحرق  او يضع  على  صدره   صخرا  كبيرا   فيدعوه   للكفر  بمحمد  صلى  الله عليه وسلم  وكان  يردد وهو في العذاب : احد ...احد...
وربما جاء  به  ويدعوه ليعبد اللات والعزى  وقد  مر به  يوما  ابو بكر الصديق  وهو على هذه  الحالة  فاشتراه  من  امية  بن  خلف   واعتقه  لوجه  الله تعالى .

        وكان خباب بن الارت  ممن سبي في الجاهلية  اشترته  ام انمار بنت سباع الخزاعية وكان  حدادا  فعذبته  في النار  فتاتي  بالحديدة  الشديدة  الحرارة   فتكويه  في ظهره  لعله  يكفر بمحمد  صلى الله عليه وسلم  وبدينه  او يلوون عنقه  ويجرونه  من  شعره  او بوضع  حجر كبير على صدره   لا يستطيع  دفعه.

      وكان عامر بن فهيرة   يعذب   شديدا  حتى  يفقد   وعيه  وعذّب   ايضا   ا فلح  ابو  فكيهة  الازدي  وكان  مولى   لبني عبد الدار كانوا يضعونه في منتصف النهار في الحر القائض  وفي رجليه  الحديد   ويجردونه  من الثياب  .

          وعذب عمار بن  ياسر وامه  وابوه  عذابا  شديدا  فكان ابو جهل المخزومي يعذبهم  عذابا  شديدا  فيخرجهم  هو  واقاربه الى الابطح  فاذا  اشتد الحر فيعذبهم  فيها  وقد  مر  بهم النبي صلى  الله عليه وسلم فقال:
-        ( صبرا ال ياسر فان موعدكم الجنة  ).

       فمات  ياسر والده في  التعذيب  وكذلك   امه  وهي ام عمار سمية بنت خياط    مولاة  ابي  حذيفة المخزومي   فقد طعنها  ابو جهل   بحربة   في يده   فقتلها  لذا تعتبر اول شهيدة  في الاسلام  .

       و اما عما ر فكان المشركون يلبسونه  درعا من حديد  ويضعون الصخر على صدره   او يرمونه  بالماء  حتى يقول   ما لا  يعي  فانزل الله تعالى قوله:
 ( من كفر من بعد ايمانه   الا  من اكره  وقلبه  مطمئن  بالايمان  ولكن  من شرح بالكفر  صدرا  فعليهم  غضب   من الله   ولهم  عذاب عظيم* )

           وعذب صهيب  بن  سنان  الرومي وعذب   مصعب  بن عمير  حيث  منعته  امه  من الطعام  بعد  اسلامه  وطردته   من بيتها  حتى  تخشف  جسده   .

      ومن النساء  من عذبت مثل ام  عمار سمية  بنت  خياط  حتى ماتت  و النهدية   وابنتها  الا  ان  ابا بكر الصديق   اشتراهما  واعتقهما  لوجه الله  كما  اعتق  بلال  و عامر  بن  فهيرة  وقد لامه  ابوه على ذلك قائلا له: ( اراك تعتق  رقابا   ضعافا  فلو  اعتقت رجالا  جلدا  لمنعوك )
 فقال  ابو بكر :
 ( اعتقتهم لوجه الله  )
 فانزل الله تعالى فيه قرآنا:
 ( وسيجنبها الاتقى * الذي يؤتي ماله يتزكى * وما لأحد عنده  من نعمة تجزى * الا  ابتغاء  وجه  ربه  الاعلى * ولسوف  يرضى *)
   فما كان من المسلمين ازاء هذا التعذيب  الا ان  يزدادون   ايمانا   ويقينا  وكلما  زاد تعذيبهم   يزدادون  حرصا   في اسلامهم .

          فلو  تتبعنا  هذا الامر  لوجدنا  ان هناك امورا  مهمة  هي الاساس في  خلاف  المسلمين  في دينهم والكافرين  والمشركين  في كفرهم و من هذه الامور:

.* التوحيد  : فالمسلمون  يؤمنون  بان الله  واحد  احد  لا شريك له  والكافرون  لا يؤمنون  بذلك  والمشركون  لهم  اكثر من  الاه  ولو ان بعضهم  كانوا  يعرفون  التوحيد  على  دين  ابراهيم الخليل  وابنه  اسماعيل عليهما السلام  ويعلمون انهما  انبياء  ارسلهما  الله  تعالى  وكذلك  ارسل  موسى واخاه هارون  عليهما السلام  من بعدهما   وارسل المسيح عيسى بم مريم  الا  انهم  كانوا يعبدون  الاصنام  والاوثان  لعلها  تقربهم الى الله زلفى.  لهذا كان التوحيد  اصل  الخلاف  بينهم  ولا يزال لحد الان  خلافا  بين الوثنية  والاسلام  فان  بعض المشركين  يقرون  بوحدانية  الله تعالى  في ذاته وصفاته  وافعاله  ويعترفون  بان  الله  هو الخلاق  العظيم  خالق السموات والارض  وما  بينهما  وبيده  ملكوت  السموات  والارض  وملكوت  كل  شيء  وهو الرزاق  الذي  يرزق  الناس  والدواب . وهو المدبر  لكل  امر كبير او صغير  وهو رب  العرش  العظيم  وهو الذي  سخر الشمس  والقمر والنجوم  والجبال  والشجر  والانعام  والجن  والانس  والملائكة  وهو يجير  ولا  يجار عليه .  يحيي  ويميت  ويفعل  ما يشاء  ويحكم  ما يريد ولا  معقب  لحكمه  ولا  راد  لقضائه  كما يؤمن المسلمون  بذلك .
           
          الا  انهم يقولون : ان الله  تعالى قد منح   بعض عباده المقربين اليه   شيئا  من التصرف  في امور الكون  فهم  يتصرفون  فيه  مثل  دفع  الضر وقضاء الحوائج  والولادات  من ذكر او انثى  وشفاء  المرضى  وكانوا  يقولون ان الله  اعطاهم  هذا  لقربهم  منه  فهم  يقضون  هذه الامور عن  طريق  الغيب  فيكشفون  الكربات  ويدفعون  عنهم  البلاء  ويقربون  منهم  الى الله  من  يرضون به  ويشفعون  لهم  عند الله  في يوم  الشدة  وهو يوم  القيامة  وهؤلاء  هم الانبياء  والصالحين  فهم  اتخذوهم  وسيلة  بين الله  تعالى وعباده  من ذلك   انهم  بنوا   بيوتا  و وضعوا   تماثيل  واصناما  فيها   ينحتونها  حسب  ما يريدون  في  صورهم  الخيالية او    ينحتونها    كيفما   يريدون   ويضعونها   في هذه الابنية  والضرائح الخاصة  يتبركون بها  ويطوفون  حولها  ويقومون  بالاجلال والتعظيم   لهذه   التماثيل  ويقدمون  لها  القرابين  والذبائح  والنذور  وكانوا  قد  جعلوا  لهم  مواسم  معينة  في السنة  يقصدونها  لغرض  التبرك  والعبادة  معتقدين انها تقربهم  الى الله  زلفى  فكان هذا شركهم  في نظر المسلمين في  عبادتهم لغير الله  تعالى فقد  جعلوهم في هذا  شركاء  لله  تعالى   .

        ولما قام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم  بالدعوة  الى التوحيد  ونبذ  كل ما اتخذوه  الاها  من  دون الله تعالى    لم  يعجبهم  وانكروا  ذلك على المسلمين   وعظّموه  لهذا  قرر   المشركون  الدفاع  عن  شركهم  ومعتقداتهم  فبعد ت  بينهم  الشقة  وكثر الخلاف واشتد .  ولما  ناقشهم الحبيب المصطفى محمد صلى  الله عليه وسلم  بهذا الامر  قالوا:
 ( بل  نتبع  ما وجدنا عليه  آباءنا )
 فأفحمهم القران الكريم  قال تعالى :
 ( ان الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم )
( فادعوهم فليستجيبوا لكم  ان كنتم صادقين )
( واتخذوا من دونه آلهة  لا  يخلقون  شيئا وهم   يخلقون  ولا يملكون  لانفسهم  ضرا ولا نفعا  ولا  يملكون  موتا  ولا حياة  ولا  نشورا)  ودعاهم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم  الى التفكر في الامر  فبهتهم  وذهبت حجتهم  الا  انهم  أصروا على عبادتهم . ذلك لان  آباءهم  كانوا يعبدونها . واخذ بعض المشركين يخوف النبي  صلى الله عليه  وسلم  والمسلمين  لاساءتهم   الادب الى آلهتهم   ببيان عجزها  وانها ستغضب عليهم  فتهلكهم   . فانزل الله تعالى ايات  ليثبت بها نفوس المؤمنين :

 ( مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل  العنكبوت  اتخذت  بيتا  وان  اوهن  البيوت  لبيت العنكبوت   لو كانوا يعلمون* )
 لذلك قرر المشركون العمل على تحجيم  الدعوة الاسلامية وصدها ولو كان ذلك  بالقوة  والعنف .

         اما الامر الاخر فهو : الايمان برسالة  الحبيب المصطفى  محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته   فكان ان  قالوا :
-  ألم  يجد الله  لحمل رسالته  الا  محمدا  اليتيم المسكين ؟؟؟ . فلو كان غيره  لربما  آمنا  به  .
      أي  لو كان الرسول عظيما  من  او من اكابر  قريش  او كبار رجال الطائف   أي  من  قريش  او من  ثقيف  وهم عظماء  العرب  آنذاك لآمنا  به  فانزل الله تعالى ما  يقوض امرهم قال تعالى :
  ( لولا  نزل هذا القران على رجل من القريتين عظيم)
 يقصدون بهما  مكة او الطائف بقوله تعالى:
  ( أهم يقسمون رحمة ربك .نحن قسمنا معيشتهم في الحياة الدنيا  )
   و( الله  أعلم   حيث  يجعل رسالته )
        
          فالرسالة  والنبوة رحمة من الله  تعالى  لعباده  والله  تعالى هو الذي يقسم  رحمته  حيث  يشاء  فكانت هذه  الرسالة والنبوة  لمحمد صلى الله عليه وسلم  دون غيره  من عباده . 

         و في هذا  رد  قاطع  لهم  ودحض  لشكوكهم  فان  رسول الله  هو  النبي  محمد  صلى الله عليه  وسلم أرسله  لجميع  البشر .

       اما   الامر الاخر الذي  اختلفوا  فيه  فهو:  البعث  من  بعد  الموت  اذ  لم  يكن  معروفا  عندهم  فتعجب  الكفار والمشركون  بذلك  واستغربوا الامر فكانوا  يقولون :  قال تعالى :
( أئذا  متنا  وكنا  ترابا  وعظاما  أءنا  لمبعوثون  او آباؤنا  الاولون )
 وقال تعالى ردا على مايقولون:
 ( قل ان الا ولين والاخرين لمجموعون الى ميقات يوم معلوم ).

           فبين  الرسول  الكريم   لهم  ان  الله  جعل  الحياة  من  بعد  الموت  لكي  يأخذ  كل  ذي  حق  حقه  ويرد ه اليه  ففي  هذه  الحياة  الدنيا  يموت الظالم  ولم  يؤخذ  منه  ظلمه  للاخرين   ويموت  المظلوم   وحقه   باق   بذمة ظالمه  والمحسن  يموت  قبل ان يلقي  جزاء احسانه  وصلاحه   والمسيئ  يموت  دون ان  يعاقب على اساءته   فان لم  يكن هناك  بعث من  بعد  الموت   يبعث  فيه  الناس  لما  اخذ ت  الحقوق  لذا  فالله  تعالى  باعث الخلق   من جديد  وباعثهم  ليوم  تشخص  فيه  القلوب  والابصار  وفي هذا اليوم العظيم  تتم  محاسبة  الجميع  كل  بما  فعل  في الدنيا  وترد  المظالم الى اصحابها   ويجزى  المحسن  باحاسنه  ويعاقب  والمسيئ  باساءته .
 
       وذلك اليوم  هو  يوم  القيامة  وقد ابطل  الله تعالى  عقيدتهم  التي كانوا عليها  فكان  في هذا  خلاف  بينهم  وبين  المسلمين .  فكانو ا يحسبون  لهذا  حسابا  واخذوا  يتصدون  لكل  من  دخل  الاسلام  وآمن  بهذه  الامور   بالاذى  والتحوط   والحذر منه  .
   
          احاط  الله  تعالى  رسوله   صلى الله  عليه  وسلم  بهالة  من الشرف والوقار  ما وقاه  اعتداء  قريش  عليه  وكان عمه  ابو طالب  سيدا مطاعا  مكرما  معظما  في قريش  وقبائل  العرب   وكان من  ذروة  بني هاشم  وبني  عبد  مناف .  تهابه الناس  وتعرف  له  قدره  وكان  قد حماه  وهو عمه  شقيق ابيه  وأحاطه  برعايته   فاضطر المشركون  ان  يتلمسوا  من عمه  منعه . فسار رجال  من اشراف  قريش الى ابي طالب  يخبرونه  بان ابن  اخيه قد  سفه  دينهم  وعيبه  وسب آلهتهم  التي  يعبدونها  ورجوه  ان  يكفه  عنهم  وعن هذه  الامور  او يخلي  بينهم  وبينه  فتلقاهم  ا بو طالب  بالقول  الرصين  المهذب  وردهم  ردا جميلا  فانصرفوا  بينما  مضى  النبي  محمد  صلى الله عليه وسلم   يظهر دين الله  ويدعو  لاظهاره  الا   ا ن قريشا  لم  تصبر طويلا على هذا الامر  وطلبوا من  ابي  طالب  ان يكف  رسول الله  صلى الله عليه وسلم عن  تسفيه  آلهتهم  وشتم  آبائهم  والا   سيحاربونه  حتى هلاك  احد  الفريقين   فعز ذلك  على  ابي  طالب  ودعا  النبي صلى الله عليه وسلم  ورجاه  ان يحفظ  عمه ومكانته في  قريش  ويحفظ   نفسه  ويترك هذا الدين  .

         فلما راى النبي صلى الله عليه وسلم  عمه  بهذا  الموقف  قال قولته الشهيرة :
-        ( ياعم  والله لو وضعوا الشمس في يميني  والقمر في شمالي على ان اترك هذا الامر ما تركته حتى يظهره الله  او اهلك دونه  )
 ثم  استعبر  وبكى  اما م عمه   فهب عمه  متحمسا  قائلا:
-          ( اذهب يا ابن اخي  فقل  ما احببت  والله لا  اسلمك  لشيئ  ابدا ) .

     وفي احد  الايام  جاء رجال  من قريش  الى  ابي طالب  يعرضون عليه  امرا    ومعهم  شاب  وسيم  هو  سيد  شباب  قريش  واجملهم   وانهدهم  – عمارة بن الوليد – فقالوا  :
-   يا ابا  طالب  خذ هذا  الفتى  واتخذه  ولدا  وسلم  لنا  ابن اخيك   الذي  خالفك في  دينك  ودين آبائك  وفرق قومك  وسفه  احلامهم    فنقتله -  فطردهم ابو طالب   قائلا :
- اتعطوني  ابنكم  أربيه لكم   واعطيكم  ابني  لتقتلونه  اما  والله لا يكون هذا  ابدا  ما  حييت .

        فرجعوا  ناكسي  رؤسهم  وقد  اضمروا   لرسول الله  محمد  صلى الله عليه وسلم  حقدهم  وكراهيتهم  .






                   ***********************
                              










( شذرات من السيرة النبوية  المعطرة )


                                           6

                             بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله:

            ذكرت في الشذرة الخامسة  من هذه الشذرات  ان المسلمين تعذبوا عذابا شديدا على ايدي المشركين والكافرين  وفي هذه الشذرة   ابين ما لاقاه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم  من  اذاهم  واعتدآتهم .

       الرسول الكريم  محمد صلى الله عليه وسلم  كان سيدا ابن سيد من علية  القوم  واشرافهم  يتمتع  بشخصية  فذة  مهاب الجانب  محترما  مطاعا  ذا هيبة  في قلوب  الناس  فلما  فشلت  قريش  في  مساوماتهم مع عمه  ابي طالب  ويئسوا من  صده  عن غايته  ورأوا  ان  المساومة والتحدي لا تنفع شيئا  وحيث لم  يجرؤ احد  من سوقة  الناس  وعامتهم  وضعفائهم  ان  يتقدم لأذي الرسول الكريم  صلى الله عليه وسلم . فقد تولى أذاه والاعتداء عليه  جلاميد  قريش ورؤساؤهم  فكان اول من آذاه عمه  ابو لهب  فقد  آذاه  وعاداه من اول  يوم  لظهور الدعوة  الاسلامية  من  ذلك  ان ابني  ابي  لهب  عتبة  وعتيبة  كانا  قد   عقدا  على  ابنتي  رسو ل  الله  صلى الله عليه  وسلم  رقية  وام  كلثوم . لقرابتــهما   من بعضهما   فامرهما  ابوهــما  ابـو لهب  وزوجته ام جميل  من   تطليقهما   قائلا  لهما:
-        راسي  من راسكما حرام  ان لم  تطلقا  بنتي محمد  
-         وقالت زوجته:  انهما  قد صبأتا .
اي اصبحتا  مسلمتين فانصاعا لامر والديهما  فطلقاهما .

       اما  زوجته ام جميل  وهي ( اروى بنت  حرب ) فكانت  قد اعلنت عداوتها  للحبيب المصطفى صلى  الله عليه وسلم  وكانت عدوة  لدودة  له  ولرسالته العظيمة   فكانت تنقل الاحطاب ذا ت الاشواك  وتلقيها  في طريق  الرسول  الكريم  صلى الله عليه  وسلم  ليلا  لكي   يشاك ويتأذى هو واصحابه  من   المسلمين  فيخرج الدم من ارجلهم وهم على  وضوء  للصلاة  فيبطل الوضوء   فنزلت  بحقها  وزوجها   سورة اللهب:
 ( تبت  يدا  ابي لهب وتب * ما اغنى عنه ماله وما كسب* سيصلى نارا ذات لهب* وامراته حمالة الحطب * في جيدها حبل من مسد*)  
        لتبشر  هذه الاية المباركة  ابا  لهب  وزوجته  بان مصيرهما في الاخرة  احراقهما  في  نار جهنم وسيوضع حبل  من ليف النخيل وهو ما يتمثل فيه الخشونة  والاذى  في  رقبتها  . فلما  سمعت هذه المراة  بنزول  السورة  المباركة  في حقهما  وانهما في النار خالدين فيها  طار صوابها  . فجاء ت  وفي  يدها  فهر-  وهي   صغار الحصى والاحجار- تبحث عن رسول الله  صلى  الله عليه  وسلم  و كان جالسا مع ابي بكر الصديق عند الكعبة المشرفة   فعميت عن رؤيته  ورأت ابا بكر فقالت له:
-        اين صاحبك  فقد بلغني انه يهجوني فوالله لو رأيته لضربته بهذا الفهر   اما  والله  اني  لشاعرة  ثم  انشدت  :

مذممنا   عصينا
وأمره      ابينا
ودينه      قلينا

 ثم  حثت ما بيدها على الارض  وانصرفت .
 فالتفت  ابو  بكر الصديق الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا:
- يارسول الله  اما  تراها  رأتك  ؟؟
فأجابه: (ما رأتني  فقد   اخذ  الله   ببصرها ).

      اما عتيبة بن ابي لهب  فقد جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم  في احد الايام  فقال:
-        انا اكفر بالذي ( دنا فتدلى* فكان قاب قوسين او ادنى*)
 ثم هجم على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم  وشق قميصه  وآذاه وقيل بصق في وجهه الشريف الا ان البــصاق رد الى وجهه باذن الله تعالى فدعا عليه رسول الله  قائلا :
 ( اللهم ارسل عليه كلبا من كلابك ).

     وخرج عتيبة بعد مدة  الى الشام في  قافلة  كبيرة  للتجارة  فلما نزلوا في الطريق  للاستراحة ليلا  طاف  بالقافلة اسد  فقال عتيبة:
- هو  آكلي لا محالة  كما  دعا  محمد علي   بمكة  قتلني محمد  وهو بمكة وانا  بالشام .  فلما اراد من بالقافلة النوم وضعوه في وسطهم وناموا  فجاء الاسد فاخذه من راسه من بينهم   فقتله .

      كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسمونه القرشيون  ( مذمما ) بدلا من محمد  وبذلك صرف الله  تعالى  عنه الشتيمة  والكلام الفحش والسباب لانهم  كانوا  يسبون ب(مذمما )  ولا يسبون  (محمدا)  وهذه ايضا من منن  الله تعالى وفضله عليه .

     اما الرجل الاخر الذي آذى رسول الله صلى عليه وسلم  فهو  ابو      جهل  بن هشام   فكان  ان  تحمّل  عبئ  صد  الدعوة  المحمدية  منذ ظهورها  واعلن عداءه لها  فكان  يؤذي  النبي  صلى الله عليه وسلم  كثيرا  وينهاه عن الصلاة  ويشدد عليه   حتى انه  توعد ه  في  احد الايام  ان رآه  يصلي  _ وكان  فخورا بذلك _ ان يهوى عليه بحجر او يحث التراب فوق راسه الشريف. و قد انتهره الرسول الكريم  في احد المرات  آخذا  بخناقه  وهزه هزا عنيفا  قائلا  له :
( اولى لك فأولى * ثم اولى لك فأولى *)
      فقال له :
-  أتتوعدني  يا محمد  والله لا تستطيع  انت  ولا ربك  شيئا واني لأعز من  مشى  بين  جبليها .
 وقصد  الكعبة  المشرفة  وجبليها هما  الصفا  والمروة  المحيطان بها
                                                                            
           وفي احد   الايام سأل ابو جهل  رفاقه  أيعفر محمد  وجهه  بين ايديكم – أي أيصلي وانتم  تشاهدوه.
 فقالوا :نعم
 فقال : واللات والعزى لئن رايته  لأطأن على رقبته  ولأعفرن  وجهه
         فجاء  الرسول الكريم في ذلك الوقت  ليصلي   فلم  يستطع  فعل  شيئ ا لا  ان جماعته  رأوه  يتقي  بيديه  دفاعا عن نفسه .
 فقالوا له : مالك  يا ابا الحكم؟
 فقال : ان بيني وبينه   خندقا  من  نار  وهولا  واجنحة.
 فقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم :
 ( تلك الملائكة  لو دنا  مني لأختطفته عضوا عضوا ).

         وفي احد الايام قال ابو جهل لقريش يحرضهم : ان محمدا  قد ابى  الا  ما ترون  قد  عيب  آلهتنا  وشتمها  وشتم   آباءنا  وسفه   احلامنا  واني اعاهد الله  لأجلسن له  بحجر ما  اطيق  حمله  فاذا سجد في  صلاته  فضخت  به راسه  أي هشمته  به  فأسلموني عند  ذلك  او  امنعوني  فيصنع  بعد  ذلك  بنو عبد مناف ما  بدا لهم.
 فقالوا له : والله لا نسلمك  لشئ  ابدا  فامض لما تريد .

           فلما كان  الصبح اخذ ابو جهل حجرا كبيرا وجاء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم  وهو قائم يصلي في الكعبة المشرفة  فلما سجد اراد ان يهوي بالحجر على راسه  الشريف  فرجع  منهزما  ممتقع  الوجه  مرتجفا  مرعوبا  وقد  يبست  يداه  علي الحجر  ثم  سقط  من  يديه  وقريش  تنظر اليه .
 فقالوا له :
- مالك  يا ابا  الحكم ؟؟ 
قال:  قمت لأفعل  ما قلت  البارحة  فعرض لي فحل  من الابل  ما رايت هامته  وقصرته  وانيابه  لفحل  قط  فهمّ  ان يأكلني .
 فقال  رسول الله صلى الله عليه وسلم :
-        (ذلك جبريل لو  دنا  لأخذه ) .

         وكان ابيّ بن خلف  يتوعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قد  جاءه في احد الايام  بعظم  بال  رميم  ففتته  بيديه  ونفخه  في  وجه الرسول الكريم  صلى الله عليه وسلم  وقال :
-        يا محمد  ان عندي  (العود ) فرسا  اعلفه  كل  يوم  فرقا  من ذرة  اقتلك عليه.
  فقال  له النبي صلى الله عليه وسلم:
-        بل انا  اقتلك  ان  شاء الله.
  فلما كانت معركة احد  قتله الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في هذه المركة شر  قتله .

          ومن ذلك  ايضا  ان  خمسة من عظماء  قريش   كانوا يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم  هم:
ابو زمعة الاسود بن عبد المطلب الاسدي
والوليد بن المغيرة المخزومي
و الحارث بن قيس الخزاعي
والاسود بن عبد يغوث الزهري
والعاص بن وائل السهمي

         وقد اخبر الله  تعالى نبيه  الكريم  صلى الله عليه  وسلم  انه سبحانه  وتعالى  كفاه  شرهم  اذ  نزلت الاية المباركة:
 ( انا  كفيناك  المستهزئين )
 اما  ابو زمعة  فلما تضايق رسول الله صلى الله عليه وسلم  من اذاه ومضايقته له  دعا عليه قائلا:
-        (اللهم اعم  بصره واثكله ولده)
فرماه جبريل عليه السلام  بشوك  في  وجهه  فذهب بصره وعمى  ومات  ولده  زمعة  فيها  ايضا .
 واما الاسود بن عبد يغوث  فاشار  جبريل عليه السلام الى راسه  فظهرت  فيه  قروح  فمات فيها.
واما الحارث بن قيس  فاخذه ماء اصفر في بطنه وقيل كانت  قذارته تخرج  من  فمه  حتى مات  شر موتة .
 واما الوليد  بن   المغيرة  كان  قد  اصابه  خدش  بسيط  من سهم  لم يكن شيئا .
 فاشار جبريل عليه السلام الى اثر الخدش  فاتنفض والتهب وتقرّح  حتى مات فيه .
 واما العاص  بن  وائل  فقيل انه جلس على شبرقة فدخلت شوكة في قدمه  فجرى سمها  في  جسده  فمات .
    
          وفي  احد الايام  بينما  النبي  صلى الله عليه  وسلم  يصلي  قام عقبة بن ابي معيط  ووطئ على رقبته الشريفة  بينما كان  ساجدا حتى  اذاه .

       وفي احد الايام  اجتمعت  قريش  في الحطيم  وتحدثوا في رسول الله صلى الله عليه وسلم   وبينما هم يتحدثون  حضر رسول الله    وبدأ يطوف  بالكعبة  المكرمة  فلما مر بهم غمزوه  فعرف ذلك في وجهه ثم  مر بهم  المرة الثانية  فغمزوه ايضا  فلما مر بهم الثالثة غمزوه بمثلها  فوقف ثم الفت اليهم قائلا:

- (يامعشر قريش اتسمعون  اما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح) .
 فاخذت كلمته  بالقوم أي مأخذ حتى  كأن على رؤوسهم  الطير    حتى ان  اشدهم  فيه  ليرفؤه  باحسن  ما  يجد .  فأضمروها   له  فلما  كان الغد اجتمعوا ايضا  فما ان طلع عليهم حتى  وثبوا عليه وثبة رجل واحد  اخذين  بمجامع ردائه  قائلين له :
-        اانت الذي تنهانا عما كان يعبد آباؤنا ؟
 قال :( انا ذاك )
           فانقضوا عليه من كل جانب  واقبل  عقبة  بن ابيّ  فلوى ثوبه في عنقه   فخنقه  بشده  فبلغ الامر الى  ابي  بكر الصديق  فجاء  واخذ عقبة  بين يديه ودفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم   واخذ يضرب هذا ويزجر ذاك.
 وهو يقول لهم بصوت مرتفع:
-        ويلكم  اتقتلون رجلا ان يقول ربي الله ؟.

  فما كا ن منهم  الا  ان  تركوا الرسول الكريم  صلى الله عليه  وسلم وتجمعوا  حول  ابي  بكر الصديق  يضربوه  ويجروه  ويسحبوه  من غدائره حتى حضر جماعة  من بني   تيم  فحملوه  في ثوب  وادخلوه  الى  بيته مغميا عليه  .

        فلما افاق   قدموا له الطعام  فلم  يأكل او يشرب حتى يعرف اخبار رسول الله  صلى الله عليه وسلم  فلما  جاء  الليل   وهدء  الناس  اوصلوه اليه  فوجده بخير .

         يا سيدي  يا رسول الله  فداك  ابي  وامي  كم لاقيت  من  العذاب  وصبرت   - وعلى اثر هذه الحالة عزم  ابو بكر على السفر الى الحبشة  الا ان احبته  واصدقاءه  منعوه من ذلك  فاعلن  مالك  بن  الدغمة  في قريش انه جار لابي بكر الصديق  فلم يجرؤ  احد ان يؤذيه  الا  انهم  قالوا :عليه ان يلزم بيته  ويعبد  ربه فيه  وبقي على ذلك  ردحا  من الزمن  ثم رد على مالك جواره قائلا :
-        أرضى بجوار الله .

          احتارت قريش فيما تفعله مع  رسول الله صلى الله عليه وسلم  فاشار عليهم  عتبة  بن  ربيعة  العبشمي  من بني عبد  شمس بن عبد مناف  وكان سيد  قومه  مطاعا  فيهم  انه  سيذهب الى محمد  ويكلمه  ويعرض عليه امورا لعله  يقبلها . فرضوا وارسلوه   فذهب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم  في المسجد الحرام فقال له:

-ياابن اخي انك من حيث علمت من خيارنا حسبا ونسبا وانك قد اتيت قومك بامر عظيم  فرقت به جماعتهم وسفهت احلامهم  وعبت آلهتهم ودينهم  وكفّرت  من مضى من آبائهم  فاسمع  اعرض عليك امورا تنظر فيها لعلك تقبل  منا بعضها .
 فقال  النبي صلى الله عليه وسلم :
- (قل يا ابا الوليد  اسمعك ).
  فقال له :  يا ابن اخي ان كنت تريد  بما جئت به من هذا الامر مالا  جمعنا لك من اموالنا حتى تكون اكثرنا  مالا . وان كنت تريد به شرفا سودناك علينا حتى لا نقطع  امرا دونك  وان كنت تريد به ملكا  ملكناك علينا  وان كان بك  الباءة  فاختر أي نساء  قريش من شئت  فلنزوجك عشرا وان كان الذي  ياتيك رئيا  من الجن لا  تستطيع  رده عن  نفسك  طلبنا  لك  الطب  وبذلنا  فيه اموالنا  حتى  نبرئك منه  فانه  ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى  منه .
 قال عليه الصلاة والسلام :
- ( او  قد  فرغت يا ابا الوليد ؟)
 قال : نعم.
 قال  :( فاسمع  مني ):
 فقرا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه  الايات التالية  من سورة فصلت :

                        بسم الله الرحمن الرحيم

  ( حم * تنزيل من الرحمن الرحيم * كتاب فصلت  آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون * بشيرا ونذيرا فاعرض اكثرهم فهم لا يسمعون *  وقالوا قلوبنا في اكنة  مما تدعوننا اليه وفي آذاننا وقر  ومن بيننا وبينك حجاب  فاعمل  اننا عاملون *  قل انما انا بشر  مثلكم يوحى الي  انما الهكم اله واحد  فاستقيموا اليه  واستغفروه  وويل للمشركين * الذين  لا يؤتون الزكاة  وهم  بالاخرة هم كافرون * ان الذين  آمنوا  وعملوا الصالحات لهم اجر غير ممنون * قل ائنكم  لتكفرون  بالذي خلق الارض في يومين وتجعلون  له  اندادا  ذلك  رب  العالمين * وجعل  فيها   رواسي  من   فوقها  وبارك  فيها  وقدر فيها  اقواتها   في اربعة ايام سواءا للسائلين * ثم استوى الى السماء  وهي دخان  فقال لها  وللارض اءتيا  طوعا او كرها  قالتا  اتينا  طائعين* فقضاهن سبع  سموات  في  يومين  واوحى في  كل سماء  امرها وزينا السماء الدنيا  بمصابيح  وحفظا  ذلك  تقدير العزيز العليم *  فان اعرضوا  فقل  انذرتكم  صاعقة  مثل  صاعقة عاد وثمود* )

       فلما  تلا عليه الصلاة والسلام هذه الايات   وضع  عتبة  يده  على فم رسول الله  صلى الله عليه  وسلم  وناشد ه  الله  تعالى والرحم  مخافة  ان  يقع  عليهم ما  حل  بعاد وثمود   وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
-        حسبك .حسبك

       فلما  انتهى الرسول الكريم الى  اية السجدة  ( ومن اياته  الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا  للشمس  ولا  للقمر  واسجدوا لله الذي خلقهن  ان كنتم ياه تعبدون *)   سجد رسول الله  صلى الله عليه وسلم  ثم  قال:
-        (اسمعت  يا ابا الوليد  ؟؟)
-        قال: سمعت .
-        فقال عتبة  مطأطأ  راسه  وعيناه الى الارض:( فانت وذاك...)

       فرجع  عتبة الى  قريش  فاخبرهم  الخبر وقال لهم :
-        يا معشر قريش .. اطيعوني  واجعلوها  لي . وخلوا  بين  هذا  الرجل وبين  ما هو  فيه . فوالله  ليكونن  لقوله  الذي  سمعت  منه نبأ عظيم  فان تصبه العرب  فقد  كفيتموه  بغيركم  وان  يظهر على العرب  فملكه ملككم   وعزه  عزكم  وكنتم  اسعد  الناس  به .
 
          وقد صدق  هذا  الرجل في  قوله  او فراسته  فقد اصبح   العرب ولا يزالون  يفخرون   بمحمد  و يفرحون  ان  محمد ا  صلى الله  عليه وسلم   منهم  وان قريشا  لسعدت  فيه لانه منهم   وسعد  كل  احد  يقول  انه  من ال بيت محمد   صلى الله عليه وسلم  او من  بني هاشم  او من  قريش  او من  العرب  لكونه صلى الله عليه وسلم منهم
 فانما ارسل رحمة للعالمين .



         *********************************** 





















 ( شذرات من السيرة النبوية  المعطرة )

                              7                  
                          بسم الله  الرحمن  الرحيم

 الحمد لله:

          ذكرت في  الشذرة  السادسة   لقاء  ابي الوليد  عتبة  بن  ربيعة العبشمي برسول الله صلى الله عليه وسلم   ورده عليه  بالا يات المباركة من سورة فصلت  ورجوعه الى قريش  ليخبرهم  ان يتركوه وشانه و انه   سيكون  للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم   شأن   كبير  ومما قاله لهم  انه ان يظهر على العرب فملكه ملكهم وعزه عزهم  وكان  اهل مكة  اسعد الناس  به  فلم  يرعووا  لما  قال  وقالوا له :
-        سحرك محمد   يا ابا الوليد.
 فاجابهم: - هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم
    فكان كما قال .
          وبعد هذه الحادثة  بايام وبعد فشل المشركين  في مساومته  وترغيبه مرة  وترهيبه اخرى  عرضوا عليه  امرا جديدا  لم يسبق  ان طرقوه من قبل  فجاؤا اليه  وهو في المسجد الحرام فقالوا  له:
-  نعرض  عليك  خصلة واحدة  فيها  صلاح  لك .
فقال لهم : ( ماهي؟؟)
 قالوا :  تعبد آلهتنا  عاما  ونعبد الهك عاما  فاذا كنا على الحق اخذت منه حظا  وان كنت على الحق اخذنا  منه حظا  . فانزل الله تعالى عليه:

 (  قل يا ايها  الكافرون *  لا اعبد  ما تعبدون * ولا  انتم  عابدون   ما اعبد * ولا  انا  عابد  ما عبدتم * ولا  انتم عابدون ما اعبد* لكم  دينكم ولي دين *)

  فابلغهم بذلك  بعدم  موافقته   و ان  كل  له  دينه.
  (  قل افغير الله  تامروني  اعبد  ايها الجاهلون )  الزمر\ 64
   فاستشاطوا غضبا  اذ وصفهم بالجاهلين .  وبعدها نزلت الاية:
 ( قل اني نهيت ان اعبد الذين تدعون من دون الله ) .

             فقد أبدوا تنا زلا  بغية  حسم   الخلاف  كما  يرون  الا  ان  النبي صلى الله عليه وسلم  رفض ذلك لان الله تعالى نهاه عن القبول    بما  ارادوا .

           ومرت الايام  والحيرة تقتلهم  فأرسلوا الى اليهود يستفهمون منهم و يسالونهم عن  امر محمد  صلى الله عليه وسلم  فاقترح عليهم احبار اليهود ان يسالوه  عن ثلاثة  امور فان اجاب عليها فهو نبي مرسل وان لم يجب عليها فليس بنبي ولا رسول  فيعملون على قتله   وهذه الامورهي:
 الاول : الفتية  الذين   ذهبوا  في  الزمن الماضي  فما  حكايتهم  وما  كان  مصيرهم  ؟
 الثاني : يسالونه  عن الروح  ما هي  وما  يعلمه عنها   ؟؟
الثالث:  عن رجل  طاف الا رض  ووصل  مشارقها  ومغاربها  فمن        هو  وما  كان   خبره  ؟؟

           فتجمع  رؤساء   قريش  وزعماؤهم  وعظماؤهم  ليسألون النبي صلى الله عليه وسلم هذه الاسئلة  فانزل الله  تعالى اجوبتها اليه  :
 فاما الفتية فهم اصحاب الكهف قال تعالى  :

  (   ام حسبت  ان اصحاب  الكهف والرقيم  كانوا  من آياتنا عجبا* اذ اوى الفتية الى الكهف فقالوا   ربنا   آتنا  من لدنك رحمة  وهيئ  لنا من امرنا رشدا* فضربنا  على آذنهم  في الكهف  سنين عددا * ثم  بعثناهم  لنعلم أي الحزبين  احصى لما  لبثوا  امدا* نحن نقص عليك نباهم  بالحق انهم  فتية  آمنوا  بربهم  وزدناهم  هدى*) الكهف\9- 13
  وفي عددهم يقول سبحانه وتعالى:
 ( سيقولون  ثلاثة  رابعهم  كلبهم  ويقولون  خمسة سادسهم  كلبهم  رجما  بالغيب  ويقولون سبعة  وثامنهم كلبهم . قل ربي اعلم بعدتهم  ما يعلمهم  الا  قليل* فغلا تماري فيهم الا مراءا  ظاهرا ولا تستف  فيهم منهم احدا * )الكهف \22
 وفي مدة بقائهم في الكهف  يقول تعالى:
( ولبثوا  في كهفهم  ثلاثمائة  سنين وازدادوا تسعا*)  الكهف\25
 وهذا الفارق تسع سنين جاء  باحتساب  مدة  بقائهم  في الكهف  بين التقويم الشمسي (الرومي) و التقويم القمري ( الاسلامي الهجري) بحيث تكون  المدة  بين التقويمين بزياة  سنة  واحدة  كل ثلاثة وثلاثين سنة  تقريبا أي ثلاث سنوات  كاملة  لكل مائة سنة . وبتعبير اخر كل مائة سنة شمسية تساوي مائة وثلاث سنوات قمرية .

 واما  الروح  فجاء  خبرها  في سورة  الاسراء:
 ( يسالونك عن  الروح  قل الروح  من  امر  ربي  وما  اوتيتم  من العلم  الا  قليلا * )  الاسراء اية \ 85

         اما الرجل الطوّاف  فهو ذو القرنين  قال تعالى:

 (  ويسألونك عن ذي القرنين  قل سأتلوا عليكم  منه  ذكرا * انا  مكنا
  له في الارض  واتيناه  من كل شيئ سببا * فاتبع سببا * حتى اذا بلغ  مغرب الشمس  وجدها  تغرب في  عين حمئة  ووجد عندها  قوما قلنا يا
ذا القرنين  اما  ان  تعذب واما  ان تتخذ  فيهم  حسنا * قال  اما  من ظلم   فسوف  نعذبه  ثم  يرد الى  ربه  فيعذبه  عذابا  نكرا*  واما من آمن  وعمل  صالحا   فله  جزاءا  الحسنى  وسنقول  له من  امرنا  يسرى *  ثم اتبع  سببا * حتى اذا  بلغ   مطلع الشمس  وجدها  تطلع على قوم لم  نجعل  لهم  من  دونها  سترا * كذلك وقد احطنا  بما لديه خبرا * ثم اتبع سببا  * حتى بلغ  بين السدين  وجد من دونهما  قوما لا يكادون  يفقهون  قولا *) الكهف\82- 93

          فلما  علموا  صحة  الاجابة  وتحققوا  من  نبوته  وتبين لهم انها الحق من ربهم  وانه صلى الله عليه وسلم  رسولا   ونبيا  ابدوا  بعض المرونة  اولا  واستعدادهم لسماع  ما يقوله لهم  ولكنهم  اشترطوا عليه  ان  يقيم لهم مجلسا لا يحضره  ضعفاء المسلمين _ وهم  فقراء  قريش وعبيدهم   وهؤلاء  هم  السابقون  في  الاسلام  وهم  اصحاب  التقوى والايمان -  وكان الرسول  الكريم  صلى الله عليه وسلم  كاد  ان يوافق  على  هذا  الراي  بغية  حرصه  على اسلام المشركين وهدايتهم   لولا  انزل الله  عليه :

 ( ولا تطرد الذين  يدعون  ربهم  بالغداة  والعشيّ  يريدون  وجهه  . ما عليك  من  حسابهم  وما من  حسابك عليهم  من شيء  فتطردهم  فتكون من الظالمين *  ) الانعام \52   
وقال  تعالى :
   (  ولولا  ان  ثبتناك  لقد  كدت  تركن اليهم  شيئا  قليلا*)   الاسراء\74 
       فنهاه الله تعالى عن ذلك   فلم يوافق  على  رغباتهم . فأبى الظالمون  الا كفورا  وطفقوا  يتظاهرون  بالوعيد   والعناد  والمكابرة  ولم  يبق  عندهم  الا السيف والقتال  ومعناه التناحر  والحرب  والمقاتلة   فاحتاروا  فيما  يفعلونه .   
                                                                     
     في هذه  الظروف الصعبة  كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم   يتخذ من  منزل  الارقم  بن ابي الارقم  المخزومي  موقعا  ثابتا  لتعليم  المسلمين  العبادة  والايمان  فكان  يجتمع  مع  اصحابه  كل  يوم  سرا  فيه   فيتلو عليهم القران الكريم  ويعلمهم  الايات  التي تنزل عليه تباعا  سرا  وآنا جهرا  فكان يعبد الله تعالى  على مرأى ومسمع  من المشركين لا يهابهم . فكان  الكــفار يمتعضون   من  ذلك  ويعمـــلون  على   ايذاء   المسلمين  مما جعل الحبيب  المصطفى محمد  صلى الله عليه وسلم يفكر في  ان  يشــير على المســـلمين  بالهجــرة  الى الحبشـــة  حيث  يوجد النجاشي وهو  ملك اشتهر  بالعدل فلا  يظلم  عنده  احدا . فهاجر جماعة  من  المسلمين اليها  وفي الحقيقة هي هجرتان تمت الى الحبشة :

 الاولى في رجب من السنة  الخامسة للنبوة وفيها  هاجر جماعة من المسلمين  وعددهم  اثنا عشر رجلا واربع نساء  يتراسهم عثمان بن عفان   ومعه زوجته رقية  بنت  النبي محمد صلى الله عليه وسلم  ويعتبر   عثمان بن عثمان الرجل الثالث الذي هاجر مع عائلته في سبيل الله  في التاريخ . اذ كان اول من هاجر  سيدنا ابراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام حيث انه هاجر وزوجته  من بلاد  بابل في العراق الى فلسطين في الشام  وثانيهما لوط عليه السلام  .

        هاجر هؤلاء  سرا في جنح الظلام  قاصدين  مدينة جدة حيث وجدوا  سفننا على وجه الانطلاق فركبوا  الى الحبشة  وكان ممن هاجر الزبير بن العوام و عبد الرحمن بن عوف  وابن مسعود و ابو سلمة  وزوجته  .

      فلما  علمت قريش  سفرهم   هاجوا  وماجوا  واسرعوا  في  اثرهم  كي يمنعونهم من السفر ويعيدونهم الى  مكة   فيصرفونهم عن  الاسلام  او يعذبونهم  وينكلون  بهم  فلما وصل القرشيون الى جدة كانت السفن قد ابحرت و كان المسلمون قد سافروا . فرجعوا خائبين .

            وفي  هذه  الاثناء  حدث امر عظيم  الشأن   حيث  نزلت على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ( سورة النجم)  في رمضان أي بعد  شهرين  من هجرة  المسلمين  الى الحبشة .  فخرج  النبي  عليه الصلاة   والسلام  الى المسجد الحرام  فوجد  جمعا   كبيرا  من  قريش يطوفون  حول الكعبة  ومنهم   رؤســاؤهم  وعظماؤهم  فقام  بهم  يتلو عليهم هذه السورة المباركة  وقريش   تسمع  لهذا الكلام الرائع  الذي ما سمعوا بمثله ابدا   فاخذتهم الدهشة  من روعة هذا الكلام  فبقوا يستمعون اليه  مبهورين ومبهوتين   حتى  تلا هذه  الايات التالية :

( وان الى ربك المنتهى* وانه اضحك وابكى *  وانه امات واحيا * وانه خلق الزوجين الذكر والانثى*  من  نطفة  اذا  تمنى* وان عليه  النشأة الاخرى * وانه اغنى واقنى *  وانه هو رب الشعرى *  وانه  اهلك عادا  الاولى * وثمود  فما  ابقى * وقوم نوح من  قبل  انهم كانوا  اظلم واطغى *  والمؤتفكة اهوى * فغشاها ما غشى*  فباي الا ء ربك تتمارى * هذا نذير من النذر الاولى *  ازفت الازفة *  ليس لها من دون الله كاشفة   * افمن هذا الحديث تعجبون * وتضحكون ولا تبكون * وانتم سامدون *)
النجم\42- 61

 ( راجع كتابي - يوم القيامة في القران الكريم – الجزء الثاني)

      وهي خواتيم  هذه السورة المباركة  لما  فيها  ردع  وزجر وقوارع فخشعت لها  الانفس  واستقنتها القلوب  فلما  وصل الى  الاية المباركة  :
  (  فاسجد واقترب *) النجم \ 62  

      خر الحبيب  المصطفى  صلى الله عليه وسلم  ساجدا  لله  تعالى  فلم  يتمالك القرشيون  انفسهم  فسجدوا  جميعا  بسجوده  الا رجل واحد  هو امية بن خلف  اذ اخذ  حفنة  من  تراب  بيده  ورفعها  الى  وجهه  ليتعفر بها قائلا :
  -  يكفيي هذا .
 وجاء عن  ابن  مسعود رحمه الله  انه  قال :

 (  ان النبي صلى  الله عليه وسلم  قرأ  سورة  النجم  فسجد بها  فما  بقي  احد  من  القوم  الا سجد  فاخذ رجل  من  القوم  كفا  من حصى او  تراب  فرفعه  الى  وجهه  وقال:  يكفيني  هذا .   فلقد  رايته  قتل كافرا –  هو  امية  بن  خلف  قتل  يوم  بدر)   

       فلما  شاع  الخبر ووصل الى  الحبشة  ظن المسلمون  ان قريشا  اسلمت  فعادوا  من  الهجرة  فرحين  الا  انهم  قبل  ان  يصلوا  مكة  بمسيرة  يوم  واحد  وقيل  ساعة  من نهار  عرفوا حقيقة الامر فرجع  قسم  منهم  والقسم الاخر دخل  مكة سرا .

       القرشيون  ندموا على سجودهم  مع المسلمين  فشددوا العذاب عليهم  والتنكيل  بهم  فاشار  النبي صلى الله عليه   وسلم  بالهجرة الى الحبشة  خاصة  وقد عرفوا بحسن  جوار النجاشي  للمهاجرين  من اخوانهم  الذين  هاجروا من قبل  .

       وهذه هي الهجرة الثانية   فشد  الرحال  ثلاثة  وثمانون  رجلا  و ثماني عشرة امراة  استطاعوا السفر رغم  تيقظ  قريش  وحرصهم على  منعهم  منه . فلما علموا  بهجرتهم  شق الامر عليهم  فارسلوا  في اثرهم  اثنين  من  اشد  رجالهم  حنكة   ودهاءا: عمرو  بن العاص  و عبد الله بن  ربيعة .

         نزل الرجلان الحبشة  فاتصلا  بالبطارقة  وقدما  اليهم  الهدايا  وشرحوا الامر الذي جاؤوا من اجله  اليهم راجين مساعدتهم في ردهم   فقدموهم  الى  النجاشي   وقدما  له الهدايا  التي  ارسلها  له  عظماء  قريش  وقالا   له :
-( ايها  الملك  انه  ضوى  الى بلدك  غلمان  سفهاء  فارقوا  دينهم  ولم يدخلوا في دينك  وجاؤوا  بدين  ابتدعوه  لا نعرفه  نحن   ولا  انت  وقد بعثنا  اليك  اشراف   قومهم  من  آبائهم  واعمامهم  وعشائرهم   لتردهم اليهم  فهم   اعلى  بهم عينا  واعلم  بما عابوا عليهم  وعاتبوهم  فيه ) فايدهم البطارقة.

           الا  ان النجاشي  قرر سماع  قول المهاجرين  فاحضرهم وسألهم  عن هذا الدين  الجديد  الذي  جاؤوا به  ومن اجله  فارقوا  قومهم  واهلهم . فتقدم  جعفر بن ابي طالب رضي الله عنه  فقال  قولته  المشهورة:

   ( ايها  الملك  كنا قوما  اهل جاهلية  نعبد الاصنام  وناكل  الميتة  وناتي الفواحش  ونقطع  الارحام   ونسئ  الجوار وياكل  منا القوي  الضعيف فكنا على ذلك  حتى  بعث  الله  الينا  رسولا  منا   نعرف  نسبه  وصدقه وامانته  وعفافه  فدعانا  الى  الله   لنوحده  ونعبده  ونخلع  ما  كنا  نحن وآباؤنا  نعبد  من دونه  الحجارة  والاوثان  وامرنا بصدق الحديث  واداء الامانة   وصلة  الرحم  وحسن  الجوار  والكف  عن  المحارم   والدماء ونهانا عن  الفواحش  وقول الزور  واكل مال اليتيم  وقذف  المحصنات وامرنا  ان  نعبد  الله  وحده  ولا  نشرك  به  شيئا  وامرنا  بالصلاة  والزكاة  والصيام   فصدقناه  وامنا به  واتبعناه على ما جاء  به من  دين الله  وعبدنا الله  وحده ولم نشرك  به شيئا  وحرمنا  ما حرم الله علينا واحللنا  ما احل  لنا  فعدا علينا  قومنا  وفتنونا عن ديننا  ليردونا  الى عبادة  الاوثان  عن عبادة  الله تعالى  وان نستحل  ما كنا  نستحل من الخبائث  فلما  قهرونا  وضيقوا علينا  وحالوا  بيننا  وبين  ديننا  خرجنا الى  بلادك  واخترناك  على  من سواك  ورغبنا  في  جوارك  ورجونا ان لا نظلم  عندك  ايها الملك  )

       وتحاور  جعفر مع عمرو بن العاص في حضرة النجاشي :
 فقال عمرو لجعفر : تكلم
فقال جعفر موجها كلامه الى النجاشي:
- سله اعبيد نحن ام احرار ؟
 فقال عمرو بن العاص: بل احرار كرام
فقال جعفر:  هل اهرقنا  دما  بغير حق  فيقتص منا  ؟
مقال عمرو:  ولا قطرة دم
قال جعفر:  هل اخذنا اموال الناس بغير حق فعلينا قضاؤها  ؟
قال عمرو: ولا قيراط
 فقال النجاشي : فماذا تطلبون منهم  ؟
قال عمرو : كنا نحن وهم  على امر واحد على دين آبائنا  فتركوا ذلك      واتبعوا  غيره.
قال جعفر:  كنا نعبد  دين  الشيطان  ونكفر  بالله  ونعبد الحجارة  . اما الان  فنعبد الله وحده ولا نشرك به احدا   فنحن على دين الاسلام  جاءنا به رسول من الله  وكتاب مبين .
فقال له  النجاشي: تكلمت في امر عظيم  فعلى رسلك.
 ثم امر بضرب الناقوس فاجتمع اليه كل  قس وراهب .
 فقال لهم :  اخبروني  هل تجدون من بعد عيسى الى يوم القيامة نبيا؟
فقالوا: اللهم  نعم  فقد  بشرنا  به  عيسى عليه السلام  فقال(من آمن به فقد  آمن  بي  ومن  كفر  به  فقد  كفر بي ).
 فالتفت النجاشي  الى جعفر وقال له: ماذا يقول لكم نبيكم  وما يأمركم به  وما ينهاكم عنه ؟
فقال جعفر:  يقرا علينا  كتاب الله  ويامرنا  بعبادة  الله  وحده  ويامرنا بالمعروف  وينهانا عن المنكر  ويامرنا بحسن الجوار وصلة  الرحم  وبر الوالدين  وكفالة اليتيم
فقال النجاشي له : اقرا ما عندك منه .
-         فقرا عليهم  جعفر بن ابي طالب  سورتي العنكبوت والروم  فاستزادوه فقرا عليهم سورة الكهف .
 ثم التفت  النجاشي  الى عمرو  بن  العاص  وصاحبه  فقال  لهما :
-        انطلقا  فلا  والله لا  اسلمهم  اليكما .
 الا ان عمروا بن العاص  احتال حيلة اخرى على الملك  فقال له :
- ان  المسلمين   يقولون  في عيسى قولا  عظيما.
 فسأل النجاشي جعفرا : ماذا  تقولون  بعيسى  ؟
  فقال  له  جعفر:
-        نقول فيه الذي جاءنا  به  نبينا  صلى الله عليه وسلم : هو عبد الله ورسوله  وروحه  وكلمته  القاها   الى  مريم العذراء  البتول .
 فاخذ  النجاشي من الارض عودا  ثم  قال :
- والله   ما عدا  عيسى ابن مريم   ما قلت هذا العود  اذهبوا  فانتم  سيوم-  اي  آمنون-  في ارضي  –
 ثم  امر النجاشي   برد  الهدايا  على  عمرو  بن  العاص   وصاحبه  فرجعا  الى  قريش   خائبين .
                                                                            
                          ***********************                                       




شذرات  من السيرة النبوية المعطرة

                                          8

                             بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله :

           ذكرت في الشذرة السابعة  من هذه الشذرات  اسئلة  اليهود و مشركي مكة  للنبي صلى الله عليه وسلم   واجابة القرآن الكريم عليها  وذكرت هجرة المسلمين الى الحبشة  وما لاقوا في  هاتين الهجرتين من صعاب  ومن احترام النجاشي ملك الحبشة  لهم. وفي هذه الحلقة اذكر ردود  فعل القرشيين  على المسلمين فاقول:

        لحق المشركين الخيبة والفشل في استعادة المسلمين الذين هاجروا الي الحبشة   ومن شدة غيضهم  وكمدهم  كادو ا ينقضّون على المسلمين في مكة  فيقتلونهم  حيث  استشاطوا   غضبا  ولم  يهدء  لهم  بال  خاصة وانهم  يرون النبي صلى الله عليه وسلم  مستمرا  في  دعوته الى الاسلام والايمان  بالله  تعالى   وازدياد عدد  المسلمين  يوما بعد يوم و اذ شاهدوا عمه   ابا  طالب  يساعده  ويحميه  فاحتاروا  في  امرهم  فتكاد  نفوسهم  تميز من  الغيض   وصدق  الله  تعالى  في  قوله  في القرآن  الكريم  رادا عليهم  مخاطبا  الحبيب المصطفى  صلى الله عليه وسلم  قل لهم :

            ( قل موتوا بغيضكم)  وعرض  بعضهم عدة امور  بين الترغيب والترهيب للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم  فمن ذلك  تعذيبهم  للحبيب المصطفى صلى الله عليه  وسلم وللمسلمين  وقد مر بنا  ما  فعلوه  بهم  فكانوا يرجون من كل ذلك  ايقاف دعوة  الاسلام  ولملمة  شعث الكافرين والمشركين من قريش وغيرهم .

         اما  ابو طالب  فقد استعلم  ان  قريش  تحاول  قتل  النبي  محمد صلى  الله عليه وسلم  فقد  طالبوه  بتسليمه لهم لقتله وتعويضه بشاب  هو عمارة بن الوليد سيد شبابهم وافضلهم وانهدهم  واجملهم  يعطونه  الى ابي طالب  بدلا من ابن اخيه محمد  فردهم  ردا جميلا .

           جمع  ابو طالب  بني عبد المطلب  وبني هاشم  لما راى قريش  عازمة على قتل ابن اخيه  محمد صلى الله عليه وسلم  ودعاهم  لحمايته   فوافقوا على ذلك  مسلمهم  وكافرهم   وتعاهدوا وتعاقدوا  على ذلك عند الكعبة . الا  رجل واحد  من بني عبد المطلب  قد انحاز الى جانب قريش - هو  عمه  ابو لهب – فقد  فضل  ان  يكون  بجانب  قريش  ضد  اقرب الناس اليه وهو ابن اخيه محمد صلي الله عليه وسلم  .

  وقد قال ابو طالب في ذلك :

    والله  لن  يصلوا اليك   بجمعهم  
                                           حتى ا وسّد في التراب  دفينا

    فاصدع بامرك ما عليك غضاضة  
                                           وابشر وقر بذاك  منك عيونا

   وعرضت    دينا   قد  عرفت  بانه     
                                            من   خير اديان البرية  دينا

            اما القرشيون  فقد اجتمعوا  في  خيف  بني  كنانة – لما  علموا  باجتماع  بني عبد المطلب وبني هاشم وقرارهم  بحماية النبي محمد صلى الله عليه وسلم -  لدراسة الموقف   واخذ  التحوطات  له  بعد ان زادت حيرتهم ونفدت حيلهم  وتصميم بني عبد المطلب وبني هاشم على حمايته  والقيام دونه  مهما  كانت  الامور  وتوصلوا  الى امر خطير  وحل غاشم ظالم  وتحالفوا عليه وهذا الحلف او اقرار كتبوه  في صحيفة  وعلقوها في  داخل الكعبة - كتبها   لهم  بغيض  بن  عامر بن هاشم- . وقد  دعى  عليه  الرسول  الكريم  صلى الله عليه وسلم  الله عليه تعالى  فشلت يده . وينص هذا الحلف  على ان :
( لا يجالسون بني عبد المطلب وبني هاشم و لا يكلمونهم  ولا يد خلون بيوتهم  ولا يخالطونهم  ولا يناكحونهم أي لا يزوجونهم ولا يتزوجون منهم   ولا يقبلون منهم صلحا  ولا تاخذهم بهم رأفة  حتى  يسلموا اليهم محمدا  ليقتلوه ).

            فامر ابو طالب  بني عبد المطلب وبني هاشم  ان يدخلوا شعبه  فدخلوه  ولبثوا  فيه  ثلاث  سنين  حتى اشتد عليهم الخطب وخاصة  ان قريش  قطعوا عليهم  كل  معونة او تجارة  حيث  ان اية مواد تاتي الى مكة  فيشتريها  تجار قريش  باغلى الاسعار ويحرمون  بني عبد المطلب وبني هاشم  منها  فلا  يتركون طعاما  يدخل  مكة  الا  واشتروه   ومنعوه  عنهم  حتى قتلهم الجوع  وحتى قيل ان نساءهم واطفالهم كانوا يتضاغون  جوعا في الشعب  لذا  عظمت الفتنة   وزلزلوا  زلزالا  شديدا  وكان  ابو طالب  اذا اوى الناس  لفراشهم   للنوم ليلا  امر رسول الله ان  يضطجع في فراشه حتى يرى  من اراد اغتياله  فاذا  نام  الناس  وخلدوا للنوم  امر  احد  ابنائه  او بني عمومته  حمايته  او المنام  في فراشه وينام  الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مكانه .

       وفي  ذلك يقول  ابو طالب في لامية ابياتها اكثر من خمسين بيتا  نقتطع منها  هذه الابيات :

 ولما رايت  القوم  لا  ود   بينهم   
                                   ولا  قطعوا  كل العرى  والوسائل

 وقد صارحونا  العداوة  والاذى  
                                   وقد  طاوعوا  امر  العدو  المزايل

 وصرت لهم  نفسي  بسمراء  سمحة   
                                   وابيض عضب  من تراث  المقاول

 واحضرت عند البيت رهطي واسرتي
                                       وامسكت  من اثوابه  بالوصائل

 اعوذ برب الناس  من كل طاعن  
                                    علينا   بسوء   او ملح      بباطل

الى ان يقول:

 فو الله  لولا  ان  اجيء بسبة        
                                     تجر على   اشياخنا  في  المحافل

 لكنا  اتبعناه  على  كل  حالة         
                                      من الدهر جدا  غير  قول التهازل

 لقد علموا  ان ابننا  لا مكذب       
                                      لدينا   ولا  يعني   بقول   الاباطل

حدبت  بنفسي دونه  وحميته       
                                      ودافعت  عنه   يالذرى  والكلاكل

         وكان الرسول  محمد  صلى الله عليه  وسلم  مستمرا في دعوته  الاسلامية رغم  كل هذه الظروف  وخاصة في  موسم الحج  حيث  كانت القبائل   تقبل الى مكة  من كل  حدب  وصوب  لاداء   مناسك الحج . وقد قيض الله تعالى بعد هذه السنوات الثلاث العجاف خمسة رجال من قريش من  بعد ما هالهم ما لحق  ببني عبد المطلب و بني هاشم  وهم :

   الاول  هشام  بن عمرو  من بني عامر بن لؤي  حيث كان ياتي  بالطعام  خفية بالليل  الى بني هاشم  وبني  عبد المطلب.
 والثاني هو زهير بن  ابي امية المخزومي  وامه عاتكة  بنت عبد المطلب  فهم  اخواله  وقد جاء  اليه هشام بن عمرو  وقال له :  يازهير ايرضيك  ان تاكل الطعام  وتشرب الشراب  واخوالك  يتضورون جوعا ؟؟
 فقا له : ويحك  وما ذا افعل  وانا  رجل واحد ؟؟ فاما  والله  لو كان معي رجل  اخر لقمت  بنقض  الصحيفة.
 فاجابه : انا يا زهير.
 قال له : ابغنا ثالثا
 فاشارعليه  بابي البختري بن هشام
 فقال له : ابغنا رابعا
 فقال له :  زمعة بن الاسود
 فقال : ابغنا خامسا .
 فاجابه : المطعم بن  عدي  .

      لذا فقد هيء الله تعالى  قلب هاشم بن عمرو  من  بني عامر بن  لؤي ورقق قلبه  في العمل على  نقض الوثيقة  وفك  الحصار الظالم عن   بني عبد المطلب  وبني هاشم . فمشى الى  زهير وكلمه  فيه   وتداولا  الحديث مع الثلاثة الاخرين  فاجتمع الخمسة عند الحجون  وتعاهدوا على نقض الصحيفة وفك الحصار.
  وقال  زهير  : غدا انا لها ....
       
          فلما اصبح الصباح  جاؤوا  الى الكعبة  وقريش طوافون بها ومحدقون من كل جانب جاء  زهير وعليه حلة فطاف الكعبة ثم وقف  ونادى  باعلى صوته :
-        يا اهل مكة  انا ناكل  الطعام ونشرب الشراب وتلبس الثياب وبنو هاشم  جياع  وهلكى  والله لا  اقعد  حتى تشق هذه الصحيفة
-        فقال له ابو جهل:  كذبت  والله لا  تشق.
-        فقال زمعة : انت والله اكذب ما رضينا  كتابتها  حين كتبت .
-         وقال  ابو البختري: صدق زمعة  لا نرضى ما كتب فيها ولا نقر عليه
-        فقال المطعم بن عدي :  وكذب  من قال غير ذلك  نبرأ الى الله منها ومما كتب فيها .
 وايدهم  القول  هشام  بن  عمرو في نقض الصحيفة  وتمزيقها.
 فقال ابو  جهل: ان  هذا  امر  قد  قضي  بليل  تشاوروا  فيه  بغير هذا المكان.

        وكان الله  سبحانه  وتعالى قد ارسل على هذه الصحيفة  حشرة الارضة او دابة الارض  فاكلتها  ولم تترك منها غير اسم الله . واخبرالله رسوله محمد صلى الله عليه وسلم  فأطلع  عمه  ابو طالب  على الامر  فاتى  يمشي  في  جماعة  من بني عبد المطلب  الى المسجد  وقريش  مجتمعون فيه  فحسب القرشيون ان بني عبد المطلب  خرجوا من الشعب من  شدة الجوع   وجاؤوا  ليعطوا الرسول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم الى قريش  لتقتله  ازاء  فك الحصار ونقض الصحيفة.
  فقال ابو طالب للقرشيين – حدث امر  مهم  لعله  يكون  صلحا  بيننا وبينكم .
 
           قال ذلك  لينظر اهل  مكة  في  الصحيفة  المعلقة   فيجدونها  ماكولة  وقال لهم ابو طالب ايضا :   لاعطينكم  امرا فيه  نصف   ان ابن اخي اخبرني – ولم يكذبني -   ان الله  عز وجل  قد برء من هذه الصحيفة  التي في  ايديكم   وانه محا  كل اسم فيها الا  اسمه (باسمك اللهم ) فان كان ما قال  حقا  وصدقا  فوالله  لا نسلمه اليكم  حتى نموت عن اخرنا  وان كان ما قال  لنا  باطلا  دفعناه  اليكم  لتقتلوه
 فقالوا: رضينا

    فلما  فتحوا الصحيفة  وجدوها  كما  اخبر ابو طالب
  فقالوا ومنهم ابو جهل : هذا سحر  جاء  به صاحبكم
 وهكذا انتهى الحصار  ومزقت الصحيفة  وما فيها من ظلم وخرج الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم من الشعب وانتهى الحصار . وفي هذا يقول ابو طالب :

 جزى الله رهطا بالحجون تتابعوا 
                                       على ملأ  يهدي  بحزم   ويرشد

 اعان   عليها    كل   صقر   كانه     
                                   اذا  ما مشى في رفرف الدرع اجرد

قعودا لدى جنب الحجون كانهم   
                                          مقاولة    بل  هم اعز  وامجد 

         عادت المياه  الى مجاريها  بعد  فك الحصار وظل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يدعو الى الله  الواحد الاحد   فما  انقضت اشهر الا  ومرض ابو طالب  واشتد  مرضه  وكان قد  تجاوز الثمانين  من العمر. وشعر القرشيون ان المرض  آخذه   فتشاوروا   بينهم  واوفدوا  وفدا الى ابي  طالب  وهوعلى فراش الموت  ليحدثوه في امر ابن اخيه  خشية ان تعييرهم  العرب  في  تركه  وتقول  انهم  تركوه  حتى اذا  مات  عمه  تناولوه  فجاؤوا  اليه  وطلبوا  منه  ان يكف  ابن  اخيه  عن  آلهتهم  وهم  يدعونه والهه . فدعاه  اليه وعرض عليه ما قاله القرشيون  فقال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:

( ياعم اريدهم على كلمة  واحدة  سواء  يقولونها  تدين لهمم  بها العرب وتؤدي لهم  العجم  الجزية  وهو قول-  لا اله الا الله)

والعجم  هنا  نعني  بها  كل  من  تكلم غيرالعربية  مهما  كان او اينما  سكن فهو اعجمي. 

       فلما سمعوا قوله فزع  القوم  وانفضوا من حول ابي طالب وهم ينفضون  ثيابهم  .







           ***********************************






















  شذرات من السيرة  النبوية المعطرة


                                      9    

                          بسم الله الرحمن الرحيم   

 الحمد لله:

       ذكرت في الشذرة  الثامنة حصار بني عبد المطلب وبني هاشم في شعب ابي طالب وفك هذا الحصار الظالم عنهم .

      وفي هذه اقول :  لقد اثقل المرض على ابي  طالب  واشتد  به  وحين حضرته الوفاة  دخل رسول الله  صلى الله عليه وسلم عليه  فوجد عبد الله بن امية  وابا جهل  جالسين عنده  فقال له :
- (أي عم  قل – لا اله الا الله - كلمة احاج لك بها عند الله ).
فقالا :  يا ابا  طالب اترغب عن  ملة  ابيك عبد المطلب ؟؟
 وردداها  مرات عديدة على سمعه  وهو  في  نزعات الموت  حتى لفظ انفاسه الاخيرة وهو يقول:
-        على ملة عبد المطلب ..على  ملة  عبدالمطلب .
وذلك في رجب  من  العام العاشر من النبوة  وبعد  انهاء  الحصار و انهاء المقاطعة .

           فحزن النبي محمد صلى الله عليه وسلم  كثيرا  وقال :
-(  لأستغفرن لك ما لم  انه عنك ).
        فنزلت الاية  الكريمة :
 ( ما كان للنبي والذين آمنوا  ان يستغفروا للمشركين ولو كانوا اولي قربى  من بعد  ما تبين لهم انهم  اصحاب الجحيم )  سورة التوبة \113  ونزلت  الاية  الاخرى  وفيها  بيان  الى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم :
( انك  لا تهدي  من احببت  ولكن الله  يهدي   من  يشاء   وهو اعلم  بالمهتدين  )   سورة القصص\56

            كان ابو طالب  له القدح  المعلى في تربية ابن اخيه  محمد صلى الله عليه وسلم . فبعد  وفاة  امه  آمنة  بنت  وهب  وجده  عبد المطلب  كفله  عمه  ابو طالب  وهو الاخ الشقيق  لوالده عبد الله   وعمره  ثمان  سنوات  . اخذه الى داره  ليعيش  احدا مع اولاده  سواءا  بسواء  فهو  ايضا واحد منهم .
 فقد  قال  الواقدي:

   ( قام ابو طالب من سنة ثمان من مولد رسول الله  صلى الله عليه  وسلم الى السنة  العاشرة  من  النبوة  ثلاث واربعين – يحوطه  ويقوم  بأمره  ويذب  عنه  ويلطف  به  وكان  يقرّ  بنبوة  النبي  محمد  صلى الله عليه وسلم )

 وقد انشد  ابو طالب في ذلك شعرا :

    الا ابلغا  عني على ذات  بيننا
                                     لؤيا  وخصا من لؤي بني كعب

    بأنا  وجدنا  في الكتاب محمدا  
                                    نبيا كموسى  خط في اول الكتب

          الا انه  مات على  ملة  عبد المطلب  . ولما  مات  رثاه  ولده  عليّ  كرم  الله  وجهه بهذه الابيات :

  ابا طالب  مأوى  الصعاليك  ذا الندى
                                 جوادا  اذا ما اصدر الامر  اوردا

فامست قريش يفرحون بموته
                                    ولست ارى حيا  يكون  مخلدا


 يرجون  تكذيب النبي  وقتله
                                 وان  يفترى  قدما عليه  ويجحدا

كذبتم  وبيت الله حتى  نذيقكم
                                صدورالعوالي  والحسام  المهندا 

       وقد انجب ابو طالب  اربعة اولاد  وابنتين وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ( ما نالت مني قريش شيئا  اكرهه حتى مات ابو طالب ) .

    وقال العباس  بن عبد المطلب  للنبي محمد صلى الله عليه وسلم
لما حضر وفاة عمه ابي طالب قال له :
- ما اغنيت عن عمك ؟؟   فانه كان يحوطك  ويغضب لك  .

        وقد كان كما  قال اخوه العباس   بن عبد المطلب :
  له اليد الطولى في  ثبيت  الدعوة  الاسلامية  وحماية  النبي  محمد  صلى الله عليه وسلم من جور قريش  .

 فاجابه النبي صلى الله عليه وسلم :
- ( هو في  ضحضاح  من  النار ولولا  انا  لكان  في  الدرك  الاسفل من النار )
   وضحضاح النار هو اقلها  لهبا  واستعارا  وتمثل كشاطئ البحر الذي فيه الماء الى كعب  الارجل او اكثر بقليل  وشتان  بين  من   يكون  حصب  جهنم  وفي دركها  الاسفل  ومن هو في  ضحضاحها .

       وبعد  مرور شهرين  وعدة  ايام  فجع النبي صلى الله عليه وسلم بفاجعة اخرى لا  تقل  رزءا عن سابقتها  فقد  فقد زوجته  الاولى الاثيرة  الى  قلبه ام المؤمنين  خديجة  بنت  خويلد- طهر الله  ثراها -  فقد توفيت في شهر رمضان في  السنة  العاشرة  من النبوة  .

           وكانت خديجة  رضي الله عنها  اليد اليمنى  لرسول الله صلى الله عليه وسلم  فهي  ( وزير صدق  لرسول الله  صلى الله عليه  وسلم فى الاسلام )
فهي او ل المسلمين  من الرجال والنساء  فقد  آمنت برسول الله عندما  جاءها  يرتجف من غار حراء  بعد  ان جاءه  الوحي  واخذته  الى  ابن عمها  ورقة  بن  نوفل  فاعلمه  انه   صلى الله عليه  وسلم  النبي الموعود وكانت قبل  ذلك قد  اعطته  مالها  ليتاجر  به  ولما رات  صدقه وامانته  وخلقه  القويم  تزوجته   وآسته بمالها  ونفسها  وشاركته  همومه  و كل اذى المشركين  فكان النبي صلى الله عليه وسلم  يأتيها  مغموما  فتحتضنه وتزيل عنه الهم  والغم  فيرتاح  قلبه الشريف  و قد قال فيها وهي مسجاة  في موتها:

- ( امنت  بي  حين  كفر بي الناس  وصدقتني  حين  كذبني  الناس  واشركتني  في  مالها  حين   حرمني  الناس  ورزقني الله  ولدها  وحرم  ولد غيرها )

  وقد حزن  عليها  حزنا  شديدا .
  وبعد وفاتها  بايام جاء جبريل عليه السلام الى النبي  محمد صلى الله عليه وسلم  فقال له :

- (  هذه خديجة قد اتت و معها اناء  في  ادام   فاذا هي اتتك اقرأ عليها  السلام  من ربها  وبشرها  ببيت  في الجنة  ).

        ولشدة  محبته  لها  كان  الحبيب  المصطفى صلى الله عليه وسلم  يذ كرها باستمرار  ويلهج  في ذكرها  وتاخذه الرأفة  والرقة  بها  كلما  ذكرها  وفي المناسبات كان يذبح  شاة  ليوزع  لحمها  على   صديقاتها  ومعارفها .

       اشتد بالحبيب المصطفى  الحزن الشديد  بعد  وفاة  عمه  ابي طالب  وزوجته  الاثير ة  على  قلبه الشريف  خديجة  بنت  خويلد  وسمي هذا العام  بعام  الحزن او (عام الاحزان)  فاضافة  الى مصيبته   في عمه وزوجته  فقد اشتد  اذى قريش  عليه  وتجرؤا  عليه  وصارحوه  ان  لم يكف عن هذا  الدين  والدعوة   له  فسيقتلونه  لذلك  تغيرت  احوال  الحبيب المصطفى  صلى الله عليه وسلم   بحيث  اصبح  يتأثر  لاي اثارة او امر  يمر عليه  او يتعرض له .وحاول  المشركون  والكافرون  من قريش  وغيرها  فاوعدهم  بالعذاب  او ربما  كذلك . فلما  لم  ينزل  بهم العذاب  قريبا  طفقوا  يستعجلونه  ويسخرون  من النبي  محمد  صلى  الله عليه وسلم  واسمعوه  ان  وعيده  لهم ابدا  لن  يؤثر فيهم  وسوف  لا يحدث ولا يستطيع  هو  ان يجلبه  عليهم  ولن  يتحقق  ابدا  وغير ذلك  مما  قالوه  له صلى الله عليه  وسلم فانزل  الله تعالى :
   ( يستعجلونك   بالعذاب  وان  جهنم   لمحيطة  بالكافرين )
 سورة العنكبوت\-54
 وكذلك  قوله تعالى:
( أفأمن الذين مكروا السيآت ان  يخسف  الله  بهم  الارض   او ياتيهم العذاب من حيث لا يشعرون * او يأخذهم  في تقلبهم  فما هم بمعجزين * او يأخذهم على تخوّف  فان ربكم  لرؤوف رحيم*)  
  النحل 54-  74

          و في زحمة  و حزمة  هذه  الاحزان  وشدتها  وهذه  الظروف القاسية  والصعبة التي اجمتعت عليه  خطر بباله  ان يذهب الى الطائف لعله  يجد اذنا صاغية  لدعوته  بينهم  فيؤمنوا  به  وبرسالته  فرحل الى الطائف  وهي  مدينة  كبير ة  وعامرة  انذاك -  ولا زالت- بغية  دعوتهم  الى الاسلام  لعلهم   يستجيبون  له  او ينصرونه  او  يأوونه فخرج اليها ماشيا على قدميه  مصطحبا   مولاه  زيد  بن حارثة  معه  وفي  الطريق  اليها كان  يتوقف  ليمر على تلك  القرى الموجودة  في  الطريق  بين مكة  والطائف   يدعوها  الى الاسلام و الايمان  بالله  تعالى .و كانت هذه القرى  ترفض  الاستجابة  لدعوته و الدخول في الاسلام حتى  وصل الى الطائف   فنزل عند  ثلاثة  اخوة  من  ثقيف  فدعاهم الى  الاسلام  والى  نصرته  صلى الله عليه وسلم ا لا انهم لم يستجيبوا  وردوه  ردا  سيئا  فاضطر الى تركهم  وذهب الى اخرين غيرهم  فلم   يستجيبوا  له ايضا   ثم اخذ  يتنقل  في الطائف على  رؤساء  القبائل  والرجال  المشهورين  بها  ويدعوهم الى الايمان  وقبول الاسلام  فلم  يستجب  له  احد  وبقي  في  الطائف عشرة ايام  متنقلا  بين  رؤسائهم  واشرافهم   يدعوهم  الى الله تعالى فلم  يستجب  له  منهم  احد .  ثم  اجمعوا ان  يطردوه  من قريتهم  واشاروا  اليه بالخروج  من  الطائف  سريعا  فقر ر الخروج  منها.

            فلما اراد ان يخرج  اوعزوا الى  اولادهم  وصبيانهم  وسفائهم وعبيدهم ان يؤذوه  فلما همّ بالخروج وقف هؤلاء  له  صلى الله عليه وسلم على الطريق  صفين  في كل  جانب من  الطريق  صف  واخذوا  يشتمونه ويسبونه  ويتقولون عليه  اقوالا  كثيرة  وهو محتسب الى الله تعالى  ثم  اخذوا  يرمونه  بالحجارة  حتى قيل ان  قدميه  الشريفتين  وعقبيه صلى الله عليه وسلم  قد أدميتا  وتخضب  نعلاه  بالدم -  السلام عليك يارسول الله  بابي انت وامي  كم  اؤذ يت فصبرت  في  سبيل نشر هذا الدين العظيم  وكم  تحملت  من  مصاعب  واحزان  لله  درك سيدي وجعلت  فداك  –  تصور ايها  القارئ الكريم  ان رجلا  ما  يسير  في  الطريق   في وسط  مدينة كبير ة  وقد  تجمع    عليه  الخلق  يشتمونه   و يرمونه  بالحجارة والحصى   من  كل  طرف  وصوب  واينما  توجه  ماذا سيكون  مصير ه ؟ ماذا  يلم  به  ؟ وما شدة  الاذى والانكسار  الذي سيلحقه و سيصاب به؟؟ –
والله  اني  لأكتب  وعيوني  تتغورق  بالدموع  - ياحبيبي  يارسول الله  .

           كان زيد بن حارثه  مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقيه بنفسه  ويحجز عنه  الحجارة  ويدافع عنه  من كل  جانب  يحميه  بنفسه وجسده  فاصابه حجر شج راسه  فأدماه .  وساروا   به  كذلك  مسافة طويلة  خارج  المدينة  الى ان وصلوا  الى  بستان عتبة و شيبة  ا بني  ربيعة  تبعد  قرابة  ثلاثة  اميال عن الطائف  فدخل اليها . فرجع  الناس  وانصرفوا عنه  صلى الله عليه وسلم .

     جلس الحبيب المصطفى  صلى الله عليه وسلم في البستان  مستظلا  تحت قمريات او عرائش من العنب  جلس تحتها  ليستريح  مسندا  ظهره الشريف الى الحائط   والتعب والهم  قد اخذا منه  كل  مأخذ  واثر ذلك  في نفسه الشريفة  وما  لاقاه  من نصب  وعذاب  وما  لاقاه  من هوان  من هؤلاء  القوم  فرفع  يديه الى السماء واخذ  يناجي  ربه  سبحانه  وتعالى في هم وحزن  يقول :

-( اللهم اليك اشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي  وهواني على الناس.  ياارحم الراحمين انت رب المستضعفين وانت ربي . الى من تكلني ؟؟ الى  بعيد  يتجهمني  ام الى عدو ملّكته  امري ان لم يكن بك غضب علي  فلا ابالي . ولكن عافيتك  هي  اوسع  لي  . اعوذ  بنور  وجهك  الذي اشرقت  له الظلمات . وصلح عليه  امر الدنيا  والاخرة  من ان تنزل  بي  غضبك  او يحل  بي  سخطك . لك العتبى حتى ترضى  ولا حول  ولا قوة  الا  بك .)

         فما ان انتهى الرسول  الكريم محمد صلى الله عليه وسلم  من هذا الدعاء العظيم الا  وارسل الله سبحانه وتعالى  اليه صلى الله عليه وسلم ملك الجبال  يستأمره ان يطبق على اهل مكة  الاخشبين . وهما جبلاها الكبيران التي تكونت هي بينهما  فاجاب الرسول الكريم  صلى الله عليه وسلم  بحلم  ودعاء . فقال النبي صلى الله عليه وسلم  للملك:
 ( بل استأني – انتظر -  بهم  لعل  الله  ان يخرج  من  اصلابهم  من  يعبده ولا يشرك  به  شيئا .)   

     وقيل  في بعض الروايات انه  صلى الله عليه وسلم  لما ترك الطائف وقرب من مكة  اظلته  سحابة  فاذا  بها  جبريل عليه  السلام و ملك الجبال  فقال  جبريل عليه  السلام  للنبي  محمد  صلى الله عليه وسلم : ان الله  بعث  اليك  ملك الجبال لتأمره  بما  شئت .
 ثم سلم ملك الجبال وقال :
-        يامحمد  ذلك لك  فما  شئت  ان شئت  اطبقت عليهم الاخشبين .
 وهما جبلا مكة  ابو قبيس والذي يقابله
 فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
-        ( بل  استأني  بهم  لعل  الله  ان يخرج  من اصلابهم من يعبده ولا يشرك به شيئا .......)
-         
       فلما راى ابنا ربيعة  النبي صلى الله عليه وسلم  ومولاه حارثه على هذه الحال  الصعبة  اخذتهما  العاطفة  والرحمة والرقة   فارسلا  اليهما  اناءا  فيه  عناقيد  من عنب  مع  مولى لهم  اسمه  عداس كان  على    دين النصرانية   فلما  مد النبي صلى الله عليه  وسلم  يده  الشريفة  ليتناول حبات  العنب  قال :
 ( بسم الله )
 ثم اكل  فقال هذا الشخص :
-        هذا الكلام ما يقوله اهل هذه البلاد .؟
فقال له الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم:
-        (ومن أي البلاد انت؟   وما دينك؟؟)
اجابه الرجل: انا من اهل نينوى
 قال النبي صلى الله عليه وسلم  :
( من قرية الرجل الصالح يونس بن متي )؟
قال الرجل:  وما يدريك ما يونس بن متي؟؟
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :
( ذاك اخي كان نبيا وانا نبي )

        ثم تلى عليه قصة يونس عليه السلام  من القران الكريم فاسلم  الرجل.
      ثم خرج الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من البستان  وسار في طريق مكة المكرمة  وفي قلبه الشريف هم وحزن  حتى وصل قرب مكة  فنزل في  قرية  (نخلة)  فاقام  بها عدة  ايام .

     وفي   احدى الليالي والرسول الكريم يتلو القران الكريم  قيض الله  نفرا من الجن  يستمعون القران الكريم  وقيل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر   فلما  انتهى  من الصلاة   رجعوا الى قومهم  او:
( ولوا الى قومهم منذرين )

       وقد امنوا بالرسول  الكريم  صلى الله عليه وسلم  وبما  جاء  به  دون ان  يشعر بهم حتى انزل الله في ذلك  قرآنا  ايات في سورة الاحقاف وسورة الجن .

        بعد عدة ايام  قضاها في ( نخلة)  توجه النبي  صلى الله عليه وسلم الى مكة   وكان يرجو الله ان ينصره  ويفرّج  عليه  حيث كا ن يخشى قريشا  ان يقتلوه  او يخرجوه  منها  فاراد  ان يحتاط   لنفسه   فدخل  غار حراء  ومكث  فيه.
    فقال  له زيد بن حارثة:
-        كيف تدخل عليهم وقد اخرجوك ؟
-        فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :

 ( يازيد  ان الله  جاعل  لما ترى  فرجا ومخرجا  وان الله ناصر دينه ومظهر نبيه ).

        وارسل  الى  النبي صلى الله عليه وسلم  الاخنس  بن شريق  لعله  يجيره  فاعتذر . ثم ارسل الى  سهيل  بن عمرو . فاعتذر ثم ارسل  رجلا من  خزاعة  الى المطعم  بن عدي  يستوثقه  ان يدخل  في جواره   فوافق  واجاب   وتسلح  هو واولاده   فجاء   النبي  محمد  صلى الله عليه  وسلم  - عجبا  من  اهل  مكة  التي  اصبح  على ابن مكة  الحببيب المصطفى صعب دخولها  الا ان  يحتاط   لنفسه  منهم -  ودخل  المسجد   الحرام  وطاف  الكعبة  المشرفة  وصلى  بها  و هو  في  حماية   المطعم  واولاده  محيطون  به  من  كل  جانب  وقد  اعلن جيرته  للنبي  صلى الله عليه  وسلم  فاصبح  في مأمن .




               *****************************






















(شذرات من السيرة النبوية المعطرة)
                            
                                       10

                              بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله :

       ذكرت في الشذرة  السابقة  سفره صلى الله عليه وسلم الى الطائف وما تجشمه   من مصاعب واعباء . 

 وفي هذه اقول  وبعد التوكل على الله تعالى :

      عاد المشركون الى  جدالهم وعنادهم ومكابرتهم  بعد رجوع النبي  صلى الله عليه  وسلم  من الطائف  الى مكة  وكانوا يطلبون منه  الايات عنادا او تعجيزا  وقد اجتمعوا في احد الايام في المسجد الحرام  وتشاوروا بينهم ثم ارسلوا الى النبي  محمد صلى الله عليه وسلم   وحيث كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا كل الحرص على الحضور بغية  ارشادهم لعلهم يسلمون   فانزل  الله  تعالى:
( فلعلك باخع نفسك على آثارهم ان لم يؤمنوا بهذا الحديث اسفا )
 الكهف الاية  \6  

       فقد جاء مسرعا  يأمل ايمانهم بالله تعالى واسلامهم  فقالوا له:
 - انك تخبرنا ان الرسل كانت لهم ايات   فقد  كانت لموسى عصا وكانت لقوم ثمود  ناقة هي ناقة صالح  وكان عيسى  يحيي الموتى  فأتنا  انت بآية  كما ارسل الاولون  فاذا  اتيتنا بها   فاننا  سننظر في امر  ايماننا بك     فانزل الله  تعالى  الاية المباركة :
( واقسموا بالله جهد ايمانهم  لئن جاءتهم آ ية  ليؤمنن بها  قل انما  الايات عند الله وما  يشعركم  انها  اذا  جاءت لا يؤمنون  )
 الانعام – 109  
 ونزلت اية اخرى جوابا على ما افتراه او اقترحه المشركون عليه صلى  الله عليه وسلم  .
فاجابهم  بها  الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى :
 ( قل سبحان ربي هل كنت الا بشرا رسولا )
 الاسراء - 93   
                                               
           لقد كانت مقترحاتهم تعجيزية للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم  فقد اقترحوا عليه ان يجعل  لهم  جبل الصفا  ذهبا  او ينقل الجبال عن مكة الى مكان  اخر بحيث تكون اراضيها  منبسطة مسطحة  صالحة  للزراعة                                                    
 ويجري خلالها انهارا من المياه العذبة لكي يزرعونها  ويستفيدون منها  تكون لهم جنات من نخيل واعناب  او ان يحيي اباءهم  واجدادهم  الاولين  كي  يسألونهم هل  صحيح  انه رسول الله  فدعا  الحبيب  المصطفى  ربه ان يريهم  ما ارادوه  فنزل  جبريل  عليه السلام  عليه  صلى الله عليه   وسلم  بهذه الايات  المباركة :

  ( وقالوا لن نؤمن لك حتى  تفجر لنا من الارض ينبوعا  * او تكون لك   جنة  من نخيل وعنب فتفجر الانهار خلالها  تفجيرا * او تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا او تاتي بالله والملائكة  قبيلا * او يكون لك بيت من زخرف او  ترقى في السماء  ولن  نؤمن  لرقييك  حتى   تنزل علينا كتابا  نقرأه  قل  سبحان ربي  هل كنت الا بشرا  رسولا * وما منع الناس ان يؤمنوا  اذ  جاءهم الهدى  الا  ان  قالوا  ابعث  الله  بشرا رسولا ؟*) الاسراء \90-94     

      فاخبرهم الرسول الكريم ان هذه الامور كلها  بيد الله ان شاء استجاب  وان  شاء  لم  يستجب - ولا يستجيب  رب العباد لمشرك او كافر او منافق مهما    دعاه  -  وهذه   الايات  لو ا جيبوا  عليها  ثم  لم  يؤمنوا  لآ تاهم  عذاب الاستئصال  وهي لا توجب الايمان با قامة الحجة  والتي هي قائمة بغيرها  بمقتضى  تفجيرها  تفجيرا  بمكة  فتصير  واديا  ذا  زرع   والله  تعالى  قضى  بسابق  حكمته   ان  جعل  بيته  العتيق  بواد غير  ذي  زرع  لئلا  يكون   عنده  ما  ترغب النفوس  فيه  من  الدنيا  او الحياة  فيكون الحج  لمطمح الدنيا  وانما يكون للاخرة . ومن حكمة الله تعالى ورحمته  انه تعالى لما ارسل  النبي محمدا  صلى الله عليه وسلم  خاتما للمرسلين  ان لا يهلك  قومه  بعذاب الاستئصال  بل  عذب  بعضهم  مفردا  بانواع  العذاب  كما  ذكرنا انفا  وقال تعالى :

( وما منعنا  ان نرسل بالايات الا ان كذب بها الاولون * )
الاسراء \59
 وانزل الله تعالى الايات المباركة  تعليما  لنبيا  وتفهيما  قال تعالى :

( ولو ان قرآنا  سيرت به الجبال او قطعت به الارض او كلم  به  الموتى  بل  لله الامر جميعا  افلم  ييأس  الذين  آمنوا  ان  لو يشاء  الله  لهدى الناس جميعا  ولا يزال الذين  كفروا ان تصيبهم قارعة  او تحل  قريبا  من  دارهم  حتى  ياتي  وعد الله ان الله لا يخلف الميعاد *)
الرعد \ 31

       وقد اخبر  الله رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم  بشدة كفرهم  ذلك بانهم  لو انزل الله تعالى عليهم  كتابا في قرطاس  فلمسوه  بايديهم لكذبوا به  وبين الله تعالى  انه تعالى لو جعل الرسول  ملكا   على  مثل   صورة رجل ايضا  لم  يؤمنوا  اذ كانوا  لا  يستطيعون ان يرون  الملائكة  في صورهم  الحية او الحقيقية  التي خلقوا عليها  وعندئذ  يقع اللبس .

         و هذه الايات المباركة  تبين ان القوم الذين يطلبون من رسلهم آيات او دلالات  ثم  لم  يؤمنوا . فانه تعالى  يهلكهم  جميعا  كما  حدث لأقوام الرسل   صلوات  الله عليهم  وسلامه  قبل رسولنا الكريم  محمد  صلى الله عليه وسلم  مثل  قوم  لوط  وقوم هود او قوم صالح وغيرهم  فهذه  الامور عند الله  تعالى لا تتبدل ولا تتغير  لذلك  لم تنزل هذه  الامور في   قريش  ولم  تتحقق  طلباتهم  . قال تعالى:

    ( ولو اننا نزلنا  اليهم الملائكة وكلمهم  الموتى  وحشرنا عليهم كل شيء قبلا  ما كانوا ليؤمنوا الا  ان يشاء الله   ولكن اكثرهم  يجهلون ) الانعام \111

          وروى رجال التفسير  و رجال الحديث  عن  ابن عباس  رحمهما الله تعالى :
( قال : سأله اهل مكة  ان يجعل لهم  الصفا ذهبا  وان ينحي عنهم الجبال حتى يزرعوا  فقيل لو شئت  نستأني  بهم  وان  شئت  ان  نؤتيهم الذي  الذي سالوه  فان كفروا  هلكوا كما  هلك من قبلهم  فقال بل  نستأني بهم )  فنزلت الاية المباركة :

       (   قد نعلم   انه  ليحزنك  الذي  يقولون  فانهم  لا  يكذبونك   ولكن الظالمين  بايات  الله  يجحدون  *  ولقد كذبت  رسل من  قبلك  فصبروا على  ما   كذبوا  وأؤذوا  حتى  اتاهم  نصرنا  و لا مبدل  لكلمات  الله  ولقد جاءك  من  نبأ  المرسلين  *  وان  كان  كبر عليك  اعراضهم  فان استطعت  ا ن تبتغي  نفقا  في الارض او سلما  في السماء  فتأتيهم بآية  ولو شاء  الله  لجمعهم على الهدى  فلا  تكونن  من الجاهلين * ) 
 الانعام  الايات \ 33-35

      فظن  القرشيون  انه  لما  لم يجبهم  صلى الله عليه  وسلم  على ما طلبوا منه  افضل  حالة  لتعجيزه  فانزل الله  تعالى :

 ( وما  كان ربك مهلك القرى  حتى يبعث في امها  رسولا*)   

         فقرروا ان  يقنعوا  الناس انه  متقوّل  وليس  بنبي  وانه عاجز عن اجابتهم  وعملوا علىذلم  ثم  جاؤوا اليه  صلى الله عليه وسلم  مرة اخرى  ليطلبوا  منه  اية  اخرى لعله  لا يستجيب  لهم  فتسكته  وتدفعه عنهم  اما م الناس  لعل الناس  تستبين  ضعفه  وعدم قدرته على الاستجابة   فقالوا له :
-        هل من اية  تبين لنا  انك  رسول الله ؟؟
 فسأل النبي  صلى الله عليه وسلم  الله  تعالى  ان يريهم  اية  تبين  مقدرته  ومكانته  عند الله تعالى .فنزلت الايات:

 ( اقتربت  الساعة  وانشق القمر * وان  يروا اية يقولوا سحر مستمر * وكذبوا واتبعوا  اهواءهم  وكل امر مستقر* ولقد  جاءهم  من الانباء  ما فيه  مزدجر * حكمة  بالغة فما  تغني  النذر*)
 القمر\1-5

       فأراه  آية  انشقاق القمر  فقد اصبح  القمر شقتين  في  السماء وظهر منشقا  فوق  جبل ( ابي قبيس ) المجاور للبيت الحرام  حتى  رؤا  (حراء ) وهو الغار الذي كان يتعبد  به النبي  صلى الله عليه وسلم  قبل  مبعثه  في جبل ثور  من  بين الشقين  فقال لهم  رسول الله  صلى الله عليه وسلم : ( اشهدوا ..)
 فلما  شاهدوا  آية  انشقاق القمر عيانا  ووضوحا  ولوقت  طويل  كبر عليهم  وبهتت  انفسهم  لكنهم  لو يؤمنوا  واستمروا  في   طغيانهم وكفرهم  سادرين  وقالوا :
      هذا  سحر  مبين  -  لقد  سحرنا  محمد .

        وقال  بعض رجالهم  ان كان  قد  سحركم  محمد  فانه  لا يستطيع ان يسحر النا س  كلها  فانتظروا  القوافل الآتية  الى مكة  فاسأ لوهم عن  انشقاق القمر  فلما  سالوا  الآتين  من السفر عن ذلك   تأكد  لديهم  ان انشقاق القمر كان  حقيقة . الا  انهم  اصروا على   بقائهم  في  كفرهم  واتباعهم   اهواءهم.

        ان حادثة  انشقاق القمر على عظمتها  وقدسيتها  اذ كانت حدثا عظيما  اراها  كانت  مقدمة  لحالة اكبر واعظم   فان رؤية القمر منشقا فلقتين  متباعدتين عن بعضهما  بعين الحقيقة واليقين   ربما  يسهل او يقرب الحدث الاعظم  الى  الاذهان والقلوب والذي  سياتي   بعد  هذه الحادثة الا  وهو حادثة الاسراء والمعراج والتي  سنتناولها في الشذرة  القادمة انشاء الله تعالى .





           *******************************










                  شذرات من السيرة النبوية المعطرة

                                   11  

                           بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله:

        الاسرا ء  و المعراج  حادثتان مذكورتان  في  القران   الكريم
  فالاسراء  لغة  : هو السير  ليلا  ومنها (  والليل اذا  يسري ) سورة الفجر\2 والسرى : السير ليلا  وأسرى  به : أي سار  به ليلا آ خذا بخطام بعيره او بخطام دابته   فالسرى لا يكون  الا بالليل  قال تعالى :
 ( سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد القصى  )
 الاسراء الاية \1 .

    والاسراء اصطلاحا: هو التوجه او الذهاب بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم  ليلا  من  المسجد  الحرام   بمكة  المكرمة  في الحجاز  الى  بيت المقدس  في  مدينة القدس   بفلسطين.

          اما المعراج  لغة : فمعناه  السلّم الذي يرتقى عليه  الى الاعلى والعروج  هو عملية   الارتقاء  الى الاعلى   وتجمع  معارج  ومعاريج  أي مصاعد .
            والمعراج اصطلاحا : هو  الارتقاء او الصعود بالحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه  وسلم  من  بيت  المقدس  بفلسطين  الى العالم  العلوي الى السموات العلى  بجسده الشريف وبروحه الطاهرة الزكية .

           والاسراء  جاء   في  القران  الكريم  في  اول  سورة الاسراء  في   قوله   تعالى :

 ( سبحان الذي اسرى  بعبده  ليلا  من المسجد الحرام  الى  المسجد  الاقصى الذي  باركنا  حوله  لنريه  من آياتنا  انه هو السميع  البصير *)   الاسراء \1

      اما المعراج فقد جاء ذكره في سورة النجم  قال تعالى :
(  وهو بالافق الاعلى * ثم   دنى فتدلى * فكان قاب قوسين او ادنى * فاوحى الى عبده  ما اوحى * ماكذب الفؤاد   ما رأى*  افتمارونه  على  ما يرى *ولقد رآه  نزلة اخرى * عند  سدرة المنتهى * عندها  جنة  المأوى* اذ يغشى السدرة ما يغشى * ما زاغ  البصر وما  طغى * لقد رأى من آيات ربه الكبرى* )
 سورة النجم\ 7-18

     اما وقت  الاسراء  والمعراج  ومتى حدث  ففيه اختلاف كثير  ورويات متعددة  فقد  قيل انه  كان  في السنة  الاولى  من  النبوة .
 وفي  رواية اخرى انه كان في  ليلة السابع  والعشرين  من رجب  في السنة  الخامسة  من النبوة .

      ورواية اخرى  في السابع عشر من رمضان  في العام الثاني عشر من  مبعثه  صلى الله عليه وسلم  
وقيل في محرم الحرام من نفس العام .

       وفي  رواية  اخرى  قيل فيها انه حدث  في السابع  عشر من ربيع الاول  في السنة الثالثة عشرة  من النبوة .

        والمعول عليه  انه  في ليلة  السابع  والعشرين  من  رجب  في العام الخامس  من النبوة  و  يحتفل العالم الاسلامي الان بهذا الموعد بهذه المناسبة المباركة.
 والله تعالى اعلم .

             وتفاصيل هذه الرحلة المباركة   حسبما  جاء   في الروايات   المعتمدة  الصحيحة   هو ان  جبريل عليه السلام   جاء  بدابة  البراق  وهي دابة  اكبر من الحمار واصغر من البغل  وطبيعة  مشيه ان  يضع  حافره  او  قدمه الخلفي  عند  منتهى  طرفه  الامامي . والنبي   صلى  عليه  وسلم  كان في  المسجد  الحرام  فاشار اليه  ان يركبه   فركبه  وجاء  به  من المسجد  الحرام  في  مكة المكرمة الى  بيت  المقدس  في  مدينة  القدس  بفلسطين .

         وقيل  في هذه الحادثة وقبل ان يعرج به الى السماء  شق  صدره مرة اخرى  فقد  جاء  في الاخبار  مايلي :

     ( أما المرة الثانية فهذه المرة التي شق فيه  صدره عليه  الصلاة والسلام  بعد  النبوة  قال أنس :

     (كنا نرى أثر المخيط في صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم )
 ولذلك كان صدره رحباً واسعاً   فما كان يأتيه الغضب إلا في حدود الله إذا انتهكت، فكان كثيراً ما يحلم  بل هو صلى الله عليه  وسلم  رسول  الحلم والكرم والعظمة والخلق العظيم   يقول الله عز وجل:

( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ )القلم الاية \4

       وأن ذلك كان ليلة الإسراء حين عرج بالنبي محمد  صلى الله عليه وسلم إلى السماء  بعد ما   بعث بأعوام  وفيه أنه  أوتي  بطست من ذهب ممتلئ  حكمة وإيمانا فشق صدره الشريف  فأفرغ  في  قلبه الشريف وقيل ان الرسول صلى الله عليه وسلم  شق صدره ثلاث مرات  في حياته .
        فلما وصل الى بيت المقدس  وبصحبته جبريل عليه  السلام  فنزل  وربط  دابته ( البراق )  في الحلقة   التي  ربط الانبياء  دوابهم  فيها  ثم دخل  المسجد ثم أ قام  ا ما ما  بالانبياء  فصلى  بهم   ركعتين   وبعد الانتهاء  من الصلاة   جاء  اليه جبريل  بأناء  فيه  خمر  وواخر فيه لبن   فاخذ الحبيب  المصطفى  محمد صلى الله  عليه  وسلم الذي فيه  اللبن  وترك اناء الخمر . 
 فقال  له  جبريل عليه السلام :
  -( اصبت  الفطرة  هديت  وهديت امتك  اما  انك  لو  اخذت  الخمر  لغوت  امتك )  .
       ومن هنا  يتضح  لنا  ان الامة الاسلامية  امة مهدية  بفضل  الله  تعالى   وانعامه  على  نبيه  وحبيبه  المصطفى  محمد  صلى الله عليه وسلم  و عليها .

            بعد  ذلك عرج  به من  بيت  المقدس الى  السموات  العلى  فعند السماء  الاولى  فتحت السماء الاولى له  وهناك  راى آدم ابا  البشر فسلم عليه  بتحية  الاسلام  فرد عليه  السلام  ورحب  به  وأقر  بنبوة الحبيب  المصطفى  صلى الله عليه  وسلم  ثم  نظر الى  يمينه  فراى ارواح السعداء  فتبسم  فسعد  ثم  التفت الى يساره  فراى ارواح  التعساء و الاشقياء  فبكى  صلى الله عليه وسلم .

        ثم عرج به عليه الصلاة والسلام الى السماء الثانية   فاستفتح له جبريل  ففتح  فشاهد  فيها  النبي  يحيى   بن زكريا  وابن  خالته  النبي عيسى بن  مريم  عليهما السلام  فسلم عليهما فردا عليه السلام  وأ قرا بنبوته  صلى الله عليه وسلم.

         ثم عرج  الى السماء   الثالثة    ففتحت  له فرأى  فيها  يوسف  الصديق عليه السلام  فسلم عليه فرد عليه السلام  ورحب به وكا ن الله سبحانه وتعالى  قد منحه  الحسن والجمال والكمال  وأقر  بنبوته  صلى  الله عليه وسلم.

        ثم عرج الى السماء الرابعة  فرأى فيها  ادريس عليه السلام  فسلم  عليه فرد  سلامه  ورحب  به  وأقر  بنبوته صلى الله عليه وسلم.

   ثم صعد به الى السماء الخامسة  فراى فيها  هارون بن عمران عليه السلام  فسلم النبي  صلى الله وسلم  فرد عليه هارون السلام  ورحب  به  مقرا بنبوته .

          ثم صعد به الى السماء  السادسة  فراى فيها  موسى بن عمران عليه السلام  فسلم  الحبيب  المصطفى فرد  عليه  السلام  ورحب به  وأقر بنبوته عليه الصلاة  والسلام  وقيل  لما جاوزه الحبيب المصطفى صلوات الله عليه وسلامه  بكي موسى عليه السلام  فقيل له:
   - ما يبكيك يانبي الله  فقال :
-        ابكي على امتي  .  لأ ن  نبيا  بعث  من  بعدي  يدخل الجنة من امته  اكثر  مما  يدخلها  من  امتي .
 وهذه  الامة  هي الامة  المحمدية المرحومة امة خاتم الانبياء والمرسلين  سيدنا  محمد صلى الله عليه وسلم .

             ثم عرج به الى السماء السابعة  فلقي فيها  سيدنا ابراهيم عليه السلام ابا الانبياء  فسلم عليه  فرد عليه السلام  وأقر بنبوته  وقيل ان ابراهيم عليه السلام رآه سيدنا محمد  مسندا ظهره الى  البيت المعمور وهو بيت  يدخله كل  يوم  سبعون الف  من الملائكة  ولا يعودون اليه  وقيل هناك راى جبريل  عليه  السلام على  صورته  الحقيقية  التي  خلقه الله  تعالى  بها   وله  ستمائة جناح.

          ثم رفع الى سدرة  المنتهى التي عندها جنة المأوى  فرأى اوراق هذه  السدرة   كانها  أذان الافيلة   وثمراتها  مثل  القلال  الكبير ة  والقلال : جمع  قلة وهي الجرة  من الفخار يوضع  فيها  الماء  للشرب سابقا  - ثم غشيها  فراش  من  ذهب  وغشيها  من امر  الله تعالى  ما غشيها  فتغيرت  فما من  احد  من  الخلق  يستطيع  ان يصفها او ينعتها  لشدة  سنائها  وحسنها  وبهائها .  

      ثم  عرج به صلى الله عليه وسلم الى  الله  الملك الجبار المتكبر فدنى   حتى  كان  قاب قوسين او ادنى   فاوحى اليه الله تعالى ما اوحى  وسمع صوتا يقول :( السلام عليك ايها النبي  ورحمة الله وبركاته ) وقيل  فرد النبي محمد  صلى الله عليه وسلم   قائلا  ( السلام  علينا  وعلى عباد الله الصالحين )  فجعلت في الصلاة  وفرضت عليه الصلاة   صلوات الله  عليه  وسلامه وعلى امته ( خمسين ) صلاة  في اليوم   والليلة .  ثم  قفل راجعا  حتى  اذا عاد الى السماء السادسة  تلقّاه موسى عليه السلام  فقال  له :
-        بم امرك ربك ؟؟
 قال  له: (امرني بخمسين صلاة في اليوم والليلة) .
قال  له موسى عليه السلام :
- امتك لا  تطيق ذلك  ارجع الى ربك فا سأله الخفيف.
      فالتفت الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم  الى  جبريل فاشار اليه  جبريل عليه السلام  انه نعم اذا شئت  فارجع. فرجع  فوضع عنه عشر صلوات وقيل خمس ثم عاد الى موسى عليه السلام  فاشاراليه بالتخفيف مرة  اخرى  فقال  له  نفس  مقالته  الاولى  . فاخذ الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم  بالرجوع ثم التخفيف   حتى فرضها الله تعالى خمس صلوات في اليوم والليلة . ثم نزل به الى السماء السادسة  حيث موسى عليه السلام  فاشار  عليه  بالرجوع  ورجاء  ربه  التخفيف  وقال له :
-  والله  لقد  طلبت  من  بني   اسرائيل  اقل من هذا  فضعفوا  عنه وتركوه .
      فقال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم :
 (  يا اخي  ياموسى  قد  استحييت  من  ربي  لذا  فأني  ارضى  بها واسلم ) . فلما  بعد  نودي في العلى  ان  (  قد امضيت فريضتي  وخففت  عن عبادي  هي  خمس  وهن خمسون  ولا  يبدل  القول  لدي)   
والله تعالى اعلم فربما تكون الخمس بأجرالخمسين في اليوم والليلة  .

      وقيل ان النبي محمد صلى الله عليه وسلم  راى الكثير من المشاهد فيها  في اثابة  الناس المؤمنين  واجورهم  واخرى في  تعذيب  الكفار والمنافقين في صور شتى .
      
                وفي هذه الليلة المباركة  عاد الحبيب المصطفى  الى مكة المكرمة  فلما اصبح الصباح  واجتمع  بقومه  واخبرهم  خبر  مسراه     و معراجه   صلى الله عليه وسلم  فتعجبوا  وكذبه  المشركون  والكفار واشتد   تكذيبهم  له  وأذاهم عليه  واستهزائهم  به لكذبه - كما  يتوقعونه -  فمنهم من وضع  يديه على راسه استنكارا وتعجبا  ومنهم  من  صفق  بيديه  تعجبا  وانكارا  من  هول  الحادثة  وعظمتها  – بابي انت وامي  ياسيدي  يارسول الله  كم عانيت وأوذيت  في سبيل الاسلام  ودعوته –  وفي هذه  الاثناء وصل  ا لخبر الى  ابي  بكر  فقال لهم:
-        اهو قال  هذا ؟؟  ان  كان  قاله  فقد صدق . 
  فقالوا له: اتصدقه على  ما يقول؟؟
فقال لهم :  اني  لأصدقه  على ابعد  من ذلك . اصدقه على خبرالسماء  في غدوه  ورواحه .

       من هنا  اطلق عليه  (الصدّيق)  وكني  ب (ابي بكر الصديّق ) رضي الله عنه  بعد  ان كان  يكنى (  ابا  قحافة ). الا ان كفار مكة  ومشركيها  ورؤساءها  لم  يصدقوا بهذا  الحديث  ولم  يؤمنوا  به  وحاولوا  امتحانه  صلى الله عليه  وسلم    فسألوه  ان يصف  لهم   بيت المقدس  فوصفه  لهم  وصفا  دقيقا - بعد ان جلاه الله تعالى اليه -  وتكلم عنه  كأنما  واقفا عنده و  بجانبه  ويصف  لهم ما فيه من الايات ويصف  ابوا به  ومواضعه  واحدا واحدا  فلم يستطع  احد منهم  ان يرد عليه   بخطئ  وقالوا  لمن حضر:
-        والله  لقد  اصاب  في  وصفه  فهو كما  وصف .

          ثم  التفتوا اليه وسألوه – على  سبيل  الامتحان –عن  القوافل  التي  مر بها  في مسراه  اين هي  ومتى تصل   وما عدد  جمال  كل  قافلة  فأخبرهم عنها  وبكل  ما فيها  وحتى اخبرهم  عن البعير الذي  يقدم القافلة  ولونه وحمله  فوصفها  لهم  وصفا  دقيقا . لكنهم  مع  ذلك بقوا على كفرهم وضلالهم   ولم  يؤمنوا  بذلك .
  
          في  هذه الصبيحة  ذاتها نزل جبريل عليه السلام  وعلم الحبيب المصطفى  صلى الله عليه وسلم  الصلوات الخمس  وكيفية  ادائها  وعدد ركعاتها  واوقاتها - فكانت قرة عين رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة - فكانت  هذه هي الصلوات المفروضة على المسلمين  و التي  بين ايدينا  خمس صلوات:
 - عند الفجرقبل شروق الشمس  ركعتان
 -  وعند الظهيرة عندما تكون الشمس قد تزاولت عن كبد السماء قليلا      -        -اربع ركعات
 – وعند العصر عندما يكون ظل   الشيء  بقدره - اربع ركعات.
 -  وعند  غروب الشمس  - ثلاث ركعات .
-  وعند العشاء  واسوداد الليل-  اربع ركعات .
    وجاء  في القرآن الكريم:
          ( ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا  موقوتا )



     ******************************








                     شذرات من السير ة  النبوية المعطرة

                                           
                                            12
   
                             بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله:

            وقفنا  في  الشذرة  السابقة  على ظاهرة  الاسراء  والمعراج  وفي هذه الشذرة نتكلم عن اسواق العرب و عن  تمهيد  للهجرة  النبوية  المباركة .

            دأب  رسول الله  صلى الله عليه  وسلم على الجهر  بالدعوة الاسلامية  بعدما كانت سرية  وفي هذه الفترة  كان  يعرض  الدعوة في العلن على  كل  من  يأتي  الى  مكة  للحج  او للتجارة  وقد  خرج  هذه المرة ايضا  الى اسواق العرب خارج  مكة يدعو الناس فيها الى الاسلام .
 كانت  للعرب اربعة اسواق  .هي اشهر  اسواقهم :

 الاول  سوق عكاظ :  هو اشهر الاسواق  واكبرها  وعكاظ  قرية  تقع  بين  (نخلة ) و(الطائف)   كانت  العرب  تقيم فيها  سوقها  في كل شيء عندها وبضمنها  سوق الادب  والثقافة  والشعر  ونقده. فهو سوق  ثقافي  اكثر مما هو سوق  تجاري  فكان  ياتي  اليه  الشعراء  واصحاب  الكلمة  والبيان  فينشدون قصائدهم  واشعارهم  ويحكم  بينهم  شعراء  العرب المشهورين  مثل  النابغة  الذبياني  وزهير بن ابي سلمى والا عشى وعامر بن الطفيل  فيحتكم  اليهم الشعراء  في تقييم  شعرهم  والقبائل  في تقييم  شعرائهم  وكان هذا  السوق  يعقد في الاول من شهر ذي القعدة الى  العشرين منه  ثم ينفض .

 السوق الثاني : سوق (مجنة)   وموقعه  في وادي (مر الظهران)  في اسفل مكة   ينعقد  بعد  الانتهاء  من سوق عكاظ   في   العشرين  من شهر ذي القعدة  وحتى  نهاية  الشهر وينتهي  في  اليوم  الاخير منه . 

 السوق الثالث :  سوق  ( ذي المجاز )   وينعقد  في  موضع  خلف  جبل الرحمة  اي خلف( جبل عرفة)  ويبدأ من اول يوم من ايام ذي الحجة الى اليوم  الثامن منه  وبانتهائه  يتفرغ العرب  القادمون   من  خارج   مكة  و اهل مكة ايضا  للقيام بشعائر الحج .  وهذه الاسواق متقاربة في وقت عقدها  فهي تكون  خلال شهر  ذي القعدة والثامن من ذي الحجة وتنتهي بموسم الحج الذي يبدأ من التاسع من ذي الحجة  لذا يشترك به اغلب العرب القادمين  للحج من كل ابناء الجزيرة العربية .

و السوق الرابع : هو سوق   المربد  بالقرب  من  البصرة  وقد  اهتم هذا السوق   بالشعر   والثقافة  فهو  سوق   ثقافي   اكثر  مما  هو  سوق تجاري .  

         وقد  عمل الرسول الكريم  صلى الله  عليه وسلم  ان  يقصد هذه  الاسواق  ويدعو  الناس  من  رواد  هذه  الاسواق  الى الاسلام  ويعرضه  عليهم   ويعرفهم  بنفسه  الشريفة  راغبا   في  دعوتهم   للايمان  بالله تعالى  ونصرته  وقد دعى  رؤساء  الوفود  القادمين  للاسواق  ورؤساء  القبائل  الحاضر ة  من شتى بقاع الجزيرة العربية  فقد  دعى القبائل من  بني عامر بن  صعصعة  وبني   فزارة  و بني محارب  وبني   حنيفة  وبني  سليم  وبني الحارث  بن  كعب  وبني  البكاء  وقبائل  كنده  وغسان  ومرة  و كلب  والحضارمة  وعذرة وغيرها من القبائل .

         وكانت القبائل  تسمع  منه  ثم  ترد عليه . فاغلب  القبائل  ردت النبي  صلى الله عليه وسلم  ردا  جميلا  ومنهم من رده  بالموافقة على الاسلام     شريطة  ان تكون له  الرئاسة  في  الاسلام  من  بعده   بينما  رده  بنو  حنيفة  ردا    قبيحا  ومنهم  رهط  مسليمة  الكذاب . واود   ان اذكر ان عددا من الرجال آ منوا  بالدعوة  الاسلامية  من غير ابناء  مكة ووجهائها  اذكر منهم   :

 ضماد الازدي اليماني : من قبيلة  ازد شنؤ ة من اليمن   وكان ضماد يرقي الناس المصابين بالجنون من الجن والشياطين  وفيطببهم  فلما جاء الى مكة وسمع  الناس  من المشركين  والكفار  يقولون  ان محمدا صلى الله عليه وسلم  مجنون او مصاب  بالجنون  فعمد  اليه  ليرقيه  ويشفيه  مما هو فيه   فلما كا ن  بين يديه  قال النبي صلى الله عليه وسلم:

- ( الحمد لله  نحمده  ونستعينه  ونستهديه  من  يهده الله فلا مضل  له  ومن يضلل  فلا هادي له  اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له  واشهد ان محمدا  عبده  ورسوله  ).
 فاستعاد الرجل  كلام  رسول الله  صلى الله عليه  وسلم  ثلاث  مرات  ثم قال له :
-   سمعت  قول السحرة  والكهنة  والشعراء  فما سمعت  بمثل  كلماتك  هذه  لقد بلغن  قاموس البحر  .هات  يدك  ابايعك  على  الاسلام  فبايعه واعلن اسلامه .

     و الشاعر طفيل  بن عمرو الدوسي : كان رئيس قبيلة  دوس اليمانية     وكان  شاعرا  بليغا  لبيبا  قدم الى  مكة المكرمة  في السنة الحادية عشرة من  النبوة  وسمع  بأمر النبي  صلى الله عليه  وسلم  فحذره  اهل  مكة منه  الا انه  جاء الى المسجد  الحرام   فوجد ه يصلي عند  الكعبة المشرفة  فاصغى اليه  وهو يقرأ في صلاته  فاستحسن  ما سمع وتحدث مع نفسه قائلا:
-        انا شاعر لبيب  وما يخفى عليّ الحسن  من القبيح   فما   يمنعني  ان اسمع من هذا الرجل  ما يقوله  فان  كان  قوله حسنا  رضيته  وقبلته وان  كان  فيه قبحا  رفضته  وتركته .

           فلما  انتهى  النبي صلى الله عليه  وسلم  من صلاته  ورجع الى بيته  تبعه  طفيل  الدوسي  حتى دخل  البيت  فاستاذنه  بالدخول  ودخل   وذكر ما سمع  وطلب  من النبي صلى الله عليه وسلم ان  يعرض عليه امره   فعرض عليه  الاسلام  وتلى عليه القران   فلما  سمعه  استحسنه  واعلن اسلامه وتشهد  ( ان لا اله الا الله  وان محمد رسول الله )  وقال  للحبيب المصطفى:
- انا رجل مطاع في قومي   فاذا رجعت اليهم  سادعوهم  الى الاسلام والايمان  فادع  الله ان  يجعل لي آية  .

          فدعا   له  الحبيب  المصطفى صلى الله عليه وسلم  ربه تعالى.
  فلما  قرب  من  قومه علا  وجهه النور واشرق كالمصباح  فدعا الله تعالى ان يجعل هذا النور في  غير وجهه  فتحول  النور الى  سوطه او عصاه   فلما  وصل اليهم  ودخل عليه  قومه  دعاهم للايمان والاسلام فاسلم  ابوه واسلمت زوجته  وتأخر قومه .
      فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة المنورة  كان معه  سبعون   وقيل ثمانون  بيتا  من  قومه قد دخلوا في الاسلام  .

     والشاعر  سويد   بن الصامت :  من  مدينة  يثرب  وكان   يسمى    ( الكامل )   لكمال   شرفه   وشخصيته  و بلاغته و  شاعريته   الفذة   وكان مشهورا معروفا بين قومه   قدم الى مكة حا جا  فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم الى الاسلام . فعرض سويد  بن الصامت على النبي صلى الله عليه وسلم  حكمة  لقمان الحكيم  فعرض عليه  النبي  صلى الله عليه وسلم  القرآن  الكريم  فأسلم   وقال  عنه : ان هذا لقول حسن .

     واخر من اذكر من هؤلاء الرجال الافذاذ :  ا بو ذر  الغفاري  فقد  سمع بمبعث الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم  بعد اسلام اياس بن معاذ وسويد بن الصامت  فارسل  اخاه  الى مكة  ليستطلع الخبر  ويرجع اليه فلما رجع اليه لم  يفهم  منه  شيئا  وقرر ان  يستطلع الامر بنفسه  فقدم الى مكة  ونزل  في المسجد الحرام  وبقي  فيه شهرا كاملا متخذا من ماء  زمزم  طعاما  وشرابا  ولا  يسأل عن  النبي   صلى الله عليه وسلم  احدا خوفا على  نفسه  ان  يقتله  مشركو قريش او كفارها  وقيل  بعدها  استتبعه  علي بن ابي طالب  كرم الله وجهه  حتى  ادخله على النبي  صلى الله عليه  وسلم  فطلب  ابو ذر ان   يعرض عليه  الاسلام  فعرضه النبي  صلى الله عليه وسلم  عليه  فاسلم  ثم جاء الى المسجد الحرام  وقال:

- اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا رسول الله  .
 فانقض عليه  بعض  رجال  من  قريش  حتى  كاد ان يقضى عليه لولا العباس بن عبد المطلب حيث انقذه منهم . فلما اصبح صباح  الغد قال ما قاله بالامس فتجمعوا عليه وضربوه فانقذه العباس منهم . فرجع ابو ذر الى  اهله ومساكن قومه بني غفار  فلما هاجر النبي الى المدينة  هاجر ابو ذر اليها  وسكن  فيها  .

            ثم  وفدان  من يثرب قدموا الى مكة  الاول من  الاوس  والاخر من الخزرج  التقى بهما الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم  كل عند قدومه  اليها :

    ففي السنة الحادية عشرة من النبوة  قدم وفد  من الاوس  من يثرب الى  مكة  وكانوا  يلتمسون عقد تحالف مع  قريش على الخزرج حيث كانت  بين  القبيلتين  نزاعات  وحروب. فلما سمع  النبي صلى الله عليه وسلم  بقدوم هذا الوفد  حضرهم  ودعاهم الى الاسلام  وكان فيهم اياس بن معاذ  قيل انه كان  غلاما حدثا  او يافعا  فقال  لجماعته :
-        هذا والله خير مما جئتم به .
  فرمى احد اعضاء  الوفد ترابا في وجه اياس قائلا  له :
-        لقد جئنا  لغير هذا . واسكته .

و شاع الخبر في المدينة  اذ ان اياسا  رجع   وكان عليه سمة الاسلام  ظاهرة   فكان  يهلل  ويكبر  ويحمد الله  ويسبحه  حتى ادركه  الموت  قبيل الهجرة النبوية الشريفة .

          وفي هذه  السنة  ايضا  وفد  من يثرب وفد الى مكة  كلهم من الخزرج. جاؤوا   للحج  وكان  اهل يثرب  يسمعون من اليهود  ان نبيا  سيبعث الان  و قرب زمان  مبعثه  وستيعاهدون  معه على قتلهم  . فلما وصلوا الى- (منى )- لقيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم   فقال لهم :
-        (من انتم ؟؟)
فقالوا : نفر من الخزرج
فقال لهم : (  موالي اليهود ؟؟؟)  اي حلفائهم
قالوا : نعم
 قال  صلى الله عليه وسلم : (افلا تجلسون أكلمكم ؟)
 قالوا : بلى نجلس .
 فجلسوا  فطفق الحبيب المصطفى محمد  صلى الله عليه وسلم يشرح لهم حقيقة الاسلام  ويدعوهم الى الايمان وتلى عليهم ايات من  القرآن الكريم  ودعاهم للايمان  بالله تعالى .
 فقال  بعضهم لبعض:
 تعلمون  والله  انه النبي الذي توعدكم به اليهود فلا  تسبقكم  اليه  فاسرعوا الى الاسلام . ثم التفتوا الي النبي صلى الله عليه وسلم  فقالوا  له :
-        انا  تركنا  قومنا  وبينهم   من العداوة  والشر ما بينهم  فان  يجمعهم الله  عليك فلا  رجل اعز منك عندنا  .

         فاسلموا  ووعدوه  بالدعوة الى الاسلام  وان يقابلونه في موسم الحج القادم وهؤلاء الرجال هم:
  رافع بن مالك بن عجلان
  اسعد بن زرارة
  عوف بن الحارث بن رفاعة
  قطبة بن عامر بن حديدة
  جابر بن عبد الله
 عقبة بن عامر
 ثم عادوا الى يثرب دعاة  للاسلام .





              ***************************
















                 شذرات من السيرة النبوية المعطرة


                                 13

                        بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله:

           بعد عودة  النفر الستة  من الخزرج  الى  يثرب   دعوا الناس فيها  الى الاسلام  وكان اليهود في  يثرب كثير وكانوا  يرهّبون  الاوس  والخزرج  بالنبي صلى الله عليه وسلم  ويقولون لهم  انه  سيبعث  نبي في هذا الزمان  نقاتلكم  معه  وننتصر عليكم  به . فلما بعث  محمد  نبيا  صلى الله عليه وسلم  ناصبوه  العداء  فكان اليهود  اشد  عداءا  له  من المشركين والكفار  حيث كفر به اليهود  وبما جاء  به من  الحق  وهم يعلمون  انه على الحق  المبين   واحتضنه الانصارمن الاوس  والخزرج يحمونه   ويؤمنون به  فلعن الله  تعالى اليهود في  محكم  كتابه  العزيز  فقال  تعالى:

 ( ولما جاءهم  كتاب من عند الله مصدق لما معهم  وكانوا يستفتحون على الذين كفروا . فلما جاءهم  ما عرفوا  كفروا  به .  فلعنة الله على الكافرين *)  ال عمران \ 89

           الاوس والخزرج  قبيلتان عربيتان هاجرتا من اليمن وسكنتا  يثرب  وكلاهما  من  سبأ  وكانوا  ا خوة  اشقاء  اولاد  ا م  واب  كما تذكر الروايات  التاريخية المؤكدة  وامهم اسمها  ( قيلة  بنت كاهل ) من قبيلة  قضاعة من اليمن .
وكانوا يسمونهم  ابناء (قيلة)  وفي ذلك يقول الشاعر:

    بهاليل  من  اولاد  قيلة  لم  يجد
                                     عليهم خليط  في مخالطة  عتبا

        وتكاثروا  بمرور الزمن فاصبحوا  قبيلتين قبيلة الاوس وقبيلة الخزرج  وكانوا متجاورين   فوقع بينهم د م  فنشبت  بينهم   العداوة  بسبب  ذلك  القتل  واستمرت الحرب  والقتال  بينهم  امدا  طويلا  قيل   اكثر  من مائة  وعشرين  سنة  قتل  فيها  الكثير منهم  وقد اطفأ  الله  تعالى  بالاسلام  جذوة  نا ر هذه الحرب التي كانت مستعرة قبل دخولهم في  الاسلام   بعد  ان  آخا  النبي  صلى الله عليه وسلم  بين  الاوس والخزرج  في الاسلام  وفي ذلك  يخاطب الله تعالى   المؤمنين  من  الاوس  والخزرج  فيقول  :

 ( واذكروا نعمة الله عليكم  اذ كنتم اعداءا  فالف بين قلوبكم  فاصبحتم بنعمته  اخوانا  * وكنتم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها.. )
النساء\ 103 و104 .

        كبرت بيضة الاسلام في  يثرب بعد  دعوة  النفر الستة الى الاسلام  فلما انقضت السنة  جاء  وفد يثرب الى  النبي صلى الله عليه وسلم  وهم اثنا عشر رجلا . عشرة  رجال من الخزرج واثنان من الاوس وهما عويم بن ساعدة و ابو الهيثم  بن التيهان  والعشرة من الخزرج هم :
   
   رافع بن مالك بن عجلان
   اسعد بن زرارة
  عوف بن الحارث بن رفاعة
   قطبة بن عامر بن حديدة
   عقبة بن عامر
   معاذ بن الحارث
  عبادة بن الصامت
   ذكوان بن عبد القيس
   العباس بن عبادة بن نضلة 
   يزيد بن ثعلبة

           فاجتمع  كلهم  برسول الله   صلى الله عليه وسلم  بعقبة ( منى )  فعلمهم الاسلام واخذ عليهم العهد والميثاق  فبا يعوه على ان ( لايشركوا بالله  شيئا  ولا  يسرقون ولا يزنون  ولا يقتلون  اولادهم  عن ا ملاق  ولا يأتون ببهتان يفترونه بين ايديهم وارجلهم ولا يعصونه  في معروف  )    فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:

   -( من وفّى  منكم فأجره على الله  ومن اصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا  فهو كفارة  له  . ومن اصاب  من ذلك  شيئا  فستره الله  تعالى  فامره الى الله  ان  شاء عاقبه  وان شاء عفا عنه  )
 فبايعوه على ذلك وهذه هي بيعة العقبة الاولى .

          عاد هؤلاء القوم الى يثرب ومعهم  مصعب بن عمير رضي الله عنه وكان قد  سيّره النبي صلى الله عليه  وسلم  معهم  ليقرئهم القران الكريم  ويعلمهم  اصول الدين  والاسلام  .

          نزل  مصعب  بن عميرعند  بيت  ابي امامة  اسعد  بن زرارة  ضيفا  عليه  ونشط  الرجلان في  نشر  الاسلام والايمان  في يثرب .

          وبينما  كان الرجلان في بستان ومعهم  بعض الرجال يعلمونهم الاسلام  شاهدهما  سعد  بن  معاذ  رئيس الاوس   فنادى  ابن عمه  اسيد بن حضير  وطلب منه  ان  يقصد الرجلين – مصعب و اسعد-  ليزجرهما عن هذا العمل حيث  يتصورهما  يسفهان  الضعفاء  من ا بنائهم   فاخذ  اسيد حربته  بيده  وذهب  اليهما  فلما  رآه  اسعد  بن  زرارة  قادما  نحوهم  قال لمصعب بن عمير  :
-        هذا سيد قومه  قد  جاءك  فاصدق  الله فيه .
  فجاء ووقف عندهما  وقال لهما :
-        ماجاء  بكما الينا  ؟  تسفهون  ضعفاءنا . اعتزلانا ان كانت  لكما بنفسيكما  حاجة .
 فقال   مصعب  بن  عمير له :
-  او تجلس  فتسمع   فان  رضيت  امرا  قبلته  وان  كرهته  كففنا  عنك  ما  تكرهه.
فقال له :  لقد انصفت .
 ثم ركز حربته  في  الارض  وجلس  اليهم  فحدثه  مصعب  بالاسلام والايمان  وتلى  عليه القرآن الكريم   فاستحسن  اسيد  الاسلام  فنطق بالشهادتين  واعتنق الاسلام  دينا . ولما رجع  الى عمه  سعد بن معاذ  وقال له:
-        كلمت الرجلين  فو الله  ما رأيت بهما  بأسا  وقد  نهيتهما  فقالا:
-        نفعل ما احببت .
  ثم قال لعمه  سعد بن  معاذ  يستفزه  لعله  يذهب  اليهما :
-        حدثت  ان بني حارثة  خرجوا الى  اسعد بن زرارة   ليقتلوه  لانه  ابن خالتك  يريدون  ان  يخفروك .

      فغضب  سعد  بن  معاذ  وذهب اليهما  بعصبية  فتلقاه  مصعب بن عمير  فكلمه عن الاسلام  والايمان  وتلى عليه القرآن الكريم  ولم يتركه حتى  تشهد بالشهادتين   واعتنق الاسلام . وعندما  رجع  سعد  بن معاذ الى   قومه  جمعهم  وقال لهم :

  - ( يابني عبد الاشهل  كيف تعلمون امري فيكم ؟؟)
قالوا – سيدنا  وافضلنا   رأيا .
فقال لهم : فان  كلام  رجالكم  ونسائكم  علي  حرام  حتى  تؤمنوا بالله ورسوله.

       فاسلم قومه  جميعا   رجالا ونساءا  ولم يبق منهم على الكفر الا رجل واحد  فلم يسلم الا  في  يوم ( احد  ) حيث  انه  اسلم  وحمل  سيفه  في سبيل الاسلام  وقتل  شهيدا  في  هذا  اليوم  ويدعى هذا  الرجل  (الاصيرم ). ثم  عاد  مصعب  بن عمير الى مكة  قبل  موعد الحج  ومعه بشرى  الى الحبيب المصطفى هي انتشار الاسلام في  يثرب .  

         اما بيعة العقبة الثانية  فكانت  في ذي الحجة في العام الثالث عشر  من  البعثة  النبوية  الشريفة . فقد  قدم  كثير من  الناس من  يثرب  لاداء الحج  من المسلمين والمشركين  وقد قرر المسلمون ان  لا يدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان  يطوف  في  جبال  مكة  مطاردا  من  قبل مشركيها  لخوفهم عليه  فاتصلوا  به  سرا  واتفقوا على ان يجتمعوا  به  سرا  في الرابع عشر من ذي الحجة وهو اوسط   ايام  التشريق  وفي ضوء القمر وفي الشعب  الذي فيه  جمرة العقبة   ( ا يام التشريق ثلاثة  هي   الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر قمري) وقيل والثاني عشر.
        
           فلما  كان  الموعد  تهيؤوا  له  وقيل  ناموا  على رحالهم  مع قومهم  ثم  تسللوا  من الركب  واحدا  واحدا  بعد  ان  نام  المشركون  واجتمعوا عند العقبة. وكان عددهم من الخزرج \ 62 ومن الاوس \ احد عشر  ومعهم  ايضا  امرأتان  هما : اسماء  بنت عمرو من بني  سلمة  ونسيبة  بنت كعب من  بني  النجار اخوال النبي محمد   صلى الله عليه   وسلم  وكان مجموع عددهم \ 73 فردا .

           اما النبي صلى الله عليه وسلم  فجاء  ومعه  رجل او رجلان  
و عمه  العباس  بن عبد المطلب  وكان على دين قومه   لكنه اراد ان  يحضر  امر ابن اخيه  ويطمئن  عليه . فلما  نظر العباس  في  وجوههم  قال:
 - هؤلاء   قوم  لا نعرفهم  هؤلاء احداث .
   فتكلم العباس  اولا  فقال  لهم :

-         يامعشر الخزرج ( وكانت العرب تسمي الجميع الخزرج)  ان محمدا  منا حيث علمتم  لا يزال في عز من قومه ومنعة  في بلده  الا انه  ابى الا  الانقطاع  اليكم   واللحوق  بكم  فان  كنتم  ترون  انكم  وافون  له  بما  دعوتموه  اليه  ومانعوه  ممن خالفه  فانتم  وما  تحملتم  من ذلك وان كنتم  مسلموه  وخاذ لوه  بعد خروجه اليكم  فمن الان  فدعوه فانه في عز  ومنعة  .

 فتكلم البراء بن معرور عن الانصار فقال:

-         نريد  الوفاء  والصدق  وبذل الارواح  دون  رسول الله صلى الله عليه وسلم  فتكلم  يا رسول الله   فخذ  لنفسك  ولربك  ما احببت .
 فتكلم النبي  صلى الله عليه وسلم  فتلى  ايات من القران الكريم ودعى الى الله  تعالى ورغب  في الاسلام  وقال:
 ( ابايعكم  على ان  تمنعوني – اذا قدمت  عليكم – مما  تمنعون  منه  نساءكم  وابناءكم    واشترط   ما يلي :
 1- ان يعبدوا الله  وحده  ولا  يشركوا  به احدا
2- السمع  والطاعة  في النشاط  والكسل
3- الامر بالمعروف  والنهي عن المنكر
4- النفقة  في اليسر والعسر
5- ان  يقوموا في الله ولا تأخذهم  في الله  لومة  لائم
6- ان ينصروه  اذا قدم  اليهم ويمنعونه  مما يمنعون  انفسهم    واهليهم  ( نساءهم واولادهم ) ولهم الجنة) .

  فكان اول من بايعه البراء بن معرور  فقال :
-        والذي بعثك  بالحق  لنمنعنك  مما  نمنع  منه ازرنا  فبايعنا  يارسول الله  فنحن  اهل الحرب  والحلقة  ورثناها  صاغر عن كابر.
 فتكلم ابو الهيثم  بن التيهان  فقال :
- ان بيننا  وبين  الناس  حبالا  ونحن  قاطعوها  فهل عسيت _ ان اظهرك الله – ان  ترجع  الى  قومك  وتدعنا ؟
 فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم  وقال:
-  (  لا والله  بل الدم  الدم  والهدم الهدم   انتم  مني  وانا  منكم  احارب من حاربتم  واسالم من  سالمتم ).
 فقال  اسعد بن زرارة :
 - رويدا  يا اهل يثرب  انا  لم  نضرب  اليه  اكباد  الابل  الا  ونحن نعلم انه رسول الله  وان اخراجه اليوم  مفارقة  للعرب  كافة  وقتل  خياركم وان  تعضكم السيوف  فاما  انتم  تصبرون على  ذلك  فخذوه  واجركم  على الله  واما  انتم  تخافون  من  انفسكم  خيفة  فذروه  فهو  اعذر لكم عند الله
 فقالوا:  فوالله  ما نذر هذه البيعة  ولا نستقيلها .

 ثم قام الجميع  الى النبي صلى الله عليه وسلم  فبايعوه  على ذلك.
 فقال لهم  صلى الله عليه وسلم :-

( اخرجوا  الي منكم  اثني عشر  نقيبا  كفلاء على قومهم  ككفالة الحواريين  لعيسى بن مريم  وانا كفيل  قومي ).
 وفي بعض الروايات  انه صلى الله عليه وسلم قال : ( ان موسى  اتخذ من قومه اثني عشر  نقيبا  فاخرجو ا الي منكم  اثني عشر نقيبا  )

 فكان النقباء  كما يلي :
1-  اسعد بن زرارة        نقيب بني النجار
 2و3- البراء بن معرور  وعبد الله بن عمرو بن حرام  نقيبا بني سلمة 
4و5  سعد بن عبادة  و المنذر بن عمرو   نقيبا بني ساعدة
6 – رافع بن مالك بن عجلان      نقيب بني زريق
7 و8- عبد الله  بن  رواحة  وسعد بن الربيع    نقيبا  بني الحارث بن الخزرج
9 – عبادة   بن الصامت  نقيب  القوافل
10و11  اسيد  بن حضير  والهيثم  بن التيهان   نقيبا الاوس
12- سعد بن خيثمة         نقيب  بني عوف

          وهكذا تمت  بيعة العقبة الثانية فلما ا صبح الصباح و شاع الخبر   بين اهل مكة ا جتمع رؤسائها  بمن جاء من يثرب  فقالوا لهم :
-        انه بلغنا  انكم جئتم  صاحبنا  البارحة  تستخرجونه من بين اظهرنا وتبايعونه على  حربنا . واما  الله  ما من  حي  من  العرب  ابغض الينا   من ان  تنشب   حرب   بيننا   وبينكم .

         فانبعث رجال  كانوا مشركين  من  يثرب  يحلفون لهم – وهم صادقون - ان هذا  لم يكن  . فلما  سافر الانصار وفيهم  اهل البيعة  الى يثرب  صح  الخبر فخرج   رجال  مكة  في  طلبهم  فادركوا  المنذر بن عمرو  و سعد بن عبادة    فاستطاع  المنذر ان  يناجزهم   ويعجزهم  فمضى الى  يثرب  اما سعد بن عبادة  فامسكوه  وقالوا له :
-        اانت على دين محمد ؟
قال – نعم.

       فشدوا   وثاقه  وسحبوه  مع راحلته  الى مكة  فجاء  المطعم  بن  عدي  والحارث  بن  حرب   فخلصاه  منهم  ورجع  الى  يثرب .
 وقيل  ا سره ضرار بن  الخطاب  الفهري  وفي ذلك  انشد  :

  تداركت  سعدا عنوة  فاسرته
                               وكان شفائي لو تداركت منذرا

ولو  نلته    هناك      جراحة                   
                             احق    دماء   ان  تهان  وتهدرا 

 وقيل سمعت قريش  قائلا  يقول على جبل ابي قبيس:

 فان يسلم السعدان يصبح   محمد
                                  بمكة  لا يخشى  خلاف المخالف

  فقالوا :من هما؟؟
 فقال  ابو سفيان  : هذا والله  سعد بن عبادة  و سعد بن معاذ 


                               

    **************************************





















               شذرات من السيرة النبوية المعطرة

                                   14

                       بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله:

        في الشذرة السابقة تحدثت عن بيعتي العقبة الاولى والثانية  لاهل يثرب وما  حدث  فيهما  من امور .

       رجع المسلمون المبايعون الى يثرب  واخذوا ينشرون الاسلام وقد بدات  هجرة عامة  المسلمين الى يثرب فقد  هاجر بعض الصحابة  اليها قبل  الهجرة   النبوية  وجاء  في  بعض الروايات  ان النبي  صلى الله عليه  وسلم  رأى دار هجرة  المسلمين  فاخبرهم  بها  فقال :

    -    ( رأيت اني اهاجر  من مكة  الى ارض  بها  نخل  فذهب ظني الى اليمامة او هجر فاذا هي المدينة- يثرب)
 وفي رواية  انه قال :
-        ( اريت  دار هجرتكم  سبخة  بين  ظهراني حرتين  فا ما ان هجر او يثرب ).

          ان  اول من  هاجر من  المسلمين  الى  يثرب هو ابو سلمة المخزومي  مع  زوجته  ام سلمة   فمنعها   قومها  من السفر  معه  بعد  ما عــلموا  بذلك  وانتــزعوا  ولده  من  زوجته  الا  انه  هاجر  بمفرده   ثم  اطلقوا  زوجته  وابنه  فلحقت  به  مع  ولدها  وذلك  قبل  بيعة  العقبة الثانية  بنحو سنة .
       ثم  هاجر عامر بن  ربيعة  مع  زوجته  ليلى  بنت ابي  حثمة  وكذلك  هاجر عبد الله  بن مكتوم  . ثم  تتابعت    هجرة  المسلمين  من  مكة  الى  يثرب  فلما  هاجر عمر بن الخطاب  خرج علنا  وامام  اعين القرشيين  و في ذلك  تحديا  لقريش  حيث  لم  يجرء  احد  ان يمنعه  او  يقف  بوجهه  ثم  هاجر  قرابة عشرين  من  الصحابة  من  مكة  الى المدينة ثم  هاجر المسلمون  جميعا  من  مكة الى  يثرب . وفي هذا  الوقت عاد  المسلمون  الذين سبق و هاجروا  الى  الحبشة  في او ل الدعوة  الاسلامية  رجعوا  الى المدينة  مباشرة  ولم  يبق  احد  في مكة  من المسلمين الا علي  بن ابي طالب  كرم الله وجهه  وصهيب  وزيد  بن حارثة  وبعض من فقراء  المسلمين  حيث  انهم  لم   يقدروا على الهجرة  .

           اما ابو بكرالصديق  فقد تجهز للهجرة  فلما علم الرسول الكريم  صلى الله عليه  وسلم  بذلك  قال له :
-        (على رسلك فاني  ارجو ان يؤذن لي ).
فقال ابو بكر :  وهل ترجو ذلك ؟؟
قال النبي صلى الله عليه وسلم :(  نعم )
 فترك الهجرة انتظارا  للنبي صلى الله عليه وسلم   وهيأ راحلتين استعدادا للسفر .

            فلما  شاهد  مشركو قريش  ورؤساؤها هجرة  المسلمين الى يثرب  وعرفوا  انها  ستكون  لهم  دار منعة  وان  القوم  اهل    حرب  وبأس  خا فوا  ان يخرج  الرسول  صلى الله عليه وسلم  بعدهم  اليها  فيشتد  بذلك  جمعهم   فاجتمعوا  في دار الندوة  وهي الدار التي  تحدث  فيها   كل الاجتماعات  المهمة  لاهل مكة - كما  سبق  وان  شرحتها  في اول الشذرات  - فلما  اجتمعوا  حضر معهم  ابليس  لعنه  الله  على هيأة  صورة  شيخ   نجدي .

         تذاكر المجتمعون  امر النبي صلى الله  عليه  وسلم   واخذ  كل  واحد  يدلو بما  عنده   من رأي  وكان  الشيخ  النجدي ( ابليس) يعترض و يرده  ولا يرضاه  فلما  جاء  دور ابي  جهل   في الكلام   قال :
-        قد  فرق  لي  فيه  براي  ما  اراكم  وقعتم  عليه
-        قالوا : وما هو.؟
-        قال  ابو  جهل :
-          ارى  ان  نأخذ  من  كل  قبيلة  من  قريش غلاما  جلدا  ثم  نعطيه  سيفا  صارما  ثم  يأتون  محمدا  فيضربونه  ضربة  رجل واحد  في وقت واحد  فيتفرق  دمه  في  القبائل  . فلا  تدري  بنو عبد  مناف  من القاتل  ولا تدري  بعد  ذلك  ما ذا  تصنع  ولا يمكنها   من معاداة  القبائل  كلها   عند ئذ   نسوق  ديته  اليها .
        فقال  الشيخ  النجدي ( ابليس) :
-  لله  در هذا  الفتى  هذا  والله  الراي الصائب .
        فتفرقوا  على  هذا  المقترح  الذي  اقترحه  ابو جهل  وباركه  ابليس لعنهما  الله . واخذوا  يعملون على  تنفيذه.

      نزل  جبريل عليه  السلام  فاخبر النبي صلى الله عليه  وسلم  بذلك  وطلب  منه  ان لا ينام  تلك  الليلة  في  فراشه .

        قصد   الحبيب  المصطفى  صلى  الله عليه  وسلم  ابا  بكر  في منتصف  النهار في  ساعة  لم   يأته  فيها  احد – اي عند الظهيرة – متخفيا  فقال له:
-  ( اخرج من عندك )
 -  فقال ابو بكر:  انما هم اهلك يارسول الله .
  فقال النبي صلى الله عليه وسلم  : ( ان الله  قد اذن  لي بالخروج ).
   فقال ابو بكر : الصحبة  يارسول  الله.
   قال النبي صلى الله عليه وسلم:  (نعم)
  فقال ابو بكر:  بأبي انت وامي   فخذ احدى راحلتي هاتين
  فقال النبي صلى الله عليه وسلم :( بثمن)

        وهكذا ابرم  النبي  صلى الله عليه  وسلم  مع  ابي  بكر الصديق   امور الهجرة  فجهزا راحلتين افضل الجهاز  واستأجرا  عبد الله بن اريقط  الليثي  د ليلا لهما  في سفرهما  وكان - على  دين قريش  -  فاستأمناه  وسلما اليه الراحلتين   وكان  خبيرا  بمعرفة  كل الطرق  فواعداه  جبل ثور بعد ليال  ثلاث .

          واستمر النبي صلى الله عليه  وسلم في اعماله اليومية  كي لا يشعر  احدا انه  نوى السفر  من  قريش وكان من عادته صلى الله عليه وسلم  ان ينام في اوائل الليل  بعد صلاة  العشاء  ويخرج  في  النصف الاخر من الليل الى  المسجد  الحرام  ليقيم  صلاة  التهجد او صلاة القيام  فامر عليا  بن  ابي طالب  كرم  الله  وجهه  ان  يبيت  تلك  الليلة  في فراشه  كما علمه  جبريل عليه السلام  واخبره  انه لا يصيبه  مكروه .

          في هذه  الليلة ( ليلة  الهجرة المباركة ) ا جتمع  نفر من قريش يتطلعون  الى  باب  بيت  النبي صلى الله عليه وسلم  يرصدون  مبيته  في  بيته   وطوقوا  البيت  سرا  من  كل  جانب  الا ان النبي  صلى الله عليه وسلم  لما  خرج   من بيته  اخذ حفنة  من التراب  فذرها على رؤسهم  من  حيث  لا  يشعرون  وهو يقرأ:
( وجعلنا  من بين ايديهم  سدا ومن خلفهم  سدا  فأغشيناهم  فهم لا يبصرون *)   يس\9

    ومضى  الحبيب المصطفى  صلى الله عليه وسلم الى بيت  ابي بكرالصديق  وخرجا  من خرجة  في بيت  ابي بكر  ليلا . فجاء رجل  والقوم  محيطون  ببيت رسول الله صلى الله عليه وسلم  فقال لهم :
-        ماذا تنتظرون ؟؟؟
-        فقالوا : محمدا
-        فقال لهم : خبتم وخسرتم  والله  قد  خرج  من بينكم  وحثى  على رؤوسكم التراب
-        فقالوا  والله  ما ابصرنا ه....

 واخذوا ينفضون التراب  عن رؤوسهم  ثم اقتحموا  البيت  فشاهدوا عليا بن ابي  طالب رضي الله عنه  نائما  في فراش  النبي صلى الله عليه  وسلم  فقا م علي  من الفراش .
 فقالوا له:
-        اين محمد؟؟
-        فقال  : لا علم لي به  .

وفي  رواية اخرى  انهم  لما قال لهم علي لا علم لي به  ضربوه وسحبوه الى الكعبة  وحبسوه  ساعة من نهار ثم تركوه .

         وهكذا ذهب  مكرهم سدى  قال تعالى:
 (  واذ يمكر بك الذين  كفروا  لثبتوك  او  يقتلوك  او يخرجوك  ويمكرون  ويمكر الله والله خير الماكرين ) الانفال \30

        و مضى النبي  صلى الله عليه وسلم ورفيقه  ابو بكر  قاصدين غار ثور فوصلاه  قبل الفجر  فجاء  القرشيون  الى بيت ابي بكر وسألوا عنه (اسماء ) ابنته  فقالت :  لا ادري .
  فلطمها  ابو جهل لطمة  طرح عنها اقراطها  ثم جدوا في  طلب النبي محمد  صلى الله عليه وسلم ورفيقه يبحثون عنهما  .

          فلما  وصل النبي ورفيقه  الغار  دخل  ابو بكر فيه  اولا  ليتفقده  ان كان فيه شيء  يؤذي رسول الله صلى الله عليه  وسلم  فيصيبه الاذى  هو دون رسو ل الله صلى الله عليه وسلم  فوجد  فيه  ثقوبا  حيث   قام  بسدها  بخرق  من ازاره  وبقي ثقب او ثقبين  وضع  قدميه  فيهما  ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم  ثم غلبه  النوم فنام  في حجر  ابي  بكر  وقيل  كان  العنكبوت  قد جاء  في هذه  الساعة  ونسج على  باب  الغار  بيتا له   وقيل ان حمامة  بنت عشها  في  تلك  الساعة  وباضت  فيه  ونامت على  بيضتيها  فلما  وصل  القرشيون  وهم  يبحثون عن النبي  صلى الله  عليه  وسلم ورفيقه  الى الغار وجدوا نسيج العنكبوت
 و عش الحمامة  فقالوا   لبعضهم البعض  :
-        لم يدخل احد  هنا ولو دخل احد هنا  لتمزق نسيج العنكبوت وسقط عش الحمامة .

 فكان هذا  سبب في  خيبتهم  فرجعوا  خائبين  وقد جعلوا  لمن  ياتي  بهما  احياءا  او امواتا  جائزة ( مائة بعير) .
-          فقال ابو بكر  الصديق:  يارسول الله  لو ان احدهم  نظر الى ما تحت  قدميه  لأبصرنا .
 فقال النبي صلى الله عليه وسلم : 
 -(ما ظنك  باثنين  الله  ثالثهما   . لا  تحزن ان الله معنا ). فنزلت الاية الكريمة:
( الا  تنصروه  فقد نصره الله  اذ اخرجه الذين كفروا  ثاني اثنين اذ هما في الغار اذ يقول لصاحبه لا  تحزن ان الله معنا  فانزل الله سكينته  عليه وايده  بجنود  لم تروها  وجعل  كلمة  الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا  والله عزيز حكيم *)  التوبة  \  40

        وتشير الروايات  ان  ابا  بكر قد  لدغ  من  احدى  قدميه  التي  سد  بهما  الجحر  لكنه  آثر ان لا يتحرك رغم شدة  الوجع الذي يشعر به  لئلا  يستيقظ  النبي صلى الله عليه وسلم  من  نومته   فلما  استيقظ  سأله  ما به  فقال :
 - لدغت  فداك امي وابي  .

     فمسح النبي صلى الله عليه وسلم مكان اللدغ  واضعا عليه شيئا  من لعابه  فانزاح الالم  وكانا  يسمعان كلام القرشيين في باب الغار وخارجه   الا ان الله تعالى اعمى ابصارهم  فغم  عليهم  امرهما . 

        و قالت عائشة  فجهزناهما  احدث الجهاز وصنعنا  لهما  سفرة  في جراب فقطعت  اسماء قطعة من نطاقها  فاوكت به فم الجراب – اي شدته- وقطعت  اخرى  عصاما  للقربة  فشدتها بها   لذلك  لقبت   اسماء- ( ذات النطاقين)

      بقي النبي  صلى الله عليه وسلم  ورفيقه  ابو بكر الصديق  ثلاث ليال في غار ثور وقريش  تبحث  عنهما  في  كل  مكان  حتى  خمد  البحث عنهما  قليلا  فجاء  اليهما( اريقط )  ذلك الرجل الذي استأجراه  واسلماه الراحلتين  فارتحلا الى  يثرب قاصدين  .







               ************************










              شذرات من السير ة النبوية المعطرة

                                     15

                        بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله:
                             
            في  ليلة  الاثنين  الاول من  ربيع  الاول من العام  الرابع عشر من  النبوة  ركب  الرسول الكريم  محمد  صلى الله عليه  وسلم  راحلته  صحبة  ابي  بكر الصديق  والدليل ( عبد الله بن اريقط الليثي )  وصحبهم عامر بن فهيرة مولى  ابي بكرالصديق وتحرك الركب من غار ثور متجها الى يثرب وسلك بهما الدليل طريقا غير مسلوكة  الا قليلا  باتجاه الجنوب نحو اليمن  حتى ابتعد  كثيرا  ثم  اخذ بهم  الى الغرب  نحو  البحر- وهذه اول  خطوات   البعثة  النبوية المعطرة – ثم  اتجه الركب الى الشمال على مقربة من ساحل البحر وسلكت القافلة المهاجرة  طريقا  لم يسلكه احد من  قبلهم الا  قليلا .  وسمي  هذا  العام  بالعام  الهجري الاول  في   التقويم الاسلامي  القمري  الذي يبدأ   من اول  محرم  الحرام  وينتهي  بانتهاء  ذي الحجة  من كل عام .

  قالت  اسماء بنت ابي بكر  :
 لما خرج والدي  اخذ معه كل ماله  فدخل علينا جدي ابو قحافة  وكان   فاقد البصر  فقال :
 - اني  والله لأراه  فجعكم  بماله  مع نفسه
 فقلت له: كلا  والله  لقد  ترك  لنا خيرا
  واخذت حجارة  فوضعتها في  كوة البيت  وقلت له:
-        ضع يدك على المال. 
  فوضعها وقال : لا باس  ان كان قد ترك لكم هذا  فقد احسن
 وقالت : والله  ما  ترك  لنا  شيئا وانما اردت ان اسكت الشيخ .
       
            والت القافلة سيرها  الليل كله  وانتصف النهارالتالي واصبح الطريق قفرا خاليا  عندئذ  نزل الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم  ليستريح تحت ظل صخرة بينما  راح ابو بكرالصديق يستكشف  ما حوله  فشاهد راع  يرعى اغنامه   فاستحلب منه  ابو بكر. فلما  استيقظ  النبي صلى الله عليه وسلم سقاه ابو بكر حتى شبع ثم ارتحلوا.

       في اليوم الثاني من هجرتهم الميمونة  مروا على خيمة ام معبد -  وام معبد هذه  امراة  من  كعب  وفي رواية اخرى من خزاعة  وزوجها   يسكنون  في   موضع   يسمى ( المشلل) في  ناحية  قرية ( القديد) التي تبعد عن مكة  بحوالي\ 130 كم  وكانت تطعم  من مر بها  وتسقيه  يعرفها القاصي والداني  فنزلوا عندها  وسألوها  ان  كان عندها  شيء  ياكلونه  فاعتذرت عن اقرائهم  واخبرتهم ان الشياه  عازب –  بعيد ة المرعى والكلا  . فشاهد النبي  صلى الله عليه  وسلم  نعجة قرب  الخيمة اجهدها  الهزال والضعف  ولم يكن فيها  قطرة من لبن  فاستاذن  ام معبد  بحلبها  فحلبها فبارك الله فيها  ودرت لبنا  كثيرا سائغا  طيبا  ملأ الاناء الكبير  وفاض منه . فسقى النبي صلى الله عليه وسلم   ام معبد   حتى رويت  ثم  سقى اصحابه حتى شبعوا ثم شرب فارتوى  ثم  حلبها ثانية  بملئ الاناء وتركه عندها  وارتحلوا .

          فلما قرب الغروب  جاء زوجها يسوق اغناما عجافا  وفي رواية اخرى  عنوزا عجافا  فتعجب حين شاهد  اللبن الكثير فقا ل لها:
-        من اين هذا ؟؟؟

         فاخبرته القصة  بان  رجل مبارك  مر  بها مع اخرين   ووصفت النبي صلى الله عليه  وسلم  من مفرقه الى قدمه  فقالت:

 ( انه رجل ظاهر الوضاءة   حسن الخلق لم  تعبه ثجلة  ولم تزور به  صعلة  وسيم قسيم  في عينيه دعج وفي اشفاره وطف وفي صورته  صحل وفي عنقه سطع  وفي لحيته كثاثة  احور اكحل  ازج  اقرن  شديد  سواد الشعر اذا صمت عليه الوقار واذا تكلم علاه البهاء اجمل الناس وابهاه من بعيد واحسنه واحلاه من قريب حلو المنطق لا نذر ولا هذر  كأن  منطقه خرزات نظم يتحدون  ربعة  لا  تقتحمه عين  من قصر  ولا شنوءة  من طول غصن بين غصنين  فهو انضر  الثلاثة منظرا  واحسنهم قدرا  له رفقاء يحفون به  اذا قال استمعوا لقوله  واذا  امر  تبادروا الى امره  محفود محشود  لا عابس ولا  مفند)

 فقال  ابو معبد: والله هذا صاحب - قريش الذي  تطلبه  ولقد هممت ان اصحبه  ولأفعلن   ان وجدت الى ذلك سبيلا .

         وفي صباح  ذلك اليوم   صاح صوت بمكة عاليا  سمعه الجميع  ولا يرون القائل  وهو ينشد:

  جزى الله  رب الناس خير جزائه
                                      رفيقين  حلا  خيمتي ام معبد

 هما    نزلا  بالبر وارتحلا  به          
                                   فافلح  من امسى  رفيق  محمد

 فيا لقصي  ما زوى  الله عنكمو
                                به  من فخار  لا يحاذى   وسؤدد

   ليهن بنو كعب  مكان فتاتهم
                                   ومقعدها    للمؤمنين   بمرصد

 سلوا اختكم  عن شاتها  وانائها
                                  فاكموا  ان تسألوا الشاة  تشهد

 دعاها بشاة  حائل   فتحلبت
                                  له  بصريح  ضرة  الشاة  مزيد

 لقد خاب قوم  زال عنهم نبيهم
                                 وقدس من  يسري  اليه ويغتدي

  وعن اسماء بنت ابي بكر  قالت :
 -   مكثنا ثلاث ليال لا ندري اين توجه النبي صلى الله عليه وسلم اذ اقبل  رجل من الجن من اسفل  مكة  يتغنى بابيات  غناء العرب  والناس يتبعونه ويسمعون منه ولا يرونه  حتى  خرج من اعلى مكة  فعرفنا حد سا  اينما توجه رسول الله .
       
           ثم ساروا حتى جاوزوا ( القديد)  فتبعهم سراقة بن مالك بن جهشم المدلجي  آملا في جائزة قريش ( مائة بعير  لمن ياتي بمحمد وصاحبه حيا اوميتا )  فلما وصل  قريبا منهما  كبت فرسه حتى  سقط عنها ثم  نهض  فاستقسم بالازلام  ايضرهم  ام لا يضرهم  فخرج  الذي
 لا يضرهم  لكنه عصى الازلام  وركب ثانية وهم اللحاق   بهم  حتى  دنا منهم بحيث  يسمع  ما يقرأ  النبي صلى الله عليه وسلم  وهو  لا يلتفت  اليه   وابو بكر يكثر من الالتفات  في  كل جانب .  فساخت  ارجل  الفرس  الامامية حتى  ركبتيها  فخر عنها  الى الارض  ثم زجرها  فاخرجت  يديها من الارض  فلما  استوت قائمة  صار لأثر يديها  غبار ساطع  في  السماء مثل الدخان عاليا  فوقف  سراقة  استقسم  بالازلام  ثانية   فظهر  الذي يكرهه  فداخله رعب  كبير  وفطن ان  امر رسول الله  محمد  صلى الله عليه وسلم  لابد  سيظهر فسألهم الامان   فوقفوا حتى لحق بهم  واخبر النبي  صلى الله  عليه وسلم  بما  قرره اهل مكة   وعرض عليه  الزاد  والمتاع  فلم يأخذ  منه  شيئا  وطلب منه ان يخفي امرهما  ورجاه  سراقة ان يستكتبه  الامان  فكتبه عامر بن فهيرة في اديم  ودفعه اليه  ورجع سراقة. فكان كل من  لقيه في الطريق   يؤكد له بعد م رؤيته لهم .
  
        و قد لقيهما  في الطريق  بريدة بن الحصيب الاسلمي  في سبعين   رجلا فارسا  فاسلموا وصلى بهم  النبي صلى الله عليه وسلم  صلاة العشاء الاخرة  ثم لقيهما  الزبير بن العوام في  بطن  وادي (الريم) في ركب من المسلمين كانوا  في  تجارة  من الشام  فكسى الزبير النبي  صلى الله عليه وسلم  واصحابه  بملابس  بيضاء.

              ولما  بلغ   الانصار في  يثرب  ان  رسول الله  صلى الله عليه وسلم  قد خرج من مكة  قاصدا  مدينتهم  كانوا يخرجون  في كل  يوم الى ( الحرة ) ينتظرون  قدومه  فاذا اشتد حر الشمس  رجعوا  الى  منازلهم  وفي  يو م  الاثنين الثاني عشر  من ربيع  الاول  خرجوا  كعادتهم  فلما  حميت الشمس رجعوا  فصعد رجل من اليهود على  اطم  من آطام المدينة  فراى  ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم  واصحابه   من بعيد  يزول بهم السراب  بملابس   بيضاء  فصرخ باعلى صوته  :

 يا بني  قيلة  ( وهي ام الاوس والخزرج كما سبق واشرنا لذلك  ) اسرعوا  هذا صاحبكم . قد جاءكم من  تنتظرونه  .

       هب الانصار  راكضين نحو القافلة بحر الظهيرة   الى (السلام)  موضع  معروف  ليلتقوا  برسول الله  صلى الله عليه وسلم  وسمعوا  التهليل والتكبير  في بني عمرو بن  عوف  فكبرالمسلمون وخرجوا  الى لقياه وحيوه بتحية النبوة والاسلام  واحدقوا  به  رافلين بالفرح والسرور .  فنزل بهم  في بني عمرو بن عوف في  (قباء) على مقربة من المدينة المنورة  ( يثرب ) التي نورها النبي الحبيب المصطفى بنوره فاصبحت تسمى (المدينة المنورة ) من ذلك الوقت  وقد نزل رسول الله صلى  الله  عليه وسلم  في  (قباء)  على كلثوم بن الهدم وقيل في رواية اخرى  على سعد  بن خيثمة  حيث مكث فيها اربعة ايام  وقد اسس في اثنائها  مسجد قباء المعروف اليوم  وهو اول مسجد  اسس  وبني  في  الاسلام . وقد  زرناه  وتباركنا   به   وصلينا  فيه  هذا العام والحمد لله رب العالمين . 

          وفي  يوم الجمعة اليوم الخامس من وصول ركب النبي   صلى  الله عليه وسلم بامر من الله تعالى  وابو بكر معه  فارسل الى اخواله بني النجار فحضروا  متقلدين سيوفهم  فسار  فيهم  نحو المدينة المنورة  وادركته الجمعة  في بني سالم بن عوف  فصلى الجمعة  فيهم  في  بطن  الوادي في موضع المسجد الموجود الان في بطن الوادي وهم  قرابة مائة رجل .
        ثم ركب  متجها نحو مركز المدينة  وقد زحف الناس لاستقباله وارتجت البيوت والسكك والشوارع  بالتحميد  والتهليل  وخرج النساء والصبان والاولاد  وهم يتغنون :

              طلع   الفجر علينا          من   ثنيات  الوداع          
              وجب الشكر  علينا           ما  دعا   لله   داع
              ايها  المبعوث  فينا         جئت بالامر المطاع 

        وكان الانصار كل منهم  ياخذ  بخطام  ناقة  النبي صلى الله عليه وسلم  وهم يقولون .:
-        هلم الى  العدد والعدة والسلاح والمنعة
 فيجيبهم صلى الله عليه وسلم :
-        (خلوا سبيلها فانها مامورة)

       فلما   وصلت الناقة الى  مكان المسجد النبوي الشريف بركت فيه  فلم ينزل  عنها حتى نهضت  وسارت قليلا ثم التفتت  ورجعت  ثم بركت مرة اخرى  في موضع  بروكها  الاول  فنزل النبي صلى الله عليه وسلم عنها .  فاخذ الناس  يترجونه ويكلمونه في النزول عليهم  فاحب ان ينزل على اخواله  تكريما لهم   . فبادر ابو ايوب الانصاري  فادخل  رحله  الى بيته  فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
-        المرء مع رحله .

       واخذ اسعد بن زرارة  بزمام راحلته فكانت  عنده .  فتسابق سراة الانصار الى استضافة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم  فكانت تاتيه الجفان مليانة . تاتيه منهم في كل ليلة وعلى بابه ثلاث  او اربع جفان.  واصبح  كما قال شاعرهم  قيس بن صرمة  :

 ثوى في  قريش  بضع عشرة حجة
                                                       يذكر لو يلقي حبيبا  مواتيا

 فلما  اتانا  واستقر  به  النوى
                                                   واصبح مسرورا بطيبة راضيا

 واصبح لايخشى ظلامة ظالم
                                                 بعيد ولا يخشى من الناس باغيا

 بذلنا له الاموال من جل مالنا
                                                 وانفسنا  عند الوغى   والتآ سيا

 نعادي الذي عادى من الناس كلهم
                                                 جميعا وان كان الحبيب المصافيا

 ونعلم ان  الله  لا رب غيره
                                               وان   كتاب    الله  اصبح    هاديا

 وقال  الشاعر حسان بن ثابت في ذلك  :

  قومي الذين هموا آووا  نبيهمو
                                                   وصدقوه   واهل الارض كفار

 الا خصائص اقوام  همو  تبع
                                                في الصالحين مع الانصار انصار

مستبشرين بقسم الله  قولهموا
                                                لما  اتاهم   كريم   الاصل   مختار

 وقال ايضا :

 نصرنا وآوينا النبي محمدا
                               على انف راض  من معد وراغم

  وهكذا  هاجر النبي محمد  صلى الله عليه  وسلم  من  مكة الى  يثرب  ووصل اليها  ودخلها هو رفيقه ابو بكرالصديق  سالما غانما  قد انعم الله تعالى عليه  بالفتح المبين  وتنورت( يثرب) بمقدمه  فسميت ( المدينة  المنورة )   

 قال البراء :
       ( اول من جاءنا  مصعب بن عمير  وابن مكتوم فجعلا  يقرآن النا س    القرآن  ثم  جاء عمار بن ياسر   وبلال  وسعد  ثم  جاء عمر بن الخطاب في عشرين راكبا  ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم )
 فاقام النبي عند ابي  ايوب حتى بنى بيته ومسجده .
        
            بعث النبي صلى الله عليه وسلم- وهو مقيم في منزل ابي ايوب الانصاري – زيد بن حارثة وابا رافع الى مكة   فقدما  اليه  بابنتيه فاطمة وام كلثوم  وزوجته سودة بنت زمعة  واسامة بن زيد وام ايمن . وكذلك خرج  معهم  عبد الله  بن ابي بكر وفيهم عائشة ايضا .

         اما  علي  بن ابي طالب   رضي الله عنه  فبقي بمكة ثلاثة ايام  بعد هجرة النبي ادى الودائع التي كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم  لاهل مكة  ثم هاجر ماشيا  على قدميه  فلحق  بركب  الرسول  صلى الله عليه  وسلم وهو  بقباء  فنزل على  كلثوم  بن الهدم . ثم  هاجر  صهيب   فحجزه مشركو  مكة   فتنازل عن امواله لهم على  كثرتها   فسمحوا  له  بالهجرة  فلما وصل المدينة  واخبر النبي صلى الله عليه وسلم  بذلك قال :
-        (ربح البيع ابا يحيى ).

   حيث كانت كنية صهيب ( ابو يحيى )   





                  ***********************



















                 شذرات من السيرة  النبوية  المعطرة

                                          16

                            بسم الله الرحمن الرحيم
 الحمد لله:

          ذكرت في الشذرة الخامسة عشرة من هاجر من المسلمين الى المدينة المنورة واذكر ان بعض المسلمين حبسهم المشركون من قريش ولم يسمحوا لهم  بالهجرة وعذبوهم  لعلهم يرجعون عن دينهم  منهم  هشام بن العاص وعياش بن ربيعة  والوليد بن الوليد وغيرهم   فكان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم  يدعو لهم في صلاته  ومن هنا شرع دعاء  القنوت في  الصلاة الواجبة – الوتر – ( وهي ثلاث  ركعات  بعد صلاة العشاء الاخرة ). وكان  صلى الله عليه  وسلم  يدعو على  من حبسهم  وكفهم عن الهجرة  وبعد مدة  قام  بعض المسلمين  باخراجهم  من مكة  بعملية   جريئة  واخرجوهم  من قيود المشركين كفار مكة  فهاجروا الى المدينة.

         ولما  نزل المهاجرون  بالمدينة المنورة  فتغير  الطقس عليهم وشعروا بالحزن والهم لفراقهم  ديارهم وارضهم  فاخذوا  يحنون  اليها ويذكرونها  كثيرا   فمرض  اغلبهم  واصابتهم  الحمى  وبعض الامراض وقيل  ان المدينة كانت ارضا  موبوءة بالمرض فمرض ابو بكر  وكان يقول حين تشتد به الحمى :

       مل امرئ مصبح في اهله
                                  والموت ادنى من شراك نعله

 وقيل ان بلالا الحبشي  اذا اصابته الحمى ثم  اقلعت عنه يقول:

         الا ليت شعري هل ابيتن ليلة
                                                  بواد وحولي اذخر وجليل ؟

       وهل اردن يوما مياه مجنة
                                               وهل يبدون لي شامة وطفيل

  اللهم العن ابن ربيعة وامية بن خلف وشيبه بن ربيعة كما اخرجونا من ارضنا الى ارض الوباء.
    وقد  دعا النبي  صلى الله عليه وسلم  ربه سبحانه وتعالى:

 ( اللهم حبب الينا المدينة  كحبنا مكة او اشد حبا  .اللهم صححها  وبارك في صاعها ومدها وانقل حماها فاجعلها  بالجحفة)

     فاستجيب دعاء   المصطفى صلى الله عليه وسلم فاستراح المسلمون من الامراض ولقد  تعود  المسلمون مناخ المدينة  فاحبوها .

        بعد استقرار النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة  بدأ  ينسق امور المسلمين  ويدعو الناس الى  الاسلام والايمان . وقد  بدأ تشكيل اول حكومة اسلامية  و قيام دولة الاسلام من يوم  هجرة النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة المنورة  . 

          واتخذ  رسول الله  صلى الله عليه وسلم الخطوة   الاولى في بناء هذا الحدث  العظيم(  الاسلام ودولته )  في بناء المسجد النبوي – يعمره الله على مدى الازمنة والدهور –   فقام بشراء الارض التي بركت فيها ناقته  وكانت لغلامين يتيمين  وكانت مساحتها مائة ذراع  في مائة ذراع  وتذكر  اغلب الروايات انها كانت  قبل ذلك مقبرة  مهجورة  فيها  بعض قبور المشركين وكذلك فيها نخيلات وتحتها شجيرات الغرقد – هذا الشجر المقدس عند اليهود -  وفي رواية اخرى  كان هذا الموضع مربدا لسهل وسهيل وهما غلامين  يتيمين من الانصار  كانا قد رباهما  اسعد بن زرارة  الانصاري  فساوم  النبي صلى الله عليه وسلم الغلامين في ثمن الارض ليتخذها مسجدا  فقالا :
-        بل نهبها  لك يارسول الله .

         فابى النبي صلى الله عليه وسلم فاشتراها بعشرة دنانير  منهما .
 وجاء في  الصحيح( ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ( يابني النجار ثامنوني   بحائطكم  قالوا  : لا يارسول الله لا نطلب ثمنه  الا الى الله ).
        
          امر النبي صلى الله عليه وسلم  ان  يزال كل  ما في الارض من شجر او قبر وجمعت  جذوع النخيل  في قبلة  المسجد التي جعلت شمال المسجد حيث جعلت القبلة  باتجاه  بيت المقدس  ثم خطط  طوله  مما يلي القبلة  الى اخره مائة ذراع   وعرضه بقدر  طوله  وفي رواية اقل بقليل . وجعل اساسات البناء ثلاثة اذرع  واستمرالبناء  بالطين واللبن  وسقّف  بجريد النخل  وجذوعها  وبالعمد   وفرشت  ارضيته  بالحصى  والرمل وجعل له  ثلاثة ابواب  وقبلته  في  شماله الى  بيت المقدس  وقد اشترك  الحبيب المصطفى  صلى الله عليه  وسلم  بالبناء  فكان  ينقل الحجارة  واللبن  مع المهاجرين  والانصار ويرتجز  ليزيدهم  نشاطا  في العمل ويقول :
         اللهم  ان العيش عيش الاخرة  
                                                      فاغفر للانصار  والمهاجرة

  فجعل الانصار والمهاجرين يرتجزون ايضا  ومن ذلك قولهم  :

    ولئن قعدنا والرسول يعمل                  لذلك منا العمل المضلل

             وشيد حجرتين بجانب المسجد بالحجارة واللبن ايضا وسقّفهما بالجذوع والجريد  واحدة  لزوجته سودة بنت زمعة والاخرى  لعائشة بنت ابي بكرالصديق  رضي الله عنهما  وقد دخل  بعائشة  بنت ابي بكر بعد وصولها الى المدينة المنورة  في شوال  في السنة والاولى من الهجرة  .
 وفي  رحاب المسجد النبوي نظمت   قصيدة   حيث كنت  في المدينة المنورة اذكر منها :


الله يجعل في الانسان رحمته
                                    ... والشوق يكبر والايمان يرتفع

أحببت نور الهدى والشوق يدفعني
                                        نحو الحبيب وبالانوار ينسطع

في المسجد النبوي في  نور روضته
                                       أرواحنا أشرقت كالعطر تندفع

هبت علينا رياح الشوق عابقة
                                     في هيبة خشعت والوجد يرتجع

هبت علينا رياح الروض عاطرة
                                    ممزوجة اعطارها بالمسك تندلع

واشتد شوقي وبا لانفاس في سحر
                                     او ضجّت الاحلام بالروح تنسفع

والفكر راح الى صرح يشيّده
                                     ذكراه   نور من   القران  يرتفع

يا ويح قلبي وما نفسي بعالمة
                                       حبي وشوقي فكالينبوع يندفع

هذ ا الضريح - ضريح الشوق أعشقه
                                - للمصطفى المختار والخلق تجتمع

أبكيك يا سيدي دمعا ينازعني
                                   شوقا يؤ رّ قني و الر وح تنصدع

القلب حاطت به الأنوار في ألق
                                  قد رحت أبكي لرب العرش أرتجع

ان الصلاة لرب العرش تسعدني
                                    في   روضة   حزمت  لله  ترتفع

والقلب شاق وللمحبوب في ولع
                                    والفكر راق  وبالاوصال تنسجع

نفسي جناب رسول الله يشغلها
                                   في هيبة عظمت والروح تنصدع

وانحل نهر الدمع يشكو عند روضته
                                       شوقا اليه وفيها  القلب ينخلع

يا دمع أهمل بلا عيب ولا وجل
                                    في  روضة . أبحر  للدمع  تتسع

كل الرجال حشود عند روضته
                                  والدمع    منهمل  والنفس  تنصرع

يا سيدي يا رسول الله معذرة
                                   الكل  في حضرة  التقريب  يستمع

          وثاني عمل  عمله  النبي صلى الله عليه  وسلم  بعد بناء  المسجد النبوي انه  آخى بين المهاجرين  والانصار  حيث كان الانصار يتنافسون في استضافة  المهاجرين  في  بيوتهم  وقد ذكر الله  تعالى ذلك  في القرآن الكريم .:
 ( والذين  تبوؤا الدار والايمان  من قبلهم  يحبون  من هاجر اليهم ولا يجدون  في صدورهم  حاجة  مما  اؤتوا  ويؤثرون  على انفسهم  ولو كان   بهم  خصاصة  ومن يوق  شح  نفسه  فاؤلئك هم المفلحون *)   الحشر  \9

       وقد زاد  رسول الله صلى الله عليه وسلم  هذا الحب والايثار بعقد هذه المؤاخاة قوة  ومودة  بين   المهاجرين  والانصار  فجعل  كل رجل مهاجر  في بيت اخيه الانصاري  وكانوا تسعين رجلا نصفهم  مهاجرين ونصفهم انصار فآخى  بينهم على  المؤآخاة  والمؤآساة  وقرر انهم يتوارثون  فيما  بينهم  بعد الموت  دون ذوي الارحام الا ان هذا التوارث نسخه  القرآن الكريم  بالتوارث  الرحمي الذي نزل   في سورة النساء .  وبقيت المؤاخاة  وعقدت  هذه  المؤاخاة  في دار انس بن مالك رضي الله عنهم  جميعا . وكان من  شدة  محبة الانصار لاخوتهم المهاجرين  انهم عرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم  نخيلهم  او بساتينهم  ليقسمها  بينهم  وبين اخوتهم  المهاجرين  فلم يوافق  فقالوا  له : 
- اذن تكفونا المؤونة ونشرككم في الثمرة  .
  فرضي  رسول الله صلى الله عليه وسلم  على  ذلك .

           ومن هذه الاخوة  ان سعد بن الربيع – وكان اكثرالناس ما لا واغناهم – وكان النبي  صلى الله عليه وسلم  قد آخا بينه وبين عبد الرحمن بن عوف   قال لاخيه عبد الرحمن بن عوف :
-        اقسم مالي بيني وبينك  نصفين  ولي  زوجتان فانظر ايهما تعجبك  فسمها لي  لكي اطلقها فاذا اعتدت وانقضت عدتها  فتتزوجها انت .
 فقال عبد الرحمن :  بارك الله لك  في اهلك ومالك  ثم قال لبعض الناس:- اين سوقكم ؟؟
 فدلوه على سوق  في بني قينقاع  فقصدها  وتسوق منها  فضلا  واقطا وسمنا  وجاء بها الى  بيت اخيه  سعد بن الربيع . وما هي الا  ايام  قليلة
الا وتزوج  عبد الرحمن بن عوف  بابنة احد  الانصار  .

        وفي المسجد  شيد ركن  لايواء الفقراء والمساكين  من المهاجرين  ونزل اهل الصفة في هذا الركن من  المسجد  وهم  الفقراء الذين لا اهل لهم ولا مأوى والذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  يفرقهم بين اصحابه  فاذا جاء الليل تجمعوا في المسجد  النبوي  وكان جماعة  منهم  يتعشى مع  الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم  حتى اغناهم الله  من فضله .

            بدأ المسلمون يحضرون الصلوات الخمس في المسجد النبوي  يصلونها جماعة في امامة رسول الله صلى الله عليه وسلم  فاقترحوا ان يدق ناقوس لكي يجتمعون على صوته في وقت الصلاة  واقترح اخرون ان يكون بوقا ينفخ فيه   الا ان عمر بن الخطاب  اقترح  ان يبعث رجل فينادي  ( الصلاة جامعة )  فاستحسنه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم   وبعد مدة راى الصحابي  عبد الله  بن  زيد بن عبد ربه الانصاري  الاذان في منامه  فاخبر النبي صلى الله عليه وسلم  فقال النبي صلى الله عليه وسلم  :
-        (انها لرؤيا حق)  .
   ثم امر ان يحفّظ  الاذان  لبلال  فاذن  بلال للصلاة  في هذا الاذان القائم الموجود في كل بلاد الاسلام  ويؤذن فيه في كل مساجد المسلمين للصلاة
  فقال  عمربن الخطاب :
-        والله  لقد رايت مثله
-         
     فتاكد من الرؤيا  واعتمد الاذان   فكان بلال  يصعد المسجد النبوي فيصيح باعلى صوته  في الاذان  لكل صلاة  وهكذا صار الاذان شعار الاسلام منذ ذلك الوقت  وحتى يومنا هذا وسيبقى  الى قيام الساعة انشاء الله تعالى .

         وتوفي في هذا العام وهو الاول  من الهجرة المباركة  اسعد بن زرارة  قبل ان  يتم بناء المسجد النبوي وكان من  الاعيان وتوفي ضمرة  بن جندب وكان مريضا قبل هجرته الى المدينة المنورة  حيث قال  لاولاده اخرجوا بي منها –يريد من مكة – فخرجوا به   مهاجرا  فادركه الموت  في منطقة ( اضاة بني  عقار) اي  في موقع ( التنعيم)  الحالي  وقيل انزل الله تعالى هذه الاية المباركة فيه  :
 ( ومن يخرج  من بيته مهاجرا الى الله  ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع اجره على الله *) المائدة\ 100

             المجتمع المدني انذاك متكون من ثلاث مكونات اساسية  اولا من المسلمين  حيث آخا النبي صلى الله عليه وسلم بينهم  فصاروا امة واحدة  لهم كيانهم  الا انهم بحاجة الى تنظيم اجتماعي جديد  وتوحيدهم    فجمعهم  النبي صلى الله عليه وسلم في تنظيم  مستقل في اطار الاسلام  وجعل منهم  امة مستقلة عن الاخرين في المدينة .

      اما  الاخران  فيختلفان عن المسلمين في  العقيدة والدين  والميول والمصالح  وهم اليهود  والمشركون  .  فعقد النبي صلى الله عليه وسلم ميثاقا   بين المسلمين  بعضهم مع بعض من المهاجرين والانصار   وميثاقا اخر بين المسلمين وبين اليهود  وميثاقا  ثالثا بين المسلمين والمشركين من جهة اخرى  .


 ******************************************







                 شذرات من السير ة النبوية المعطرة
                             

                                 17

                       بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله:

          ذكرت في الشذرة السادسة عشرة  وجود  اكثر من كيان حيوي  في مجتمع المدينة   واختلاف هذه الكيانات عن بعضها في  المصلحة والتعامل والدين والعقيدة . فاول عمل عمله النبي صلى الله عليه وسلم  عقد ميثاقا بين المسلمين من المهاجرين والانصار  وهو ميثاق التآخي بينهم  وجعل الاخوة الاسلامية فوق كل شيء حتى فوق الاخوة الحقيقية بادئ ذي بدء  فجعل لكل  فرد من الانصار اخا من المهاجرين  يرث احدهما الاخر  حتى بعد وفاته واشركهم في  الامور صغيرها وكبيرها  وجعلهم كعائلة واحدة اضافة الى الاخوة الاسلامية وهي الرابط الاسمى قال تعالى:
 ( انما  المؤمنون اخوة فاصلحوا بين اخويكم ) الحجرات \  10
       اضافة  الى تعريفهم  بالحقوق  لهم  والواجبات  عليهم  وتثبيت الاسس التي تجعل منهم امة  واحدة  مستقلة عن الاخرين  وهذه الشروط هي كالاتي :

1-   المسلمون من قريش ويثرب ومن تبعهم وجاهد معهم امة واحدة  من دون  الناس الاخرين
2-   اداء واجبات دينهم وفداء الاسرى  يكون  كما كانوا عليه قبل هذا اليوم وعلى المؤمنين والمسلمين النصر في الدية والفداء بعضهم للبعض الاخر.
3-    يكون المسلمين  يدا واحدة على الظالم والمفسد والباغي ولو كان مسلما.
4-    لا يجوز قتل مؤمن بكافر  ولا يجوز نصر كافر على مسلم باي حال من الاحوال.
5-   ان  سلم المسلمين واحدة
6-   ذمة الله  واحدة  فيجير عليهم ادناهم
7-    لليهود حق النصر والاسوة  اذا  تبعوا  المسلمين  وواثقوهم .
8-   لايحق لمؤمن ان ينصر محدثا او ايوائه
9-   من يقتل مؤمنا متعمدا او قصدا يقتص منه  الا ان يرضي ولي امرالقتيل 
10-                   يجب على المؤمنين الوقوف ضد القاتل  و المعتدي
11-                   اذا حدث  اختلاف  بين السلمين  فان مرده الى الله والى الرسول .

          وجعل هذه البنود ثابتة في الامة الاسلامية  فللمسلمين حق الاخوة الاسلامية والوقوف معهم في كل الامور والتكاتف والتعاون والتناصر والمؤآساة واسداء النصح والارشاد الى الخير والايمان  وقد تاكد فيما مضى من الزمن ان هذه الاخوة سمت شموخا على  مدى الحقب الزمنية التي عرفها التاريخ الاسلامي ولا تزال قائمة لحد اليوم .
   ثم  التفت  الى المشركين فرتب امورهم حيث كان كيانهم على وشك الانهيار حيث اسلم  اغلبهم   سواء  كانوا رعاعا او سوقة ورؤساء وكبراء  واصبحوا لا يستطيعون الوقوف  امام قوة  المسلمين  فقرر النبي صلى الله عليه وسلم  مايلي:

 (لا يجير مشرك  مالا لقريش ولا نفسا  ولا يحول دونه على مؤمن .)
 بذلك انتهى كل شيء يخشاه  النبي صلى الله عليه وسلم منهم  اذ جعلهم  دون المسلمين  درجة .
      اما اليهود  فقد عقد  النبي صلى الله عليه وسلم  معهم اتفاقا  حسب للبنود التالية :
1-   اليهود امة مع  المؤمنين . لهم دينهم وعليهم نفقتهم  وللمسلمين دينهم وعليهم نفقتهم .
2-    يجب على  كل منهم نصرالطرف الاخر في حالة الحرب  وفي اي مداهمة  للمدينة من اي طرف من الاطراف وكل  يدافع  او يحمي جبهته
3-   بين المسلمين واليهود النصح والنصيحة والبر بدون اثم
4-     لايؤخذ الحليف باثم حليفه.
5-   نصر للمظلوم على الظالم
6-    اليهود ملزمين بالانفاق على المؤمنين ماداموا محاربين
7-   كل يثرب حرام على اهل هذه الصحيفة
8-    اذا  حدث حادث او شجار بين المسلمين واليهود فان مرده الى الله ورسوله
9-    انه لا  تجار قريش ولا من نصرها
10-                   لا يحول هذا الكتاب دون ظالم اوآثم 

      ولو  تفحصنا  هذه  الامور  والمواثيق  لوجدناها   قد رجحت فيها كفة المسلمين  اذ تحولت المدينة المنورة الى  دولة ذات سيادة الكلمة النافذة فيها للمسلمين ويرأس هذه الدولة الصغيرة النبي صلى الله عليه وسلم  وهكذا اصبح المسلمون سادة الموقف .
 تفرغ النبي صلى الله  عليه وسلم  الى الدعوة الالهية الاسلامية ونشرها يعاونه المسلمون في ذلك فقد كان يحضر مجالس المسلمين وغيرالمسلمين من اليهود والمشركين يتلو عليهم القرآن الكريم ويدعوهم للايمان بالله تعالى ونبذ الشرك  دون ان  يستطيع احد ان يرده او يمنعه  او يقف بوجهه صلى الله عليه وسلم . 

           سمع المشركون بهذه الامور والاحداث  فازدادوا  حقدا وكراهة  ليس  على  شخص  النبي صلى الله عليه وسلم  وحسب وانما عليه وعلى المسلمين كافة . واخذوا يحرضون المشركين في المدينة بقتال المسلمين فيها واخراجهم من المدينة المنورة  فقد شعر المسلمون- بعد ان ارتاحوا في المدينة من خبائث المشركين في مكة – بملاحقتهم لهم  الى المدينة المنورة   فقد هدد مشركو  مكة مشركي المدينة المنورة  بقتلهم واستباحة  نسائهم ان هم لم  يقاتلوا المسلمين ويطردونهم  وهددوهم بمنعهم  من دخول مكة  ويقطعوا علاقاتهم بهم  مما اضطر بعض منهم  بالتجمع  لقتال المسلمين في المدينة المنورة . الا  ان النبي صلى الله عليه وسلم  علم بذلك  فاجتمع  بهم  ووعظهم  ونصحهم   فتفرقوا  وغيروا رأيهم عن قتال المسلمين . كما ان خطر المشركين في مكة  احدق بالسلمين الذين  يذهبون الى مكة  فمشركو  مكة  قرروا  الوقوف  بالمرصاد  لكل  مسلم  تطأ  رجله  ارض  مكة . فقد  اراد  سعد بن معاذ  رضي  الله عنه  وهو رئيس  الاوس  ان  يخرج   الى  مكة معتمرا  فلما ذهب  اليها  وبينما هو  يطوف  حول الكعبة  ومعه ابو صفوان  امية  بن خلف  لقيهما  ابو جهل  فلما  تعرف على سعد بن معاذ  هدده  وتوعده   بالقتل  لمن يصل   الى  مكة  من  المسلمين  وقال له :

-  تطوف  بمكة آمنا  وقد آويتم الصبأة  وصبأتم معهم  اما والله لولا  انك مع ابي صفوان   ما رجعت الى اهلك سالما . فعرف المسلمون ان  هذا خبر لهم  بصدهم عن المسجد الحرام  وتحريم دخوله على المسلمين  ومن دخله سيعرض نفسه  للقتل والاذى  . وكان  عبد الله   بن سلام  حبر اليهود  الاعظم  في المدينة  قد  اسلم  وبينما  
لم يسلم بقية اليهود وبقوا على  يهوديتهم  رغم دعوته لهم الى الاسلام . وكان  لرجال  قريش  وساداتها صلات وعلاقات  بيهود المدينة   فاوعزوا اليهم  فعل اي شيء  ضد المسلمين – واليهود مشهود لهم  بخلق الفتن  ونشر  الضغائن عبر التاريخ – فاخذوا يثيرون  الفتنة  والحقد  والكراهية  والضغينة  القديمة  بين المسلمين  منها  اثارة  الفتنة بين الاوس والخزرج  ومحاولتهم  خلق جو مضطرب بينهم . وكان في المدينة  ثلاث قبائل يهودية هم بني قينقاع وبني النضير وبني  قريظة  وقد نقضوا عهدهم بعد اسلام  عبد الله بن  سلام  فحاربهم النبي صلى الله عليه وسلم  و قرر  المن  على بني قينقاع  فعفى عنهم  و بينما  اجلى بني  النضير عن المدينة   وقتل بني قريظة .

        وشاع  نوع  من  الخوف   والفزع   بين  المسلمين  فكان المسلمون لا ينامون  الا وبايديهم  السلاح  حتى قيل انهم كانوا ينامون فيه  واخذوا  يحرسون  النبي صلى الله عليه وسلم  خوفا عليه . فانزل الله تعالى الاية ( والله يعصمك من الناس )
 فخرج اليهم وقال لهم :
( ايها الناس انصرفوا  فقد  عصمني الله ) .

       في هذه  السنة  وهي  الثانية  للهجرة  المباركة   فرض الله تعالى صيام  شهر رمضان  على المسلمين   وبهذا  نسخ   صوم عاشوراء  واصبح  صومه  نافلة مستحبة  . و اصبح صوم رمضان فرضا على المسلمين وركنا من اركان الاسلام  فانزل الله تعالى  الايات:

 ( كتب عليكم الصيام كما كتب على ا لذين من قبلكم لعلكم تتقون *  اياما معدودات  فمن كان  منكم مريضا او على سفر فعدة من ايام اخر  وعلى الذين يطيقونه  فدية طعام مسكين  . فمن تطوع  خيرا فهو خير له  وان تصوموا خير لكم ان كنتم تعلمون * شهر رمضان  الذي انزل فيه القران  هدى للناس  وبينات من الهدى والفرقان  فمن شهد منكم الشهر فليصمه  ومن كان مريضا او على سفر فعدة من ايام اخر  يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر  ولتكملوا العدة  ولتكبروا الله على ماهداكم  ولعلكم تشكرون *)
  البقرة  183- 185 

     وفي هذا العام الثاني للهجرة   زوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة  الزهراء الى علي بن ابي طالب  رضي الله عنه  ابن عمه  ورفيق دربه  واحب الناس اليه  .

           كان النبي صلى الله عليه وسلم  لما دخل المدينة ونورها الله تعالى به  جعل القبلة الى بيت المقدس  وبيت المقدس كان قبلة اليهود وقبلة النصارى واصبح قبلة المسلمين ايضا  وبقي  كذلك ستة عشرا شهرا . وكان اليهود يقولون :

- ان  محمدا  يستقبل قبلتنا  ويعبد غير ديننا  فاستكثرها النبي صلى الله عليه وسلم وكان  يرغب ان  تكون  القبلة  الكعبة المشرفة   فاخبر  جبريل  عليه  السلام  بذلك  فقال له:
-        انا انما عبد فادعو ربك  وسأله.

    وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقلب وجهه في السماء يرجو رحمة الله  بذلك . وفي  شعبان  من السنة الثانية للهجرة تحولت القبلة  من بيت المقدس في فلسطين الى الكعبة المشرفة في مكة .  فانزل الله تعالى الايات المباركة :

( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها  فول  وجهك  شطر المسجد الحرام   وحيث ما كنتم فولوا  وجوهكم شطره  وان الذين اوتوا الكتاب  ليعلمون انه الحق  من  ربهم  وما الله  بغافل عما يعملون * ولئن اتيت الذين اوتوا  الكتاب بكل اية   ما تبعوا قبلتك  وما انت بتابع قبلتهم  وما بعضهم بتابع قبلة بعض  ولئن اتبعت اهواءهم من بعد ما جاءك من  العلم  انك اذا  لمن  الظالمين * الذين آتيناهم الكتاب  يعرفونه  كما يعرفون  ابناءهم  وان فريقا  منهم  ليكتمون  الحق  وهم  يعلمون  *  الحق  من ربك  فلا  تكونن من الممترين *  ولكل  وجهة هو موليها  فاستبقوا  الخيرات   اين  ما تكونوا يأت  بكم  الله  جميعا  ان الله على كل شيء  قدير* ومن  حيث خرجت  فول وجهك   شطر المسجد  الحرام  وانه  للحق  من ربك  وما الله  بغافل عما  تعملون *  ومن حيث  خرجت  فول  وجهك  شطر المسجد   الحرام  وحيث  ما  كنتم  فولوا  وجوهكم  شطره  لئلا  يكون  للناس  حجة الا  الذين  ظلموا  منهم  فلا  تخشوهم واخشون  ولأتم  نعمتي  عليكم  ولعلكم  وتهتدون  *)
البقرة 144- 150  .

 فحول النبي  صلى الله عليه وسلم  القبلة الى المسجد الحرام  تنفيذا لامر الله تعالى  وكان هذا التغيير لحكمة عظيمة  وحل  لمحنة  للناس من  المسلمين والكافرين  فاما  المسلمون فقالوا:

 ( آمنا  به كل من عند ربنا ) ال عمران \6
 وهم  الذين هداهم الله للايمان .

 اما المشركون  فقد قالوا:
( ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ) البقرة\142

   اما المنافقون  فقالوا: ان كانت القبلة  الاولى  حقا  فقد تركها فلماذا  عاد اليها  واما اذا كانت الثانية  هي الحق فانه كان على باطل  وهكذا كان الخلاف  بين المسلمين  وبين اليهود والمشركين  .

       وعلى كل حال فقد عادت  الكعبة  البيت الحرام  قبلة   المسلمين وهو مارغب به المسلمون  وارتاحوا له  وعلى راسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم  فهم يتوجهون اليها في صلاتهم   لئلا يكون للناس حجة  عليهم  اتماما  لنعم الله تعالى  عليهم   ولعلهم  يزدادون هداية   وايمانا  الذين امرهم الله تعالى  بذكره وشكره  ولا يتم الا بهما  والا ستعانة  بالصبر والصلاة  لانه تعالى مع  الصابرين   .
   



******************************




















       
            شذرات من السيرة النبوية المعطرة

18

                         بسم الله الرحن الرحيم

الحمد لله:

        ذكرت في الشذرة السابعة  عشرة  ان القبلة   تحولت الى الكعبة المشرفة  في شعبان من السنة الثانية للهجرة مما احدث امورا كثيرة منها ايجاد محنة في الناس وقد اختلفت رؤاهم حول هذا التغيير كل حسب رايه ومعتقده . منها ارتداد بعض المنافقين و بتحريض من اليهود وقيامهم ببث الفرقة بين المسلمين واشعال نار الفتنة بينهم هذا خزرجي وهذا اوسي بالنسبة للانصار وهذا مهاجر وهذا  انصاري وفي اي مجال  يرتأؤونه   يخدمهم  في عداوتهم للاسلام  وموقف الكفار الشديد من المسلمين .

 وفي خضم هذه الاحداث اذن  للمسلمين    بالقتال وخاصة الذين يقاتلونهم فانزل الله تعالى في القران الكريم :

 ( اذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير )
ثم انزلت  الكريمة  :
( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلو نكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين )   البقرة\ 190

      وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع اصحابه في الحرب ان لا يفروا وربما تصل المبايعة حد المبايعة على الموت في سبيل الله في القتال بعدما  بايعوه على الاسلام وبايعهم على التوحيد والتزام طاعة الله ورسوله كما بايع نفرا من المسلمين ان لا يسألوا الناس شيئا  فكان اذا سقط   سوط  احدهم من يده وهو راكب على فرسه ينزل ليأخذه ولا يسال احدا ان يعطيه اياه حيث  علمهم الاعتماد  على النفس وعلى عزتها  وابائها

         وفي  هذه الظروف الصعبة التي  تحيط  بالمسلمين اذن الله تعالى بقتال قريش باعتبارهم يقاتلون المسلمين كما ورد في الاية الكريمة  اعلاه وبهذا  يمكن ان  نقول ان مشركي قريش  كانوا   يحاربون المسلمين لأنهم بدءوا بالعدوان عليهم فيحق للمسلمين قتالهم او اذن لهم  به  وفي  ضوء  ذلك  اعتبر كل  من تمالأ مع قريش من المشركين من غيرها عدوا للمسلمين  او تفرد بالاعتداء على المسلمين وجب قتاله سواءا من قريش او من غيرها. ويدخل في هذا الامر كل من خان او تحيز للمشركين من اليهود او النصارى ونكث  العهود   التي ابرمت  مع  رسول الله صلى الله عليه وسلم .

       ثم شرع قتال كل من بدء بالعدوان على المسلمين او قا تلهم مع  وجوب  الكف  عن  قتال  من  دخل في  الاسلام من المشركين والكفار واليهود والنصارى ويكون قد حفظ نفسه وماله فلا يتعرض لنفسه وماله الا بحق الاسلام وحسابه على ربه قال تعالى :

 ( وقاتلوا الشركين كافة كما يقاتلونكم كافة)

      فما ان اذن بالقتال حتى تحرك النبي صلى الله عليه وسلم حتى اخذ يرتب جند ه والدوريات اخذ يجعل لكل دورية آمرا من اصحابه وربما يخرج بنفسه صلى الله عليه وسلم لاستكشاف حركات المشركين والكفار وتأ مين حماية المدينة المنورة  واطرافها وتسمى هذه الدوريات ( السرايا)  .

       كانت اول سرية بعثها النبي صلى الله عليه وسلم بامرة عمه الحمزة بن عبد المطلب وتتكون من ثلاثين رجلا اتجهت نحو سيف البحر الاحمر من جهة العيص ( سيف البحر: بكسر السين _ تعني ساحل البحر ) فاعترضت قافلة لقريش قادمة من الشام يقودها ابو جهل  ومعها  ثلاثمائة  رجل  وكاد  القتال  يبد ء  بينهما  لولا  ان   تداركها مجدي بن عمرو الجهني فذهب كل منهم الى سبيله وكانت هذه اول عمل عسكري في الاسلام حمل لواءها ابو مرثد كناز بن حصين الغنوي وكان لون لواء الاسلام  المحمول ابيضا .

ثم ارسلت سرية اخرى بقيادة عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب في شوال من نفس السنة وفيها ستين رجلا من المهاجرين وفي رواية اخرى سبعين رجلا في  موقع  في ( بطن رابغ )  فوقع  التراشق بالسهام بينه وبين جماعة من قريش عددهم مائتي رجل عليهم ابو سفيان  وكا ن  سعد  بن  ابي  وقاص  او ل من رمى  بسهم فيهذه الموقعة  في سبيل الله .

         ثم ارسلت  سرية اخرى في ذي القعدة  في عشرين رجلا من المهاجرين بقيادة سعد بن ابي وقاص الى منطقة  ( الخرار )القريبة من( رابغ) وعهد عليه النبي صلى الله عليه وسلم ان لا يتجاوز الخرار  مهمتهم اعتراض عيرا  لقريش فخرجوا سيرا على اقدامهم فكانوا يسيرون ليلا ويتخفون نهارا فلم تظفر باحد من المشركين حيث ان العير كانت  قد سبقتهم بيوم واحد الى الشام .

       وفي صفر من السنة الثانية للهجرة خرج النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه لاول مرة في سبعين رجلا من المهاجرين قاصدا منطقة ( الابواء) او (ودان) وهذه اول غزوة غزاها النبي صلى الله عليه في الاسلام وسلم في سبيل الله فلم يلق احدا وهناك عقد عهدا للامان والمناصرة  مع  عمرو بن  مخشي  الضمري  حيث وادعهم على ان لا يغزوهم ولا يغزونه ولا يعينوا احدا عليه . ثم خرج في مائتين من المهاجرين في الشهر التالي ربيع الاول الى منطقة( رضوى ) فلم يجد احدا ايضا .

     وفي هذا الشهر هجم على  مراعي المدينة  \  كرز بن جابر الفهري فساق بعض الاغنام والمواشي في طريقه فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في سبعين رجلا من المهاجرين الى منطقة (سفوان ) من جهة بدر الا انه لم يظفر به  وقد سميت هذه الغارة بغزوة بدر الاولى .

    وفي جمادي الاولى من السنة الثانية للهجرة خرج النبي صلى الله عليه وسلم في ماءتي رجل من المهاجرين وثلاثين بعيرا الى منطقة( ذي العشيرة ) لاعتراض عيرا لقريش تقصد الشام الا ان القافلة كانت قد مرت قبل ايام  ولم  يلحقوا  بها  وقيل هي نفس العير التي  اعترضوا طريقها  يوم بدر الكبرى عند رجوعها من الشام فمر النبي صلى الله عليه وسلم ب(بني مدلج ) وعقد معهم عهدا بعدم العدوان فيما بينهم .

        اما في رجب - وهو من الاشهر الحرم- من السنة الثانية للهجرة فقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش الاسدي الى منطقة ( نخلة ) ما بين الطائف  ومكة في اثني عشر رجلا من المهاجرين للاستطلاع  ويأتونه باخبار عير قريش وكان المهاجرون كل اثنين على بعير وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم  قد كتب له  كتابا وامره ان لا ينظر فيه حتى يكون على مسيرة يومين  من  المدينة . فلما  مضت  المدة  وفتح الكتاب  وجد فيه :

( اذا نظرت كتابي هذا فأمض حتى تنزل بنخلة بين مكة والطائف فترصد قريشا وتعلم  لنا اخبارها )

      فاخبر اصحابه  بذلك  فلما كان في الطريق اضل سعد بن ابي وقاص وعتبة بن غزوان  بعيرهما   فتخلفا في طلبه ثم مضوا حتى وصلوا ( نخلة ) فمرت بهم  عيرلقريش تحمل زبيبا وتجارة  لعمرو بن الحضرمي  فقتلوه  واسروا   نوفل   وعثمان  ابني عبد الله بن المغير ة والحكم بن كيسان  مولى بني المغيرة  وكانوا في اخر يوم من شهر رجب الاصم ( وهو من الاشهرالحرم )
فقال المسلمون :

- ان قاتلناهم انتهكنا حرمة الشهرالحرام وان تركناهم الليلة سيدخلون الحرم .

       وتشاوروا بينهم ثم اجمعوا على قتالهم فقاتلوهم فهجموا على العير وساقوها الى النبي صلى الله عليه وسلم حيث اسروا رجلين وقتلوا  واحدا وقيل  ثلاثة  . مما ادى الى غضب النبي   صلى الله عليه  وسلم  فاطلق  الاسرين  و دفع  دية المقتول لقريش . فاثار المشركون  ضجة  بين العرب مفادها  أن المسلمين انتهكوا حرمة الاشهر الحرم وخرجوا عن الحدود  المتعارف عليها وان  محمدا  قد احل حرمة الاشهر الحرم فانزل الله تعالى:

 ( يسالونك عن الشهرالحرام قتال فيه . قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله  وكفر به. والمسجد الحرام واخراج  اهله  منه اكبر عند الله . والفتنة اكبرمن القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم ان استطاعوا . ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت  وهو  كافر فاؤلئك حبطت اعمالهم في الدنيا والاخرة واؤلئك اصحاب النار هم فيها خالدون *) البقرة \ 217

       وبهذا اصبحت مشروعية القتال في الاشهرالحرم اذا ما حورب فيها المسلمون او انتهكت بعض محارمهم .  وقد دون أبو بكر الصديق  غزوة هذه السرية بشعر نورد منها :

  تدعون قتلاً في الحرام عظيمة    
                               وأعظم منه لو يرى الرشد راشد

   صدودكـم عما  يقول  محمـد    
                                  وكفـر بـه  والله  راءِ  وشاهـد

واخراجكم من مسجد الله اهله    
                                لئلا يرى لله في البيـت ساجـد


        ومن هنا يتبين ان هذه الغزوات كانت اغلبها تهدف لحفظ المدينة  من الاعداء . ولايصال صوت المسلمين وقوتهم الى قريش لعلها  تهدأ  وتقف عن التعالي  والاستكبار على المسلمين الا انها استمرت في شرورها  ونظرتها الى المسلمين .

      ومن خلال نشاة النبي صلى الله عليه وسلم نجد  ان نشاته لم تكن عسكرية   بينما نجده في واقع  الامر وفي  المجتمع المدني قائدا عسكريا  فذا  يحسن القيادة  ويدير امور الحرب كاحذق قائد عسكري في التخطيط  للحرب  وفي الهجوم  والدفاع  وسائر المهارات الحربية والمواقف القتالية وهي صفة مستديمة ثابتة في شخصيته المدنية والعسكرية قال الله تعالى :

( واذ غدوت  من اهلك  تبؤء  المؤمنين  مقاعد  للقتال والله سميع عليم *)    ال عمران\121

       فهذه الحالة لا تنشأ عن تعليم احد او تفهيمه لفنون القتال انما تكون  متأصلة في الشخصية  القتالية   فشخصية  الرسول الكريم صلى الله عليه  وسلم  العسكرية  تنصرف الى القضاء على العدو بكل سلاحه  ومتاعه  ودحره  دحرا  شديدا  خاصة  وان  المحارب القادم لا يمتلك  سلاح  العقيدة  والفكر المقاتل لاجله وهذه هي العقلية الاسلامية بقيادتها التي لا تتسامح في القتال .

          وهذا ما ظهر جليا من خلال الغزوات السالف ذكرها او في المعارك الكبرى حتى حدثت بعد ذلك ومنها معركة بدر والتي تعتبر اولى المعارك في الاسلام .





       *********  *****************      











          شذرات من السيرة النبوية المعطرة

                            19

                     بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله:

          معركة  بدر  تعد  اول معركة  فاصلة في الاسلام   كانت  بقيادة  الرسول  الكريم  محمد صلى الله عليه وسلم  واسبابها  تتلخص  بخروج  النبي صلى الله عليه وسلم  في شهر جمادي الاخرة  من السنة الثانية للهجرة  للتصدي لعير  لقريش  وهي قاصدة الشام يقودها  ابو سفيان وبعد وصولهم الى منطقة( ذي العشيرة) القريبة من بدر  كانت  العير قد تعدت ولم يلحقوا بها . فرجع النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة  مع  رجاله  وعزم  على ارسال رجلين  لمتابعة العير وترقبها  في عودتها عند الخروج من الشام قافلة الى  مكة  فلما وصلت العير منطقة( الحوراء) جنوب الشام  راجعة اسرعا الى المدينة واخبرا  رسول الله صلى الله عليه وسلم  فندب  النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين لاعتراض العير فهيأ لها  ثلاثمائة  وثلاثة عشر او اربعة عشر  رجلا.

        وفي رواية اخرى ثلاثمائة وسبعة عشر رجلا   منهم مائة وسبعون  من  المهاجرين  ومائة   وسبعة  واربعون  من الانصار منهم  ستة  وثمانين من الخزرج  وواحد وستون  من الاوس  ولم  يكن معهم  الخيل  الا فرسين احداهما  للزبير بن العوام  والاخرى للمقداد  بن الاسود  وكان  معهم سبعون  بعيرا فكان  كل اثنين او ثلاثة على بعيرواحد . واستخلف على المدينة المنورة عبد الله بن مكتوم  فلما  وصلو ا الى  منطقة (الروحاء)  اعاد النبي صلى الله عليه وسلم  ابا لبابة بن عبد المنذر الى المدينة واستعمله عليها  بدلا من  عبد  الله بن  مكتوم .  ثم  عقد  اللواء الى مصعب بن عمير  وعقد  راية  المهاجرين  الى علي  بن ابي طالب و راية  الانصار الى سعد بن معاذ  ولما وصلوا  الى  منطقة ( الصفراء) بعث  بسبس  بن عمرو وعدي بن ابي الزغباء يتحسسان اخبار القافلة القرشية الاتية من الشام .

      خرج النبي صلى الله عليه وسلم قاصدا موضع (بدر)  على  بعد مائة وخمسين  كم  تقريبا  جنوب غرب المدينة حيث  تحيط بهذا المكان جبال عالية  مكان  محصن  لا يوجد فيه الا  ثلاثة منافذ   وهذه المنافذ هي( العدوة الدنيا)  في الشمال( والعدوة  القصوى)
 في الجنوب  ومنفذ  في الشرق قريبا من  منفذ اخر  يدخل منه اهل المدينة اليه  وكان طريق القوافل  الرئيسي  بين مكة  والشام يمر عبر داخل هذا المحيط   وكان فيها  مساكن  ونخيل و آبار  تنزل عندها القوافل  لغرض المشرب  والمأكل  لفترات مختلفة  .  فسلك النبي صلى الله عليه وسلم طريقا اخر غير  الطريق الموصل الى بدر  ثم  تأخر  في التقدم الى  جهة بدر  والسبب في ذلك  لكي لا يعلم  من  في  العير القادمة  بخروج المسلمين   لعلهم  ينزلون  ببدر فيرتاحون   ويريحون  ابلهم .  وكانت العير  القادمة  من الشام  لقريش  في الف  بعير  محملة  باموال  وامتعة و  مواد  تجارية  مختلفة  وعليها  ابو سفيان بن  حرب  ومعه  اربعين رجلا  وكان  ابو سفيان  متيقظا  وحذرا  .

     بلّغ ابو سفيان  بخروج النبي  صلى الله عليه وسلم للتصدي للقافلة وكان على مقربة من  بدر  فعرج  فيها الى طريق اخر باتجاه الغرب  بناحية  البحر بعيدا عن  بدر وبعث الى مكة  ضمضم بن عمرو الغفاري  يستصرخ قريش  بالنفير الى عيرهم لحمايتها ودفاعا عن اموالهم  من ان تسلب   فهبوا مستصرخين مسرعين حفاظا على اموالهم  ولم يتخلف من اشرافهم الا ابو لهب  فانه استأجر رجلا  مكانه  اخر  وحشدوا  معهم  كل القبائل التي مروا عليها  ولم يتخلف من بطون قريش الا  بني عدي.

 بلغ  النبي صلى الله عليه وسلم  بخروج قريش فاستشار  اصحابه فتكلم المهاجرون فاحسنوا   ثم استشارهم  فقال  :
 - (اشيروا علي ايها المسلمون )
 قاصدا بذلك الانصار  فقال سعد بن معاذ:
-        ( كانك يارسول الله – وكان يعنيهم بالامر لانهم بايعوه – وكانك تخشى  ان تكون  الانصار  ترى عليهم ان لا ينصرونك  الا في ديارهم  واني اقول عن الانصار واجيب عنهم  فامض  بنا  حيث  شئت  وصل منا  من شئت  واقطع  حبل  من  شئت  وخذ  من  اموالنا  ما  شئت واعطنا منها ماشئت  وما اخذت منها كان احب الينا مما تركت  فوالله لئن سرت بنا حتى تبلغ البرك في غمدان لنسير معك  ووالله لئن استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك  )

         ثم تقدم الى بدر فوصلها في نفس الليلة التي وصل لها المشركون من قريش  فنزل في داخل موقع بدر قريبا من( العدوة الدنيا)  قال تعالى يخاطب المؤمنين :

(  اذ انتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى  والركب اسفل منكم  ولو تواعدتم  لاختلفتم في الميعاد  ولكن  ليقضي الله امر كان مفعولا)  الانفال\42
 فاشار عليه الحباب بن المنذر ان يتقدم فينزل  على مقربة  من الماء لكي يتمكن المسلمون  من صنع حياض يجمعون فيها الماء لانفسهم ويغورون الابار  فلا يبقى  للعدو ماء  يشربه  ففعل ذلك صلى الله عليه وسلم  ثم بنى له المسلمون عريشا يكون مقرا لقيادته وعينوا عليه حراسا من الانصار تحت امرة  سعد بن معاذ.

          ثم  تقدم  النبي  القائد   صلى الله
 عليه  وسلم  ليعبئ  جيشه وليتجول في ميدان القتال  وهو يشير  بيده الكريمة  فيقول:
-        هذا مصرع فلا ن وهذا مصرع فلان وغدا انشاء الله
-         
ثم بات  ليلته يصلي الى جذع  شجرة  بينما بات المسلمون مستريحين تغمرهم الثقة بالنصر  وكانت ليلة غائمة  نزل فيها المطر وقد وصف الله تعالى المسلمين بقوله تعالى:
 (   اذ يغشيكم   النعاس   امنة   منه   وينزل عليكم  من السماء  ماءا ليطهركم به ويذهب عنكم رجز  الشيطان  وليربط على قلوبكم  ويثبت به الاقدام *)  الانفال \11

   وفي  صباح هذا اليوم الجمعة السابع عشر من رمضان المبارك
 من السنة  الثانية للهجرة  ترآاى الجمعان  فلما راى النبي قريشا وجيشهم رفع يديه وعينيه الى السماء داعيا  (  اللهم هذه قريش  قد اقبلت  بخيلائها وفخرها  تحاك وتكذب  رسولك . اللهم  فنصرك الذي وعدتني . اللهم احنهم الغداة ) ثم عدل صفوف  الجند وامرهم ان لا يبدؤا القتال حتى  يأتيهم  الامر  وقال:
-        (   اذا اكثبوكم  فارموهم  واستبقوا    نبلكم  ولا  تسلوا السيوف حتى  يغشوكم   )
     ثم رجع الى العريش  يرافقه ابو بكرالصديق فابتهل الى الله تعالى ودعاه:
 ( االلهم ان تهلك هذه العصابة اليوم لاتعبد  ابدا  اللهم ان شئت لم تعبد اليوم ابدا)
   وبالغ في التضرع الدعاء والتوسل بربه حتى سقط رداءه عن منكبيه فرده ابو بكر  الصديق  وقال له :
-         حسبك يارسول  الله الححت على ربك كثيرا ابشر فوالذي  نفسي بيده لينجزن الله ما وعدك.

         واستنصر المسلمون الله واستغاثوه فاوحى الله الى الملائكة ما نزلت به  الاية المباركة :
 (  اذ يوحي ربك الى الملائكة اني معكم  فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الاعناق واضربوا منهم كل بنان *)- الانفال \ 12
واوحى الى النبي صلى الله عليه وسلم:
 (  اذ تستغيثون  ربكم  فاستجاب لكم اني ممدكم  بالف من الملائكة مردفين*)  الانفال \ 9
   ثم اقبلت قريش في كتائبها وجيوشها  فقلل الله تعالى المسلمين في اعين القرشيين  وقلل  القرشيين في اعين المسلمين   لامر الله  تعالى اعلم به .
        وفي  الايات  السابقة  حالة جديدة من القتال علّمها الله تعالى  لملائكته وللمسلمين  وهي الضرب بالسيف فوق الاعناق اي على الراس  وضربة الراس  مميتة  حتما ( واضربوا  منهم  كل  بنان ) واضربوهم على اصابع  ايديهم  فانها  سهلة  القطع  ومن قطعت اصابعه  لا يستطيع ان يفعل شيئا ولا  يستطيع المقاتلة  فيكون حاله كمن قتل  او يكون اعزلا . فهذان  موضعان  في الانسان  مهمان جدا  فاذا ضرب العدو على راسه فانه يموت  وينتهي منه واذا ضرب على اصابع يديه فقطت بنانه اصبح في عداد الموتى  في حالة  القتال السوقي  للمعارك

 وكذلك  الاية  الاتية :
( يا ايها الذين امنوا  اذا لقيتم الذين كفروا زحفا  فلا  تولوهم الادبار * ومن يولهم  يومئذ دبره- الا  متحرفا لقتال او متحيزا الى فئة – فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم  وبئس المصير *)
 الانفال 15و  16   
    ويبين  الله  تعالى  حالة المقاتلين اثناء الحرب فاذا تم الزحف والتقى المؤمنون بالكافرين  وحمي الوطيس فلا  يمكن  لاحد  من المؤمنين  ان  يتراجع الى الخلف ابدا  ا لا  في  حالتين اثنتين   وهما  حالتا استثناء :
  الاولى: اذا  وجد  ان  موقعه  غير ملائم  وانه  سيكون  في  موضع افضل في القتال السوقي .

 والثانية:  او يتراجع لينحاز الى جماعة  تحتاجه  اثناء القتال –

    وحرم الله تعالى الادبار في غير هذين الامرين على المؤمنين  معتبرا  من رجع الى الخلف او ادبر  او ادار ظهره في المعركة فان الله  تعالى سيغضب عليه ويكون حكمه  بحكم  الكافر  فمصيره الى النار وبئس المصير. لانه نوع من التخاذل وهذا من  فنون الحرب ايضا علمها القران الكريم  الى النبي في ساحة القتال فابلغها النبي صلى الله عليه وسلم الى المسلمين   .    
         ثم عدل  الحبيب المصطفى الجند وتهيؤوا للقتال.

         اما المشركون فقد تراصوا  واستفتح  بالكلام او الدعاء ابو جهل فقال:
( اللهم اقطعنا  للرحم وآتانا بما لا نمعرفه فاحنه الغداة  .
   الله اينا كان احب اليك وارضى عندك فانصره اليوم ).

            لا ثم تقدم الجيشان للمبارزة  فخرج ثلاثة فرسان من قريش هم  شيبة وعتبة اولاد  ربيعة  والوليد بن عتبة  وخرج من المسلمين ثلاثةايضا من الانصار فصاح المشركون :
-        نريد ابناء عمومتنا .

        فخرج لهم الحمزة بن عبد المطلب  وابن اخيه علي بن ابي طالب وكان حدثا  و عبيدة بن الحارث  فقتل علي الوليد بن عتبة   وقتل حمزة شيبة   وتقارع عبيدة  وعتبة  القتال  فالتقت ضرباتهما واثخن كل واحد منهما الاخر   فكرّ علي وحمزة على  عتبة  فقتلا ه  ثم  اخذا  عبيدة  بعد ان حملاه  مجروحا  وقد قطعت  رجله  فمات  فيها بعد ان رجع الى المدينة بثلاثة او اربعة ايام.

            فلما راى المشركون هذا الموقف استشاطوا غضبا وهجموا على  المسلمين هجمة رجل واحد   والنبي في عريشه  فغفى اغفاءة قليلة ثم رفع راسه قائلا :
( ابشر ابا بكر اتاك نصر الله  .هذا جبريل آخذ بعنوان فرسه يقوده على ثناياه النقع )  اي على  ارجله الغبار  وكان الله تعالى  امد المسلمين  بالف من الملائكة مردفين  كما  نزلت الاية المباركة الوارد ذكرها  اعلاه في ذلك . ثم تقدم  النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول:
 ( سيهزم الجمع ويولون الدبر )
 واخذ  حفنة من  تراب الارض ورمى بها في وجوه المشركين وهو  يردد:
-        شاهت الوجوه ... . شاهت الوجوه ......
 وكانت هذه  الحفنة من التراب قد اصابت كل  المقاتلين من المشركين في عيونهم وانوفهم وفيها يقول الله تعالى:
 ( فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم  وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى* ) الانفال \18
  ثم امر النبي صلى الله عليه وسلم  المسلمين بالهجوم على المشركين  فراح المسلمون اليهم مسرعين بكل قوة  وعزيمة ونشاط  وقد ازدادوا وحماسا  ونشاطا  ان بينهم  رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرضهم على القتال   فاخذوا  يقلبون الصفوف  ويقطعون الاعناق والبنان كما علمهم الله تعالى  فنون  القتال  اضافة الى  وجود الملائكة  بينهم تقاتل معهم  واستمرالقتال ساعات  حتى انهزمت قريش  ولاذت بالفرار من هول المعركة  وكثرة ما قطع من  روؤس المشركين  فلحقهم المسلمون يطاردونهم فيقتلون  او يؤسرون من لحقوا به .

         وكان سعد بن معاذ واقفا عند رسول الله  صلى الله عليه وسلم  في رجال من الانصار في العريش فراى  النبي الكراهية في وجه سعد  فقال
 له :(  كانك  تكره ما يصنع الناس)؟
 فقال سعد : اجل يارسول الله  كانت اول وقعة  او قعها الله في الشركين وكان الاثخان في القتل احب الي من استبقاء الرجال.
  ولما بردت  الحرب قال النبي صلى الله عليه وسلم:
- ( من ينظر لنا  ما صنع  ابو جهل ؟)
 وكان ابو جهل يتخفى في جماعة من المقاتلة المشركين  تشكل سيوفهم ورماحهم  سياجا  عليه  لئلا يقتله المسلمون  وكان بجانب  عبد الرحمن بن عوف  فارسان  من الانصار  بعمرالشباب هما  معاذ  ومعوذ ابنا عفراء   فقال له  احدهما  :
 ياعم   ارني  ابا جهل
فقال له: وما تصنع  به؟؟
 قال له: اخبرت انه  كان يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم  فوالذي نفسي بيده لئن رأيته  لايفا رق سوادي  سواده حتى يموت الاعجل منا

        فلما كثرت هزيمة قريش وبان ابو جهل  دلاهما عليه عبد الرحمن  فابتدراه بسيفيهما  فضرباه ضربة رجل واحد  فكان ان قطعت رجله واثخناه حتى سقط   وبه  رمق حي   فذهب  الشابان الى رسول الله صلى  الله عليه وسلا سيفيهما وكل واحد منهما يقول :
- انا الذي قتلته
 فراي النبي سيفيهما  فقال لهما :( كل منكما قتله ).
  فاعطى النبي سلب ابي جهل  الى معاذ  بعد انتهاء المعركة حيث   استشهد معوذ   في هذه  المعركة  وبقي  معاذ حيا  حتى خلافة  عثمان  بن عفان .
 
       وفي رواية اخرى فلما انتهت المعركة اخذ المسلمون يبحثون عن ابي جهل بين القتلى  فوجده عبد الله بن مسعود لا يزال حيا في رمقه الاخير   فاخذ بلحيته ليحتز راسه وهو يقول له :
-        اخزاك الله ياعدو  الله .
فقال ابو جهل : اخبرني لمن الغلبة ؟؟
فقال عبد الله :  لله ورسوله.
فقال ابو جهل : ارتقيت مرتقى صعبا  يا رويعي الغنم .
 ثم احتز راسه وجاء به الى النبي صلى الله عليه وسلم  فكبر  النبي صلى الله عليه وسلم  وقال :
( الله اكبر  الله اكبر  الحمد لله الذي صدق وعده  ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده).
 ثم قال:( هذا فرعون هذه الامة ).


         ثم اخذ النبي صلى الله عليه وسلم يتفحص القتلى  فوقف عليهم وهو يقول:
    ( بئس عشير ة النبي كنتم  كذبتموني  وصدقني الناس وخذلتموني ونصرني الناس واخرجتموني وآواني الناس)
 ثم امر بسحبهم فسحبوا  حتى  ألقي بهم في  بئر يسمى قليب  فوقف عليهم فقال لهم :
( ياعتبة بن ربيعة وياشيبة بن ربيعة ويافلان بن فلان ويافلا ن  هل وجدتم ما وعدكم  ربكم حقا  فاني وجدت ما وعدني ربي حقا )
 فقال له عمر بن الخطاب :
-        يارسول الله  ما تخاطب من اقوام قد جيفوا؟؟
فقال  رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما انت بأسمع لما اقول منهم)  .
       وهذا يدلل ان الميت يسمع من يتحدث معه او يتكلم معه و انه  يعرف من يتكلم معه  لكنه لا  طاقة  له  على الرد حيث  سلبها  الموت منه .

        وسميت هذه المعركة بمعركة بدرالكبرى وسمي اليوم الذي حدثت فيه بيوم الفرقان قال تعالى:

 (  وما انزلنا على عبدنا يوم الفرقان  يوم التقى الجمعان ))
الانفال \41
وهو يوم الجمعة السابع عشر من شهر رمضا ن المبارك.


           استشهد  في هذه المعركة  من المسلمين  اربعة عشر شهيدا   ثمانية من   الانصار وستة من  المهاجرين  وقد   دفنوا  في ساحة بدر ومقابرهم  لاتزال معروفة ومعرفة  ببعض الحجارة وقد وقفت عليهم في رمضان من هذا العام 1434 هجرية  عند  ذهابي  لاداء العمرة  واهديت لهم  ثواب سورة الفاتحة  طيب الله تعالى ثراهم  فنعم الشهداء شهداء بدر.

        اما قتلى المشركين  فقد قتل منهم سبعون  رجلا معظمهم  من صناديد قريش  وشجعانهم وسحبت وقذفت في قليب  وهو بئر خبيث مخبث  في  بدر واسر منهم سبعون رجلا  .

 وفي رواية اخرى ان النبي صلى الله عليه وسلم  اقام  ببد ر ثلاثة ايام فلما  استعد للرجوع جاء الى  القليب ووقف على  شفته ونادى  القتلى باسمائهم واسماء ابائهم :
( يافلان بن فلان  ويافلان بن فلان  ايسركم انكم اطعتم الله ورسوله ؟؟ فانا وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا ؟)
 فقال له عمر  يارسول الله ما تكلم من اجساد لا ارواح لها؟؟
 فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما انتم بأسمع لما اقول منهم لكن لا يجيبون.

  عاد النبي صلى الله عليه وسلم وجنده الى المدينةالمنورة  منصورا قرير العين ومعه الغنائم والاسرى   فلما وصل قريبا من ( الصفراء ) انزل الله تعالى حكم  الغنيمة :
 (  واعلموا انما غنمتم  من شيء  فان خمسه لله   وللرسول   ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ان كنتم امنتم  بالله وما انزلنا على عبدنا  يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير *)  الانفال \41
فاخذ  النبي صلى الله عليه وسلم الخمس  وقسم  الاربعة  الاخماس الباقية بين المقاتلين بالتساوي  ثم امر بقتل  النضر بن الحارث  قتله   علي بن ابي طالب  بتوجيه من النبي صلى الله عليه وسلم  ولما  وصل  الى (عرق الظبية ) امر بقتل عقبة بن ابي المعيط   فقتله عاصم  بن ثابت  الانصاري  وفي رواية اخرى قتله علي بن ابي طالب .

          ثم تابع سيره الى المدينة المنورة  فتلقوه رؤوس المسلمين وابناء المدينة  عند ( الروحاء) وهم يهللون ويكبرون  فدخلها منصورا مظفرا فدخل  الى  الاسلام  اناس كثيرون  وقد تظاهر  بدخوله الاسلام عبد الله بن ابي سلول  وزملاؤه من اليهود .

          بعد ان استقر الامر واستراح النبي صلى الله عليه وسلم استشار اصحابه في الاسرى وماذا سيفعل بهم فاشار عليه ابو بكرالصديق باخذ الفدية بينما اشار عليه عمر بن الخطاب بقتلهم . فقرر النبي اخذ الفدية وكانت  فدية الواحد  ثلاثة الاف درهم وقيل اربعة الاف درهم وبعضهم افتدي بالف درهم  وكان من بينهم من يقرا ويكتب   فقرر انبي ان تكون فديته  تعليم عشرة من اولاد   المسلمين القراءة  والكتابة  وبعضهم اطلق سبيلهم من غير فدية .

 وكانت بنت النبي صلى الله عليه وسلم ( زينب ) قد ارسلت بمال فيه قلادة لها لفداء زوجها  الاسير ابي العاص. وكانت هذه القلادة عند امها خديجة بنت خويلد رضي الله عنهما  قد اهدتها الى ابنتها يوم زفافها الى  ابي العاص فلما رآها النبي تاثر كثيرا ورق لها  فاستاذن  اصحابه  في اطلاق سراحه من غير فدية  فاطلقه  بعد ان  اشترط عليه ان  يخلي سبيل  زينب ابو العاص  فلما وصل الى مكة اخلى  سبيلها  فجاءت الى المدينة مهاجرة .

       واود ان اذكر حالة اخرى لها مساس  في معركة بدر وهي  ابنة النبي  صلى الله عليه وسلم( رقية) زوجة (عثمان بن عفان )فقد كانت مريضة في اثناء المعركة فامره النبي صلى الله عليه وسلم ان يتخلف عن القتال في المعركة  لتمريضها ومعه اسامة بن زيد ايضا  وله اجر من  حضر  للقتال في بدر ونصيبه من الغنائم  الا انها توفيت قبل  رجوع النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة  فقال اسامة بن زيد:
- اتانا الخير – اي  بشارة النصر  - حين  دفنا( رقية) بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وساوينا عليها التراب . فلما استقر النبي صلى الله عليه وسلم بعد عودته من معركة بدر  زوج عثمان  بن عفان ابنته الثانية (ام كلثوم)   وبذلك سمي عثمان  ( ذي النورين ).

         ان انكسار  المشركين  في موقعة بدر وهزيمة قريش فيها  وصدى  انتصارالمسلمين هز الدنيا   فقد كبت الله تعالى  الكافرين  والمشركين  واخزاهم  ونصر الاسلام   واعزه .  فلما  وصلت   فلول قريش  منكسرة  مهزومة  الى مكة  حتى نهو ا  الناس  عن البكاء  والنحيب  والنياحة  على القتلى لئلا  يشمت  المسلمون  بهم  وقيل  كان للاسود بن  عبد المطلب  ثلاثة قتلى في هذه المعركة  فكان  قلبه  يتصفد  قيحا  والما  وحسرة  ويهم  بالبكاء والنياح عليهم  فسمع صوت نائحة  في  الليل   فبعث من  يستكشف الخبر  فقيل له  انها امراة اضاعت بعيرها فهي تبكيه . فبكى  وهو يقول :

 اتبكي ان يضل لها بعير
                             ويمنعها  من النوم السهود

فلا تبكي على بكر ولكن
                           على   بدر  تقاصرت الجدود 
 


 ***************************** 







          شذرات من السير ة النبوية المعطرة

                               20

                     بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله :

              بعد ان تم النصر المؤزر للمسلمين  في  معركة  بدر  وخسر الكافرون  والمشركون ويئس المنافقون  وماتت احلامهم  اخذوا يدبرون المكائد والحيل لكي ينمتقموا من المسلمين  الا ان الله رد مكائدهم الى نحورهم وكان النصر  للمؤمنين  ابدا:
 ( ان الله يدافع عن  الذين  آ منوا  ان الله لايحب كل  خوان كفور*)  الحج\37
         ففي  محرم الحرام  من السنة  الثالثة للهجرة  المباركة  تجمع بنو  سليم  وتحشدوا  لغزو المدينة المنورة  بعد  اسبوع  من  عودة  المسلمين  من  معركة  بدر  فعلم  بذلك  المسلمون  فقرر النبي  صلى الله عليه وسلم  ان  يداهموهم  في  منازلهم  وقبل خروجهم  منها  لغزو المدينة  المنور ة  فداهموهم في عقر دارهم وانتصروا عليهم  وكسبوا غنائم كثيرة  منهم .

        وفي  جمادي الاخرة من السنة الثالثة للهجرة المباركة   سمع النبي  صلى الله عليه وسلم بان قافلة تجارية   ارسلتها قريش الى الشام   عن طريق  نجد  فالعراق ثم الشام  يقودها صفوان بن امية   فارسل النبي صلى الله عليه وسلم  مائة فارس بقيادة زيد بن حارثة   فاعترضها   زيد  ورجاله  وهي  تنزل  في ماء  بنجد  تسمى( قردة )   وداهمهم  ففر رجال  القافلة  واستولى المسلمون على القافلة بما فيها  وكانت تحمل اموالا ومود تجارية كثيرة اغتنمها المسلمون  واسر  دليل  القافلة – فرات بن حيان   ثم اعلن اسلامه  وتعتبر هذه  ض   ربة جديدة وموجعة  لقريش  بعد معركة بدر الكبرى .

   اما  يهود المدينة فقد كشف الله امرهم و شرهم  وبانت نواياهم في  العداء  للمسلمين  فارسل اليهم النبي  صلى الله  عليه وسلم  ونصحهم وذكرهم  بالعهد  الذي  قطعوه   له  فقالوا  له :
-        يامحمد  لا يغرنك من  نفسك  انك  قتلت  نفرا من  قريش  كانوا اغمارا  لا يعرفون  القتال  . انك لو قاتلتنا  لعرفت  انا نحن الناس.
      فصبر النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الجواب الذي  يتضمن التهديد  ونقض العهد   مما  جعلهم  يتمادون  في  جرأتهم   فيثورون  في سوق المدينة ويقتلون احد المسلمين  فقتل المسلمون  يهوديا بدله  وهكذا  توترت الامور في المدينة   مما  جعل  رسول الله صلى الله عليه وسلم  ان يحاصرهم  في  يوم  السبت  منتصف شوال  واستمر حصارهم خمسة عشر يوما  مما اضطرهم  للانصياع اليه  في غرة  ذي القعدة  من نفس السنة  فنزلوا على حكمه  وشفع   فيهم  عبد الله  بن ابي  سلول  حيث  الح على النبي صلى الله عليه وسلم  فيهم وكانوا  سبعمائة  رجلا   فاطلقهم  وفك الحصار عنهم   وكانوا  من بني  قينقاع  رهط  الصحابي - عبد الله بن سلام  ثم  اجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة  الى   منطقة اذرعات في الشام  حيث مات اغلبهم هناك  .

      اليهود  كما وصفهم نبيى الله عيسى بن مريم عليه السلام  افضل  وصف  - فهم حيات اولاد الافاعي -وكان هناك شاعر  يهودي   ومن اثريائهم واشرافهم شدد على معاداة المسلمين  هو  كعب بن الاشرف وكان  قد  هجا  النبي  صلى الله عليه وسلم   وشبب بنساء المسلمين  انتقاصا  بهم  ومدح قريش  وحرضهم  على مقاتلة  المسلمين  يوم  بدر  وذهب  الى قريش بعد  معركة  بدر  وحرضهم  على  قتال  المسلمين وانشد في  ذلك اشعارا  واعتبر المشركين والكفار من قريش  اهدى من المسلمين سبيلا   ولم بعتبر  بما  حل  ببني قينقاع  وحصارهم وجلاؤهم عن المدينة  فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم بأمره   اراد ان  يتخلص منه  فقال :
-        من  لكعب بن  الاشرف؟؟
ثم اختار  محمد بن سلمة  اميرا لجماعة  ندبهم لقتله  وهم  :عباد بن بشر  والحارث بن اوس  وابو نائلة و ابو عبس بن جبر  فاستاذنه  محمد بن سلمة ان يقول شيئا  فاذن له .

 جاء محمد بن سلمة الى كعب بن الاشرف  فقا له:
-        ان هذا الرجل – ويقصد به النبي  صلى الله عليه وسلم – قد سألنا صدقة  وانه قد عنانا . يعني جرعنا  العذاب والعناء والمشقة
 ففرح كعب بذلك وقال له :
-        والله لتملنه .
   ثم رجى محمد  كعبا  ان يعطيه طعاما وتمرا  يعيدها اليه بعد مدة   فوافق كعب ان ان يرهن محمد سلاحه عنده  مدة الدين .
 ثم جاء ابو نائلة  فتحاور معه مثل زميله محمد بن سلمة  واخبره ان  معه اصحابا على مثل رأيه  وقال له  انه ساتيه بهم ليبيعهم  مثل  بيعه له  فوافق كعب على ذلك .

       ثم  جاءت الليلة الرابعة عشرة من شهر ربيع الاول من السنة الثالثة للهجرة المباركة  الجماعة المذكورة اعلاه ومعهم السلاح فنادوا على كعب بن الاشرف وهو  في حصنه الحصين  في المدينة وكان قد تزوج حديثا ولا يزال عريسا  فام لينزل لهم فقالت له عروسته :
-        اين تخرج ياكعب  في هذه الساعة اني لاسمع صوتا كانه بقطر الدم منه  ؟؟
  الا انه  لم يعبه بقولها ولم يعره  اية اهمية فنزل لهم . فلما نزل وشاهد السلاح لم يهتم له لانهم   وعدوه به  ليرهنوه عنده  ثم اخذوا يتمشون معه  على ضوء القمر  ليتنزهوا  وكانت   تفوح من  جسده وشعر راسه رائحة العطر  فاستاذنه ابو نائلة  ليشم رائحة راسه  فوافق مزهو ا ثم مسح يده  على راسه  وجعل  يشمم اصحابه  هذه الرائحة  الطيبة  وفعل ذلك ثلاث مرات   وفي المرة الاخيرة   مسكه من راسه وقال لاصحابه :
-        دونكم عدوالله وعدوكم .
 فانهالت عليه السيوف من كل جانب  فقتلوه  فصاح صيحة  منكرة  افزعت الناس في الحصون واوقدت الانوار  في كل  جانب  فوجدوه مقتولا  وكان جماعة المسلمين قد رجعوا  بسلام دون ان يراهم احد  وهكذا اسكتوا  صوتا كان يلعلع  في  ذمهم  وشتمهم  وبمقتله  كمنت  اصوات هذه الافاعي اليهودية  فترة من الزمن .   
    
  بعد  انكسار ابي سفيان  قائد المشركين في معركة بدر الكبرى  ورجوعه الى مكة  مع جنده  ومناصريه  يرسفون في ذل  الهوان والخسران  نذر ان لا يمس راسه ماء  نتيجة   جنابة  او غيرها  الا بعد ان  يغزو محمدا  وينتصر عليه  لذا خرج  ليغزو المدينة  ووصل منطقة ( العريض)  في ناحية  المدينة  فقطعوا  النخيل  واحرقوها  وقتلوا  رجلين   ورجعوا . فلما علم  النبي  صلى الله عليه  وسلم  بالخبر طاردهم  الا انهم  ولوا هاربين ولم يلحقوا بهم  ولما  وصل السلمون الى ( قرقرة الكدر)  وجدوا الكثير من السويق  والازواد  كان الغزاة  قد رموها تخلصا  منها  لاجل سرعة  الفرار  وسميت هذه المعركة ب( غزوة  قرقرة الكدر)او (غزوة  السو)
   وفي هذا الوقت تآمر عمير بن وهب الجمحي وصفوان بن امية  وعزموا على قتل  رسول الله صلى الله عليه وسلم  غيلة   وقد قصد عمير هذا  المد ينة لتنفيذ   مبتغاه   فالقى  المسلمون  القبض عليه  واحضروه  اما م النبي محمد صلى الله عليه وسلم  فاخبره  بمقصده وصاحبه وما تآمرا عليه .

          ومما  تقدم  يتبين ان المسلمين  من  يوم  الهجرة  النبوية  الى هذا اليوم الرابع عشر من ربيع الاول   السنة  الثالثة للهجرة لم يروا الراحة  والسكون وانما  قضوها  في القتال   و المقارعة من حرب الى حرب  ومن قتال  الى قتال   بدءا  من ارسال  اول سرية بقيادة حمزة بن عبد المطلب  في  رمضان  من السنة  الاولى  للهجرة  مرورا بغزوة  الابواء  وغزوة  جبل  بواط  وغزوة  ذي العشيرة  ومعركة  بدر  الكبرى  ثم معركة  قينقاع  ومعركة  السويق  والقردة  وغيرها  من المناوشات الصغيرة   ثم   المعارك  الاخرى  الكثير ة  التي حدثت  بعد هذا اليوم  وكان الجها د  في  سبيل الله  هو الوازع  الاول لهم فمن قتل  منهم  فالجنة  مثواه  قال  تعالى :
 (  ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله  اموات  بل احياء ولكن لا تشعرون*) البقرة \ 154
                               ثم  ناتي الى معركة احد 


               ****************************




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق