الأحد، 12 يناير 2014

كتاب ( شذرات من السيرة النبوية المعطرة ) تاليف- فالح نصيف الحجية القسم الثاني



           القسم الثاني


                  شذرات  من السيرة النبوية المعطرة

                                        

                                               21
 

                            بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله :

          في  شوال  من السنة الثالثة  للهجرة  المباركة  وذلك  ان قريش  لما  خسرت  في معركة  بدر  وقتل  اسيادهم  وشجعانهم  اخذت   تستعد للانتقام من المسلمين  فاصابتها  نكبة اخرى في  غزوة اخرى   ( قردة) فاستشاطوا  غضبا  وازدادوا حقدا .  فاستعدوا لقتال المسلمين والقضاء عليهم  قضاءا مبرما  فجمعوا اكثر من ثلاثة الاف مقاتل  وثلاثة الاف بعير  ومائتي  فرس  وسبعمائة  درع من  قريش   والاحلاف   معهم  والاحابيش  وفيهم الشعراء  يؤلبونهم ويحمون  ا نفسهم  للقتال  صا ر الجمع  نحو المدينة  المنورة  وترأس القيادة  ابو سفيان  بن امية بن  حرب  وحامل  لواء  قريش احد ابطال بني عبد الدار فنزل  في  ميدان  فسيح  قرب  ماء  قريبا  من   عينين  و جبل احد  .

          علم  النبي  صلى الله  عليه وسلم  بالخبر  قبل  اسبوع  و  كان  رأي  رسول  الله صلى الله عليه  وسلم ان لا  يخرج المسلمون    اليهم  فاذا  دخلوا  المدينة  هجم  المسلمون  عليهم  فقاتلوهم  رجالا  ونساءا  وصبيانا  من فوق البيوت- فوافقه  عبد الله  بن  سلول  راس المنافقين على ذلك  وحسن له  هذا الراي  فقال النبي صلى عليه وسلم :

- امكثوا في المدينة واجعلوا النساء والضراري في الاكام  وهي البيوت المرتفعة  فان دخلوا علينا قاتلناهم في الازقة فنحن اعلم بها منهم ورموا من فوق الصياصي اي من فوق الحصون .

      لكن  النبي  صلى الله عليه  وسلم  استشار  فضلاء   اصحابه  في الخروج اليهم  فاشاروا  عليه بالخروج  واكدوا عليه  ثم  دخل  النبي  صلى الله عليه وسلم - دون ان يعطي  رأيه في ذلك – بيته  فلبس  لأمته  وخرج  اليهم  فقالوا:
-        لقد استكرهنا رسول الله صلى الله عليه  وسلم على الخروج  للقتال.
 ثم قالوا له :  
-        ان احببت  ان تمكث  في المدينة  فافعل .
فقال لهم :
 ( ما ينبغي لنبي اذا لبس لأمته  ان يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه ).

       فخرج  النبي صلى الله عليه وسلم  بعد صلاة  العصر  من يوم  الجمعة  في  السادس  من  شهر  شوال  من  السنة  الثالثة  للهجرة المباركة  لقتال  قريش في الف من اصحابه بعد ان  استعمل عبد الله  بن ام مكتوم على المدينة   وقال لقومه:

 ( عليكم  بتقوى الله  والصبر عند البأس اذا  لقيتم  العدو  وانظروا  ماذا امركم  الله  به  فافعلوا)
  فلما  وصل  الى  منطقة ( الشوط)  وهي ما بين  المدينة  وجبل  احد  تخاذل  عبد الله  بن  ابي  بن سلول راس المنافقين من اليهود   او تظاهر  بالتخاذل  لكي  ينكسر  جيش الملسمين  فرجع  معه  وورجع  معه  ثلاثمائة  من  جيش المسلمين    بعدما  قال  للجند محرضا  اياهم على الرجوع  :
-        علام نقتل انفسنا  هاهنا ايها الناس ؟

        ثم  تبعه  عبد الله بن عمرو  يحرض الناس  على الرجوع  وهو يقول  لهم متهكما :

-( قاتلوا في سبيل الله  او ادفعوا)

فاجابوه:  لو نعلم انكم تقاتلون لم نرجع .
 وكذلك  سرى الاضطراب والضعف في بني سلمة وبني حارثة لولا ان الله  تعالى ثبتهم .
       ثم  اشار جماعة من الانصارعلى  النبي صلى الله عليه وسلم  ان يستعينوا  بحلفائهم  من اليهود  فلم  يوافق   وقال لهم :
-        من يخرج بنا على القوم من كثب ؟

              فخرج  بعض  الانصار حتى  سلك في  بستان  ليهودي اعمى اسمه – مربع بن قيظي – وكان من المنافقين  فقام يصرخ وينثر التراب في  وجوه  المسلمين  ويقول للنبي صلى الله عليه وسلم:
-        لا احل لك ان تدخل في حائطي  ان كنت  رسول الله .
     فحاول المسلمون قتله  فمنعهم النبي صلى الله عليه وسلم قائلا  لهم:
-        لا تقتلوه  فهذا اعمى القلب اعمى البصر.
-         
       ثم  تابع  النبي صلى الله  عليه وسلم السير بالمسلمين  نحو احد فنزل في ( عدوة الوادي الدنيا )  وجعل ظهره نحو الجبل  ونهى الناس عن القتال حتى يأمرهم  به . فلما اصبح  صباح  يوم  السبت  استنهض قومه وتعبؤا للقتال والحرب  وكانوا  سبعمائة  وخمسين  فارسا فاستعمل على  الرماة وهم  خمسون رجلا  عبد الله بن جبير وامرهم  بعدم  مفارقة  موقعهم  ابدا  وامرهم  بنضح  المشركين  بالنبل  لئلا  يأتوا المسلمين  من الخلف .
         ثم اعطى اللواء الى مصعب بن عمير  وجعل الميمنة الى الزبير  بن العوام وعلى الميسرة  المنذر بن عمرو  ثم  تفقد  المقاتلين  فرد من رآه  صغيرا على القتال  فأرجع اسامة بن زيد  وابن عمر  والبراء  وزيد بن الارقم  وزيد بن ثابت  وعرابه  الاوسي . ثم  دفع النبي صلى الله عليه وسلم الى ابي دجانة .

          وفي رواية اخرى ان النبي صلى الله عليه وسلم  قسم جيشه الى ثلاث  كتائب  كتيبة للمهاجرين   وعليها  مصعب بن  عمير  والاخرى للاوس  وحمل  لواءها  اسيد بن حضير  والثالثة  للخزرج  وحمل لواءها الحباب بن المنذر  فلما  وصلوا الى موضع  ( الشيخين )  صلى المغرب والعشاء ثم بات في الموضع  وعين حراسا  لحراسة المعسكر  ثم نهض بالجيش قبل صلاة  الفجر فصلاها  بالجند في موضع (الشوط ).

      اما قريش فكانوا ثلاثة  الاف مقاتل   فعبأ  ابو سفيان  جيشه  فجعل  خالد بن الوليد على الميمنة  وعكرمة بن ابي جهل على الميسرة .
 ثم بدت المبارزة  فاول من خرج من الكافرين  ابو عامر عبد عمرو بن صيفي  وكانوا يسمونه الراهب   وكان في الجاهلية راس الاوس  فلما كان الاسلام  اعلن  العداوة  للمسلمين  وجاهر بها  ثم ذهب الى قريش  يؤلب قلوبهم  على النبي صلى الله عليه وسلم  وعلى المسلمين .

      واخبر قريش ان  بني اوس اذا رأوه  فسيطيعونه  ويخرجون  من معسكر المسلمين  وينحازوا له  الا انه خاب وخسر فقد  نادى بعضهم وتعرف  عليهم  باسمائهم الا انهم  قالوا له:
-        لا انعم الله  بك عينا  ايها الفاسق
 فقال  لقريش  وقال لهم :
   - لقد اصاب  قومي من بعدي الشر

         ثم  تقدم  الجيشان  على  بعضهما  فخرج  طلحة  بن  ابي طلحة  العبدري  حامل  لواء  قريش  ومعه  اشجع فرسان قريش  ودعا للمبارزة  وهو على البعير   فخرج اليه الزبيبر بن العوام   فوثب  عليه  حتى صار معه  على  بعيره  ثم اخذه  معه الى الارض  وذبحه  بسيفه  البتار  فكبر  النبي  صلى الله عليه  وسلم وكبر  المسلمون : الله اكبر...  الله اكبر... 

       وركز المسلمون  هجومهم على حملة  لواء  الكافرين  حتى  قتلوهم  جميعا  وهم احد عشرا  مقاتلا  بحيث  بقيت ا لويتهم  ساقطة على الارض  وقد  حاول  خالد بن الوليد – قبل اسلامه -   ثلاث مرات ليبلغ الى ظهور المسلمين ولكن رشقه الرماة  بسهامهم فلم يفلح .

       ثم قاتل خالد  المسلمين قتالا  شديدا حتى قيل انه رماهم  بالحجارة  ايضا  فانحاز عليه  ابو دجانة  وقاتل  حمزة  بن عبد المطلب  وعلي بن ابي طالب والنضر بن سعد  وسعد بن الربيع  وابلوا بلاءا حسنا  فانهزم  جيش قريش وانتصرالمسلمون  . فلما  شاهد الرماة  هزيمة قريش  تركوا  اماكنهم  وهم   يقولون ( الغنيمة   الغنيمة )  فذكرهم   قائدهم  عبد الله  بن جبير  بامر رسول الله  صلى الله عليه وسلم اليهم   بالا  يتركوا مكانهم فلم يسمعوا له   فنزلوا من سفح  الجبل   وتركوه  خلافا لامر رسول الله صلى الله عليه  وسلم  فلما  راى القرشيون   ذلك  كر  فرسانهم  بقيادة خالد بن الوليد  على المسلمين  منه  وعبؤا جيشهم من جديد  وتقدموا ثانية الى  ساحة القتال  والنساء تحرضهم على القتال  وتشد في ازرهم  يضربن بالدفوف ويثرن  الرجال  ويذكرن الا بطال بواجباتهم قائلات :
 ( ويها بني عبد الدار
  ويها حماة الادبار
 ضربا بكل  بتار )
 واقبلت امراة ابي سفيان هند بنت عتبة  وهي تنشد  :
          
نحن بنات طارق        نمشي على النمارق

الدر في المخانــق        والمسك في المفارق

ان  تقبلوا  نعانق       او تدبروا نفــــــــارق

                             فراق غير وامـق

      ثم شدد المسلمون  الا انه اثناء القتال استشهد حمزة بن عبد المطلب  وقد قتله  برمية حبشية ( وحشي بن حرب) باشارة من  هند بنت عتبة  وقد  وعده مولاه جبير بن مطعم ايضا  ان يعتقه ان قتله  فاختبأ الاسود  خلف  صخرة يرصده  وبينما كان حمزة يهم  بضرب راس سباع بن عرفطة صوب اليه  الوحشي الحربة  فاصاب بها احشائه   فسقط  الى الارض ميتا . رحم الله  الحمزة بن عبد المطلب  اسد الله واسد رسوله  محمد صلى الله عليه وسلم  .                                          

     المسلمون ربحوا  حرب احد  الا  انهم خسروها بسبب طمع الرماة حيث نزل اربعين  منهم  لغرض جمع الغنائم وهذه خلاف  امر القيادة العسكرية – اي خلاف امرالنبي صلى الله عليه وسلم  وبقي عشرة رماة فقط     فلاحظ ذلك  خالد بن الوليد  فانتهز الفرصة فهجم على الرماة  وهم فوق الجبل – وقد سمي  هذا الجبل بعد هذه الحرب( جبل الرماة )  وقتلهم  واستدار  حول الجبل حتى وصل  خلف  المسلمين  وبهذا تكون قريش قد احاطت بالمسلمين  من كل جانب  ورجع  المنهزمون  منهم  الى القتال ورفعت احدى النساء اللواء فالتفوا  حوله من جديد .

        كان  النبي صلى الله عليه وسلم في  المؤخرة  ومعه سبعة مقاتلين يحرسونه  فلما راى  فرسان خالد  تخرج  من خلف  الجبل نادى  اصحابه:
-        هلموا الي عباد الله .
  فسمع  المشركون  صوته فاسرعت فرقة منهم  نحو الصوت وهاجمت النبي صلى الله عليه وسلم   هجوما شديدا وسريعا   لعلهم يقتلونه قبل وصول المسلمين فصاح النبي صلى الله عليه وسلم :
- من يردهم عنا  وله الجنة   وفي رواية اخرى-  هو رفيقي في الجنة
  فقاتلهم رجل من الانصار حتى قتل  وتقدم اخر فقتل  وهكذا حتى قتل السبعة  .  فلم يبق حول النبي صلى الله عليه وسلم الا  اثنان  هما  سعد بن ابي وقاص  وطلحة بن عبيد الله   وشدد الاعداء  هجومهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم  حتى وقع على  جنبه واصيبت رباعيته وجرحت شفته السفلى  وشج راسه وضرب بالسيف على  وجنته  وكان متدرعا بدرعين  فدخلت  زردتان من زرد  الدرع  في وجنته  وضرب اخرى  على عاتقه  وكان سعد بن ابي وقاص يدافع عنه  حتى  فرغت جعبته من السهام  وقاتل طلحة بن عبيد الله حتى  اصيب  بخمسة وتلاثين جرحا وفي رواية اخرى تسعة وثلاثين  جرحا  ثم قطعت اصابعه   فقال:
-        حس
 فقال النبي  صلى الله عليه وسلم :
- لو قلت  بسم الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون .   

        وفي هذه  الساعة  الحرجة  رجع عدد  من المسلمين  للدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم   اشد الدفاع  واول المدافعين كان ابو بكر الصديق  وابو عبيدة الجراح  واول عمل فعلاه داويا النبي صلى الله عليه وسلم  من جراحه  ثم  وصل  علي بن ابي طالب و ابو دجانة  وعمر بن الخطاب   ومصعب بن عمير وكان اللواء  لايزال بيده اليمنى  فضربوه على يده فقطعوها  فاخذه باليسرى فضربوه عليها  فقطعت  ايضا       فبرك عليه  بصدره وعنقه  حتى قتل . قتله  عبد الله بن قميئة  وكان يظن انه النبي صلى الله عليه وسلم  فصاح :
-        ان محمدا قد قتل . 
-         
        فاخذ اللواء علي بن ابي طالب  فداهمه المشركون  فحالوا بينهم وبينه عشرة من المسلمين حتى قتلوا ودافع عنه طلحة بن عبيد الله  وحماه  بظهره ابو دجانة  فكان النبل يقع فيه وهو لايتحرك وهنا اصيب قتادة بن النعمان بعينه  وخرجت من مكانها فجاء بها  الى  النبي صلى الله عليه وسلم يحملها في يده  فردها في موضعها بيده الكريمة فكانت احسن عينيه حتى  وفاته
     
   انتشرالخبر  سريعا بين المشركين  وكان المسلمون قد تفرقوا فمنهم من فر من القتال حتى وصل المدينة ومنهم من لاذ بالمعسكر  ومنهم من قصد موقع النبي صلى الله عليه وسلم  وهم الاغلب  لكن بدون قيادة   بحيث قتل المسلم اخيه المسلم  من حيث لا يعرفه  فلما سمعوا خبر مقتل النبي صلى الله عليه وسلم حتى خارت عزائم  بعضهم  فترك  بعضهم  القتال   فمر انس بن النضر  بقوم من المسلمين  وقد القوا ايديهم  قائلين له بان النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل  ثم استقبل الناس ولقي سعد بن معاذ  فقال له :
-        ياسعد اني لاجد ريح الجنة  من دون احد
   فقاتل  حتى قتل  وقيل وجد فيه سبعون جرحا .
    بينما  تشجع اخرون  واستماتوا في الحرب وهم يقولون :
-        نموت  على ما  مات عليه  رسول الله  صلى الله عليه وسلم
 وهم في هذا الموقف   فراى كعب بن مالك النبي صلى الله عليه وسلم وهو يشق الصفوف  اليهم فعرفه من عينيه  فنادى كعب  باعلى صوته :
-        يامعشرالمسلمين .. ابشروا هذا رسول الله.
 فتجمع المسلمون حوله وبلغ عددهم ثلاثين مقاتلا  فشق  طريق قتال المشركين  ونجح في فك الطوق عن جيشه المحاصر وفشل  الكفار  من ردهم  وبهذا يكون قد فك الحصار عن جنده واخرجهم من دائرة التطويق  وتمكن المسلمون من الشعب  بعد مناوشات تكاد تكون فردية بينهم وبين االاعداء   الا انهم  بقوا في ساحة القتال  يمثلون في اجساد شهداء
 المسلمين بقطع اعضائهم وانوفهم وهنا تقدمت هند بنت عتبة زوجة ابي سفيان  فشقت بطن الحمزة  بن عبد المطلب واخرجت كبده وقطعت باسنانها قطعة منه  ولاكتها  بفمها وقيل  اكلتها  واتخذت من اذان المسلمين  وانوفهم  قلائد  لبستها  .

        وفي هذا الموقف قدم الى ساحة القتال ابيّ بن خلف متغطرسا   ويزعم انه قتل النبي صلى الله عليه وسلم   فما كان من النبي صلى الله عليه  وسلم الا ان  طعنه بحربة اصابت  ترقوته فسقط عن فرسه  وعاد الى قريش  وعند وصوله الى ( سرف) القريبة من مكة  مات .

           ولا يغرب عن البال بان نذكر انه  كان في جيش المسلمين نساء  شاركن الرجال المعركة  فكن اربع  عشرة  امراة  منهن   فاطمة وعائشة وام ايمن  كن  يحملن الطعام والشراب على ظهورهن للمقاتلين و يداوين الجرحى  ومنهن من قاتلت قتالا  شديدا دفاعا عن الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم في ساعةالشدةاو العسرة   وتلك  هي  نسيبة  بنت  كعب  الانصارية من بني النجار  اذ كانت  مع زوجها  واو لادها  كانت  بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم  فلما انهزم المسلمون  اخذت   تقاتل دفاعا عن النبي صلى الله عليه وسلم  فلما اقبل ابن  قمئة  يريد  قتله  اعترضته  فضربها  بن قمئة  على عاتقها ضربة شديدة  بقي اثرها حتى وفاتها  وضربته عدة ضربات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
- لمقام  نسيبة  بنت  كعب اليوم خير من فلان وفلان والتفت  يمينا وشمالا الا وانا اراها تقاتل دوني .

    ومن المفارقات في هذه الحرب ان الاصيرم  وهو عمرو بن ثابت بن وقش من بني عبد الاشهل  كان يابى الاسلام ولم يسلم مع قومه الاوس  حينما  اسلموا   وفي هذا اليوم القى الله تعالى الاسلام في قلبه   للحسنى  التي سبقت منه  فاسلم ثم اخذ سيفه وراح يقاتل دون علم احد  فقاتل حتى آذته الجراح فسقط على الارض فلما انتهت المعركة   طاف بنو الاشهل  يتفقدون  موتاهم  وجرحاهم   فوجدوا الاصيرم  وبه  قليل من رمق  فقالوا :
-        والله  ان هذا الاصيرم  .  
-          ثم سالوه :  ما الذي جاء بك  ؟ احدب على قومك ام رغبة في الاسلام ؟؟
فقال لهم : بل رغبة في الاسلام آمنت بالله وبرسوله  واسلمت  وخرجت جهادا في سبيله
 ثم خرجت روحه  فذكروه  للنبي صلى الله عليه وسلم  فقال:
 انه  من اهل الجنة .
 
         وجاء   القرشيون   بقيادة  ابي سفيان وخالد بن الوليد  وحاولوا صعود  الجبل  فقاتلهم عمربن الخطاب  في جماعة  من المسلمين  وفي رواية اخرى  ان سعد بن ابي  وقاص  قتل  منهم  ثلاثة فرسان   فانهزموا       و بعدها استعدوا للرجوع الى مكة .

      وكان قتلى المسلمين في  هذه المعركة  سبعين رجلا   واحد واربعون من الخزرج واربعة وعشرون من الاوس واربعةمن المهاجرين ويهودي واحد  اما قريش فقتل منهم  اثنين وعشرين وقيل سبعة وثلاثين واختلاف بين الروايات كثير في هذا المجال .
  
  فلما انتهت الحرب  اشرف ابو سفيان  على الجبل  مناديا :
-        افيكم محمد؟؟
 فلم يجبه احد  فنادى ثانية :
-        افيكم بن ابي قحافة ؟؟؟
 فلم يجبه احد  فنادى  الاخرى :
 افيكم عمر بن الخطاب  ؟؟
 فلم يجبه احد  فلم يتمالك عمر بن الخطاب  نفسه حتى صاح فيه :-
-        ياعدو الله  ان هؤلاء الذين ذكرتهم احياء وقد ابقى الله لك معهم ما يسؤك.
 فقال ابو سفيان:
-        اعل هبل .. اعل هبل ..
 فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
-        الا تجيبوه ؟؟
 فقالوا :  مانقول له ..  قال:
-        (قولوا  الله اعلى واجل )
 قال ابو سفيان :
-        لنا العزى  ولا عزى لكم
 فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
-        الا تجيبوه ؟؟؟
 قالوا :  مانقول؟؟
قال النبي صلى الله عليه وسلم
-        قولوا له : (الله مولانا ولا مولى لكم ).
-         ثم جرت مناظرة بينه وبين عمر بن الخطاب :
ثم قال ابو سفيان:
-         انعمت فعال  يوم  بيوم بدر  والحرب سجال
 فقال عمر بن الخطاب :
-        لا سواء . قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار
 فقال ابو سفيان :  انكم لتزعمون ذلك لقد خبنا اذن  وخسرنا
فقال ابو سفيان :  انشدك الله ياعمر اقتلنا محمدا ؟
فقال عمر بن الخطاب : لا وانه ليسمع  كلامك  الان
فقال ابو سفيان : انت  اصدق  عندي من ابن قمئة  وابر  
ثم نادى ابو سفيان وهو  ذاهب: موعدكم  بدر في العام القابل .
 فامرالنبي احد اصحابه ان يرد عليه : نعم هو بيننا وبينك موعد .
 ثم  عاد ابو سفيان الى قومه واخذ الجيش بالر حيل الى مكة  وركب الابل وجعل  الخيل في الجوانب . 

          وقيل  ان الملائكة  جبريل  وميكائيل  قاتلت مع النبي دفاعا عنه يوم احد  فقد جاء في الصحيحين  عن سعد انه قال:
( رايت رسول الله يوم احد ومعه رجلان يقاتلان عليهما ثياب  بيض  كأشد  القتال وما رايتهما  قبل  ولا  بعد )
  وفي  معركة احد نزلت  احدى وستون اية  من القران الكريم اولها   الاية 121 واخرها الاية 180 من سورة ال عمران

  وهكذا انتهت معركة احد  فنزل المسلمون الى ساحة القتال يتفقدون الجرحي ويدفنون الشهداء  ووجدوا حنظلة بن ابي عامر في  ناحية من الارض  يقطر منه الماء فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( ان الملائكة تغسله).

         وقصة هذا الشهيد انه كان عريسا فلما سمع  النداء  للحرب ترك عروسته وذهب الى  ساحة القتال  فقاتل بضراوة حتى قتل  وهو جند ب  فسمي  ( غسيل الملائكة )   وقد امرالنبي صلى الله عليه وسلم  برد الشهداء الذين نقلوا الى المدينة  الى احد  فدفنوا في  مواضعهم   بغير غسل ولا صلاة  فان الشهيد  تغسلته  الملائكة  ودمه غسوله  وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (  انا  شهيد  على  هؤلاء يوم القيامة  ).

        وفي رمضان   من عام  2007 ميلادية   وفي  رمضان من العام الماضي 2011 ميلادية   ايضا زرت- والحمد لله -  جبل احد  وشاهدت مواقع القتال  وجبل الرماة ثم زرت مقبر ة الشهداء وترحمت عليهم كثيرا وتلوت  فيمن   تلى  سورة الفاتحة على  ارواح شهداء بدر  .
 والحمد لله رب العالمين





***************************************




















                 شذرات من السير ة النبوية المعطرة


                                  22

                      بسم الله الرحمن  الرحيم

الحمد لله:

          عاد المتقاتلون كل الى  موقعه الاصلي بعد ان توعّد احدهما الاخر الحرب في العام القادم في (احد) ايضا   فقد رجع القرشيون الى مكة بقيادة ابي سفيان بن حرب  ورجع المسلمون بقيادة النبي محمد صلى الله عليه وسلم  الى المدينة  .
           وعند رجوع النبي  صلى الله عليه وسلم  خرجت  النساء يتلقينه والمسلمين  وقد قتل اقاربهن  او اخوتهن او ازواجهن  فعزاهن  على ذلك ودعا  لهن وجاءت امراة  قد قتل  ابوها وزوجها واخوها تسال عن النبي  صلى الله عليه وسلم  فقيل  لها  انه  بحمد الله وفضله فقالت :
-        اريد ان اراه
 فلما راته قالت له :
-        كل مصيبة بعدك  جلل  . اي كل المصائب تهون  وتصغر.

    عاد المسلمون الى المدينة المنورة يحرسونها ويحرسون النبي محمد ويداوون جراحهم ويستراحون من  اتعابهم في الحرب  فلما اصبح الصباح نادى المسلمين للخروج للقاء الاعداء واشترط   النبي  صلى الله عليه وسلم  ان لا يخرج  الا من شهد القتال في احد  وساروا الى حتى وصلوا الى  منطقة  ( حمراء الاسد) التي تبعد قرابة   ثمانية اميال عن المدينة  وعسكروا فيها  وذلك النبي صلى الله عليه وسلم سمع ان القرشيين يحاولون  الرجوع الى المدينة لمقاتلة المسلمين ويتأسفون  على الفرصة  التي  ذهبت  منهم  وهي الاستمرار  في القتال في احد وقد  نزلوا  في  منطقة  ( الروحاء)  وهي قرابة  خمسة وثلاثين ميلا عن المدينة   وجاء معبد بن ابي معبد الخزاعي الى النبي صلى الله عليه وسلم  في حمراء الاسد يعزيه على  ما اصابه في احد  فاشار اليه النبي بالذهاب الى  ابي سفيان  فيخذله  وقومه  ويخوفهم من المسلمين   فسار  معبد الى  (الروحاء)  فلقي فيها   ابا سفيان وقومه يتاهبون للعودة الى المدينة  فقال لهم :
-        ان محمدا خرج في جمع لم ار مثله  قط   يتحرقون  عليكم تحرقا  فيهم  الحنق  عليكم  شيء  لم ار مثله  قط   ولا ارى ان ترحلوا حتى يطلع اول الجيش من وراء  الاكمة . فصدقوا قوله  فخافوا وخارت قواهم  وانهارت معنوياتهم فاسرعوا بالمسير  قاصدين  مكة  خوف مطاردة  المسلمين لهم .

          بقي  المسلمون  يومين في ( حمراء الاسد)  وفي صبيحة يوم الاربعاء رجعوا  الى  المدينة  قال تعالى:
 ( فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم *) \  174
 و كانت خسارة المسلمين في  احد  قد  منحت من حولهم من الاعداء الفرصة  للنيل منهم  لما لها من تاثير  سيء عليهم .

        ففي صفر  من السنة الرابعة للهجرة  ان  ملاعب الاسنة  او هكذا كنيته وهو ابو البراء  عامر بن عاصم  قدم الى  المدينة  المنورة   فدعاه النبي  صلى الله  عليه وسلم  للاسلام  فرفض   الا انه عاد  بعد عدة ايام  وابدى  رغبته في الاسلام  كذبا  وقال للنبي صلى الله عليه وسلم :
-        ان اهل نجد سيسلمون  معه  ويجيبونه  للاسلام ان بعث  اليهم  من يعلمهم الاسلام  واني  جار لهم اي كافلهم ومتعهد  بهم .
        فبعث النبي صلى الله عليه وسلم  معه الى نجد سبعين  رجلا  من الدعاة ومن قراء القران    لاجل  تعليم من يدخل الاسلام في ارض نجد بكفالة عامربن مالك . فلما وصلوا الى( بئر معونة )  ذهب حرام بن ملحان بكتاب  النبي صلى الله عليه وسلم  الى عامر بن الطفيل   فلم ينظر  فيه وامر رجلا من اتباعه ان يطعن حرام بن ملحان من خلفه  فطعنه فقتله فقال حرام بصوت  عال : فزت ورب الكعبة.

   واستنفر عامر بن الطفيل   بني عامر  فلم يجيبوه   بسبب عهد  جوار بينهم وبين ابي براء  فاضطر لاستنفار  بني  سليم فاجابته بعض بطونها مثل  ذكوان وعصية ورعل  فاحاطوا  بالمسلمين وقتلوهم جميعهم   ولم ينجو منهم غير عمرو بن امية الضمري وكعب بن زيد  فقد جرح زيد في المعركة هذه والتي سميت  معركة ( بئر معونة ) وبقي بين القتلى  فارتث من بينهم فعاش  واما عمرو  فقيل ان المنذر بن عقبة  كان في السرح فشاهد الطييور تحوم على ارض الموقعة   فعرف الامر فتقدم وقاتل  قتالا الابطال  حتى قتل  فلم يبق الا  عمرو   بن امية الضمري فاسروه  فلما  تقدم الى عامر بن طفيل  جز ناصيته  وعرف انه مضري  فاعتقه وقيل انه عتق عن رقبة كانت على امه  لهم .  فرجع الى المدينة  فلما وصل الى  ( القرقرة )  لاحظ في الطريق رجلين من بني كلاب فظن انهما من الاعداء جاءا ليقتلانه فقتلهما وكان هذين الرجلين لهما عهد من رسول الله  صلى الله عليه وسلم فلما وصل المدينة وقص الخبر  علم رسول الله صلى الله عليه وسلم انهما الرجلان اللذان  اعطاهما العهد .

       و منها  في نفس  هذا الشهر من السنة الرابعة للهجرة  قدوم  رجال من( قارة  وعضل  )  القريبتين من المدينة   وذكروا  له ان فيهما  مسلمين  ورجوه ان يرسل معهم من يعلمهم  الاسلام والقرآن  فصد قهم وبعث معهم عشرة من اصحابه  بامرة  عاصم  بن ثابت  فساروا معهم حتى اذا  وصلوا  منطقة  ( الرجيع ) غدروا  بهم  فاحاطوا بهم فقتل منهم سبعة  وبقى ثلاثة  لم يسلموا انفسهم فاعطوهم العهد بالامان  فلما نزلوا اليهم غدروا بهم  ايضا وربطوهم فقال احدهم :
-        هذا ا ول الغدر
 فقتلوه .

        بقي  منهم اثنان مربوطين  هما زيد بن الدثنة و خبيب بن عدي  فذهبوا بهم  الى مكة  فباعوهما . اما زيد بن ا لدثنة   فهو قاتل امية بن محرث  يوم   بدر فاشتراه   ابنه  صفوان  بن  امية   فقتله   في  ابيه
        واما   خبيب بن عدي فقد  قتل الحارث بن عامر بن نوفل في بدر  فاشتراه اخوه وسجنه فترة ثم  خرجوا به الى (التنعيم) وهو  ميقات
اهل مكة .- منطقة احرام لاهل مكة  وفيها مسجد عائشة رضي الله عنها  حاليا ومن  عنده يحرم اهل مكة ومن وجد  فيها   لاجل الحج  والعمرة  وقد احرمنا منها لاداء  عمرة اخرى كوننا قد سكنا في مكة  فاعتمرنا منها  مرة اخرى  -   فطلب ان يمهلوه فترة  وجيزة من الوقت  فصلى ركعتين ثم دعا عليهم وقال :

 ولست ابالي حين اقتل مسلما
                             على اي جنب كان في الله مصرعي

وذلك في ذات الاله وان يشأ
                                  يبارك على اوصال شلو ممزع

 فقال له ابو سفيان :
 ايسرك ان محمدا عندنا  نضرب عنقه وانك لفي اهلك؟
 فقال له:  والله ما يسرني اني في اهلي وان محمدا في مكانه  الذي هو فيه تصيبه  شوكة  فتؤذيه .
 عند ذلك قتله عقبة بن الحارث في دم ابيه .

         حزن النبي صلى الله  عليه  وسلم  حزنا  شديدا على  ما  حدث  في بئر معونة وفي الرجيع  وقيل النبي  صلى الله عليه وسلم  ظل يدعو على القتلة  ثلاثين يوما عند صلاة الفجر

        وفي   شهر ربيع الاول من السنة الرابعة للهجرة  المباركة وقعت غزوة بني النضير  وبنو النضير كانوا من يهود المدينة ويسكنون على مسافة  ميلين منها كانوا قد عقدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم  صلحا مفاده ان يكون بنو النضير على  الحياد لا  له ولا عليه  فلما انتصرالنبي صلى الله عليه وسلم على قريش يو م بدر اظهروا الفرح والابتهاج وقالوا:
         هذا هو النبي الذي قرأنا  نعته  وصفته  في التوراة  ولما  خسر المعركة يوم احد  ارتابوا فيه  ونقضوا العهد الذي كان بينهم  وبينه  وتحالفوا  مع  قريش  لمحاربته ومحاولتهم  اغتياله  فقد تامروا  اخبث مؤامرة  فقد  طلبوا  من النبي صلى الله عليه وسلم ان  يجتمع  بهم في موضع  هم  يسمونه   ويسمعون  منه  القرآن  والاسلام  فاذا  اقتنعوا  فسيسلمون   فوافق النبي صلى الله عليه وسلم  وقرر يهود بني النضير انه اذا خرج النبي صلى الله عليه وسلم  اليهم  فعلى كل رجل ان يحمل خنجرا تحت  ملابسه  فيغتالون النبي صلى الله عليه وسلم   غيلة وبغتة .  فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم  قرر اجلاؤهم عن المدينة  وفي رواية اخرى انه لما رجع عمرو بن امية الضمري واخبر النبي صلى الله عليه وسلم انه قتل  رجلين من بني كلاب وكان النبي صلى الله عليه وسلم  قد اعطاهم العهد  والامان  فخرج النبي صلى الله عليه وسلم قاصدا بني النضير  ليعينوه في دفع دية الرجلين  الذين  قتلهما  الضمري  وحسب العهد والميثاق بينهم  فلما وصل اليهم  اقعدوه  في  تحت  جدار  ينتظر  لحين ما يجلبون   له المعونة  بينما  قرروا فيما بينهم ان يقوم احدهم باخذ حجر  رحى كبير ويلقيه عليه من فوق الجدار  فيقتله   فبعثوا اشقاهم عمرو بن جحاش ليقوم بهذا العمل  فنزل  جبريل عليه السلام  ليخبر  النبي صلى الله عليه وسلم بما اضمروه  فقا م مسرعا  وتوجه الى المدينة فتبعه  اصحابه ثم  اخبرهم بالمؤامرة وقرر اجلاؤهم . فبعث اليهم محمد بن مسلمة   ليخبرهم  بامرالجلاء وخلا ل عشرة ايام من لم يخرج سيقتل   فارسل اليهم عبد الله بن ابي سلول ان لايخرجوا من ديارهم وان معه الفي مقاتل فما عليهم الا ان يدخلو حصونهم وديارهم وان بني قريضة وغطفان  ينصرونهم  فشعوا بالقوة  وامتنعوا  لذا  ذهب النبي  صلى الله عليه وسلم  بجيشه وامرهم بالجلاء عن المدينة والتخلص من شرهم  فابوا  ان يخرجوا  واصروا على حرب  المسلمين  فحاصرهم المسلمون واحد  وعشرين  يوما وقطعوا  نخيلهم فخارت قواهم وضعفوا  فطلبوا الصلح فوافق النبي صلى الله عليه وسلم  على الصلح على شرط جلائهم  من المدينة فوافقوا على  الجلاء   ولكل ثلاثة  بعير واحد ويحملون  كل ما يحتاجونه من متاع وطعام  فتم جلاء اكابرهم واكثرهم الى خيبر  ونزلت طائفة منهم  الحيرة والشام وقد نزلت  فيهم سورة الحشر  .

     وقسم النبي صلى الله عليه وسلم  ارضهم وديارهم  بين المهاجرين  بين  المهاجرين الاولين- وقد وجد عندهم من السلاح  خمسين درعا وخمسين    بيضة  وثلاثمائة  واربعين سيفا -  وتغطية  نفقات   الدولة الاسلامية  وشراء  السلاح   والخيل  والعدة  للحرب  مثل السيوف  والدروع  باعتبار  هذا المال  جاء  فيئا  وليست غنيمة  .

       كان النبي صلى الله عليه وسلم على موعد مع ابي سفيان رئيس قريش في تجديد القتال في احد  كما  بينا ه في الشذرة  الحادية والعشرين   عند انتهاء  معركة احد  . فلما  حل  شهر شعبان  من السنة الرابعة للهجرة المباركة   جهز النبي صلى الله عليه وسلم نفسه  وخرج  الى احد لملاقاة  ابي سفيان  ومشركي قريش  في الف وخمسمائة مقاتل وعشرة افراس واعطى اللواء الى علي  بن ابي طالب  واستخلف  عبد الله بن  رواحة  على   المدينة  ونزلوا ببدر  ينتظرون  قريشا   وقائدها  ابا سفيان بن  حرب .

                اما  ابو سفيان  فقد خرج في الفي  مقاتل  وخمسين فرسا الا انه  قذف  في  قلبه الرعب  منذ خروجه  ولم تكن له  الرغبة  في  الخروج  الا عن موعدة وعدها المسلمين  بملاقاتهم في السنة القادمة عند احد  فنزل  على ( مجنة )   وهي ماء  معروف   يقع  في (  مر الظهران )  وبعد استراحة التفت  الى قريش  وقادتها  وقال :
- والله  ارى   انه لا  يصلحكم  الا  عام  خصب   ترعون   فيه  الشجر وتشربون  اللبن  وهذا عالم  جدب   واني  راجع    فارجعوا
    فرجع  الى مكة  ورجع  معه  القرشيون  وحلفاؤهم  دون  قتال المسلمين .

     اما المسلمون فقد بقوا اياما  ببدر وكان معهم اموالا  فباعوها  بارباح مجزية  ورابحة  عندما  وصلهم  خبر رجوع  ابي  سفيان  وجيشه الى مكة     ثم عادوا الى المدينة المنورة  واستطاع  النبي صلى الله عليه وسلم  من فرض الامن  في المدينة والتفرغ لتامين اقصى الحدود  وتاديب من تحرك للنيل منها او الاعتداء عليها واخر ما  نؤشره  خروجه صلى الله عليه وسلم الى (دومة الجندل)  فبسط الامن والسلام .






**************************************
          


    




                   شذرات  من السيرة النبوية المعطرة

                
                                  23  

                                    بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله:

         اثبتت  الاحداث بعد الهجرة النبوية  ان اليهود كانوا اشد كراهية للنبي محمد   صلى الله عليه وسلم وللمسلمين – وهم  كذلك  في كل وقت وزمان _ من قريش  وخاصة  بعد  اجلائه  بني النضير من المدينة المنورة  كما جاء في الشذرات   السابقة  فاخذوا  يؤلبون  قريش والقبائل العربية  على محاربة المسلمين   فخرج جماعة  منهم وعلى راسهم حيي بن اخطب الى قريش ليحرضوهم على مقاتلة  المسلمين ومحاربة محمد صلى الله عليه وسلم  واصحابه  ثم ذهبوا الى  قبائل اشجع  وسليم  وغطفان  وبني  مرة  وبني  عامر  وبني  فزارة  بل  الى كل من لهم ثأر واستطاعوا  ان يؤلبوا اكبر حشد  للقتال  حيث  بلغ  هذا الحشد من قريش وحدها  ستة  آ لا ف  مقاتل  وعلى راسهم   ابو سفيان  وعدد  كبير ايضا  من  القبائل العربية المذكورة   يفوق عدده عن اربعة  الاف مقاتل   بحيث اصبح  عدد المقاتلين  اكثر من عشرة الاف   مقاتل   قصدوا  المدينة المنورة وتحت راية  ابي   سفيان  وعند  وصولهم الى المدينة  اجتمع رؤساء  القبائل  في  رئاسة  قيادة  الحرب  واتفقوا ان يكون لكل زعيم يوم على التوالي .

     ولما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم  واصحابه  هالهم ما سمعوا من ائتلاف  هؤلاء  الالوف المؤلفة  من  جند  وابل  وخيل  وعدة  وذخيرة  وميرة قال تعالى :
( اذ جاؤوكم من فوقكم ومن اسفل منكم  واذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا * هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا*) الاحزاب\10و11

       فشاور اصحابه في  القتال وما ذا يفعلون  فاشار  سلمان الفارسي بحفر خندق  كبير  حول المدينة  لما   له  من خبرة في امورالحرب عندما كان  في فارس  .

             فامر النبي صلى الله عليه وسلم  بحفر الخندق  واشترك   في  عمليات الحفر  وكان الجو  باردا قارصا  فلما راى النبي بهم شدة الجوع والتعب  ارجز :

  اللهم  لا عيش الا عيش الاخرة
                                         فاغفر    للانصار    والمهاجرة

 فاجابوه  وقد ذهب   عنهم التعب الذي احسوه  فيهم  :

 نحن الذين بايعوا  محمدا
                                               على الجهاد ما بيقينا ابدا

         بينما تباطأ اليهود والمنافقين  وقد ا تم المسلمون  حفر الخندق بستة ايام  وقد تم اخلاء البيوت القريبة  من الخندق .
      ولما  وصلت  قريش وحلفاؤها  الى المدينة  تفاجؤوا  بالخندق ولم يعهدوا  بمثله في حروبهم   وكان عائقا  كبيرا  ورأوا ان لا سبيل الى اجتيازه  فعسكروا خلفه  وخرج النبي صلى الله عليه وسلم  في ثلاثة الاف مقاتل من المسلمين  وجعلوا ظهورهم الى ( سلع )  فاقاموا  فيها  معسكرهم  وبينهم وبين الاعداء   الخندق وتبادل الفريقان الترامي  بالنبال  لعدة ايام .

     كان الجو  قارصا شديد البرد  وكانت الحلفاء تتوقع انها ستحارب فترة قصيرة  فيقضون على المسلمين  ويعودون  بينما خيب  امالهم  الخندق
 وتوقع  حيي بن  اخطب  ان هذه الفرصة  في القتال ستفلت منه ومن جماعته اليهود  فقصد  كعب بن اسد   سيد بني قريظة  وذّكرهم بما فعله محمد وجماعته  باليهود  وما سيفعله بهم اذا لم تنجح هذه الاحزاب بالقضاء على  المسلمين وطلب منه ان ينقض عهده مع المسلمين  ويقطع المير ة  و المدد عن  المسلمين  ويفتح الطريق  للاحزاب  فتحركت اليهودية في نفسيته  فوافق على ذلك  ونقض المعاهدة  وتبرء من العهد بينه  بين النبي محمد  صلى الله عليه وسلم  .

    علم النبي صلى الله عليه وسلم  والمسلمين  انحياز بني قريظة  الى الاحزاب ففزعوا  وارسل النبي صلى الله عليه وسلم  وفدا منهم  سعد بن معاذ سيد الاوس  فاخذ اليهود يخوضون في امرالنبي صلى الله عليه وسلم   فقال له كعب :
-        من رسول الله ؟؟؟  لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد .
 وتشاءم الفريقان  وعاد سعد بن معاذ مغضبا .

       عاد حيي  بن اخطب الى الاحزاب واخبرهم بانضمام  بني قريضة لهم على ان يمهلوهم عشرة ايام  ليعدوا انفسهم للحرب والقتال  فالفت الاحزاب ثلاث كتائب فكانت الاولى بقيادة  ابن الاعور السلمي وموقعها من فوق الوادي من جهة الشرق والثانية  بقيادة عيينة بن حصن الفزاري من اسفل الوادي من جهة الغرب  واقام ابو سفيان على كتيبته اما م الخندق .

       اشتد  فزع المسلمون من ذلك وزلزلوا  زلزالا شديدا  فقد جاءهم العدو من كل  مكان من  فوقهم ومن اسفل منهم  وظن اهل المدينة الظنون  واظهر المنافقون ما كانوا يضمرونه  من الكيد والحقد للمسلمين فقال احدهم :
-        كان محمد يعدنا  على كنوز  قيصر وكسرى  بينما  لا يامن احدنا على نفسه ان يخرج فيتبرز
 وقال اخر للنبي صلى الله عليه وسلم  علانية  امام  قومه  :
-        ان بيوتنا عورة  معرضة لهجمات  الا عداء  فاذن لنا ان نرجع الى دورنا ندافع عنها.  وقال الله تعالى:
  (  واذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله الا غرورا * وقالت طائفة منهم يااهل يثرب لامقام لكم فارجعوا ويسئذن  فريق منهم  النبي يقولون ان بيوتنا لعورة وما هي بعورة ان يريدون الا  فرارا* ولو دخلت عليهم من اقطارها ثم سئلوا الفتنة لآتوها وما تلبثوا بها الا يسيرا* ولقد كانوا عاهدوا الله  من قبل لا يولون الادبار وكان عهد الله  مسؤولا * قل  لن  ينفعكم الفرار ان فررتم  من الموت او القتل واذا  لا تمتعون  الا قليلا *) الاحزاب \ 12- 16

          وهكذا خارت قواهم ومعنوياتهم  وسمت  معنويات  الاعداء من الاحزاب قال الله تعالى:
 (  ولما راى المؤمنون الاحزاب قالوا هذا وا وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم الا ايما نا وتسليما *)
  الاحزاب \23
حتى اندفع   الاحزاب  فقصدوا مكانا  ضيقا من الخندق فاجتازوه بخيلهم   ومنهم عمرو بن  ود العامري هذا الرجل البطل  الذي كان يعده العرب  بالف فارس  وعكرمة  بن ابي جهل حتى صاروا  بين الخندق و(سلع) فخرج من بين صفوف المسلمين علي بن ابي طالب  كرم الله وجهه  فبارز عمرو بن  عبد  ود  العامري  فقتله  فلما  قتل ولى  من  معه هاربين .

 اما النبي صلى الله عليه وسلم فقد راى ان  يلجأ الى  اسلوب  المخادعة  - والحرب خدعة – فقال  لنعيم بن مسعود:
-        (انما  انت  رجل  واحد  فينا  من  غطفان  فخذّل  عنا  القوم  ان استطعت) .
         فخرج  نعيم  بن  مسعود  حتى  اتي بني قريظة – وكان  نديمهم  في الجاهلية  ولم  يعلموا  انه اسلم بعد -  فذكرهم  بما  بينه وبينهم  من محبة  ومودة  ثم  قال  لهم :
-  انكم  ظاهرتم  قريشا  وغطفان على محمد  وربما  لا تطيق قريش وغطفان  المقام  طويلا  فيرتحلان  عنكم فتواجهون  محمدا وحدكم  ولا قبل  لكم  به  فينكل بكم  فانصح لكم الا  تقاتلون  حتى تاخذوا من قريش وغطفان رهنا من اشرافهم   يكونون عندكم .
      فاقتنع  بنو  قريظة  بهذا الراي  بما اشار  به  عليهم نعيم بن مسعود ثم  ذهب  نعيم  الى قريش  فقال لهم :
-        قد عرفتم محبتي وودي لكم  وانكاري دين محمد وقد علمت امرا رأيت  ان اقوله لكم  نصيحة لكم  فاسمعوه واكتموه عني .
 فقالوا نفعل ذلك.
فقال لهم :  ان  بني  قريظة  قد ندموا على  نكث عهدهم  مع محمد  وانهم يعملون على ا سترضائه الان    وانهم  راؤا ان  ياخذوا  من اشراف قريش عندهم  رهينة  فيقدموهم  الى محمد  فيضرب اعناقهم  فاذا  بعث  بنو قريظة  يطلبون  منكم  رجالا رهنا  منكم   فلا  تبعثوا اليهم احدا  فانهم  سيقدمونهم  الى محمد فيقتلهم .
 ثم ذهب الى غطفان فقال لهم :
-        يا معشر غطفان انتم اهلي وعشيرتي  واحب الناس الي  ولا  اظن انكم  تكذبوني  بما  اقوله لكم :
-        قالوا نعم  صدقت.
-         قال  فاكتموا عني .
        ثم قال لهم مثل ما قال لقريش  وحذرهم  من بني قريظة  شديدا  ورجاهم  ان لا  يبعثوا  رجا لا منهم اليهم رهنا فانهم  سيسلمونهم الى محمد  فيقتلهم  .

     ثم ارسل  ابو سفيان  وبعض  قادة غطفان الى  الى  كعب  سيد بني قريظة  من يقول  له  انهم  طالت  اقامتهم  وحصارهم   ورايهم ان يفاجئي  بنو قريظة المسلمين في غد  الحرب  وهم  من ورائهم   فرجع الرجال الى ابي سفيان   فقالوا  له :
-        ان  كعبا يقول ان  غدا السبت  ولا  نقاتل  في السبت  ولسنا  نقاتل حتى  تعطونا  رهنا  من اشرافكم  يكونون  بين  ايدينا .
        فظنت  قريش  وغطفان ان ما قاله لهم  نعيم  صحيحا وانه على حق في نصحه لهم .

       فلما  جن الليل  هبت  ريح عاصف  وهطل  مطر غزير  مع  برق ورعد  شديد  فتقوضت الخيام   وانقلبت القدور وتبعثرت ا لاموال  فاخذ  القرشيين  الرعب  و قيل ان الملائكة  كبرت في   جوانب  المقاتلين من قريش وغطفان  قائلين : الله اكبر ... الله الكبر .. الله اكبر .. باصوات شديدة ومرتفعة   فتزلزلو ا   زلزالا  شديدا  فظنوا   ان  المسلمين  قد هجموا عليهم فما كان من ابي سفيان الا ان نادى في قومه :
-        الرحيل  ... الرحيل...

           اضطر الاعداء  الى  الهزيمة ليلا  وحملوا ما استطاعوا حمله من متاع  وتركوا ما لا يستطيعون حمله  . وتبعهم  بقية الاحزاب  فلما اصبح الصباح  لن يكن احد  موجودا في  مكان المعركة  الا  المتاع الذي لم يقدروا عل ى حمله   فتعجب المسلمون  من  ذلك اذ انهم لم يجدوا من الاحزاب احدا . وهكذا نصرالله دينه  فقال تعالى :

 (و رد الله الذين كفروا  بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا*)  

     اخذ النبي صلى الله عليه وسلم  بعد رحيل الاحزاب وخذلانهم من الله تعالى  يفكر في امر بني قريظة  ونقضهم العهد   . فلما اضحى النهار امر مؤذن يؤذن في المسلمين :
-        من كان سميعا  مطيعا فلا يصلين العصر الا ببني  قريظة.

         نفر المسلمون  للقتال سريعا  رغم ما اصابهم  من نصب  وتعب  في هذه المعركة  في  حفر الخندق  وطول حصار  الاحزاب لهم   فحاصر المسلمون حصون بني قريظة  خمسا وعشرين ليلة  يتارمون  بينهم بالنبال  فلما  احس  بنو قريظة   بالجهد والتعب  ولم  يجرؤ منهم على  الخروج  وايقنوا  ان حصونهم  لم تنفعهم  ولا تجديهم  نفعا  مع طول الحصار تشاوروا  بينهم   فتشفعوا  بالاوس  حلفاؤهم القدامى  فسار جماعة من الاوس الى النبي صلى الله عليه وسلم  قائلين له :
-        يارسول الله  بني قريظه  حلفاؤنا  فاطلقهم  كما اطلقت  بني قينقاع حلفاء الخزرج  
 فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم :
-        ( الا  ترضون ان يحكم  فيهم رجل منكم  ؟؟ )
فقالوا:  بلى يارسول الله .
فقال لهم صلى الله عليه وسلم  :
 ( فقولوا لليهود فليختاروا من شاؤوا منكم  فليحكم في ذلك).

      اختاراليهود سعد بن معاذ  رئيس الاوس   ونسوا ان سعدا هو الذي فاوضهم في عدم نقضهم  العهد  فاغلظوا له  وخاضوا ماخاضوا في حق النبي صلى الله عليه وسلم  وسبهم  للمسلمين  امامه  . وكان سعد في المدينة بسبب  جرح اصيب به في غزوة الاحزاب فلما جاؤوا به  راكبا حمارا  فلما قرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
 -( قوموا الى  سيدكم )
 فاحاطوا بسعد من جانبيه يقولون:
-        ياسعد احسن في مواليك .
 وهو ساكت  لا  يجيبهم فلما اكثروا في ذلك قال :
-        لقد ان لسعد ان لا تاخذه  في الله لومة لائم.

          فاخذ  سعد بن معاذ ا لعهد والميثاق  من بني قريظة  انهم يقبلوا بحكمه  وينزلون عنده   عند ذلك امر سعد  بني قريظة ان ينزلوا من حصونهم  ويلقوا سلاحهم  ففعلوا . ثم حكم عليهم بان تقتل رجالهم وتسبى نساؤهم وذراريهم  وتقسم اموالهم.

          فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم  والمسلمون الى المدينة حبسوا رجال  بني  قريظة  في  بعض دور الانصار  ثم  حفرت  لهم خنادق ثم  قتل  يهود   بني  قريظة  ودفنوا  في الخنادق   وفرق  النبي  صلى الله عليه  وسلم اموالهم  ونساءهم واولادهم  بين المسلمين .  بعد ان اخرج خمسها  كونها  غنائم حرب  وفي رواية اخرى ارسلت السبايا الى نجد  فبيعت وتم شراء السلاح بهذه المبالغ واصطفى  النبي صلى الله عليه وسلم( ريحانة  بنت زيد) فيقال انه تسرى بها ويقال انه اعتقها  ثم تزوجها وقد توفيت بع حجة الوداع .

         قال تعالى :
    ( وانزل الله الذين  ظاهروهم من اهل الكتاب من صياصيهم وقذف  
في قلوبهم  الرعب  فريقا  تقتلون  وتأسرون  فريقا  وأورثكم ارضهم  وديارهم  واموالهم  وارضا   لم  تطؤوها  وكان الله على كل شيء  قديرا *) الاحزاب \ 27
       


      *************************************










                شذرات من  السيرة النبوية المعطرة

                                 24   

                       بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله :

        في شعبان من السنة الخامسة  للهجرة المباركة اخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن رئيس بني المصطلق الحارث بن أبي ضرار الخزاعي   سار في قومه  ومن  استطاع ان يجمعه معه  من العرب - وبني المصطلق وهم  بطن  من خزاعة - يرومون  حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث  بُرَيْدَة  بن الحصيب  الأسلمي  للتحقق من  الخبر، فلما وصل اليهم  ولقي الحارث بن أبي ضرار الخزاعي  وكلمه ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  فأخبره  بصحة  الخبر‏ وفي رواية ابن اسحاق في السنة السادسة للهجرة .

        ‏فندب  النبي  صلى الله عليه  وسلم الصحابة، وأسرع في الخروج  وكان  خروجه   في الثاني من شعبان، وخرج معه  جماعة من المنافقين لم يخرجوا من قبل معه في معركة  وكان  معه  ثلاثون  من الخيل عشرة للمهاجرين  وعشرون للأنصار. ، وخرجت معه  زوجتاه عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما.

      استعمل على المدينة زيد بن حارثة، وقيل‏:‏ أبا ذرالغفاري  وقيل‏:‏ نُمَيْلَة بن عبد الله الليثي، وكان الحارث بن أبي ضرار قد وجه شخصا  منهم   ليأتيه  بخير المسلمين  فما كان من المسلمين الا  ان القوا القبض عليه  وقتلوه .

            فلما بلغ الحارث بن أبي ضرار ومن معه  مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم  وقتل  المسلمين  الشخص  الذي ارسله  للا ستطلاع  خافوا خوفاً  شديداً وتفرق عنهم  من كان معهم من العرب  ووصل رسول الله صلى الله عليه وسلم  إلى (المُرَيْسِيع) ـ  وهو ماء  لبني  خزاعة  يقع  في   ناحية  ( قُدَيْد) القريبة من  الساحل ـ  فتهيأوا  للقتال‏.‏ وَصَفَّ النبي  صلى الله عليه وسلم  أصحابه،  و دفع  راية المهاجرين الى  أبي بكر الصديق   وراية الأنصار الى  سعد بن عبادة .

      ترامى  المتقاتلون  بالنبل  ساعة  ثم  أمر النبي صلى الله عليه وسلم  بالقتال  فحمل المسلمون  حملة  رجل  واحد  وما هي الا ساعة  من نهار حتى كان النصر للمسلمين  فانهزم المشركون وقتل منهم  من قتل وسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم  النساء  والذراري   والنعم و المتاع   وقيل   لم  يستشهد  من المسلمين إلا رجل واحد  قتله عبادة بن الصامت  رجل من الأنصار خطأ ظاناً  أنه من العدو وهو هشام بن صبابة . 
‏.‏
        وفي  رواية اخرى لم يجر بينهم  قتال  انما اغارالنبي صلى الله عليه   وسلم  عليهم  في ( المريسيع)  فلم  يقا وموا  فسبى  ذراريهم  ونساءهم  وغنم  اموالهم .

       وكان من جملة السبي: جُوَيرية بنت الحارث بن أبي ضرار رئيس بني المصطلق، وكانت  زوجة  لمسافع بن صفوان  وقد قتل في هذه الغزوة  وكان اسمها ( برة)  فسماها رسول الله  صلى الله عليه وسلم  
 ( جُويرية) .

        وعن عائشة قالت: لما  قسم رسول الله  سبايا بني المصطلق وقعت (جويرية بنت الحارث) في السهم ( لثابت بن قيس بن شماس) أو لابن عم له  فكاتبته على نفسها وكانت امرأة  حلوة  مُلاّحة  لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه، فأتت رسول الله  تستعينه في كتابتها
 و قالت عائشة:
- فوالله ما هو إلا أن رأيتها  فكرهتها  وقلت:
- يرى  منها  ما  قد  رأيت.
 فلما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم  قالت:
- يا رسول الله أنا( جويرية بنت الحارث) سيد قومه وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك وقد كاتبت على نفسي فأعني على كتابتي.

 فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
-        (  أو خير من ذلك أؤدي عنك  كتابتك  وأتزوجك).
   فقالت: نعم

        ففعل رسول الله  فبلغ الناس أنه  تزوجها  فقيل أصهار لقومها  رسول الله  فأرسلوا ما كان في أيديهم من بني المصطلق واخلوا سبيلهم  فقد أعتق بها مائة من أهل بيت بني المصطلق  فكانت  امرأة  مباركة   ولا  توجد امرأة  أعظم  بركة  منها  على قومها  ولما  تزوجها رسول الله  حجبها  وقَسم  لها  وكانت   حين تزوجها رسول الله  عمرها  عشرين سنة  وتوفيت في السنة الخمسين  للهجرة  وهي في الخامسة  والستين    وبسبب  زواجها  هدى الله  أكثر  بني  المصطلق للإسلام  ثم أسلم الحارث  بن  ضرار  الخزاعي  رئيس بني خزاعة   و في هذا  الزواج  نلمس  حكمة  بالغة  من حكم  الحبيب  المصطفى محمد  صلى الله عليه وسلم .

      وفي هذه المعركة  حدثت حادثة (الافك)  ومفادها  ان النبي صلى الله عليه وسلم  كان  يصحب احدى زوجاته  معه  للمعركة – اي معركة -  وعن طريق القرعة بينهم فكان في هذه القرعة نصيب  زوجته  عائشة بنت ابي بكرالصديق رضي الله عنهما

        وملخص هذه الحادثة كما رواها الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما عن كلام  أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-
 انها قالت:

   ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  إذا أراد   سفراً أقرع بين أزواجه، فأيّهن  خرج  سهمها خرج  بها رسول الله صلى الله عليه وسلم  معه
 قالت عائشة:

    -  فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه  وسلم  بعد  ما أنزل  الحجاب  فكنت  أُحمل في هودجي وأنزل فيه فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك  وقفل   ودنونا  من المدينة  قافلين  و آذن ليل ا بالرحيل  فقمت حين آذنوا  بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش   فلما  قضيت شأني أقبلت إلى  رَحلي، فلمست صدري فإذا عقد لي  قد  انقطع، فرجعت فالتمست عقدي  فحبسني  ابتغاؤه.

       وقالت: وأقبل  الرهط  الذين  كانوا  يرحلون لي،  فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب عليه، وهم يحسبون أني فيه وكان النساء إذ ذاك  خفافاً  لم  يَهْبلن، ولم يغشهنّ  اللحم إنما يأكلن العلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم خفة الهودج  حين  رفعوه  وحملوه وكنت جارية حديثة السنّ. فبعثوا الجمل فساروا . ووجدت عقدي  بعدما  استمر  الجيش.   فجئت منازلهم وليس بها  منهم  داع   ولا مجيب   فيممت  منـزلي  الذي  كنت  فيه،  وظننت أنهم  سيفقدوني  فيرجعون إليّ. فبينا  أنا جالسة  في  منـزلي  غلبتني عيني  فنمت  وكان  صفوان  بن  المعطل السلمي  الذكواني  من وراء الجيش. فأدلج  فأصبح عند منـزلي فرأى سواد إنسان  نائم  فعرفني حين  قد  رآني وكان قد رآني قبل الحجاب فقال  ( لا حول  ولا  قوة   الا  بالله  العلي  العظيم)  فاستيقظت  باسترجاعه  حين عرفني  فخمرت  وجهي   بجلبابي   ووالله   ما  كلمني  كلمة   ولا سمعت منه  كلمة غير استرجاعه وَهَوَى حتى  أناخ راحلته، فوطيء على يديها، فقمت إليها  فركبتها  فانطلق  يقود  بي  الراحلة حتى  أتينا  الجيش موغرين  في نحر  الظهيرة  وهم  نزول.

و قالت: فهلك من هلك، وكان الذي تولى  كبر الإفك عبد الله بن أبيّ بن سلول
  وقال عروة:   أُخْبِرْتُ أنه  كان  يشاع  ويتحدث  به  عنده   فيقره  ويستمعه  ويستوشيه.

 وقال عروة أيضا ً: لم يُسَمّ من أهل الإفك إلاّ حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة  وحمنة بنت جحش، في ناس آخرين لا علم لي بهم غير أنهم عصبة كما قال الله تعالى وإن كِبْرَ ذلك يقال له عبد الله بن أبيّ بن سلول.
 قال عروة: كانت عائشة تكره  أن يسب عندها حسان وتقول:
 إنه الذي قال:

          فإن أبي ووالده وعرضي
                                                لعرض محمد منكم وقاء

قالت عائشة -رضي الله عنها-: فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمت شهراً، والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك، لا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي إنما يدخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول: ((كيف تيكم؟)). ثم   ينصرف  فذاك الذي يريبني  ولا  أشعر بالشر حتى خرجت  بعدما  نقَهت،   فخرجت  معي أم   مسطح  قبل   ( المناصع ) - وهو متبرزنا - وكنا  لا نخرج إلاّ ليلاً وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريباً من بيوتنا فكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا- فانطلقت أنا وأم مسطح -وهي ابنة أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق  وابنها   مسطح  بن أثاثة  بن عباد بن المطلب- فأقبلت أنا وأم مسطح قبل بيتي حين فرغنا من شأننا، فعثرت أم مسطح  في  مرطها  فقالت:
- تعس مسطح .........
 فقلت لها: بئس ما قلت!  أتسبين رجلاً شهد بدراً؟
فقالت: أي هنتاه ولم تسمعي ما قال؟
قلت: وما قال؟
      فأخبرتني بقول أهل الإفك،
 فقالت: فازددت مرضاً على مرضي، فلما رجعت إلى بيتي ودخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم  فسلم ثم قال: (كيف تيكم؟).
 فقلت له: أتأذن لي أن آتي  أبويِّ؟
قالت: وأنا حينئذٍ أريد أن أستيقن الخبر من قِبلهما،
قالت: فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أبويّ فقلت لأمي:
-  يا أمتاه، ماذا يتحدث الناس؟
 قالت: يا بنية هوني عليك فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا كثرّن عليها
 قالت: فقلت: سبحان الله، أو لقد تحدث الناس بهذا؟
 قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم حتى أصبحت أبكي.
    فدعا رسول الله صلى الله عليه  وسلم  علي بن أبي طالب وأسامة  بن  زيد حين استلبث الوحي، يسألهما ويستشيرهما في فراق أهله
 قالت: فأما أسامة فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم لهم في نفسه من الودّ،
 فقال: يا رسول الله أهلك ولا نعلم إلا خيراً.
 وأما علي  فقال:   - يا رسول الله لم يضيّق الله عليك والنساء سواها كثير وإن تسأل الجارية تصدقك
 قالت: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة
 فقال: (أي بريرة، هل رأيت من شيء يريبك)
 قالت له بريرة: لا والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها أمراً قط غير أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها، فتأتي الداجن فتأكله.
 قالت: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه فاستعذر من عبد الله بن أبيّ بن سلول  وهو على المنبر، فقال: ( يا معشر المسلمين، من  يعذرني من رجل قد  بلغني عنه أذاه  في أهل  بيتي، فوالله  ما علمت على أهلي إلا خيراً ولقد ذكروا  رجلاً ما علمت عليه  إلا خيراً  و  ما كان يدخل على أهلي إلا معي).
قالت: فقام سعد بن معاذ أخو بني عبد الأشهل فقال:
-  أنا يا رسول الله أعذرك منه فإن كان من الأوس ضربت  عنقه، وإن  كان من  إخواننا  من الخزرج  أمرتنا  ففعلنا  أمرك.
 قالت: فقام رجل من الخزرج وكانت أم حسان بنت عمه من فخذه وهو سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج،
 قالت: وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً ولكن ا حتملَته الحمية
فقال لسعد: كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله ولو كان من رهطك ما أحببت أن يقتل فقام أسيد بن حضير، وهو ابن عم سعد. فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله  لنقتلنه،  فإنك  منافق تجادل عن المنافقين.
 قالت: فتثاور الحيان الأوس والخزرج حتى همّوا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر.
 وقالت: فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفِّضهم حتى سكتوا.
 قالت: فبكيت يومي ذلك كله لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم.
 قالت: وأصبح أبواي عندي وقد بكيت ليلتين ويوماً لا أكتحل بنوم ولا يرقأ لي دمع حتى إني لأظن أن البكاء فالق كبدي

           فبينا أبواي جالسان عندي وأنا أبكي فاستأذنت عليّ امرأة من الأنصار فأذنت لها  فجلست تبكي معي.
 قالت: فبينا نحن على ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا فسلم ثم جلس.
 قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها وقد لبث شهراً لا يوحى إليه في شأني بشيء.
قالت: فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال:
 (أما بعد: يا عائشة، فإنه  قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة  فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه).

 قالت: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم  مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي:
- أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم عني فيما قال.
 فقال أبي: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فقلت لأمي: أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال.
 قالت أمي :والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
 فقلت وأنا جارية حديثة السنّ لا أقرأ من القرآن كثيراً:
-        إني والله لقد علمت: لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به، فلئن قلت لكم إني بريئة لا تصدقوني  بذلك ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة لَتُصَدِّقُنِّي فوالله لا أجد لي ولكم مثلاً إلا أبا يوسف حين قال:
-         (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ )
-         سورة يوسف\18
-         
      ثم تحولتُ فاضطجعتُ على فراشي والله يعلم إني حينئذٍ بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن الله منـزل في شأني وحياً يتلى . لشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله فيّ بأمر يتلى  ولكن  كنت أرجو  أن يرى رسول  الله صلى الله عليه وسلم   في النوم  رؤيا يبرئني الله بها، فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم  مجلسه  ولا  خرج أحد من أهل البيت  حتى أنزل عليه فأخذه ما كان يأخذه  من  البرحاء حتى إنه ليتحدر منه من  العرق  مثل  الجمان  وهو في يوم شاتٍ من ثقل القول الذي أنزل عليه.
  قالت: فسرِّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك فكانت أول كلمة تكلم بها أن قال:
-         (يا عائشة أما الله فقد برأك)
-         قالت: فقالت لي أمي: قومي إليه
-         فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله -عز وجل-.
-        قالت: وأنزل الله تعالى:
      (إِنَّ ٱلَّذِينَ جَاءوا بِٱلإفْكِ عُصْبَةٌ مّنْكُم لاتحسبوه شر لكم   بل هو خير لكم  لكل امرئ منهم ما اكتسب من الاثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم *) العشر الآيات كلها  فلما أنزل الله هذا في براءتي.
 قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته  منه  وفقره:
-        والله لا أنفق على مسطح  شيئاً  أبداً  بعد الذي   قال لعائشة ما قال.
-         فأنزل الله:
-         
  ) وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)  سورة النــور\22  

قال: أبو بكر الصديق:
- بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي فأرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه
-         وقال: والله لا أنزعها منه أبداً.
-         
          وهكذا برأ الله تعالى  ام المؤمنين  من فوق سبع سموات  وكان حسان بن ثابت شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم  تكلم في الافك  في من تكلم  به  فقال يعتذر لعائشة وقال يمدحها :

 حصان رزان ما ترن بريئة
                                      تصبح غرثى من لحوم الغوافل

 عقيلة حي من لؤي بن غالب
                                  كرام المساعي مجدهم غير زائل

مهذبة قد طيب الله  خيمها
                                         طهرها من كل سوؤ وباطل

  لئن كان  ما قد  قيل عني قلته
                                        فلا رفعت سوطي الي اناملي

وكيف  وودي ما حييت ونصرتي
                                          لآل رسول الله زين المحافل

       وقد ذكرت هذه الحالة في القران الكريم في سورة النور :

(إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالاِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الاثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النور:11)

 الى الاية (وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) النور 22

       هذه هي القصة بتمامها والمعاناة بكاملها  كما  روتها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن نفسها  وكما جاءت  في الصحيحين اعلاه .






              *********************










                    شذرات من السيرة النبوية المعطرة


                                   25

                          بسم الله الرحمن الرحيم

          الحمد لله
              
          في  شهر ذي القعدة  من السنة الخامسة  للهجرة  بعد ان تم  امر بني  قريظة  اجيبت دعوة سعد بن معاذ  وكان  في خيمة في المسجد النبوي الشريف لاجل ان يعوده  النبي صلى الله عليه  وسلم  عن قرب باستمرار  فمرت  عليه  شاة  فنكأت جرحه العميق فانتفض وانفجر من لبته فسال الدم غزيرا  فتوفي فيه . فحملت جنازته الملائكة مع المسلمين و وقيل اهتز عرش الرحمن  لموته .

        وبعدها  انتدب من المسلمين  خمسة  من الخزرج  ليحوزوا شرف قتل( ابو رافع  سلام  بن ابي الحقيق ) رئيس  يهود   خيبر  وتاجر اهل الحجاز   وأحد  المؤلبين  والمحركين   للاحزاب  ضد   المسلمين  فلما وصل هؤلاء الى حصنه  في  جهة  خيبر  مساءا  قال  قائدهم عبد الله بن عتيك:
-       مكانكم فاني  سانطلق الى الحصن   واتلطف  للبواب  لعلي ادخل.
  فاقبل حتى دنى من الباب  ثم  تقنع  بثوبه  كأنه  يقضي  حاجته  فهتف البواب به:
-        يا عبد  الله  ان كنت  تريد  ان تدخل  فا دخل  فاني  اريد  ان اغلق الباب .

         دخل عبد الله بن عتيك واختبأ  حتى نام الناس فأخذ المفاتيح وفتح الباب  ليسهل عليه  الهروب  عند الحاجة   فكان كلما فتح  بابا اغلقه  من الداخل  خلفه  على  رأ ي انه  كي لا يقدر احد  لا  يصل  اليه  لأنهم سيجدون  الابواب  مغلقة  من الداخل  فلما  انتهى  الى  بيت  سلام بن  ابي  الحقيق  فاذا  هو في بيت  مظلم  وسط  عياله  لا  يدري  اين  هو فناداه :
-  يا ابا رافع   يا ابا رافع .
 قال : من هذا  ؟؟؟
 فاهوى نحو الصوت بالسيف  وهو في دهشته  فلم يصبه  فخرج ثم جاء وقد غير  صوته  كأنه  يغيثه  وقال:
-       ما هذا الصوت يا ابا رافع  ؟؟ 
-       فقال :  لأمك الويل  ان رجلا في البيت ضربني بالسيف.
       فعمد اليه  وضربه  ضربة   جرحته  ثقيلا الا انه لم يمت  فوضع السيف في  بطنه  ونام  عليه  من  الخلف  حتى  اظهره من ظهره  ثم خرج مسرعا  يفتح  الابواب  التي  قفلها  واحدا واحدا   وكان  بصره ضعيفا  والليل مقمرا   فظن انه وصل الى الارض  فقدم  رجله  فوقع من  السلم   فجرحت رجله  فشدها  بعمامته  واختفى  عند الباب   فلما اصبح الصباح   سمع رجلا  فوق  السور  ينادي  بوفاة   ابي رافع  تاجر اهل الحجاز  فعرف انه مات  فجاء الى اصحابه ثم رجعوا الى المدينة  فجائوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم  وحدثوه بما حدث  فمسح النبي صلى الله عليه وسلم  رجل عبد الله   فشفيت  فكأنها  لم  يشتكي منها ابدا  .

       اما  ابو لبابة  فقد ربط نفسه بجذع اتخذ سارية في المسجد النبوي  ومضى عليه ست ليال  تاتي  زوجته كي  تحله  للصلاة ثم  يعود  فيربط نفسه  بعدها  بالجذع  ثم نزلت توبته في بيت  ( ام سلمة)  فبشرته  بها فجاؤوا الناس  ليطلقوه فأبى  حتى يطلقه الحبيب المصطفى  صلى الله عليه وسلم  ففعل  حين مرعليه في صلاة  الفجر .

          في  المحرم من  السنة  السادسة  للهجرة  خرج  ثمامة  بن اثال  سيد اليمامة  يريد   اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم بامر من مسيلمة الكذاب  وكان  ثمامة  اشد  الناس  كراهية للنبي محمد  صلى الله  عليه وسلم و للاسلام . وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد ارسل سرية  من ثلاثين  فارسا  بأمرة  محمد  بن  مسلمة  لتاديب  بني  كلاب   بن بكر الساكني في ناحية ( ضرية ) على مسافة  سبعة  ليال  من المدينة  في طريق البصرة  فلما كانوا راجعين  وجدوا  ثمامة  في طريقهم فاسروه  وجاؤوا   به الى  المدينة المنورة  وربطوه في سواري المسجد  فمر به النبي صلى  الله عليه وسلم  فقال له :
-( ماعندك  ياثمامة ؟؟)
فقال :  عندي خيرا يامحمد  ان تقتل تقتل  ذا  دم  وان تنعم تنعم على شاكر  وان كنت  تريد  المال فسل  تعط  منه  ما شئت .
 فتركه النبي صلى الله عليه وسلم  مشدودا ومشى.
 ثم مر  به في اليوم الثاني  فدار  بينهما نفس الحديث .
  ثم في  اليوم  الثالث  دار بينهما  نفس الحديث  فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
-       اطلقوا ثمامة .
 فاطلقوه  فاغتسل واسلم  فقال للنبي  صلى الله عليه وسلم :
-       والله ما كان على ظهر الارض من وجه ابغض الي من وجهك  اما اليوم  فقد اصبح  وجهك احب الوجوه الي  ووالله  ما  كان  على وجه الارض من دين ابغض الي من  دينك  فاصبح  دينك احب الاديان الي . 
       وعند العودة ذهب ثمامة  الى مكة معتمرا  فلاموه مشركو مكة  على اسلامه  فقال  لهم:
-        والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى ياذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

            فلما  انصرف  الى اليمامة  راجعا  منع  بيع  الحنطة الى  تجار مكة  واهلها  فتعبوا تجار  مكة واهلها  واستشرى الغلاء  حتى  كتبوا الى النبي صلى الله عليه وسلم   يتوسلونه  ويسأ لونه  الرحمة في ارحامهم ان يكتب الى ثمامة  بالسماح  بيع  الحنطة  لهم  ففعل.
        
          في ربيع الاول من  السنة السادسة للهجرة  خرج  النبي  صلى الله عليه وسلم   يريد غزو  بني لحيان  وهم الذين  قتلوا  المسلمين  ب   ( الرجيع)  - كما بينت سابقا - وكانوا   متوغلين  في الحجاز الى  حدود  ( عسفان ) فأخر  النبي محمد  صلى الله عليه وسلم امرهم  الى ان تسنح الفرصة   فلما   حانت  فخرج  اليهم في  ما ئتين  من  الصحابة   ومعهم عشرين  فرسا   بعد ان  استعمل ابن ام مكتوم  على المدينة   فاسرع اليها السير حتى بلغ  ( بطن غران ) وهو وادي بين  ( امج  وعسفان )   حيث   كان  مصرع صحابته  صلى الله  عليه وسلم  فترحم  عليهم  ودعا  لهم  واقام  فيها  يومين .

       اما بنو لحيان فلما  سمعوا بالخبر فروا الى   رؤوس الجبال  لذا  لم يجد النبي  صلى الله عليه وسلم  منهم  احدا  فارسل  عشرة   فرسان الى عسفان   لتسمع  بهم  قريش  فيداخلهم   الخوف   والرعب  فذهبوا  الى  ( كراع الغميم) .
        ثم  رجع  النبي صلى الله عليه وسلم الى  المدينة  بعد ان غا ب  عنها  اربع عشرة  ليلة .   

        وفي جمادي الاولى  من  السنة ذاتها  بعث  النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة  الى ( العيص )  ومعه  ومائة وسبعين راكبا  بغية اعتراض عير  لقريش  قادمة  من الشام  كان  يرأسها  ابو العاص بن الربيع  زوج   ( زينب) ابنة  النبي  فوصلوا اليها  وغنموها  واسروا رجالها  وأفلت  ابو العاص  فجاء   الى المدينة   ثم  استجار ب( زينب)  ورجاها ان  تتوسل  رسول الله صلى الله عليه  وسلم  وتسأله  ان يرد عليه اموال العير ففعلت  ورجت اباها  فوافق النبي صلى الله عليه وسلم ورد عليه كل ما كان فيها .

        ابو العاص من  ابطال مكة المعدودين ورجالها -  تجارة ومالا وامانة  فرجع الى مكة وأدى  الامانات الى اصحابها  ثم اعلن اسلامه  ثم هاجر الى المدينة  فرد عليه  النبي صلى الله عليه  وسلم( زينب ) .

         ثم   ارسل النبي صلى الله عليه وسلم عدة سرايا  لبسط  الامن في المدينة وما حولها  وكبح  جماح  الاعداء  حتى بسط  الامن  والامان  في كل الربوع .
  



               ************************ 








               شذرات من السيرة النبوية  المعطرة


                                    26

                               بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله:

           لم تخمد مشاعر المسلمين في المدينة  شوقاً  واملا  إلى مكة  التي حيل   بينهم  وبينها  ظلماً وعدواناً  وما برحوا ينتظرون اليوم الذي تُتاح لهم  فيه  فرصة  العودة  إليها  والطواف ببيتها العتيق  إلى أن جاء ذلك اليوم الذي  طل  فيه النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه   ليخبرهم برؤياه    فقد رأى في منامه  دخوله   مكة  وطوافه  بالبيت الحرام  هو واصحابه (  امنين محلقين رؤوسهم ومقصرين )  فاستبشر المسلمون بهذه الرؤيا  لعلمهم أن رؤيا الأنبياء  حق  واخبرهم انه يريد العمرة  فتهيّؤوا لهذه الرحلة العظيمة  والفرح يغمرهم ..

       وفي يوم الإثنين  غرة ربيع الاول  من السنة  السادسة للهجرة  المباركة  خرج  النبي  صلى الله عليه  وسلم  يريد العمرة  ومعه ألف وأربعمائة  من الصحابة  وليس معهم إلا سلاح السفر  فأحرموا  بالعمرة من( ذي الحليفة)  وذو الحليفة  ميقات اهل المدينة  يحرمون  منه اذا رغبوا بالحج  والعمرة -  وقد احرمنا  منها  والحمد لله  في رمضان الماضي 2011ميلادية  لاداء العمرة   بعد بقائنا في المدينة المنورة  وزيارتنا  لضريح   الحبيب المصطفى  صلى الله عليه وسلم  وبقائنا فيها خمسة ايام – بفضل الله تعالى ومنته .
   فلما بلغوا ( عسفان )  واقتربوا من مكة بلغهم  (عينه)  أن قريشاً جمعت الجموع لمقاتلتهم وصدهم عن البيت الحرام  . وكانت قريش قد تهيأت للقتال وقد جمعوا الاحابيش  ليعينوهم في القتال  ونزلوا  ب ( ذي طوى ) وارسلوا  خالد بن الوليد ومعه مائتي فارس الى ( كراع الغميم )  قريبا من (عسفان)  ليسد الطريق النافذ الى مكة عليهم .

    استشار  الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم  اصحابه  في الهجوم على  المجتمعين  لقتاله  من الاحابيش  ام يقصد البيت الحرام  فمن صده يقاتله  فاشار عليه ابو بكرالصديق قائلا :
-        يارسول الله جئنا معتمرين لا مقاتلين  فمن حال  بيننا  وبين البيت الحرام  قاتلناه
-        قال النبي صلى الله عليه وسلم :
-         (هذا هو الراي)

           راى خالد بن الوليد ان  الملسمين  اثناء  صلاة  الظهر  وهم يقومون ويسجدون فاراد  ان ياخذهم على غفلة  منهم  وهم في صلاتهم  ساجدون  .  ثم قرر  ان  يباغتهم في  صلاة العصر.  فشرعت صلا ة الخوف  بين  الظهر والعصر وهي ان  ينقسم المسلمون  في صلاتهم  قسمين  فاذا  امّ النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين  فيها يكونون باسلحتهم  فيسجد قسم منهم والاخر يحرسهم  ثم  في الركعة الثانية يسجد  الاخرون  ويحرسهم  الاولون  وهكذا لحين  تنتهي  الصلاة
 فيكونون  في امان  من العدو اثناء اداء الصلاة .

 قال الله تعالى:
  ( واذا  ضربتم  في الارض فليس  عليكم  جناح  ان  تقصروا  من الصلاة ان خفتم ان يفتنكم الذين كفروا وان الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا *واذا كنت فيهم  فاقمت لهم الصلاة  فلتقم  طائفة  منهم  معك ولياخذوا اسلحتهم  فاذا  سجدوا فليكونوا من ورائكم   ولتات  طائفة اخرى لم  يصلو ا  فيصلوا  معك  ولياخذوا حذرهم  واسلحتهم   ود الذين كفروا  لو تغفلون عن اسلحتكم  وامتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة  ولا جناح  عليكم ان  كان بكم  اذى من  مطر او  كنتم مرضى ان تضعوا  اسلحتكم  وخذوا   حذركم  ان  الله  اعد  للكافرين  عذابا  مهينا * فاذا قضيتم الصلاة  فاذكروا  الله قياما  وقعودا وعلى جنوبكم  فاذا  اطمأننتم  فاقيموا   الصلاة  ان  الصلاة  كانت  على   المؤمنين  كتابا  موقوتا *)
 النساء \ 101- 103

   اخذ الحبيب  المصطفى صلى الله عليه وسلم طريقا غير طريقهم  فيمم يمينا من اسفل مكة  حتى بلغ   ( ثنية المرار)  وهي مهبط الحديبية  فبركت  ناقته  القصواء  فقال  صلى الله عليه وسلم:
-( ما خلأت القصواء وما  ذاك لها خلق  ولكن  حبسها  حابس الفيل ) ثم قال :
-( والله لايسالوني خطة يعظمون فيها حرمات الله الا اعطيتهم اياها)
 ثم زجر الناقة  فوثبت  وتقدم  فنزل الحديبية .

         فجاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة – وكانوا ناصحين للمسلمين في اقوالهم- فاخبرالنبي صلى الله عليه وسلم  ان قريشا تستعد لقتالهم  وصدهم عن المسجد الحرام  . فاخبروا  النبي صلى الله عليه وسلم  انه ما جاء الا معتمرا وما  جاء  لقتال  قريش  وانه  مستعد للهدنة  والمصالحة  الا  اذا  ابت  قريش  فانه سيقاتلهم حتى يحكم الله وهو خيرالحاكمين .

      ثم ارسلوا  عروة بن مسعود الثقفي  فقال  له النبي صلى الله عليه وسلم  مثلما  قال  لبديل قبله   . فرجع  الى  قريش  ونصحهم بقبول الهدنة  فلما  حل الليل  تسلل  بعض  شباب  قريش   فهبطوا جبل  ( التنعيم) الى معسكر المسلمين  وارادو القضاء على محاولات الصلح   فالقى  المسلمون عليهم القبض  ثم اطلقهم النبي صلى الله عليه وسلم وعفى عنهم فكان هذا  الفعل له  اثره الكبير  في  نفوس القرشيين  وتخويفهم  من قوة المسلمين  فمالت قلوبهم لعقد  صلح بينهم  قال تعالى :
( وهو الذي كف ايديهم عنكم وايديكم عنهم ببطن مكة من بعد ان اظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا *)
  الفتح \ 24

          قرر  النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ان يرسل عثمان بن عفان  رضي الله عنه إلى قريش وقال له :
  -(أخبرهم أنا  لم نأت لقتال  وإنما جئنا عماراً ، وادعهم إلى الإسلام )

         وأَمَرَه أن يأتي رجالاً بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات ، فيبشرهم بالفتح   وأن  الله عز وجل  مظهر دينه   بمكة ، حتى لا يستخفى فيها بالإيمان . فانطلق عثمان  حتى  دخل في جوار ابان  بن سعيد الاموي   ولما  جاء  قريش  قالوا له :
-        إلى أين ؟
-        فقال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعوكم إلى الله وإلى الإسلام ، ويخبركم :( أنه  لم  يأت لقتال ، وإنما  جئنا عماراً ).
-         قالوا : قد سمعنا ما تقول  فانفذ إلى حاجتك .
فعرضوا عليه ان يطوف بالبيت الحرام فابى ان يطوف و النبي صلى الله عليه وسلم  يمنع من  الطواف  ثم   قالوا  له :
-        إلى أين ؟

      ولكن عثمان احتبسته قريش فتأخر في الرجوع إلى المسلمين ، فخاف الرسول صلى الله عليه  وسلم  عليه   حيث  ان قتل الرسول في الاعراف مثل هذه الحالة  معناه اعلان الحرب   فقال النبي صلى الله عليه وسلم
-        ( لانبرح حتى نناجز القوم )
 وخاصة بعد  أن شاع  أن  عثمان   قد  قتل

       فدعا إلى البيعة  فتبادروا إليه  وهو تحت الشجرة  فبايعوه على أن لا يفروا  وهذه هي بيعة (الرضوان ) وقد  أنزل الله  تعالى فيها قوله:

 ) لقد رضي الله عن المؤمنين إذ  يبايعونك  تحت الشجرة فعلم  ما في قلوبهم  فانزل السكينة  عليهم  واثابهم  فتحا قريبا * )
سورة الفتح\ 18 .
 ثم اطلقوا عثمان  فلما وصل الى المسلمين  كانت قد اخذت البيعة .

        وأرسلت قريش  عروة بن مسعود إلى المسلمين  فرجع إلى أصحابه     فقال لهم  :
 أي قوم ، والله لقد وفدت على الملوك - كسرى  وقيصر والنجاشي- والله ما رأيت ملكاً  يعظمه أصحابه كما يعظم أصحاب محمد محمداً . والله  إذا أمر ابتدروا أمره  وإذا توضأ  كادوا يقتتلون على فضلة  وضوئه  وإذا تكلم  خفضوا أصواتهم  وما يحدّون  إليه النظر تعظيماً له .
 ثم قال : وقد عرض عليكم  خطة  رشد فا قبلوها .

        ولما سمع القرشيون بامرالبيعة داخلهم رعب شديد ثم أسرعت قريش في إرسال سهيل بن عمرو لعقد الصلح فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال :
-( قد سهل لكم أمركم  أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل )
 فتكلم سهيل طويلاً  ثم اتفقا على قواعد الصلح  وهي :

الأولى : رجوع الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من عامه  هذا وعدم دخول المسلمين مكة  فإذا كان العام القادم دخلها المسلمون بسلاح الراكب( وهو السيف  في قرابه)  فيقيمون بها  ثلاثة ايام  .
الثانية : وضع الحرب بين الطرفين عشر سنين ، يأمن فيها الناس .
الثالثة : من أراد أن يدخل في عقد مع  محمد  وعهده دخل فيه  ومن أحب أن يدخل في عقد مع قريش وعهدهم دخل فيه .
الرابعة : من أتى محمداً من قريش من غير إذن وليه رده إليهم  ومن جاء قريشاً ممن مع محمد لا ترده  إليه .
    ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم :
-        (هات اكتب بيننا وبينك كتاباً )
 فدعا الكاتب - وهو علي بن أبي طالب –
فقال : اكتب : (بسم الله الرحمن الرحيم).
 فقال سهيل : أما الرحمن  فما أدري ما هو ؟ ولكن اكتب : باسمك اللهم كما كنت تكتب .
 فقال المسلمون : والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم
 فقال  النبي  صلى الله عليه وسلم : (اكتب : باسمك  اللهم ).
 ثم قال : اكتب : (هذا ما صالح  عليه محمد رسول الله)
 فقال سهيل : والله لو نعلم أنك رسول الله  ما صددناك عن  البيت  ولكن اكتب محمد بن عبد الله.
 فقال :( إني رسول الله ، وإن كذبتموني . اكتب محمد بن عبد الله)

     ومن  ثم تمت كتابة الصحيفة بهذه الشروط .  ودخلت قبيلة( خزاعة ) في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم  ودخلت ( بنو بكر)  في عهد قريش .

       فبينما هم كذلك إذ جاء( أبو جندل بن سهيل )، وقد خرج من أسفل مكة  يرسف  - يمشي مقيدا  ً- في قيوده  حتى  رمى  بنفسه   بين  أظهر المسلمين .
 فقال سهيل : هذا يا محمد! أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي  فقال النبي صلى الله عليه وسلم :( إنا لم نقض الكتاب بعد)
فقال : إذاً والله لا أصالحك على شئ أبداً.
 فقال النبي صلى الله عليه وسلم :( فأجزه لي )
قال : ما أنا بمجيزه لك
. قال :( بلى فافعل )
 قال : ما أنا بفاعل .
 قال أبو جندل : يا معشر  المسلمين  كيف أرد إلى المشركين وقد جئت مسلماً؟ ألا ترون ما لقيت  ؟
 وكان قد عذب في الله عذاباً شديداً
 فقال النبي صلى الله عليه وسلم :( اصبر واحتسب  فان الله جاعل  لك ومن معك من المستضعفين  فرجا  ومخرجا)

    فلما فرغ من قضية الكتاب ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه :
-( قوموا فانحروا ثم احلقوا)
    فما قام منهم رجل  حتى قالها ثلاث مرات . فلما لم يقم منهم أحد  قام ولم يكلم أحداً منهم حتى نحر بدنه وقد نحر  النبي صلى الله عليه وسلم جملا كان لابي جهل في انفه حلقة من فضة  ليغيض المشركين ودعا حالقه فحلق  .

      فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا  الابل عن سبعة افراد والبقرة عن سبعة ايضا  وجعل بعضهم   يحلق  بعضاً حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً  كمدا . وقد حزن المسلمون لأمرين  :
 الاول:  رجوعهم الى المدينة من  غير ان يعتمروا .
 والثاني:  ان صحيفة الحديبية لم تساوي بين الطرفين  في احد بنودها وهو  البند الرابع   منها  حيث ينص على ان  المسلمين  ملزمون برد من جاء اليهم  وقريش لا يردون من  جاء اليهم من المسلمين  فطمأنهم النبي صلى الله عليه وسلم في الاول انهم سوف يعتمرون  في العام القادم  فرؤيا الانبياء  حقيقة  وصدق  . وطمأنهم في الثاني بان من ذهب  من المسلمين الى  قريش فهو مرتد  وقد ابعده الله  عنهم  ومن جاء من  قريش  فسيجعل الله فرجا ومخرجا وفي قوله  هذا صلى الله عليه وسلم  بعد نظر وانتظار المستقبل  .لكن في ظاهر الامر كان في صالح  قريش  مما كان له تاثير على نفوس المسلمين  ومن ذلك مادار بين  النبي  صلى الله عليه وسلم وبين عمر بن الخطاب  فقد جاء اليه  عمر الى النبي صلى الله عليه وسلم

           قال عمر بن الخطاب : والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ . فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم  فقلت :
-        يا رسول الله ! ألست نبي الله ؟
 قال :( بلى.)
 قلت : ألسنا على الحق  وعدونا على الباطل ؟
قال :( بلى) .
 قلت : علام نعطى  الدنية في ديننا ؟ ونرجع  ولما  يحكم   الله  بيننا    وبين أعدائنا ؟
فقال : (إني رسول الله  وهو ناصري  ولست أعصيه) .
قلت : ألست كنت تحدثنا : أنا نأتي البيت  ونطوف به .
 قال : (بلى  أفاخبرتك أنك تأتيه العام ؟)
 قلت : لا
 قال :( فإنك آتيه ومطوف به ).
 قال : فأتيت أبا بكر ، فقلت له  مثلما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورد علي كما رد علي رسول الله صلى الله عليه وسلم  سواء  وزاد : -  فاستمسك  بغرزه حتى تموت  فوالله  إنه  لعلى الحق .

         ثم جاء نسوة مؤمنات  فأنزل الله :
 (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن  الله اعلم بايمانهن  فان  علمتموهن  مؤمنات  فلا  ترجعوهن الى الكفار لاهن  حل  لهم  ولا هم  يحلون  لهن  وآتوهم ما انفقوا ولا جناح عليكم ان تنكحوهن اذا آ تيتموهن اجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر  واسألوا ما انفقتم  وليسألوا  ما انفقوا  ذلكم  حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم * ) الممتحنة\ 10 .

      وعند رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة  أنزل الله سورة الفتح :
 (إنا فتحنا لك فتحا مبينا * ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم  نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما * وينصرك الله نصرا عزيزا*)
الفتح \1-3
 فقال عمر : أو فتح  هو يا رسول الله ؟
 قال :( نعم )
 قال الصحابة : هذا لك يا رسول الله ، فما لنا ؟
 فأنزل الله :
( هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم     ولله جنود السموات  والارض  وكان الله عليما حكيما* ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري  من تحتها الانهار  خالدين فيها  ويكفّرعنهم سيئاتهم  وكان ذلك عند الله فوزا  عظيما *)  الفتح \ 4-5.

              ولما رجع إلى المدينة جاءه ( أبو بصير )–رجل مسلم  من قريش-  فأرسلوا  في طلبه رجلين  الى النبي صلى الله عليه وسلم  لاجل  رده اليهم  وقالوا :
-        العهد الذي بيننا وبينك .
         فدفعه إلى الرجلين ، فخرجا  به حتى  بلغا( ذا الحليفة ). فنزلوا يأكلون من  تمر لهم  فيه.
 فقال أبو بصير لأحدهما:
-  إني أرى سيفك هذا جيداً.
- فقال: أجل ، والله إنه لجيد ، لقد جربت به ثم جربت
-  فقال : أرني أنظر إليه
 فاخذ  السيف   فقتل الرجل بسيفه وانهزم الاخر
   ورجع أبو بصير إلى المدينة  
 فقال : يا نبي الله ! قد  أوفى الله  ذمتك، قد رددتني  إليهم  فأنجاني الله منهم .
 فقال صلى الله عليه وسلم  ) ويل أمه مسعر حرب ، لو كان له أحد ) وزجره .
     فلما سمع ذلك عرف ابو بصير  أنه سيرده  إليهم  خرج حتى أتى سيف البحر.  ثم  تفلت  أبو جندل  من قريش  فلحق  بأبي  بصير  ثم  اصبحت  حالة  جديد ة - اي شخص  يفلت من قريش  يلتحق   بابي بصير وابي جندل  في سيف البحر  حتى  اصبحوا  كثر  واخذوا يهددون القوافل القرشية   الذاهبة الى الشام  والقافلة  منها  فأرسلت  قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم  تناشده  الله  والرحم  أن أتاه منهم فهو آمن .
.
         فلا يخرج من قريش رجل -قد أسلم- إلا لحق به  حتى اجتمعت منهم عصابة . فما  سمعوا  بعير لقريش خرجت إلى الشام إلا اعترضوا  لها فقاتلوهم  وأخذوا  أموالهم  فأرسلت  قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحم أن أتاه منهم فهو آمن .

        وكان هذا الصلح فتحاً عظيماً ، ونصراً مبيناً  للمسلمين  فقد  دخل في  الاسلام  الكثير  وقد اسلم  اعظم  وافضل  قادة قريش  وكبرائها  مثل خالد بن  الوليد  و عمرو بن العاص  و عثمان   بن   طلحة   ، وذلك   لما ترتب عليه  من  منافع  عظيمة  حيث  اعترفت   قريش  بالمسلمين  وقوتهم  وتنازلت عن صدارتها  الدنيوية  وزعا متها الدينية  فلا عجب إذن  أن يسمّيه الله  تعالى في القران الكريم ( فتحا مبينا) .





         ********************************












                شذرات  من السيرة النبوية المعطرة


                                 27


                        بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله :

         بعد ابرام صلح   الحديبية  عاد النبي  صلى الله عليه  وسلم الى  المدينة المنورة   فقد  امن   جانب قريش   واصبح له  متسعا  من الوقت  للعمل  وتنسيق   الامور  والدعوة  الى  الاسلام  واهم  حدث  يذكر  في هذا المجال  قيام النبي صلى الله عليه وسلم  بارسال رسائل الى الملوك والامراء  يدعوهم   الى الاسلام  ويذكرهم بمضاعفة  مسؤلياتهم  وكان اول رسائله  الى هرقل امبراطورالروم  البيزنطي   وقد بعث  الكتاب  مع دحية ابن خليفة الكلبي  يحمله  الى ملك الروم  وامره ان يدفعه الى عظيم بصرى  ليدفعه الى القيصر  وكان  القيصر  قد  جاء من  حمص الى  بيت المقدس  مشيا على الاقدام   شكرا لله  على  ما حصل  عليه  من الانتصار على الفرس  فلما جاءه  ارسل الى رجل  من العرب  له  معرفة  كبيرة بمحمد صلى الله عليه وسلم  فوجد ابا سفيان  وجماعته من قريش فاتوا بهم الى هرقل  فدعاهم هرقل الى مجلسه  وكان حوله عظماء وكبراء  ورؤساء الروم  فسالهم بحضورهم  ايهم اقرب الى النبي  صلى الله عليه وسلم  نسبا  فاشاروا الى ابي سفيان  فادناه القيصر   واجلس بقية  القرشيين خلفه  وقال لهم :

      اني سائل  الرجل- يعني ابا سفيان-  عن الرجل  ويعني  به النبي  محمد  صلى الله عليه وسلم  فان كذبني فكذبوه  فاستحى  ابو  سفيان ان يكذب فيرد عليه احدهم بانه كاذب
فقال  القيصر:
-        كيف نسبه فيكم ؟
-        هو فينا  ذو نسب
-         فهل قال هذا  القول منكم  احد  قبله؟
-          لا.
-        افأشراف الناس اتبعوه ام ضعفاؤهم؟
-         بل ضعفاؤهم
-        ايزيدون  ام ينقصون؟؟
-         بل يزيدون
-         فهل يرتد احد منهم سخطة لدينه بعد ان يدخل فيه ؟
-         لا
-        فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل ان يقول ما قال ؟
-         لا
-        فهل يغدر؟
-        لا  لكنا  منه  في  مدة  لا ندري  ما هو فاعل فيها
-        فهل قاتلتموه؟؟
-        نعم
-         فكيف كان  قتالكم اياه ؟
-        الحرب بيننا  وبينه  سجال ينال منا وننال منه
-        وماذا يامركم؟
-         يقول اعبدوا الله ولاتشركوا  به  شيئا  واتركوا  ما يقول اباؤكم  ويامر بالصلاة  والصدق  والعفاف  والصلة.

     فقال هرقل معلقا على هذا الحوار:  ذكرت انه فيكم ذو نسب وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها . وذكرت انه لم يقل احد منكم هذا القول قبله.  وذكرت انه لم يكن من  آبائه من ملك: قلت فلو كان من آبائه من ملك  قلت  يطلب ملك ابيه.

        وذكرت انكم  لم تكونوا تتهمونه  بالكذب  فعرفت انه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله وذكرت ان ضعفاء الناس اتبعوه وهم اتباع الرسل وذكرت انهم يزيدون وكذلك الايمان حتى  يتم  وذكرت انه لا يغدر وكذلك الرسل  لا  يغدرون  وذكرت انه  يامركم ان تعبدوا الله ولا تشركوا  به  شيئا  وينهاكم عن عبادة الاوثان  ويامركم بالصلاة والصدق والعفاف  فان كان ما قلت  حقا  فسيلك  موضع قدمي هاتين  وقد كنت اعلم انه خارج  ولم  اكن اظنه  منكم  فلو اني اعلم اني اخلص اليه لتجشمت  لقاءه  ولو  كنت عنده لغسلت  عن قدميه .
 ثم دعا بالكتاب فقراه وهذا نصه :
                                   بسم الله الرحمن الرحيم
 (( من محمد  عبدالله  ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى)
 أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام  أ سلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين (يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون.))
        فارتفعت الاصوات وكثراللغط  فاخرج ابو سفيان ومن معه فلما خرج ابو سفيان قال لاصحابه:

            لقد امر ابن  كبشة  انه  ليخافه  ملك  بني  الاصفر  ولم  يزل ابو سفيان  موقنا  بعده  بظهور امر النبي صلى الله عليه  وسلم  وحتى  وفقه  الله   تعالى  بالاسلام . ثم  اجاز هرقل  دحية  بن  خليفة  الكلبي   بمال  وكسوة   ثم    جمع  عظماء  الروم  في  دسكرة  وامر بغلق  ابوابها  فاغلقت . فقال لهم :
-  يامعشرالروم   هل لكم  من  الفلاح  والرشد  وان  يثبت  ملككم   فتتابعوا  هذا  النبي .
  فحاصوا  حيصة  حمر الوحش  الى الابواب  فوجدوها  مغلقة   فلما راى قيصر نفرتهم قال:
-  ردوهم علي.
  فقال لهم : اني قلت مقالتي اختبر بها شدتكم  عن دينكم  فقد رايت  فسجدوا  له  ورضوا عنه .

           من هنا يتبين ان القيصر قد عرف انه النبي المرسل الموجود ة صفاته  في التوراة والانجيل  وصدق بنبوته  بتمام المعرفة ولكنه ان صرح به والزم الناس بما اعتقد  يذهب ماله  وملكه  فباء  باثم نفسه واثم الاخرين من رعيته الى يوم القيامة كما  اخبرالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم .

         اما ما كان  من امر دحية  الكلبي  فانه  سلك الطريق  راجعا الى المدينة  فلما  وصل (بني جذام )  خرج عليه قطاع طرق وانتهبوا ماله فلم يتركوا له شيئا  الا  انه واصل مسيره الى ان وصل المدينة فمثل بين يدي رسول الله صلى لله عليه وسلم   فاخبره بما  جرى له  فبعث  النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن  حارثة  وبامرته  خمسمائة مقاتل الى (بني جذام )  فاغاروا عليهم  فقتلوهم وغنموا غنائم كثيرة منها  الف بعير  وخمسة الاف شاة  ومن السبي مائة  صبي  وامراة  فاسرع  زيد  بن  رفاعة  الجذامي  رئيسهم  الى المدينة واسلم هو ورجاله  و وكانوا قد نصروا دحية الكلبي  حين  قطع الطريق عليه.  فرد  النبي صلى الله عليه وسلم الى  زيد بن رفاعة  الغنائم والسبايا .

   *   اما الرسالة الاخرى فقد ارسلها النبي صلى الله عليه وسلم  الى النجاشي اصمحة بن الابجر ملك الحبشة  فقد اوكل به عمرو بن امية الضمري  فلما وصل الكتاب اليه اخذه النجاشي ووضعه على عينيه ونزل عن السرير واسلم على يد جعفر بن ابي طالب  وكتب الى النبي صلى  الله عليه  وسلم  باسلامه  وبيعته  وزوج  ام  المؤمنين  ام حبيبة  بنت  ابي سفيان الى  النبي صلى الله عليه وسلم واصدقها من  ماله اربعمائة دينار وارسلها  مع  المهاجرين  في  سفينتين  مع عمرو  بن  امية  الضمري   فلما وصلوا  المدينة كان النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر . وهذا   نص الرسالة: 

((  بسم  الله الرحمن الرحيم  . من محمد   رسول  الإسلام إلى النجاشى ملك الحبشة: سلام عليك إنى أحمد الله إليك ،الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن، وأشهد  أن عيسى  بن مريم  روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة، فحملت بعيسى فخلقه الله من روحه كما خلق آدم بيده وإنى أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل، وقد بلغت  ونصحت  فاقبلوا  نصحى والسلام على من اتبع الهدى.)
وقد أدت الرسائل كلها مهمتها خير أداء.

           مات النجاشي في رجب من السنة التاسعة للهجرة  المباركة فنعاه
النبي صلى الله عليه وسلم يو  م وفاته وادى عليه صلاة الغائب   فخلفه على الحبشة نجاشي اخر فكتب اليه يدعوه للاسلام.

     *   اما الر سالة  الاخرى فقد ارسلها  النبي صلى الله عليه وسلم  الى  كسرى ابرويز ملك الفرس  وقد  ندب  لحملها  عبد الله  بن حذافة السهمي  وامره ان يدفعه الى عظيم البحرين ليدفعه  عظيم  البحرين الى كسرى  انو شروان  .
 فلما وصل الكتاب الى  كسرى  فقرأه  وهذا نصه:

(( بسم الله الرحمن الرحيم . من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس  السلام على من اتبع الهدى، وآمن بالله ورسوله، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأدعوك بدعاية الله، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة، لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين فأسلم  تسلم، فإن أبيت فإن إثم المجوس عليك.))

    ثم مزقه ورماه  لحقده على العرب  والذي  يعتبرهم عبيدا من عبيده  وقال:
-        عبد  حقير من رعيتي  يكتب اسمه  قبل اسمي .

 فلما بلغ النبي  صلى الله عليه وسلم الخبر فقال داعيا عليه :
-(  مزق الله ملكه )

          فكان كما احب النبي صلى الله عليه وسلم  فقد انهزم جيش الفرس  امام جيش   الروم  هزيمة منكرة  ثم  اتلب عليه ابنه  (شيرويه)  فقتله واخذ ملكه  واسمتر   تمزق  مملكته حتى جاء الفتح الاسلامي في معركة القادسية  زمن الخلفة  عمر بن الخطاب  فقضى عليهم  وذهب  ملكهم  ولم تقم للفرس   قائمة  لحد هذا اليوم  ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عليه .

         وكذلك  وجه  النبي صاى الله عليه وسلم  كتابا الى  المقوقس  ملك الاسكندية في مصر حيث بعث بالكتاب  حاطب بن ابي بلتعة   فلما وصل حاطب وابلغ الكتاب  اكرمه المقوقس ووضع الكتاب في حق من عاج اكراما للحبيب المصطفى محمد  صلى الله عليه وسلم  وختم عليه واحتفظ به  وهذا نصه :

((بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الإسلام إلى المقوقس عظيم القبط: سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإني أدعوك بدعوة الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ .))

        ثم كتب  الى  رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقر  فيه بان نبيا قد بقي  كما تشير  رسالته  وانه  كان  يظن انه  سيخرج في الشام   الا انه لم يسلم  وبقي على دينه  كما انه اهدى الى  رسول الله صلى الله عليه وسلم  جاريتين  ( مارية القبطية)  و( سيرين )  وكانت  لهما  في القبط  مكانة عظيمة  واهدى اليه كسوة  وبغله اسمها ( دلدل )  فاختار  النبي صلى الله عليه  وسلم  ( مارية ) وركب البغلة.
.اما  سيرين  فقد وهبها  الى شاعره  حسا ن بن ثابت الانصاري .

          * اما  الرسالة الاخرى  فقد  كتبها  النبي صلى الله عليه وسلم  الى امير بصرى في الشام  بعث فيها الحارث بن عمير الازدي  فلما بلغ الحارث  ( بلدة مؤتة)  من اعمال ( البلقاء) جنوب الاردن  تعرض له  شرحبيل  بن  عمرو الغساني   فقتله  .

          وقد انزعج  النبي صلى الله عليه وسلم  اينما  انزعاج من هذه   الحادثة  الاليمة  وكان ذلك احد اسباب معركة  ( مؤتة ) التي  سناتي ان  شاء الله على ذكرها وتعد هذه الحادثة حادثة قتل  الرسل اول حادثة  من نوعها  فما كان قد قتل  لنبي او رسول  قبله .

   *وكتب  النبي صلى الله عليه وسلم  رسالة  الى هوذة  بن علي  صاحب  اليمامة  وبعث  بها اليه مع  سليط  بن عمرو العامري   فلما وصل سليط  اكرمه هوذه  بن علي   واجازة وقيل انه كساه  من نسيج هجر المشهور وكتب جوابا  الى النبي صلى الله عليه وسلم  هذا نص الجواب :
( ما احسن ماتدعوا اليه واجمله وانا شاعر قومي وخطيبهم والعرب تهابني اجعل لي بعض الامر اتبعك .)
  فحمل سليط العامري  الجواب الى  النبي صلى الله عليه وسلم  فقال :
 ( لو سألني قطعة من الارض ما فعلت  باد  وباد  ما في يديه ) 
   وقد مات  سليط العامري  في فتح مكة .

  *و كتب النبي صلى الله عليه وسلم الى ملك البحرين المنذر بن ساوي بعث فيها العلاء بن الحضرمي فاسلم المنذر  واسلم  اهل البحرين وبقي منهم  من على دين اليهودية  والمجوسية  . وهذا نص الرسالة :

(( بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله، إلى المنذر بن ساوى، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك إلى الإسلام، فأسلم تسلمْ يجعل الله لك ما تحت يديك. واعلم أن ديني سيظهر إلى مُنتهى الخفّ والحافر))
(بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوي، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن  محمداً عبده ورسوله.  أما بعد فإني أذكرك الله عز وجل، فإنه من ينصح فإنما ينصح لنفسه، ومن يطع رسلي ويتبع أمرهم فقد أطاعني، ومن ينصح لهم فقد نصح لي، وإنّ رسلي قد أثنوا عليك خيراً، وإني قد شفعتُكَ في قومكَ، فاتركْ للمسلمين ما أسلموا عليه، وعفوتُ عن أهل الذنوب فاقبل منهم، وإنك مهما تصلح، فلن نعزلكَ عن عملك، ومن أقام على يهودية أو مجوسية فعليه الجزية.))

     وكتب المنذر  ملك البحرين الى النبي صلى الله عليه وسلم يستفتيه فكتب  له النبي صلى الله عليه وسلم يامره بترك المسلمين وما اسلموا عليه وياخذ الجزيةمن اليهود والمجوس .


         *  وقد   بعث  النبي صلى الله عليه وسلم   بعد فتح مكة  بايام قلائل  برسالة الى ملكي عمان  جيفر واخيه. وقد  انتدب لايصالها اليهما عمرو بن العاص  فلما  وصل الى عمان  لقي  عبد بن الجلندي فساله عبد عما  يدعو اليه  فقال:
-        الى الله وحده لاشريك له وتخلع  ما  عبد من دونه وتشهد ان محمدا عبده  ورسوله.
       بعد حوار طويل بينهما ساله عبد الجلندي عما يا مر به النبي صلى الله عليه وسلم  فقال له :
  يامر بطاعة  الله وينهى عن العدوان والزنى وشرب الخمرة  وعن عبادة الحجر والوثن والصليب .
 فقال له عبد : ما احسن هذا الذي يدعو  له لوكان اخي يتابعني  عليه لركبنا حتى نؤمن بمحمد  ونصدق به لكن اخي اضن  بملكه من ان يدعه ويصير ذنبا – اي تابعا لغيره - 
 فقال عمرو بن العاص : ان اسلم اخوك ملكه رسول الله صلى الله عليه  على قومه  فاخذ الصدقة من غنيهم فيردها على فقيرهم .
فقال له -:ان   هذا لخلق حسن.
 ثم ساله  عن الصدقة  فاخبره عمرو بن العاص  بتفاصيلها واحكامها فلما جاء على ذكرالمواشي قال له :
-        ما اظن ان قومي يرضون بهذا .

        ثم  اوصل عبد  عمرو بن العاص الى اخيه جيفر  فاعطاه الكتاب  فقراه وسال عمرا عما  فعلته قريش فاخبره انهم اسلموا وانه ان اسلم يسلم والا وطاته الخيل  وتبيده  خضراءه .
       فارجأ جيفر امره الى  الغد  فلما كان الغد ابدى القوة والصمود ولكنه اختلى باخيه  للاستشارة .  ثم اسلم  الاثنان وخليا  بين عمرو بن العاص وبين اخذه الصدقة  وكانا عونا عمن  خالفه  او امتنع عنها . 





                      
***********************************   
                                     





              شذ رات من السيرة النبوية المعطرة


                                   28

                           بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله:

        من فضائل صلح الحديبية على المؤمنين انهم  تفرغوا واستراحوا من اكبر  واعظم عدو لهم في الجزيرة العربية  وهم قريش  حيث تفرغ النبي صلى الله عليه وسلم  لأخبث عدو للاسلام  وهم اليهود  وكانوا يسكنون في ( خيبر ) وما  خلفها من جهة  الشام .

         فبينما  كان  النبي  صلى الله عليه وسلم  يستعد  للخروج الى       ( خيبر ) حدثت معركة  جديدة هي ( معركة الغابة ) .   وسببها  ان  النبي  صلى الله عليه  وسلم   قد  ارسل  ا بلا  لقاحا  ترعى  في جهة  الغابة  بناحية   جبل ( احد)  ومعها غلامه  رباح  وكان  راعي الابل  (سلمة بن الاكوع ) فأغار  (عبد الرحمن  بن عيينة  بن حصن  الفزاري) في  بني  عبد الله بن غطفان على  الابل  اللقاح  للنبي صلى الله عليه وسلم  التي  ترعى  بالغابة  فاستاقها   واعطى الراعي فرسه  الى (رباح) ليسرع الى المدينة  فيخبر النبي صلى الله عليه وسلم  بالامر  وقام  الراعي على اكمة  واخذ يصيح باعلى صوته  :
-        يا صباحاه  .. يا صباحاه .. ياصباحاه..
 ثم خرج في اثارالقوم وهو يرميهم النبال  ويرتجز :

                  خذها انا ابن الاكوع     اليوم يوم الرضّع
 
         واستمر في رميه عليهم  حتى رجع  اليه احدهم فجلس الى اصل شجرة   ورماه ثم دخلوا في مضيق  جبل   فاصبح  (سلمة ) فوق  الجبل وهو مستمر في رميهم بالنبال  .

     وفي رواية اخرى في النبل  والحجارة  حتى تركوا الابل  كلها ولم يزل يتبعهم حتى ألقوا ثلاثين بردا وثلاثين رمحا  فاضطر اربعة منهم  ان يصعدوا اليه  وهو  يجمع   الحجار ة  ليرميهم  بها   فجلسوا  في ثنية  لا يراهم  فجلس ( سلمة بن الاكوع) على راس قرن في الجبل فقال لهم :
-        هل تعرفونني ؟؟  انا سلمة بن الاكوع  لا اطلب منكم رجلا الا ادركته  ولا يطلبني احد فيدركني .
  فرجعوا عنه.

        ثم التفت صوب  المدينة  فراى فرسان  النبي صلى الله  عليه  وسلم  قادمون اليه  وفيهم  الاخرم  وقتادة و  المقداد  والتقى  اخرم  وعبد الرحمن  الفزاري  فعقر اخرم  فرس عبد الرحمن  وطعنه عبد الرحمن  فقتله  فلحقه  ابو قتادة  فقتله  طعنا .  وانهزم  رجاله . فطاردهم  الفوارس  وسلمة  معهم  يركض  برجليه  حتى  وصلوا  قبيل  الغروب الى  ماء  يسمى ( ذي قرد) حيث  نزل عليه  فرسان  العدو  ليشربوا منه  لعطشهم  فاجلاهم سلمة بنبله ولحق  بهم النبي صلى الله عليه وسلم   فقال سلمة  ابن الاكوع للنبي صلى الله عليه وسلم  :
-        يارسول الله  القوم عطاشى  فلو بعثتني في مائة رجل اخذت باعناقهم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ملكت فاسجع ) - تريث
ثم قال  صلى الله عليه وسلم :( انهم ليقرون الان في بني غطفان)  واعطاه سهم  الفارس والراجل واردفه العضباء وقال صلى الله عليه وسلم :(  خير فرساننا اليوم ابو قتادة  وخير  رجالتنا  سلمة) .
 
     وفي رواية اخرى قال النبي صلى الله عليه وسلم
-(  ياخيل الله اركبي ..)
      ثم  ركب  رسول  الله صلى الله عليه وسلم  مقنعا  في الحديد فكان أول  من قدم إليه  المقداد  بن عمرو في الدرع  والمغفر. فعقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم  اللواء في  رمحه وقال :
( امض حتى تلحقك الخيول إنا على أثرك قادمون )
 واستخلف النبي صلى الله عليه وسلم  ابن أم مكتوم ثم أدرك سلمة بن الأكوع  القوم وهو على رجليه  فجعل  يرميهم  بالنبل  ويقول:

                     ( خذوها وانا ابن الأكوع     واليوم يوم الرضع )

      حتى انتهى إلى( ذي قرد)    وقد استنقذ  منهم  جميع  اللقاح  وثلاثين  بردة . و قال سلمة :
فلحقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم  وفوارسه  ينوون فتحاً لحِصْون      ( خَيْبَر)   بعد أن نقض اليهود العهد مع المسلمين في معركة الخندق وعاقبهم رسول الله في غزوة بني قريظة  وتم  طردهم  خارج المدينة فاتجه أغلبهم إلى (خيبر).

       ما كاد رسول الله عليه وسلم يعود من صلح الحديبية ، ويستريح بالمدينة  حتى أمر بالخروج إلى (خيبر) وليتخلص من هذه البؤرة  الوسخة  فاليهود  اظهروا   العداء  للاسلام من اول  يوم ولد  فيه وهم يعلمون انه الحق من ربهم  وكان سلاحهم  الاقوي  المكائد  والحيل والنفاق  ولا يزالون  لحد الان   فقد كان  يهود  خيبر  يعادون المسلمين وقد بذلوا جهدهم  في  جمع  الأحزاب  في  غزوة( الخندق)  لمحاربة المسلمين  يوم خرج رسول الله  صلى الله عليه الصلاة والسلام للقتال  .

        ففي  مطلع  محرم الحرام من السنة السابعة للهجرة المباركة وبعد ثلاثة ايام من  انتهاء  معركة ( الغابة )  استخلف النبي صلى الله عليه  وسلم على المدينة( سباع بن عرفطة الغفاري)  ونادى في الناس الا يخرجوا معه الا  رغبة في الجها د
 اما الغنيمة   فلا يعطي لهم منها شيئا فلم يخرج للقتال الا اصحاب الشجرة  وكان  عددهم الف واربعمائة مقاتل .
        كانت( خيبر) مدينة يهودية تبعد عن المدينة المنورة قرابة \ مائة وسبعين كيلومترا باتجاه الشام  شمال المدينة متكونة  من عدة  محلات  اهمها ثلاث:  الكتيبة والنطاة والشق وكل منها  مكون من عدة حصون وقلاع
 فالكتبية متكونة من : حصن القموص وحصن السلالم ومحصن النزار
والنطاة متكونة من : حصن ناعم وحصن الصعب بن معاذ وحصن قلعة الزبير.
والشق متكونة من : حصن القموص وحصن الوطيح وحصن السلالم                                                                       
      فخرج النبي صلى الله عليه وسلم  لغزو ( خيبر ) وسلك الطريق الموصل اليها حتى  وصل الى منتصف الطريق ثم غير طريقه باخر يوصله الى ( خيبر ) من جهة الشام  ليحول بينهم وبين  هروبهم الى الشام . وفي الطريق اليها قال رجل لعامر بن الاكوع  الا تسمعنا  من هنياتك  فنزل يحدو ويقول :

 لاهم لولا انت ما اهتدينا
ولا  تصدقنا ولا صلينا
فانزلن  سكينة    علينا
 وثبت  الاقدام ان لاقينا
انا اذا  صيح بنا   اتينا
وبالصيح  عولوا  علينا
 وان  ارادوا  فتنة ابينا

 فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
( من هذا السائق؟؟  )
 قالوا: عامر بن الاكوع                                              
فقال صلى الله عليه وسلم:(رحمه الله)
 فقال رجل من القوم : وجبت يارسول الله  لولا متنعا به  ؟

        فلما وصلوا الى خيبر باتوا  ليلتهم قريبا منها ولم تشعر اليهود  بهم   فلما فجرالفجر اقام صلاة الفجر صلى الله عليه وسلم بغلس ثم ركب  بالمسلمين متجهين الى مساكن( خيبر) فلما وصلوها كان اليهود يهمون  بالذهاب كل الى عمله الاعتيادي فلما رأؤا الجيش رجعوا هاربين وهم يرددون بخوف وفزع :   محمد  محمد  الله محمد  والخميس . ..
فقال النبي صلى الله عليه وسلم :( الله اكبر انا اذا نزلنا بساحة  فساء صباح المنذرين ) 

        ولما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من (خيبر) قال للجيش (قفوا ) فوقف الجيش فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه الى السماء قائلا :
(  اللهم  رب  السموات السبع  وما اظللن  ورب الارضين السبع وما اقللن ورب الشياطين  وما  اضللن  ورب  الرياح  وما اذرين  فانا  نسألك  خير هذه  القرية  وخير اهلها  ونعوذ بك  من شر هذه  القرية  وشر اهلها  وشر  مافيها . اقدموا باسم الله ..)                                                                          
         فحاصر المسلمون اليهود في( خيبر ) عشرين ليلة  وكانت ارضا وخمة  شديدة الحر  فجهد المسلمون جهدا  وتعبا شديدا  فقام النبي صلى الله عليه وسلم فيهم  فوعظهم وحرضهم على القتال قال تعالى  ( وحرض المؤمنين على القتال ) وكان بين  المسلمين  عبد اسود  فقال :
- يارسول الله اني رجل اسود اللون قبيح الوجه منتن الريح لا مال لي فان قاتلت هؤلاء حتى اقتل ادخل الجنة ؟؟)
فقال النبي صلى الله عليه وسلم له :( نعم )
 فقاتل  حتى قتل  فقال النبي صلى الله عليه وسلم  لما راه قد قتل:
( لقد حسن الله  وجهك  وطيب  ريحك  وكثر مالك )
وقال ايضا :                                                             
( لقد رايت  زوجتيه  من الحور العين  تتنازعان  جبة  عليه  وتدخلان  بين جلده وجبته )
  وكانت حصون (خيبر ) صعبة المرتقي  و فيهم مرحب فارس  يعد بالف رجل فوقعت بينهم المراماة عدة ايام  ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين بعد ان بشرهم  بالفتح  :
(   لاعطين  الراية  غدا  رجلا  يحب الله ورسوله  ويحبه الله ورسوله) فبات  المسلمون  يتشوقون اليها  وكل يتمنى ان يعطيها له  فلما اصبح الصباح قال  النبي صلى الله عليه وسلم: ( اين علي ؟؟)
 قالوا : هو يشتكي عينيه...
         فارسل اليه فلما  حضر فبصق خفيفا  في عينيه ودعا له فبرئ وكانه لم يكن فيه وجع او الم من ذي قبل  فاعطاه الراية امره  ان يدعوهم الى الاسلام قبل ان يقاتلهم . وكان اليهود قد نقلوا نساءهم واولادهم  الى  حصن  اخر ليلا  فلما ذهب اليهم  علي بن ابي طالب  ودعاهم للاسلام رفضوا بشده ودعا مرحب- وهو مقاتل يهودي يعد بالف فارس- الى المبارزة  وهو يلاعب سيفه  ويقول :

قد علمت خيبر  اني مرحب
شاكي السلاح بطل مجرب
اذا الحروب     اقبلت تلهب

      فنزل اليه عامر بن الاكوع وهو  يرتجز :

 قد علمت  خيبر  اني عامر
 شاكي السلاح بطل  مغامر

 ثم اشتبكا  بضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر فعضه فذهب عامر يسفل له- وكان سيفه قصيرا-  فرجع اليه سيف فاصاب ركبته فمات فيها  فقال  سلمة بن الاكوع  للنبي صلى الله عليه وسلم  :
-        -زعموا ان عامرا حبط عمله                                  
 فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
- (  كذب من قال ذلك  ان له اجران-وجمع بين اصبعيه- انه لجاهد مجاهد قل عربي مشى بها مثله )
 فنزل  علي بن ابي طالب  لمبارزة مرحب وهو يرتجز:

 انا الذي  سمتني امي حيدرة
كليث غابات  كريمه   منظره
اوفيهم  بالصاع كيل السندرة

 ثم ضرب  راس مرحب فقتله شر قتلة  ثم خرج اخو مرحب واسمه ياسر  يدعو المبارزة  فبرز له الزبير بن العوام  والحقه باخيه  ثم دارالقتال المرير فقتل فيه عدد من فرسان اليهود فانهارت قواهم  فانهزموا  من حصن الى حصن اخر  والمسلمون  يتبعونهم  ويغنمون  كثيرا من الطعام والسلاح والتمر .
 فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ايقنوا بالهول والفجيعة   فسالوه الصلح  ونزل اليه سلام بن ابي الحقيق . فصالحهم النبي صلى الله عليه وسلم  على حقن الدماء  وعلى الذرية ويخرجون من(  خيبر)  ويتركون  ماكان لهم من مال  وارض  وعلى الصفراء والبيضاء والحلقة  الا ثوبا على  ظهر  انسان اي  يخرجون  بثيابهم التي عليهم ولا يحملون شيئا .                                
 فغنم المسلمون مائة درع  واربعمائة سيف  والف رمح وخمسمائة درع  وصحفا  كثيرة  من  التوراة  وزعوها على  من ارادها  وكان ان غدر  كل  ابن ابي  الحقيق واخوه حيث اخفوا الذهب والفضة والجواهر فبرئت منهما الذمة  فقتلا  لغدرهما .  فلما اراد النبي صلى الله عليه وسلم  ان يجليهم منها  قالوا :  نحن اعلم  بهذه الارض منكم  فدعنا نكون فيها. فاعطاها لهم على  شرط  مناصفة  الغلة  او  شطر  ما يخرج من ثمارها وزرعها
 وكان عدد قتلى اليهود في هذه المعركة ثلاثة وتسعين رجلا وقتلى  المسلمين خمسة عشر شهيدا وقيل  ثمانية عشر .
 وفي هذا الوقت  عاد المسلمون المهاجرون الى الحبشة الى المدينة المنورة  صحبة عمرو بن امية الضمري  حامل  كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم    الى النجاشي ملك الحبشة  فاتجه طائفة منهم الى ( خيبر)  وهم ستة عشر  رجلا فيهم  جعفر بن ابي طالب  وابو موسى الاشعري   لموافاة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حين فتح ( خيبر)  وقبل ان  يقسم الغنائم  فقبل النبي صلى الله عليه وسلم  جعفرا وقال :                                                                   
-( والله ما ادري بأيهما افرح ؟؟  بفتح خيبر ام بقدوم جعفر  فلما قسم الغنائم اعطاهم منها  وكذلك وافي النبي  ب( خيبر ) صلى الله عليه وسلم  بعد فتحها  ابو ذرالغفاري  فاسلم  واستاذن  النبي صلى الله عليه وسلم  فاعطاه المصطفى صلى الله عليه  وسلم من غنائم( خيبر)                                                                                                    اما ابان بن سعيد  الذي كان قد خرج بسرية الى نجد  فقد عاد بعد انجاز مهمته  ووافى النبي صلى الله علبيه وسلم  ا لا ان( خيبر) كانت قد فتحت . واما القسم الاخر من  مهاجري الحبشة فذهبوا مع نسائهم وذراريهم الى المدينة المنورة فدخلوها مرحب بهم من قبل الانصار المهاجرين   كثيرا .

        قسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم  ( خيبر ) الى  ستة وثلاثين سهما كل سهم مجموع مائة سهم ثم قسمها  الى  قسمين  فاخذ ثمانية عشر سهما الى  امور المسلمين عامة  بما فيها احتياجات الفقراء والنوائب التي تصيبهم والنصف الاخر   قسمه على الغزاة  فاعطى للراجل سهما واحدا والفارس اعطاه  ثلاثة اسهم  اثنين لفرسه  وواحد له  وكان عدد الفوارس مائتي فارس فكان نصيبهم  ستة  اسهم  والراجلة  الفا  ومائتين  فكان  نصيبهم اثنا عشر سهما .
  



*******************************************











شذرات من السيرة النبوية المعطرة

29

بسم الله الرحمن الرحيم


 الحمد لله :

          بعد وصول النبي صلى الله عليه وسلم الى( خيبر ) ارسل محيصة بن مسعود الى (فدك) يدعوهم الى الاسلام و( فدك) قرية تقع في شرق (خيبر) على مسافة يومين منها وتعرف اليوم ب( حائط) ومضت الايام ولم يعد محيصة بن مسعود الى النبي صلى الله عليه وسلم وابطاؤوا عليه .
فلما سمع يهود (فدك ) بفتح ( خيبر) داخلهم الرعب وخافوا القتل وطلبوا ان يعاملهم معاملة اهل خيبر فقبل ذلك منهم فاعتبرت ( فدك ) ارضا خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق منها على نفسه واقاربه من بني هاشم .

    ثم سارالنبي صلى الله عليه وسلم بعد ان فرغ من (خيبر) الى (وادي القرى) ودعا اهلها الى الاسلام فلم يسلموا وخرجوا لقتال المسلمين فلما تراى الجمعان برز منهم رجل للمبارزة والقتال فخرج اليه الزبير بن العوام فقتله ثم خرج اخر فقتله ثم خرج ثالث فخرج اليه علي بن ابي طالب فقتله وقيل قتل منهم احد عشر رجلا وانتهى اليوم.

وفي صبيحة اليوم التالي ومع ارتفاع الشمس قدر رمح تقدم لهم النبي صلى الله عليه وسلم حتى انهزموا فغنم المسلمون غنائم كثيرة ثم طلبوا ان يعاملوا معاملة اهل خيبر فقبل النبي صلى الله عليه وسلم منهم ذلك واقرهم عليه وترك النخل والارض بايدي اليهود ولما رجع النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة رد المهاجرون ما منحهم الانصار من النخيل اليهم .

       تناقلت الاخبار الى يهود (تيماء) ما جرى لليهود في خيبر وفدك ووادي القرى فلم يخرج اليهم احد لقتالهم انما صالحوا على دفع الجزية واستسلموا فيقوا في بلادهم واموالهم .

        بعد معركة خيبر عاد الهدوء وذهب الخوف وارتاح الناس  عاد اليهود الى الى الخباثة والمكر والكراهية والحقد فتآمروا على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاهدوا اليه شاة مسمومة بواسطة امراة اسمها (سلام بن مشكم ) احد كبراء اليهود وقد علمت ان النبي صلى الله عليه وسلم يفضل لحم الذراع على غيره فاكثرت من وضع السم فيه فاكل منه النبي صلى الله عليه وسلم الا انه لم يبلعه فلفظ اللحم من فيه قائلا : (انها شاة مسمومة )
وسال المرأة واليهود فاعترفوا بجريمتهم وقالوا :
- قلنا ان كان ملكا نستريح منه وان كان نبيا لايضره السم .
فعفا عنهم وعن هذه المراة الا ان بشر بن معرور كان قد اكل من الشاة المسمومة فمات من ساعته فقتلت المرأة قصاصا بدم بشر .

       ولما جعلت صفية بنت حيي  بن اخطب في السبي  فاذن النبي صلى الله عليه  وسلم  الى دحية  بن  خليفة  الكلبي  باخذها  الا ان صحبته اشاروا عليه انها لا تصلح  الا له  وخاصة  انها سيدة بني النضير وسيد ة بني  قريظة . فدعا ها  النبي  صلى الله عليه وسلم وعرض عليها الاسلام فاسلمت فاعتقها النبي صلى الله عليه وسلم ثم تزوجها با ن جعل صداقها عتقها فلم تم له فتح خيبر وفدك ووادي القرى واستسلام يهود تيماء وهم بالرجوع الى المدينة ووصل الى ( الصهباء ) حلت له صفية وعرس بها ثم عاد الى المدينة في اواخر صفر وفي روايةاخرى اواوئل ربيع الاول من السنة السابعة للهجرة .
ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية الى ( الحرقات) قرية قرب (جهينة) فلما قربوا منهم بعث الامير طلائعه فلما رجعوا بخبرهم اقبل حتى دنا منهم ليلا وقد هدؤا وسكنوا ثم قام فحمد الله واثنى عليه ثم قال :
- (اوصيكم بتقوى الله وحده لا شريك له وان تطيعوني ولا تعصوني ولا تخالفوا امري فانه لا راي لمن لا يطاع )
ثم رتبهم فقال:
- (يافلان انت وفلان ويافلان انت وفلان لايفاق كل منكم صاحبه وزميله واياكم ان يرجع احد منكم فاقول اين صاحبك ؟ فيقول لا ادري فاذا كبرت فكبروا وجردوا السيوف ثم كبروا واحملوا حملة واحدة) .
فاحاطوا بالاعداء واخذتهم السيوف أخذة واحدة .

        وايضا في السنة السابعةمن الهجرة المباركة و بعد ان استقر النبي صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه الى المدينة واطمان بها سمع خبرا بتجمع البدو من بني ثعلبه وبني انمار وبني محارب فأوكل امرالمدينة الى عثمان بن عفان وركب في سبعمائة من الصحابة وقصد موقعا يقال له ( نخل ) على مسيرة يومين من المدينة وكان هذا الموقع يتميز بوعورة ارضه وجباله ذات ألوان مختلفة آذت أرجل المسلمين فشدوا عليها خرقا (رقاعا) تقيهم وعورة الارض فلقي جمعا من غطفان فلما تقارب الفريقان اذنت الصلاة فاقيمت الصلاة ( صلاة الخوف ) فصلى بالمسلمين رسو ل الله صلى الله عليه وسلم حيث قسمهم الى قسمين فصلى بالجماعة الاولى ركعتين ثم بالاخرى ركعتين فصلى النبي صلى الله عليه وسلم اربع ركعات بهم لكل فريق ركعتين .
فلما انتهت الصلاة القى الله الرعب في قلب الاعداء فتفرق جمعهم وعاد النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه الى المدينة . وسميت هذه الغزوة ب (ذات الرقاع) .

      ومن احداث هذه الغزوة ان النبي صلى الله عليه وسلم نزل لينام في ظل شجرة كبيرة وارفة الظلال وعلق سيفه بالشجرة وغلبه النوم وتفرق المسلمون تحت الاشجار فناموا فجاء رجل من المشركين حتى وصل الى النبي صلى الله عليه وسلم واخذ سيفه فاخترط السيف فاستيقظ . فقال المشرك للنبي صلى الله عليه وسلم :
- اتخافني ؟؟
قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا
قال المشرك : فمن يمنعك مني ؟؟
قال النبي صلى الله عليه وسلم : الله .
فسقط السيف من يد المشرك فاخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له:
- (من يمنعك مني )..
- فقال : من خير آخذ .
فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم للاسلام فلم يسلم الا انه اعطى للنبي صلى الله عليه وسلم عهدا انه لايقاتله ولا يكن مع قوم يقاتلونه فاخلى النبي صلى الله عليه وسلم سبيله . ثم ذهب الى قومه وقال لهم :
جئتكم من عند خير الناس .
وقد اشترك في هذه الغزوة ايضا ابو هريرة وابو موسى الاشعري رحمهما الله تعالى.

      وفي شهر ذي القعدة من هذه السنة السابعة للهجرة المباركة توجه النبي صلى الله عليه وسلم قاصدا مكة المكرمة للعمرة التي تم الاتفاق عليها في صلح الحديبية . ان تكون في العام القادم فاستخلف على المدينة المنورة ابا ذر الغفاري فخرج ومعه ستين بدنة بحماية ناجية بن جندب الاسلمي كما حمل معه السلاح بحماية بشير بن سعد خشية من تمرد قريش وغدرها وكان معه مائة فرس وعليها  محمد بن سلمة .

    احرم النبي صلى الله عليه وسلم من ( ذي الحليفة ) القريبة على المدينة المنورة ولبى والتلبية ( لبيك اللهم لبيك ان الحمد والنعمة والملك لك لاشريك لك   لبيك ) تتكرر من ساعة الاحرام حتى وصول مكة المكرمة ومشاهدة الكعبة المشرفة وكان المسلمون قد احرموا و ساروا ملبين وراءه وواصل سيره حتى بلغ وادي ( يأجج) حيث توقف ووضع السلاح.و امر عليها اوس بن خولي الانصاري ومائتي رجل من الصحابة وتقدم  والباقون بسلاح الراكب - اي كل معه سيفه في قرابه غيرمصلت منه-
فدخل مكة المكرمة من موضع يقال له ( ثنية كداء ) وهذه توصله الى (الحجون) .

       دخل النبي صلى الله عليه وسلم  المسجد الحرام على ناقته ( القصواء) والمسلمون محدقون به  من كل  صوب  ومتوشحون سيوفهم فلما دخل استلم الحجر الاسود بمحجنه  ثم طاف حول البيت  سبعا وهو على ناقته وطاف معه المسلمون كاشفي عن مناكهم اليمين مشمرين عنها دليل القوة والفتوة وكان بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن ابي رواحة الشاعرالمشهور وهو ينشد:

خلوا بني الكفارعن سبيله
                                     خلوا فكل الخير في رسوله

قد انزل الرحمن في تنزيله
                                   في صحف تتلى على رسوله

بان خيرالقتل في سبيله
                                        يارب  اني مؤمن  بقيله

اليوم نضربكم على تاويله
                                       كما ضربناكم على تنزيله

ضربا يزيل الهام عن مقيله
                                   ويذهل    الخليل  عن خليله


         اما القرشيون فكانوا ينظرون اليهم من فوق جبل( قعيقعان ) شمال الكعبة وقد تجمعوا رجالا ونساءا وصبيانا والمسلمون يرملون في ثلاثة اشواط  الا  بين  الركن اليماني  والحجر الاسود  فيمشون براحتهم وبهذه الحالة يكونون لا يراهم المشركون ويكون بناء الكعبة قد حجبهم عن نظرالمشركين كما امرهم النبي صلى الله عليه وسلم اظهرا للقوة والفتوة وكانوا يتوقعون ان المسلمين اتعبهم السكن في المدينة فلما راوهم يرملون بقوة ونشاط تعجبوا .

        فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الطواف حول الكعبة والمسلمون معه تقدموا للسعي بين الصفا والمروة سبعة اشواط فلما انتهوا نحرالهدي عند المروة ونحروا وحلق راسه وحلقوا وبهذ ا يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد تحلل وانتهت عمرته وكذلك المسلمون معه .
ثم بعث النبي رجالا من اصحابه الى جماعته الذين بقوا بحماية السلاح لياتون فيؤدوا عمرتهم .

        ومكث ثلاثةايام بلياليها في مكة المكرمة وفي هذه الايام تزوج من ميمونة بنت الحارث من بني هلال التي كانت زوجة لعمه الحمزة بن عبد المطلب وكانت زوجة عمه العباس فاوكلت العباس في تزويجها فزوجها العباس الى النبي صلى الله عليه وسلم.
اتى الى النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك من قريش سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى فصاح حويطب :
- نناشدك الله والعقد لما خرجت من ارضنا
بعدها امرالنبي صلى الله عليه وسلم ابا رافع ان يؤذن بالرحيل .

          وفي اليوم الرابع غادر النبي صلى الله عليه وسلم مكة المكرمة الى المدينة مسرورا وقد تحققت رؤياه ( لتدخلن المسجد الحرام امنين محلقين رؤوسكم ومقصرين ) فلما بلغ ( سرف) وهي على مسافة تسعةاميال من مكة المكرمة زفت اليه ميمونة فبنى بها .
وهذه هي العمرة الاولي التي طاف النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون فيها حول الكعبة المباركة واتموها فكانوا فرحين مستبشرين .

                                     يتبع




**********************************************







              شذرات من السير ة النبوية المعطرة

                              30

                     بسم الله الرحمن  الرحيم

 الحمد لله:

         بعد ان عاد النبي صلى الله عليه وسلم  من عمرة  القضاء  والتي اعتمرها في ذي القعدة من السنة السابعة للهجرة المباركة  جهز  جيشا  الى  (مؤتة)  ومؤته ماء وقرية قرب البلقاء  في الشام .
         ولو رجعنا الى  الشذرة السابعة والعشرين من هذه الشذرات لوجدنا ان النبي صلى الله عليه وسلم  ارسل كتبا ورسائل الى  ملوك وامراء البلدان المجاورة  ومن جملتهم  عظيم بصرى  فقد ارسل اليه كتابا  وا وفد فيه الحارث بن عمير فقتله شرحبيل بن عمرو الغساني  وكان هذا بمثابة اعلان حرب  على المسلمين .

         وبغية الرد على هذه السابقة التي لم يسبق مثلها  فقد جهز النبي صلى الله عليه وسلم جيشا قوامه ثلاثة الاف مقاتل  بقيادة  زيد بن حارثة  واوصاهم انه لو قتل زيد  فالقائد  يكون جعفر بن ابي طالب وان قتل  جعفر ايضا  فالقائد عبد الله بن ابي رواحة الشاعرالمعروف .

         وعقد  رسول الله صلى الله عليه وسلم لواء  الجيش ابيضا  حمله  زيد بن حارثة . واوصاهم  ان ياتوا مكان  استشهاد  الحارث بن عمير  فيدعوهم الى الاسلام  فان  ابوا  فحق قتالهم  وقال لهم :
( اغزوا  باسم الله وفي سبيل الله  قاتلوا من كفر بالله  ولاتغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليدا ولا امراة ولا كبيرا  فانيا  ولا منعزلا  بصومعة ولا تقطعوا نخلا ولا شجرة ولا تهدموا  بناءا )

     وهذه وصية من الله ورسوله الى جيوش المسلمين  عامة وفيها من  الخلق الانساني العظيم ما لم يكن له مثيل  . ثم جمع الجيش وشيّعه الى ( ثنية  الوداع)  ثم رجع  وفي  هذا  يقول  الشاعر عبد الله بن ابي رواحة :

     لكنني اسال الرحمن مغفرة       
                                  وضربة ذات فرع تقذف الزبدا

   او طعنة بيدي حران مجهزة   
                                    بحربة  تنفذ الاحشاء والكبدا

    حتى يقال اذا مروا على جدثي 
                                  يارشد الله  من غاز وقد رشدا

 فكان كما اراد.  

         سار الجيش شمالا  حتى وصل  ( معان ) بجنوب الاردن   فاخبروا ان هرقل  نزل بجيشه  في موقع اسمه ( مآب ) قرب البلقاء  ومقداره مائتا الف فارس  وانضم اليه من العرب مائة اخرى من لخم وجذام وبلي  وغيرهم من قبائل العرب  فكان جيش الاعداء  ثلاثمائة الف  مقاتل  مقابل جيش المسلمين ثلاثة الاف مقاتل . فتشاور القادة بينهم  وهموا ان يكتبوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبون منه ا ن  يمدهم  بالمدد  ام يقدمون على الحرب ؟؟

        فشجعهم  عبد الله  بن ابي  رواحة بان  الذي يكرهونه هو الشهادة و هذا هو الذي خرجوا يطلبونه ويبغونه في كل المعارك  في سبيل الله ونصرة الاسلام  وقال لهم :

-        نحن  ما خرجنا نقاتل بعدد ولا بعدة ولا بقوة ولا بكثرة  انما نقاتل بهذا الدين الذي اكرمنا الله به . فاما الظهور واما الشهادة .
 فقالوا :   صدق ابن ابي  رواحة.

       فتقدموا للقتال ونزلوا بمؤتة  وتعبؤوا  متهيئين للقتال والاستشهاد جميعهم ولقيهم  جيش الاعداء الجرار  بتخوم  البلقاء  .

       وكان  في هذه  المعركة عجائب  رحمة  الله  بالمؤمنين  وكان قتال المسلمين في هذه المعركة من العجائب في تاريخ البشرية  والا  فكيف يقاتل ثلاثة الاف مقاتل ثلاثمائة  الف  اي  بزيادة مائتين  وسبعة وتسعين الف مقاتل  بمعادلة حسابية بسيطة  يكون على كل مقاتل مسلم ان يقاتل( 990) مقاتلا من الكفار  وهذا ما لا  يدركه العقل الواعي .  ودارت معركة عظيمة عجيبة لم يشهد تاريخ  البشرية  لها  مثيلا  فقد  كان  جيش  الروم  بهذا العدد الهائل مدججا  بالسلاح  ويهجمون طوال النهار على المسلمين الذين هم اقل منهم سلاحا  وعدة  وعددا  ومع كل ذلك  فقد الروم كثيرا من ابطالهم.

        كانت راية المسلمين بيد زيد بن حارثة فقاتل  وقاتل وقاتل حتى استشهد في سبيل الله وكان عمره ثلاثة وثلاثين عاما عندما  استشهد وأخذ الراية بعده  جعفر بن أبي طالب فقاتل وهو ينشد :

     يا حبذا  الجنة  واقترابها          طيبة   وبارداً  شرابهـا
والروم روم قد دنا عذابها       علي  إذا  لاقيتها ضرابها

     وقاتل حتى اذا ارهقه التعب حتى اقتحم عن فرسه الشقراء فعقرها  ثم قاتل قتالا  مستميتا  حتى قطعت يمينه فتناول الراية بشماله  حتى اذا قطعت شماله  احتضنها بعضديه فابقاها خفاقة عالية  حتى خر صريعا وبه بضع وتسعون  جرحا  مابين رمية  وطعنة  فتناولها عبد الله بن رواحة  فاخذ الراية وتقدم نحو جيش الروم   وهو يرتجز او ينشد يخاطب نفسه :

اقسم     بالله     لتزلنه
ولتنزلنه    او   لتكرهنه
ياظالما   قد كنت مطمئنة
ان اجلب الناس  وشدوا الرنة
مالى اراك  تكرهين الجنة

وكذلك قال ايضا :

يانفس ان لم تقتلي تموتي
هذا حمام الموت قد صليت

وما تمنيت فقد اعطيت
ان تفعلي فعلهما هديت

     فقاتل  وقاتل حتى استشهد في سبيل الله 

        وقد  قال  زيد بن ارقم فيه   وكان يتيما عند عبد الله بن ابي رواحة  :
 - خرج  بي عبد الله  في  سفره  مردفي على  حقيبة رحله  فسمعته  ينشد
شعرا فيقول :

اذا  اديتني وحملت رحلي
مسيرة اربع بعد الحسام

فشأنك فانعمي وخلاك ذم
ولا ارجع الى اهلي  ورائي

وجاء المسلمون وغادروني
بارض الشام مستنهي الثواء

وردك كل ذي نسب قريب
الى الرحمن منقطع الاخاء

هنالك لا ابالي  طلع  بعل
ولا  نخل  اسافلها  ورائي

 قال زيد بن الارقم : فبكيت  فخفقني بالسوط وهو يقول لي:
-  ماعليك يالكع  ان يرزقني الله الشهادة  وترجع  بين  شعبتي الرحل .

  فتقدم  ثابت  بن الارقم  وفتناول الراية  لكي لا تسقط على الارض  وقال للمسلمين :
-        اصطلحوا على رجل ..
 اي اختاروا قائدا للمعركة من بينكم .

      فاصطلح  المسلمون على  خالد بن الوليد  فتقدم  خالد وهو اهل لها فقاتل قتالا عجيبا  شرسا  منقطع  نظيره  حتى  قيل  تقطعت  في  يده  تسعة  سيوف  حتى انتهى  النهار .

     ولما اخبر النبي صلى الله عليه وسلم  بمقتل  القادة الثلاثة  وانتقال          القيادة الى خالد بن الوليد  اسماه ( سيف الله المسلول  ) فكني بها . وعرف بهذه الكنية  ولا زال يكنى بها في كل الكتابات التاريخية فيه  

     وقد رثى الشاعر حسان بن ثابت  جعفر بن عقيل وعبد الله بن رواحة وزيد بن حارثة  وقتلى المسلمين (بمؤتة) بقصيدة  منها هذه الابيات :

تأوبني ليل بيثرب أعـــسرٌ
                                  وهَـمٌّ إذا مانوّم الناس مسهر

لذكرى حبيب هيجت ثم عبرة
                                سفوحاً وأسباب البكاء التذكر

بلى إنّ فقدان الحــبيب بليةُ
                               وكـم من كريم يبتلى ثم يصبر

فلا يبعــدن الله قتلى تتابعوا
                             بمـؤتة منهم ذو الجناحين جعفر

وزيدٌ وعبــدالله حين تتابعوا
                               جميعاً وأسبـــاب المنية تخطر

غـداة غدوا بالمؤمنين يقودهم
                             إلى المـوت ميمون النقيبة أزهر

       وخيم  الليل فرجع   الفريقان كل الى موضعه  فلما  اصبح  الصباح  رتب خالد جنده  بغير  الترتيب الذي كان عليه  فجعل الميمنة  ميسرة وجعل الساقة في المقدمة  والمقدمة  في الساقة  والميسرة  في الميمنة   فظن   الاعداء  ان  امدادا جاءت للمسلمين  فداخلهم الخوف بل قذف الله تعالى الرعب في قلوبهم  فلما بدء القتال  وتمت  مناوشة  خفيفة  بين الطرفين .  بدأ خالد  يتاخر  فلم تتقدم  الاعداء  حيث  ظنوا ان  المسلمين  تاخروا  ليخدعوهم   فالتمس المسلمون  مؤتة  ومكثوا  يناوشون  العدو سبعة ايام   ثم تحاجز الفريقان وتوقف القتال.

         اذ ان الروم  ساورهم الظن او الشك  ان المسلمين  تتوالى عليهم الامدادات وانهم يكيدون  بهم  ليسحبوهم  في  قتالهم  الى الصحراء  وفيقتلونهم  وبهذا رجحت  كفة القتال للمسلمين  وانتهت المعركة  بهذا الاتجاه . خسر المسلمون اثنا عشر مقاتلا وخسرالروم ما لا يعد فقد قتل منهم الكثير  وكان ذلك في جمادى الاولى من السنة الثامنة للهجرة   .

       وفي جمادي الاخرة من السنة الثامنة للهجرة المباركة اي بعد شهر واحد على انتهاء معركة (مؤتة ) كان بعض القبائل العربية  في الشام  قد خانت عروبتها  في معركة مؤتة  فقاتلت  بجانب الروم ضد ابناء عروبتهم واخوتهم  العرب المسلمين لذا  فقد راى النبي صلى الله عليه وسلم  لقيام بعمل جريء  يكفهم عن نصرة الروم ويلزمهم  نصرة العرب  المسلمين  والوقوف بجانبهم  فارسل اليهم  ثلاثمائة من  الصحابة بقيادة  عمرو بن العاص  حيث ان ام ابيه ( جدته ) كانت من قبيلة بلي وهي احدى القبائل التي اشتركت بالقتال  بجانب الروم ضد  المسلمين  العرب  يدعوهم للاسلام اولا  فان  لم يسلموا
فسيلقنهم درسا لن ينسوه  فلما اصبح قريبا منهم  اخبر انهم جمعوا جمعا كبيرا  في  منطقة تدعى( ذات السلاسل ) وهو موضع ماء  يقع وراء( وادي القرى) فاخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقرر امداده بماءتي مقاتل  من المهاجرين والانصار  واوعز الى ابي عبيدة عامر بن الجراح قيادتهم  فان يصل الى المعركة يكون عمرو بن العاص  هو قائد الحملة  وامام الجند في الصلاة   فلما وصل اليهم هجم عليهم فولوا هاربين  وتفرق جمعهم وسميت هذه الغزوة  بغزوة ( ذات السلاسل ).



***************************************************



























           شذرات من السيرة النبوية المعطرة

                               31

                  بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله:

             فى النصف الثاني من رمضان من  السنة الثامنة من الهجرة المباركة  وكان ان فتح الله لحبيبه  المصطفى محمد صلى
الله عليه  وسلم مكة المكرمة وهو الفتح الاعظم او الفتح  المبين
( انا فتحنا لك فتحا مبينا )  سورة الفتح \ 1
 وكان الله تعالى بهذا الفتح قد اعز الاسلام وانقذ المسجد الحرام وطهره من الاصنام والاوثان والشرك والكفر  واعز رسوله الكريم محمدا صلى الله عليه وسلم .

   كان  قد مضى  على صلح الحديبية سنتان  والذي كان من بين شروطه  كما ذكرنا أن من أحب أن يدخل فى عهد محمد دخل فيه ومن أحب ان يدخل في عهد قريش دخل فيه ولهذا فقد  دخلت قبيلة خزاعة فى حلف مع النبى محمد صلى الله عليه وسلم ودخلت قبيلة بنى بكر فى حلف مع قريش وكانت القبيلتان تسكنان في  أحياء من مكة وضواحيها  وكان بينهما خلافات قديمة  وعداء متوارث منذ  الجاهلية .

          وكانت هذه الاحقاد قد اختفت  نيرانها بظهور الاسلام  وذات  يوم  تحركت  هذه  الأحقاد  فاغتنم  بنو بكر حلفاء  قريش هدنة الحديبية  واغاروا ليلا  في شهر شعبان من  السنة الثامنة للهجرة المباركة على  خزاعة حلفاء النبى محمد صلى الله عليه وسلم  وكانوا على ما ء يقال له ( الوتير)  وأمدتهم قريش بالخيل والسلاح

       وقيل في رواية اخرى انهم اشتركوا معهم في القتال سرا مثل  صفوان بن أمية وعكرمة بن أبى جهل وسهيل بن عمرو مع غيرهم وعبيدهم وقد بلغ بهم الحمق والطغيان أن يطاردوا خزاعة حتى البيت  الحرا م   ويقاتلونهم  فيه  وهذا  محرم  وغير جائز .
       فلما انتهوا الى المسجد الحرام  قال نفر من بنى بكر لرئيسهم نوفل بن معاوية-
 إنا قد دخلنا الحرم إلهك إلهك
-فقال كلمة عظيمة:
- لا إله اليوم يا بنى بكر أصيبوا ثأركم فلعمرى إنكم لتسرقون فى الحرم أفلا تصيبون ثأركم فيه .

       ولعل السر فى تورط  قريش ومساعدتها  لبنى بكر هو أنها فسرت تفسيرا خاطئا ما جرى لجيش المسلمين فى معركة ( مؤته)  إذ اعتقدت أن ما جرى كان هزيمة كبيرة لحقت بالمسلمين فاضعفتهم  وهذا خطأ كبير  وقعت فيه قريش وترتب عليه نتيجة  ارتكابها هذا الخطأ الاخر وهوانتهاكها  لشروط   صلح  الحديبية .

         وكانت خزاعة  قد دخلت في حلف مع النبي محمد صلى الله عليه  وسلم ودخلت مع المسلمين  في  صلح الحديبية  وشملت  به  وكان قد اسلم رجال من خزاعة . وقد تظاهرت بنو بكر وقريش على خزاعة  وقد أصابوا  منهم  ما أصابوا  ونقضوا  ما كان  بينهم  وبين رسول الله  محمد صلى الله عليه وسلم من العهد والميثاق بما استحلوا  من خزاعة  فخرج عمرو بن سالم الخزاعي  وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم  فى المدينة وأنشده أبياتا يناشده فيها الحلف الذي كان بينه وبين خزاعة ويسأله المعونة  والنجدة ويخبره  بأن قريشا  اخلفوه  الموعد  ونقضوا  العهد   والميثاق المؤكد  بينهم :

                           يارب  اني ناشد محمدا
حلف ابينا وابيه والاتلدا

قد كنتموا  ولدا وكنا والدا
ثمت اسلمنا ولم ننزع يدا

فانصر هداك الله نصرا ايدا
وادع عباد الله ياتوا مددا

فيهم رسول الله  قد تجردا
ابيض مثل البدر يسموا صعدا

ان سيم خسفا وجهه تربدا
في فيلق كالبحر يجري  زبدا

ان قريشا اخلفوك الموعدا
ونقضوا ميثاقك المؤكدا

وجعلوا لي في كداء رصدا
وزعموا ان لست ادعوا احدا

وهم   اذل   واقل  عددا
هم  بيتونا  بالوتير هجدا

وقتلونا    ركعا   وسجدا


 فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
-( نصرت يا عمرو ابن سالم).

أراد النبي  صلى الله عليه وسلم أن يستوثق منهم الخبر ويعتذر إلى قريش فبعث إليهم رجلاً يخيرهم بين ثلاث:
1 – أن يدفعوا دية قتلى خزاعة
2 –   او يبرأوا من حلف بنى  نفاثة (بطن  من  بكر) وهم  الذين   قادوا هذه الحملة على خزاعة
 3– أو ينبذ إليهم على سواء.
 فأجابه بعض زعمائهم :
-        لكن ننبذ إليهم على سواء .
وبذلك برئت ذمة قريش وقامت عليهم الحجة.

          ولكن قريشا لما  فكرت في الأمر مليا اقتنعت أن المسلمين  قد أصبحوا قوة لا يمكن مواجهتها وأن فيهم ألان من أبطالهم السابقين خالد بن الوليد وعمرو ابن العاص وقبائل كثيرة قد اعتنقت الإسلام، ولذلك ندمت علي ما أجاب به بعض سفهائها من إجابة متهورة، وانتهى رأيهم أن يبعثوا أبا سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجدد العهد ويزيد في  المدة ويتدارك الأزمة قبل استفحال خطرها.

        قدم أبو سفيان الى رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ونزل على ابنته ( أم حبيبة) زوج النبى صلى الله عليه وسلم ولما حاول ان يجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم  طوته عنه  ولم تسمح له  فقال لها:
 يا بنية: ما أدرى أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عنى؟
قالت: بل هو فراش رسول الله صلى الله  عليه  وسلم  وأنت  رجل مشركفيك نجاسة  ولا أحب أن تجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال: والله لقد أصابك  بعدي شر .
                                                       
         وخرج  من عندها غضبان أسفا حتى جاء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه أبو سفيان فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فذهب ابو سفيان إلى أبي بكر ليكلم  النبي صلى الله عليه وسلم  فأعرض عنه وكذلك  أعرض عمر بن الخطاب و علي بن ابي طالب  فعاد أبو سفيان دون ان يحصل من النبي صلى الله عليه وسلم  على وعد باستمرارية صلح الحديبية  و لكنه ظهر بعهد الجوار حتى وصل إلى مكة.

         فلما قدم على قريش قالوا لابي سفيان:
- ما وراء ك ؟
قال:  جئت محمدا فكلمته فوالله ما رد على شيئاً ثم جئت ابن أبى قحافة فلم أجد فيه خيراً ثم جئت ابن الخطاب فوجدته أدنى للعدو ثم جئت علياً فوجدته ألين القوم وقد أشار علي بشئ  صنعته  فوالله ما أدرى هل  يغنى ذلك  شيئا  أم لا ؟
قالوا: وبم أمرك ؟
قال: أمرني أن اجير بين الناس ففعلت
قالوا: فهل أجاز ذلك محمد ؟
قال:  لا
قالوا:ويلك والله ما زاد الرجل على أن  لعب بك فما يغني عنك ما قلت
قال: لا والله ما وجدت غير ذلك .
    
         واضطربت الأحوال فى مكة عقب عودة أبى سفيان وإبلاغه
 لهم الخبر  بما حدث لكن النبى صلى الله عليه وسلم  لم يتركها  طويلا  فى اضطرابها  فقد عقد العزم على فتح مكة، وتجهز النبى صلى الله عليه سلم   والمسلمون  للخروج  واستعان  على  أمره بالكتمان  ثم أعلم الناس أنه سائر إلى مكة وأمرهم بالجد والمثابرة  والاستعداد وقال:
( اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها فى بلادها)  .

      وكان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يحب سفك  الدماء وكان يرغب  بدخول مكة فى سلام حتى لا تمس حرمتها وأن يدخل أهلها في الإسلام لينعم أهلها بنعمة الإيمان.

       ولزيادة في الكتمان والتحوط له فقد جهز النبي صلى الله عليه وسلم  ابا قتادة الى بطن ( اضم) التي تبعد عن المدينة المنورة ستة وثلاثين ميلا  ليظن الاخرون انه صلى الله عليه وسلم يجهز جيشه  لغزو هذه الناحية

         وبينما الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون على أمرهم من الاستعداد والكتمان حدثت محاولة من أحد الصحابة كادت أن تكشف نية المسلمين لمشركي مكة، فقد كتب حاطب بن أبى بلتعة كتابا إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغزو، ثم أعطى حاطب كتابه الى  امرأة وجعل لها جعلا على أن تبلغه قريشا فجعلته فى  ظفائر رأسها  ثم  خرجت  به.

      وأتى رسول الله  الخبر من السماء بما صنع حاطب فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم : على بن أبى طالب والزبير بن العوام وفي  رواية اخرى  والمقداد  ومرثد الغنوي  وقال لهم :
-( انطلقوا الى روضة خاخ فان بها ضعينة  معها كتاب فخذوه منها )
فأدركوا المرأة  وكان قد كتب فيه الى قريش  يحذرهم ما قد أجمع المسلمون عليه فى أمرهم فخرجوا حتى أدركوها  ب (ذي الحليفة) فاستنزلوها من رحلها وفتشوا رحلها فلم يجدوا شيئاً وطالبوها في الكتاب فقالت لهم :
-        ما معي اي كتاب
  فقال على بن ابي طالب  رضى الله عنه:
      انى أحلف ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا كذبنا ولتخرجين الكتاب أو لنكشفنك،
 فلما رأت الجد منه
 قالت: أعرض
 فأعرض عنها فحلت قرون رأسها فاستخرجت الكتاب منها فدفعته إليه، فدعا رسول الله  صلى الله عليه وسلم  حاطبا.

فقال: ( يا حاطب ما حملك على هذا ؟ )
فقال:  يا رسول الله أما والله إني لمؤمن بالله ورسوله ما غيرت ولا بدلت ولكنى كنت امرأا  ليس لى فى القوم أصل ولا عشيرة وكان لي بين أظهرهم      و لد  وأهل  فصانعتهم عليهم .
فقال عمر بن الخطاب دعني يا رسول الله أضرب عنقه فإنه قد نافق
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

( إنه قد شهد بدرا وما يدريك يا عمر لعل الله أطلع على أهل بدر فقال أعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) .

و شفع لحاطب ماضيه الطيب مع الإسلام والمسلمين ونيته التي جعلته يتخذ هذا الموقف لا عن كفر او بغض للإسلام وإنما مصانعة لقريش من أجل أهله وأولاده وقد سامحه  رسول الله صلى الله عليه وسلم  على هذا الضعف الانساني الذي تعرض له فى هذا الموقف.

        وفى حاطب هذا  نزل قول الله تعالى:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيل)
 سورة الممتحنة – الآية 1.

          وفي  اليوم العاشر من شهر رمضان تحرك  رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة  يريد مكة  واستعمل  ابا ذرالغفاري على المدينة  المنورة  وكلما تقدموا انضم إليهم من سائر القبائل من يزيد فى عدد المسلمين  ومنعتهم حتى بلغوا ما لا يقل عن عشرة آلاف مسلم، وصام النبي صلى الله عليه وسلم  وصام الناس معه حتى إذا كانوا ( بالجحفة ) لقي النبي  محمد  صلى الله عليه وسلم  عمه العباس  ومعه اهله مسلما مهاجرا  ولقيه  (بالابواء)  ابن عمه ابو سفيان بن الحارث  وابن عمته  عبدالله  بن ابي امية  فأرض عنهما  لانه صلى الله عليه وسلم  كان يلقى الاذى منهما  
فقالت له ام سلمة:
-        لايكن ابن عمك وابن عمتك اشقى الناس بك .
وقال علي بن ابي طالب  لابي سفيان:
-        ااته من قبل وجهه وقل له ما قال اخوة يوسف ليوسف:
-         ( قالوا  تالله لقد آثرك الله علينا وان كنا لخاطئين )
       يوسف الاية\91
 فقال  النبي صلى الله عليه وسلم :
( لا تثريب عليكم اليوم يغفرالله لكم وهو ارحم الراحمين )
 يوسف الاية\92

          فلما وصل  الى (الكديد )قرية قرب مكة  وراى ان الصوم  قد شق على الناس أفطر وامر الجيش  بالافطار ثم مضى في سيره  حتى نزل (مر الظهران) على بعد ثلاثين كيلو مترا شرقي مكة فضربوا خيامهم فيه وامر النبي صلى الله عليه وسلم ان يوقدوا نارا وامر بأن  كل  رجل  يوقد نارا  فاوقدوا عشرة الاف  وحينما رأى القرشيون فجأة هذه المشاعل الكثيرة دهشوا ولم يعلموا  حقيقة  ما يرون  فخرج  أبو سفيان بن حرب و حكيم بن خزام وبديل بن ورقاء يتحسسون الأخبار .
 فقال ابوسفيان:
-.مارايت كالليلة نيرانا قط ولا عسكرا.
قال بديل:  هذه خزاعة
قال ابو سفيان : خزاعة اقل واذل من ان تكون هذه نيرانها وعسكرها

     وكان العباس بن عبد المطلب قد خرج من مكة قبل ذلك بأهله وعياله مسلما مهاجرا إلى المدينة فقابلوا النبي صلى الله عليه وسلم فى الطريق –   كما اسلفت   آنفا -  مقبلا  بجيشه على مكة . فأمره  الرسول   صلى الله عليه وسلم  العودة  معه إلى مكة ويرسل أهله إلى المدينة وقال له :
-( هجرتك يا عم آخر هجرة كما أن نبوتي آخر نبوة  ).

         ورأى العباس بن عبد المطلب قوة جيش المسلمين ففكر فى أمر قريش وماذا ستصنع أمام الرسول صلى الله عليه وسلم وجيشه وكان فى قلق شديد على مكة أن تفتح عنوة فقال:
 (واصباح قريش والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر)
       وهداه  تفكيره  أن يخرج عسى أن يقابل  أحدا  يرسله   إلى مكة ليخبر قريشا بما عزم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم  ليخرجوا إليه فيستأمنوه قبل أن يدخلها عليهم عنوة  فاذا اسامنوه  وبذلك يدخل الرسول صلى الله عليه وسلم  مكة من غير أن تسفك  دماء.

      وبينما هو كذلك سمع كلام أبى سفيان وبديل بن ورقاء (الذين بعثت بهم قريش ليتعرفوا لها خبر الجيش فى مر الظهران كما ذكرنا ) وهما يتراجعان،
وأبو سفيان يقول: ما رأيت كالليلة نيرانا  قط ولا  عسكرا.
فرد عليه بديل بن ورقاء: هذه والله خزاعة حمشتها (أحرقتها) الحرب.
فرد عليه أبو سفيان: خزاعة أذل وأقل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها ،
 فعرف العباس صوت أبى سفيان فنادى: يا أبا حنظلة
فعرف صوته فقال: أبو الفضل
فقال العباس:  نعم
فقال أبو سفيان: مالك ؟ فداك أبي و أمي
فقال العباس: ويحك يا أبا سفيان هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الناس واصباح قريش والله
قال  ابو سفيان : فما الحيلة ، فداك أبي و أمي
فقال له العباس: والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك فاركب عجز هذه البغلة حتى آتي  بك رسول الله فأستأمن لك

         وأركبه العباس وخشى عليه أن يدركه أحد المسلمين فيقتله وأتى بأبي سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال:
-( ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله).
قال أبو سفيان: بأبي أنت و أمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك والله لقد ظننت أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى عنى  شيئا  بعد.

قال النبي صلى الله عليه وسلم :
 _  (ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله ؟ )
قال ابو سفيان : بأبي أنت و أمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك أما هذه والله فإن فى النفس منها حتى الآن شيئا.
فقال العباس: ويحك أسلم وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله قبل أن تضرب عنقك.
 فأسلم وشهد شهادة الحق ثم أسلم حكيم بن خزام وبديل أبن ورقاء.
وقال العباس لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
-        إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئا
  قال  النبي صلى الله عليه وسلم:

-        (نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن)
-         
 وقد أرضاه الرسول صلى الله عليه وسلم  بما لا يضر أحد ولا يكلف جهدا فلما ذهب لينصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
-( يا عباس ا حبسه بمضيق الوادي  عند  خطم  الجبل  حتى  تمر  به جنود  الله  فيراها – فلا تبقى فى نفسه  أثارة  لمقاومة –)
 فخرج حتى  حبسه  بمضيق  الوادي  حيث أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحبسه.

      وتحركت كتائب الفتح  قريبا من مكة  المكرمة   ولتدخلها في نفس اليوم   
 وامر رسول الله  صلى الله عليه وسلم قادته ، وأصدر أوامره المشددة إلى جميع الفرق ألا تقاتل أو تسفك دما إلا إذا أكرهت على ذلك إكراها، وأن يعفّ الجيش  عن  أموال أهل مكة وممتلكاتهم وأن يكفوا أيديهم عنها.

 وكانت القبائل  تمر  في راياتها  راياتها و كلما مرت قبيلة سأل ابو سفيان  العباس عنها  فيقول هذه  لبني فلان؟
 فيقول مالي ولبني فلان  حتى مرت كتيبة الانصار  يحمل راتيتها  سعد بن عبادة :
  - فقال: يا ابا سفيان  اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الكعبة
 فقال ابوسفيان :  ياعباس  هذا يوم الذمار
  ثم  مر رسول الله صلى الله عليه وسلم فى  كتيبته الخضراء و فيها  المهاجرون  والأنصار لا يرى منهم إلا   الحدق من الحديد.
فقال ابو سفيان :  سبحان الله يا عباس من هؤلاء ؟
قال  العباس : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المهاجرين والأنصار
فقال أبو سفيان: ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن  أخيك الغداة عظيما.
فقال: العباس يا أبا سفيان إنها النبوة
قال: فنعم إذن.
 ثم اخبر  النبي صلى الله عليه وسلم بمقالة سعد بن عبادة
  فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
-( كذب سعد  هذا يوم يعظم الله  فيه الكعبة  ويوم تكسى فيه الكعبة)
 فاخذ النبي صلى الله عليه وسلم الراية من سعد  ودفعها الى ابنه قيس .
وقام أبو سفيان فصرخ بأعلى صوته:
 - يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن.

فقامت إليه زوجته  هند بنت عتبة فأخذت بشاربه فقالت:
-  ايها الناس اقتلوا الحميت (الضخم) الدسم الاحمس (الذي لا خير عنده) قبّح  من طليعة قوم.

فقال أبو سفيان :
 - ويلكم لا تغرنكم هذه من أنفسكم فإنه قد جاءكم ما لا قبل لكم به ، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن.

قالوا: قاتلك الله وما تغني عنا دارك
فقال:  ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن

فتفرق الناس إلى الكعبة وإلى دورهم وأغلقوا أبوابهم ينتظرون ما يراد بهم.

       ودخلت الجيوش    مكة كلها  فلم  تلق فيها مقاومة إلا مناوشات قليلة بقيادة صفوان بن أمية وعكرمة بن أبى جهل وسهيل بن عمر من قريش  فقد  تجمع   بعض  سفهاء  قريش  ب(الخندمة) ليقاتلوا  وكان حماس بن قيس  يعد سلاحا  قبل  مجيء  النبي صلى الله عليه وسلم  فقالت له امراته :
-        والله ما يقوم لمحمد  واصحابه شيء
-        فقال لها : والله اني لأرجو ان  اخدمك  بعضهم  ثم انشد:
-         
ان يقبلوا اليوم فمالي  علة
هذا     سلاح   كامل  واله
وذو غرارين  سريع  القتلة

 فلما لقيهم  أصحاب خالد بن الوليد ب( الخندمه) وهو مكان في  أسفل مكة  وأصيب من المشركين كما يقول ابن اسحق ثلاثة عشر رجلا  ثم انهزموا  فدخل  حماس على امراته  فقال:
-        اغلقي علي بابي
-        فقالت: اين ما كنت تقول ؟؟
-        فقال منشدا:


انك لو شهدت  يوم الخندمة
اذ فر  صفوان  وفر  عكرمة

وابو  يزيد   قائم   كالمؤتمة
واستقبلنا بالسيوف  المسلمة

يقطن  كل  ساعد   وجمجمة
وضربا فلا يسمع  الا غمغمه

لهم  نهيت  خلفنا وهمهمة
لم تنطقي باللوم ادنى  كلمة

                
  وهكذا  وتم الاستيلاء على جميع مكة  و أطرافها  وضواحيها.

       ودخل  رسول الله  صلى الله عليه  وسلم  مكة  وهو خافض رأسه  تواضعا  لله عز وجل  حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح  المبين حتى أن ذقنه ليكاد يمس واسطة الرحل ودخل وهو يقرأ سورة الفتح   وكان ذلك  صبيحة  يوم الجمعة لعشرين ليلة خلت من رمضان سنة ثمان من الهجرة المباركة .

       قدم الزبير فنصب رايته فوق  الحجون  عند مسجد الفتح  اليوم  وضرب قبة  فيها ام سلمة  وميمونة  وبقي هناك الى ان جاء النبي صلى الله عليه وسلم  فاستراح قليلا عندهما  ثم سار  يرافقه  ابو بكرالصديق  و يحادثه  والنبي صلى الله عليه وسلم  يتلو سورة الفتح  حتى دخل المسجد الحرام  استلم الحجر الاسود وطاف في البيت راكبا ناقته  ولم  يكن  محرما  وكان  المهاجرون  والانصار يحيطون به  وكان حول البيت الحرام  ثلاثمائة وستون صنما  فجعل يطعنها  بعصا  كانت  في  يده  الشريفة وهي تتهاوي  على وجوهها  وهو يتلو:
  ( قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما  يعيد*)
       سبا الاية \ 49

( وقل جاء الحق وزهق الباطل  ان الباطل كان زهوقا *)
الاسراء الاية\ 81

        ورأى النبي صلى الله عليه وسلم فى الكعبة صورا وتماثيل فأمر بالصور فطمست  وبالتماثيل   فكسرت ، وكان مما رآه صور الملائكة وغيرها ورأى إبراهيم عليه السلام مصورا فى يده الأزلام ويستقسم بها فقال:
( قاتلهم الله جعلوا شيخنا يستقسم بالأزلام ما شأن إبراهيم والأزلام)
وتلى :
  (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)
 سورة آل عمران آية \67.

        ولما اتم  عليه الصلاة والسلام طوافه دعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة ففتحت  له  ودخل  فلما خرج منها وفي يده مفتاح الكعبة قال علي بن ابي طالب :
-        يا رسول الله اجمع لنا الحجابة مع السقاية  صلى الله عليك .
   فقال النبي صلى الله عليه وسلم  الى عثمان بن طلحة :
-        ( هاك مفتاحك ياعثمان  اليوم  بر  ووفاء)
    وفي رواية اخرى أعادها  لعثمان قائلاً:( خذوها يا بنى طلحة خالدة تالدة  لا ينتزعها منكم إلا ظالم)

         وتكاثر الناس حول الرسول صلى الله عليه وسلم  فى المسجد  حتى امتلأ وهم ينظرون ماذا سيصنع  صلى الله عليه وسلم بهم وقد مكنه الله تعالى  منهم فنظر إليهم ا ثم قال:
( لا اله إلا الله وحده لا شريك له  صدق وعده  ونصر عبده  وهزم الأحزاب وحده يا معشر قريش إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظيمها بالآباء .الناس من آدم وآدم من تراب)
 ثم تلى هذه الآية:
( َا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)
... سورة الحجرات \ آية 13.

ثم قال: (يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم ؟ )
قالوا:  خيراً   أخ كريم  وابن أخ كريم.
فقال صلى الله عليه وسلم :
(( فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته :
(لا تثريب عليكم اليوم) أذهبوا فانتم الطلقاء)).

        و كانت  قد  حضرت  صلاة   الظهر فأمر  بلالا  أن يصعد  فيؤذن من فوق الكعبة  ورؤساء  قريش وأشرافهم  يسمعون كلمة الله  تعلو  وصداها  يتردد  فى  أرجاء  مكة.  وهذا اول اذان في مكة والمسجد الحرام  ومن فوق الكعبة

    ثم دخل الرسول صلى الله عليه وسلم  دار أم هانئ بنت أبى طالب فاغتسل وصلى ثماني ركعات  صلاة الفتح  شكرا لله تعالى على ما انعم به عليه.

        وتناسى  الحبيب المصطفى كل إساءة وتجاوزوقع عليه  عن افعال قريش وما صدر منها بحقه صلى الله عليه وسلم  حتى لقد امتد عفوه فشمل من كان قد أهدر دماءهم عند  دخول  مكة  وإن تعلقوا بأستار الكعبة  وقبل  شفاعة  من لم  ينفذ فيه القتل  منهم  ورأت  قريش  تلك السماحة و الكرم ففتحوا  للرسول الحبيب المصطفى  صلى الله عليه وسلم  قلوبهم  فكان هذا الفتح  بلا شك فتح القلوب والنفوس للاسلام فهو  أجل وأعظم من أن تصل إليه سيوف المسلمين فقد  لانت أفئدة  ما كانت لتلين ابدا  ورقت قلوب قاسية اشد من الحجارة قسوة .
 ثم التفت  الجموع حول النبي صلى الله عليه وسلم عند ( الصفا) حين جلس للبيعة.

     جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا واجتمع الناس حوله لبيعته على الإسلام   فأخذ عليهم   العهد  بالسمع  والطاعة  لله تعالى  ولرسوله صلى الله عليه وسلم  فيما استطاعوا . وهنا اسلم ابو قحافة  والد  ابي بكر الصديق  ففرح  النبي صلى الله عليه وسلم  باسلامه  ولما  فرغ من بيعة الرجال بايع  النساء وفيهن هند بنت عتبة زوج أبى سفيان متنقبة متنكرة لما كان من صنيعها بحمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم يوم ( احد)  اذ شقت صدره واخرجت كبده ولاكته بفمها .
  فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهن:
(  تبايعنني على ان  لا تشركن بالله شيئا  ).
فقالت هند: والله إنك لتأخذ علينا أمرا لا تأخذه على الرجال وسنؤتيكه
فقال النبي: (ولا تسرقن )
فقالت: والله إني كنت أصبت من مال أبى سفيان الهنة وما كنت أدري أكان حلا لي أم لا؟
فقال أبو سفيان وكان شاهدا لما تقول:
- أما ما أصبت فيما مضى فأنت منه في حل
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( وإنك لهند بنت عتبة ؟ )
قالت: نعم فاعف عما سلف عفا الله عنك
فقال النبي صلى الله عليه وسلم :( قد عفونا).
ثم قال: (ولا تزنين )
فقالت: يا رسول الله وهل تزني الحرة
ولما قال:( ولا تقتلن أولادكن )
قالت:  ربيناهم صغارا وقتلتهم  يوم بدر كبارا فأنت  وهم أعلم
فضحك عمر بن الخطاب من قولها حتى استغرب أي بالغ فى الضحك
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ولا تأتين بهتان تفترينه بين أيديكن وأرجلكن )
قالت: والله إن إتيان البهتان لقبيح ولبعض التجاوز أمثل
ثم قال:( ولا تعصينني في معروف )
قالت: ما جلسنا هذا المجلس ونحن نريد نعصيك فى معروف
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( لا يصافح النساء ولا يمس امرأة  ولا تسمه إلا امرأة أحلها الله له أو ذات محرم منه )
                  ثم تلى الاية  المباركة:

( ان لايشركن بالله شيئا  ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن اولادهن  ولا ياتين ببهتان يفترينه بين ايديهم وارجلهن ولا يعصينك في معروف )

 . فلما تمت بيعة النساء وقفت هند بنت عتبة زوجة ابي سفيان  فقالت  :
-        يارسول الله ما كان على وجه الارض من اهل خباء  احب الي ان يذلوا من اهل خبائك  ثم  ما  اصبح اليوم على وجه الارض اهل خباء احب الي ان يعزوا من اهل خبائك .
-        فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
-        ( وايضا والذي  نفس  محمد  بيده )
وتمت مبايعة النساء بالكلام فقط دون المصافحة .

 وجاء بعض القرشيين  ليبايعوا  النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة فقال لهم( ذهب اهل الهجرة بما فيهم ولا هجرة بعد فتح مكة  ولكن  جهاد  ونية  واذا استنفرتم  فانفروا )

      ولما فتح الله مكة على رسوله –وهى بلده و وطنه وأحب بلاد الله الى قلبه-تحدث الأنصار فيما بينهم فقالوا:
- أترون رسول الله إذ فتح الله عليه أرضه  وبلده  يقيم بها  ؟

وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم  الأنصار عن حديثهم ولا يعرفه غيرهم فاستحيوا  فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (معاذ الله المحيا محياكم والممات مماتكم)
 فاطمأنت قلوبهم وضرب النبي صلى الله عليه وسام  بذلك أروع المثل فى البر والوفاء.

وعندما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسجد يطوف بالبيت اقترب منه( فضالة بن عمير) وهم بقتله فلما دنا منه قال  له النبي محمد صلى الله عليه وسلم :
- ( أي فضالة)
قال: نعم يا رسول الله
فقال له الرسول:( ماذا كنت تحدث به نفسك ؟)
قال: لا شئ كنت اذكر الله
فضحك النبي صلى الله عليه وسلم  ثم قال:-( استغفر الله)
 ثم وضع يده الشريفة  على صدره  فسكن قلبه .

وكان فضالة يقول :
- والله ما رفع يده عن صدري حتى ما خلق الله شيئا أحب إلى منه
 ورجع فضالة إلى أهله فمر  بأمراة  كان  يتحدث إليها
فقالت: هلم إلى الحديث
 فقال :لا
وانبعث فضالة يقول:

قالت هلم إلى الحديث فقلت
      لا يأبى عليك الله والإسلام

لو  ما رايت محمدا وقبيله
     بالفتح يوم تكسر الأصنام

لرأيت دين الله أضحى بيننا
    والشرك يغشى وجهه الإظلام

      وفر  يومئذ صفوان بن امية  وعكرمة بن ابي جهل و  فاستامن عمير بن وهب رسول الله صلى الله عليه  وسلم  لصفوان  ثم لحقه حيث  وجده  يريد البحر فرده  واستأمنت  ام حكيم بنت الحارث بن هشام  لزوجها عكرمة فلحقت به وهو  يريد  اليمن فارجعته .

       وأقام الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة تسعة عشر يوما ينظم شئونها ويفقه  أهلها  فى  الدين  ويطهرها  من  اثار  الجاهلية  ونادى  مناديه :
( من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلا يدع في بيته  صنما الا كسره ) وفى هذه الأثناء بعث السرايا للدعوة الى الإسلام ولتحطيم الأصنام من غير سفك دماء .

        وهكذا   فتحت مكة  ودخل النبي صلى الله عليه وسلم بلده الامين وهو في غمرة الفرح والانشراح ومعه المسلمون جميعا  وسمي هذا العام ب( عام الفتح) و هذا الفتح ب( الفتح الاعظم ).
      




***************************************************
  




















   شذرات من السيرة النبوية المعطرة

                             
                                     32

                        بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله:

               فتحت مكة  وعادت حاضرة   الاسلام  وارتفع صوت الله اكبر من على  سطح  الكعبة المشرفة  ومكة باجمعها  وفرح المؤمنون بنصر الله وفتحه العظيم  ولما تم الفتح     واخذت البيعة للنبي صلى الله عليه وسلم من الرجال والنساء على جبل الصفا  واطمأن من عدم وجود  معارض له  ودخول  كل القرشيين  في الاسلام .

         تخوف الانصار ان يستقر النبي صلى الله عليه وسلم في مكة  اذ انها بلده الاصلي وموقع  ولادته  ونشأته  وذويه  وبلد عشيرته  قريش  وقومه  وذلك حين كان النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا  رافعا  يديه يدعو الله تعالى  فلما فرغ  وعلم بالامر   طمأنهم قائلا( معاذ الله المحيا محياكم والممات مماتكم ) ففرحوا  واستقرت نفوسهم  وذهب عنهم الهاجس بانتقال النبي صلى الله عليه وسلم الى  مكة .
        وبالفعل بقي النبي صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة  تسعة عشر يوما  جدد معالم الاسلام وتطهرها  من اثار الجاهلية  وجدد انصاب الحرم  ونادى المنادي  بامر منه ( من كان  يؤمن بالله  واليوم الاخر فلا يدع في بيته صنما  الا كسره  ).

           ثم اعلن النبي صلى الله عليه وسلم حرمة مكة  المكرمة  فقام   فيها  خطيبا  فأعلن حرمة مكة( البلد الحرام)  إلى يوم القيامة  قائلا:  
(   ايها الناس ان الله حرم مكة  يوم خلق  السموات  والارض فلا يحل  لامرئ  يؤمن  بالله  واليوم  الآخر  أن يسفك  فيها  دما  أو يعضد  (يقطع)  بها  شجرة  فان احد  ترخص بقتال  رسول الله صلى الله  فقولوا  له . ان الله اذن لرسوله ولم يأذن لك  وانما ا حلت لي ساعة من نهار) وكانت هذه الساعة ساعة الفتح العظيم  وقال ايضا :
 (لم تحل لأحد كان قبلي ولا تحل  لأحد   يكون  بعدي   )
 وبهذا تكون  مكة  البلد الحرام حرام فيها القتال وسفك الدماء  الى يوم القيامة .

 ثم أنصرف النبي صلى الله عليه وسلم  راجعا إلى المدينة المنورة.

       وكان  للعرب عدة  اصنام  كبيرة  تعبد  وقد  ورد اسماء بعض منها في القران  الكريم  منها:   اللات والعزى ومناة  الثالثة  الاخرة  وسواع  ويعوق   ونسرا..

         وفي الخامس والعشرين  من شهر رمضان المبارك  من عام الفتح  بعث  النبي صلى الله عليه وسلم سرية  تعدادها ثلاثين فارسا بقيادة خالد بن الوليد  الى  ارض ( نخلة )  وفيها  صنم ( العزى )   و كانت عن يمين المسافر  من مكة  إلى العراق ، وكانت  لقريش تخصه الناس بالإعظام  في  وادي نخلة  فوق ( ذات عرق  )وبنوا عليها بيتا  وكان لها صوت  ، فلما نزل القرآن الكريم   يندد بها وبغيرها من الأصنام ، أشتد ذلك على قريش ،

     وقيل لما مرض أبو أحيحة وهو( سعيد بن العاص بن أمية ) مرضه الذي مات فيه ، دخل عليه أبو لهب يعوده ، فوجده يبكي ، فقال :
-        ما يبكيك يا أبا أحيحة ؟ أمن الموت تبكي ولا بد منه ؟
-        - قال : لا ، ولكني أخاف ألا تعبد العزى من  بعدي !
-         قال أبولهب : والله ما عبدت في حياتك لأجلك ، ولا تترك عبادتها بعدك لموتك ،
-         فقال أبو أحيحة : الآن علمت أن لي خليفة !
-        .. وأعجبه شدة  نصبه  في  عبادتها  .

     فلما كان  عام  الفتح  دعا  النبي  صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد ، وأمره أن ينطلق لهدمها ، فلما جاءه خالد، قال سادنها  دينبة بن حرمي الشيباني :


      أعُزاء   شدِّي   شدة  لا  تكذبي
       على خالد القي الخمار وشمري

                           فانك  إلا  تقتلي   اليوم   خالدا
                           تبوئي   بذلّ ٍ عاجل   وتنصرَّي

وقال خالد:
                          يا عُّزّ  َ كُفْرانك   لا    غفرانك
                           اني  رأيت   الله    قد  أهانك

     و قيل أنها كانت حبشية ، ناقشة  شعرها ، واضعة يدها على عاتقها في داخل شجرة  كان قد  قطعها خالد ، فبرزت له بهذا الشكل، فضربها خالد  ففلق رأسها ، فاذا هي حممة ( أي كالفحم ) والسام.
- فقال السادن :(  تلك العزى ، ولا عزى بعدها للعرب، ام انها لا تعبد  بعد  اليوم )
  فتوجه اليها  خالد وجنده وهدمها وكان  هذا الصنم  اكبر اصنام  قريش في الجاهلية .

   ثم ارسل عمرو بن العاص الى هذيل  وهذيل قبيلة كبيرة تسكن خارج مكة وقد نصب صنمها واسمه ( سواع)  وهم اعظم  اصنامها   في ( رهاط) على  مسافة  مائة  وخمسين  كيلومتر   تقريبا  شمال شرقي مكة المكرمة  وقد قال  عمرو  بن العاص:
  فذهبت اليه لأهدمه  فاتيته  وعنده السادن  فقال السادن:
-        وماذا تريد ؟؟
فقلت : اهدمه ...
قال السادن: لاتقدر على ذلك
قلت: ولم؟؟
قال السادن : تمنع
قلت :   حتى الان انت على الباطل ؟؟ ويحك ..  وهل يسمع او يبصر ..؟؟
 فدنوت منه فكسرته  وامرت اصحابي فهدموا بيت خزانته  فلم نجد فيه شيئا  فقلت للسادن : كيف  رايت؟؟ 
  ودخل سادنه في الاسلام .

ثم بعث سعد بن زيد بن مالك  الاشهلي  الانصاري مع عشرين فارسا الى (المشلل) في (القديد) حيث نصب  صنم ( مناة ) وهو صنم منصوب على ساحل البحر بناحية المشلل ب( قديد) وكانت تقدسه  قبائل  كلب وغسان وخزاعة  والاوس والخزرج   وفي رواية اخرى  هي لغسان والاوس والخزرج   فلما قدم  منها  قال  سادنها:
-        ماتريد؟؟
-        قال هدمها
-        قال السادن: انت وذاك
  فتقدم  سعد ماشيا الى (مناة)  فخرجت  اليه امراة عريانة  سوداء ثائرة الراس تدعو  بالويل والثبور وتضرب على  صدرها
فقال لها السادن : مناة   دونك  بعض  عصاتك
 فضربها سعد  بالسيف  فقتلها  ثم اقبل الى الصنم  فكسرها وهدم هيكلها ولم يجد في خزانتها اي شيء.
  
       ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في شهر شوال  من العام نفسه  الى بني جذيمة  في ثلاثمائة وخمسين رجلا من  الانصار والمهاجرين ومن بني سليم  يدعوهم الى الاسلام  فقالوا ( صبأنا ..صبأنا .. )  فقاتلهم  فقتل من قتل واسر من اسر منهم ثم امر  خالد بن الوليد  جنده ان  يقتلوا اسراهم  كل يقتل اسيره   فابى عمرو واصحابه ذلك  ولما  رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم  فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال مرتين :
( اللهم  ابرأ  اليك  مما  صنع  خالد  )

       ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم  علي  بن ابي طالب  بديات المقتولين  الى ذويهم  فوداهم واعطى  لكل منهم  بدل ما ضاع من اموالهم وفضل  فضلة مال تركه علي بن ابي طالب  لهم .

       وكان بين عبد الرحمن  بن عوف وخالد بن الوليد سوء تفاهم وكلام  وشر  بسبب ما  فعله خالد  فلما رجعوا اخبروا النبي صلى الله عليه وسلم  ذلك فاشار الى خالد وقال له:
 (مهلا ياخالد دع عنك اصحابي  فوالله لوكان (احد) ذهبا  ثم انفقته في سبيل الله  ما ادركت غدوة  رجل من  اصحابي  ولا روحته )

         اما  (اللات)  فكانت بالطائف ، وهي صخرة مربعة ، وكانت قريش وجميع العرب تعظمها ، فلما جاء وفد ثقيف بعد عودة النبي صلى الله عليه وسلم من فتح مكة إلى المدينة ، طلب وفدها النبي عليه الصلاة والسلام أن يدع لهم (اللات) ثلاث سنين لا يهدمها ، فأبي ذلك عليهم ، فلا زالوا يسألونه سنة سنة وهو يأبى عليهم ، حتى سألوه  شهراً واحداً  ، فأبى عليهم .

         قال ابن هشام :
       (وإنما  يريدون  بذلك  فيما  يظهرون أن يسلموا   بتركها  من سفهائهم ، ونسائهم  وذراريهم ، ويكونون  أن يروعوا  قومهم  بهدمها  حتى  يدخلهم الاسلام ، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن  يبعث  أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة  فيهدماها ،فلما أخذ المغيرة يضربها بالمعول  خرج نساء  ثقيف  حسراً  يبكين عليها ويقلن :

لتُبْكينّ       َ دُفَّاع
أسْملها    الرُّضَّاع
لمْ يُحْسِنُوا المِصَاع
يردن بذلك : واحسرتا على التي كانت تدفع عنا أعداءنا ، وتدفع عنا البلاء ، قد أسلمها اللئام للهدم ،فلم يدافعوا عنها ، ولم يجالدوا

بالسيوف في سبيلها .

    وفي رواية اخرى ارسل النبي صلى الله عليه وسلم  خالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة  الثقفي  وهو من رجال الطائف ليهدموها  فهدموا بنيانها  وكسروها .

        وهذه اهم اصنام العرب وهي التي ذكرها القرآن الكريم بقوله:
 ( أفَرَأيْتُمْ اللاتَ وَالعُزَّى* وَمَنَاةَ الثَّالِثَة الأخْرَى )
سورة النجم \ 19ـ 20

         في شوال سنة  ثمان للهجرة  قال ابن سعد قالوا‏:‏  بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم  إلى الطائف  الطفيل ابن عمرو إلى ذي الكفين  صنم  عمرو  بن حممة الدوسي يهدمه  وأمره أن يستمد قومه  ويوافيه  بالطائف  فخرج سريعاً  إلى قومه  فهدم( ذا الكفين) وجعل  يحش  النار في وجهه  وفاحرقه وهو ويقول‏:‏

يا ذا الكفين لست من عبّادكا
ميلادنا  أقدم   من   ميلادكا
أنا حششت   النار في فؤادكا

    وانحدر معه من قومه أربعمائة  سراعاً فوافوا النبي صلّى الله عليه وسلّم بالطائف بعد مقدمه  بأربعة أيام  وقدم  بدابة  ومنجنيق وقال :
‏(‏ يا معشر الأزد من يحمل رايتكم ؟؟ ‏)
 فقال الطفيل‏:‏ من كان يحملها في الجاهلية
قالوا النعمان بن الرزاية اللهيي
 قال ‏: أصبتم ‏ ‏‏.‏



********************************************











        شذرات من السيرة النبوية المعطرة


                             33 

                   بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله:

       بعد  ان  تم فتح مكة  و حطم  المسلمون بامر من النبي صلى الله عليه وسلم  الاصنام في اغلب الجزيرة العربية  وعاد ليستقر في المدينة المنورة   اجتمعت القبائل العربية تحت اشراف رؤساء قبائل قيس عيلان للشورى  وفي مقدمة هذه القبائل ثقيف وهوازن  وبعد التشاور اجتمعوا على امر فقالوا :

- لقد فرغ محمد من قتال قومه  ومن معهم ولا ناهية له عنا  فلنغزوه قبل ان يغزونا  فما غزي قوم في عقر دارهم الا ذلوا  .
         ثم  اجمعوا  امرهم على الحرب . واختاروا  لقيادتها  مالك  بن عوف النصري الغطفاني  من بني نصر بن مالك  وبنو  جشم  وفيهم دريد بن الصمة  الشاعرالجاهلي  المشهور وهو شيخ  كبير فانهم   استصحبوه  للاسترشاد  بـرأيه  وانضمت  اليهم ثقيف وهم اهل الطائف وهم الذين ارتضع  النبي صلى الله عليه وسلم  

           تحرك هذا القائد  في العاشر من شوال من السنة الثامنة للهجرة المباركة لجمع المقاتلين في وادي( حنين) وهو واد لهوازن  يقع  بين  مكة المكرمة و الطائف  من ناحية الجنوب فكانت قبيلتي هوازن و ثقيف وهي فرع من هوازن العربية  والتي لا تزال تقيم في الطائف  واجزاء من مكة . معتدا  في  تحريك  ضغائن القبائل العربية المنافسة  لمضر عمومًا  وقريش خصوصًا، وكانت بطون قيس عيلان  بالأخص  في  حالة  عداء  تقليدية  وقديمة  مع   بطون مضر، لذلك لما فتح المسلمون مكة، جاءت قبيلة هوازن وقررت محاربة  المسلمين  مدفوعة  بعداوة  الإسلام  وعداوة  القبلية  والعصبية.

        قرر القائد العام لقبيلة( هوازن) مالك بن عوف أن يسوق مع الجيش الأموال والعيال والنساء ليزيد ذلك من حماس المشتركين في القتال ويجعلهم يقاتلون حتى الموت  إن لم يكن للنصر  فللدفاع عن الحرمات  وسار جيش القبيلة حتى وصل إلى وادي( أوطاس ) وهو واد على مسيرة  يوم من( مكة) تقريبًا، ولم يعجب هذا الرأي أحد قادة الجيش المجربين ذوي الخبرة وهو (دريد بن الصمة)  ولكن مالك بن  عوف  قائد المعركة  أصر  على  ذلك   وهدد  بالانتحار إذا لم  يطيعوه  فأطاعوه على سفاهة رأيه.

      ولما وصلت أخبار هذا الجيش الى النبي محمد صلى الله عليه وسلم   فاستعد  للحرب وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حدرد الاسلمي عينا على جيش الاعداء  فعاد ليخبره  بما  شاهد من  امرهم واستعدادهم للحرب  وخرج  في السادس  من  شوال   من  السنة   الثامنة للهجرة  بجيش  كبير  تعداده  اثنا عشر الف  مقاتل من  الانصار والمهاجرين و الصحابة الذين  ثبتوا في هذه المعركة هم الذين حضروا في دار الارقم ابن ابي الارقم في مكة عندما كان المسلمون مستضعفين  فتربوا على يد الرسول الكريم  (صلى الله عليه وسلم) وثبتوا  معه فيها وهم اوائل المسلمين  .

       و يضم كثيرًا من مسلمي الفتح  الذين  لم يدخل الإسلام  في قلوبهم   بصورة كاملة  وقد استعار  من صفوان بن امية  مائة درع  كاملة  واستعمل عتاب بن  اسيد على مكة  وكان  الجيش  كبيرًا بصورة  أعجبت  كثيرًا  من  المسلمين  بهذا العدد الكبير    وداخلهم  الثقة  الكاملة  لحد الغرور في النصر المؤزر  على المشركين  وانزعج  الرسول صلى الله عليه وسلم  من مقولة بعضهم:
( لن نغلب اليوم ).  

     في الطريق راى المسلمون شجرة من سدر كبيرة جدا كانت تعلق عليها العرب اسلحتهم ويذبحون ويعتكفون  في ظلها  يقال لها ( ذات

انواط) فقال بعضهم  للنبي صلى الله عليه وسلم :
-        اجعل لنا  ذات انواط  كما لهم ذات انواط  .
   فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

- (  الله اكبر قلتم كما قال قوم موسى: اجعل لنا الاها كما لهم آلهة  قال انكم قوم تجهلون . انها  السنن لتركبن سنن من كان قبلكم )

        وفي هذه الليلة جاء فارس واخبره بخروج هوازن بضعنهم  ونعمهم وشائهم  فتبسم  النبي  صلى الله عليه وسلم وقال :
-        (تلك غنيمة المسلمين غدا انشاء الله) .

           في اليوم العاشر  من شوال وصل النبي صلى الله عليه وسلم وجيشه الى وادي ( حنين ) فعبأ جيشه في السحر قبل ان يدخل في الوادي:
 فاعطى لواء المهاجرين الى علي بن ابي طالب .
 ولواء الاوس الى  اسيد بن حضير
ولواء الخزرج الى  حباب بن المنذر
واعطى الوية القبائل  كل لقائد  منها
ثم لبس  درعين   وبيضة   ومغفر
عندها بدات مقدمة الجيش تنحدر في الوادي .

       قام مالك  بن عوف  بوضع  جيشه على شكل  كمائن في  مداخل ومضايق  وشعب  وادي (حنين ) ويقع  في منطقة جبلية وعرة  بين مكة والطائف  وقد سبق المسلمين  في تقدمه  لهذا الوادي، ووضع خطته على مفاجأة  المسلمين  بالسهام القاتلة  وبينما  جيش المسلمين  ينزل  بالوادي  انهالت  السهام عليهم  من  كل مكان  والعدو  يهجم عليهم هجمة رجل واحد. فضطربت مقدمة الجيش  بهذه المفاجأة   وانكشف  عامة  من كان فيها من المسلمين وتبعهم من كان خلفهم فوقعت بالمسلمين  هزيمة عامة  وفرح الذين في قلوبهم  مرض من  حديثي الاسلام مثل ابي سفيان حيث قال:
-        لاتنتهي هزيمتهم  دون البحر
 وقال اخر لصفوان :  الا بطل السحر
 وقال ثالث : الشر بهزيمة محمد واصحابه  فوالله لا يجبرونها ابدا 
 فغضب عليهم صفوان- وهم مشرك -  وعكرمة بن ابي جهل – وهو حديث العهد بالاسلام  وانتهراهما.

          اما الحبيب  المصطفى صلى الله عليه وسلم  فقد   ثبت  ثبات الابطال والقادة  في قليل  من المهاجرين  والانصار منهم علي بن ابي طالب  وابو بكرالصديق  وعمر بن الخطاب   والعباس بن  عبد المطلب وابنه  الفضل   و ربيعة  بن الحارث  وايمن بن عبيد  وابو سفيان بن الحارث  بن عبد المطلب   وطفق  يركض  ببغلته  نحو العدو وهو ينشد:

انا   النبي  لا  كذب
انا ابن عبد المطلب

       فاخذ ابو سفيان بن الحارث لجام  بغلته  والعباس بن عبد المطلب بركابه لئلا يسرع نحو العدو  فنزل  النبي صلى الله عليه وسلم عن  البغلة  ودعا ربه واستنصره   وطلب  من  العباس  ان ينادي  بصوته الجهوري  اصحابه  فنادى حتى ملا الوادي صوته :
( الا اين اصحاب السمرة ؟؟ ) اي اصحاب الشجرة التي بايعوا النبي تحتها في بيعة الرضوان  عام الحديبية .  فانعطفوا  نحو الصوت وجاؤوا  اليه  مسرعين  وهم يقولون :
( لبيك .. لبيك..) حتى اجتمع  منهم مائة او يزيدون استقبلوا العدو واقتتلوا معهم بشدة  .

         وممن ثبت مع النبي  صلى الله عليه وسلم في هذه المعركة  المرأة المؤمنة  المسلمة (ام سليم) اذ  كانت  يوم (حنين) مع زوجها ابي طلحة وهي حامل بولدها عبد الله  فقد شدت وسطها  ببرد  لها   وقد خشيت ساعة الفزع  الشديد  وفرار المسلمين  ان يغلبها  الجمل  فينفر منها   فادخلت يدها في خزامته  ماسكة به مع الخطام .  فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم :
-        (ام سليم ؟؟؟؟؟)
-         قالت : نعم  بابي انت وامي يارسول الله  اقتل هؤلاء الذين يفرون عنك  كما تقتل  هؤلاء الذين يقاتلونك
-        فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
-        ( الا  يكفي الله يا ام سليم فيقاتلهم ؟؟ )
  وكان معها خنجر  فقال لها زوجها  ابو طلحة:
-        ماهذا الذي معك يا ام سليم ؟؟
-        قالت : خنجر  اخذته  معي  ان دنى   مني  احد  من  المشركين  بعجته  به

          ثم وجهت الدعوة الى الانصار ثم الى بني الحارث من الخزرج  وتلاحقت الكتائب واجتمع المسلمون من جديد  وانزل الله تعالى  سكينته على رسوله  وعلى  المؤمنين  وانزل  جنودا من السماء  لم  يروها الاعداء  واحتدم القتال وطيسا .  واخذ النبي صلى الله عليه وسلم حفنة من تراب الارض ورماه على الاعداء وهو يقول ( شاهت الوجوه )  فملئت اعين الاعداء ترابا  ولم يبصورا حتى تفرقوا منهزمين  وتبعهم النساء والولدان  فتبعهم المسلمون  يقتلون فريقا  وياسرون فريقا  حتى اخذوا  النساء  والذراري  واسروا  كثيرا من الاعداء  ولا يفوتني  ان اذكر  ان خالد بن الوليد  اصيب بهذه المعركة  بعدة جراحات .

       وفي رواية اخرى( عن جابر بن عبد الله الانصاري قال في حرب الطائف (قالوا :
-   (  يا رسول الله، أحرقتنا نبال ثقيف، فادع الله عليهم.
 فقال : (اللهم  اهد  ثقيفا) رواه  الترمذي

        وجاء في كتاب سنن الترمذي :  فأصيب المسلمون بالدهشة المربكة  وتراجعوا  بدون  نظام،   فركبوا  بعضهم  بعضًا  من  شدة  الصدمة، وصاح بعض حديثي العهد  بالإسلام مثل أبي سفيان بن حرب وكلدة بن الجنيد بما في صدورهم وعندها قام الرسول صلى الله عليه وسلم بعمل جريء، إذ عرض نفسه لمخاطرة كبيرة،  إذ انحاز إلى جهة  اليمين  ثم  نادى على المسلمين  وخصص   النداء  بالمهاجرين والأنصار  وأهل بيعة الرضوان  حتى اجتمع  عنده  مائة من خاصة أصحابه،

      وقد ذكرت هذه المعركة في القران الكريم  قال تعالى:
( لقد نصركم الله في موطن كثيرة  ويوم حنين اذ اعجبتكم كثرتكم  فلم تغن عنكم شيئا  وضاقت عليكم الارض بما رحبت ثم وليتم مدبرين *  ثم انزل الله  سكينته  على  رسوله  وعلى المؤمنين  وانزل  جنودا لم تروها  وعذب  الذين كفروا  وذلك جزاء الكافرين )
 سورة التوبة  الايتان 12 و13 .

         فقال النبي  صلى الله عليه وسلم :
-        (الآن حمي الوطيس)
        ثم أخذ قبضة من تراب الأرض ورمى بها في وجوه القوم الاعداء  وقال: (شاهت الوجوه)

.ولم تمر سوى سويعات قلائل حتى انهزم العدو هزيمة منكرة، وفروا إلى عدة أماكن مختلفة، فطائفة إلى (أوطاس)  وأخرى إلى  (نخلة) ومعظم  الفارين انهزمو  إلى حصون الطائف، فأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم  عدة  فرق لمطاردة الفارين، وذلك من أجل منعهم من التجمع  ومعاودة  الهجوم  على  المسلمين.

           استطاعت فرق المطاردة القضاء على الفارين، وبعدها اتجه النبي صلى الله عليه وسلم  والمسلمون  مباشرة إلى الطائف حيث منازل وحصون ثقيف  وقد لجأ  إليها  مالك بن عوف  قائد المعركة  ومعظم  الفارين من غطفان ، وضربوا على الطائف حصارًا شديدًا، وقع  خلاله مناوشات  حامية  بين  المدافعين عن الحصن وبين المسلمين  حدثت خلالها إصابات كثيرة بين المسلمين جعلتهم   يغيرون مكان  معسكرهم.

         حاول النبي صلى الله عليه وسلم  الضغط على  المحاصرين  بقطع حدائق أعنابهم (والطائف مدينة كثيرة الفواكه وخاصة  الاعناب  إلى يومنا هذا وقد  اكلنا  من اعنابها  يوم كنا في مكة المكرمة )
    ثم نادى سفيان الثقفي :
- يا محمد لم تقطع اموالنا اما ان تاخذها ان ظهرت علينا واما تدعها لله و للرحم كما زعمت .
 فقال الرسول صلى الله عليه و سلم:
-        ( فاني ادعها لله و للرحم )

         ثم أعلن أن من خرج من عبيد ثقيف للمسلمين فهو حر  فخرج إليهم ثلاثة وعشرون رجلاً، وكان فيهم عبد تسور حصن الطائف  وتتدلى منه ببكرة  يستقي عليها فكناه النبي صلى الله عليه وسلم ب(ابي بكرة) .

         ثم حاول الهجوم بشدة ولكن أهل الحصن  قد  أعدوا فيه  ما يكفيهم  لحصار  سنة،  فحاصرهم  قرابة  ثلاثة اسابيع  وقيل شهرا كاملا  وبعد المشاورة قرر الرسول  صلى الله عليه وسلم الرجوع ورفع الحصار عن الطائف ورجع جيش المسلمين والنبي صلى الله عليه وسلم يدعو فيقول :

-( اللهم اهد ثقيفا وآت بهم مسلمين ).

          ولما عاد رسول الله بعد رفع الحصار عن الطائف، مكث بالجعرانة  وهو المكان الذي تم تجميع فيه غنائم حنين، وكانت كثيرة  وضخمة  بالمقارنة  بغنائم المعارك  السابقة، فقام الرسول  صلى الله عليه وسلم بتوزيعها على رؤساء القبائل وأشراف مكة والمؤلفة قلوبهم، وأفاض في العطاء، حتى ازدحم عليه الأعراب والناس طمعًا في المـال ولم يعط  لاحد من الأنصار من هذه الغنيمة  الضخمة شيئا، فوجد الأنصار في أنفسهم حسا  وهضما  من هذا الأمر  وتكلموا فيه حتى كثرت  فيهم  القالة،  فجمعهم النبي صلى الله عليه وسلم ووعظهم موعظة  بليغة  مؤثرة  أزالت  من نفوسهم أي أثر للحزن    وجد  في  النفوس. فقد وقف فيهم خطيبا وقال لهم :

 ‏( ‏يا معشر الأنصار، مقَالَهٌ بلغتني عنكم، وَجِدَةٌ وجدتموها عليّ في أنفسكم‏ ؟‏ ألم آتكم ضلالاً فهداكم اللّه‏ ؟‏ وعالة فأغناكم اللّه‏ ؟‏ وأعداء فألف اللّه  بين  قلوبكم ‏؟ )‏
قالـوا‏ :‏ بلى، اللّه ورسولـه أمَنُّ وأفْضَلُ ‏.‏
ثم قال ‏:‏ ‏( ‏ألا تجيبوني يا معشر الأنصار ؟ )
‏ قالوا‏ :‏ بماذا نجيبك يا رسول اللّه‏ ؟‏ للّه ورسوله المن والفضل ‏.‏
 قال‏ :‏ ‏( ‏أما واللّه لو شئتم لقلتم، فصَدَقْتُمْ ولصُدِّقْتُمْ ‏:‏ أتيتنا مُكَذَّبًا فصدقناك، ومخذولاً فنصرناك، وطريداً فآويناك، وعائلاً فآسَيْنَاك.‏‏أوَجَدْتُمْ يا معشر الأنصار في أنفسكم في لَعَاعَةٍ من الدنيا تَألفَّتُ بها قوماً ليُسْلِمُوا، ووَكَلْتُكم إلى إسلامكم ‏؟‏ ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وترجعوا برسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) إلى رحالكم‏ ؟‏ فو الذي نفس محمد بيده، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس شِعْبًا، وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار، اللّهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار‏ )‏‏.‏

         فبكى القوم حتى أخضلت  لِحَاهُم وقالوا‏ :‏
-        رضينا برسول اللّه  صلى الله عليه  وسلم قَسْمًا وحظاً،
-         ثم انصرف رسول اللّه صلى الله عليه واله وسلم وتفرقوا‏.

      وقد ذكرالله تعالى   أحداث غزوة  حنين  وما جرى فيها  لبعض  المسلمين من اعتداد وإعجاب بالنفس آيات  من  الذكر   الحكيم  في سورة التوبة،  ليتأسى المسلمون بهذه الحادثة العظيمة جيلا بعد جيل  وما فيها من دروس وعبر.

  وبعد هذه الاحداث  وتوزيع الغنائم  قدم وفد من هوازن يراسه  زهير بن صرد  فاسلموا وبايعوا ثم قال زهير :
-        يارسول الله ان فيمن اصبتم  الامهات والاخوات  والبنات والعمات والخالات وهن مخازي الاقوام  ثم انشد:

فامنن  علينا رسول الله في كرم
فانك المرء    ونرجوه  وننتظر

امنن على نسوة  قد كنت ترضعها
اذ فوك  تلؤه  من  محضها الدرر


 فقا ل النبي  صلى الله عليه وسلم :
( ان معي ممن ترون  وان احب الحديث اصدقه فاختاروا اما السبي واما المال )
  فقالوا : ما كنا نعدل بالاحساب  شيئا اردد الينا نساءنا وابناءنا ولا نتكلم في شاء وبعير
 فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
( اذا صليت الظهر فقوموا  واظهروا اسلامكم  وقولوا: نحن اخوانكم في الدين ثم قولوا : انا نستشفع برسول الله صلى الله عليه وسلم  الى المسلمين  وبالمسلمين الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يرد الينا  سبينا ) ففعلوا
فقال النبي صلى الله عليه وسلم :(  اما ما كان لي و لبني عبد المطلب فهو لكم  وسأ سال الناس.. )
 فقال المهاجرون والانصار:
-        ( ماكان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم )

        وامتنع بعض الاعراب كعيينة بن حصر والاقرع بن حابس والعباس بن مرداس فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
-( من طابت نفسه ا ن يرد فسبيل ذلك والا  فليرد وله بكل فريضة ست فرائض من اول فيئ الله الينا ) .

        فرد الناس كلهم عن طيب خاطر  الا عيينة بن حصر  فكسا النبي صلى الله عليه وسلم السبايا قبطية  قبطية وردهم   اليهم .

        وكانت من بين السبايا  الشيماء بنت الحارث اي بنت حليمة السعدية   فقدمت  الشيماء  وهي  اخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة  فقالت له :
-        يارسول الله  انا اختك الشيماء
فبسط لها رداءه واجلسها عليه وقال لها :
-(  ان ا حببت فعندي مكرمة  وان احببت ان امتعك وترجعي الى قومك )
فقالت :   بل تمتعني وتردني الى قومي
ففعل النبي صلى الله عليه وسلم  فاسلمت  وقد اعطاها ثلاثة عبيد وجارية  ونعماء  وشاة .

             ولما فرغ   رسول الله  صلى الله عليه وسلم من قسمة الغنائم احرم  للعمرة من منطقة ( الجعرانة)  فاعتمر  واعتمر معه  المسلمون   وسميت هذه  العمرة ( عمرة الجعرانة ) ثم بعد انتهاء العمرة  قفل عائدا الى المدينة المنورة فبلغها في اليوم الثالث
 وفي رواية اخرى في السادس من ذي القعدة .







         *************************************


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق