الأحد، 23 أكتوبر 2016

موسوعة الدراسات القادرية \\ 4 شرح ديـوان الشيخ عبد القــادر الكيلاني وشيء في تصـوفـه الدكتور فالح نصيف الحجية الكيلاني الجزء الاول القسم الاول



موسوعة الدراسات القادرية
        4


                     شرح   ديوان

 الشيخ عبد القادر الكيلاني

وشيء في تصوفه



دراسة وتحقيق وشرح



الدكتور

فالح  نصيف  الحجية  الكيلاني








































            


              الاهــــداء


 الى \
 
           * ولدي العزيز : عبد القادر فالح  الكيلاني الذي   اسميته  عبد القادر  تيمنا باسم جده الشيخ عبد القادر الكيلاني  قدس الله  سره العظيم .
 وابتهل اليه تعالى ان يقر به وبأخوته عيوني ويجعلهم  ينعمون بالتقى والصلاح ان شاء الله تعالى .

        *  كل من سلك طريق الاحسان وغرس في قلبه وفكره الايمان

     و ابتهل الى الله تعالى ان يجعلني واياهم   من اصحاب الجنة          امين




                                  فالح نصيف الحجية
                                       الكيلاني









































تقد يم


بســـــــــــم الله الرحمن الرحيم


    الحمد لله رب العا لمين  والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الاولين والاخرين وسيد العارفين وعلى اله وصحبه اجمعين.

           اضع  بين يديك- قارئي الكريم – تحقيقا وشرحا للقصائد الشعرية  المنسوبة لجدنا الشيخ عبد القادرالكيلاني قدس سره  والتي تمكنت  من الحصول عليها  من جهات عدة او العثور عليها منسوبه له بين ثنايا وطيات الكتب والمجلات  وتهيأت لي  مصادرها  ومراجعها      وبغية  تسهيل وايضاح شرح هذه القصائد فقد قدمت  بحثا في التصوف والتصوف القادري  لان القصائد ذات العلاقة  كلها  من الشعرالصوفي الذي يصعب  على غيرالمتصوفين  اوغير سالكي الطريق الصوفي او الدارسين والمتطلعين على الادب الصوفي معرفته على  حقيقته  وسبر اغواره والخوض في هذا البحرالمتلاطم  الامواج والذي  ربما  يحسبه الجاهل به نوعا من الكفر والالحاد او الاشراك في الوقت الذي يقصد به التعمق في الدين  والثبات على الايمان في الاسلام وتثبيت الحقيقة الدينية المحمدية  ايما ثبات.

          ومن هنا   تم تقسيم هذا الكتا  ب  الى بابين :
 الاول دراسة في التصوف فجاء مكونا من عشرة فصول و كما يلي :
الفصل الاول تناولت فيه مفهوم التصوف وتعريفاته  ونشأته وذكر الله تعالى
والثاني لمحة تاريخية عنه خلال العصور المختلفة
والثالث دراسة في  التصوف القادري والطريقة القادرية  
 و الفصل الرابع تناولت اداب  المنتسب للطريقة القادرية وسالكها –المريد-  وشملت ادابه مع ربه ومع نفسه ومع شيخه واداب الشيخ معه  ثم اداب المريد مع اخوانه والناس اجمعين أي الاحاطة بسلوكيةالمريد.

و الفصل الخامس  بينت اسس الطريقة القادرية واولها : المجاهدةوتضمنت دراسة للمجاهدة ونفوس المجاهدين ثم التوكل وحسن الخلق والشكر والصبر والرضا والصدق .

و الفصل السادس  بينت انواع النفوس الانسانية ومراتبها على حسب الطرق الصوفية  الامارة واللوامة والملهمة والمطمئنة والراضية والمرضية والكاملة .

  اما الفصل السابع فقد بينت الخصال العشر التي اثبتها الشيخ عبد القادرالكيلاني  قدس سره لاهل المجاهدة والمحاسبة ممن سلك طريقته تلك الطريقة التي انتشرت  شرقا وغربا في العالم الاسلامي وكانت سببا في انتشار الاسلام في العديد من الدول العالمية.

و الفصل الثامن  دراسة  لحياة الشيخ عبد القادر الكيلاني قدس سره ونشأته وحياته العلمية واساتيذه وشيوخه ثم ثقافته.

و الفصل التاسع دراسة لشعر الكيلاني الاصوفي  واساليب هذا الشعر باعتباره شعرا صوفيا  والفنون الشعرية  التي نظم فيها شعره وقصائده بما في ذلك الفخر الصوفي والخمرة الالهية والحب الالهي وشعرالشكوى  والحنين

وفي الفصل العاشر دراسة للشيخ عبد القادر الجيلاني قدس سره  في موقفه من  المذاهب والفرق الاسلامية.

     اما الباب الثاني فقد شمل  شرحا وافيا للقصائد الشعرية او المقطوعات الشعرية المنسوبة للشاعر الشيخ عبد القادرالكيلاني قدس سره شرحا لغويا  صوفيا  وفقا لما تقتضيه حالة  النص الشعري  وما مكنني ربي سبحانه وتعالى.
     ابتهل الى الله  العلي والقدير ان يجعلني على الطريق القويم ويفتح لي بصيرتي وبصري  واسأله تعالى العون والمساعدة مع الايمان الخالص في انجاز ما ا قدمت عليه  من دراسة وشروحات لديوان الشيخ عبد القادر الكيلاني  ابتغي وجه وجه الله  الكريم.

                       انه نعم المولى ونعم النصير



    د. فالح نصيف الحجية
              الكيلاني
عضو الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق
عضو الاتحاد العام للادباء والكتاب العرب
    العراق- ديالى – بلد روز





















































                  المؤلف  في سطور

   سيرة ذاتية

الاسم واللقب \ فالح نصيف الحجية الكيلاني
اسم الشهرة \   فالح الحجية
تاريخ الولادة \  بلدروز \  1\7\ 1944
البلد \ العراق - ديالى – بلدروز
 المهنة\  متقاعد
الحالة الثقافية \  شاعر وباحث                                                                                                                                           
فالح الحجية شاعر وباحث  واديب عراقي معروف
 من مواليد \- العراق – ديالى- بلدروز 1944  .
من الاسرة الكيلانية  التي لها تاريخ عريق و ترجع بنسبها الى الشيخ عبد القادر الكيلاني الحسني والتي انجبت العديد من الاعلام على مر العصور:    

*   كان يشغل  مديرا  في وزارة التربية العراقية حتى إحالته الى التقاعد  2001م
*أهم مؤلفاته  "الموجز في الشعر العربي"،  ويعتبر من مراجع امهات  الكتب العربية في الأدب  والشعر عبر العصور والأزمنة، ومن اهم الموسوعات التاريخية الموضوعية في الشعر العربي في العصر الحديث، والمعاصر بكل مفرداته وأحداثه وتطوراته وفنونه وتغييراتها بما فيها عمود الشعر والشعرالحر وقصيدة النثر والشعراء وطبقاتهم وأحوالهم.
* منح شهادة الدكتوراه في  الاداب من جامعة نابلس المرقمة \112 في عام \  2013
* منح  شهادة  الدكتوراه  الفخرية  من المجلس  الاعلى  للاعلام  الفلسطيني  المرقمة \20 في  عام 2015
     * منح لقب ( امير البيان العربي )   في  شباط 2014
  فالح نصيف الحجية هو:
     -    عضو الاتحاد  العام للادباء والكتاب في العراق منذ 1985
-         عضو الاتحاد العام للادباء  والكتاب العرب منذ 1994
-         عضو مؤسس في اتحاد ادباء  ديالى  في  1984
-          عضو  مركز الادب العربي - العراق
-          عضو الاتحاد الدولي لعلوم  الحضارة الاسلامية – ممثل عن دولة العراق
-         عضو  الاتحاد العالمي للشعراء والمبدعين العرب \ وكيل دولة العراق
-         عضو  المنتدى العالمي لمكارم الاخلاق والتنمية الانسانية ( الهيئة المؤسسة )
-         عضو اتحاد الاشراف الدولي
-         عضة  اتحاد  الادباء  الدولي
-          عضو الامانة العامة لشعبة المبدعين العرب ( جامعة  الدول العربية)
-          المدير الاقليمي لشعبة المبدعين العرب - فرع العراق –
-         المستشار ا الادبي في  شعبة المبدعين العرب – فرع العراق .
-         عضو البيت الثقافي العربي  والمستشار الادبي فيه
-          عضو نقابة الشعراء  والمبدعين العرب
-         عضو  اتحاد الكتاب والمثقفين العرب
-         عضو اتحاد كتاب الانترنيت العرب
-         عضو اتحاد  كتاب الانترنيت العراقيين
-          عضو اتحاد الشعراء والادباء العرب
-         نائب رئيس  رابطة  المرفأ الاخير  الثقافية
-         عضو رابطة  الادباء والكتاب العرب
-         عضو رابطة  شعراء العرب
-         عضو رابطة  المبدعين اليمنيين
-         عضو  التجمع العالمي  للشعراء العرب
-         عضو رابطة شعراء البادية  ورئيس لجنة التقييم فيها
-         عضو مؤسسة اقلام ثقافية للاعلام في العراق
-         عضة منظمة  الكلمة الثقافية الانسانية
-          عضو شبكة  صدانا الاماراتية
-         عضو الملتقى الثقافي العربي
-    عضو منظمة الكون الشعري في المغرب

-   عضو البيت الثقافي العربي في الهند والمستشار الادبي فيه

-    عضو البيت الثقافي  العراقي التونسي . 

-     نائب  رئيس  تحرير مجلة  الصريح الفلسطينية

-    رئيسا للفريق العربي لتحرير مجلة منبر المتقاعدين 

-    رئيس تحرير قسم  المحاضرات في مجلة ورد المنى  المصرية

-    عضو هيئة تحرير مجلة المرفأ الاخير

-    عضو هيئة تحرير مجلة  البيت الثقافي العراقي التونسي

اضافة الى عضويتي ومشاركاتي في الكثير من المنتديات الادبية والاتحادات والروابط على الانترنيت  اوالفيسبك .
     *  اما  المقالات الكثيرة  التي كتبها الشاعر في الصحف والمجلات العراقية والعربية      والاجنبية  الناطقة بالعر بية  .
  *  الا ف المقالات التي نشرها في موقعه او المواقع والمنتديات الالكترونية على النت او    الفيسبك  وخاصة  المجلس العلمي السعودي(الالوكة) وشبكة صدانا – فضاء الاديب فالح الحجية  واتحاد الكتاب والمثقفين العرب –روائع الاديب فالح الحجية  ومركز النور  وغيرها كثير  .
* وكذلك مشاركاته في كثير من المهرجانات الادبية والثقافية في العراق و اتحاد المؤرخين العرب وكل الندوات والمهرجانات التي عقدت في ديالى سواء عربية أو عراقية اومحلية
 * له علاقات وصداقات مع العديد من الأدباء والشعراء العرب والعراقيين منهم الشاعر الفلسطيني  محمود درويش والشاعر السوداني محمد مفتاح الفيتوري والشاعرالسوري نزار قباني والشاعر العراقي سركون بولس والشاعر وليد الاعظمي والادباء والمورخين الاساتذة  منهم  عماد عبد السلام رؤوف   وسالم الالوسي  وحسين علي  محفوظ  وجلال الحنفي  وغيرهم كثير                                                                                           

  ومن مؤلفات فالح نصيف الحجية الكيلاني

ا-الدواوين الشعرية :

           نفثات القلب                1978
           قصائد من جبهة القتال   1986
           من وحي الايمان          8 0 20 
           الشهادة والضريح         2010
           الحرب والايمان            2011 
            سناءات مشرقة           2014

ب – الكتب النثرية :
1 -في الادب والفن
2 -تذكرة الشقيق في معرفة اداب الطريق – دراسة وتحقيق وشرح للقصيدة التي تحمل نفس العنوان والمنسوبة للشيخ عبد القادرالكيلاني
3-الموجز في الشعر العربي \ دراسة موجزة في  الشعرالعربي عبر العصور بدءا من العصر الجاهلي وحتى عصر النهضة او الحديث ثم المعاصر اعتبر او قيم من قبل اغلب المواقع الادبية على النت - انه احد امهات الكتب العربية في الادب واللغة  في موضوع الشعر والادب       اربعة اجزاء
4-شرح ديوان الشيخ عبد القادر الكيلاني وشيء في تصوفه – دراسة شاملة في ادب الشيخ عبد القادرالكيلاني كنموذج للشعرالصوفي وشرح القصائد المنسوبة  اليه             اربعة اجزاء
5    -   كرامة فتاة ( قصة طويلة )
6-   اصول في الاسلام
7-   عذراء القرية (قصة طويلة )
8-  الاشقياء  ( مجموعة قصص قصيرة )
9-  بلدروز عبر التاريخ
10-  دراسات في الشعر المعاصر  وقصيدة النثر
11- الغزل في الشعر العربي
12– عبد القادر الكيلاني  وموقفه من المذاهب والفرق الاسلامية     دراسة
13--شرح القصيدة العينية \ مع دراسة  بحثية في شاعرها  الشيخ عبد القادر الكيلاني
14-  -مدينة بلدروز في الذاكرة
15- شذرات من السيرة النبوية المعطرة
16- من عيون الشعرالصوفي
17-  الشعرالعباسي بين الكلاسيكية والتجديد
18-  دراسات في الشعرالعربي  واماراته

 ج- موسوعة  التفسير الموضوعي للقران الكريم  وقد انجز منها الكتب التالية :
1-اصحاب الجنة في القران الكريم                 جزءان
2-القران في القران الكريم
3- الادعية المستجابة في القران الكريم
4-الانسان ويوم القيامة
5- الخلق المعاد في القرآن الكريم
6-يوم القيامة في القران الكريم                         جزءان

     د – موسوعة  ( شعراء العربية )  ومنها الكتب التالية  :

1- شعراء جاهليون
2-شعراء صدر الاسلام
3- شعراء  العصر الاموي                            جزآ ن
4- شعراء  العصرالعباسي الاول                    جزءان
5- شعراء العصر العباسي  الثاني                  جزءان
6- شعراء العربية في الاندلس
7 - شعراء  الفترة الراكدة والعثمانية
8- شعر اء النهضة العربية
9- شعراء  الحداثة  العربية                           جزءان
10-  شعراء  المعاصرة العربية                     جزءان


*******************************



شرح  د يوان




الشيخ عبد القــاد ر الكيلاني

وشيء في تصوفه




الجـزء الاول



دراسة وتحقيق وشـــرح


الدكتور

فالح نصيف الحجية الكيلاني











































البا ب   الاول



شيء في تصوف الشيخ عبد القادر الكيلاني





          ويشمل دراسة في التصوف ومفهومه ونشأته وتعريفه ولمحة تاريخية فيه ودراسة التصوف القادري والطريقة القادرية وكيفية الانتساب اليها  وادابهم  ودراسة النفس الانسانية  وفق المنهج الصوفي  وانواع هذه النفوس ثم اسس التصوف القادري وذكرالخصال العشر التي اثبتها الشيخ عبد القادرالكيلاني  لسالكي طريقته  ثم دراسة حياة الشيخ الكيلاني العلمية واساتيذه وشيوخه وتلامذ ته ومكانته العلمية ثم دراسة الشعرالصوفي  وشعرالشيخ عبد القادر الكيلاني  كشاعر واساليبه ومعانيه  الشعرية  والاغراض الشعرية كالفخرالصوفي و الحب الالهي والخمرة الالهية وشعر الحنين والشكوى  ثم  دراسة موقف الشيخ من المذاهب والفرق الاسلامية .

شرة فصول  ففي فصل من عدة مواضيع








































الفصل الاو ل


                            التصوف


( مفهوم التصوف )


              التصوف هو تجربة روحية خالصة او هو حال  يعانيها الصوفي  من خلال توجهه الى خالقه لعبادته اوسمت مستقيم في سبيل  الوصول الى الغاية  المرجوة.  ويقصد به  تزكية  النفوس وصفاء القلوب   واصلاح الاخلاق  والوصول الى  مرتبة الاحسان .وله  من الصفات والخصائص  والاحوال  ما يميزها عن غيرها من  الانفعالات النفسية  الانسانية  فهو – كما اتصوره  - صورة لمعراج النفس الانسانية  في الارتقاء الى المستوى  المرجو نحو هدفها الاسمى  وهو بعد ذلك اروع صفحة – في نظري -  تتجلى  فيها الروحانية  والنصيب الخصب  والمشرق  والعميق  في توجيه الروحية الانسانية  وخاصة  في  توجيه وتربية الحياة الروحية في الاسلام.

        والعجيب في التصوف  انه شامل لكل  المعتقدات  والنزعات النفسية في طموح المرء  نحو ربه , لاعلاقة له بدين معين او بمذهب من المذاهب  او بفرقة من الفرق فهو شامل وموجود في الجميع فهو الاحساس النفسي والشعورالانساني المتوقد في الفكر الانساني نحو الرب  وبيع النفس روحيتها  الى بارئها مقابل الجزاء الاوفي في العالم الاخر.
     والتصوف الاسلامي  هو ذلك  الاحساس الذي يرسم  الصورة الحقيقية الشاملة لهذا الدين  ويجمع بين هذه الحال وبين  الاصول والنصوص  او بين التفسيرات  والتاويلات  ويفند  مزاعم  وماخذ الاخرين عليه من الذين ينكرون  على المتصوفين  حالاتهم  ومقاماتهم  وامورهم  فهو قبس  من نور هذا العالم يسري في نفوس وافئدة المتصوفين  وينير  السبيل  امامهم لنيل  مرادهم  وما تصبوا اليه نفوسهم  المتعلقة بربها  وهو الهدف الذي يهدفون ويكرسون  فيه حياتهم  حتى  يتم الوصول  من خلال  طريقه الى حالة  روحية خاصة  يدركونها ادراكا مباشرا  ذوقيا  لهم  وحدهم  دون غيرهم .

         ومن هنا كانت كل الاساليب – رغم اختلافها- التي عبر بها طلاب الحقيقة  ومهما تباينت  الاسماء  والمسميات  التي يطلقونها  عليها  وبها  فان الصوفيين  هم وحدهم  الذين  يذكرون  صراحة  انهم  شاهدوا هذه الحقيقة   وجها  لوجه  واتصلوا بها  اتصالا  روحيا ,لذا نرى  في دعواهم  نغمة من اليقين المحض  وصدقا من الايمان الخالص.

         فطالب الحقيقة  يطلبها غنية ثرة في ذاتها وجودا غير متناه  خارجا عن   حدود  الزمان  والمكان  . وقد  تجاوز العقل البشري  في طلبه  للحقيقة الالهية او الحقيقة العلوية كل مقولات العالم المحسوس  واخذ نفسه بالبحث عن عالم اخر متخذا لنفسه صورا شتى  يفلسف الحياة   ميتافريقيا للوصول الى ما وراءها وقد تطورت هذه الصور بتطور الحضارة الانسانية وتعقدت معها  فولدت الرجل الصوفي ذا النزعة الدينية  غير المتعصب  لحد معين  - بعد مخاض عسير – الذي يعرف الحقيقة في ذاتها  منبعثة من ذاته  وصلته الفطرية بها  ليبقى يحمل قبسا  من نورها في قلبه ويعشعش في فكره   فيتجاوز  ميدان العقل الى ميدان الوجدان  والارادة والحرية المطلقة  بحيث يبقى الجميع قاصرين عن فهم حقيقة  الوصول الى ما  وصله هذا الصوفي من روحانية وحقيقة ذاتية خالصة له منه  وفيه.

         وقد مر التصوف خلال العصور والازمنة  منذ ظهور الاديان  وحتى عصرنا هذا  بمراحل وتطورات  عديدة وعرف  خلالها   بتعاريف  عديدة  تكاد تكون – رغم اختلافها وتنباينها -  منبعثة من  حالة واحدة  ومن  معين  واحد  وقد  تجاوزت  هذه  التعاريف  المئات  لكني ساكتفي بذكر بعضها معتمدا على التعاريف  التي عرفه بها  الرجال  الافذاذ  من علماء الدين الاسلامي الحنيف ومن خلال رجال  اشداء عرفوا بالزهد والتصوف :
      يقول  المتصوف  والزاهد الكبير  الشيخ معروف الكرخي  المتوفي سنة  \200 هجرية.
 ( التصوف الاخذ بالحقائق  واليأس مما في   ايدي الخلائق)
الرسالة القشيرية صفحة 127
 وتفسيره الزهد في الدنيا  والنظر في والى حقيقة الدين وعدم الاكتفاء بظاهر التكاليف الدينية  والقيام بها على اكمل وجه .
   اما الشيخ ابو سليمان  الداراني  المتوفي ستة \ 215 هجرية  فيقول
( التصوف ان  تجري  على يد الصوفي اعمالا لا يعلمها ا لا الحق ويكون دائما مع الحق على حال لا يعلمها الا هو )
 تذكرة الاولياء الجزء الاول صفحة 222
         ويذكر الشيخ فريد الدين العطار فيقول :
 ( الصوفي  من اذا نطق كان كلامه عين حاله فهو لا ينطق  بشيء  الا  اذا  كان هو  ذلك الشيء  واذا  امسك عن الكلام  عبرت اعماله عن حاله  وكانت ناطقة بقطع  علائقه الدنيوية )
 تذكرة الاولياء الجزء الاول صفحة 126 
     ولقد عرف السري السقطي المتوفى سنة \257 هجرية التصوف بقوله:
( التصوف اسم لثلاثة معان  وهو  الذي  لايطفيء نور معرفته  نور  ورعه ولا يتكلم  بباطن في علم ينقض عليه ظاهر الكتاب والسنة  ولا تحمله الكرامات على هتك  استا ر محارم الله )
 الرسالة القشيرية صفحة \10
         ويعرف الشيخ سهل بن عبد الله التستري الصوفي فيقول : –
( الصوفي  من صفا من الكدر واملاء من الفكر وانقطع الى الله من البشر واستوى عنده الذهب  والمدر)
– تذكرة الاولياء ج1 صفحة 264
       اما ابو الحسن الندوي النوري  المتوفى سنة\ 295 هجرية فيقول : ( ليس التصوف رسما ولا علما ولكنه خلق لانه  لو كان رسما لما حصل بالمجاهدة  ولو كان علما   لخص  بالتعليم  ولكنه تخلق   باخلاق الله  )
-  التصوف  الثورة  الروحية  في   الاسلام صفحة\ 44
      اما الشيخ الجنيد البغدادي المتوفى سنة\ 297 هجرية  فقد عرف التصوف والمتصوفين  تعاريف كثيرة منها :
( التصوف ان يختصك الله بالصفاء فمن اصطفى من كل ما سوى الله فهو الصوفي )- 
 المصدر السابق
    او قوله  فيه :
(التصوف تصوف القلوب حتى لا يعاود هذا ضعفها الذاتي  ومفارقة  اخلاق الطبيعة واخماد صفات البشرية ومجانبة دعاوى النفسانية ومنازلة  صفات الروحانية  والتعقل  بعلوم الحقيقة والعمل بها وهو خير  والنصح لجميع الامة  والاخلاص في مراعاة  الحقيقة  واتباع النبي صلى الله عليه وسلم)- 
تذكرة الاولياء
    اما الشيخ ابو بكر الشبلي المتوفي\ 334 هجرية  فقد قال:
  (الصوفي من لا يرى في الدارين  مع الله الا الله – فالتصوف عنده   هو لحظة الاشراق التي  تكاد  يصعق  فيها الصوفي عندها  يتجلى لقلبه  نور الحق)
  التصوف الثورة الروحية في الاسلام صفحة\50
     ويقول الشيخ احمد رزق رحمه الله تعالى :
( التصوف علم قصد به لاصلاح القلوب وافرادها لله تعالى  عما سواه والفقه لاصلاح العمل وحفظ النظام  وظهور الحكمة بالاحكام والاصول  علم التوحيد لتحقيق  المقدمات والبراهين وتجلية الايمان  بالايقان  كالطب لحفظ الابدان  وكالنحو  لاصلاح اللسان)
قواعد  التصوف  لابي العباس احمد الفاسي  صفحة 6
     اما الشيخ ابن عجيبة  فيقول :
 (التصوف هو علم  يعرف به كيفية السلوك الى حضرة ملك الملوك وتصفية البواطن من الرذائل  وتجليتها  بانواع  الفضائل   واوله علم  واوسطه  عمل  واخره موهبة )
           اما العلامة الاستاذ   ابو الاعلى  المودودي  فيقول :
 (التصوف عبارة –في حقيقة الامر عن حب الله و رسوله الصادق بل الولوع  بهما والتفاني في سبيلهما والذي يقتضيه هذا الولوع والتفاني الا ينحرف  المسلم   قيد   شعره عن اتباع   احكام  الله ورسوله صلى الله عليه وسلم  فليس التصوف الاسلامي الخالص بشيء مستقل عن الشريعة انما هو القيام باحكامها بغاية الاخلاص وصفاء النية وطهارة القلب)
مبادىء الاسلام صفحة \114
      اما انا فاقول :( الله... الله...الله عنما يمتليء القلب في حب الله ويفيض هذا الحب  فيغمر القلب و الفكر وتتجه الاحاسيس  نحو المحب الاعظم  وتصعد اليه  النفس  تسبح في بحر الحب الخالد طائرة على جناحي الايمان   بعيدة عن هذا الجسد الفاني عندها  يفقد   القلب  والفكر سيطرتهما على   الحركات الالية   والتفكير الدنيوي وهو يردد – لا اله الاالله – هذا الذكرالعظيم  ربما يكون هو الولوج الى باب التصوف الحق في حب الله الى منتهاه وقد جمع الشريعة  والحقيقة  فالصوفي  عبد عابد  ذاهب عن نفسه متصل  بذكر  ربه قائم  باداء حقوقه ناظراليه بقلبه احرق قلبه بانوار هدايته   وصفاء  شربه  من  كأس  حبه  ووده  وقربه فانكشف  له الحق عن استار غيبه  فاذا تكلم  فبالله  وان  نطق فعن الله وان تحرك  فبأمر من  الله  وان سكت  فمع الله  فهو  بالله ولله  ومع الله  عندها  تحن  النفس  لمشاهدة المحبوب وتعرج الى افضل الاماكن الانيقة في الجنان النضرة لتستريح  من عذاباتها  الدنيوية .)         
       ولهذا يعتبر التصوف هو مقام الإحسان من الإسلام كما جاء ذلك في الحديث المعروف بحديث جبريل, والذي نصه التالي:
(( عن عمر بن الخطاب  (رض) قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال:
 يا محمد! أخبرني عن الإسلام؟
 فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة, وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا.
 قال: صدقت.
 فعجبنا له يسأله ويصدقه،
 قال: فأخبرني عن الإيمان.
 قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره.
قال: صدقت.
 قال: فأخبرني عن الإحسان.
 قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
قال: فأخبرني عن الساعة.
قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل.
قال: فأخبرني عن أماراتها.
 قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان.
 ثم انطلق. فلبث رسول الله  مليا، ثم
قال: يا عمر أتدري من السائل؟
قلت: الله ورسوله أعلم.
 قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم (رواه مسلم).

       فالتصوف هو اللبنة الثالثة في البناء الإسلامي، أي مستوى الإحسان حيث يصبح الإيمان إيمانا شهوديا بعد أن كان إيمانا غيبيا اعتقاديا. فالغيب الذي نؤمن به على مستوى الإيمان يصبح واقعا شهوديا نتراآاه (كأنك تراه) على مستوى الإحسان.
       فإذا كان الإسلام هو مجموع الطوابق الثلاثة إلا أن طابقه الثالث (مستوى الإحسان) هو كماله من خلال تحقيق مستوي الإسلام والإيمان تحقيقا يحول الظن الغائب إلى يقين حاضر.
        ومستوى الإحسان عايشه الصحابة رضوان الله عليهم في علاقتهم بالرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام. وانتقلت أسرار هذا المقام إليهم روحيا من خلال رابط المحبة والتعلق بشخص حبيبهم  رسول الله صلى الله عليه وسلم.
          فكما أن أسرار مستوى الإسلام تنتقل  بالتلقين والإستماع من فكر إلى فكر، فأسرار مستوى الإيمان تنتقل بالعمل والإتباع من سلوك إلى سلوك، فأسرار مقام   الإحسان  تنتقل  من قلب إلى قلب بالمحبة  والتعلق   وتعاليم  رسول الله صلى الله عليه وسلم  وورثته من أمته.
      وإن غياب ممارسة مستوى الإحسان في سلوك المسلمين (لهو غياب قناة التواصل لديهم التي هي المحبة)، باستثناء بعض الدوائر الضيقة.
     إن الحقيقة الصوفية التي اكتشفها العارفون بالله ما هي إلا تفصيل لما جاء  في الشريعة الاسلامية لذا فإن معارضة النص القرآني أو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم  الشريف  بالحقيقة  الروحية  يرجع  إلى معارضة الجزء (الحقيقة الصوفية) بكله (الشريعة). ذلك أن علاقة الحقيقة الصوفية بالنص القرآني أو الحديث هي علاقة تضمين واستغراق (الثاني للأول)  أي استغراق  الروحية الصوفية  في مفهمية النص القرآني لا علاقة تضاد و ولا علاقة تنافر كما يحاول الإيهام بذلك بعض ممن يوجد خارج التجربة الصوفية.
         إن التعارض – إذا وجد – هو تعارض   بين سوء  تأويل النص القرآني أو الحديث أو النص الروحي، أو بين سوء تأويل النص الروحي (على فرض صحته) والنص القرآني أو الحديث. هذا خصوصا إذا علمنا أن اللغة الروحية هي لغة إشارية لا دلالية، أي أنها تشير إلى الحقيقة عن بعد ولا تدل عليها  بحتية . إذ الدلالة الحقيقية للنص الروحي- وربما أي نص روحي - لا يمكن فهمها إلا بالمشاركة الوجدانية.
    ان التصوف هو القلب النابض للإسلام و كمال بنائه.لأن العبادة بدون محبة لله و معرفة به تجعل من العبادات  طقوسا  دينية شكلية  فارغة من فحواها الاصلي  فهي مجرد القيام بعمل  ليس في سبيل الله ورسوله ولكن تحقيقا لنوايا معينة واساليب  جديدة  ابتكرها المبتكرون  يرجون من اشاعتها الفتنة والتفرقة بين المسلمين او الكسب  والله تعالى اعلم  .
         فالتصوف  يمثل الرصيد الشعوري غير المدون من السنة النبوية لعدم قابليته للتدوين.ذلك أن أحوال الرسول عليه الصلاة والسلام الباطنية لا تدون في الكتب  اذ تعجز الكتابة ان تدونها و لا تستوعبها بطون الكتب  و لكنها تدرك بالمعايشة الوجدانية وبالاستقامة لله تعالى .
-                


************************






نشأ ة التصوف         


       نشأ التصوف  كعلم جديد أول ما نشأ بالبصرة، وأول من بنى دارة للتصوف فيها  بعض أصحاب عبد الواحد بن زيد من أصحاب الحسن البصري رحمه الله .
      وقد تميز عباد البصرة آنذاك بالمبالغة في التعبد، وظهرت فيهم مظاهر جديدة لم تكن مألوفة من قبل، فكان منهم من يسقط مغشيا عليه عند سماع القرآن  الكريم ، ومنهم من يخر ميتا، فافترق الناس إزاء هذه الظاهرة بين منكر ومادح، وكان من المنكرين عليهم جمع من الصحابة كأسماء بنت أبي بكر وعبدالله بن الزبير رضي الله عنهم، إذ لم تكن تلك المظاهر في عهد الرسول محمد  صلى الله عليه وسلم وصحابته وهم الأعظم خوفا والأشد وجلا من الله سبحانه  وتعالى .
              ورأى الإمام ابن تيمية أن حال النبي محمد  صلى الله عليه وسلم وصحابته من  ضبط نفوسهم عند سماع القرآن الكريم  أكمل من حال من جاء بعدهم، ولكنه - رحمه الله - لا يذهب إلى الإنكار على من  ظهر منه شيء من ذلك إذا كان لا يستطيع  دفعه، فقال رحمه الله تعالى :
 ( والذي عليه جمهور العلماء أن الواحد من هؤلاء إذا كان مغلوبا عليه لم ينكر عليه وإن كان حال الثابت أكمل منه) .
    ولا زلنا  ولايزال السلف الصالح   يبكي عند سماعه ايات القران الكريم تتلى فتدخل في  قلبه ونفسه وفكره خشوعا لله ومحبة  اليه .
          تنازع العلماء في أصل هذه النسبة وإلى أي شيء تضاف فقيل : هي نسبة إلى أهل الصُفَّة ،
 وقيل : نسبة إلى الصفوة
 وقيل : نسبة إلى الصف المقـدّم
 وقيل : بل نسبة إلى صوفة بن بشر رجل عرف بالزهد في الجاهلية
      قال الإمام ابن تيمية : ( وكل هذا غلط ، وقيل - وهو المعروف - أنه نسبة إلى لبس الصوف ).
 ونفى القشيري صحة هذه النسبة أيضاً، وقال :
( إن القوم لم يعرفوا بلبس الصوف، وأيا كان أصل النسبة فإن اللفظ صار علما على طائفة بعينها، فاستغني بشهرته عن أصل نسبته).
          هذا عن أصل النسبة، أما معنى التصوف فللقوم عبارات مختلفة في ذلك تصور مقام كل واحد في التصوف وتصوره له، فقال بعضهم في تعريف التصوف :
 أنه الدخول في كل خلق سني، والخروج عن كل خلق دني،
 وقيل : أن يكون العبد في كل وقت بما هو أولى به في ذلك الوقت ، بمعنى أنه إن كان في وقت صلاة كان مصليا، وإن كان في وقت ذكر كان ذاكرا، وإن كان في وقت جهاد كان مجاهدا، لذلك قيل : الصوفي ابن وقته،
 وقيل في تعريف التصوف الأخذ بالحقائق، واليأس بما في أيدي الخلائق، وقيل التصوف مراقبة الأحوال ولزوم الأدب، وقيل غير ذلك .

    امتاز منهج المتقدمين في الجملة بالتعويل على الكتاب والسنة، واعتبارهما مصدري التلقي والاستدلال الوحيدين، ويروى عنهم نصوص كثيرة في ذلك، فمن ذلك ما قاله أبو القاسم الجنيد البغداديؤحمه الله   :
( مذهبنا هذا مقيد بالأصول( الكتاب والسنة )
وقال أيضا : ( علمنا منوط بالكتاب والسنة من لم يحفظ الكتاب ويكتب الحديث ولم يتفقه لا يقتدى به )
 وقال أبو سليمان الداراني :
( ربما تقع في نفسي النكتة من نكت القوم أياما فلا أقبلها إلا بشاهدين عدلين الكتاب والسنة )،
 وقال سهل بن عبدالله التستري :
( مذهبنا مبني على ثلاثة أصول : الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، في الأخلاق والأفعال، والأكل من الحلال، وإخلاص النية في جميع الأعمال )

   ربما بدأت الصوفية كمجموعة اتخذت الزهد شعارها، وتصفية القلوب دثارها، مع صحة الاعتقاد وسلامة العمل في الجملة، إلا أنه قد دخل في مسمى الصوفية فرق وطوائف متعددة، لم يكن الجامع بينها إلا التحلي بالزهد والاهتمام بأحوال القلوب سواء أكان على وجه الصدق أم كان على وجه الادعاء والتظاهر أمام الخلق،
 أما العقائد فقد تفرقت بهم السبل فيها ، لاتحادهم في الاسم مع اختلافهم الجوهري في كثير من العقائد والأفكار،.
      وسنعرض من خلال هذا البحث الموجز شيئاً من عقائد بعض الصوفية المتأخرين، ، فمن عقائدهم:
1. القول بالحلول: وهي بدعة كفرية أخذها من أخذها عن كفار الهند، ومعناها عندهم أن الله حالٌّ في مخلوقاته فلا انفصال بين الخالق والمخلوق، وليس في الوجود إلا الله، وهذا ما يسمى بوحدة الوجود.
2. الغلو في الصالحين وفي مقدمتهم سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، حيث يعتقد الغالون من الصوفية أن النبي صلى الله عليه وسلم هو قبة الكون، وأن الخلق ما خلق إلا لأجله ومن نوره، ويقل منسوب الغلو عند بعضهم فيرى أن النبي صلى الله عليه وسلم بشراً رسولا، إلا أنهم يستغيثون به طالبين المدد والعون ولا يستغاث إلا بالله جل جلاله كاشف الضر ودفعه.
        ومن أوجه الغلو عند بعض الصوفية  الغلو في صالحيهم، حتى وجد في بعضهم من يعبد شيخه فيسجد له ويدعوه، وربما قال بعضهم (كل رزق لا يرزقنيه شيخي فلا أريده) ونحو هذه الأقوال، وربما غلا بعضهم في نفسه واغتر بها، حتى روي عن بعضهم قوله: ( خضنا بحرا وقف الأنبياء بساحله )  ويجعلون لهم تصريف الكون أرضه وسماءه.

3. تقسيم الدين إلى شريعة تلزم العامة، وحقيقة تلزم الخاصة، فالشريعة هي ما يسمونه العلم الظاهر، والحقيقة هي ما يدعونه العلم الباطن، فالعلم الظاهر والذي يمثل الشريعة معلوم المصدر وهو الكتاب والسنة، أما علم الحقيقة، علم الباطن فهو كما  يدعي  بعض الصوفية أنهم يأخذونه عن الحي الذي لا يموت، فيقول أحدهم :( حدثني قلبي عن ربي)
     وذهب بعضهم إلى القول بأنه يأخذ عن ملك الإلهام، كما تلقى الرسول صلى الله عليه وسلم علومه عن ملك الوحي، وزعم بعضهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو من يخبرهم بما يتوجب عليهم من عبادة وذكر، وأنهم يلتقون بالأنبياء ويسألونهم عن قصصهم،
وقال آخر( إذا طالبوني بعلم الورق، برزت عليهم بعلم الخرق).

          وقال أبو حامد الغزالي في بيان هذا المسلك:
 ( اعلم أن ميل أهل التصوف إلى الإلهية دون التعليمية، ولذلك لم يتعلموا ولم يحرصوا على دراسة العلم وتحصيل ما صنفه المصنفون، بل قالوا الطريق تقديم المجاهدات بمحو الصفات المذمومة، وقطع العلائق كلها، والإقبال على الله تعالى بكنه الهمة، وذلك بأن يقطع الإنسان همه عن الأهل والمال والولد والعلم، ويخلو بنفسه في زاوية ويقتصر على الفرائض والرواتب، ولا يقرن همه بقراءة القرآن ولا بالتأمل في نفسه، ولا يكتب حديثا ولا غيره، ولا يزال يقول : (الله الله الله) إلى أن ينتهي إلى حال يترك تحريك اللسان ثم يمحي عن القلب صورة اللفظ )
 وارى ان هذه كلها فيها تجا وز على الاسلام والايمان  كل بقدر مايقره وما يفضي به  والحقيقة الراجحة تؤخذ من مصدر القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة .

                                  ***********






                        أعلام التصوف
:



               اشتهر طائفة من رجال التصوف بالزهد، ومراعاة أحوال القلوب، حتى أصبحوا مضرب المثل في ذلك، في حين لم يعرف البعض الآخر من التصوف سوى لبس الخرق والتظاهر بالمسكنة، فضلا عن خروج الكثير منهم عن السنة بكثرة ما أحدث من البدع في العقائد والعبادات، فليست الصوفية سواء وليس رجالها سواء، والبصير العاقل من لم يضع الجميع في موقع واحد لاتحاد الاسم مع أن المعنى مختلف، وسوف نعرض لتراجم بعض أعلام التصوف وأغلبهم من أهل الاستقامة في الدين لئلا تنفر النفوس من التصوف بمعناه الحسن، فما أحوج القلوب اليوم في زمن الجفاف المادي إلى نسمات الروح وهبات الإيمان لتتغذى بهاالروح الانسانية ، ولنجد في ذكر الصالحين نعم العون على ذلك،
 فمن أعلام التصوف:

1- أبو محمد رويم بن أحمد المتوفي    سنة\ 303هـ من أقواله :
( إذا رزقك الله المقال والفعال، فأخذ منك المقال وأبقى عليك الفعال فإنها نعمة، وإذا أخذ منك الفعال وأبقى عليك المقال فإنها مصيبة، وإذا أخذ منك كليهما فهي نقمة )
2- أبو العباس أحمد بن محمد الآدمي المتوفي\ 309هـ كان من كبار مشائخ الصوفية وعلمائهم، وكان من أقران الجنيد البغدادي  - رحمه الله - من أقواله:
 (من ألزم نفسه متابعة آداب الشريعة، نور الله قلبه بنور المعرفة، ولا مقام أشرف من مقام متابعة الحبيب صلى الله عليه وسلم في أوامره وأفعاله وأخلاقه ).
3- أبو إسحاق إبراهيم بن أدهم المتوفي سنة\ 161هـجرية  كان من أبناء الملوك، فخرج عن حاله تلك وتصوف، حتى صار مقدما في الصوفية، من أقواله :
 ( إني لأسمع النكتة من نكت القوم فلا أقبلها إلا بشاهدين من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ).
4- أبو الفوارس شاه بن شجاع الكرماني (المتوفي قبل 300هـ ، كان من أولاد الملوك، وكان يقول:
(  الصوفي من غض بصره عن المحارم، وأمسك نفسه عن الشهوات، وعمر باطنه بدوام المراقبة)
  وغيرهم كثير ممن سلك مسالك الحق واهتدى بنور الايمان والاسلام



                        **************









                     التصوف وذكر الله   
                                                          


          اعتمد التصوف في الاسلام ذكر الله مبدءا اساسيا والوصول الى   الله تعالى هدفا وغايته المرجوة ومبتغاه واعتبر قول ( لا اله الا الله) شعارا فذكر الله تعالى هو علامة الفلاح وسبيل النجاح والرقي والالتزام بكتاب الله تعالى وسنة نبيه الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم فرض على كل سالك لهذا الطريق  وحقه من الحقيقة قدر التزامه في الكتاب والسنة وتنفيذا  لاوامر الله تعالى ونواهيه   وتعاليم رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم .
      لقد وردت في القران الكريم ايات كثيرة تحض لا بل تلزم اهل الايمان  على ذكرالله تعالى  قال تعالى :
– اذكروني اذكركم – سورة البقرة 152
- الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم – ال عمران 191
- فاذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم - النساء 103
- واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والاصال ولا تكن من الغافلين – الاعراف 205
- ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله اكبر والله يعلم بما تصنعون – العنكبوت 25
- الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم – الاحزاب 41
وكثير من الايات في القران الكريم تؤكد وتحث على ذكر الله 
وفي الحديث الشريف ايضا الكثير فعن ابي هريرة انه  قال:
 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم –
( يقول الله تعالى اذا ذكرني عبدي في نفسه ذكرته في نفسي واذا ذكرني في ملاء ذكرته في ملاء خير من ملئه واذا تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا واذا تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا واذا مشى اليه هرولت اليه) – متفق عليه
وفي حديث اخر قدسي يقول الله تعالى –
(انا مع عبدي ماذكرني وتحركت بي شفتاه)
– رواه ابن جابر وابن حيان
    وفي الاحاديث الشريفة الكثير الكثير في الحض على ذكرالله تعالى وفضل الذكر واذكر على سبيل المثال قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يخاطب صحابته الكرام – والخطاب  لعامة المسلمين من بعدهم
( ا لا انبؤكم بخير اعمالكم وازكاها عند مليككم وارفعها في درجاتكم وخير لكم من عطاء الورق والذهب وخير لكم من ان تلقوا عدوكم فتضربون اعناقهم ويضربون اعناقكم قالوا وما ذاك يارسول الله قال ذكر الله عز وجل)
- رواه الترمذي وابن ماجة والحاكم
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم-:
( من احب ان يرتع في رياض الجنة فليكثر من ذكرالله)
 – رواه ابو شيبة والطبراني
وايضا عن ابي هريرة قا ل:  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - :
( ما جلس قوم مجلسا يذكرون الله عز وجل الا حفت بهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عند ه) – رواه مسلم
        وذكر الله تعالى  نور وايمان و هدى وعرفان وانشراح في الصدر وسعة في العيش وسعادة في الدنيا وجنة في الاخرة ولو تعمقنا قليلا في معنى الذكر لوجدنا ان الذكر ذكران  ذكر يتولد من الخوف والخشية وهو من يذكر الله مع نفسه ويرى ان ذكرالله تعالى له امان  وما كان الا بذكرالله تعالى ويعلم  انه  بذكر الله يصل الى ذكر الله له .
      والذكر الاخر ذكرالمحبة والتشوق وهو التذكر بذكرالله به في الازل حيث لم يكن موجودا الى ان يصير في الدنيا مفقودا ثم الى الابد وعند ما يتجوهر ويستكن نور اليقين فيه حتى اذا ذهبت صولة الذكر من اللسان والقلب  يبقى  نور الذكر متجوهرا في دواخله فيصير الذكر ذكر الذات وهذا هو ذكر المشاهدة والمكاشفة والحقيقة الكبرى .
و قيل : (الذكر نار لاتبقي ولاتذر فاذا دخل قلب عبد مؤمن يقول – انا لا غيره لا اله الا الله – فاذا كان في القلب حطب الدنيا وهشيم متاعها وظلمة الوجود الحادث وخواطر النفس الامارة بالسوءووساوس الشيطان احرق الذكر كل ذلك وانار للقلب المحالك لذلك القلب بنور الله تعالى )
   حيث ان الذكر يكون اولا باللسان فاذا داوم عليه العبد انخرق له القلب وسرى نور ذكر الله الى بقية الجوارح واستغرق العبد كله في الذكر فتحول بتشريفه ووجوده الى حال اخر
     وعلامة انخراق القلب للذكر الشعور بالخفة في الاعضاء حتى يكاد المرء ان يطير بلا جناحين من خفته فاذا سكت اللسان عن الذكر تحرك الفكر و تحرك القلب في الصدر بالذكر فاذا داوم العبد على ذلك وصل الذكر الى سره وهنا تكون الغيبة في الذكر والذاكر في المذكور ويكون الهيمان حتى اذا ترك العبد الذكر لم يتركه الذكر ولا تذهب عنه انواره ولا يطيب به قرار الا بالمشاهدة والاشراق انه - نور على نور-  هداية من الله العلي العظيم .


************************
        


                                 الفصل الثاني

              التصوف في لمحة تا ريخية---


           التصوف بكل تعاريفه وبكل كثرة ما كتب عنه اصله من الصفاء من الكدر- كما اعتقد – فهو انبعاث من اعماق النفس الانسانية متفاعلا معها وفيها معنى هذا ان التصوف وجد بوجود الانسان ومعتقده وحاجته اليه في تصفية هذه النفس التي يحملها بين جنبيه مما يلحقها او علق بها من ادران اوشوائب.

     يقول الدكتور محمد اقبال الشاعر  الباكستاني  الكبير:
( –ليس من الصواب ان نرجع كل ظاهرة في بيئة ما الى عوامل خارجة عنها ونهمل العوامل الداخلية فانه  لا فكرة من الافكار ذات قيمة يكون لها سلطان على نفوس الناس الا اذا كانت تمت اليهم بصلة فاذا جاء عامل خارجي ايقضها ولكنه لا يخلقها خلقا  وعندما بحث المستشرقون في اصل التصوف ذهبوا الى ان مرده الى هذا العامل الخارجي او ذلك وتناسوا ان اية ظاهرة عقلية او تطور عقلي في امة لا يكون لها معنى ولا يفهم ان الا في الظروف العقلية والسياسية والدينية والاجتماعية التي عاشت فيها هذه الامة قبل ظهور تلك الظاهرة)
 لاحظ تطور الفلسفة الميتافزيقية في فارس  صفحة 96  محمد اقبال

        في هذه الظاهرة بين نشاة التصوف الاسلامي والطريق السوي في معالجتها والنظر الى البيئة العقلية والدينية والسياسية والاجتماعية التي نشات فيها هذه الظاهرة الكبيرة التي غيرت مجرى التاريخ الاسلامي فالتصوف وليد تاريخ الاسلام الديني والسياسيي والعقلي والعنصري فهو مظهر من مظاهره وما احاط به من ظروف وما دخل فيه من شعوب.

       النظريات الصوفية كثرت وتعددت تبعا لمدارسه خلال الزمن وما اكتنف كل نظرية من مفاهيم وعوامل ابتداء من عهد الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ومنعه الرهبنة في الاسلام ول ا لتفريق بين الزهد والعبادة وبين الرهبانية وما تمخضت عنه هذه المدارس الكثيرة كالمدرسة  النيسابيورية التي اظهرت او افرزت فرقة – الملامتية – او مدرسة مصر والشام التي امتاز علما ؤها بدقة التحليل النفسي في لحظات قربها من الله تعالى او بعدها عنه  جل وعلا.

     ونستطيع  تحديد  تاريخ  التصوف الاسلامي بثلاث مراحل:
 الاولى تكمن في الزهد والتعبد والخوف الشديد من الجزاء مثلما يظهر في سيرة الحسن البصري:
( وهو الفقيه الصوفي المولود عام 21هجرية 642 م في البصرة عاش بواد ام القرى في نواحي المدينة المنورة ودرس الحديث الشريف والفه واشتهر بالزهد والتقشف ويعتبر رائد الزهد والتصوف في الاسلام توفي عام 110 هجرية728 م) –
وسفيان الثوري المحدث من مشاهير التابعين
( وكان يلقب بامير المؤمنين في الحديث وهو ابو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري توفي في البصرة عام 161 هجرية 778 ميلادية ) – وما قبلها .
     المرحلة الثانية مرحلة المعرفة والمحبة والعشق الالهي ويظهر ذلك في اقوال الشيخ معروف الكرخي البغدادي –
( وهو ابو محفوظ معروف بن فيروز وقيل علي منسوب الى الكرخ في بغداد احد اعلام التصوف الزهاد والمتصوفين اشتهر بالصلاح وقصده الناس للتبرك به وقبره ظاهر وشاهد في بغداد ولا يزال قائما يقصده الناس للتبرك به -)
والجنيد البغدادي :
( وهو ابو القاسم الجنيد بن محمد بن الجنيد ويلقب بالخزاز او القوا ريري او الزجاج ولد في القرن الثالث الهجري في بغداد متصوف وفقيه اول من اشتغل بكلام التوحيد وشبخ مذهب التصوف حج من بغداد الى مكة ثلاث مرات على قدميه ويعرف بطاووس العلماء توفي في بغداد سنة 297 هجرية 910 م وقبره ظاهر ومعروف في بغداد )
وذو النون المصري :
( وهو ابو الفيض نوبان بن ابراهيم المصري المولود بصعيد مصر عام 255هجرية 771 م زار القدس والشام وبغداد ومكة من اصحاب المجاهدات والكرامات توفي سنة 345 هجرية 859 ميلادية  بالجيزة ودفن في القاهرة وقيره ظاهر فيها ومزار يزوره الناس للترك به)

اما المرحلة الثالثة فهي مرحلة الفناء في الله تعالى ووحدة الوجود واول التكلمين فيها الجنيد المذكور مسبقا والشبلي
( وهو القاضي بدر الدين محمد بن عبد الله بن محمد الشبلي الدمشقي ولد بدمشق 712 هجرية 1312 م وتوفي 769 هجرية 1367 م )
وابو يزيد البسطامي :
( وهو طيفور بن عيسى بن ادم بن سروثان البسطامي ولد عام 188 هجرية 804 م عرف بالزهد والتصوف واحد المتكلمين بوحدة الوجود توفي سنة 261 هجرية 875 م وقبره ظاهر ويزار وقد مزجت شخصيته بالاساطير والشطحات الصوفية )
       الذي اوغل في ذلك ونستطيع ان نحدد حقيقتين اثنتين هما محور كل قديم او محدث .
         الاولى انه ليس في العالم الا وجود واحد هو الوجود المطلق ذو الخيرالمحض والجمال الخالص-
  قال تعالى ( له يسجد من في السموات ومن في الارض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس -)
سورة الحج اية 18

            والحقيقة الثانية : ان الروح من عالم الغيب وهي في حنين دائم الى عالمها وغاية الصوفي في هذه الحياة ان ييسر للروح  سبل النجاة ويخلصها من كل نقص ويحررها من كل علاقة او حالة حتى تتصل بالله تعالى ويطلقها من قيودها ترجيعا ووجودا مطلقا غير محدود لترجع الى عالمها الازلي امنة مطمئنة .

     لم تكن في عصر صدر الاسلام حاجة الى وضع حدود وقواعد للزهد والعبادة في الدنيا للقصد من ملذاتها كما لم تكن حاجة الى تمييز طائفة من المسلمين عن غيرهم بسبب انفرادهم بالورع او التقوى وانما ظهرت هذه الحاجة ملحة كما يقول العلامة ابن خلدون :
( وهو ابن الوزير عبد الرحمن بن محمد بن محمد ولد عام 573هجرية 1322 ميلادية  بتونس وتنقل الى مناطق عديدة في بلاد شمال افريقيا والشام والحجاز والقاهرة اتسمت مؤلفاته بالنزعة الفلسفية والاجتماعية والتاريخية متصلة بينها توفي عام 808 هجرية 1405 م بالقاهرة ) و في مقد مته يقول :
( عندما فشا الاقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده وجنح الناس الى مخالطة الدنيا فاختص المقبلون باسم الصوفية) –
لاحظ كشف الظنون ج1 صفحة

         اما الامام القشيري وقد مرت بنا سيرته  فيقول :
( اعلموا ان المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتسم افاضلهم في عصرهم بتسمية علم سوى صحبة الرسول صل ىالله عليه وسلم اذ لا افضلية فوقها فقيل لهم الصحابة ثم اختلف الناس وتباينت المراتب فقيل لخواص الناس ممن لهم شدة عناية بالدين الزهاد والعباد ثم ظهرت البدعة وحصل التداعي بين الفرق فكل فريق ان فيهم زهادا وانفرد خواص اهل السنة المراعون انفسهم مع الله تعالى والحافظون قلوبهم من طوارق الغفلة باسم التصوف  )-
لاحظ كشف الظنون ج1 صفحة 414

           اما الاما م الحافظ السيد محمد صديق الغماري فقد افتى عندما سئل عن اول  من ا سس التصوف فقال :
     ( اما اول من اسس الطريقة  فلنعلم ان الطريقة  اسسها الوحي السماوي في جملة ما اسس من الدين المحمدي اذ هي بلاشك مقام الاحسان الذي هو احد اركان الدين الثلاثة التي جعلها النبيى صلى الله عليه وسلم بعد ما بينها واحدا واحدا الينا بقوله - هذا جبريل عليه السلام اتاكم يعلمكم دينكم - وهو الاسلام والايمان والاحسان فالاسلام طاعة وعبادة والايمان نور وعقيدة والاحسان مراقبة  ومشاهدة  ان تعبد ا لله كانك تراه فان لم تراه  فا نه يراك )
لاحظ  كتاب حقائق عن التصوف للسيخ عبد القادر عيسى صفحة 15

         لقد مر التصوف في الاسلام منذ نشاته ولحد الان في اطوار ومفاهيم تبلورت مع الوقت وتحولت خلالها الصوفية من الشكل الفردي الى شكل جماعي منظم وصارت طرقا وجماعات بعد ان كانت فردية يجتمع افراد ها لمارسة العبادة في مسجد من المساجد او في معبد اخر تحولت هذه الى طرق جماعية لها نظمها ومراسمها في القول والقبول  والانتماء وفي العلاقة بين بعضها مع البعض الاخر ضمن الطريقة الواحدة اي انقسمت الطريقة الواحدة الى عدة اقسام وكان الشيوخ والمريدين منهم رتب ومناصب واصبح لكل طريقة بيعة واناشيد خاصة وتلاقين واذكار واوراد ومظاهر خاصة وتلاوات وطاعات وسلوكية معينة لايمكن تجاوزها فهي كالاحزاب السياسية او المجامع الادبية او العلمية في الوقت الحاضر كما صارت لها موارد مالية ثابتة مما اوقفه اصحاب البر والخير عليها وعلى المنتسبين اليها والدارسين فيها .
0      بل صارت – اشبه بمهنة تعدل او تفضل اية مهنة يصطنعها الناس وحظيت بمكانة رفيعة في المجتمع  وذات تاثير قوي  جعلها  تشكل اديانا او مذاهب من خلال الدين الواحد ودولا  ضمن  كل  دولة  ولم  تعد مقصورة  على افراد مثقفين فقط كما كانت سابقا ولكنها فتحت ابوابها للعامة وللمعتوهين والمجاذيب كما فتحت لكبار رجال الدولة والسلاطين ) لاحظ المدن الاسلامية للسيد شاكر مصطفى ج1 صفحة 272

            وقد بلغ عدد هذه الطرق اكثر من ماءتي طريقة وبلغ من انتمى اليها اكثرمن 30 بالمائة من المسلمين .

    لكن جميع هذه الطرق رغم كثرتها ترجع في جذورها الاساسية للطرق الاصلية او متفرعة عنها وان اهم هذه الطرق الصوفية  الاصلية او الاساسية مايلي :

            الطريقة القادرية مؤسسها الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس سره وهي موضوع بحثنا ومداره

         والطريقة الرفاعية التي اسسها الشيخ احمد الرفاعي :
( وهو ابو العباس احمد بن علي بن احمد الرفاعي المولود سنة 512 هجرية 1118 م بقرية حسن او ام عبدة باقليم البطائح ما بين البصرة وواسط وتوفي ابوه وهو طفل  فكفله  خاله  منصور  ابوشيبة  البطائحي ومرقده ظاهر ومزار حاليا  في  جنوب بلدروز  من محافظة  ديالى  العراق وارسله للدراسة في واسط على فقهاءالشافعية وقد انصرف الى التصوف وقد اخذ العهد على يد خاله وكان شيخ طريقة صوفية عرفت بالرفاعية ولا تزال موجودة لحد الان عاصره الشيخ عبد القادر الجيلاني الذي يعتبرا شيخا له في الطريقة توفي في بلدته وقبره ظاهر ومزار في قضاء الرفاعي جنو ب العراق توفي عام 578 هجرية 1182 م)

         والطريقة الشاذلية في مصرومؤسسها ابو الحسن الشاذلي :
 ( وهو علي بن عبد الله بن عبد الجبار بن فهيم بن هرمز ولد سنة 593 هجرية 1197في سبتة المغرب والشاذلي نسبة الى شاذليه قريته التي عاش فيها في تونس ثم سافرفي طلب العلم الى القاهرة ثم بغداد ثم استقر في القاهرة جاهد ضد الصليبيين بنفسه توفي عام 656 هجرية 1258 م وهو في طريقه الى الحج ودفن حيث مات وقبره ظاهر في مصر يرتاده المسلمون للتبرك )

      والطريقة السهروردية ومؤسسها الشيخ عبد القاهر السهروردي :
 (وهو ضياء الدين عبد القاهر بن عبد الله السهروردي يرتقي نسبه الى ابي بكر الصديق رضى الله عنهم وهو ابن عم الشيخ عمر السهروردي المدفون في بغداد ولد عام 490 هجرية 1097 م ودرس بالمدرسة النظامية وسلك طريقة الصوفية وله كتاتبان مخطوطان - اداب المريدين
وغريب المصابيح – توفي في بغداد عام 563 هجرية 1168 م ا
       و الطريقة البدوية ومؤسسها الشيخ احمد البدوي :
 وهو احمد  البدوي المولود في مدينة فاس المغربية سنة 596 هجرية 1199 م سافر الى الحج ثم الى العراق بغداد واستقر سكنه في مصر وبها توفى سنة 675 هجرية 1276 م بطنطا وقبره ظاهر فيها ومزار للمسلمين)
          والطريقة المولوية ومؤسسها الشيخ جلال الدين الرومي :
(وهو محمد بن محمد بن الحسين البلخي ولد سنة 604 هجرية 1207 م بمدينة بلخ ولقب ايضا بالقونوي نسبة الى قونية التي سكنها وبالرومي نسبة الى بلاد الروم وهو شاعر مجيد نظم بالعربية والفارسية والتركية وانصرف الى التصوف بعد اتصاله بالشيخ شمس الدين التبريزي دفين بزايز بلدروز محافظة ديالى العراق وعرفو جماعته او اتباعه بالمولوية توفي في مدينة قونية التركية 673 هجرية 1373 م وقبره معروف ومزار للمسلمين )
       والطريقة التيجانيةا ومؤسسها الشيخ احمد مختار التيجاني :
 (وهو المعروف بابي العباس التيجاني المغربي واستقر بمدينة فاس ونشر طريقته بعد ادائه فريضة الحج ورجوعه الى فاس وتوفي فيها سنة 1 230 هجرية 1815 م )

      والطريقة السنوسية ومؤسسها الشيخ محمد علي السنوسي  وهو الشيخ محمد بن علي  السنوسي الحسني الادريسي
ولد في بالقرب من مدينة الجزائر وتلمسان وتوفي سنة 1276هجرية 1859 م ودفن في الجغبوب وقبره ظاهرو مزار للمسلمين)
     وطريقته تتميز بالدعوة الى العودة بالاسلام الى عهد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والخلفا ء الراشدين من بعده.

       والطريقة المهدية ومؤسسها الشيخ محمد المهدي محمد بن احمد النقلاوي المولود سنة 1260 هجرية 1844 م قتله الاستعمار الانكليزي بعد ان حاربهم بطريقته واتباعه سنة 19.9 م

         وهناك عدد اخر من الطرق هي مشتقة من هذه الطرق واغلبها مشتق من الطريقة القادرية او الرفاعية انتشرت في العالم الاسلامي وكل لها اتباع و مريدين ولا تزال بعض هذه الطرق موجودة لحد الان ولها اتباعها ومريدوها
وهي كثيرة .



****************************







                               الفصل الثالث

التصوف القادري


            عرف الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس سره التصوف بانه :
(الصدق مع الحق وحسن الخلق مع الخلق )
       والصوفي ماخوذ من المصافات ويعني عبد صافاه الله تعالى صافيا من كل افات النفس خاليا من كل مذموماتها سالكا لحميد مذاهبه ملازما للحقائق غير ساكن بقلبه احد من الخلائق وعقد مقارنة موسعة بين المتصوف وهو المبتدي الشارع في طريق الوصول الى الله تعالى وبين الصوفي المنتهي ووصل في الطريق الى منتهاه حمل حتى ذابت نفسه وزال هواها وتلاشت ارادته وامانيه   فصار محمود القدر مربي النفس منبع العلوم والحكم بين الامن والنور وكهف للاولياء والابدال ومنوئلهم ومرجعهم ومتنفسهم ومستراحهم اذ هو عين القلادة درة التاج بعين الرب  بائن عن الاتصال والاعمال والسرائر والضمائروالثبات على معنى انه يصفى من التكدر بالخليقة والبريات و فهو عين من الاعيان وبدل من الابدال عارف بنفسه وبربه اخرجه الله تعالى ممن ظلما ت النفوس  والطباع  والاهوية والضلالات الى ساحة الذكر والمعارف والعلوم والاسرار ونوّر قلوبهم بنور القرب ثم نوره  قال تعالى :
–( الله ولي الذين امنوا يخرجهم من الظلمات الى النور)
-        سورة البقرة 2257
 
      والله تعالى عز وجل جعل هؤلاء الاولياء والصديقين - حواسسي القلوب الامناء على السرائر والخفيات وحرسهم من الاعداء في الخلوات والجلوات وقمع رعونات انفسهم وضراوتها وثبتهم في مراتبهم ووفقهم بسر طه النبي المختار بعد ان وفقهم للوفاء   بالصدق في سيرهم وبالصير في محل انقطاعهم واضطرارهم فالتزموا بتادية الفرائض وحفظوا الحدود والاوامر والزموا المراتب حتى قوموا وهذبوا ونقوا وادبوا وطيبوا ووسعوا وزكوا فتولاهم الله تعالى:
-( وهو يتولى الصالحين )–
 سورة الاعراف اية\ 196 

        وقد جعل الشبخ الجيلاني قدس سره الارادة الاساس الثابت والفاعل لهذه الحالة فعرفها بانها ترك ماعليه العادة وتحقيقها نهوض القلب في طلب الحق سبحانه وتعالى وترك كل ماسواه فهي مقدمة كل امر ثم يعقبها القصد ثم الفعل فهي بداية الطريق والنية الصافية الخالصة لكل سالك واول منزلة لكل قاصد وقد سمي من سلك هذا الطريق مريدا مشتق من الارادة والمريد هو المقبل على الله تعالى وطاعته يسمع ويطيع ويعمل بما في كتاب الله وسنة نبيه الحبيب المصطفى  محمد صلى   الله عليه وسلم يبصر بنور الله تعالى فلا يرى ا لا فعله فيه وكفى –
لاحظ الغنية لطالبي طريق الحق الصفحات 1265 – 1276



          *************************





                 الطريقة القادرية  



               وضع الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس سره اسس وقواعد ومفاهيم ومبادىء واهداف للتصوف القا دري فيما كتبه ونشره وعلمه لتلاميذه ومريدي طريقته وقد ثبت ذلك في كتابه الغنية لطالبي طريق الحق وكتابيه الاخرين فتوح الغيب والفتح الرباني بصورة خاصة وكل ما كتبه وعلمه بصورة عامة .

          لذا تعتبر الطريقة القادرية اولى الطرق الصوفية واول طريقة منظمة ذات قواعد واسس ومفاهيم ثابتة في كل مجريات امورها فطريقها واضح لسالكيه وتعاليمها متوفرة وتابتة ولا اريد الدخول او التعريف بهذه الطريقة التي انتشرت في كل انحاء العالم وانتشر الاسلام في بقاع من الارض بسببها وعلى ايدي مريديها وسالكيها وشيوخها – الا بايجاز شديد وبالقدر الذي يفي بالغرض الذي اصبوا اليه ويجعل قارىء الكريم على بينة ومعرفة منها وفيها .

          اعتمدت الطريقة القادرية ذكر الله مبدءا اساسيا لها والوصول الى الله تعالى هدفا لها وغايتها المرجوة ومبتغاها واعتبرت قول ( لا اله الا الله) شعارا لها فذكرالله تعالى هو علامة الفلاح وسبيل النجاح والرقي والالتزام بكتاب الله تعالى وسنة نبيه الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم فرض على كل سالك لهذه الطريقة وحقه من الطريقة قدر التزامه في الكتاب والسنة وتنفيذا لاوامر الله تعالى وتعاليم رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم

لقد وردت في القران الكريم ايات كثيرة تحض  بل تلزم اهل الايمان بذكرالله تعالى
–( اذكروني اذكركم) – سورة البقرة 152

- (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم) – ال عمران 191

-( فاذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم) –
 النساء 103

- (واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والاصال ولا تكن من الغافلين) – الاعراف 205

-( ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله اكبر والله يعلم بما تصنعون )– العنكبوت 25

-( الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم )– الاحزاب 41

وكثير من الايات في القران الكريم تؤكد وتحث على ذكر الله تعالى
وفي الحديث الشريف ايضا الكثير فعن ابي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم – :
(يقول الله تعالى اذا ذكرني عبدي في نفسه ذكرته في نفسي واذا ذكرني في ملاء ذكرته في ملاء خير من ملئه واذا تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا واذا تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا واذا مشى اليه هرولت اليه) – متفق عليه
وفي حديث اخر قدسي يقول الله تعالى :
–( انا مع عبدي ماذكرني وتحركت بي شفتاه) – رواه ابن جابر وابن حيان.

         وفي الاحاديث الشريفة الكثير الكثير في الحض على ذكرالله تعالى وفضل الذكر واذكر على سبيل المثال قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يخاطب صحابته الكرام .:
–( ا لا انبؤكم بخير اعمالكم وازكاها عند مليككم وارفعها في درجاتكم وخير لكم من عطاء الورق والذهب وخير لكم من ان تلقوا عدوكم فتضربون اعناقهم ويضربون اعناقكم قالوا وما ذاك يارسول الله قال ذكر الله عز وجل-)
رواه الترمذي وابن ماجة والحاكم

           وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
-( من احب ان يرتع في رياض الجنة فيكثر من ذكرالله) –
 رواه ابو شيبة والطبراني

        وايضا عن ابي هريرة قا ل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
– (ما جلس قوم مجلسا يذكرون الله عز وجل الا حفت بهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عند ه) – رواه مسلم

          والذكر نور وايمان و هدى وعرفان وانشراح في الصدر وسعة في العيش وسعادة في الدنيا وجنة في الاخرة ولو تعمقنا قليلا في معنى الذكر لوجدنا ان الذكر ذكران ذكر يتولد من الخوف والخشية وهومن يذكرالله مع نفسه ويرى ان ذكرالله تعالى له امان وما كان الا بذكرالله تعالى ويعلم انه بذكرالله يصل الى ذكر الله له

        والذكر الاخر ذكرالمحبة والشوق وهو التذكر بذكرالله به في الازل حيث لم يكن موجودا الى ان يصير في الدنيا مفقودا ثم الى الابد وعند ما يتجوهر ويستكن نور اليقين فيه حتى اذا ذهبت صولة الذكر من اللسان والقلب لا يزال نور الذكر متجوهرا فيصير الذكر ذكر الذات وهذا هو ذكر المشاهدة والمكاشفة والحقيقة الكبرى

          والذكر نار لاتبقي ولاتذر فاذا دخل قلب عبد مؤمن يقول – انا لا غيره . لا اله الا الله – فاذا كان في القلب حطب الدنيا وهشيم متاعها وظلمة الوجود الحادث وخواطر النفس الامارة ووساوس الشيطان احرق الذكر كل ذلك وانار للقلب المحالك  لذلك القلب بنور الله تعالى حيث ان الذكر يكون اولا باللسان فاذا داوم عليه العبد انخرق له القلب وسرى نور ذكر الله الى بقية الجوارح واستغرق العبد كله في الذكر فتحول بتشريفه ووجوده الى حال اخر

       وعلامة انخراق القلب للذكر الشعوربالخفة في الاعضاء حتى يكاد المرء يطير بلاجناحين من خفته فاذا سكت اللسان عن الذكر تحرك الفكر و تحرك القلب في الصدر بالذكر فاذا داوم المريد على ذلك وصل الذكر الى سره وهنا تكون الغيبة في الذكر والذاكر في المذكور ويكون الهيمان حتى اذا ترك الذكر لم يتركه الذكر ولا تذهب عنه انواره  اخلاصه وصدقه ومحبته لشيخه مع الرضا التام وعدم الاعتراض فالشيخ يضفي على المريد من حضرته التي حل بها عند ربه ويسقيه من مورده الذي نهل  منه وينال بركته فمقام العبد من مقام سيده ومقام المريد من مقام شيخه 0

        ومن النظم القادرية ان فيها ترئيسا لسالكيها ودرجا ت لكل منهم
كالمريد والخليفة والشيخ والبدل والقطب يتدرج فيها المريد حسب ما اوتي من التزام وتعبد مع الوقت وكلما ارتفعت درجته علت مكانته واصبحت مسؤوليته اكبر وحالته اوسع فالمنتسيون اليها منظمون تنظيما دقيقا ولا يتجاوز احدهم مكانته او منزلته قيد انمله 0

والانتساب اليها يتم عن طريق التلقين كما اسلفت والتلقين موجود بوجود الاسلام والايمان التلقين هنا كلمات في ذكرالله تعالى يتلقنها المريد من شيخه وهي المفتاح الى الطريقة 0

     وكيفية التلقين هي ان يسند المريد الراغب في سلوك الطريقة لاول مرة ركبتيه الى ركبتي شيخه او من اراد ان يتلقن منه الطريقة متقابلا ن وجها لوجه واضعا يديه على فخذي شيخه فيقرا شيخه فاتحة القران الكريم ويصلي على النبي محمد صلى  الله عليه وسلم ويردد المريد مع شيخه قول   :                                                       –    
لا اله الا الله - ثم ياخذ الشيخ عليه العهد والميثاق بالالتزام التام بالاسلام والايمان  والحفاظ  على ما امنه عليه  بصدق  واخلاص  وهو قول –  لا اله الا الله –

        ان اول حالة التلقين هي الذكر فمما صح عن الامام علي كرم االله وجهه عندما سال النبي صلى الله عليه وسلم لتعليمه فقال:
- يارسول الله دلني على اقرب الطرق الى الله تعالى واسهلها عبادة وافضلها عند الله تعالى
 فاجابه الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم :
–( افضل ماقلت انا والنبيون من قبلي - لااله الا الله- ولو ان السموات السبع والارضين السبع وضعت في كفة ولا اله الا الله وضعت في كفة لرجحت بهم لااله الا الله )
-- رواه مالك والنسائي وابن الحاكم
 فقا ل علي رضي الله عنه – كيف اذكر يارسول الله؟
 فقال النبي صلى الله عليه وسلم :–( اغمض عينيك واسمع مني ثلاث مرات ثم قل انت ثلاث مرات وانا اسمعها منك
 فقال النبي ناطقا ثلاث مرات – لا اله الا الله-
رافعا صوته مغمضا عينيه وعلي رضي الله عنه يسمع
ثم قال0 علي -:  لا اله الا الله – ثلاث مرات مغمضا عينيه مادا صوته والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع ) وهذا هو التلقين

       وقد يكون التلقين جماعيا فقد روي عن شداد بن اوس انه قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
– هل فيكم غريب – يعني من اهل الكتاب
- قلنا لا يا رسول الله
- فامر بغلق الباب وقال ارفعوا ايديكم وقولوا
 - لا اله الا الله –
فرفعنا ايدينا وقلنا
– لا اله الا الله –
ثم قال النبي صلىالله عليه وسلم
-الحمد لله اللهم انك بعثتني بهذه الكلمة وامرتني بها ووعدتني عليها الجنة انك لا تخلف الميعاد
ثم قال صلى الله عليه وسلم
- ابشروا فان الله قد غفر لكم 0 رواه احمد

     ومن المعلوم ان السالك لهذه الطريقة يكون انتسابه اليها بمحض ارادته متمسكا بنظامها متلقيا تعاليمها وقواعدها ملتزما بها بكل سكناته وحركاته فهي جزء من الايمان

     اما الخطوات التي تتبع في سلوك هذه الطريقة والانتساب اليها في عمليتي التلقين واخذ العهد والميثاق فساشرحها بقليل من التفصيل لتكون مفهومة .
تتم هذه العملية على مرحلتين :
        الاولى وتسمى مرحلة الابتداء وتنتهي بجلسة قصيرة واحدة لايستغرق وقتها ربع ساعة اذا كان العمل فيها جديا وتبدأ باللقاء الاول الذي يكون بين المريد والشيخ وفيه العهد والاستغفار والتوبة والطاعة والذكر. والعهد من الامور المهمة جدا في هذه الطريقة
      فقد اكد الشيخ الجيلاني قدس سره ان له اصلا وهذا الاصل جاءت به الاحاديث الشريفة عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم في مبايعته للصحابة الكرام كما ذكرت انفا –
 لاحظ كتاب فتوح الغيب صفحة 166

والعهد لايتم ا لا على يد شيخ معترف له بالمشيخة ومجاز بالتربية الدينية القادرية الصوفية وفي هذا اللقاء الاول يتم مايلي :

1- يصلي المريد ركعتين نافلة لله تعالى ثم يقرا الفاتحة على روح النبي محمد صلى الله عليه وسلم ولاخوانه من الانبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم.
2- يجلس المريد بين يدي شيخه تجاهه او قبالته واضعا ركبتيه بركبتي الشيخ ويده اليمنى بيده اليمنى ويلقنه الشيخ الاستغفاروالعهد :
( استغفر الله العظيم الذي لااله الا هو الحي القيوم واتوب اليه واشهد الله وملائكته ورسله وانبيائه باني تائب الى لله منيب اليه وان الطاعة تجمعنا وان المعصية تفرقنا وان العهد عهد الله ورسوله وان اليد يد شيخنا واستاذنا الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس الله سره وعلى ذلك اني احل الحلال واعمل به واحرم الحرام واتجنبه والا زم الذكر والطاعة بقدر الاستطاعة ورضيت بحضرة شيخنا عبد القادر الجيلاني شيخا لي وطريقته طريقة لي والله على ما اقول وكيل)

   ثم يلقنه الذكر وهو كلمةالتوحيد –( لا اله الا الله) – ثلاث مرات وهو مغمض العينين ثم يرددها الشيخ في سره ثلاث مرات
 ثم يقول –( ياواحد ياماجد انفحنا بنفحة منك )– ثلاث مرات سرا
 ثم يقرا الاية الكريمة

-( ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله يد الله فوق ايديهم فمن نكث فانما ينكث على نفسه ومن اوفى بما عاهدعليه الله فسيؤتيه اجرا عظيما )- سورة الفتح الاية 10

      ثم يسمع الشيخ  كلمة التوحيد من المريد  يرددها ثلاث مرات –
( لا اله الا الله )- لاحظ او راجع الفيوضات الربانية صفحة 30
وكتاب اذكار الاذكار وكتاب المبايعات القادرية المخطوطين في مكتبة الاثار العامة ببغداد

3- اما الوصايا وهي جملة امور يوصي بها الشيخ مريده طالبا منه اتباعها وتنفيذها والعمل بها وسوف ناتي على اغلبها في اداب المريد مع شيخه لاحقا

4- القبول والمبايعة وهو قبول الشيخ  من مريده هذا العهد وتكون بالصيغة التالية :

 (  انا قبلتك ولدا وبايعتك على هذا المنوال)
- ويده متشابكة مع ايدي مريده ثم يردد المريد ذلك ويقبل بان شيخه والدا له قائلا   : 
( وانا قبلت انك والدا لي وبايعت على هذا المنوال )
لاحظ المصدر السابق

5- الدعاء وهو الدعاء الذي يدعوا به الشيخ بحضور المريد وامامه والمريد  يسمعه بكل جوارحه وحواسه  يكون هذا الدعاء بصورتين الاولى الدعاء العام :

-( اللهم اجعلنا مهتدين غير ضالين ولا مضلين سلما لاؤوليائك واعداءا لاعداك  نحب  بحبك  من  يحبك  ونعادي  من خالفك . اللهم هذا الدعاء منا وعليك الاجابة وهذا الجهد وعليك التكلان .ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم) –
 لاحظ الفيوضات الربانية صفحة 31

    اما الدعاء الثاني فيكون من الشيخ  خاصا بالمريد وصيغته كما يلي :–( اللهم كن به برا رحيما جوادا  كريما  اللهم  دله  بك اليك  اللهم  مده  منه  اللهم  افتح  عليه  بفتوح الانبياء والاولياء لجودك ورحمتك وكرمك يا ارحم الراحمين وصلى الله هلي سيدنا محمد وعلى جميع الانبياء والمرسلين وعلى الهم وصحبهم اجمعين امين )-

6- الكاس :وهواناء او قدح ياخذه الشيخ بيده وفيه ماء اوشراب بارد وطعم طيب حلو المذاق ويقرا عليه الايات الكريمة :
-( سلام قولا من رب رحيم )سورة يس الاية\58
  (وننزل من القران ما فيه شفاء ورحمة للمؤمنين )–
ثم سورة الفاتحة  ثلاث مرات
 وسورة الاخلاص ثلاث مرات
 ثم يناول الكاس  الذي بيده  بعد اتمام التلاوة الى المريد ليشربه .وبشربه هذا الكاس يكون قد اصبح مريدا وانتسب للطريقةالقادرية .
هذه هي المرحلة الاولى من الانتساب

          اما المرحلة الثانية فهي المرحلة الطويلة والتي تمتد ربما لسنوات طوال :
تبدأ المرحلة الثانية بانتهاء المرحلة الاولى بعد التلقين واخذ العهد والميثاق وشرب الكاس  وفي هذه المرحلة الطويلة يتلقى المريد دروسا في علم الحقيقة عن شيخه ويتادب بادابه ممتثلا لاوامره منتهيا عن نواهيه اخذا نفسه بالمجاهدة والرياضة الصوفية تحت اشراف شيخه ومستمرا على هذا المنوال حتى يفتح الله تعالى عليه فتوح الانبياء والاولياء-
راجع الغنية ج2 صفحة 166 وما بعدها

        وحين تتم ساعة الانفصال بين المريد وشيخه والذي يتم فيه منح المريد الذي اقتنع به شيخه بانه اصبح مؤهلا واستوفى كل الامور فيقوم الشيخ بمنح المريد اجازة المشيخة وتكون هذه الاجازة اجازة خطية محررة تحريرا تشهد له ببلوغ المراد وانه اصبح شبخا من شيوخ الطريقة عالما بعلم الحقيقة عملا بها مؤهلا في تربية المريدين .

       والاجازة هذه تكون موقعة ومختومة من قبل المجيز وهو الشيخ ذاكرا فيها انه الشيخ الفلاني قام بتلقين المريد كلمة التوحيد كما تلقاها هذا الشيخ بالسند عن شيخه وشيخه عن شيخه بالاسماء متواتر ة بالاسماء بذكر سلسلة الشيوخ حتى تصل الى صاحب الطريقة ومنشئها الاول الشيخ عبد القادر الكيلاني قدس سره ومنه الى اساتذته فيها حتى تصل الى الشيخ الحسن البصري ثم الامام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه عن النبي الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام ثم تختم الاجازة بهذا الدعا ء :
( اللهم بجاه اصحاب هذه الشجرة المباركة متعنا بالنظر الى وجهك  الكريم في الاخرة بعد حسن الختام في هذه الدار والسلام )

     وبهذا يصبح المريد شيخا له اتباع ومريدون وله حق اجازة الغير اذا راه مستوفيا والله الموفق .

         راجع النفحات الناصرية في الطريقة القادرية للشيخ محمد الناصري المالكي القادري
و لاحظ الاجازة المخطوطة سنة 1924 في المكتبة القادرية ببغداد



        ********************************



الفصل الرابع

الاداب في الطريقة القادرية



        وضع الشبخ عبد القادر الجيلاني قدس سره لمريديه واتباعه وسالكي طريقته ادابا في جميع تصرفاتهم واحوالهم واعتبر طريق الصوفي   من اتباعه  كله ادبا ورسم لهم هذ الطريق مستقيما فالمتصوف له ادب مع ربه وادب مع شيخه وادب مع نفسه وادب مع اخوانه المتصوفين وا دب مع سائرالخلق .

       وجعل ادب الصوفي في مراقبة نفسه وملاحظتها ومراقبة قلبه وحفظ احواله ,ورعايته لاداب الطريق والاداب العامة وفي كل اموره  وفي مدار الاجتماع مع شيخ عارف ماذون له بالاذن والانقياد لامره والتسليم له والقيام بواجبات خدمته والتفاني في حبه والاخلاص له وجعل ادب المريد مع ربه التزامه الشديد بالشريعة السمحاء في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بحرفية الكتاب والسنة .

       للمزيد من الافادة اوجز هذه الاداب ملخصة مماذكره صاحب هذه الطريقة في كتابه الغنية لطالبي طرق الحق عز وجل  وكتبه فتوح الغيب  والفتح الرباني  ومستعينا بكتبه الاخرى وببعض المصادر .

   --------------------------------------------------





اداب المريد مع ربه                      
 


         الادب جوهرة تكمن في حسن المعاملة مع الله تعالى سرا وعلانية في الصدق في القول والفعل مبني على معاملة القلب وحفظ السر .
ونوجز اداب المريد مع الحق تعالي بما يلي :

1- مراقبة المريد لنفسه وقلبه سرا وعلانية في كل الاموروالاحوال والتصرف بوقار تام وان يتجنب في حضرة الله تعالى - اي اثناء تادية الفرائض او النوافل مثلا وفي غيرها من تصرف المريد خلال اليوم - مايتجنبه في حضرة الاخرين فاكثر .

2- التوكل على الله تعالى في جميع الاموروالاحوال  والاعتماد عليه فيها والفرار في جميع الشدائد والنوائب والحاجات الى الله  تعالى والعمل لوجهه الكريم  والتوسل بالدعاء لكشف الضر .

3- جعل عبادته وعمله خالصا لةجه الله تعالى ولا يطلب عليها في نفسه مقاما ولا حالا من الحضرة الالهية .

4- على المريد ان يتفحص اعضاءه الظاهرة والباطنة في كل حين لمعرفة ان كانت موافقة لحدود الله تعالى وملازمة لها بعيدا عن الغفلة .

5-  ان لا يستعيذ بالله من شيء بل يستعيذ من شر ذلك الشيء في الفعل والعمل او الامر كان يقول استعذ بالله من شر الشيطان الرجيم .
6- اعتماد الاستغفار وترديد قول  -( استغفر الله العظيم واتوب اليه)  كثيرا لان كثرة الاستغفار مجلبة للرزق ويستحسن ان يقول المريد اذا ذكر ذنبه قول الله تعالى :
–(  ربنا ظلمنا انفسنا وان لم تغفرلنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين)
او يردد الايةالشريفة :
–( لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين –
 وهي  ترديد لدعاء  النبي  يونس  عليه السلام كما ورد في القران الكريم

7- المريد الصالح من تجرد مع ربه عن العزة والغنى والتحقق بالذلة والفقر والخضوع لله تعالى ولا يتجرأ فيسال ربه تعالى شيئا الا مع التفويض ورد العلم والقوة اليه  تعالى  في ذلك وحده  .

8- من واجبات المريد الاهتمام بقيام الليل .

9- على المريد ان يتلو القران الكريم ويقرأ  منه مع التدبر والخشوع واذا اراد ان يتكلم مع شخص اخر وهو في حال التلاوة ان يستأن من ربه تعالى لأنه في حضرته  اثاء التلاوة  والاذن  يكون بالقلب لا باللسان وتعظيم  حرمته 

10- الالتزام التام بمحبة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وال بيته الاطهار واصحابه الاخيار والسلف الصالح وان يكون حب الرسول الكريم احب اليه من ماله ونفسه  وعرضه .

11- يجب على المريد هجر اصحاب المعاصي والذنوب والكذابين والمنافقين بامر من الله تعالى  ولا يصاحب منهم احدا .

12 - تعظيم حرمة الوالدين فانه حق لله تعالى عليه

13- البعد كل البعد عن الحسد والكراهية  والغيبة وكل مانهى الشرع عنه واذا صدرت من المريد غيبة لأحد بدون قصد فعليه الاستغفار واظهار الندم وتلاوة سور الفاتحة  والاخلاص  والمعوذتين واهداء اجر التلاوة الى من اغتابه .

14- تعليق الامل المراد والطلب والرجاء بالله تعالى ورفع الحوائج اليه ويفوض امره اليه تعالى متوسلا برسوله الكريم وباشياخه في كل اموره مع مريديه ومع الناس .

15- عدم اللانشغال بامور الدنيا وتدبيرها انما يؤثر الاخرة عليها ويدع ما وراء ذلك الى الله تعالى  في تدبير شؤون خلقه

16- لايمنع سائلا  عن بخل  اوشح  ويترك الامرالى ا لله تعالى

17- عليه الرضا بكل ما تقدم اليه من زاد او طعام لانه  رزق ساقه  الله تعالى اليه فيحمده عليه ويشكره  على الرزق والنعمة  وان يغض النظر عن  فضوله  ففقد  قيل :
 (من  زادت  نظراته كثرت حسراته يوم القيامة)

18- المريد الصادق مع الله تعالى لا يشكو ربه الى الخلق في بلواه او في مصيبة احلت به  بل يتوسل به  لرفع الضير  عنه ودفعه و عليه الامساك وترك الامر وتفويضه الى الله تعالى ولا يستعين الا بالله تعالى فمن استعان بغير الله ذل .

19- التحلي بالرحمة والمودة مع اخوانه المسلمين وكافة الخلائق فمن لا يرحم الخلق لا يرحمه الله, والتسا مح مع الاخرين اذا ما اذنبوا بحقه مع التسليم بالامر الى الله تعالى –

20- شكرالنعمة على ان يكون ذلك  الشكر امتثالا  لأمر الله تعالى في قوله  -  (ان اشكرلي الي المصير)  – وان لا يكون ذلك الشكر لطلب المزيد من النعم فالامر الى الله تعالى .
         

              ------------------------------------------


















اداب المريد مع نفسه


                  وضع الشيخ عبد القاددر الجيلاني قدس سره شروطا وضوابط  لتعامل المريد او المنتسب لطريقته حديثا في اداب  هذا المريد مع نفسه وطيفية التعامل معها  واوجز  هذه الاداب بما يلي : –
     1-  التزام الصدق  ليصح له بناء نفسيته على اصل صحيح وتكون بداياته صحيحة  واعتقاده  بينه وبين ربه تعالى صحيحا بعيدا عن الشبهة والظنون والضلال والبدع .
 2-  العمل على اخراج كل امور الدنيا  من قلبه  واولها المال  وقد قيل  ان المال سمي ( مالا ) لانه  يميل  بصاحبه  عن  الحق  في   اغلب الاحيان  .
 3-  ملازمة موضع  ومكان ارادته وهو شيخه ولا يبتعد عنه  ا لا بعد  بلوغ المرام وحصول ا لمريد  على  ا لمراد .
 4- اقامة  الفرائض  والسنن  وما زاد عنها  بعمله  باذن من شيخه وبهذا يخلي المريد خاطره ويعالج نفسه  بتخليصها من الغفلة .
5- لا ينبغي للمريد ان  يستأنس بما يلقى اليه في سره فان  استشير في ذلك  توقف في  سلوكه  والنظر اليها بانها نعم  ومنن من الله تستوجب الشكر والخشوع لله تعالى.
6- الالتزام  التام بشيخه  واذا لم يجد شيخا  يتأدب به  في منطقته  عليه السفر الى منطقة اخرى والتاأدب على يد شيخ عارف منصوب في وقته للارشاد ويقيم عنده ويأتمر باوامره ويسلك سلوكه .
7-   الالتزام بالتوبة النصوح  الى الله تعالى من كل زلة والاجتهاد بعلاجها بارضاء اصحاب الحقوق عليه  والتوبة الخالصة وتجديدها  كلما وقع  في غفلة او زلة .
8-  اعتبار قلوب المشايخ له ومحبتهم  شاهد صدق على سعادة قلبه وقبوله.
9-  على المريد ان يحفظ السر عن كل  احد الا من شيخه فعليه اطلاعه عليه  والبوح  بكل صغيرة  وكبيرة  اليه ا و قعت  له  ويستسلم لحكمه  ونصيحته  له  .
10-                 البعد عن الغرور في الدنيا ولا يجعل له قدرا او قيمة فيها وان يلتزم التواضع في كله .
11-       الابتعاد عن مصاحبة النساء الاجنبيات  او مجالستهن  او النظر اليهن خوف الفتنة والوقوع في المحذور 
  12-   الالتزام  بالايثار مع  جميع اخوانه  ومفاضلتهم على نفسه وان كانت به خصاصة و التواضع لهم .
   13-  تجنب الحسد  والابتعاد عنه  فان الحسد  يأكل الحسنات كما تأكل  النار الحطب  . كما بين ذلك الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

   14-  اعانة الضعيف والمحتاج والمسكين  على البر والتقوى  ابتغاء وجه لله تعالى .
   15-  حفظ العهود و المواثيق  مع الله تعالى فان نقض العهد في طريق الاراة كالردة عن الدين  وان يقصد بالعمل الصالح المقاصد المحمودة في كل  الامور الدنيوية ويبتغي فيها  وجه الله تعالى.
    16-  الالتزام بدوام الوضوء والطهارة والنظافة  واتباع السنة النبوية في ذلك والصلاة  ركعتين نافلة  بعد كل وضوء اقتداء بهدي الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم .
    17- الاقتداء بما هو اهل للقدوة  ومراقبة الله تعالى  في كل احواله واموره ويجعله امام  عينيه  لانه  تعالى يراه  وان لم يره 0 وان يكون يقضا  لما يرد على  خاطره  من  خواطر وعلى قلبه  من  موارد فان كان الورد يخالف الشرع اعرض عنه ونفاه عن  ذاكرته ونفسه وقلبه .
   18- العلم التام و الالتزام   الاكيد  بالعرفان  بان هذا الامر – سلوكه الطريقة – وبناءه   جاء  على حفظ  اداب الشريعة  وعدم  التفريط بشعيرة  من شعائرها  سواء وردت في  الكتاب  اوالسنة .
19-    صون اليد والنفس  عن مدهما الى الحرام والشبهة  وحفظ الحواس من المحذورات  وعد  الانفاس  مع  الله تعالى عن الغفلات .
20-            دوام  المجاهدة  وترك  الشهوات  فان اقبح  خصال المريد الرجوع الى شهوة .
21-            الحذر الشديد من ابناء الدنيا  وصحبتهم قال تعالى :
 ( ولا تطع من اغفلنا قلبه  عن ذكرنا  واتبع هواه وكان  امره فرطا ) سورة الكهف  . 



                         -----------------------------------






اداب المريد مع شيخه
   


                ان غاية المريد هو الاجتماع يشيخ عارف  يربيه ويرشده الى الطريق القويم الموصل الى الله  تعالى  ويحذره من افات الدنيا  وهوى النفس وغواية الشيطان وان يكون له  ايمان وتصديق واعتقاد ان ليس في تلك الديار  اولى  منه  فالشيخ  هو استاذه  ويأخذ عنه طريقته  درجة درجة  ومقاما مقاما وياخذ عنه كل مراده واماله , لذا وجب اختياره قبل الشروع  في اخذ الطريقة عنه  في حالة  وجود  اكثر من واحد في نفس المكان   وان كان هذا نادرا  .
 ونوجز  اداب المريد هذا مع شيخه بما يلي :
   1-  الانقياد التام  بما يامره شيخه من التاديب  والالتزام التام  بخدمة شيخه خدمة صادقة  ومحبته محبة خالصة  كاملة  صحيحة  في حب الله تعالى وان تكون بينهما  رابطة  قوية مبنية على الحب الصادق وقد قيل – من  اشتغل  بمحبة شيخه  ترقى الى محبة  الله تعالى  .
2-  التسليم لأ مر الشيخ  والطاعة لقوله  وتجنبي نهيه  من غير استفهام فان مخالفة الشيخ موجبة للطرد من سلوك الطريقة.  وكذلك  لا ينبغي  له ان يحتج  الى طلب الرخصة  او يرجع الى شيء  تركه لله تعالى   فانه من الكبائر  وفسخ الارادة عند اهل الطريقة .
 3- يجب على المريد توقير شيخه  واجلاله واحترامه وان لا يعلو صوته عليه  ولا يسابقه في الحديث .
 4- لايجوز للمريد  التكلم او التحدث في الطريقة او التربية  الصوفية  ولا في علوم الطريقة  الا باذن من شيخه  لا يجوز للمريد  التكلم او التحدث في الطريقة او التربية  الصوفية  ولا في علوم الطريقة - الا باذن من شيخه - في حضرته  او في غيبته  وان يحفظ حرمته
  5-  لا يجوز للمريد  ان يعتقد  في شيخه العصمة  اذ ان العصمة  من الله تعالى للانبياء  .     وله ان  يلتمس  في ذلك  عدة  ابواب  من الصحة والصواب  لشيخه.
  6-  يجب  على المريد   ان يحب  من احبه شيخه ويصله  ويتودد اليه وان يكره ويبغض  من ابغضه شيخه ويقاطعه .
   7- على المريد ان  لايطيل النظر الى شيخه او يكثر منه .
  8-  يجب على المريد ان  لا يخفي عن شيخه سرا وعليه البوح بكل ماعنده اليه  وكل ما  يجيش في صدره من خواطر ومفاهيم  واسئلة
9- على المريد ان لا يدخل على شيخه الا بعد اخذ الاذن منه  ولا يدخل في شيء من  الاسباب  او العبادات غير الفرائض والسنن الا بعد امر من شيخه  .
10-      اذا جلس المريد في مجلس  شيخه  فعليه ان يدخل عليه بادب واحترام وينظر اليه بوقار  ثم الانتباه  لكل مايقوله شيخه  ويلتفت الى ارشاده وتعليماته  حاضر القلب  معه بلا شطح  اوغفلة .
11-  مما  يرقّي المريد  في طريق السالكين  اعتقاده في   شيخه  انه  اكمل  اهل  زمانه  في الارشاد والتربية الصوفية وانه لا يوجد اكمل منه  في منطقته  او احد اولى به منه بالتربية. 


-----------------------------------





اداب الشيخ مع المريد



        وضع الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس الله سره شروطا وضوابط للشيخ وواجبات في تاديب  المريد مثلما وضع ادابا للمريد مع شيخه حيث ان هذا الشيخ هو الجامع لكل الامور ولكل مايحتاجه المريد في  تربيته وسلوكه وكشفه وشهوده الى ان يوصله شيخه الى مقام الاحسان فيصبح اهلا للمشيخة فالشيخ الكامل هو العالم باصول الدين وقواعد الشرع  واداب الطريق والعامل في كل محمود ذو فراسة  يرى بنور الله تعالى الهاما وتعليما  ما يناسب كل مريد  وكل ما يتوافق مع طبع كل بشر حيث لا تثمر العلاقة بين الشيخ ومريده الا اذا كان  الشيخ ناطقا بالله تعالى ناظرا بنور الله تعالى لما يودع في قلبه من الهام وما يرد عليه من وارد0 مراعيا  للحدود موفيا بالعهود  يحب لله ويكره لله آمرا بالمعروف  وناهيا عن المنكر قوي الايمان حجة لله على خلقه  قد جلله الله تعالى بالهيبة  والوقار اذا رايته اول امرك هبته  واذا خالطته احببته واذا لازمته  صافيته  وسرت  منه اليك امداد الرعاية واشرقت فيك منه انوار الهداية  .
 واوجز هذه الامور بمايلي \
 1-  قبول الشيخ للمريد يتم لله تعالى لا لنفسه ويعاشره معاشرة الاباء للابناء يحكم له النصيحة ويحدجه ويرمقه بعين الشفقة والرحمة  ويربيه كولده  فياخذه بالاسهل   ثم الاشد بحيث لايحمله  ما لا طاقة  له به تيمنا بقوله تعالى ( لايكلف الله نفسا الا  وسعها   لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لاتؤاخذنا ان نسينا او اخطاءنا  ربنا ولا تحمل علينا اصرا كما حملته علىالذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما   لا طاقة  لنا  به   واعفو عنا  واغفر لنا وارحمنا انت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين  ) اخر اية في سورة البقرة .
2-  على الشيخ  حفظ سر المريدين  من طلابه  ووعظهم  في الامور الشرعية ومحاسبة من اخل منهم  بامورالشرع  اوتقاعس عن أي جزء منها مهما صغرت .
3-  على الشيخ ان لايثقل على المريد   بحال من الاحوال  ولا ينتفع بماله  ولا بخدمته  فان الخير كل  الخير بالمريد  الذي  وهبه  الله تعالى لشيخه قدرا محضا 0
 4-  على الشيخ  الذي غلبت عليه الامور المبعده للمشيخه  ان يعزل نفسه  وينفرد عن المريدين  ويطلب لنفسه شيخا يؤدبه ويقومه  .
                 



---------------------------------------












اداب المريد مع اخوانه والاخرين

اوجزها بما يلي .
1- حسن المعاملة  والصحبة  بالايثار والفتوة  وتوقيرالكبير والمحبة والعطف على الصغير  وان  لايرى لنفسه على احد حقا وان لا يقصر في حقوقهم شيئا  او يتجاوز عليها.
2-  يحفظ قلوب اخوانه بتجنبه فعل ما يكرهون  ويسدي لهم النصح والارشاد .
3- عدم التحدث بما ناله من مقام او درجة بقصد العجب والزهو  او الفخر.
4-   يلتزم المريد  بحفظ اسرار اخوانه المريدين والاخرين
5-  ان يكون عزيز النفس لا تنظر نفسه الى مال غيره واخراج نفس الغنى  من قلبه .
6-  العمل على تقديم المساعدة والمعونة او اليد البيضاء للناس  ولا يجعل الفقراء يحتاجون اليه ويسالونه الحاجة بل يبادر باعطائها اليهم والتعجيل في الاعطاء.
7-  الصبر على الاذى وتحمله وملاقاة الناس  بوجه طلق حسن مستبشر .
8-   ان كان المريد فقيرا فعليه ان يحافظ على فقره محافظة الغني على غناه ولا يطلب المزيد فان المال هبة من الله تعالى يهبه لمن يشاء من عباده بغض النظر عن فعله  او عمله  فاذا نقص ماله  فعليه  بالتوجه الى الله تعالى بالاستغفار بلا سخط ولا يشكو الى احد  غير الله حالته لان الشكوى تحبط الورع .
9-  عليه ان لا يفكر بما يملكه  في المستقبل ولا يحمل هم غده يرضى بحكم يومه وحاله .
10-  الاستعداد للموت والتهيؤ له بطيب نفس  والصبر والرضا والعقل.
11-  ان يرى الخلق كالوكلاء والانداد والمتصرف فيهم والمفعول فيهم فلا يتخذهم اربابا من دون الله تعالى .
12-  ان احد استعاره حاجة  لا يستردها  منه  ما امكنه  لان  من استعار الحاجة محتاج اليها ومن واجباته مساعة المحتاجين.
13-  اذا  المت به مصيبة او الم او فقر  عليه بستر الحال .
14-  معاشرة الناس كل  بقدره  ومن حيث هو وينبغي معاشرة من  دونه  بالشفقة عليه  ومن فوقه  بالاجلال ومن امثاله  بالايثار والتفضيل والاحسان .
15-  الالتزام باداب الطعام  واداب الطريق واداب السفر – وجميع هذه الامور   مثبتة  في كتابي ( تذكرة الشقيق في معرفة ادا ب الطريق  ).
16-  لاينبغي رفع الصوت  بالنشيج او بالقراءة الجهرية بحيث تؤثر سلبا على السامع وان  يبتغي  بين ذلك سبيلا .
17-    التحلي بالامانة والصدق في القول والعمل يحب لاخوانه مايحب لنفسه جاعلا مصالحهم فوق مصلحته متغاضيا عن هفواتهم .
18-  اظهار المحبة والطاعة لاخوانه المريدين في حب الله تعالى وتحمل الاذى منهم  ومواساتهم  بما يقدر عليه  او يتمكنه ان اصابهم مكروه
19-  السعي في خدمة الاخرين  بجد ونشاط بالمال والفعل والتوجه الى الله تعالى بالدعاء للاخرين
20-  عدم صحبة الاعداء ومن يبغضهم المريدون او من يبغض المريدين .
21-  المريد الصادق عليه ذكر محاسن اخوانه والتغاضي عن مساوئهم  فمن عرض  نفسه  للقيل  والقال  وكثرة السؤال  ليس  من اصحاب الطريقة
22-  الحذر الشديد من تمييز نفسه عن غيره من المريدين بشيء  مالم يكن ميزه شيخه به .
23-  مناداة اصحابه والاخرين  باحب الاسماء  والالقاب اليهم .
24- المحافظة  الشديدة على الوقت وعلى الاجتماع مع اخوانه ولا يتعود التاخر  او التخلف عن المجالس  او جفاء  اخوانه  اذ ان  جفوة  الاخوان علة  في القلب  وضعف  للاخوة  وتخلخل في العقيدة الصوفية  وادبار عن الطريق الى  الحق تعالى .



                       -------------------------------------
                                  


  
                              الفصل الخامس

                   اسس  الطريقة القادرية

        الصالحون من المؤمنين من صفاتهم السير في طريق الوصول    الى الله تعالى .
     ومن اجل ذلك بعث  الله تعالى المرسلين  والانبياء  ليعلموا  الناس ماجهلوه  او نسوه خلال سيرهم في هذه السبل ويفقهونهم بما  ارسلوا من اجله وتولى الامر من بعدهم العلماء والاولياء لانهم ورثتهم ورثوا عنهم العلم  والايمان  والسير فيه وارتقاؤه لدفع الانسانية الى المستوى المفروض والمطلوب منها  والمخلوقة  لأجله  قال تعالى :
( وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ما اريد منهم من رزق وما اريد ان يطعمون )
سورة الذاريات  الاية \ 56
ويتذوقون نعيم القرب  من الله تعالى في الاخرة
         الطريق الى الله تعالى واحدة وان تعددت  المناهج واختلفت الاراء وتنوعت اساليب الاتباع والسير  ومراتب السلوك تبعا للاجتهاد او الزمن  او المكان او الاهواء .
         والطريقة القادرية  احدى هذه الطرق تهد ف الى الوصول الى الحق تعالى  وقد اسست  على  سبع  خصال  اثبتها  الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس سره  وجعلها الاسس الثابته لطريقته وهذه الاسس استمدها الشيخ من القران الكريم والسنة النبوية الشريفة والزم  سالكي طريقته التمسك بها والتثبت  عليها لمن اراد الوصول في طريق الحق الى منتهاه  على ان يجعلوا قدوتهم  ورائدهم في ذلك سيد  الوجود  وامام المتقين  سيد نا  وحبيبنا  محمد صلى الله عليه وسلم  ايمانا  بالاية الكريمة  :
(  قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله وبغفر لكم  ذنوبكم)    
سورة  ال عمران الاية\ 31
    وماذا يريد المحب من الحبيب  غير محبته والقرب منه  فمحبة الله تعالى لعباده  قمة المنتهى  وشأفةالمبتغى  وامل  العارفين  بالله تعالى وحد وصولهم ولا اريد الاطالة اكثر.

  واوجز هذه الخصال السبع بما يلي :
                         
           
                    المجاهدة

              خلق الله تعالى النفس الانسانية وغرس فيها انفعالاتها واختلاجاتها  وحركاتها  وسكناتها  والهمها  طريقها  في الحياة  الدنيا  قال تعالى :
(  ونفس وما سواها فالهمها فجورها وتقواها)
سورة الشمس الاية\  5      
ومجاهدة النفس  ردها عن هواها قال تعالى :
  ( ونهى النفس عن الهوى فان الجنة هي المأوى ) 
  الايتان  \40 و41
     لان  النفس آفتها في هواها فهى  تستحلي المدح  والثناء  والذكر الحسن , لذا يستولي عليها في بعض الاحيان النفاق في الاطراء  والرياء في الكلام  فتتم المجاهدة في محاسبتها ومعاقبتها وهذا الامر  يتم في جعل  نفس  المرء  في  مرآة  صافية  يرى كل ما تهمل اوتفعل او تنوي العمل به  وما يعتلج  فيها  حتى يصل  بها الى درجة الكمال وهو  مقام الاحسان لدى الصوفية وهو اعلى المقامات  وارقاها منزلة عندهم  والذي يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فيه :
 –( الاحسان ان تعبد الله كأنك تراه  فان لم  تراه فانه يراك  )-
    فاذا وصل العبد الى هذا المقام وذكر ان الله تعالى  يراه في كل عمل فعل  او امر يفعله  وكل حالة  فيها  والتزم  بهذا التفكير  , رد نفسه عن هواها  وابتعد  - لا محالة -  عن كل عمل لا يرضاه الرب الجليل  ويتجنه خشية  المراقبة  مراقبة  الله تعالى اليه- فيتم  بذلك  كبح  جماح النفس عن هواها  ومجاهدتها  عن مبتغاها ان لزمت طريقا غير طريق الحق تعالى  وبذلك  يتم  لزوم  طريق  الحق والاحسان ومراعاة القلب وحفظ النفس  فيعلم ان  الله  قريب  منه رقيب عليه  فان الله تعالى :
 ( يعلم  خائنة الاعين وما تخفي الصدور ) سورة غافر \19
   ويعلم  احواله  وافعاله  ويتم  ذلك لا بمعرفة الله تعالى  اولا فهو يلزم العبد قلبه  قربه  عز وجل  وقيامه عليه  وقدرته  وشهادته  وعلمه  به وانه رقيب حفيظ  واحد ماجد  فرد  صمد  لا شريك  له  وثانيا  يكون بمعرفة عدو الله تعالى  وهولا ابليس او الشيطان وهو اساس  كل عمل ضار  ويدعو حزبه  ليكونوا من اصحاب السعير  حيث ان الله تعالى غضب عليه  وجعله  اساس كل معصية  وسبب كل فتنة  وكل ما لا يرضاه الله تعالى في  الجنوح عن  الطريق  المستقيم  فهو شماعة  تعلق عليه  كل عمل  ضار وغير نافع  وكل مايرغّب النفس في هواها وزعزعتها عن سلوك طريق الى الحق تعالى  .
    واما الامرالثالث فهو  معرفة النفس وطباعها ودواخلها ووضعها حيث وضعها الله تعالى ووصفها بما وصفها الى ان تذل وتعود من حيث  بدأت  ويقوى عليها  أي تعود الى رشدها وتسلك السلوك القويم .
      وللنفس الانسانية مراتب عديدة اختلف العلماء في تعدادها اصطلاحا  ووفقا  لاهوائهم  ومعارفهم  وتسمت  تبعا  للطرق الصوفية  ففي الطريقة القادرية جعلت مراتب النفس ثلاث : اللوامة و الملهمة  والمطمئنة  وفي غيرها من جعلها  خمسا او سبعا  او ربما اقل اواكثر  وذلك بادخال كل مرتبة في قريبتها او القريبة الشبه اليها 0
                                                                                                                                                                                                                                                                   لاهمية هذا الموضوع   في التربية النفسية الدينية  والخلقية وما يعتريها ويخالجها والكشف  والصوفية خاصة  ساقدم هذا البحث عن هذه النفوس  ومراتبها  وادوائها  في الفصل القادم انشاء الله تعالى .
 راجع كتاب ( المنار الهادي ) لشيخ  الازهر الدكتور عبد الحليم محمود .
   

-- *********************

                                التو كل

         التوكل اساسه القران الكريم قال تعالى :
(  ومن توكل على الله فهو حسبه ) سورة الطلاق اية 30 
( وعلى الله توكلوا ان كنتم  مؤمنين ) سورة المائدة اية 23
   وحقيقة التوكل  تفويض الامر كله لله تعالى والاصطفاء من ظلمات  الاختيار والتدبير والترقي الى ساحات شهود الاحكام والتقدير ورضى العبد المؤمن  بما قسم الله تعالى له  فيما قسمه الله تعالى له لا يفوته وما  لم يقسم له لا يناله  مهما  أوتي من قوة وحسن تدبير .
 وقيل  ان التوكل ثلاث درجات  :
    الاولى : السكون الى  وعد الله تعالى وهو البداية  وصفة العوام واول المقام  وفيه يكون العبد  بين يدي الله تعالى كالميت بين يدي الغاسل وقيل هذا التوكل يسمى الاسترسال .
    والثانية : هي التسليم او الاكتفاء بعلمه وهو  من الامور اوسطها وقيل  انه هو صفة الاولياء.
 والثالثة  : فهي التفويض وهو الرضا  بحكم الله تعالى وتفويض الامر اليه كله فهو نهاية التوكل واعلى درجة من درجاته وهذا التوكل صفته خاص الخاص من العارفين .
      والتوكل هو انقطاع  الطمع . اما الكسب فلا يتنافى مع التوكل لان محل  التوكل القلب  وهو مكان تحقيق الايمان فمن انكر الكسب فقد خالف السنة ولا خلاف بين الشريعة والحقيقة انما الحقيقة  من انوار الشريعة ونابعة منها .
        فاعمال الانسان ان تعسرت فبارادة  الله تعالى وتقديره قال تعالى
( قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) سورةالتوبة \ 52
    وان  تيسرت فبتيسيره عز وجل فلا تكون جوارح المؤمن متحركة بالسبب  الا  بامر الله تعالى  وباطنه  ساكن  لوعده تعالىقال تعالى :0
 ( وان يمسسك الله بضر فلا كاشف له وان يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء  من عباده وهو الغفور الرحيم )
 سورة يونس الاية 107
   ( ولله غيب السموات والارض واليه يرجع الامر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل  عما  تعملون)
 سور ة هود الاية الاخيرة


  *****************************





                             حسن  الخلق
          

        الاصل في حسن الخلق قول الله تعالى لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم :
( انك لعلى خلق عظيم ) سورة القلم  اية- 4 
 وقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عن انس بن مالك رضى الله عنهما  انه قال :
( قيل يارسول الله أي المؤمنين افضل ايمانا قال  احسنهم اخلاقا )
 رواه ابن ماجة والحاكم
وقوله صلى الله عليه وسلم يخاطب  اصحابه :
( انكم لن تسعوا الناس باموالكم فسعوهم ببسط الوجه وحسن الخلق )

       وحسن الخلق من افضل مناقب المرء  وتظهر فيه ما ستر عنه وعلامة حسن الخلق كف الاذى عن الاخرين  وحسن الخلق مع الله تعالى في تادية اوامره وترك نواهيه واطالعه  في كل الاحوال  وان حسن الخلق ليتجلى في قبول ما يرد على المرء  من جفاء الخلق  وتحمله  وقضاء حق الاخرين بلا ضجر ولا خلق مع الاحسان وحسن الخلق لاياتي الا بعد تزكية النفس  وارتقائها الى افضل  درجاته
       جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
 (  مكارم الاخلاق عشرة تكون في الرجل  ولا تكون  في ابنه وتكون في الابن ولا تكون فيس ابيه  وتكون في العبد ولا تكون بسيده يقسمها الله تعالى لمن اراد به السعادة  صدق الحديث  وصبر في الناس وان لا يشبع و جاره وصاحبه جائعان  واعطاء السائل والمكافاءة  بالضائع  وحفظ الامانه   وصلة الرحم  والتذمم للصاحب واقراء الضيف  واسهن الحياء ) الحديث مروي عن عائشة  رضي الله عنها.
         وعن ابي الدرداء قال سمعت رسول الله  صلى الله عليه وسلم يقول:
( ما من  شيء يوضع في الميزان اثقل من حسن الخلق وصاحب حسن الخلق  ليبلغ  درجة  صاحب الصوم  والصلاة )
      ويتميز الصوفي باخلاقه الحسنة وعلى رأسها التواضع فهو راس الخلق  وعلا مات التواضع:
     تبصير النفس بمعرفة عيوبها  وتعظيم الناس  حرمة التوحيد وقبول الحق  وقبول النصيحة   و صفة التواضع رعاية الاعتدال بين الكبر   والضعف  والمداراة واحتمال  الاذى  والايثار والمواساة  والشفقة والرحمة والعفو  ومقابلة السيئة بالحسنة   والبشر  بطلاقة  الوجه وسهولة ولين الجانب  والنزول  مع الناس الى اخلاقهم  وطباعهم  بما يرضي الله تعالى  ورسوله  وترك التكليف  والانفاق من غيرايثار وترك الادخار  والقناعة  باليسير وترك المراد والمجادلة  والغضب  واعتماد الرفق  والحلم  والتودد  والتآلف .
      


------------------------------------
                                      





                                   الشــكـر


           اصل الشكر قول الله تعالى:
( ولان شكرتم  لازيدنكم ) سورة ابراهيم اية\ 7
    وقوله تعالى:
 ( ان اشكرلي ولوالديك  الي المصير) سورة لقمان الاية 14
  وفي القران الكريم ايات كثيرة في الشكر والحث عليه
     وروي عن عطاء رحمه الله تعالى  انه قال :
( دخلت على عائشة  فقلت  اخبرينا باعجب  ما رايت من رسول الله صلى الله عليه وسلم  فبكت  وقالت واي شيء من شانه لم يكن عجبا  انه اتاني  في ليلة  فدخل  في فراشي او قالت  في لحافي  حتى مس  جلدي جلده ثم قال  يابنت  ابي  بكر ذريني اتعبد لربي  قالت  قلت اني احب قربك ولكني اوثر هواك  فاذنت له  صلى الله عليه وسلم  فقام الى قربة ماء فتوضأ  واكثر صب الماء ثم قام فصلى فبكي حتى سالت دموعه على صدره ثم ركع فبكي ثم سجد فبكى ثم رفع راسه فبكى فلم يزل صلى الله عليه وسلم كذلك حتى جاء بلال  فاخبره بالصلاة  فقلت يارسول الله ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تاخر قال صلى الله عليه وسلم  . افلا اكون عبدا شكورا -)
    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( من ابتلى فصبر واعطى فشكر  وظلم  فغفر وظلم  فاستغفر قيل فما باله يارسول الله - قال ( اولئك لهم الامن وهم مهتدون )
 سورة الانعام الاية 82
      ومعنى الشكر في اللغة الكشف والظهور ويقال شكر وكشر أي كشف عن ثغره واظهره . فنشر النعم  ظهورها  بذكرها وباطن الشكر الاستعانة بالنعم  على الطاعة   وحقيقة الشكر ان يرى المقي له غير ما يضره في دينه لان الله تعالى لا يقضي للعبد شيئا الا وهو نعمة من نعمه في حقه او اليه  فاما  عاجلة   يعرفها  ويفهمها  واما اجلة بما يقضي له من المكاره  ويخففها عليه او يمحها عنه  فاما ان  تكون  درجة له  او  تمحيصا  او تكفيرا عن ذنب اقترفه  فاذا  علم ان مولاه انصح له من نفسه واعلم بمصالحه  وان كل ما منه  نعم  فقد شكر0
 لاحظ عوارف المعارف للسهروردي صفحة 236
       ومن حقيقة الشكر الاعتراف بنعمة  المنعم على وجه الخصوص وعلى هذا المعنى  وفيه وصف الله تعالى بانه الشكور فالشكر هو الثناء على المحسن بذكر احسانه  فشكر العبد  لربه  تعالى ثناؤه  عليه  بذكر احسانه عليه و له  فاحسن العبد طاعة الله تعالى واحسان الله اليه انعامه عليه فقد شكر .
     واصل اشكر وذاته الاستعانة بالنعم على الطاعة والاعتراف بالنعمة باللسان  والقلب  والفكر. فالله تعالى  لا يقضي للعبد المؤمن شيئا الا   وهو  نعمة  في  حقه تستوجب الشكر قال الله تعالى:
_( وقليل من عبادي الشكور )سورة سبا  اية\ 13
     
                                   
              *********************






الصبـر


      الصبر  اصله قول الله تعالى :
( اصبروا وصابروا ورابطو ا وتقوا الله  لعلك تفلحون ) سورة ال عمران  اية  الاخيرة  .
  ( واصبر  وما صبرك الا بالله)  سورة النحل اية 127
 وقد ذكر الله تعالى  الصبروالصابرين في القران الكريم  كثيرا نافت
 على المئة .
        وكذلك في الحديث الشريف ذكر كثيرا  فقد روي عن  عائشة ام المؤمنين  رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال :
(  ان الصبر عند الصدمة الاولى) لاحظ الجامع الصغير  ج1 صفحة 139 
   وروي ان رجلا جاء الى  الرسول  الكريم صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله ذهب مالي وسقم جسمي فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
     ( لاخير في عبد  لا يذهب ماله ولا يسقم جسمه  ان الله تعالى اذا احب عبدا ابتلاه واذا ابتلاه صبره) 
لاحظ  المغني  المجلد   الرابع صفحة 320
  وقيل  الصبر ان تصبر  في الصبر أي  لا ترجو الفرج  وقال تعالى :
( الصابرون في الباساء والضراء وحين البأس اولئك الذين صدقوا واولئك هم المتقون )  سورة البقرة اية 177
   فالصبر  عرك النفس لتلين فيه
 وقيل  ان الصبر  ثلاثة :
   الاول -  صبر لله  تعالى فهو الصبر على اداء الاوامر  او الفرائض  واجتناب النواهي .
 والثاني -  صبر مع الله تعالى وهو الصبر على جريان القضاء في  سائر البلا يا  والشدائد.
 الثالث -  الصبر على الله تعالى على ما وعد من الرزق  والفرح بالنصر  والكفاية والثواب في الاخرة .
        والصبر هو الفناء في البلوى بدون ظهور الشكوى والمقام معها بحسن الحالة  والصبر على تحملها  بدون جزع .  لذا جعل  الله تعالى احسن الجزاء  على العبادة هو الجزاء على الصبر قال تعالى:
 ( ولنجزين الذين صبروا اجرهم باحسن  ما كانوا يعملون )
   سورة النحل الاية 96  
(  انما يوفى الصابرون بغير حساب )  سورة الزمر  الاية  10
      وقد جاء في الاثر ان ابا الحسن بن سالم قال :
– الصابرون ثلاثة  متصبر وصابر  وصبّار  فالمتصبر من  يصبر في الله  فمرة يصبر ومرة يجزع والصابر من يصبر في الله  ولله فلا يجزع ولكن يتوقع منه الشكوى  وقد تفضي  الشكوى الى الجزع فيكون  قد وقع فيه .
    اما  الصبار  فذاك الذي صبر في الله ولله وبالله فهو لو وقع عليه جميع البلايا واشد الشدائد  صبر  فلا يجزع ولا يتغير من جهتي  الوجود والحقيقة  .
        وروي ايضا  ان الامام جعفر الصادق رضي الله عنه  انه قال:
 (  امرالله تعالى انبياءه بالصبر وجعل الحظ  الاعلى للرسول محمد صلى الله عليه وسلم  حين جعل صبره بالله لا  لنفسه  فقال:
-   (واصبر وما صبرك الا بالله  ولا تحزن عليهم  ولا تك في سوء مما يمكرون - ) النحل \  127
 لاحظ  كتاب  احياء علوم الدين  للامام الغزالي


----------------------------------------------------------
                         


الر ضــا


       الرضا صنو القناعة  واصل الرضا قول الله تعالى :
( رضي الله عنهم ورضوا عنه )  سورة المائدة اية 119
     وقوله تعالى (  ويبشرهم ربهم  برحمة منه ورضوان )
 سورة التوبة الاية 21
   وفي الجديث  الشريف قول الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: __(  ذاق  طعم  الايمان  من رضي بالله  ربا )
 وقوله صلى الله عليه وسلم
( ان الله تعالى جعل الروح والفرح في الرضا واليقين  وجعل الهم والحزن في الشك والسخط )
وقوله صلى الله عليه وسلم :
( اعمل لله  باليقين  في الرضا فان لم  يكن فان في الصير خيرا كثيرا )
  وقوله صلى الله عليه وسلم :
(  خير ما اعطى  الرجل الرضا بما قسم  الله تعالى له )
    فبا الرضا والقناعة يحصل القلب على الانشراح والانفساح فانشراح القلب  نوراليقين  تيمنا  بقوله تعالى :
( افمن شرح الله  صدره للاسلام  فهو على نور من ربه )
سورة الزمر اية \22
    فاذا نور النور  باطن المرء وواخله  اتسع صدره وانفتحت عين بصيرته لان اتساع الصدر يتضمن حلاوة الحب0 وفعل الحبيب بموقع الرضا  عن المحب الصادق وذلك ان المحب يرى  ان فعل المحبوب مراده واختياره فيطمئن قلبه ويتنور فؤاده  بل ويفنى  في لذة المحبوب عن اختيار نفسه وبرضاها .
        وقد اختلف الصوفيون في الرضا  حيث اعتبره جماعة منهم  من جملة الاحوال  - والاحوال جمع حال  والحال عند الصوفية هو الموهبة المحضة  والاحساس الشعوري الخالص الذي يستلهم النفس فهو كالبرق في السماء  يقدح ويزول ويسطع بالانوار ويختفي  .
     واصل الحال المحبة والاحساس  بالحب  وصدقه وبواعثه وما يلحقه من سكرات هذا الحب واحواله  فمن صحت  محبته  تحقق بسائر الاحوال وقد جعل الصوفيون الاحوال في الحب والشوق  والانس والقناعة والبقاء والسكر  والصحو والمحو والهيبة والخشوع والخضوع والقرب  والحياء والقبض والبسط   وكل  ما يعتمل  في  دواخل النفس الانسانية و ما قد    يعتريها من احوال  - اذ اعتبروه نازلة تحل في القلب كسائر الاحوال ثم تحول  وتزول  وياتي غيرها  .
     ومنهم من المتصوفة من اعتبره من جملة المقامات- والمقامات جمع مقام والمقام  هو الموقع  الذي ثبت فيه المرء قبل تحوله الى موقع اخر او مقام  اخر فالسالك الطريق الى الله تعالى بمثابة  من اراد الوصول الى مدينة  اخرى او موضع معين  على سبيل المثال فالواسطة التي  يستقلها او يستخدمها هي الطريقة  والاماكن التي يمر بها او ينزل فيها  ليريح نفسه هي المقامات والتي من خلالها يتحول من مقام الى مقام اخر كما يتحول المسافر من  مكان الى اخر .
       اما الاحوال فهي ما يعتري هذا المسافر خلال سفره من احاسيس ولواعج  نفسية  كالفرح والحزن والتوتر ويعتر الصوفيون التوبة بداية الانطلاق في الطريق الى الله تعالى  واول المقامات  واشرفها ويعتبرون الرضا والاحسان على المقامات واقربها في الوصول  فمن تاب  تاب  الله عليه  والزمه طريق الحق  ومن  رضي الله عليه احسن اليه  وصل الى مبتغاه وغايته في الوصول والقرب ووضعوه في نهاية  التوكل ومنهم  من جمع بينهما  حسبما ذكره الشيخ الجيلاني قدس الله سره  في كتابه (الغنية.. ) حيث  يقول ان  الجمع  بينهما  ممكن  بان  يقال  بداية الرضا مكتسبة للعبد  وهي من المقامات    ونهايته من جملة الاحجوال وهي ليست مكتسبة  وفي الجملة او على العموم هو الذي  لايعترض على تقدير الله عز وجل 0
        وقيل ان الامام علي رضي الله عنه قال :
(  من جلس على بساط الرضا لم ينله من الله مكروه ابدا ومن جلس على بساط المساءلة لم يرض عن الله في كل حال ) .
      وعن الاما م  الحسن  بن علي رضي الله عنه ما قال :
(  من اثكل على  حسن اختيار الله له لم  يتمن انه في الحالة  التي اختار الله له  ) وهي الة الرضا
    والرضا نوعان  :
    الاول :رضا من جانب الله تعالى على عبده وهي مجازاته على طاعته واعلاء  ذكره  في  الدنيا  والاخرة
    والثاني : رضا من جانب العبد  وهو الاذعان  التام  لأرادة الحق تعالى  والتسليم  بالقضاء  والقدر  والقيام  بأ مره واجتناب نواهيه  ايمانا  وتصديقا  للاية الشريفة:
 ( وان يمسسك الله بضر فلا  كاشف   له الا هو  وان يردك بفضل فلا راد لفضله يصيب  به من  يشاء من   عباده  وهو الغفور الرحيم )
  سورة يونس الاية 107  
       وبهذا يكون الرضا الالهي  سابقا لرضا العبد  لان  من   لا يرضي الله تعالى عنه  لا يوفقه الى طاعته  فرضا العبد  مرهون برضا الله تعالى  عنه ولازم من لوازمه .
   والرضا يعتبر قلب الحياة الصوفية  ومحورها التي تدور عليه  او حوله     فهو يمثل القطب و حوله  اخلاق  المتصوفين  حيث  ينبع  منه  التوكل على الله  تعالى والزهد في الدنيا وهو الذي  يورث  السكينة  في القلب والاطمئنان  الى الحكم الالهي   وهو صنو المحبة الالهية بل هو ثمرتها لان   من شأن المحب  ان  يرضى بكل  ما فعله المحبوب ويفعله  فكمال الرضا هو  كمال المحبة   ومحبة  العبد  الصالح  لله  تعالى  لاتعدلها  محبة .



*********************************








                                  الصد ق

       
    اصل الصدق  قول الله تعالى :
(  ياايها الذين امنوا  اتقوا الله وكومنوا مع الصادقين) سورة التوبة 119  وقول الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم
   ( لايزال العبد يصد ق   ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا ) لاحظ المغني  ج3 صفحة 131
        والصدق استواءالسر والعلانية  والوفاء لله تعالى بالعمل فهو سيف الله تعالى في ارضه وحبل  نجاته المتين .
        والصادق هو الاسم الثابت من الصدق وسجيته الصدق في اقواله وافعاله وهو الذي لا يبالي  من كل شيء  حتى لو خرج  كل  قدر له من قلوب الخلق من اجل اصلاح قلبه والصيق اسم المبالغة من الصادق  وهو الصادق  قولا  وعملا  بكل  اموره  مع الله  تعالى مع  نفسه ومع الاخرين  وقد قيل :
( اذا طلبت الله بالصدق اعطاك مراة تنظر فيها مل شيء من عجائب الدنيا والاخرة) لاحظ الغنية ج3 صفحة 1368
            والصدق عماد الامر وتمامه واساس نظامه وقد قيل  انه  ثاني درجة  النبوة  حيث جاء في المصحف الشريف قال الله تعالى :
( فاؤلئك  مع الذين  انعم  الله عليهم  من النبيين  والصديقين  والشهداء  والصالحين  وحسن اولئك رفيقا ) سورة النساء الاية 69
        وقد قيل من اراد ان يكون الله تعالى معه  فليلزم الصدق  فان الله  تعالى  مع  الصادقين .
    وسئل فتح الموصلي –وهو فتح بن سعيد الموصلي من اقرا ن بشرالحافي والسري السقطي ومتصوف مشهور كثيرالورع  مات سنة 220 هجرية – سئل  عن الصدق فادخل يده في كانون الحداد واخرج حديدة  وهي تشتعل نارا فوضعها على كفه حتى بردت وقال :
هذا هو الصدق


****************













                                 الفصل السادس

                        مراتب النفس الانسانية

 
           والنفس الانسانية مراتب عديدة اختلف العلماء في تعدادها اصطلاحا  ووفقا  لأرائهم  ولأهوائهم ومعارفهم  وتسمت  تبعا للطرق الصوفية  ففي الطريقةالقادرية جعلت مراتب النفس ثلاث اللوامة و الملهمة  والمطمئنة وفي غيرها من جعلها  خمسا او سبعا  او ربما اقل اواكثر وذلك بادخال كل مرتبة في قريبتها او القريبة الشبه اليها0
        ففي الطريقة القادرية الاولى :النفس اللوامة  وتاخذ في غيرها  مجرى  الامارة واللوامة فتدمج في واحدة
 والثانية: الملهمة  وتستقل في ذاتها في الطريقة القادرية وفي غيرها  اما الثالثة : فهي في الطريقة القادرية  تسمى المطمئنة  وفي غيرها تتوزع الى المطمئنة  والراضية والمرضية والكاملة  وهذه التسميات  نص عليها  القرآن الكريم  قال الله تعالى :
   (  وما ابرئ نفسي ان النفس لامارة  بالسوء الا ما رحم  ربي ان ربي غفور رحيم  ..)  سورة يوسف الاية \53
  (   لا اقسم بيوم القيامة  ولا اقسم بالنفس اللوامة ) سورة القيامة  الايتان  الاولى والثانية                                                                                                                                                                                                                              
( يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ) سورة الفجر  الايات الاربع الاخيرة الاخيرة
 ولاهمية هذا الموضوع   في التربية النفسية الدينية  والخلقية وما يعتريها  ويخالجها والكشف  عنها عند المسلمين والصوفيةخاصة  ساقدم هذا البحث عن هذه النفوس  ومراتبها  وادوائها: 


    النفس الامارة   :


          سميت  بعض  النفوس بهذا الاسم  لانها تأمر  صاحبها بالسوء وهي نفس خبيثة باعت آخرتها  يشهوة  دنياها ومن صفات هذه النفس : البخل والحرص  والحسد  والحقد  والكراهية  والجهل   والكبر والشهوة والغضب  وسوء الخلق والخوض في ما لا يعنيها من الكلام   لذا فانها تحمل كل الصفات السيئة وما اتسمت بهذه الخصائص الا  لوقوعها في حبائل الشيطان  وفي ظلمة الطبيعة  فلا تفرق بين الخير والشر  وبذا لك اصبحت واسطة  للشيطان  تابعة له  ووسيلته في الاغواء واللهاث وراء الرذيلة وهذه النفس هي التي اشاراليها الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بقوله :
 (اعدى اعدائك نفسك التي بين جنبيك-   )
     الا ان هذه النفس لم تترك على هواها  دون  تقديم عون لها ومساعدة   تنقذها  فهي نفس مريضة  وجب عليها العلاج وتقديمه لها  فقدم لها لمن اراد الرجوع الى طريق الحق تعالى , فدواؤها اوعلاجها يكمن  في هذه الوصفة   التي وضعها اصحاب  الطرق والتصوف   فقيل ان دواءها في  تقليل الطعام  والشراب  والمنام ,فاذا تم ذلك  كسرت شهوة هذه النفس وذلت وخاصة  عوزها الى الطعام .
     وقيل  ان الله تعالى عندما خلق الخلق ونظراليهم اعترفوا له جميعا بالربوبية والخضوع لسلطانه الا النفس  اذ قالت ( انا  انا  وانت  انت0) فادخلها  الله سبحانه  وتعالى في بحار التعذيب وكلما خرجت من بحر قالت انا  انا   وانت  انت 00  الى ان عذبها بالجوع  فذلت واستكانت واعترفت قائلة انت الرب وانا الخاضعة الذليلة لسلطانك  وقوتك وقهرك  وجبروتك    فاستجابت لربها سبحانه وتعالى.
       ومن ادوائها ايضا  كثرة السهر في طاعة الله تعالى ومداراة الذكر بما  يأمر به شيخ عارف  وبالمحافظة على ا داب الشريعة واداب الطريقة وكثرة الصمت الا في  ذكرالله تعالى .
    وبهذه المجاهدة  يتم كبح اعتى النفوس واشدها ظلما  وتمردا فاذا استطاع المريد معالجة نفسه الامارة بالسوء بهذه الادوية  يتم  نزول المريد اول منازل القرب من الله تعالى واول مرتبة من مراتب السعادة النفسية فيشهد المريد بعين  بصيرته  شهود الذوق  ويعلم انه لا معطي ولامانع ولا محرك ولا مسكن سوى الله تعالى  وعلامة  هذه المعرفة  انك لا ترجو غيره ولا تخاف سواه ولاتكره مخلوقاته ولا تؤذيها رأفة بها وخشية من الله تعالى  فان الله تعالى آخذ بناصية الجميع 0


                             
     االنفس اللوامة


     وسميت  بعض النفوس بالنفس اللوامة  لأنها توقع  صاحبها في الخطأ  ثم تلومه عليه   وتندم  فيصبح  المرء موقع  ندم ولوم  وربما بقي فيها بعض من صفات النفس الامارة  لكنها تعرف الحق والباطل وتقر بكليهما  ا لا انها لا يزال  طبعها البشري يغلب عليها ويجعلها تنتصف او تتأثر بصفات  معينة:  منها  الرياء والغرور والغيبة  وحب الرئاسة  وحب الشهرة الا انها اعلى منزلة  من النفس الامارة وا لا  لما  كان لهذه النفس اللوامة هذه المنزلة والمكانة الا  لما  منحها الله تعالى من انوار ملكوته  وانا بها  قلب عبده المؤمن  السالك  يريه الحسن حسنا والقبح قبحا  ويبعثه على التخلص من مذامه والتحلي بالخلق القويم . لذا  نجد صاحب هذه النفس  في  صيام  وقيام  وصدقة  ويجاهد نفسه ولكنها تدخل اليه العجب  والافتخار والرياء  وحب الحمد  والثناء.
         ودواء هذه النفس المجاهدة في التخلص من الرياء والغرور  والانشغال بالحمد والثناء والشكر لله تعالى والاستغاثة به عز وجل للتخلص من مآثمها .

 -

  النفس الملهمة:


       سميت النفس بالملهمة  في هذه الدرجة لانها بدأت تستلهم الرشد وان الله  تعالى الهمها فجورها  وتقواها   الا انها تقوت على الفجور واصبحت تعرف التفريق  بين الحق  والباطل  وحالة هذه النفس او من صفاتها – الحلم والسخاء  والقناعة  والتواضع و حب التوبة والصبر في موضع االبلوى وتحمّل الاذى والعفو عن الناس والتواضع لهم  وحسن الظن بهم  ومن صفاتها :
 العشق والبكاء وحب الذكر ..حقا انها تبكي في ذكرالله تعالى

      ويعرف صاحبها ببشاشة الوجه والفرح  بالله تعالى  وكثرة ذكره  والتحدث بالحكم والمعارف والاعراض عن الخلق 0 ومقامه جامع بين  الخير والشر فهو اشبه  بان يكون في  برزخ  يجمع   بين الصفات الحميدة والصفات الذميمة  ويميل الى تغليب  الاولى على الاخيرة  وعلامات ذلك احساسه في داخله او سريرته انه من اهل الايمان  وظاهره التزامه بالشريعة مشغول وكانه حديث عهد بها .
       ولشد ما يخاف عليه الرجوع  عن الطريق والعودة الى المعصية فيحرم  مناجات ربه  وتنكشف بوائق انواره   وتافل  انوار الحقيقة عنده  فيرجع الى هوى النفس في المربع الاول  منها 0
      وعلاج هذه النفس  المتابعة التامة والتمسك الشديد بشيخه  ولزوم  تعليماته والاغضاء اليه او الاستماع اليه بكل ما يعتلج او يختلج  في نفسه  فليسرع الشيخ لتخليصه  من حالته قبل فوات الاوان وارشاده حتى يطمئن عليه ويرجعه الى رشده. 
                 
              
           
النفس المطمئنة :

      وهذه النفس هي التي وصلت الى مقام  التمكين  واصبحت في مأمن من العثرات والزلات  والخلوص من  جميع الافات النفسية والبشرية وأمنت  المكر والتلبس  ووصل صاحبها الى مرتبة  من امنهم الله تعالى من الشيطانقال تعالى :
(  ان عبادي ليس لك  عليهم  سلطان )  سورة الحجر الاية 44
    واستراح  صاحبها من جهاد نفسه  ومن صفات هذه النفس التوكل والعبادة الحقة والتذلل  والشكر والرضا والخشية واتباع الشرع بحيث لا يخرج  صاحبها عن التكليف قيد شعره وعلامته  الاجتها د في القيام بأمورالشرع والتحلي باخلاق سيد الخلق  سيدنا محمد   صلى  الله  عليه  وسلم .
         وصاحب هذه النفس قلبه ممتليء بالايمان الكامل واليقين الثابت   تلتذ به اعين الناس .
    ويصغى اليه باذعان ولسانه يترجم عما  في  اعماق  قلبه  وبما  القاه الله تعالى فيه من  الحقا ئق والاسرار فيناديه الله تعالى :
( انا سرك ايها الحبيب وانت سري فقر عينا وطب نفسا )
   وتظهر علي يديه كثير من الكراما ت والمقامات وان كانت الاستقامة اكبر من الكرامة  . لذا عليه الثبات بالعبودية مع الاستقامة  فهي افضل  من الف كرامة .
         ويخاف على هذه النفس من الغفلة  وعدم الترقي في المقامات الاخرى  وقد يتعرض صاحب هذه النفس الى  امراض حب الرياسة  او الشهرة والتعرض للمشيخة والارشاد.
        اما علاج هذه النفس من امراضها  اودوائها  فهوالتباعد عن ذلك ومجاهدة النفس في الخلاص  من امراضها  لان صاحبها  يحيا  بنور الله تعالى
                                                  
                      

النفس الراضية  :


          ان ثبات صاحب هذه النفس او صاحب هذا المقام  العالي  في الامور السابقة وسهولة وصوله الى هذه الحالة وفي اتباع الشرع فتنجذب نفسه  الى قوة الالطاف الالهية جذبة جديدة  وينادى عليه من الله تعالى : ( ياايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية )
سورة الفجر الايات 27 و28 
ولهذه النفس من المحاسن ما لا يقع تحت الحصر ومن الكمال  قمته  وشأفته  فهو قد وصل الى مقام الرضا  ودرجته لدى الصوفيين عالية جدا
     وصاحب هذه النفس  يعتريه  النسيان فلا يذكر شيئا  من امور الدنيا  اي منقطع الى الله تعالى  فان قلبه متعلق بمشاهدة الحق متطلعا اليه والى  جماله وجلاله ويتصف بالورع  والاخلاص وفي الحديث القدسي:
 (  الاخلاص من  اسراري استودعته  قلب  من احببت  من عبادي  لايطلع عليه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده )
 مروي عن الامام الحسن السبط مرسلا . كتاب احياء علوم الدين  للغزالي 
          وصاحب هذا المقام ذو افتاء تام لكل امر من امور الشريعة وادب من ادابها وملتزم بالطريقة والحقيقة  , نفسه راضية على كل شيء محبوب او مكروه اذ لا اعتراض منه  اصلا  لانه  مستقر بالشهود مشغول بعالم اللاهوت غريق في بحر الاداب مع الله تعالى .
          ومن صفات صاحب هذه النفس انه لا ترد  دعوته عزيز مهاب الجانب لسانه  لا ينطق  بالسؤال حياءا وادبا فاذا دعى فدعوته مستجابة ان شاء الله فاذا دعى  فدعوته  عبودية وتعبد .  تظهر عليه علائم  حب الناس ومهابتهم له  و ينادى عليه في حضرة الرب  قال تعالى :
 ( انك اليوم لدينا  لد ينا مكين امين ) سورة يوسف الاية 54\
       يخاف  على صاحب هذه النفس من الركون  الى الناس لتعظيمهم  له خوفا عليه ان تمسه  نار طباعهم وتصيبه  عدوى  بشريتهم   اذ  ان  القلوب جبلت على حب من احسن اليها  وهذا محسن الى الجميع . 
   دواء  هذه النفس  النظر الى الله تعالى  والبقاء في هذا المقام الذي هو فيه وهو مقام الاحسان وذلك بالتمسك بالعروة  الوثقى التى لا ا نفصام لها  والله هو المعين .

                        النفس المرضية :

         سميت  هذه النفس  بالنفس المرضية  لانها لانها رضي الله عنها  فصارت مرضية عند الله تعالى ثم عند خلقه , فصاحبها من الذين انعم الله عليهم قال تعالى :
(  رضي الله  عنهم ورضوا  عنه  ذلك لمن خشي ربه )
 سورة البينة الاية الاخيرة
     فهو  د اخل  في خشية الله تعالى  فتغشاه  برحمته  واصبح  في مقام من ذكره الحديث القدسي ( كنت سمعه وبصره) المذكور سابقا  فترقى الى منازل الاحبة وخلعت عليه  خلعة الرضوان من  الرحمن  تعالى.
       ومن عجائب هذا المقام  وكما لاته حظه الوافرعند ربه  من المحبة ما لا يدخل تحت الحصر فهم يحبهم الله ويحبونه  وتظهر عليه  محاسن الخلق ومكارمها  فيتجمل  بالشفقة  ويتحلى بالصفح عن الناس وامنياته اخراجهم من الظلمات الى النور باذن ربهم  بما يقوم  به من نصح وارشاد لهم  لله تعالى والسعي في انقاذهم من شرورالعلائم  الدنيوية.
       ومن  علامات هذه النفس ان صاحبها لا يتميز عن عوام الناس في الظاهر  اما باطنه فهو  معدن الاسرار ود رة الاخيار متسم بالوفاء بالوعد واضعا كل شيء في موضعه  معتدل في كل الامور ينفق في موقع الانفاق ويبخل في موضع البخل  بما يرتضيه الشرع فلا يبسط يديه كل البسط ولا يجعلها  مغلوله الى عنقه .
       ومن صفاته  انه تلوح عليه علامات  الخلافة  وهو مقام حقيقي  هو مقام  حقيقة و تمكين عال  قد ادرك سره وحقيقته  .
       


    النفس الكاملة  :


        سميت بالنفس الكاملة لكمال اوصافها ووصولها الى موقع الرحمة مع جميع الخلائق ومحبتهم  فهي تحب الجميع  تحب للكافر الايمان او ان يكون مؤمنا  وتحب للعاصي التوبة والانابة الى ربه  وتحب للطائع الثبات  في طاعته  وتقواه  ذات نور , نورها ممتزج بين الانوار عالمها الخيرات  ومكانها الخفاء  فهي  ريحانة  عند الله تعالى في ارضه .محبوبة  عند الله وعند خلقه  عبوديتها  سيادة وعقليتهالا  حسن وجمال  وغيبتها  شهادة واقتدار وباطنها طاهر بانبهار  انقطعت الى العلي الاعلى فنالت السعادة الكبرى وانمحقت منها  صفاتها البشرية  ورجعت  الى صورتها الادمية التي في حقيقتها , الحقيقة المحمدية .
        وهي سر الله الاعظم  في غاية القرب  من العلي الاعلى فتدرك بذاتها على حقيقتها  ومعرفتها بالذل والفناء ومعرفةبالباري  عز وجل  بالعز والبقاء .
    صاحبها معروف بالاستقامة الكاملة متمسك بالاداب الالهية  لا يشغله شاغل جمعه عن فرقه ولا فرقه عن جمعه   ولا بشريعته عن  حقيقته ولا  حقيقته عن شريعته  يعطي لكل ذي حق حقه في غاية الكمال  ومنتهى ما تصبوا اليه  النفوس الانسانية  . تخلق باخلاق الرحمن الرحيم ونودي عليه   قال تعالى :
( انا جعلناك خليفة في الارض) سورة ص اية 26
     وصل صاحب هذا المقام العظيم الى علم اليقين  وعين اليقين وحق اليقين لانه  من المتقين  المؤمنين .  اتصف بجميع المحامد  لا هم  له ولا  مطلب  غير  رضوان  الله تعالى فحركاته حسنات وانفاسه  قدرة وحكمة وعبادة   لا يفتر عن العبادة  بجميع جوارحه اناء  الليل واطراف النهار  في سره وعلانيته  وقلبه ظاهرا وباطنا كثيرالاستغفار جم التواضع كثير الاوجاع ضعيف الحركة , خلى قلبه من كل كراهية للخلق .لا تاخذه في الحق لومة  لائم وفي الحديث الشريف :
 ( ان لله عبادا  اذا شاؤوا شاء ))
   قال تعالى (   وما تشا ؤون الا ان يشاء الله رب العالمين )
التكوير  الاية \29
   
          
    **********************************

     وقبل ان انتهي من هذا الفصل  اود ان اذكر اني قرات في بعض الاثار  والكتب ا ن هذه النفوس  اي كل النفوس البشرية   لاتنقطع عقباتها  الا بكثرة ذكر الله   والاوراد  فهي تجليها  وتنيرها بنورٍ ينيرها  ويضيء الامور  بسطوع امامها  واذكراعداد ها  كما وجدتها :

 النفس الامارة      ذكرها        لا اله الا الله      مائة الف مرة
النفس اللوامة       ذكرها            الله            مائة  الف مرة
النفس الملهمة      ذكرها           ياهو           تسعون الف مرة
النفس المطمئنة    ذكرها           حق              سبعون الف مرة
النفس الراضية     ذكرها           حي             تسعون الف مرة
النفس المرضية    ذكرها           قيوم             تسعون الف مرة
النفي الكاملة        ذكرها           قهار             مائة الف مرة
   والله تعالى اعلم بذلك  .

-------------------------------------------









                               الفصل  السابع

                            الخصال  العشر



          اثبت الشيخ  عبد القادر الكيلاني قدس  سره بل وضع  عشر  خصال   لاهل المجاهدة  والمحاسبة  واولي العزم  من اصحاب طريقته  واكد ان الالتزام  بها والعمل  بموجبها  وضبط  احكامها  قولا  وعملا  يوصلهم الى اعلى المنازل الشريفة او المقامات الرفيعة  العالية وهذه الخصال وهي كما ذكرها بالترتيب :
1- ان لا يحلف  بالله  عز وجل  صادقا ولا  كاذبا عامدا  او ساهيا لانه  اذا احكم  ذلك من نفسه وعود لسانه دفعه ذلك ان يترك الحلف  ساهيا وعامدا  فاذا  اعتاد ذلك فتح الله تعالى له بابا من انواره ليعرف منفعة ذلك  في قلبه وزيادة في بدنه ورفعة  في درجته بين الناس  وقوة في عزمه وفي  بصره وبصيرته  والثناء عليه بين اخوانه من اصحاب الطريقة والحقيقة وكرامة عند الجيران حتى يأتمر به من يعرفه ويهابه كل من يراه من الخلق
2-  ان يتجنب الكذب هازلا وجادا  لانه  اذا فعل ذلك  واحكمه من  نفسه واعتاده لسانه  شرح الله  به صدره  للايمان  وصفى به علمه  حتى كانه لا يعرف الكذب  واذا سمعه من غيره عابه عليه في نفسه وقلبه وعيره به  في نفسه – كأن  يقول  في نفسه  هذا  كذاب -  ودعى له بزوال ذلك منه  فكان ثوابا له .
3-   يحذر  ان يعد احدا  شيئا ثم  يخلفه اياه وهو يقدر عليه عليه  الا  من عذر بين  او يقطع العدة البتة  فانه اقوى لامره واقصد لطريقه وسبيله لان الحلف من الكذب وقال الله تعالى:
( ويل يومئذ للمكذبين )
4-  يتجنب ان يلعن  شيئا ا و احدا من الخلق او يؤذي احدا  ذرة فما فوقها  لانها من اخلاق الابرار والصاد قين  وله  عاقبة حسنة في حفظ  الله اياه  في الدنيا  مع  ما يدخر له عنده من الدرجات العلى في حفظه وينقذه من  مصارع الهلكة ويسلمه من الخلق ويحفظه منهم  ويرزقه رحمة العباد والقرب منه عز وجل.
5-  يتجنب ان يدعو على احد من الخلق اوان يظلمه , فلا يقطعه بلسانه  ولا يكافؤه بفعاله ويتحمل الاذى ذلك لله تعالى ولا يكافؤه بقول  ولا فعل  فان هذه الخصال ترفع اصحابها الى الدرجات العلى اذا تأدب بها  وينال  منزلة شريفة في الدنيا  والاخرة ويغرس له الحب  والمودة في قلوب الخلق اجمعين  من قريب او بعيد  ودعوته تكون مستجابة ا ن شاء الله تعالى والعلو والرفعة في الخير والعز في الدنيا  وفي قلوب المؤمنين .
6-  ان لا يقطع الشهادة على احد من اهل القبلة بشرك ولا كفر ولا نفاق  فانه اقرب للرحمة واعلى في الدرجة وهي تمام من السنة  وابعد عن الدخول في حلم الله تعالى وابعد عن مقت الله تعالى واقرب الى رضاه ورحمته عز وجل  فانه  باب شريف كريم  على الله  تعالى  يورث العبد الرحمة للخلق اجمعين .
7-  ان يتجنب النظر الى شيء من المعاصي ظاهر وباطنا  ويكف جوارحه عن ذلك  فانه من اسرع الاعمال ثوابا  للقلب  وللجوارح في عاجل الدنيا  مع ما يدخره الله  تعالى من خير الاخرة نسأل الله تعالى ان  يخرج شهواتنا من قلوبنا  امين .
8-  يتجنب ان يجعل على احد  من الخلق منه مؤونة او ثقلا  صغيرة اوكبيرة او وزرا بل  يرفع مؤنته او  وزره عن الخلق اجمعين مما  احتاج اليه او  استغنى عنه  فان ذلك تمام عزة العابدين وشرف المتقين   وبه يقوى على الامر بالمروف والنهي عن المنكر ويكون الخلق عنده اجمعين  بمنزلة واحدة  وفي الحق سواسية فان  كان كذلك نقله الله تعالى الى الغنى واليقين والثقة بالله عز وجل  ولا يرفع احدا بهواه  ويكون الناس عنده في الحق سواء  ويقطع هذا الباب عز المؤمنين وشرف المتقين وهو اقرب باب الى الاخلاص,
9-  ينبغي للمريد ان يقطع طمعه عن الخلق ولا يطمع بنفسه في شيء مما في ايديهم  ويزهد  بكل ما عندهم , فانه العز الاكبر والغنى الخالص والملك العظيم والفخر الجليل واليقين الصادق والتوكل الشافي وهو باب من ابواب الثقة بالله تعالى وهو باب الزهد وبه ينال  الورع  ويكمل نسكه وهو من علامات  المنقطعين  الى الله تعالى .
10- التواضع هي الخصلة العاشرة  لان بها يشد محل العابد وتعلو درجته ويستكمل العز والرفعة عند الله تعالى وعند الخلق ويقدر على ما يريد  من امور الدنيا والاخرة وهذه الخصلة اصل الطاعات كلها وفرعها وكمالها  وبها يدرك العبد منازل الصالحين الراضين عن الله تعالى في السراء والضراء وهي كمال  التقوى .                                
       والتواضع هو ان  لا يلقي العبد احدا من الناس  الا وراى له الفضل عليه  وظنه انه افضل منه في قرارة نفسه  ويقول عسى ان يكون عند الله تعالى  خيرا مني  وارفع درجة  فان كان  صغيرا قال هذا لم يعص الله تعالى وانا عصيت الله تعالى فلا يشك انه خير منه وان كان كبيرا قال هذا عبد الله قبلي  وان كان عالما قال  هذا اعطي ما لم  اعط ولم ابلغ  ونا ل ما لم انل  وعلم ماجهلت وهو يعمل بعلم  وان كان جاهلا  قال  هذا عصى الله تعالى بجهل وان كان كافرا  قال لا ادري عسى ان يسلم هذا ويختم له بخيرالعمل ويكون من الذين يبدل الله تعالى سيئاتهم حسنات  ويكون افضل مني  وربما ان اكفر انا فيختم الله  لي بشر العمل  هكذا يحدث  نفسه ويقطع  عليها  علاقة  تفضلها مع الاخرين   .               
وهذا باب الشفقة والوجل  واول ما يصحب واخر ما يبقى على العباد فان كان العبد كذلك يسلمه الله تعالى من الغوائل  والشرور  ويبلغ به منازل النصيحة لله عز وجل  , فكان من اصفياء الله تعالى واحباؤه  وهو باب الرحمة ومع ذلك يكون  قد قطع  طريق الكبر  والعجب  ورفض  د رجة العلو وجانب درجة التعزز في نفسه في الدين  والدنيا والاخرة  وهو ملح العبادة وغاية  شرف الزاهدين  الناسكين فلا شيء افضل منه  ومع ذلك يقطع لسانه عن ذكرالعالمين فلا يتم له عمل الا به  ويخرج الغل والبغي والكبروالحقد من قلبه  في جميع احواله كأن لسانه في السر والعلانية واحد  وكلامه واحد  والخلق عنده  في النصيحة واحد  فلا  يذكراحدا من الخلق  بسوء او يعيره بفعل او يحب ان يذكر عنده  بسوء احد  احدا  فهذه  افة  العابدين  وعطب  النساك وهلاك الزهاد الا من اعانه الله تعالى على  حفظ  اللسان  والقلب برحمته .
وانه ارحم الراحمين




    *********************************
                                     









                                   الفصل الثامن
                         الجيلاني وحياته العلمية

حياته ووفاته :
     ولد الشيخ عبد القادر الكيلاني الحسني في بلدة صغيرة  تسمى  تسمى  - نيف – من اعمال منطقة جيلان ليلة الجمعة فاتح شهر  رمضان المبارك سنة \  470  هجرية الموافق لسنة 1770 م – راجع الزاوية القادرية  للشيخ عبد الحي القادري – المغرب صفحة 82 وبهجة الاسرار  صفحة 88  وتاريخ ابن الجوزي صفحة \ 91 والطبقات الكبرى للشعراني ج1 صفحة  18
      لقب بالجيلاني  نسبة الى منطقة  ولادته وسكن عائلته جيلان او كيلان ولازمته هذه التسمية ملازمة الظل في حياته  وبعد وفاته ولا تزال عالقة في اولاده واولادهم واحفاد احفادهم- لاحظ  الانساب للسمعاني م3 ص463 ومعجم البدان م1
       وجيلان  قرية كبيرة  تقع  جنوب بغداد بعد المدائن  وتبعد عنها عدة فراسخ  على نهر دجلة وقيل ان المقصود بها جيلان هي منطقة  جيلان  الواقعة غرب ايران .
         نشأ الشيخ الجيلاني قدس سره يتيم الاب  فرباه جده لأمه السيد عبد الله الصومعي .
( عبد الله الصومعي هو الزاهد العابد ابن ابي جمال بن السيد محمد بن السيد محمود بن السيد طاهر من اولاد السيد الامام  جعفر الصادق رضي الله عنهم اجمعين)
    وقد بقي في رعاية جده وامه  فتربى تربية دينية صالحة حيث كان لأمه الحظ الوافر في الخيروالصلاح  والاصلاح وقد حصل على دراسته الاولية في كتاتيب بلده جيلان في كنف اسرته المشهود لها بالتدين والورع والتقوى حيث  كان  سكان  تلك  المناطق  يسمونهم  بالاشراف لانتسابهم  الى الدوحة المحمدية الشريفة.
 لاحظ بهجة الاسرارص88 وقلائد الجواهر  ص3 ومدارس بغدا د للسيد د عماد عبد السلام رؤوف ص141 ونزهة الخاطر ص 12
           ينتسب الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس سره الى  بيت النبوة الاطهار أبا واما :
       فهو  الشيخ محي الدين ابو محمد سيدنا عبد القادر ابن ابي صالح موسى بن عبد الله بن يحيى الزاهد بن محمد بن داود الامير بن موسى بن عبد الله ابي الكرام بن موسى الجون بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى  بن الحسن السبط بن علي امير المؤمنين بن  ابي طالب  رضوان الله عليهم اجمعين –
لاحظ المصادر السابقة وكثير غير ماذكرناه.
     اما من جهة  الام : فامه فاطمة بنت عبد الله الصومعي  الزاهد العابد المعروف بابن ابي جمال بن السيد محمد ابن ابي محمود بن طاهر بن محمد ابي عطار بن عب الله بن ابي كمال  بن عيسى  بن ابي علاء  الدين بن محمد بن علي العريض بن الامام جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط بن علي اميرالمؤمنين بن ابي طالب  رضوان الله تعالى عليهم اجمعين- 
 نفس المصادرالسابقة وكثير غير ماذكرناه
     تزوج  الشيخ عبد القادر الجيلي قدس سره في  بغداد بعد ان بلغ الكتاب اجله على حد قوله   وزواجه لم يكن بواحدة  بل تزوج اربع زوجات انجب  منهن  تسعة واربعين ولدا  منهم سبعة وعشرين  ذكرا والباقي اناث –
لاحظ الفتح المبين  صفحة 5
     كان الشيخ الجيلاني   قدس  سره  قليل السفر والتنقل فالتزم جانب الدراسة والتدريس  ولم يسافر طيلة حياته الا ثلاث سفرات او قل اربع سفرات  فقط  :
   الاولى سفره من جيلان الى بغداد عندما كان في الثامنة عشر من عمره سنة 488 هجرية  لقصد الدراسة .
   و الثانية  فكانت من بغداد الى ( بعقوبا ) بقصد التكسب  وقابل  فيها الشيخ الشريف البعقوبي  .
( وهو  رجل صالح قيل انه ابن عم الشيخ عبد القادر الجيلاني وابن عم الشيخ علي الشرقي المدفون في ناحية على الشرقي في  ميسان  العراق\ من ذرية الامام الحسن السبط بن علي بن ابي طالب  وللشريف البعقوبي ترجمة  في كتاب  تاريخ بلدية بعقوبة للاستاذ  احمد الرجيبي  طبع -بغداد- 1972 والذي قدم له  صديقي العلامة العزيز  المرحوم الاستاذ  سالم الالوسي  ومرقده مزار يقع في الجانب الغربي من نهر ديالى في منطقة بعقوبة الجديدة  حاليا واود  ان انوه  ان الشائع بين عامة الناس والبسطاء ان هذا  المرقد  للشريف الرضي الشاعر المعروف والحقيقة ان المرقد هذا هو  مرقد الشريف البعقوبي وليست الشريف الرضي المدفون في مقابر قريش في الكاظمية  بالقرب من ضريح  موسى الكاظم  رحمهم الله جميعا ويقع بجواره من جهة الشرق)
    وان الشيخ الجيلاني يؤكد ان هذه السفرة قد تركت  اثرا عميقا في حياته  ومنحته درسا بليغا ساعده على تكامل  شخصيته وسمو منزلته في نفوس الاخرين   من خلال  نصح وارشاد الشريف البعقوبي له
- لاحظ قلائد الجواهر ص 69 وبهجة الاسرار ص122
 اما السفر ة الثالثة : وهي بمثابة سفرتين   لاداء فريضة الحج  حيث انه حج مرتين الاولى كانت سنة \509 هجرية  والتي قال عنها قدس سره:
( حججت  اول ما حججت من بغداد سنة تسع وخمسمائة  وانا شاب على قدم التجريد وحدي فلما كنت في المنارة المعروفة ب(ام القرون ) لقيت الشيخ (عدي بن مسافر) وهو شاب يومئذ  فقال الى  اين  قلت الى مكة  قال هل لك في الصحبة قلت اني على قدم التجريد  قال  وانا كذلك  فسرنا جميعا ) المصدر السابق
    ( والشيخ عدي بن مسافر :هو عدي بن مسافر بن اسماعيل بن يونس بن مروان بن الحسن الهكاري شيخ ورع وزاهد عارف بالله تعالى  قال عنه الشيخ عبد القادرالكيلاني – لوكانت النبوة  تنا ل  بالمجاهدة  لنالها  الشيخ عدي بن مسافر )
 لاحظ الطبقات الكبرى للشعراني ج 1 صفحة168 وشذرات الذهب المجلد الرابع  صفحة  \557  وغيرها من المصادر
      والحجة الثانية :  فقد حج مع جماعة اخرين ومعه ابنه عبد الرزاق الذي كان قائدا  لزمام  راحلته ذهابا وايسابا  وقد التقى  في هذه الحجة في (عرفات)  الشيخين ابا عثمان بن مرزوق  وابا مدين بن شعيب.

        (اما بقية  عمره فقد قضاه  في الدراسة والتدريس والوعظ والارشاد وقد ظهر  الشيخ  للناس واعظا بعد العشرين بعد الخمسمائة  وجعل له القبول التام واعتقدوا  حقيقته و صلاحه وانتفعوا به وبكلامه ووعظه وانتصراهل السنة والجماعة بظهوره  واشتهرت احواله واقواله وكراماته ومكاشفاته  وهابه الملوك فمن دونهم)
 لاحظ وفيات الاعيان م2 وطبقات الحنابلة م1
           توفي الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس سره في بغداد في عهد الخليفة العباسي المستنجد بالله وذلك يوم السبت التاسع من شهر ربيع الاخرة  سنة 561 هجرية ودفن في مدرسته بباب الازج ببغداد  وكان دفنه ليلا لكثرة الزحام  حيث لم يبق احد في بغداد الا  جاء ليشهد الفاجعة  ويشارك في الدفن  فا متلات  الحلبة وضاقت  بالناس وامتلات الشوارع والاسواق  والدور القريبة من الحلبة ولم يتمكنوا  من دفنه بالنهار  لكثرة الزحام فدفن ليلا ولما علا نهار اليوم التالي اهرع الناس الى الصلاة  على قبره وزيارته وكان يوما مشهودا-)
لاحظ قلائد الجواهر صفحة 134
        رحم الله  جدنا الشيخ   عبد القادر الكيلاني   وادخله  فسيح  جناته  انه من المحسنين  

*********************************


1- اساتذته وشيوخه وتلامذته

        جاء في كتاب بهجة  الاسرار في دراسة الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس سره انه لما دخل بغداد للدراسة ( ولما علم ان طلب العلم فريضة وشفاء  الانفس المريضة اذ هو اوضح مناهج التقوى  سبيلا وابلغها حجة واظهر دليلا  وارفع معارج اليقين  واعلى مدارس المتقين واعظم مناصب الدين وافخر مراتب المجتهدين وهو المرقاة الى الحضرة المشرفة  شمر عن ساق الاجتها د في تحصيله   وسارع في طلب العلم  فروعه واصوله  وحضر الاشياخ والائمة واعلام الهدى علماء الامة   فاشتغل بالقران العظيم حتى اتقنه وعظم دراسته سره وعلنه
        تفقه الشيخ قدس سره بابي الوفاء علي بن عقيل وبابي الخطاب محفوظ الكلوذاني وابي الحسن محمد بن القاضي بن يعلى بن الحسين بن محمد الفراء وابي  سعيد المبارك  بن علي المخرمي رضي الله عنهم  مذهبا وخلافا  وفروعا واصولا .
        وسمع الحديث من جماعة العلماء فيه  منهم  ابو غالب محمد بن الحسن بن احمد بن الحسن الباقلاني وابو  سعد محمد بن عبد الكريم بن خفيش  وابو المغانم محمد بن علي بم ميمون  الرسي  وابو بكر احمد بنم المظفر بن سوسن التمار وابو جعفر احمد بن السين القاري السراج وابو القاسم علي بن  احمد بن بيان الكرخي  وابو عثملان اسماعيل بن محمد بن احمد بن مله الاصفهاتي  وابوطالب عبد القادر بن محمد بن عبد القادر بم محمد بن يوسف وابوطاهر عبد الرحمن بن احمد  بن عبد القاد ر  وابو البركات هبة الله بن المبارك بن موسى السقطي  وابو العز محمد المختار الهاشمي  وابو نصر محمد وابوغالب احمد وابو عبد الله يحيى ابناء الامام ابي علي الحسن بن البناء وابو الحسن المبارك بن عبد الجبار بن احمد بن القاسم الصيرفي المعروف بابن الطيوري  وابو منصور عبد الرحمن  بن ابي غالب محمد بن عبد الواحد بن الحسن القزاز  وابو البركات طلحة بن احمد العا قولي  وغيرهم كثير  رضي الله عنهم جميعا
    وقرا  الادب  على ابي زكريا يحيى بن علي التبريزي
       وصحب الشيخ العارف قدوة المحققين  ابا الخير حماد بن مسلم الدباس واخذ منه الخرقة الشريفة من يد القاضي ابي سعيد المبارك
      وقد ذكر ما ذكره المؤرخون والدارسون لشخصية الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس سره فمنهم ما ذكره صاحب كتاب بهجة الاسرار ومنهم من زاد عليه ومنهم من انقصهم وكان اثبتهم وافضلهم والمصادر  والمراجع غنية  فيه وكثير جدا
    اما الشيخ الكيلاني قدس سره فقد ذكر اثنين من اساتذته صراحة : 
       الشيخ ابو سعيد المخرمي الذي قال عنه الشيخ الكيلاني :
 ( ثم البسني الخرقة بيده ولا زلت بعد ذلك في الاشتغال عليه رضي الله عنه ) لاحظ قلائد الجواهر ص19
  وقد قال الشيخ ابو سعيد المخرمي فيه :
( لبس  عبد القادر الجيلي مني الخرقة ولبست منه خرقة يتبرك كل واحد منا بالاخر) لاحظ بهجة الاسرار ص 144
   اما الاخر فهو الشيخ حماد الدباس الذي قال عنه الشيخ الكيلاني :
( ارى انه جبلا لا يتحرك )
     قال محمود النعال سمعت ابي يقول :
( كنت عند الشيخ حما د الدباس فجاء الشيخ عبد القادر وهو شاب يومئذ فقام اليه وتلقاه وقال مرحبا بالجبل الراسخ والطود المنيف الذي لايتحرك واجلسه الى جانبه وقال:
- ما الفرق بين الحديث والكلام  ؟
  فقال  الحديث ما  استدعيت من الجواب والكلام ما  صدمك  عن الخطاب  وانزعاج القلب  لدعوة الانتباه  ارجح من اعمال الثقلين :
فقال  الشيخ حماد : انت سيد العارفين في عصرك ولا بد ان ينشر  سنجقك في المشارق والمغارب وتوضع لك الرقاب من اهل  زمانك وتعلو درجتك على اقرانك ويكون مشروبك منه اليك )
 لاحظ قلائد الجواهر ص16
          وقد صحت نبوءة  شيخه واستاذه حماد الدباس فيه فكان الشيخ الجيلاني  علما من اعلام الهدى والتقى في الاسلام .
       وقد صحب الشيخ الكيلاني  قدس سره شيوخا وعلماء افذاذ نذكر منهم  الشيخ عدي بن مسافر الاموي المتوفي سنة\ 557 هجرية والشيخ ابو محمد محمود النعال المتوفي سنة\ 609 هجرية  والشيخ علي بن ادريس البعقوبي 
( وقبره ظاهر ومزار في مدينة بعقوبة بالجانب الغربي لنهر خراسان في طريق بهرز  داخل مدينة (بعقوبة) المتوفي سنة\ 619 هجرية وقد ذكره المؤرخ ابن العماد فقال  (ان الشيخ علي بن ادريس البعقوبي الزاهد صاحب الشيح عبد القادرالجيلاني سيد زاهد عابد رباني متاله بعيد الصيت توفي في ذي القعدة من سنة\ 619 )
 ومنهم الشيخ الشريف البعقوبي وقد مرت ترجمته في هذا الكتاب انفا 
ومنهم الشيخ عمرالسهروردي المتوفي سنة \ 632 هجرية المدفون في بغداد  في منطقة الشيخ عمر وقيره ظاهر ومزار وحوله مقبرة للمسلمين
        اما تلامذته  وهم كثير فنذكر منهم مايلي :
   الشيخ عثمان بن مرزوق المتوفي سنة\ 564 هجرية  والذي قال فيه :
( الشيخ عبد القادر الجيلاني شيخنا  وامامنا وسيدنا وسيد كل من سلك طريقا الىالله عز وجل  في عصرنال او وهب حالا او اقيم مقاما )
 لاحظ ذيل طبقات الحنابلة ج1 ص 206
 ومنهم ابن الخشاب المتوفي 567 هجرية ومنهم  ابو ا لحجر حامد الحراني الخطيب المتوفي سنة 570 هجرية  والسيد ابو السعود بن الشبل العطار الزاهد  المتوفي سنة  582 هجرية  ومظفر بن غانم اعلشي المتوفي سنة     593 هجرية ومنهم  ابو القاسم بن ابي بكر احمد بن ابي السعادات  المتوفي\ 597 هجرية ومنهم  موفق الدين بن قدامة المقدسي المتوفي سنة \620 هجرية   ومنهم  الشيخ الجبائي المتوفي سنة\ 650 هجرية وهو من  نصارى  طرابلس الشام اسلم وعمره احدى عشرة سنة وقد قال :
( قال لي الشيخ عبد القادر فتشت الاعمال كلها  فما وجدت فيها افضل  منم اطعام الطعام ولا اشرف من حسن الخلق)
 لاحظ بهجة الاسرار وغير هم كثيرمن  تلامذته العلماء  واعلام الامة الافذاذ رضي الله عنه
                    


    *******************************


2-        الثقافة الجيلانية  :

     
      وفد الشيخ الجيلاني قدس سره الى  يغداد عامد\ 488 هجرية وعمره ثماني عشرة  سنة  لغرض الدراسة وانتهال العلم من منابعه الاصيلة  وبدء  تحصيله العلمي في بغداد حيث التقى فيها بعدد كبير من العلماء والفقهاء والشيوخ المربين  والادباء والقى بنفسه العطشى الى بحر العلم المتشوقة الى  كل معرفة وفن  علمي في منتجعاتهم ومجالسهم  وحلقات الذكر والمواعظ  والتردد على المدارس وكان موفقا في دراسته وتحصيله لما بذله من جهد مثابرة  وما الزم نفسه به  تعب ونصب في التحصيل العلمي والتتبع المستمر  فتتلمذ وتعلم  من شيوخه واساتيذه كل علم وقد اهتموا به كثيرا لما لاحظوه عليه من عزم وحزم ورغبة  وذكاء في التحصيل العلمي والدراسة والمتابعة .
      وعلى العموم كانت ثقافته قدس سره في مجموعها  ثمثل  ثقافة عصره  ثقافة عربية  اللغة والبيئة  فكان بليغا اديبا شاعرا  كما انها  كانت اسلامية بالمبدأ  مستوحاة من الكتاب  العظيم والسنة النبوية المطهرة فكان عليما بهما  متبحرا فيهما  فقد اتقن العلوم العقلية  ايضا فكان مفكرا متحدثا  ومحدثا وواعظا بالاضافة الى تعمقه في معرفة علم الحقيقة .
        وقد خولته هذه الدرجة العالية من الثقافة  ان يكون استاذا ومدرسا لذا اصبح بحق بين الاساتذة استاذا  فاضلا  معترف له في كل العلوم  وقد قيل فيه :
( انتهى اليه التقدم في الوعظ والكلام على الخاطر)
لاحظ  كتاب عبد القادر الجيلاني ومذهبه الصوفي – لجعفر صادق سهيل  رسالة ماجستير
 وقيل فيه ابضا :
( انتهت اليه تربية المريدين في العراق وان الشيخ الجيلاني  صوفي  فقيه محدث واعظ مفتي نحوي اديب شاعر وقد نعده من المتكلمين  لما له من اقوال  ومجادلات كلامية )   قلائد الجواهر
     ويكفي  ان تزن ثقافته بميزان كفاءته العلمية التي برزت من خلال تدريسه  وفي مؤلفاته الكبيرة  والكثيرة
( اما من الناحية ا لعلمية فقد كان غزير المادة واسع المعرفة  لدرجة انه كان  يدرس  ثلاثة عشر  علما  )  لاحظ  نور الابصار في مناقب النبي  ال المختار صفحة 236
       ان  الثقافة الجيلانية نستطيع ان نحدد مسارها في اربع نقاط اساسية اومسالك اوسبل رفدت  العملية العلمية الاسلامية والعربية بكل المعرفة وتفرعت  منها وفيها  وهذه النقاط هي كما يلي :
1-  معرفته قدس الله سره  التي اقتبسها من شيوخه واساتيذه وصحبته  من خلال دراسته وتتبعه لكل انواع العلوم  والمعرفة .
2-  ما كتبه وما الفه من كتب  وما تحدث فيه في مجالسه ومواعظه التي جمعت بعد وفاته فكانت  كتبا مهمة ومراجع علم في  الدين والفقه  والعلوم الاسلامية والثقافة العربية  والاسلامية .
3-  ما ذكره تلامذته واستفاداتهم منه ونشرهم لهذه لعلوم  وتاثرهم به فيها .
4-  مريدوه وسالكوا طريقه القويم الى الله تعالى في كل مكان وزمان ولحد زماننا هذا وما بعده .
رحم الله تعالى جدنا شيخنا واستاذنا عبد القادر الجيلاني
                     

***********************











                         
الفصل التاسع

عبد القاد ر الكيلاني  شاعرا



     ان اواصر الصلة التي تربط بين الدين والشعر تتركز في اعتماد كل منهما على الروح الالهام والحدس والتلقي اعتقادا واعتمادا وافرا ابتداءا من اقتناع الانسان الاول بان لكل شيء روحا وهذه الروحية هي ما في الدين من شعر وما في الشعرمن دين او اعتقاد وان الفرق بين الرؤيا الصوفية والرؤيا الشعرية ينبثق من درجة تسامي كل منهما 0

    لذا نلاحظ في مجال الفناء في العالم والامتزاج فيه لدى الصوفي بحيث تتوحد كل تناقضاته ويغدو عينا شفافة خاليا من التعكر والصراع وربما لايفترض في التجربة الشعرية بلوغ هذا المدى في كل الاحيان الا عند القليل من الشعراء ففي حالات الصفاء والشفافية تقترب رؤى الشعراء من رؤى الصوفية وقد تبلغ مبلغها من السمو والتركيز فتاتي او تجيئ اشعارهم او قصائدهم  كشطحات صوفية جانحة الى الايماء والرمز والغموض واللامعقول .

    فالشعرالصوفي هو امتداد لشعر الزهد فقد انحدرا في نهر واحد ثم افترقا قريبا من بعضهما ثم يلتقيان في مصب واحد فشعراء الزهد كانت قصا ئدهم واشعارهم في التقرب الى الله تعالى طمعا في الجنة والجزاء الحسن ومن هنا كان شعرا مليئا بالفاظ التوسل و الرجاء و المناجاة والتحذير من النار وملذات الحياة الدنبا وشهواتها والتذكير بالاخرة والمعاد والحساب  في يوم القيامة .

       اما الشعراء الصوفيون فقد نبعت اشعارهم وقصائدهم من هواجس الحب والشوق والوله والعشق لخالقهم لذا اختاروا الالفاظ الغزلية وكلمات الحب الخالص في التعبير عن مكنون انفسهم وافكارهم وما يداخلها من حب وشوق الى الله تعالى وشتان بين الخوف والرهبة وبين الحب والشوق.  فالشاعر الصوفي محب عاشق واله من حيث ان الصوفية في جوهرها وذاتها ضرب من ضروب الحب والوله والفنا ء بالحبيب واليه .

     والاسلوب الشعرى هو بنا ء القصيدة من حيث الشكل والمضمون حسا مضمونا وفنا وتخيلا وتصورا واحاسيس ووجدان وعواطف وصورا شعرية ونحوا وبلاغة وموسيقى في كل ما يتطلبه البناء الشعرى للقصيدة وداخل فيها  ابتداءا من مطلعها الى خاتمتها.
      
      والقصائد الكيلانية امتازت بين الطول والقصر فهناك مقطوعات تكونت من بيتين او ثلاثة وقصائد بين عشرات الابيات الى جانب مطولات كانت قمة في الرقي الشعري وخاصة قصيدته العينية التي بلغت 391 بيتا الا ان السمة الجامعة لهذه القصائد اوالمقطوعات انها في التصوف والحب الالهي  .

      واللغة الشعرية التي استعملها الشعراء الصوفيون قد اشتملت على الغزل العذرى وما فيه من الفاظ في الحب والشوق والوجد والوله والفناء في داخل المحبوب وقد اضافوا اليها احدى طرق التعبير الصوفي ما ثلة في التلويح او الرمز الشعرى الذى يومىء او يشير به لها ومن خلال هذا الطريق استطاع الشاعر الصوفي التعبير عما يخالجه ويجول بخاطره من عبارات دون الاكتراث بما حوله وقد اكد الشيخ الكيلاني هذه الحقيقة في شعره متخذا من الرمز او الاشارة مسلكا كقوله  :

اسراري قراءة مبهمات
                                     مسترة   بارواح    المعاني
فمن فهم الاشارة فليصنها
                              والا  سوف  يقتل   بالسنان
كحلاج المحبة اذ تبوت له
                                شمس   الحقيقة   بالتدا ني
وقال انا هو الحق الذى
                               لا  يغير  ذاته  مر الزما ن

     ومن العناية الشعرية جودة الصياغة وحسن اختيار الالفاظ حيث كان دقيقا في اختيار الفاظ شعره في ظل الرمز . يقول من الوافر:

سقاني الحب كاسات الوصال          فقلت لخمرتي نحوي تعالي

او في قصيدته البائية من البحر الطويل و التي مطلعها  :

مافي الصبابة منهل مستعذب
                                  الا ولي  فيه  الالذ   الاطيب

     فقد استعمل الالفاظ السهلة وانتقى الكلمات الحلوة التي تبين ما يتمتع به الشاعر من قوة والهام في الاختيار والتعبير والشاعرية الفذة بالفاظ سهلة مالوفة البسها ثوبا جديدا قشيبا يتلون بالوان وهج القصيدة واحاسيسها وأوقعها بين الرقة والعذوبة والخطابية . هذه الكلمات الحلوة التي تبين ما يتمتع به فقد استعمل الالفاظ السهلة وانتقاء الخطاب الرائع لذا جاء شعره رقيق الحواشى جميلها رمزيا في بعض منها يقول:-

لاخمرة الا خمورى في الهوى
                                      ولا غرام الا من تصاعد  زفرتي

    اما الموسيقى الشعرية فانها تنبع من احساس الشاعر وما يتأجج في نفسه من احوال ومواجيد وقد ارتبط بالموسيقى مظهران اساسيان واضح من وعائهما وهما الاوزان والقوافي , ففي مجال الاوزان الشعرية - والوزن هو القالب الموسيقي يعتمده اسلوب الشعر العربي او هو مصطلح الايقاع واللحن الحادث من تجمع اصوات الحروف وتجاوبها مع بعضها تنسيقا واداءا مع الصياغة من خلال انتقا ء الشاعر لها - ونلاحظ ان الشيخ قدس سره قد اختار لقصائده الاوزان ذات النغمات الطويلة والمؤثرة في المتلقي لذا جاءت  قصائده تسبح في بحار الطويل والبسيط والكامل والوافر .

اما القوافي فانها تنطوي على تقدير الاتصال بين ابيات القصيدة الواحدة وتبرز اهميتها من خلال الاتصال والتناسق مع الاوزان الشعرية والانسجام بينهما بحيث نجد في شعر الكيلاني معظم قوافيه جاء كذلك منسجما مع الوزن بحيث تشكل جرسا موسيقيا عذبا متألقا متصاعدا تتفاعل معه العواطف المتلقية حتى تصل الى الانبهار في بعضها.

    اما فى موضوع الفنون الشعرية فاقول ان الصوفي ولد في احضان حركة الزهد الاسلامي وتطور من خلالها والشعر الصوفي ولد في رحم التيار العام للشعر الديني او شعرالزهد  في الاسلام وترعرع فيه وقد عبر الشعر الصوفي بامانة عن مختلف النوازع الصوفية كالاعراض عن الدنيا والزهد فيها والاخلاد الى القناعة والرضا بفضل الله تعالى والصبر عند النوازل والشكر لنعم الله تعالى والتوكل عليه في السراء والضراء وفي مقامات الصوفية وحقيقتها نلحظ نهوض القلب في طلب الحق عزوجل والمقام عندهم مقام العبد بين يدي الله تعالى فيما يأتيه من العبادات والمجاهدات والرياضات والانقطاع اليه تعالى مع فرض الاتيان بكل التكاليف الشرعيه والتاكيد على الديمومة عليها. وكل هذه النوازع والسبل اليها نجده ثابتا في ادب الشيخ الجيلاني في نثره وشعره والصورة الفنية هي اللمحة والحالة الني يسجلها الشاعر وما يتمثل به من احساس وادراك للوصول الى ما تسمو اليه شاعريته ويروم تسجيله بحالة انصع واسمى . والصورة الشعرية قمة خيال الشاعر فهي بحر يسبح فيه وسماء يعرج فيها وارض يتنزه عليها وفيها .والصورة الشعرية الفنية في شعر الجيلاني قدس سره نجدها واضحة جلية في قصائده ومقطوعاته الشعرية تشمخ من خلال دراسة هذه القصائد ونستطيع ان نلمس ذلك في الفنون الشعرية التي طرقها وانشد فيها فكانت فنونا شعرية واغراضا مقصودة  لا يختلف في مكانته الفنية عن ترنيمات المحبين  مايلي ومنها مايلي :


1-                      الفخر الصوفي

    اتجه شعر الجيلاني قدس سره وجهة متميزة قد اختلفت عن مسالك الفخر المعروف فلم نجد فيه مديحا للملوك والامراء والاشخاص ولم يقصد فيه الى التباهي والتفاخر والتعظيم بما يملك او بما كان له من مآثر الاجــــــــداد والامجاد انما نجده ينبع من عقيدته ومنزلته الدينية وما يفرضه عليه الحدود الدينية التي وصل اليها في العبادة وفي حب
الله تعالى فيقول من البحر الطويل  :                            

مافي الصبابة منهل مستعـــــــــــذب
                                          الا ولي   فيه  الالذ  الاطيــــــــب

اوفي الوصال مكانة مخصوصــــــة
                                            الا و منزلتي  اعز  واقـــــــرب

وهبت لي الايام ر ونق صفوهـــــــا
                                          فغلت  مناهلها    وطاب المشرب

اضحت جيوش الحب تحت مشيئتي
                                          طوعا  ومهما  رمته لا يغـــــرب

        ومن الصور الفنية الجميلة في شعره اعتماده اسلوب التشبيه بحيث يشبه المحسوسات ببعضها , حيث يشبه محسوسا باخر محسوس مثله او معنوي ينبثق من محسوس مثله قال:-

اضحى الزمان كحلة مرقومة
                             تزهو ونحن لها الطراز المذهب

    وله في هذا الباب اشعار يفتخر بنسبه الشريف كونه سليل الدوحة المحمدية  المباركة  يقول :

محمد الرسول  للخلق  رحمة
                                  وجاهد  في  كفارهم  بالقواضب

اتاني مرارا قبل عهدي وقال لي
                                 انا جدك افخر  بي  كفخرالمخاطب

امامي رسول الله جدي وقدوتي
                                  وعهدي من  بحقه وهي مطالبي


2- السكر اوالخمرة الالهية –


    السكر والصحو من اظهر الاحوال الصوفية واخصها وقد اختلف المشايخ ايها افضل وأليـــــق بالصوفي لذا فاضت الاقوال المأ ثورة بالتعبيرعن الفناء والغيبة والسكرو ما الى ذلك مما يشير الى ان الصوفي كان فــــــــي اغلب احواله ماخوذا مشغولا عن نفسه وعن كل ما سوى الله بالله وحده .
     
      السكر الصوفي هو تلك النشوة العارمة التـــــي تفيض بها نفس الصوفي وقد امتلات بحب الله تعالى حتى غدت قريبة كل القرب . فالسكر الصوفي  ليس شرابا او خمرا يدير الراس او  يثقل الحواس  فيضرب غشا وة علي القلب بل هو احساس يوقظ النفس وينعش الوجدان ويجلو عين البصيرة في نظرالصوفية - فتفتح امام القلب افاقا  للروح  في هــــــــــذه العوالم الجذابة الشائقة بحيث تستولي تجليات الحبيب على قلب الصوفي فلا يشهد ولا يشاهد سوى الحق سبحاه وتعالــــى لان حضور الحبيب في القلب هو محور لشعوره بذاته وبما حوله وقد يصل الى درجة صفاء الوجد وتصافيه وعندئذ يحل والوجود الشهــودي محل الوجود الوجودي نتيجة لذلك  وهذه الدرجة من الحب الالهي وما يشعر به الصوفي العارف تجاه خالقه وما يحـــس به من شعور ازاء جمال من يحب المنزه عن الجمال الدنيوى تظهر حالات النشوة والتي هي حالات السكر المشابه فـــــي اثاره الى حد بعيد حالات السكر الخمري وهذه الحالة علامة الصدق في الحب في ذلك. يقول الشيخ عمر السهروردي :       (  المحــــــب شرفه ان تلحقه سكرات المحبة فان لم يكن ذلك لم يكن حبه حقيقة)-

    ومن هنا نجد شعر الجيلاني قدس سره قد ملئ بالخمريا ت الالهية                حيث انها مزجت بدمه فتنبعث  من  روحه  وقلبه  وعواطفه لاحظ اليه يقول :                                                                  :  

حد يثها من قديم العهد في اذنـي
                                 فخلني من حديث الحادث الفانــــي

قديمة مزجت روحي بها ودمـــي
                              وهي الاتي لم تزل روحي وريحانـــي

انا النديم الذي تم السرور بـــــــه
                                 من كان يعشق رب الجا ن يهواني

وتعشق الراح مني حين اشربهـــا
                        ويسكر السكر مني حين يغشانــــي

   أي تعبير مبدع حاذق هذا , واية صورة فنية خالدة لحالة السكر الالهي فالراح هي التي تعشقه والسكر هو الذي به يسكـــــــــر وخمرته ليس هذه الخمور الدنيوية وليست نشوته نشوتهم فهي نشوة ازلية ابدية يعني بها التحدث بذكر الله تعالى في السر الخفي الذي رادف السر والنور المحمدي وفيها يتشوق الشيخ قدس سره الى الذا ت العلية وحبيبه الذى يراه في كؤوس الخمر الا لهية يقول:-

سقاني حبيبي من شراب ذوي المجد

                                     فاسكرني حقا فغبت على وجدي

وحالة السكر هذه لا تكون الا لاصحاب المواجيد فهي حالة متأتية من النظرالى الحق  تعالى  وفيه بعين القلب مستأنسا بالمشاهـــــدة والحب والجمال الالهي في ظل النشوة العظيمة التي يشعر بها وقد تسمى هذه الحالة شطحا وهي حالة فيض وجد فـــاض بقوته وزخمه وهاج لشدته وغليانه وغلبته .والشطح عند الصوفيه من الحركة انها حركة اسرار الواجدين . فالصوفي عندما يقوى وجده ولا يطيق حمل ما يرد على قلبه من سطوة انوار الحقائق الالهية  فيسطع  ذلك على لسانه  بعبارات مستغربة على مفهوم سامعها الا اذا كان من العارفين متبحرا في العلوم واستطيع تمثيل حالة الفيض بدلو ملىء بالما ء ووضع تحت سيل يصب فيه فكلما كان السيل قويا كان الفيض مثله وهذه حالة لا يستطيع ادراك قوتها الا من دخل فيها واحسها بصدق .انظر اليه يقول \–من البسيط-

لي همة بعضها يعلو على الهمــــــم
                                              ولي هوى قبل خلق اللوح والقلم

ولي حبيب بلا كيف ولا مثـــــــــــل
                                                  ولي مقام ولي ربع ولي حرم

القادرية فرسان معربـــــــــــــــــدة
                                               بين الانام وسري شاع في القدم

عصف البحار وقد اظهرت جوهرها
                                              فلم ار قدما تعلو على قدمـــــــي

    فهي تاتي جراء هيمانه ووجده ويتصور ان همته تعلو على جميع الهمم الاخرى ووجده قبل خلق اللوح والقلم وان الله تعالى منزه عن الكيفية والمثلية – ((ليس كمثله شىء وهوالسميع البصير )- سورة الشورى الاية \11

 ويشير الى ان مقامه محفوظ ومحارمه مصانة. ويشبه من تبعه من السالكين طريقته وسلوكه كالفرسان الذين لهم من البأس والقوة فأذاع شهرته وعلت منزلته بين العالمين ومع كل هذا وذاك وفي حالتي الصحو اوالسكر نجد نكران الذات لدى الصوفي تنبع من هجره ملذات الحيا ة والانشغال بذكرالله مما يشــــع من روحه الصفاء من الكدر والانانية ويجعلها تفيض بالمحبة الخالصة الصافية في سمو من الاخلاق امتثالا للحديث القدســـــــي :
( المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء –)



3-الحب الالهي  :


  ويعتبر الحب الالهي حجر الزاوية في الرؤية الصوفية وهو الذى اخرج الكون من العدم والارادة , فمحبة الحق تعالى للعبد ارادته لانعام مخصوص عليه وهي حالة تلاحظ في قلبه بلطف من العبارة وقد تحمله هذه الحالة على التعظيم له وايثار رضاه تعالى  وقلة الصبر عنه وللاهتياج اليه وعدم القرار من دونه مع وجود الاستيناس بدوام ذكره له بقلبه لقد وردت كلمة ( الحب) في القران الكريم في عدة مواضع مما يدل على انها تعني عاطفة صافية من الله تعالى نحو عبده غرسها فيه واخرى صاعدة من العبد نحو ربه حالة متبادلة بين العبد وربه فالمحبة منه اليه اودع بذورها قلوب محبيه وان الروح فيض منه تعالى وهبة منه اليهم فالحب تعبيرعن وفاء الروح لخالقها وليس جميع الارواح قادرة على الوفاء بالحب عن منة الله اليها . لذا اصبح اهل المحبة مخصوصين بهذه النعمة اصطفاهم ربهم عن سائر خلقه وقد تصل درجة المحبة فيهم الى حد الوجد فتكون مكاشفات من الحق تعالى تثير الزفير والشهيق والبكاء والانين والصعقة والصيحة وربما الصراخ ويكون ذلك اذا انقطعت الاسباب وخلص الذكر وحي القلب ورق وصفى وغرست فيه الموعظة والذكر فانبتت واورقت واثمرت وحل الذكر من المناجاة في محل قريب وخوطب فسمع الخطاب باذن واعية وقلب شاهد وسر طاهر فشاهد ما كان  فيه .

     ان التصوف بني على الحب الصادق العفيف فهو سمة بارزة للتصوف التزمه الصوفيون ايمانا بقدسيته حيث ورد كما اشرنا انفا في المصحف الشريف :
( قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله )

وفي احاديث الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم  ورد الحب بها كثيرا :
(اللهم اني اسالك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني الى حبك)

 والصوفييون يعتبرون اعمالهم تقربهم الى محبة الله تعالى لذا اصبح الحب الصوفي حبا صادقا تتعلق الروح فيه بالحضرة الالهية ومنها ظهر تاثر الشعراء الصوفيين بشعرا ء الحب العذري وتمثلوا بالفاظهم ومواجيدهم وتغنوا بالذات الالهية . وقد تبين بجلاء تام في شعر الشيخ الجيلاني قدس سره يقول في قصيدته العينية  الطويلة  :

فؤا د به  شمس  المحبه  طالع
                                       وليس  لنجم  العذل  فيه  مواقع

     ومن علائم الحب الالهي الانس وهو اقرار المشاهدة لجمال الحضرة الالهية في القلب وهذا جما ل الجلال وفيه يتجلي الشيخ قدس سره وكانه في حضرة التقريب مستأنسا بوجوده مع الحق تعالى وقد تحققت عبوديته له ووصل الى المقام الاعلى وهنا ليس للصبر مع العبد اختيار ولا ارادة بل يصل الى درجة الفناء فيه وقد اتخذ الفناء في شعر الجيلا ني قدس سره مايفصح عن كيفية هذا وتمكينه في هذا الحب منه من افناء ذاته واتحادهما في موضوعاتهما بتشويق ازلي في توكيد الذات واثباتها حيث يقول من الطويل :

تمكن مني الحب فامتحق الحشـــــــــــا
                                    واتلفني الوجد الشديد المنـــازع

وقد فتكت روحي تقارعه الهـــــــــوى
                                    وافنيت في نجو ى بما انا فازع

تلذ لي الايام اذ انت مسقمــــــــــــــــي
                                    وان تمتحني فهي عندي صنايع

  ان ذكر الله تعالى والدوام عليه في ثنايا هذا الحب العظيم  وتوكيد الاتصال الالهي الذي يشعر به اتجاه من يحب ليشير الى المنزلة العظيمة التي تحاول التقرب منها دائما ومن هنا يتبين ان الحب الالهي سر ان افصح عنه عوقب صاحبه بالموت واتهم بالكفر والعصيان وعلى هذا فان الحب الالهي عند الجيلاني قدس سره قد اخذ منحى من قبله من شعراء الصوفية في التكتم والسر وعدم البوح وتحمل مايجده من صبابة ولوعة وشوق ووجد يقول:

 فقري اليكم عن الاكوان اغناني
                                             وذكركم عن جميع الناس انساني

وقد عرفت هواكم واعترفت بــــــه
                                         وانكرت من كان في عرفي وعرفاني

ان جاء جدب فانتم غيث مخمصتي
                                             او عز خطب فاءنتم عز سلطاني

 وان يكن احد في الناس منصرفا
                                              الى  سواكم  فمالي غيركم ثاني



4- شعر الشكوى والمحنة :

                                                                                                  الشعر الزهدي اوالديني والشعر الصوفي رافد من روافده الفذة - اتسم بالشكوى من الحياة اوالدنيا والحنين الى الاخرة والجيلاني قدس سره احد شعراء الصوفية  المطالع  لشعره  او دارسه  يلاحظ  المنهج  فيه         و اضحا .وان كانت الحياة التي احياها بعيدة عن شظف العيش فيما عدا بدايات دخوله بغداد فقد تهيأت له اسباب الحياة ومسبباتها وعاش بين الوجاهة والعبادة  والرئاسة والمجاهدة والدراسة والتدريس والوعظ والحكم و الارشاد وكان فيها جميعا رأسا . ومن عاش مثله لا يشكو الا ان اتجاهه الديني وطريقته الصوفية جعلاه يحن الى خالقه هاجرا كل الدنيا الفانية شاكيا اليه تعالى بعد القرب ولا ا زيد عما ترجمته السيدة ايمان الهداوي في اطروحتها - عبد القادر الجيلاني اديبا – فانه هو ذاته الشكوى : فن شعري قديم قدم الشعر ذاته تعود اصوله الى شعر ما قبل الاسلام وقد عرف الشعر العربي الوانا  من شعر الشكوى منها الشكوى من الناس ومن الحاكمين ومن الزمن ومن ومن...

       ومن الاغراض التي وجدناها في شعر الشيخ الجيلاني قدس سره الشكوى لله تعالـــــــــــى والاستغاثة به والتعلق بر حمته فهو يبث شكواه عند الضيق لخالقه تعالى فهو ميسر لكل معسر او  صعب.  يقول في قصيدته الرائية  :                                                 :

اذا ضاق حالي اشتكيت لخالقي
                                          قدير على  تيسير كل     عسير

فما بين اطباق الجفون وحلهــا
                                                                                                        ا                                     انجبار   كسير   وانفكاك اسير

    لقد ابدع الشعر في تصوير القدرة الالهية بانطباق الجفون وحلها
 قال تعالى :
 ( انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون )– سورة يس \

      هذا من قبيل التصوير الفني الذى يدفع بموضوعات الشيخ نحو الجدة والابتكار فهو يعتمد الجرس القرآ ني وصوره الفنية .فيقول
 من البسيط  :                                                            :

يامن علا قرائ مافي القلوب وما
                                      تحت الثرى وظلام الليل منسدل

انت الغياث لمن ضاقت مذاهبــه
                                     انت الدليل لمن حارت به الحيل

انا قصدناك والامال واثقـــــــــة
                                      والكل يدعوك ملهو ف و مبتهل

فان عفوت فذو فضل وذوكــــرم
                                        وان سطوت فأنت الحكم العدل

   وهكذا تجري قصائد الشيخ الجيلاني قدس سره واشعاره في الاستغاثة والشكوى لله تعالى والتعلق برحمته وجوده وكرمه من ذلك قوله:

                وقفت بالباب دهــــرا   عسى افوز بوصلي

                من بان ترفضنـــــــي    عبد ببابك من لــي

                مالي بغيرك شغـــــــل      وانت غاية شغلي

     ان الوزن الشعري - المجتث – يموج بالكلمات ويجعل منها نشيدا جميلا لا يختلف في مكانته الفنية عن ترنيمات المحبين ومن شعره في هذا المجال قصيدته المخمسة في الرجاء والاستعطاف يقول فيها-

الهي قد انبت بباب عطفك سائلا
                                     مع  ذلة   والدمع   مني سائلا
وعلمت اني كم سألت مسائــلا
                                       حاشا لجودك ان تجنب سائلا

                  امازال في احسا ن  عفوك   يطمع

                              ********
ادعوك يارحمن غير مشبــــــه
                                     مستشفعا بالمصطفى وبولـده
فعفو لعبدك ماجنى من ذنبـــــه
                                    يارب ان فرج فعجل لي بــــه

لم يبق في قوس التجلد مدفع


                        
-----------------------------------------


الفصل العاشر

موقف الشيخ عبد القادر الجيلاني
من المذاهب  والفرق الاسلامية

       عاش الشيخ عبد القادر الجيلاني في بغداد ثلاث وسبعين سنة وهي حقبة كبيرة شهدت فيها البلاد صراعات شديدة في الاوضاع السياسية والاجتماعيه  والدينية والثقافية عامة وفي كل مجالات الحياة 0ان المجتمع هو المادة اوالوسط الذي يعمل به المصلح  على اصلاحه في حالة وجود الخلل ولما كانت بغداد هي عاصمة الدولة الاسلامية اوتكاد ومركز الخلافة العباسية أي موطن الخلفاء والامراء والقادة والقضاة وفيها المسلم وغير المسلم بكل الطبقات الفقراء والاغنياء والاولياء وغيرهم من اهل الديانات الاخرى افان المجتمع البغدادى يمثل الخلافة الاسلامية بكل مجتمعاتها في طول البلاد وعرضها.
0
       ساد المجتمع البغدادي في هذه الحقبة خلاف مذهبي عقائدي عميق وشديد بلغ اشده واوجه0 صراع بين الفرق والمذاهب الاسلامية  فقد بلغ هذا الخلاف المذهبي اشده والصراع بين الفرق الاسلامية ذروته وتحول هذا الخلاف من خلاف بالكلمة والفكر والثقافة الى صراع باليد والسلاح واراقة الدماء بين المسلمين. نعم لقد اصاب المجتمع البغدادي امراض واسواء خطيرة تراكمت على بعضها حتى بلغت اشدها في ايام الشيخ الجيلاني ومن هذه الامراض الصراعات المذهبية والطائفية والعنصرية اضافة الى المفاسد الاجتماعية  منها تفشي ظاهرة النفاق والرياء وارتكاب المآثم وظهور قطاع الطرق والعيارين  وسوء الخلق 0

      يحدثنا المؤرخون عن المعارك الدامية التي حدثت بين هذه المذاهب الاسلامية والفرق الكلامية وبين الفقهاء والصوفية وبين اطراف هذه المدارس في اطار دوائرها بحيث انقسمت الفرقة الواحدة الى اتجاهات متعددة وحركات متنوعة والحركة الواحدة الى فروع كثيرة فقامت بين هذه كلها عداوات وانفصل  بعضها عن البعض الاخر مسافات واسعة وتعالت الفواصل بينها فكانت هذه الصراعات شديدة ومحتدمة بينها الى حد المقاتلة بحيث انهكت هذه الفرق والمذاهب كلها وتوجهت الثقافة التي كانت في البداية  كتابات مبدعة في مجالات التفسير القراني واللغة والفقه الاسلامي الى ثقافات مفادها جمع اخطاء الفرق الاخرى تجمع ا خطاء الغير بغية شن الحملات الشعواء عليها ونشر اخطائها على انها  كفر او الحاد  وتحاول كل واحدة من هذه الفرق ان تظهر بمظهر الحريص على الاسلام ومبادئه وتوصم الفرق الاخرى بالكفراو الخروج عن الاسلام فاستنزفت هذه المعارك طاقات المسلمين بحيث تركتهم يخوضون في ذات المواضيع نفسها يجمعون سلبيات وادله وحجج غيرهم للنيل من خصومهم واظهار فرقهم  ومذاهبهم وقناعاتهم بانها الافضل 0 انها
 معركة خاسرة .

            استغل اعداء الاسلام وخصومه - وهم محيطون بالبلاد الاسلامية من كل طرف – انشغال المسلمين وعلمائهم بهذه الحرب الطاحنة سواء كانت فكرية  اوعقائدية  او دموية  فراحوا ينشؤن المؤلفات والموسوعات الثقافية  بثوا فيها من المعتقدات المتناقضة مع عقيدة الاسلام 0 بينما اتجه علماء المسيلمين وفقهائهم الى بث شرارة الفرقة في مسائل معينة حصر المثقفون فيها اقلامهم في دوائرة ضيقة ومتاهات كادت تطفىء الشعلة والوضاءة التي اوقدها القران الكريم والحبيب المصطفي محمد عليه افضل الصلاة والسلام 0

            لقد عايش الشيخ الجيلاني ذلك الصراع المفضي الى انشطار في الفرق الاسلامية والحركات الدينية وادرك خطرة هذا الامر المفزع 0- فهب برحمة من الله وفضله على الاسلام وتوفيق منه – لجمع الشتات وتقريب وجهات النظر وحمل نفسه مسؤلية  مواجهة هذه الخلافات وهذا التمزق في ثوب الدين فكان نداءه عاليا جليا ان العلم هو الوسيلة التي تواجه به هذه الصراعات ويستطيع بالعلم فقط ان يجمع المسلمين على كلمة سواء  بينهم  ويبسط  او يقرب هوة الخلافات والاتهامات بينهم ويقلل من حدة التنافر الحاصل بينهم والاثار السلبية  له  فصدع  للامر ورحل طلبا  للمعرفة  فاستقر المقام  يه  في مدينة  العلم   والعلماء والصالحين  وحاضرة الثقافة العربية وعاصمة حضارتها ومستقر هذه الخلافات بغداد0

           فتح   الله   سبحانه وتعالى عليه  علما من عنده ومقدرة واسعة    على الفهم والادراك والاستنتاج ومن الله سبحانه عليه ففتح امامه طريق الهداية وطريق القيادة  فارشده الى علم الشريعة  والحقيقة  ياتيه من اوسع  ابوابه عن طريق التعلم   والمجاهدة  والتتلمذ  والسؤال فراح يتنقل  بين مجالس العلم لدراسة  الشريعة الاسلامية واللغة العربية والفقه وعلوم القران والتفسيروعلم الكلام  واخذ الكثير منهم  وواصل عملية الدراسة سنوات طوال ولم يسمح  لنفسه  بتولي  مواجهة  الخلافات وتحمل  عقدة حلها او تقريب وجهات الخلاف فيها الا بعد ان اكتملت دراسته في الشريعة واشتد ساعده في كل العلوم والثقافة0

        من المعلوم ان علم الطريقة لا ياتي الا عن طريق المجاهدة  والصبر والتفكر الدائم بالحق تعالى اذ ان سلوكه صعب وشاق لذا الهمه الله تعالى المقدرة على سلوك هذا الطريق بالمجاهدة والتفكر والانشغال بذكر الله تعالى والثبات عليه فلازم اهل الحقيقة وتدرب على ايديهم ووضع  نفسه  تلميذ ا  لابرز شيوخ  اهل الطريقة  ولازمهم
اعواما  طوالا 0ونستطيع القول ان هذه السنين التي لازمهم بها هي ذات السنين التي قضاها  في الدراسة  والتعلم  ومعرفة  علم  الشريعة ب                          كل مفاهيمها وبهذ ا من الله تعالى عليه ليجمع علمي الشريعة والحقيقة علما وعملا وليكون اهلا لتحمل الهداية والدعاية وحسم الخلافات بين الفرق والمذاهب0 حيث ان الخلافات مذهبية او ذات طابع ديني وان علم الحقيقة قائم على الكتاب والسنة المحمدية0 فكل ما يخالف القران والسنة النبوية بعيد عما في نفسه وطريقته فحسم الخلافات والنازعات وحمل مسؤليتها والوقوف عليها والقدرة على حلها مهمة عظيمة  وصعبة 0

      بلغ الشيخ الجيلاني بفضل الله وعنايته في وقت واحد درجة الاستاذية في علوم الشريعة   ومرتبة القطبية  في علوم الحقيقة او في سلم الولاية  فكان في الموقع الذي يمكنه من التعامل مع كل المذاهب والفرق الموجودة في وقته بقلب مفعم بالايمان ونفس راضية مرضية مطمئنة متمكنة وفكر ثاقب قادر على مجابهة كل الصعاب وعزيمة قائمة كانها عزيمة اهل العلم و العزم  لذا اقدم على تحمل مسؤلية هذه الامور0 فتحرك ضمن خطة محكمة بالهام من الله تعالى وعونه وخطوات مدروسة مفهومة من لدنه فكان له ان يحقق الكثير الكثير في توحيد شمل المسلمين وجمع كلمتهم ولم شتاتهم واصلاح احوالهم في  تلك  المنازعات  ورد المظالم والمفاسد التي كانت موجودة والتي تصدر من الخلفاء والسلاطين الحاكمين ا والتي كانت تزحف على الامة الاسلامية من الخارج ايضا كالغزو الصليبي او الافرنج  وعدوانهم  وظلمهم فكانت مدرسته وتدريسه فيها  لتلاميذه  ومريديه والاما نة  التي الزم نفسه  بها  قوة  عظيمة في مواجهة هذا العدوان الشرس واعداد  المجاهدين  الصادقين  ممن  غرس فيهم  روح  فهم   للاسلام  سليمة 0 كفيلة بمواجهة الاعداء والانتصار عليهم
            تولى الشيخ رئاسة المدرسة المخرمية بعد وفاة استاذه اابي سعيد المخرمي  وكان لهذه المدرسة مكانة كبيرة ومنزلة عالية في بغداد وتعني هذه ان الجيلاني قد بلغ المرتبة العالية في علوم الشريعة وتعني تسلمه رئاسة دولة الصالحين وتعني وصوله الى درجة القطبية فقد اصبح وليا من اولياء الصالحين  وفقيها  متبحرا   ومتقلدا  لامور المسلمين والمسؤول عن حل مشاكلهم 0 اعتمد خطة محكمة تبدا من صفته الولي القائد ليسحب نفسه عن دائرة الصراعات المذهبية والثبات بعزم انه فوق كل الامور المخالفة  للكتاب والسنة  ليسعى  لاضفاء  صفات على تصوفه تجمع كل صفات الفرق الاسلامية والسماح لهم في دخول طريقته أي كان مذهبه فعمل على توحيد المذاهب واذابتها في طريقته الصوفية 0فنشا جيل متصوف من مذاهب شتى .

    ولما كان هؤلاء المتصوفة على مذاهب عدة استطاع بتوحيده لهم وجمع كلمتهم  ان يجعل من نفسه  مدرسة  يلتقي فيها المتصوفة من مذاهب شتى عن التزامهم الصوفي  وتتلمذهم على يد قائد  واحد  صوفي فصارت حركة  التصوف  في ظل قيادته لها موطن لهؤلاء  فتمكن الشيخ الجيلاني ان ينفتح بهم على المذاهب كلها ويستخدم هؤلاء المريدين من المتصوفين الفقهاء وسائل اقناع وتفهيم  لفرقهم  التي  ينتمون اليها او مذاهبهم لتخفيف  حدة  الصراعات  بينها  وجمع كلمتهم في ظل التصوف فكانت هذه بداية الغيث التي استطاع الجيلاني ان يحقق الكثير فيها في حل هذه المنازعات والخلافات بين المسلمين وتوحيد كلمتهم.

         من المعلوم ان الجيلاني كان حنبلي المذهب والحنابلة على خلاف واسع او قل على طرفي نقيض من  المتصوفة  فاذا  به   يجمع  بين النقيضين  فكان  متصوفا  حنبليا  على افضل ما يكون التناسق والتكامل والائتلاف بينهما  بحيث  فتح البابواسعا  لحسم الكثير من الخلافات بين الفقهاء الحنابلة والصوفيين  وقرب بينهم.

              كانت مساجد بغداد – ام الدنيا وعاصمة الثقافة- كما هي اليوم يلعب بها التفرق والخلافات المذهبية  والطائفية  فهذا  المسجد للمذهب الحنبلي  وهذا للشافعي وهذا  للحنفي  وهذا للشيعة وهذا للاشاعرة وهذا النادي  للفرقة الفلانية  وهذا للفرقةالاخرى وبين الجميع خلافات واسعة وهوة عميقة وصلت في بعض الاحيان حد الاقتتال بينها 0فالجيلاني و بعد اكتمال تعلمه  وجلوسه  في رئاسة المدرسة  المخرمية واحاطته  علما بكل  المذاهب الاسلامية المختلفة  فقد  كان من  حيث  التطبيق  على المذهب الحنبلي  مع علمه  التام  بفقه  الشافعية والحنفية  وتصدر الافتاء على كل المذاهب فكانت مدرسته جامعة  يدرس فيها طلبة  جميع  المذاهب الفقهية0
لذا فعلمه هذا  وتوجهه الصوفي قد فتح كل الابواب الموصدة لسنوات طوال ليجمع بين المتخالفين  والمتنازعبن  بحيبث   اصبحت مدرسته مرجعا  للدارسين والفقهاء  واصحاب العلوم كافة يؤمها من كل المذاهب والطوائف للدراسة والتعلم فعمل على تخفيف   حدة  الخلافات  والتنازع الطائفي  والمذهبي  بين الجميع  والتقليل من كثرتها و حقق  نجاحات باهرة في هذا المجال في احسن الدرجات0 وكذلك استغل الشيخ  الجيلاني   مجالس وعظه في جمع شمل المسلمين وتوحيدهم 0 فلما كان على درجة عالية من الكمال العلمي  والفقهي  خلال ترؤسه المدرسة المخرمية والتي سميت بعد ذلك بالمدرسة القادرية - ولا تزال- في العلم والخلق الحسن والبسيرة الفذة الحميدة – ولا عجب في ذلك  فالشيخ  الجيلاتي  سليل الدوحة  المحمدية  المطهرة  وثمرة من  ثمار هذه  الشجرة المباركة- فهذه الصفات القيادية  مكنته من امكانية  قناعة  الاخرين  بارائه بحيث رجع الكثير منهم عن ارائهم ومواقفهم  وتعصبهم  ونبذ التنافر  بينهم فكان  بحق  فقيها  بارعا  ومصلحا  اجتماعيا  وقائدا واماما على اعلى درجات العلم والوعي  والثقافة  في  حل المنازعات  والخلافات  بين الاخرين0

      واجه الشيخ الجيلاني الخلافات بين المذاهب الاسلامية بحيث اعد نفسه اعداد  متكاملا للوقوف على اراء  وافكار ووجهات  نظر اصحاب هذه المذاهب با لرجوع الى ماكتبه فقهاء هذه المذاهب والاطلاع على اقوالهم   ودراسة  حججهم  بعد  ان سحب  نفسه  من  دوائر الفرق والمذاهب المعروفة واعتبر التصوف حركة او قل دعوة اسلامية خالصة وليس مذهبا دينيا انما حركة  معبرة عن روح الاسلام  اصدق تعبير وان التصوف هو عمل بمباديء الاسلام و المعبر عنها  بالقران الكريم والسنة النبوية وان المبدء الرئيس والكلي للاسلام هو الايمان والتوحيد والعمل بما جاء بالفرائض  وهجر المحرمات أي الامر بالمعروف  والنهي عن المنكر كشعار للمسلمين كافة0 ولما كانت كل المذاهب والفرق الاسلامية متفقة على ذلك قد جعل التصوف قاعدته  وركيزته بحيث اعتبر التصوف هو الاسلام كله في حقيقته 0

         اخبرنا الحبيب المصطفى محمد صلى الله علبيه وسلم ان الاسلام سيفترق على  ثلاث وسبعين فرقة كلها ضالة الا واحدة هي من التزم بالقران الكريم والسنة النبوية المطهرة  وقد ادرك  الشيخ الجيلاتي من    خلال   دراسته  لهذه  الفرق   والمذاهب  انها كلها صحيحة بعد ان تفقه عليها   واحاط  بها علما  واقتنع نفسيا  بان كل المذاهب الاسلامية تستقي اراءها  من القران الكريم و السنة النبوية المعطرة وانها جميعا على الحق المبين في بداية الشروع في الانطلاق والتوجه وعبر السير في اتجاهات ومسارات متباعدة عن بعضها بحيث بقي كل مذهب يعتمد في سيره بهذا الاتجاه او ذاك على الكتاب والسنة أي تنبع  من  منبع  واحد  فاذن جناها او ثمرها واحد 0 ومن خلال الرجوع الى  كتاباته  يتبين  ان ظهور الفرق والمذاهب الاسلامية  مسالة لابد  منها كما حدثت في الديانات السماوية الاخري فالرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يبين في هذا الحد يث ان اليهودية  انقسمت الى احدى واربعين  فرقة كلها  ضالة الا واحدة وان المسيحية  انقسمت الى اثنتين  وسبعين  فرقة كلها ضالة  الا  واحدة
هي الاسلام وجماعتهم0
        اذن هذا الانشقاق او الانقسام في الاسلام منطقي وطبيعي كما في الديانات الاخرى من البديهي ان كل حركة منهما كانت او قل أي شيء يحمل عوامل انقسامه وكل قسم  يحمل بذور انشطاره واتقساماته0 ان هذه الانقسامات  تكون طبيعية  وتوافقية مع قانون الحياة  بان كل شيء يحمل  نقيضه وان كل شيء في حركة دائمة وتغيير مستمر ومتواصل 0
         ومن متابعة  ظاهرة هذه الانقسامات استنادا لحديث الحبيب المصطفى صلى الله عليه  وسلم ومتابعة  الايات القرانية الكريمة واحاديث اخرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تصف هذه الانقسامات وتقرها  يها  على اقرار الله تعالى على ذلك واعتبار الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لها  ظاهرة  ايجابية  فقد جاء في القران الكريم( كل حزب بما لديهم فرحون ) والرسو ل الكريم يقول ( اختلاف علماء امتي رحمة ) 0

        لقد حصر رسول الله تعالى الرحمة في اختلاف العلماء حيث انها تكون خلافات علمية تنشط الفكر وتوسع المدارك وتؤدي الى الابداع والبحث والتعقيب والدراسة وتحفز على مواصلة الاجتها د  وينتج عن ذلك نتاجات  ابداعية  فكرية  تضاف الى الابدعات الاخرى بحيث تكون ثمرة حضارية  تسهم في الابقاء على عملية  الابداع و تطورها نحو الافضل بصورة عامة و ليس هي بين العلماء فقط.

         ان النقاش والتحاور والخلاف في أي موضوع بين العلماء يوسع داءرة المعرفة  في هذا المجال اذ سيحرص كل  عالم ان  يبرز  ويوسع نظريته فيه بالحجة والبينة بقدر ما  يستطيع  وفي هذا   تنشيط  للفكر والابداع في الثقافة العامة اولا  النوع المعين  ثانيا  وان الثقافة والحضارة لاتنمو النمو المتزايد ولا تتوسع وتتعمق الا في هذا الاختلاف والا اصبحت راكدة  فالعلماء عندما  تكون  حالاتهم الفكرية   مسترخية مستسلمة خالية  من الحيوية  والابداع او قل من ا لاختلاف  فانها تبقى في مستويات ضحلة مقيدة تحول دون حركتها وتطورها وفي هذا تجميد للحركة والحضارة  والثقافة عامة  وفي الجانب المعتني   خاصة   اساس ا لاسلام التوحيد  والمبدء  الاول له  اذ قال تعالى  ( وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون)   لذا فالحكمة االالهية من الخلق هي  العبادة عبادة الله تعالى وهذا ما جاء في كل الديانات السماوية والعبادة معرفته سبحانه وتعالى وطاعته ولزوم اوامره وهجر نواهيه والقيام بالواجبات المفروضة عليه وغفرانه للانسان عن كل زلاته ان اطاع الله تعالى ولم يشرك به قال تعالى( ان الله لايغفر ان يشرك به ويغفر مادون  ذلك لمن يشاء) فمن يؤمن بالله تعالى  ولا يشرك  به شيئا  ويستند عليها  كقاعدة  اساسية في عمله وعبادته دخل الاسلام 0 لذا نرى في ضوء ايات القران الكريم ان سبحانه وتعالى يفتح ابواب رحمته امام عباد ه  المؤمنين به الذين ساروا في طريق الاسلام الصحيح في اعتمادهم على مبدأين اساسيين  بينهما رب العالمين سبحانه :
  الاول التوحيد المطلق لله تعالى وما يتفرع عن هذا الايمان من ايمان بالكتب السماوية والرسل والملائكة واليوم الاخر.
 والثاني العمل بالفرائض من صلاة وزكاة وصيام وحج ليبيت الله تعالى لمن استطاع اليه سبيلا  والنطق  بالشهادتين  في القلب  واللسان
  وكل هذا جعله الشيخ الجيلاني نبراس عمل لطريقته( الطريقة القادرية) والزم مريديه او الداخلين اليها من  كل المذاهب  والفرق   التي  دخلت الاسلام او تشعبت عنه  لذا انشا جيلا مؤمنا ايمانا صادقا من كل الفرق والمذاهب الاسلامية واذابها في بودقة واحدة جديدة اساسها الا سلام واخذ عليهم  موثقا  بشهادة انفسهم انهم موحدون طائعون عابدون لله تعالى وجعل علامة الايمان القيام بالواجبات التي فرضها الاسلام على المسلمين فمن قام بها  فهو منه ومن  تاخر ولو بنزر يسير فقد اخفق  .ومن اخفق فليس  من  طريقته في شيء.
رحم الله جدي  الشيخ الجيلاني فقد  وحد كلمة المسلمين من جديد.
             
      -------------------------------------------------------
 

            انتهى الباب  الاول ويليه الباب  الثاني







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق