الثلاثاء، 7 يوليو 2015

موسوعة (شعراء العربية ) شعراء العربية في الاندلس \ المجلد السادس الجزء الاول القسم الاول


 
موسوعة  شعراء  العربية

     
  دراسة موسوعية لشعراء الامة العربية في عشرة مجلدات



            المجلد السادس



شعـراء العربية في الاندلس



تأليف
الشاعر والباحث
د . فالح  نصيف  الحجيـة
الكيلاني
































                     المقدمة

                       بســــــــــــــــــــم الله الرحمن الرحيم


           الحمـــد لله رب العالميـــــن  والصــــلاة  والســــلام على  محمــــد  الحبيب المصطفى وآله  وصحبه  اجمعين .

      هذا هو المجلد  السادس  من موسوعتي الثانية  ( شعراء العربيــة ) بعد  ان  اتممت  منها  :  شعراء  الجاهلية  و  شعراء   صدر الاسلام  وشعراء العصر الاموي  وشعراء العصر العباسي   بقسميه الاول  والثاني  و في  هذا المجلد  اتحدث عن  شعراء  الاندلس وعدد هم  يربو على (220 ) شاعر  بما  فيهم  شعراء  الموشحات والزجل  الاندلسي  .
    
            يحتوي هذا الجزء على  ترجمة  ذا تية  وفنية  لعدد من اشهر  شعراء الدولة العربية في الاندلس  واكثرهم  عطاءا واحسنهم  نظما  واسماهم ا بداعا  وأ سماهم بلاغة  واسناهم  تجديدا  .

        وقد اعتمدت في هذا الكتاب التسلسل الزمني لسنة  الوفاة  لكل  شاعر  في تقديمه  للدراسة .

        اسال الله تعالى السداد  والتوفيق في انجاز هذه الموسوعة كي اقدمها  للفكر العربي والثقافة العربية الرائدة  كاملة  شاملة  لأكثر شعراء العربية اهمية . انه  نعم المولى ونعم النصير


                                             د.  فالح نصيف الحجية الكيلاني 
                                                العراق -  ديالى  -   بلدروز





























                  المؤلف  في سطور

       سيرة ذاتية

الاسم واللقب \ فالح نصيف الحجية الكيلاني
اسم الشهرة \   فالح الحجية
تاريخ الولادة \  بلدروز \  1\7\ 1944
البلد \ العراق - ديالى – بلدروز
 المهنة\  متقاعد
الحالة الثقافية \  شاعر وباحث                                                             
فالح الحجية شاعر وباحث  واديب عراقي معروف
 من مواليد \- العراق – ديالى- بلدروز 1944  .
                                                           
 من الاسرة الكيلانية  التي لها تاريخ عريق و ترجع بنسبها الى الشيخ عبد القادر   الكيلاني الحسني والتي انجبت العديد من الاعلام على مر العصور.   

   *   كان يشغل  مديرا  في وزارة التربية العراقية حتى إحالته الى التقاعد  2001م
*أهم مؤلفاته  "الموجز في الشعر العربي"،  ويعتبر من مراجع امهات  الكتب العربية في الأدب  والشعر عبر العصور والأزمنة، ومن اهم الموسوعات التاريخية الموضوعية في الشعر العربي في العصر الحديث، والمعاصر بكل مفرداته وأحداثه وتطوراته وفنونه وتغييراتها بما فيها عمود الشعر والشعرالحر وقصيدة النثر والشعراء وطبقاتهم وأحوالهم.
    * منح شهادة الدكتوراه  الفخرية في  الاداب  عام  2013
     * منح لقب ( امير البيان العربي ) في  شباط 2014
  فالح نصيف الحجية هو:
     -    عضو الاتحاد  العام للادباء والكتاب في العراق 1985
-         عضو الاتحاد العام للادباء  والكتاب العرب 1994
-         عضو مؤسس في اتحاد ادباء  ديالى  1984
-          عضو  مركز الادب العربي - العراق
-          عضو الاتحاد الدولي لعلوم  الحضارة الاسلامية – ممثل دولة العراق
-         عضو  الاتحاد العالمي للشعراء والمبدعين العرب \ وكيل دولة العراق
-         عضو اتحاد الاشراف الدولي
-          عضو  اتحاد المنتجين العرب - الامانة العامة لشعبة المبدعين العرب ( جامعة  الدول العربية)  المدير الاقليمي لشعبة المبدعين العرب - فرع العراق – ومستشار الامور الادبية فيها .
-         عضو اتحاد المنتجين العرب( جامعة الدول العربية ) \ امانة شعرالتفعيلة – لجنة    التقييم والتصحيح .
-          عضو  المنتدى العالمي لمكارم الاخلاق والتنمية الانسانية ( الهيئة المؤسسة )
-         عضو  اتحاد الكتاب والمثقفين العرب
-         عضو اتحاد كتاب الانترنيت العرب
-         عضو اتحاد  كتاب الانترنيت العراقيين
-          عضو اتحاد الشعراء والادباء العرب
-         عضو اتحاد  الادباء والكتاب  التونسيين
-         عضو رابطة  الادباء والكتاب العرب
-         عضو رابطة  المبدعين اليمنيين
-         عضو مؤسسة اقلام ثقافية للاعلام في العراق
-         عضو الملتقى الثقافي العربي
-  عضو منظمة الكون الشعري في المغرب

     *  اما  المقالات الكثيرة  التي كتبها الشاعر في الصحف والجلات العراقية والعربية      والاجنبية  الناطقة بالعر بية  .

  *  الا ف المقالات التي نشرها في موقعه او المواقع والمنتديات الالكترونية على النت او    الفيس  وخاصة  المجلس العلمي  وشبكة صدانا – فضاء الاديب فالح الحجية  واتحاد الكتاب والمثقفين العرب –روائع الاديب فالح الحجية  وغيرها كثير  .

* وكذلك مشاركاته في كثير من المهرجانات الادبية والثقافية في العراق و اتحاد المؤرخين العرب وكل الندوات والمهرجانات التي عقدت في ديالى سواء عربية أو عراقية اومحلية

 * له علاقات وصداقات مع العديد من الأدباء والشعراء العرب والعراقيين منهم الشاعر الفلسطيني  محمود درويش والشاعر السوداني محمد مفتاح الفيتوري والشاعرالسوري نزار قباني والشاعر العراقي سركون بولس والشاعر وليد الاعظمي والادباء والمورخين الاساتذة  منهم  عماد عبد السلام رؤوف   وسالم الالوسي  وحسين علي  محفوظ  وجلال الحنفي  وغيرهم كثير  ..
  
 ومن مؤلفات فالح نصيف الحجية الكيلاني


ا-الدواوين الشعرية :

           نفثات القلب                1978
           قصائد من جبهة القتال   1986
           من وحي الايمان          8 0 20 
           الشهادة والضريح         2010
           الحرب والايمان            2011 
            سناءات مشرقة           2014

ب – الكتب النثرية :
1 -في الادب والفن
2 -تذكرة الشقيق في معرفة اداب الطريق – دراسة وتحقيق وشرح للقصيدة التي تحمل نفس العنوان والمنسوبة للشيخ عبد القادرالكيلاني
3-الموجز في الشعر العربي \ دراسة موجزة في  الشعرالعربي عبر العصور بدءا من العصر الجاهلي وحتى عصر النهضة او الحديث ثم المعاصر اعتبر او قيم من قبل اغلب المواقع الادبية على النت - انه احد امهات الكتب العربية في الادب واللغة  في موضوع الشعر والادب       اربعة اجزاء
4-شرح ديوان الشيخ عبد القادر الكيلاني وشيء في تصوفه – دراسة شاملة في ادب الشيخ عبد القادرالكيلاني كنموذج للشعرالصوفي وشرح القصائد المنسوبة  اليه             اربعة اجزاء
5    -   كرامة فتاة ( قصة طويلة )
6-   اصول في الاسلام
7-   عذراء القرية (قصة طويلة )
8-  الاشقياء  ( مجموعة قصص قصيرة )
9-  بلدروز عبر التاريخ
10-  دراسات في الشعر المعاصر  وقصيدة النثر
11- الغزل في الشعر العربي
12– عبد القادر الكيلاني  وموقفه من المذاهب والفرق الاسلامية     دراسة
13--شرح القصيدة العينية \ مع دراسة  بحثية في شاعرها  الشيخ عبد القادر الكيلاني
14-  -مدينة بلدروز في الذاكرة
15- شذرات من السيرة النبوية المعطرة

 ج- موسوعة  التفسير الموضوعي للقران الكريم  وقد انجز منها الكتب التالية :
1-اصحاب الجنة في القران الكريم                 جزءان
2-القران في القران الكريم
3- الادعية المستجابة في القران الكريم
4-الانسان ويوم القيامة
5- الخلق المعاد في القرآن الكريم
6-يوم القيامة في القران الكريم                    جزءان

     د – موسوعة  ( شعراء العربية )   وتشمل الكتب التالية  :

1- شعراء جاهليون
2-شعراء صدر الاسلام
3- شعراء  العصر الاموي                            جزءا ن
4- شعراء  العصرالعباسي الاول                    جزءان
5- شعراء العصر العباسي  الثاني                  جزءان
6- شعراء العربية في الاندلس                      جزءان
7 - شعراء  الفترة الراكدة والعثمانية
8- شعر اء النهضة العربية
9- شعراء  الحداثة  العربية                          جزءان
10-  شعراء  المعاصرة العربية                    جزءان


     *******************************


















موسوعة  شعراء  العربية

     
  دراسة موسوعية لشعراء الامة العربية في عشرة مجلدات



            المجلد السادس

شعـراء العربية في الاندلس


                         الجزء الاول


تأليف
الشاعر والباحث
د . فالح  نصيف  الحجيـة
الكيلاني









          الشعر العربي  في بلاد الاندلس

      

           تقع  جزيرة ( البيرة ) او ( ايبيريا ) كما  يسمونها  العرب  في  اقصى الجنوب الغربي  من قارة اوربا  . يحدها من الشمال بحرالشمال    و فرنسا تحدها من الشمال والشرق اما من الجنوب فيحدها البحرالابيض المتوسط  ويحدها من جهة الغرب المحيط  الاطلسي  وتشمل في الوقت الحاضرعلى مملكة اسبانيا ومملكة البرتغال .
   لقد فتح العرب جزيرة  اسبانيا (الاندلس) في زمن الخليفة  الاموي الوليد  بن عبد الملك سنة\ 93 هجربة  عندما  وجه اليها حملة قوية بقيادة  القائد العربي ( طارق بن زياد ) ومن المفارقات النادرة  ان هذا القائد العظيم  بعد عبوره البحر من المغرب الى اسبانيا - من المضيق الذي يقع في فم البحر الابيض المتوسط  وكان يسمى مضيق ( اعمدة هرقل ) لان فيه كهف تكثر فيه الاعمدة الحجرية الطبيعية وتغير اسمه  الى مضيق( جبل طارق ) بعد عبوره وحتى هذه الساعة - احرق  كافة السفن التي اقلته هو وجنوده المقاتلين  بحيث اصبح الجيش الغازي امام امرين اما الفتح  والحياة  واما  الهزيمة و الموت المحقق فكان الجيش  العربي قاتل قتالا مريرا دفاعا  عن النفس قبل كل شيء اذ لا امل  له بالرجوع  و مستلهما من التضحية والجهاد في سبيل الله نبراسا بحيث باعوا نفوسهم لله تعالى  :
 
(  ان الله اشترى  من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون )  سورة التوبة  الاية \ 111
 فكان النصر العظيم حليفهم .

       وغزت اللغة العربية بلاد الاندلس مع الفاتحين  وانتشرت بمرور الوقت لكثرة  من رحل من العرب او البربر الساكنين في شمال افريقيا  او العرب الذين هاجروا اليها لتصبح بعد فترة لغة سكان الاندلس  وما جاورها  فقد انتقل عدد كبير من العرب الى الاندلس بعد فتحها وتمركز الحكم العربي الاموي فيها وبالاخص من الشام ومصر وبلاد المغرب.

      ولما كان الشعر متأصلا في نفوس العرب وعواطفهم كغريزة فيهم   فقد عبر معهم البحر الى البلد الجديد وليجد مناخا  طبيعيا رائعا رائقا  لم  بجدوا مثله في البلاد التي قدموا منها حيث وجدوا الجمال و البهاء والخضرة الدائمة سواءا في الجبال او السهول او ضفاف الانهار الجارية وكثرتها مما اوقد  جذوة الشعر والثقافة في نفوسهم وافكارهم  فشعروا  بالهجة  والحياة الجديدة  وانتشر فيها الشعر الا انه طغت عليه الصفة  التقليدية العربية في البدء ثم بدء التاثر في المجتمع الاسباني والطبيعة الاندلسية الجميلة فتحولت الا ندلس الى جنة  الله  في الارض .

      افتخر العرب في بلاد الاندلس بانسابهم واحسابهم  كما كانوا في المشرق  وهاجرت معهم كل امورهم  حتى عصبيتهم القبلية  بين العدنانية والقحطانية  وانتشرت كما مدحوا اقوامهم وخلفائهم  وامراءهم وهجوا اعداءهم  والمنافسين لهم فكان الشاعر الاندلسي  اول ذي بدء مقلدا للشاعر العربي في المشرق  ويحذوا حذوه ويسيرعلى نسقه فقلد ابن زيدون في شعره ا لبحتري  وقلد ابن هانىء الاندلسي  المتنبي على سبيل المثال  وغيرهم كثير  .


     ظهر الشعر في  الأندلس في ظروف تختلِف  عنها في الشرق، ظروف تتَّصل بطبيعة الارض الأندلسية وتنوُّعها والعناية بمواطن جمالها، وأخرى متَّصلة بالتكوين  الثقافي والنفسي  للسكَّان، فلأوَّل مرة يلتقي العربي  مع  أجناس  مختلفة  قوطية و لاتينيَّة  وبربريَّة  ويهوديَّة  ومسيحية  وعلى أرض واحدة،  وتعايشت ابتداءا   تحت  سمائها  الأدْيان السماوية  الثلاثة:  الإسلام والمسحية واليهودية ، فكان في البدء  يسمع صوت المؤذن إلى جانب رنين أجراس الكنائس والبِيَع، وتتحدَّث العربيَّة إلى جانب الأمازيغية، والإسبانية  وفي مرور الزمن تبلورت في بوتقة واحدة لتكون العربية هي اللغة العامة لهذه البلاد وتذوب كل اللغات فيها الا نادرا  وفي الاصقاع البعيدة  او في  البدان المجاورة او على  حدودها  وانشر الاسلام في كل اصقاعها الا ماندر.

           انتشر الشعر العربي في  بلاد الاندلس  بعد  ان دخل فاتحا
 مع الفاتحين  العرب  وسار معهم  اينما  توجهوا  فبلغ  ايطاليا  وبحر الادرياتيك  ووصل الى جزيرة صقلية  وجزيرة مالطة بل وفي كل بقعة  او جزيرة في البحر الابيض المتوسط  وحتى سواحل الاطلسي الجميع تتكلم العربية وتكتب فيها واعتبرت العربية  اللغة الرسمية لهذه  البلاد وثقافتها وعلومها  وادابها  وخاصة  الشعر فازدهر في  كل مكان  صار اليه ووجد فيه  لجزالته  ورقة اسلوبه  ووضوح معانيه  وخاصة انه نظم في هذه الاصقاع  الجديدة  الغناء بين الخضرة الدائمة والجو اللطيف  وقد اكثرالشعراء من وصف هذه الديارالجديدة ورياضها  فهذا الشاعر
   ابن سهل الأندلسي  في  قصيد ته المشهورة بالرداء الأخضر يقول :

الأرض قد لبست رداءاًأخضـرا
                                                   والطـل ينثر في رباها جـوهرا

هاجت فخلتُ الزهر كافـورا بها
                                                 وحسبتُ فيها الترب مسكا أذفرا

وكأن سوسـنها يصافـح وردها
                                                    ثغر  يقبـل  منه  خـداً أحمـرا

والنهـر ما بين الريـاض تـخاله.
                                                      سيفا تعلق في نجـاد أخضرا

 و يقول الوزير ابن الحمارة الأندلسي:

لاحَتْ قُرَاهَا بَيْنَ خُضْرَةِ أَيْكِهَا  
                                                 كَالدُّرِّ  بَيْنَ  زَبَرْجَـدٍِ  مَكْنُـون

ويقول الشاعر لسان الدين بن الخطيبفي وصف عرناطة :

غِرْنَاطَةٌ  مَا  لَهَا   نَظِيرٌ  
                                                 مَا مِصْرُ مَا الشَّامُ مَا العِرَاقُ

  مَا هِيَ  إِلاَّ  العَرُوسُ  تُجْلَى
                                                 وَتِلْكَ   مِنْ  جُمْلَةِ  الصَّدَاقِ


ويقول  الشاعر ابن سفر المريني متغنِّيًا بالأندلس ومواطن الجمال فيها:

فِي  أَرْضِ   أَنْدَلُسٍ   تَلْتَذُّ   نَعْمَاءُ   
                                                وَلا  يُفَارِقُ  فِيهَا   القَلْبَ   سَرَّاءُ

وَلَيْسَ  فِي  غَيْرِهَا  بِالعَيْشِ  مُنْتَفَعٌ   
                                               وَلا  تَقُومُ  بِحَقِّ   الأُنْسِ   صَهْبَاءُ

وَأَيْنَ يُعْدَلُ عَنْ أَرْضٍ  تَحُضُّ  بِهَا    
                                              عَلَى    المُدَامَةِ     أَمْوَاهٌ     وَأَفْيَاءُ

وَكَيْفَ لا  يُبْهِجُ  الأَبْصَارَ  رُؤْيَتُهَا  
                                               وَكُلُّ رَوْضٍ بِهَا فِي الوَشْيِ صَنْعَاءُ

   أَنْهَارُهَا  فِضَّةٌ  وَالمِسْكُ   تُرْبَتُهَا 
                                                وَالخَزُّ   رَوْضَتُهَا  وَالدُّرُّ  حَصْبَاءُ  


إنَّ السماحة التي ظلَّلت المجتمع الأندلُسي وبعده عن التعصُّب المقيت، لعِب دورًا كبيرًا في خلق التَّعايُش والتَّجانُس بين سكَّان الأندلس، كان أثره المباشر على الشِّعْر الأندلسي.

       لقد انتشر الشعر العربي  في الاندلس  حتى وصل الى منتهاه في الرقي  والتطور في  زمن  ظهور دول الطوائف  حيث ان كل امير جمع حوله الادباء  والشعراء  وبذلك حصل الشعر العربي في الاندلس  على مكانة عظيمة وثروة  ادبية  كبيرة  نتيجة هذا  التنافس  بين  الا مراء والشعراء  و الطبيعة  الخلابة التي بهرت الفكر العربي وبالاخص الشاعر  العربي  فابدع  فظهرت نتيجة هذا الابداع  معان جديدة واساليب جديدة  متطورة ومتمدنة  وظهر الموشح  في الشعر  والذي  لايزال يعد  مفخرة من مفاخر الشعر العربي في الاندلس .

       مر الشعر الأندلسي بأطوار ثلاثة: فكان منذ الفتح حتى أوائل القرن الخامس الهجري يمثل شعر التقليد لأدب المشرق، ولم يكن التقليد عجزاً عن الابتكار، وإنما شعور بالانتماء إلى الأصل كشعر ابن عبد ربه، وابن هانئ وابن شهيد، وابن دراج القسطلي.

             ونلاحظ في هذه الاطوار ان الاول  يمتدّ طيلة العهد الأموي    و تستغرق نحواً من ثلاثة قرون.وفيها  الشعراء و الكتاب الذين ظهروا فى هذه الفترة كانوا شديدي الصلّة بأرض المشرق الّتي انطلقوا منها  ومنهم  العراقي  والحجازي ,والشامي  و اليمنى  وكلّ منهم  يحن إلى الربوع الّتي فارقها. فاذا الشعراء الأولّون يتّغنون بارض نجد و بلاد الشام و اليمن  و ينظمون  قصيدهم على نحو ما كان اهل الشرق ينطمون. و لقد  ظهر التقليد  فى كلّ شيءٍ, فى المعاني و الأساليب و الأخيلة و الصورالشعرية  و الموضوعات مثل المديح و الهجاء و الرثاء و الغزل و ......
             الا انه ظهر جيل اخر ترسم شعراءه خطي من سلفهم لأنّهم كانوا شديدي التأثر بهم و لم تكن الفترة الزمنيّة كافيّة لأنّ تجعلهم يذوبون فى البيئة الجديدة, فقد ظلوا يحسون انّهم غرباء, و ظلّت صلتهم بالمشارقة و حنينهم الى مسقط رؤوس ابائهم حاضرة.  فنسجوا على منوالهم فى الاوزان و الأغراض و المعاني و الأساليب لكنّهم يقصرون عنهم تقصير المقلّد عن المبدع.  وكان ذلك واضحا فى شعرابن هانئ الاندلس و ابن عبد ربه  و ابن درّاج القسطلى بحيث كانت  على مطالع  قصائدهم  غزليّة تقليديّة وفيها  وصف للطلول و الصحراء و خيام البدووحتى الناقة .
   لكن ليس طبيعيّا أن يظلّ تقليديّا عدة قرون تقريباً, لولا أن شعراء الأندلس كانوا شديدي المحافظة على التقليد التقديم, لشعورهم بالضعف حيّال المشارقة و لكثرة ما اهتدي اليه شعراء المشرق من وجوه الإجادة و الإبداع . فكان هولاء الأندلسيون   يحاولون تقليد ابي نواس و مسلم بن الوليد و ابي تمام و البحتري و  المتنبّي و سواهم من فطتحل الشعراء في المشرق العربي فى تلك الفترة من الزمن..
      و مما امتازت به هذه المرحلة أيضا النشاط اللغوي فقد بذ ر العرب الأولون القادمون من المشرق بذورها و تعهدها على سبيل  ابو على القالي بالعناية  فتتلمذ  بعض الانداسيين علي يديه      وتخرج على يديه لفيف من الأدباء و اللغويين امثال ابن القوطيّة  مّؤلف كتاب ( الأفعال) و ابن السيّد البطليسوى صاحب كتاب  (الأقتضاب) و أبي بكر الزبيدي صاحب كتاب ( أخبار النحويين)  وغيرهم كثير.
              اما الطور الثاني  وهوطور التجديد  وفيه  ادرك الأندلسيون خلالها شخصيتهم و تحقق لهم التأثر الفعلي بالبيئة الأندلسية وانماط الحياة فيها و تعمّقت جذورالثقافة العربية  فى أراضيهم. و هكذا ظهرت ملامح التجديد فى كلّ من الشعر و النثرعلى حد سواء من غيران يزول التقليد زوالاً نهائيّاً الا انّ تقليد الشعراء الاندلسيين للمشارقة المجددين هو ذاته لا يخلو من تجديد ولعل أبرز مظاهر التجديد فى الشعر الأندلسي  بأنّ تلك الفترة  تتجلّى فى العناية بالشكل, وقد فهموا ان  الشعر عمليّة غنائيّة فنّية  فصرفوا اهتمامهم الى الموسقي و سهولةالألفاظ و رشاقة التعبير و خفّة الوزن حتّى بات الشعر الأندلسي فى هذه المرحلة يمتاز عن الشعرالعربي في المشرق  بسهولة اللفظ  وأشراق الديباجة و قرب المتناول, بحيث   ان الأندلسيين بهذه الحقبة نسوا اوطان ابائهم و اجدادهم و راحوا يصفون بيئتهم وما فيها من خصب و جمال ونضارة  خضراء  و تعلّقوا بها تعلّقا زاده حدّة ما كانوا يلقونه من عيون تتفتّح على تلك الجنان و اطماع تمتدّ الى معاقل العرب فى الأندلس.  فكان الشاعر ينفعل اشدّ الأنفال لمرأى الأرض الّتي ترعرع عليها و تكوّنت ذكرياته ايام الصبّا و الشباب بين حنايها فيغنيها  لسانه بغناء عذب رقيق فيصوّر مفاتن البلاد ومحاسنها .

        اما الطور الاخراوالمرحلة الثالثة  فهي مرحلة التجديد  وتعني المرحلة الأخيرة من نهضة الشعر الأندلسي, حيث بلغ فيها ذروته. وفيها تحررالشعرالاندلسي  من تقليد الشعرفي المشرق العربي كل التحرر, وصارت له اساليبه وفنونه  الخاصة به والمستمدة من الحياة الاندلسية الخالصة, كشعر الموشحا ت  ورثاء المدن  و الشعر الغنائي, والاستنجاد وكل فنون الشعر  الاخرى …

           أنَّ  اكتمال الشَّخصيَّة  الشعرية  الأندلسيَّة  لم  يؤدِ ّ إلى إثبات الوجدان الأندلسي المستقل فحسب؛  بل ساهم  بشكْلٍ  كبير  في ظهور إبداع أندلسي أصيل  شهِدته الأندلس، متمثِّلٍ في الموشَّحات والزَّجل، باعتبارهما  فنَّين  جديدين  في الشعر  الاندلسي  ثم العربي ، فهما يعدان  من  ثمار التطور الأندلسي.

      وقد صور الشعراء بيئتهم الرائعة ، وبرزت العوامل الأندلسية الذاتية كما في شعر ابن عبدون، وابن خفاجة، وابن سهل، وأبي البقاء الرندي، وابن خاتمة الأنصاري، ولسان الدين بن الخطيب، وابن زمرك، ويوسف الثالث ملك غرناطة، وابن فركون، وعبد الكريم البسطي.

     بسبب هذه محاكاة شعراء الاندلس للشعراء العرب في المشرق وتتبعهم أساليبهم ومعانيهم فقد تكنوا  باسمائهم  فقيل للرصافي ابن الرومي الأندلسي، ولابن دراج متنبي المغرب، ولابن هانئ الاندلسي متنبي الأندلس، ولابن زيدون بحتري الأندلس.

         وكانت ظاهرة الانتقاء من التراث من خصائص الأدب الأندلسي، فكانوا يضمنون  قصائدهم  أقوال الشعراء قبلهم  وأشعارهم وأمثالهم وكل ما صادف هوى في نفوسهم. ولقييت حركة التجديد صدى واسعا  مستحباً  في نفوس الأندلسيين، فلم  يتقيد أغلب الشعراء  بالاساليب الجاهلية او القديمة ومعانيها وأوصافها وقد نفروا من الألفاظ الوحشية  والغريبة عليهم  إلى الألفاظ المأنوسة الرقيقة، وكانت القافية الواحدة، وأوزان العروض الستة عشر ومثلها أكثر المعاني والأساليب المتوارثة في الشعر التقليدي في الأندلس.

          الاساليب الشعرية في الاندلس تتشابه مع الاساليب الشعرية في المشرق العربي  في بداية  تكوين الدولة الاندلسية  وتختلف عنها باختلافات بسيطة باختلاف شخصية الشاعر.

        وعلى العموم كان هناك اسلوب رصين ومتين بنى عليه الشعراء قصائدهم  دخلت عليه بعض من كلمات غريبة الا انه بقي جزل العبارة  فخم اللفظ   شديد سميك  البناء

      الا ان الشعراء تاثروا  بالامم الغربية  بعد اطلاعهم على عاداتهم وتقاليدهم وتغيير البيئة  عليهم  والشعراء اول الناس يتغيرون ويتاثرون بمثل هذه الامور ويهيمون بمثل هذه الاشياء  فادى هذا التغير الى تطور باساليب الشعر  فتطور الاسلوب الشعري الغنائي اولا  وما ل الشعراء الى  التحرر من القيود الشعرية  والانطلاق منها   فكانت هناك  قصائد في الشعر  في الاسلوب السهل  والتفعلية القصيرة  اة المشطورة  او قل قطعت تفاعيل الخليل الى النصف في بعض الاحيان  او الى الربع وحسب الحاجة  وموازنة  الموسيقى الشعرية  الغنائية  حيث  ظهر الموشح  في الشعر العربي   في  الاندلس  واقتبسه  الغربيون  بعد  عشرات السنين  والموشح  موسيقاه  من الاوزان الشعرية  المألوفة في الشعر العر بي  توشحت اواخره اما  بقواف  ثنائية او ثلاثية  واما  بجمل  متحدة القافية  ومتوازنة المعنى .

       اما  اساليب الشعر العربي في الاندلس على العموم  سهلة رقيقة  مفهومة المعنى جعلت الشعراء  ينظرون  الى التقدم والتحضر والرقي   ويلقون بانفسهم في  مهاوي الحياة  السعيدة المؤطرة بالرفاهية  وسبل العييش الهني   ينشدون للحياة  المرفهة  بين الروضة والجنة  وبين الغنوة والرقصة واللحن الجديد او بمعنى اخر  ينشدون ما يبهج النفس  وفق  ما املته الطبيعة الاندلسية الخضراء  فتركت هذه الطبيعة  ثروة شعرية ما زالت  تطوي الايام  وتقف  كالجبل الشامخ  في  وجه  كل الصروف الدهرية  والاحداث  الجسيمة  بقصائدها  العصماء التي هي من عيون الشعر العربي   ولا تستطيع ان تطويها الايام او تغير من مكانتها  الادبية والثقافية  رغم  مرورمئات السنين  .

       وعلى العموم فان الشعر الاندلسي  يتميز بميزات  كثيرة منها سهولة الالفاظ  وسلاسة التركيب ووضوح المعاني  كما ظهر في شعر الشعراء  وفي حركة التجديد  في الشعرالعربي  في بلاد الاندلس  مثل الموشح  وذلك لجمال الطبيعة الاندلسية  وسعة خيال الشعراء  بهذه الطبيعة وافتتانهم بها  فقد رق الشعر  وكثرت التشبيهات  البديعية والتوليدات الكلامية العجيبة فجاء ت قصائدهم رائقة التحلية في فائقة التورية.
        ومن المثير كثرة الشاعرات الاندلسيات  بالقياس الى عددهن في المشرق العربي  ومفاده ما تتمتع به المراة الاندلسية  من علم  ومعرفة وحرية شخصية   فمنهن  على سبيل المثال -  عائشة القرطبية ووولادة ابنة  الخليفة المستكفي  وحسان التميمية و حفصة الحجازية  وحمدونة بنت زياد  وغيرهن كثير .

         وستبقى هذه القصائد وذلكم الشعراء يذكروننا ان  العرب  فتحوا بلاد الاندلس وعمروها واقاموا فيها حضارة عربية  لم تكن موجودة  في المجتمع الاوربي  كله  واصبحت هذه الحضارة  رافدا من روافد النهضة  الاوربية  الحديثة  وسببا من اسباب تقدم الانسانية في الماضي والحاضر والمستقبل .

         فالشعر  العربي في الاندلس ما هو الا امتداد للشعر العربي في الشرق  فقد تشابهت  معاني الشعر الاندلسي  اول الامر و معاني الشعر العربي   في جميع مناحي الحياة والا مور التي قيل فيها  فكانه هو فكان هناك  شعر  عالى النشأة شريف المعاني  نشأ  بجانبه  شيء  من شعر المجون  والابتذال  والخلاعة  اوجدته  الطبيعة الاندلسية  الا انه قليل  وبمرور الوقت دخلتحركة التجديد الى الشعر الاندلسي كما  دخلته  في الشعر العربي الشرقي  و غالى الشعراء في المدح  الى  حد  ان  اتوا بالمستحيل  وغير المأتي  به  في وصف الممدوح في المشرق غير انه بعد الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد وتمركز الحكم فيها  واحساس الشعراء بتغيير البيئة والمجتمع  انعكس ذلك في شعرهم  فرق  ولطف  وابتعدوا عن البدوية التي  كانوا عليها الى شعر  محدث جديد   وكان  للطبيعة ومشاهدها الجميلة الحضور العظيم في الشعر العربي  الاندلسي  فتبدلت الطبيعة الصحراوية الجافة بطبيعة خصبة  خضراء قد افاض عليها الله  كل نعم  الحياة و الجمال  وحباها   بماشاء من  خير ونعمة  بين الخضرة  وعطرالورد  وظلال وارفة وطبيعة غناء تعسر الناظرين وتفح القلاب وتبهج النفس مقرونة  الجمال الخلاب لينشد الشاعر قصيدته  فيها بل هي القصيدة ذاتها .

       وكان  لاتصال العرب  بالغرب  نتيجة هذا الفتح المبارك  وتطلعهم  على عاداتهم وتقالبدهم  ان اثر هذا في تقدمهم  فكان الشعر الاندلسي  رقيق الحواشي رفيع المعاني رقيق الشعور الشعري  عذب الالفاظ جميلها واضحة  البيان   في تعبيرها  .

          كل ذلك ظهر في الشعر العربي في الاندلس  حتى تطور في معانيه وفي كل  مالبسه من اثوا ب قشيبة وحلل ناعمة رقيقة فكان الشعر الموشح  الجديد في الشعر العربي  وكذلك ظهور شعر الزجل   تبعا لما اقتضته طبيعة المجتمع هناك و حاجته الى ايجاد فن  الغناء وموسيقى  تنسجم معه .

         فترنم الشاعر  الاندلسي  بكل مايحس به  وما تفرضه عليه  ظروف الحياة الحلوة الجميلة  التي يعيشها  والطبيعة الغناء  من ابتكار في المعاني ورقتها  وانتقاء الكلمات الخفيفة الرقيقة في النفس  والخيال الواسع  والتاثير  في الاخرين . ونتج عن هذا التطور الكبير  التجديد في الشعر في قصيدته واسوبه ومعانية وفنونه  وايجا د نوع  جديد  من الشعر اسموه ( الموشحات) واخر يسمونه ( الزجل )  وسناتي  عليها  جميعا بايجاز.

      فالموشح فن من فنون  الشعر العربي استحدثه الاندلسيون بدافع الخروج على نظام القصيدة و على النهج القديم  وانسجاماً مع روح الطبيعة الجديدة كونه اقرب اندماجاً في تنوع الموسيقى الشعرية في التلحين والغناء.

        والموشح  فن جميل  من فنون الشعر العربي اتخذ قوالب بعينها في نطاق تعدد الأوزان الشعري وقد اتسعت الموشحات وتطورت لتشمل كل موضوعات الشعر وأغراضه وقد عرف  ابن سناء الملك الموشح فقال :
( الموشح كلام منظوم على وزن مخصوص وهو يتألف في الأكثر من ستة أقفال وخمسة أبيات ويُقال له التام، وفي الأقل من خمسة أقفال وخمسة أبيات ويُقال له الأقرع، فالتام ما ابتدئ فيه بالأقفال، والأقرع ما ابتدئ فيه بالأبيات).

      وقيل سمي موشحاً لأناقته وتنميقه تشبيهاً له بوشاح المرأة في زركشته وتنسيقه . فالموشحا ت سميت بذلك لأن تعدد قوافيها على نظام خاص جعل لها جرساً موسيقياً لذيذاً ونغماً حلواً تتقبله الأسماع، وترتاح له النفوس،وقد قامت القوافي فيها مقام الترصيع بالجواهر واللآلئ في الوشاح فلذلك أطلق عليها (الموشحات) أي الأشعار المزينة بالقوافي والأجزاء الخاصة، ومفردها موشح ينظم وتعني انها منظومة موشحة أي مزينة  ولهذا فلا يقال قصيدة موشحة لأن لفظ القصيدة خاص بالشعر المنظوم في البحور الستة عشر المعروفة .

     و قد نشأت الموشحات في الأندلس أواخر القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) وكانت نشأتها  في الفترة التي ازدهرت فيها الموسيقى وشاع الغناء من جانب،وقوي احتكاك العنصر العربي بالعنصر الاسباني من جانب آخر،فكانت نشأتها استجابة لحاجة فنية  حيث،أن الأندلسيين كانوا قد أولعوا بالموسيقى وكلفوا بالغناء منذ أن قدم عليهم زرياب وأشاع فيهم فنه والموسيقى والغناء إذا ازدهرا كان لازدهارهما تأثير في الشعر أي تأثير، وقد اتخذ هذا التأثير صورة خاصة في الحجاز والعراق حين ازدهر فيهما الغناء والموسيقى في العصر الأموي ثم العصر العباسي، وكذلك اتخذ هذا التأثير صورة مغايرة في الأندلس حين ازدهر فيها الغناء والموسيقى فيظهر أن الأندلسيين أحسوا بقلة انسجام القصيدة الموحدة إزاء الألحان المنوعة، وشعروا بجمود الشعر في ماضيه التقليدي الصارم أمام النغم في حاضره التجديدي المرن، وأصبحت الحاجة ماسة إلى لون من الشعر جديد يواكب الموسيقى والغناء في تنوعها واختلاف ألحانها ومن هنا ظهر هذا الفن الشعري الغنائي الذي تتنوع فيه الأوزان وتتعدد القوافي، والذي تعتبر الموسيقى أساساً من أسسه فهو ينظم ابتداء التلحين والغناءونتيجة لظاهرة اجتماعية .

     و كذلك  جاءت نتيجة لظاهرة اجتماعية حيث أن العرب امتزجوا بالأسبان، وألفوا شعباً جديداً  من العروب و الاسبان وكان من مظاهر الامتزاج أن عرف الشعب الأندلسي العامية اللاتينية كما عرف العامية العربية، أي أنه كان هناك تزاوج لغوي نتيجة للازدواج العنصري.

      واول من اخترع فن التوشيح الأندلسي مقدم بن معافى القبري،ثم ياتي بعده  اسم أحمد بن عبدربه صاحب ( العقد الفريد)  ، أما المؤلف الفعلي لهذا الفن كما أجمع المؤرخون فهو أبو بكر عبادة ثم الأعمى التطيلي كبير شعراء الموشحات، وابن باجه الفيلسوف الشاعر ، ولسان الدين بن الخطيب .

     اما في  بلاد  المشرق فكان الفضل لابن سناء الملك المصري في ذيوع  فن الموشحات في مصر والشام وهو صاحب الموشح المعروف  :

    كللي يا سحب تيجان الربى بالحلى
                                     و اجعلي  سوارها  منعطف  الجدول


      ويتكون الموشح  من أجزاء ولكل جزء من هذه الأجزاء اسم يميزه عن غيره ولمعرفة هذه الاجزاء  نقوم بتحليل هذه الموشح القصير لابن مهلهل في وصف  الطبيعة ً:


      ( النهر سلّ حساما                     على قدود الغصون 
       
                                وللنسيم مجال
                                والروض فيه اختيال      
                                 مدّت عليه ظلال

        والزهر شقّ كماما                     وجداّ بتلك اللحون

                          أما ترى الطير صاحا
                           والصبح في الأفق لاحا
                           والزهر في الروض فاحا

       والبرق ساق الغماما                 تبكي بدمع هتون  )

 فنجد  انه يتكون  كما يلي :

1. المطلع:   اصطلاح يطلق على مطلع الموشح الذي يتكون عادة من شطر أو شطرين أو أربعة أشطر وهو هنا في موشح ابن مهلهل يتكون من قسمين أو شطرين أو غصنين:            
 
         النهر سلّ حساما                     على قدود الغصون

      وقد تختلف قافية الغصنين كما هو الحال في المثال السابق،وقد تتفق كما هو الحال في إحدى موشحات ابن زهر:

فتق  المسك   بكافور  الصباح
و وشت بالروض أعراف الرياح

2. الدور: وهو مجموعة الأبيات التي تلي المطلع، ، ويتكون الدور من مجموعة من الأقسمة لاتقل عن ثلاثة وربما تزيد عن ثلاثة بشرط أن يتكرر بنفس العدد في بقية الموشح وأن يكون من وزن المطلع ولكن بقافية مختلفة عن قافيته وتلتزم في أشطر الدور الواحد. والدور في الموشح موضع التمثيل هو:

                وللنسيم مجال
                والروض فيه اختيال
                مدت عليه ظلال

3. السمط: هو كل شطر من أشطر الدور،وقد يكون السمط مكوناً من فقرة واحدة كما  في هذا الموشح  ،وربما يتألف من فقرتين.

4. القفل: هو مايلي الدور مباشرة ويسمّى أيضاً مركزاً، وهو شبيه بالمطلع في الموشح التام من جميع النواحي أي أنه شبيهه في القوافي وعدد الأغصان وليس الموشح مشروط بعدد ثابت من الأقفال. والقفل هنا  هو:
                والزهر شق كماما                وجداً بتلك اللحون

5. البيت:وهو في الموشحة غيره في القصيدة ، فالبيت في القصيدة معروف أما في الموشحة فيتكون البيت من الدور مضافاً إليه القفل الذي يليه وعلى ذلك فالبيت في موشحنا هو:
                      وللنسيم مجال  
                      والروض فيه اختيال
                       مُدّت عليه ظلال
                   والزهر شق كماما           وجداً بتلك اللحون

6. الغصن: هو كل شطر من أشطر المطلع أو القفل أو الخرجة وتتساوى الأغصان عدداً وترتيباً وقافية في كل الموشحة وقلّما يشذ الوشاح عن هذه القاعدة، وأقل عدد للأغصان في مطلع أية موشحة ـ وبالتالي في الأقفال والخرجة ـ اثنان، وكما سبق القول يجوز أن تتفق قافية الغصنين ويجوز أن تختلف، على أنه من المألوف أن تتكون أقفال الموشحة من أربعة أغصان مثل موشح لسان الدين:


         جادك الغيث إذا الغيث همى   
                                     يـازمــان الـوصـــل بالأنـدلــس 
       
         لم يـكـــن وصــلك إلا حـــلـــماً
                                         في الكرى أو خلسة المختلس

7. الخرجة: هي آخر قفل في الموشح قفل بكل شروطه، تقع في آخر الموشح و تشكل مع مايسبقها من أقفال أجزاء أساسية في بناء الموشح و لولا الأقفال والخرجة لا يمكن أن تسمى المنظومة موشحاً.
والخرجة خرجتان :
    خرجة معربة وهي التي تكون فصيحة اللفظ بعيدة عن العامية.
و خرجة رجلية أي عامية أو أعجمية  الألفاظ  وهي  المفضلة  او المستحسنة.

      استخدم الوشاحون كل موضوعات الشعر المألوفة ميادين لتواشيحهم وقد وجدت موشحات في جميع الأنواع   فاول هذه الموشحات هي الموشحات الغزلية ثم الخمرية ثم موشحات في وصف الطبيعة وكثيراً ما كانت تتشابك هذه الموضوعات وتشترك كلها في موشحة واحدة فمن أشهر الوشاحين الغزلين (الأعمى التطيلي ) فوموشحته هذه تعتبر مثلاً أعلى لفن الموشحات في الأندلس  يقول :

            سافر عن بدر
          ضاق عنه الزمان         وحواه صدري

          آه مــــــــما أجـــد       
           شفني ما أجـد

          قــــام بي وقـــــعـد                   
          باطــش متئــــد

          كــلمـــــا قلت قد     قال لي أين قد

          وانـثنى خوط بان    ذا مهـز نضير
         عـــابثــــتــــه يــــدان    للـصبا والقطر


اما  الموشح الخمري  فلاتختلف مواضيعه عن معانيها في القصيدة الشعرية في الخمر  واشهر شعراء الموشحات الخمرية  ابن بقي القرطبي الاندلسي  فيقول :

أدر لـــنــا أكــــــــواب
ينسى به الوجـد
واستصحب الجلاس
كما اقتضى العهد

دن بالهــــوى شرعاً
ما عشت ياصــــاح
ونـــــزّه الســــمـــعـــا
عن منطق اللاحي
والحـــــكم أن يدعى
إليـــك بـــــالــــراح

أنامــــل العــــنـــــاب
ونقلك الورد
حفا بصــدغي آس
يلويهــــما الخد

   ويعجبني هذا الموشح الرائع لابن المعتز الشاعر العباسي في المشرق والذي  كان المغنون  يتغنون  به  الى وقت قريب .


ياحلو  يااسمر      غنى بك السمر
رقوا ورق الهوى    في كل ما صورا

---------------------

ما الشعر ماسحره    ما الخمر ماالسكر
يندى على ثغرك      من انفاسك العنبر

--------------------------

والليل يغفو على        شعرك او يقمر
انت  نعيم الصبا       والامل الاخضر
ما لهوانا  الذي        اورق      لايثمر

-------------------------

قد كان من  امرنا    ماكان هل يذكر
نعصر من ر وحنا    اطيب ما  يعصر

----------------------------

نوحي الى الليل     ما يبهج او يسكر
نبنيه   عشا  لنا       ياحلو يا  ا سمر

------------------------------------


         اما  الموشح الخمري  فلاتختلف مواضيعه عن معانيها في القصيدة الشعرية في الخمر  واشهر شعراء الموشحات الخمرية  ابن بقي القرطبي الاندلسي  فيقول :

أدر لـــنــا أكــــــــواب
ينسى به الوجـد
واستصحب الجلاس
كما اقتضى العهد

دن بالهــــوى شرعاً
ما عشت ياصــــاح
ونـــــزّه الســــمـــعـــا
عن منطق اللاحي
والحـــــكم أن يدعى
إليـــك بـــــالــــراح

أنامــــل العــــنـــــاب
ونقلك الورد
حفا بصــدغي آس
يلويهــــما الخد


         اما  موشحات وصف الطبيعة  الاندلسية الرائعة  الخلابة  فمن افضلها  موشح  الوزير  الشاعر  ابي جعفر  احمد بن سعيد  وفيها وصف الروض ووصف النهر الذي خلع عليه الوزير الوشاح الألوان البهيجة حين سلّط شمس الأصيل على ماء النهر  المفضفض وجعل منه سيفاً مصقولاً يضحك من الزهر الأكمام، ويبكي الغمام، وينطق ورق الحمام، ويصف أيضاً جمال الحور وفتنة الروض فتوحي الشراب فيمد الشاعر أو الوشاح الأندلسي بالغزل فيقول فيها :

          ذهبت شمس الأصيل         
          فضة النهر
                             أي نهر كالمدامة
                             صيّر الظل فدامه
                             نسجته الريح لامه
                             وثنت للغصن لامه
          فهو كالعضب الصقيل         
       حف بالشـفـــر
                             مضحكاً ثغر الكمام
                             مبكــياً جفن الغمام
                             منطقاً وِرق الحمام
                             داعــــياً إلى المدام
          فلــــهذا بالـــقـــبــــول          
         خط كالسطـــر
                             وعد الحب فـــأخــــلــــف
                             واشتهى المطل وسوّف
                             ورســـــــولي قد تعرّف
                             منـــــــه بما أدري فحرف
          بالله قل يارسولي                  
          لش يغب بدري

         كما ان  هناك موشحات ظهرت في المديح والفخر  والهجاء والرثاء  والتصوف والحكمة  كثير من  الاغراض  اتجاوز عن ذكرها  خشية الاطالة .

      فالموشح والزجل قد ظهرا في وقت واحد ونرجح أن لهما أصلاً مشتركاً في البيئة الأندلسية منذ عهودها  الاولية الزَّجل هو الموشَّح المنظوم باللغة العاميَّة والزجل  فن من فنون الشعر العربي  ظهر في الاندلس فهو وليد البيئة الأندلسية  ثم تسرب او خرج إلى البيئات العربية الأخرى و انتشر فيها ويعتبر الشاعر  أبو بكر بن قزمان الذي عاش في عصر المرابطين بالأندلس هو أول من أبدع في فن الزجل  الا انه لم يكن أول من قال فيه ، بل قيلت  الأزجال  قبله بالأندلس   فهناك عدد من شعراء الأندلس من تقدموا  أبا بكر ابن قزمان  في القول فيه  و لكن هؤلاء الشعراء لم يبلغوا ما بلغه ابن قزمان  فيه .

        فالزجل نشأ  أصلا في بيئة  أندلسية  ثم انطلق  منها  إلى بيئات عربية أخرى لذا فقيمته  الحقيقية تكمن في ما استمده من واقع الحياة الشعبية العامة متمثلا في الجديد من معانيهم و حكمهم و أمثالهم ، و مبتكر اتهم وتشبيهاتهم و غيرها من أنواع مجاز الكلام  و فيما شاع من مألوف ألفاظهم و صيغهم  العامية ،فهو  يمثل  تصوير لحياتهم العامة  بافراحها  واتراحها  وبجدّها و هزلها و همومها  وعلى العموم  فهو يعد فن من فنون  الادب  الشعبي .

        والاصل  في الزجل انه درجة معينة  من درجات شدة الصوت  وهي الدرجة الجهرية  ذات الجلبة والاصداء  مثل صوت  الرعد  في السحاب او صوت  الاحجار  والحديد وكل جماد ذي صوت  ثم تغيرت  فاصبحت تعني اللعب والجلبة والصياح  ثم توسع  ليشمل اصوات المغنين  والمطربين .ومعنى الصوت العالي المُنَغَّم  و كلمة زجَّالة ما زالت تُطلق  في كثير من المناطق العربية  على جماعة الشباب الذين يجتمعون في مكان بعيد ليؤدُّوا الرقص  والغناء الصاخب بمصاحبة آلاتهم الموسيقية . واصبحت كلمة زجل في الدوائر الأدبية والغنائية مُصطلحًا يدل على شكل من أشكال النظم العربي .

       وينقسم الزجل  الى قسمين  الاول  زجل العامة  وهم عامة الناس  ويمثل الاغنية الشعبية المحلية  وتنبع تلقائيا لديهم  من وحدي حدث مغين او  حالة  يتغنى بها المرء  وفتشيع ويرددها الاخرون افرادا او جماعات   او  قد تحدث  خلال  تجرية شخصية  او من خلال حدث عام  فهو بمثابة الاغنية الشعبية الرائعة والاكثر شيوعا وغنائية .

          اما  الزجل الاخر  فهو زجل  الشعراء  المعربين  فيبدو أنه جاء بعد نشأة  زجل العامة ، و لعل  الشعراء الذين  حاولوا اداء هذا النوع من الزجل قبل عصر ابن قزمان كانوا مدفوعين إليه بالرغبة في أن تنتشر أزجالهم المصطنعة بين الطبقات المثقفة كنوع من الطرافة أو بالرغبة في أن يعرف لدى العامة معرفتهم لدى الخاصة ، و ذلك بوضع أزجال لهم يتغنون بها و لكن هؤلاء الشعراء المعربين ممن اصطنعوا الزجل اصطناعا لم يستطيعوا في مراحله الأولى أن يتخلصوا فيه من الإعراب،  و هذا ما عابه عليهم ابن قزمان حين قال، أنهم يأتون بالإعراب ، و هو أقبح ما يكون في الزجل  وقد شهد ابن قزمان للشيخ  اخطل بن نماره  واعتبره شيخ الزجالين  بسبب  سهولة زجله سلاسة طبعه و إشراق معانيه، و ومقدته  على  التصرف بأقسام الزجل  و قوافيه  افضل من   غيره .
         والزجل في تطوره  يمثل الأغنية الشعبية التي تأثرت إلى حدّ ما ببعض أشكال الموشحات  وقد شهد الزجل في  القرن السادس  أي نهاية المرابطين في الأندلس  طفرة نوعية  وانتشارا واسعا حيث كان بعض ملوك المرابطين لا يتقنون اللغة العربية  وانعكست  هذه الحالة  على  شعراء القصائد و الموشحات  حيث لم يلقوا تشجيعا من هؤلاء  الملوك والامراء فاشتهر الزجل في هذا القرن  الا انه لايغيب عن بالنا ان الضعف والوهن اخذ ينخر  في هذا المجتمع العربي وبدات تتساقط مدن الاندلس  بعد هذا القرن  بيد الاسبان واحدة بعد اخرى . اما  موضوات الزجل فهي نفسها  اغراض  اوفنون  الموشحات الاندلسية  مثل  الغزل  والمدح والخمرة ووصف الطبيعة ، و المجون و التصوف و غير ذلك من فنون الشعر التقليدية المعروفة

        وبنية  الزجل  ياتي  بأربعة  مصاريع، يلتزم  الرَّابع  منها رويًّا واحدًا  في القصيدة،  وأمَّا  الثَّلاثة  فتكون على قافية واحدة،
 وتسمَّى ( القراديات )  ومن الزجل هذه المقطوعة :

              فلا  بثقهم ينسد        ولا  نهرهم يجري
                خلو ا منا زلهم      وساروا مع  الفجر


         ولاتختلف  الفنون الشعرية او اغراضها في  بلاد الاندلس عن مثيلاتها في  المشرق العربي  او مغربه في شمال افريقيا الا قليلا وحسب متطلبات الموقع  والزمن  المعاش   وفي كل انواع الشعر  كالشعر التقليدي  او الموشح او الزجل  ومن اشهر  الفنون الشعرية الاندلسية هو فن  المدح  حيث انتقل مع العرب  الى  تلك البلاد   فقد تمجد الشعراء العرب في الاندلس  بانفسهم وانسابهم  وبالاخص عندما اشتدت  المنازعة  بين القبائل العدنانية والقحطانية في المشرق  وانتقال هذه المنازعة الى الاندلس وانشغال الناس بها في هذا البلد ايضا . ومن اشعر ماقيل   في المدْح   ما قاله الشاعر لسان الدين بن الخطيب في مدح  المعتمد بن عباد  في موشح  نادر  مطلعه :

جَادَكَ الغَيْثُ إِذَا الغَيْثُ هَمَى     
                                   يَا  زَمَانَ   الوَصْلِ   بِالأَنْدَلُسِ

       لَمْ  يَكُنْ  وَصْلُكَ  إِلاَّ   حُلُمًا     
                              فِي الكَرَى أَوْ خِلْسَةَ المُخْتَلِسِ

       وكذلك رائيَّة أبي بكر بن عمَّار في مدح المعتمد بن عباد  حيثُ استهلَّها بمدخل رائع  لوصف الطبيعة الاندلسية   يقول فيه:

أَدِرِ  الزُّجَاجَةَ  فَالنَّسِيمُ   قَدِ   انْبَرَى   
                                             وَالنَّجْمُ قَدْ صَرَفَ العِنَانَ عَنِ السُّرَى

 وَالصُّبْحُ   قَدْ   أَهْدَى   لَنَا   كَافُورَهُ    
                                           لَمَّا    اسْتَرَدَّ    اللَّيْلُ    مِنَّا    العَنْبَرَا

ثم ينتقل بعد وصْف الطبيعة إلى مدح الامير المعتمد قائلاً:

أَثْمَرْتَ رُمْحَكَ مِنْ رُؤُوسِ مُلُوكَهُمْ  
                                                لَمَّا  رَأَيْتَ  الغُصْنَ   يُعْشَقُ   مُثْمِرَا

وَصَبَغْتَ دِرْعَكَ مِنْ دِمَاءِ  مُلُوكِهِمْ  
                                                  لَمَّا  رَأَيْتَ  الحُسْنَ  يُلْبَسُ   أَحْمَرَا

وَإِلَيْكَهَا  كَالرَّوْضِ   زَارَتْهُ   الصَّبَا  
                                                وَحَنَا   عَلَيْهِ   الطَّلُّ    حَتَّى    نَوَّرَا

            اما  الهجاء  فلَم تكُن  له سوق رائجة في بلاد الأندلس ولا سيما الهجاء السياسي وذلِك لقلَّة الأحزاب السياسيَّة وعدم وجود الشعوبية وقد تميز عند بعض شُعَراء الأندلس بالتطرُّف والقسْوة،فهذا ابن حزمون مثلاً حين هجا نفسَه  هجاها بقسوة  لامثيل لها ويذكرني بهجاء الحطيئة لنفسه ويقول في ذلك :    

تَأَمَّلْتُ  فِي  المِرْآةِ  وَجْهِي   فَخِلْتُهُ      
                                    كَوَجْهِ  عَجُوزٍ قَدْ  أَشَارَتْ  إِلَى اللَّهْوِ
 إِذَا شِئْتَ أَنْ  تَهْجُو  تَأَمَّلْ  خَلِيقَتِي     
                                     فَإِنَّ  بِهَا   مَا  قَدْ  أَرَدْتَ  مِنَ  الهَجْوِ

              والغزل  كان من اهم الفنون الشعرية التي توسعت في الاندلس  وقال فيه السشعراء  الكثيرالكثير من الشعر  وكان  يؤثر على الشعراء   الطبيعة الجميلة  والحياة الناعمة  وغالبا ما يتداخل الغزل بوصف الطبيعة  كفول الشاعر  ابي الربيع الموحدى:
      لِرَكْبٍ     أَدْلَجُوا      بِسُحَيْرَةٍ    
                                                     قِفُوا سَاعَةً حَتَّى  أَزُورَ  رِكَابَهَا
       وَأَمْلأَ عَيْنِي مِنْ مَحَاسِنِ وَجْهِهَا    
                                                     وَأَشْكُو إِلَيْهَا إِنْ أَطَالَتْ  عِتَابَهاَ


     و يمتاز  الغزل الاندلسي  برقة الاسلوب  وجمال المعنى وقد انشد  او اشعر  فيه اغلب  بل  كل الشعراء العرب  في الاندلس  وتفننوا  فيه  وكانت المرأة صورة من محاسن الطبيعة، والطبيعة تجد في المرأة ظلها وجمالها، ولذا كانت الحبيبة روضاً وجنةً وشمساً، وهكذا كانت العلاقة شديدة بين جمال المرأة وبين  جمال  الطبيعة فلا تُذكر المرأة إلا وتُذكر الطبيعة  في وصف الحبيب  ووصف  لوعات الشعراء  وهواهم اليه 
ومن شعر ابن زيدون في الغزل مخاطبا حبيبته  ولادة ابنة الخليفةالمستكفي  يقول :

   اني ذكرتك بالزهراء  مشتاقا
                                 والافق طلق  ووجه الارض قد را قا

 يوم  كايام لذات  لنا انصرمت
                                بتنا لها  حين  نام    الد هر    سراقا 

        اما الرثاء فقد قلد شعراء الاندلس شعراء المشرق فيه  وتفجعوا على الميت  ووصفوا المصيبة  الواقعة  وعددوا مناقب المرثي  ومن  ذلك قول الشاعر  ابن حزمون  في رثاء  ( ابي الحملات )  قائد الاعنة  في مدينة( بلنسية )  وقد قتله نصارى ا لاسبان :
   يَا عَيْنُ بَكِّي السِّرَاجْ الأَزْهَرا ...   النَّيِّرَا  اللامِعْ
   وَكَانَ   نِعْمَ  الرِّتَاجْ  فكُسِّرَا ... كَيْ تُنْثَرَا مَدامِعْ

   وقد  تميز الرثاء  بشدة لوعته وصدق العاطفة فيه ومنه قول الشاعر الحصري في رثاء ابيه:

 ارى نير الايام   بعد   ما   اظلما
                                           وبنيان مجدي  يوم  مت  تهدما

وجسمي الذي ابلاه فقدك  ان  اكن
                                             رحلت  به فالقلب  عندك خيما

سقى الله  غيثا  من تعمد  وقفة
                                              بقبرك  ما استسقى له وترجما

وقال سلام  والثواب  جزا ء من
                                              أ لم  على  قبر الغريب    فسلما

          كما وجد نوع اخرمن الرثاء  هو رثاء الممالك والمدن  الذَّاهِبة، فكان أكثر روْعة من رثاء الشُّعراء في المشرق  فقد هالَ الشعراء  ان يَرَوا ديارَهم تسقط  بلدة بعد أُخْرى في أيدي الأسبان فبكَوْها بكاء الثَّكالى وتفجعوا عليها تفجع من فقد اولاده ومن احبهم   ومن أشهر ما قيل في هذا الضَّرب من الرثاء ( راجع مقالتي  رثاء الاندلس ) قصيدةُ أبي البقاء الرندي  التي يرْثِي فيها الأندلس بأسرها، ومطلعها:
لِكُلِّ شَيْءٍ إِذَا  مَا  تَمَّ  نُقْصَانُ   
     فَلا يُغَرَّ  بِطِيبِ  العَيْشِ  إِنْسَانُ
  ومنها هذه الابيات  يقول :
دهـى الـجزيرة أمرٌ لا عزاءَ له
                                                        هـوى لـه أُحـدٌ وانـهدْ ثهلانُ
أصابها العينُ في الإسلام فارتزأتْ
                                                       حـتى خَـلت مـنه أقطارٌ وبُلدانُ
فـاسأل(بلنسيةً) ما شأنُ(مُرسيةً)
                                                      وأيـنَ(شـاطبةٌ) أمْ أيـنَ (جَيَّانُ)
وأيـن (قُـرطبة)ٌ دارُ الـعلوم فكم
                                                     مـن عـالمٍ قـد سما فيها له شانُ
وأين (حْمص)ُ وما تحويه من نزهٍ
                                                    ونـهرهُا الـعَذبُ فـياضٌ وملآنُ
قـواعدٌ كـنَّ أركـانَ الـبلاد فما
                                                  عـسى الـبقاءُ إذا لـم تبقَ أركانُ

          اما  الوصف وما ادراك  ما الوصف في بلاد الاندلس  فقد توسع شعراء العربية في الاندلس  فيه وتاثروا بطبيعة البلاد الخصبة الخضراء الجميلة الموارد .. ومناظرها الفاتنة الساحرة بين الجبال العالية والوديان الفارهة  الغناء الوارفة الظلال روعة وجمالا تلك التي تفتح النفوس لتتيه الارواح  سادرة في ظلالها و لتغني القلوب فتطرب الافئدة وتغني لتشنف الاذان بالحانها  وتحدق العيون  بروعتها  سناء ازاهيرها  فتطيرالقلوب فيها  كالفراشات  الملونة  فتمتلىء  بنور الحب  واشراق  الزهر وعبق الشذى وخفة النسيم  وتفننوا في الوصف و تعلّق الشاعر الأندلسي ببيئته الطبيعية وهيامه بها  هياماً  مبالغا ً بلغ حدّ الحلول، إذ إن الطبيعة  شكّلت حضوراً في معظم إبداعاته الفنيّة حتى تشظّى معجمها في مختلف الفنون وبلغ هذا التمازح بين الشاعر والطبيعة مرتبة  التشخيص   ويعد وصف الطبيعة الا ندلسي من جيد الوصوف الشعرية في اللغة العربية وروعتها
    من قول الشاعر ابن خفاجة يصف روضة :-

      في روضة جنح الدجى  ظل بها
                                            وتجسمت  نو را  بها الانوا ر

   قام الغناء بها وقد نضح الندى
                                        وجه  الثرى  واسيتيقظ   النوا ر

  والماء في حلي الحباب  مقلد
                                     زرت  عليه   جيوبها    الاشجا  ر


وصقـيلة الأنوارِ تلـوي عِطـفَها         
                                                   ريحٌ  تلفّ  فروعـها  معـطار

عاطـى بها الصهباءَ أحوى أحورٌ      
                                                سَحّابُ  أذيال  السّـُرى   سحّار

والنَّورُ عِقدٌ والغصـونُ سـوالفٌ      
                                                والجذعُ   زَندٌ  والخـليج  سوار

بحديـقة مثـل اللَّمـى ظِلـاَّ بـها         
                                                وتطـلعت   شَنَبا  بها   الأنـوار

رقص القضيبُ بها وقد شرِبَ الثرى  
                                                  وشـدا   الحمامُ  وصَفَّق التيار

غَنّاء ألحَـفَ عِطفَـها الوَرَقُ النّدي    
                                                  والتـفّ  في  جَنباتها  النـوّارُ

فَتطـلّعت في كل مَـوِقع لحـظةٍ    
                                               من كل غُصـنٍ  صَفحةٌ  وعِذارُ

            وهناك اغراض اخرى غير هذه الاغراض اذ قال الشعراء في  الخمرة كثيرا  و في الزهد  وفي نظم الملاحم  والاحداث  والقصص  وفي  كل ما وقعت عليه اعين الشعراء  وهاموا به في هذه الارض ذات الطبيعة الخصبة الرائعة التي لم ير العرب  اجمل منها  في بلادهم عامة



      ********************************************











                     (  رثاء  الاندلس)


          الاندلس هذه البلاد الرائعة والارض الخصبة  والجتة  الفينانة عربها  العرب  بعد دخولهم لها  فاتحين  ونشروا العلم والادب والمعرفة  والعرفان  فيها  فاصبحت   جنة الدنيا  ومنارة  الارض  تسطع  في نور العلم  والادب  مئات من السنين  الا  انه  بعد هذا العز  والحياة السعيدة التي  شيدت عليها  تجمع  الصليبيون  من  جديد  املهم في  أ عادتها لحاضرتهم وطرد  المسلمين العرب  منها  وكان  هؤلاء  قد  دب الشقاق     بينهم  فاصبحوا  دويلات وطوائف  بدلا  من دولة واحدة قوية مستقرة  فتفرقوا ليقع الجميع في قبضة اعدائهم  اذ شجعوا كل نزاع بينهم واذكوا اواره حتى التهب  فاحرق اليابس والاخضر  حيث  قضوا عليهم  بايجاد النزاع فيما بينهم  ويث الفرقة و التطاحن بين هذه  الدويلات والممالك العربية في الاندلس  فاقتتل الاخوة فيما بينهم  شديدا وطويلا حتى اذا ضعف الجميع  احاطوا بهم من كل حدب و صوب  فقضوا عليهم  . 
        وافضل  ما انتشر في  هذه  البلاد  وظل  تراثا  خالدا  هو  الثقافة العربية في العلم  والادب  وخاصة  الشعر العربي  اذ تطور فيها  كثيرا بحيث  كان فيها  اكثر من مائتي شاعر وشاعرة  وفيهم فحول  الشعر العربي  كابن زيدون  والمعتمد بن عباد  وابن عبدون  وغيرهم كثير فكل شيء  ذهب وتلاشى الا الشعر الاندلسي  فلا زال وسيبقى خالدا  و نبراسا  للشعر العربي .
          ان السمة  و الحالة  الاسمى  لدى الشعراء العرب قديما وحديثا  انهم يحنون الى  ماضي  مجد  امتهم   فقد ذهبت الاندلس  وعادت  لتنام  في   ظلم  وغياهب  الجهل  الاوربي  في القرون الوسطى   فشرد العرب وقتلو ا شر قتل  لامثيل  لها  في التاريخ  الا انهم  احتفظت ذاكرتهم  بمجد هذه  البلاد  وكيف  عمروها  اكثر من اهلها الاصلاء  وذكر الشعراء  كل صغيرة  وكبيرة  في دواوينهم و قصائدهم وموشحاتهم التي اضحت  من روائع  الادب العربي  بل والعالمي ايضا .
        بعد ضياع الاندلس   وجد في الشعرالعربي غرض  جديد او قل فن جديد  من فنون الشعر  الا  وهو رثاء المدن  او هو بالاحرى رثاء الممالك   والمدن  التي ذهبت وثكل العرب بها  وكا ن  هذا الفن  من اهم   الاغراض  الشعرية  حيث  كان  مواكبًا  لحركة   النزاع  السياسي  راصدًا  لأحداثه مستبطنًا  دواخله  ومقومًا   لاتجاهاته.
            وكان قد  ا ثبت  سلبيات المجتمع   الأندلسي بسبب  ما انغمس  فيه  الناس في   حياة  اللهو  والترف. فالصوت  الشعري لرثاء الأندلس يخالف  الأصوات  الشعرية  الأندلسية الأخرى التي  ألفها  أهل الأندلس في  الموشحات والازجال  ووصف الطبيعة و في الغزل  وبقية الأغراض الأخرى.  فقد  كان  سقوط  مدينة (  طليطلة )  في أواخر القرن الخامس الهجري بداية المأساة؛ فهي أول بلد إسلامي يدخله الفرنسيون  وكان هذا يمثل  مصابا عظيما  هزّ النفوس هزًا عميقًا. يقول شاعر مجهول يرثي (طليطلة)  في قصيدة مطلعها:
لثُكلكِ كيف تبتسم الثغور
                                              سرورًا بعدما سبيت ثغور
طليطلة أباح الكفر منها
                                                 حماها إنّ ذا نبــأ كبـــير

         وقد  استوقفتني  ثلاث  قصائد  في الشعر الاندلسي  تعد من روائع الشعر العربي  في رثاء  بلاد الاندلس  بعد  ضياعها  وسلبها  من  ايدي العرب  الذين  عمروها  ونشروا  الثقافة  والعلم  والادب في كل ارجائها منها  عبر ت الثقافة  الى اوربا  قاطبة  فكانت  رافدا  من  روافد النهضة الاوربية الحديثة
         اما  الاولى فهي للشاعر ابي محمد  عبد المجيد بن عبدون الفهري المتوفي سنة \ 520 وكان   أديبا   شاعرا   كاتبا  مترسلا عالما  بالخبر  والأثر ومعاني الحديث وقد  أخذ الناس عنه وله  مصنف في الانتصار ل (أبي عبيد على ابن قتيبة )  ومن شعره  قصيدته  الرائية  التي رثى بها ملوك (بني الأفطس)   اذ يحشد ( ابن عبدون ) الكثير من أحداث التاريخ وتقلباته ويحكي ما أصاب الدول والممالك من مآسٍ ومحن متخذا من ذلك سبيلا  للعظة  والتأسي. وتمتاز القصيدة على طولها بحدسية  تاريخية  شعرية قوية وعاطفة جياشة  يقول  فيها:
الدهر يفجع   بعد   العين    بالأثر
                                        فما البكاء على الأشباح والصور

أنهاك   أنهاك   لا آلوك موعظة
                                          عن نومة بين ناب الليث والظفر

فالدهر حرب   وإن  أبدى مسالمة
                                       والبيض والسود مثل البيض والسمر

ولا هوادة   بين   الرأس تأخذه
                                         يد الضراب وبين الصارم الذكر

فلا  تغرنك من   دنياك   نومتها
                                          فما صناعة عينيها سوى السهر

ما لليالي   أقال   الله   عثرتنا
                                         من   الليالي   وخانتها يد الغير

في كل حين لها في كل جارحة
                                        منا جراح وإن زاغت عن النظر

تسر بالشيء   لكن كي  تغر به
                                         كالأيم ثار إلى الجاني من الزهر

كم دولة وليت   بالنصر خدمتها
                                      لم تبق منها وسل ذكراك من خبر

هوت   بدارا وفلت  غرب   قاتله
                                        وكان عضباً على الأملاك ذا أثر

واسترجعت من بني ساسان ما وهبت
                                    ولم    تدع   لبني   يونان   من  أثر

وألحقت  أختها   طسماً    وعاد على
                                       عاد   وجرهم  منها  ناقض المرر

وما أقالت ذوي الهيئات من يمن
                                      ولا أجارت ذوي الغايات من مضر

ومزقت سبأ في كل قاصية
                                            فما التقى رائح منهم بمبتكر

وأنفذت في كليب حكمها ورمت
                                       مهلهلاً بين سمع الأرض والبصر

ولم ترد على الضليل صحته
                                            ولا ثنت أسداً عن ربها حجر

ودوخت    آل ذبيان   وإخوتهم
                                        عبساً وغصت بني بدر على النهر

وألحقت بعدي بالعراق على
                                              يد ابنه أحمر العينين والشعر

وأهلكت إبرويزاً بابنه ورمت
                                            بيزدجرد   إلى  مرو   فلم يحر

وبلغت يزدجرد الصين واختزلت
                                   عنه سوى الفرس جمع الترك والخزر

ولم ترد   مواضي   رستم   وقنا
                                           ذي حاجب عنه سعدا في ابنه الغير

يوم القليب بنو بدرفنوا وسعى
                                               قليب    بدر   بمن  فيه إلى سقر

ومزقت جعفراً بالبيض واختلست
                                              من غيله حمزة    الظلام    للجزر

وأشرفت بخبيت   فوق فارعة
                                                   وألصقت طلحة الفياض بالعفر

وخضبت شيب عثمان دماً وخطت
                                                  إلى الزبير ولم تستح من عمر

ولا رعت لأبي اليقظان صحبته
                                                 ولم تزوده إلا الضيح في الغمر

وأجزرت سيف أشقاها أبا حسن
                                                 وأمكنت من حسين راحتي شمر

وليتها   إذ   فدت   عمراً بخارجة
                                           فدت علياً بمن شاءت من البشر

وفي ابن هند وفي ابن المصطفى حسن
                                           أتت   بمعضلة    الألباب   والفكر

فبعضنا    قائل   ما   اغتاله أحد
                                            وبعضنا ساكت لم يؤت من حصر

وأردت ابن زياد بالحسين فلم
                                                يبؤ بشسع له قد طاح أو ظفر

وعممت بالظبي فودي أبي أنس
                                              ولم ترد الردى عنه   قنا   زفر

أنزلت مصعباً من رأس شاهقة
                                          كانت بها مهجة المختار في وزر

ولم تراقب مكان ابن الزبير ولا
                                              راعت عياذته بالبيت والحجر

وأعملت في لطيم الجن حيلتها
                                        واستوسقت لأبي الذبان ذي البخر

ولم تدع   لأبي الذبان    قاضبه
                                            ليس اللطيم لها عمرو بمنتصر

وأحرقت شلو زيد بعدما احترقت
                                            عليه وجداً قلوب الآي والسور

وأظفرت بالوليد بن اليزيد ولم
                                          تبق الخلافة بين الكأس والوتر

حبابه حب رمان أتيح لها
                                              واحمر  قطرته  نفحة القطر

ولم تعد قضب السفاح نائبة
                                      عن رأس مروان أو أشياعه الفجر

وأسبلت دمعة الروح الأمين على
                                      دم   بفخ    لآل  المصطفى   هدر

وأشرقت جعفراً والفضل ينظره
                                       والشيخ يحيى بريق الصارم الذكر

وأخفرت في الأمين العهد وانتدبت
                                      لجعفر   بابنه     والأ    عبد   الغدر

وما وفت بعهود المستعين ولا
                                            بما   تأكد   للمعتز   من   مرر

وأوثقت في عراها كل معتمدٍ
                                           وأشرقت    بقذاها   كل   مقتدر

وروعت كل مأمون ومؤتمن
                                           وأسلمت كل منصور ومنتصر

وأعرثت آل عبّاد لعاً لهم
                                           بذيل زباء لم تنفر من الذعر

بني المظفر والأيام لا نزلت
                                        مراحل والورى منها على سفر

سحقاً ليومكم يوماً ولا حملت
                                        بمثله   ليلة   في   غابر العمر

من للأسرة أو من للأعنة أو
                                          من  للأسنة   يهديها إلى الثغر

من للظبي  وعوالي الخط قد عقدت
                                        أطراف   ألسنها   بالعي   والحصر

وطوقت  بالمنايا    السود  بيضهم
                                         فأعجب لذاك وما منها سوى الذكر

من لليراعة    أو من     للبراعة
                                           أو من للسماحة أو للنفع والضرر

أو دفع كارثة أو ردع آزفة                                                 
                                           أو قمع حادثة تعيا على القُدر

ويب السماح وويب البأس لو سلما
                                    وحسرة الدين    والدنيا   على عمر

سقت ثرى الفضل والعباس هامية
                                      تعزى إليهم   سماحاً لا إلى المطر

ثلاثة ما أرى السعدان مثلهم وأخبر
                                        ولو   غززوا   في  الحوت بالقمر

ثلاثة ما ارتقى النسران حيث رقوا
                                       وكل   ما طار   من نسر  ولم يطر

ثلاثة كذوات الدهر منذ نأوا عني
                                          مضى   الدهر لم   يربع ولم يحر

ومر من كل شيء فيه أطيبه
                                          حتى التمتع بالآصال والبكر

أين الجلال الذي غضت مهابته
                                            قلوبنا وعيون الأنجم الزهر

أين الإباء الذي أرسوا قواعده
                                            على دعائم من عز ومن ظفر

أين الوفاء الذي أصفوا شرائعه
                                                 فلم يرد أحد منها على كدر

كانوا رواسي أرض الله منذ مضوا
                                       عنها استطارت بمن فيها ولم تقر

كانوا مصابيحها فمذ خبوا عثرت
                                        هذي    الخليقة    يا لله   في سدر

كانوا شجى الدهر فاستهوتهم خدع
                                        منه بأحلام عاد في خطى الحضر

ويل أمه من طلوب الثأر مدركه
                                      منهم بأسد سراة في الوغى صبر

من لي ولا     من بهم    إن أظلمت
                                    نوبٌ ولم يكن ليلها يفضي إلى سحر

من لي   ولا من    بهم  إن عطلت
                                         سنن وأخفيت ألسن الآثار والسير

من لي ولا من بهم إن أطبقت محنٌ
                                           ولم يكن وردها يدعو إلى صدر

على الفضائل إلا الصبر بعدهم
                                            سلام    مرتقب   للأجر   منتظر

يرجو عسى وله في أختها أمل
                                             والدهر ذو عقب شتى وذو غير

 قرطت   آذان من   فيها بفاضحة
                                        على الحسان حصى الياقوت والدرر

سيارة في أقاصى الأرض قاطعة
                                          شقاشقاً هدرت في البدو والخضر

مطاعة الأمر في الألباب قاضية
                                         من المسامع ما لم يقض من وطر

ثم    الصلاة    على   المختار سيدنا
                                    المصطفى المجتبى المبعوث من مضر

والآل والصحب ثم التابعين له
                                        ما هب ريح وهل السحب بالمطر

        اما القصيدة الثانية   فهي للشاعر( عبد الله محمد محمد)  بن عبد الله بن أبي بكر القضاعي المعروف  بابن  الأبار  والمتوفي  سنة\ 658 هجرية -  1260ميلادية  وهو مؤرخ   وشاعر أندلسي وكان عالما ً في الفقه والحديث, بصيراً بالرجال والتاريخ, مُِجيداً في البلاغة والإنشاء, عمل في دوواوين الكتابة لبعض ولاة الموحدين, ولد ب(بلنسية )بالأندلس دخل في خدمة بني( عبد المؤمن) ، وفي سنة \ 635 هـجرية  أوفده( زيان بن مردنيش)  إلى( أبي زكريا الحفصي)  سلطان (تونس) الذي دخل في خدمته فيما بعد .
        رحل عن( بلنسية ) عندما  احتلها (الإفرنج ) واستقر ب(تونس ) ودخل في خدمة( أبي زكريا ) و عندما  مات ( أبو زكريا ) خلفه  ابنه ( المستنصر)  فرفع مكانته  الا ان  حساده  كثروا وقيل انهم نظموا بياتا من الشعر  باسم (ابن الابار)  يعيب فيها الخليفة(  المستنصر)ويهجوه   فامر بقتله .  وفي هذه القصيدة  يرثي  الاندلس التي ضاعت  بشعر  تتفطر  فيه الاكباد  ويتدى له الجبين  وهذه هي :

أدركْ بـخـيــلــك خـــيـــل الله أنــدلــســا
                                       إن السـبـيـل إلــــى منـجـاتـهـا دَرَسَــــا

وهب لها من عزيز النصر ما التمست
                                          فلـم يــزل مـنـك عــز النـصـر ملتمَـسـا

وحــــاشِ مــمــا تـعـانـيـه حُـشـاشـتـهـا
                                         فطالـمـا ذاقــت البـلـوى صـبـاح مـســا

يــا للجـزيـرة أضـحــى أهـلـهـا جـــزرا
ً                                         لـلـحـادثـات وأمــســى جــدهــا تـعـســا

فــــي كــــل شــارقــة إلــمــام بـائــقــة
                                        يـعـود مأتـمـهـا عـنــد الـعــدى عُـرُســا

وكـــــل غــاربـــة إجـــحـــاف نــائــبــة
                                     تثنـي الأمـان حِــذاراً والـسـرور أســى

تـقـاسـم الـــروم لا نـالــت مقـاسِـمُـهـمإ
                                       لا عـقـائـلـهـا الـمـحـجـوبـة الأنـــســـا

وفـــــي بـلـنـسـيـةٍ مـنــهــا وقــرطــبــةٍ
                                    ما ينسف النفْـس أو مـا ينـزف النَّفَسـا

مــدائــنٌ حـلـهــا الإشــــراك مبـتـسـمـاً
                                      جـــذلان وارتـحــل الإيــمــان مبـتـئـسـا

وصيّـرتـهـا الـعــوادي العـابـثـات بـهــا
                                       يستوحش الطرف منها ضعف ما أنسـا

فـمـن دسـاكـر كـانــت دونـهــا حـرســا
                                      ومـــن كـنـائـس كـانــت قبـلـهـا كـنـسـا

يـــا للمـسـاجـد عـــادت لـلـعـدى بـيـعــا
ً                                      ولـلـنــداء غـــــدا أثـنــاءهــا جَــرَســـا

لهـفـي عليـهـا إلــى استـرجـاع فائتـهـا
                                     مـدارســاً للمـثـانـي أصـبـحـت دُرُســــا

وأربُــعٍ نمـنـمـت يـمـنـى الـربـيـع لـهــا
                                    مــا شـئـت مــن خِـلَـعٍ مَوْشـيّـة وكُـسَـا

كــانــت حــدائــق لــلأحــداق مـونــقــة
                                   فصَـوَّحَ النضـرُ مــن أدواحـهـا وعـسـا

وحـال مــا حولـهـا مــن منـظـر عـجـب
                                    يستجلـس الركـب أو يستركـب الجُلُسـا

سرعان ما عاث جيش الكفـر وا حربـا
                                    عيـث الدَّبَـى فـي مغانيهـا الـتـي كبـسـا

وابـــتـــز بــزتــهــا مـــمـــا تـحـيَّـفــهــا
                                   تحيُّـف الأســد الـضـاري لـمـا افتـرسـا

فـأيـن عـيـشٌ جنـيـنـاه بـهــا خـضــراً؟!
                                   وأيــن غـصـن جنيـنـاه بـهــا سـلـسـا؟!

مـحــا محاسـنَـهـا طــــاغٍ أتــيــح لــهــا
                                       مـا نـام عـن هضمهـا يـومـاً ولا نعـسـا

ورجّ أرجــاءهــا لــمــا أحـــــاط بــهـــا
                                        فـغـادر الـشُّـم مـــن أعـلامـهـا خُـنُـسـا

خــلا لــه الـجــو فـامـتـدت يـــداه إلـــى
                                      إدراك مــا لــم تـطـأ رجـــلاه مختـلـسـا

وأكــثــر الــزعــم بالتـثـلـيـت مـنـفــرداً
                                     ولــو رأى رايــة التـوحـيـد مـــا نـبـسـا

صِـلْ حبلهـا أيهـا المولـى الرحيـم فـمـا
                                     أبقـى الـمـراس لـهـا حـبـلا ولا مـرسـا

وأحـــي مـــا طـمـســت مــنــه الــعــداة كما
                                         أحييت من دعوة المهدي ما طمسا

اـــامَ سِـــرْتَ لـنـصـر الـحــق مقتـبـسـاً
                                    وبــتَّ مــن نــور ذاك الـهـدي مقتـبـسـا

وقــمــت فـيـهــا بــأمــر الله مـنـتـصـرا
                                    كالصـارم اهتـز أو كالعـارض انبجـسـا

تمحـو الـذي كتـب التجسـيـم مــن ظـلـمٍ
                                    والـصـبـح مـاحـيــة أنــــواره الـغـلـسـا

وتقـتـضـي الـمـلــك الـجـبــار مـهـجـتـه
                                   يـوم الوغـى جـهـرة لا تـرقـب الخلـسـا

هــذي وسائلـهـا تـدعــوك مـــن كـثــب
                                   وأنـــت أفـضــل مـرجــوّ لـمــن يـئـســا

وافَــتْــكَ جــاريــةً بـالـنـجــح راجــيـــةً
                                    منـك الأمـيـرَ الـرضـا والسـيـدَ النَّـدِسـا

خـاضـت خـضـارة يعلـيـهـا ويخفـضـهـا
                                   عـبـابـه فـتـعـانـي الـلـيــن والـشـرَســا

وربــمــا سـبـحــت والــريـــح عـاتــيــة
                                   كـمـا طـلـبـتَ بـأقـصـى شـــده الـفـرسـا

تـؤم يحيـى بـن عبـد الـواحـد بــن أبــي
                                        حـفــص مقـبّـلـة مـــن تـربــه الـقـدسـا

مــلـــك تـقــلــدت الأمـــــلاك طـاعــتــه
                                       ديـنـا ودنـيــا فغـشـاهـا الـرضــا لـبـسـا

مــن كــل غــادٍ عـلـى يمـنـاه مستـلـمـا
                                        وكـــل صـــادٍ إلــــى نـعـمــاه ملـتـمـسـا

مــؤيــد لــــو رمــــى نـجــمــاً لأثـبــتــه
                                       ولــو دعــا أفـقـا لـبــى ومـــا احتـسـبـا

تالله إن الـــذي تُـرجَــى الـسـعـودُ لــــهم
                                           ما  جال في خـلـد  يومـاً ولا  هجسـا

إمــــارة يـحــمــل الـمــقــدار رايـتــهــا
                                       ودولـــة عِـزُّهــا يستـصـحـب الـقـعـسـا

يبـدي النـهـار بـهـا مــن ضـوئـه شنـبـا
                                       ويـطـلـع الـلـيـل مـــن ظلـمـائـه لَـعَـسـا

مـاضـي العزيـمـة والأيــام قـــد نـكـلـت
                                        طلـق المحيـا ووجـه الدهـر قـد عبـسـا

كــأنـــه الــبـــدر والـعـلـيــاء هــالــتــه
                                        تحـف مـن حولـه شـهـب القـنـا حـرسـا

تدبـيـره وســـع الـدنـيـا ومـــا وسـعــت
                                         وعرف معروفـه واسـى الـورى وأسـا

قامـت علـى العـدل والإحسـان دعـوتـه
                                        وأنشـرت مـن وجـود الجـود مـا رمسـا

مـــبـــاركٌ هـــديـــه بــــــادٍ سـكـيـنــتــه
                                         مــا قــام إلا إلـــى حـسـنـى ولا جـلـسـا

قــــد نــــوَّر الله بـالـتـقــوى بـصـيـرتــه
                                        فـمـا يبـالـي طــروق الخـطـب ملتـبـسـا

َبَــرى العـصـاةَ وراش الطائعـيـن فـقـل
                                       فـي الليـث مفترسـا والغـيـث مرتجـسـا

ولـــم يـغــادر عـلــى سـهــل ولا جـبــل
                                       حــيّـــاً لـقــاحــاً إذا وفــيــتَــه بَــخَــســا

فـــرُبَّ أصــيــدَ لا تـلـفــي بــــه صَــيَــداً
                                        ورُبّ أشـــوسَ لا تـلـقـى لـــه شــوســا

إلــى المـلائـك ينـمـى والـمـلـوك مـعــاً
                                         فـي نبـعـة أثـمـرت للمـجـد مــا غـرسـا

مـن ساطـع النـور صــاغ الله جـوهـره
                                        وصـــان صيـغـتـه أن تـقــرب الـدنـســا

لـــه الـثــرى والـثـريـا خـطـتــان فــــلا
                                          أعــز مــن خطتـيـه مــا سـمــا ورســـا

حسب الـذي بـاع فـي الأخطـار يركبها
                                         إلـيــه مَـحْـيـاه أن الـبـيـع مـــا وكــســا

إن السـعـيـد امـــرؤ ألـقــى بـحـضـرتـه
                                        عـصــاه محـتـزمـاً بـالـعـدل مـحـتـرسـا

فـظــل يـوطــن مـــن أرجـائـهـا حـرمــا
                                       وبـــات يـوقــد مـــن أضـوائـهـا قـبـسـا

بشـرى لعبـد إلـى الـبـاب الكـريـم حــدا
                                        آمـالـه ومــن الـعــذب المـعـيـن حـســا

كـأنـمــا يـمـتـطـي والـيـمــن يـصـحـبــه
                                        مـــن الـبـحـار طـريـقـا نــحــوه يـبـســا

فاستـقـبـل الـسـعـد وضــاحــا أســرَّتــه
                                         من صفحة غاض منها النور فانعكسـا

وقــبّـــل الــجـــودَ طـفــاحــاً غــواربـــه
                                          من راحة غاص فيهـا البحـر فانغمسـا

يــا أيـهـا المـلـك المنـصـور أنــت لـهـا
                                         علـيـاء تـوسـع أعــداء الـهـدى تعـسـا

وقـــد تـواتــرت الأنــبــاء أنــــك مَــــنْ
                                       يُحـيـي بقـتـل مـلــوك الـصـفـر أنـدلـسـاً

طـهّــر بـــلادك مـنـهــم إنــهــم نــجــس
                                       ولا طـهـارة مـــا لـــم تـغـسـل النـجـسـا

وأوطِـــئ الفـيـلـق الــجــرار أرضــهــم
                                        حـتـى يطـاطِـئ رأســاً كــل مــن رأســا

وانصـر عبيـداً بأقصـى شرقهـا شرقـت
                                       عيونـهـم أدمـعـاً تهـمـي زكـــاً وخَـسَــا

فامـلأ، هنيـئـاً لــك التمكـيـن، ساحتـهـا
                                       جُـــرْداً ســلاهــب أو خَـطّـيّــة دُعُــســا

واضــرب لـهـا مـوعـداً بالفـتـح ترقـبـه
                                        لعـل يــوم الأعــادي قــد أتــى وعـسـى
       
       اما القصيدة الثالثة  فهي  نونية ( أبي البقاء صالح)  بن يزيد بن صالح  بن موسى  بن أبي القاسم  بن علي  بن شريف الرندي الأندلسي المتوفي  سنة \684 هـ  - 1285 م) و هو من أبناء  مدينة  (رندة) قرب الجزيرة الخضراء  بالأندلس وإليها نسبته. وقيل  انه من حفظة الحديث الشريف و من الفقهاء ايضا  وقد كان بارعا في نظم الكلام شعرا ونثرا . وكذلك أجاد في المدح والغزل والوصف والزهد. إلا أن شهرته تعود إلى قصيدة نظمها بعد سقوط عدد من المدن  الأندلسية. وفي قصيدته التي نظمها ليستنصر أهل العدوة الإفريقية من (المرينيين) عندما أخذ (ابن الأحمر محمد بن يوسف)  أول سلاطين (غرناطة ) في التنازل للإسبان عن عدد من القلاع والمدن إرضاء لهم لعلهم  يبقونه  في حكمه  غير المستقر في (غرناطة ) وتعرف قصيدته ب(مرثية الأندلس) ...
        فهي واسطة العقد في شعر رثاء المدن وأكثر نصوصه شهرة وأشدها تعبيرا عن الواقع. فهي ترثي الأندلس . وفيها تصوير لما حلّ بالأندلس من  خطوب  جليلة  لا عزاء  فيها  ولا  تأسٍ  دونها  وكيف ضاعت ( قرطبة ) دار العلوم،والادب ( وإشبيليا ) معهد الفن، و(حمص ) مهبط الجمال،وكيف سقطت أركان الأندلس واحدة تلو الأخرى، وكيف أَقفرت الديار من الإسلام  فصارت المساجد  كنائس وتغير فيها  صوت  الأذان الى صوت ناقوس!، ثم يهيب (أبو البقاء الرندي ) بفرسان المسلمين وقادتهم  عبر عدوة البحر إلى المسارعة لنجدة الأندلس والمسلمين. والقصيدة هذه  يقول فيها:
لـكل شـيءٍ إذا مـا تـم نقصانُ
                                           فـلا يُـغرُّ بـطيب العيش إنسانُ

هـي الأمـورُ كـما شاهدتها دُولٌ
                                          مَـن سَـرَّهُ زَمـنٌ ساءَتهُ أزمانُ

وهـذه الـدار لا تُـبقي على أحد
                                            ولا يـدوم عـلى حـالٍ لها شان

يُـمزق الـدهر حـتمًا كل سابغةٍ
                                          إذا نـبت مـشْرفيّاتٌ وخُـرصانُ

ويـنتضي كـلّ سيف للفناء ولوْ
                                      كـان ابنَ ذي يزَن والغمدَ غُمدان

أيـن الملوك ذَوو التيجان من يمنٍ
                                           وأيـن مـنهم أكـاليلٌ وتيجانُ ؟

وأيـن مـا شـاده شـدَّادُ في إرمٍ
                                وأين ما ساسه في الفرس ساسانُ؟

وأيـن مـا حازه قارون من ذهب
                                            وأيـن عـادٌ وشـدادٌ وقحطانُ ؟

أتـى عـلى الـكُل أمر لا مَرد له
                                         حـتى قَـضَوا فكأن القوم ما كانوا

وصـار ما كان من مُلك ومن مَلِك
                                            كما حكى عن خيال الطّيفِ وسْنانُ

دارَ الـزّمانُ عـلى (دارا) وقاتِلِه
                                              وأمَّ كـسـرى فـما آواه إيـوانُ

كـأنما الصَّعب لم يسْهُل له سببُ
                                             يـومًا ولا مَـلكَ الـدُنيا سُـليمانُ

فـجائعُ الـدهر أنـواعٌ مُـنوَّعة
                                               ولـلـزمان مـسرّاتٌ وأحـزانُ

ولـلـحوادث سُـلـوان يـسهلها
                                            ومـا لـما حـلّ بالإسلام سُلوانُ

دهـى الـجزيرة أمرٌ لا عزاءَ له
                                            هـوى لـه أُحـدٌ وانـهدْ ثهلانُ

أصابها العينُ في الإسلام فارتزأتْ
                                         حـتى خَـلت مـنه أقطارٌ وبُلدانُ

فـاسأل(بلنسيةً) ما شأنُ(مُرسيةً)
                                         وأيـنَ(شـاطبةٌ) أمْ أيـنَ (جَيَّانُ)

وأيـن (قُـرطبة)ٌ دارُ الـعلوم فكم
                                        مـن عـالمٍ قـد سما فيها له شانُ

وأين (حْمص)ُ وما تحويه من نزهٍ
                                          ونـهرهُا الـعَذبُ فـياضٌ وملآنُ

قـواعدٌ كـنَّ أركـانَ الـبلاد فما
                                         عـسى الـبقاءُ إذا لـم تبقَ أركانُ

تـبكي الحنيفيةَ البيضاءُ من أسفٍ
                                         كـما بـكى لـفراق الإلفِ هيمانُ

عـلى ديـار مـن الإسلام خالية
                                        قـد أقـفرت ولـها بالكفر عُمرانُ

حيث المساجد قد صارت كنائسَ
                                        مافـيـهنَّ إلا نـواقيسٌ وصُـلبانُ

حتى المحاريبُ تبكي وهي جامدةٌ
                                         حـتى الـمنابرُ ترثي وهي عيدانُ

يـا غـافلاً وله في الدهرِ موعظةٌ
                                       إن كـنت فـي سِنَةٍ فالدهرُ يقظانُ

ومـاشيًا مـرحًا يـلهيه مـوطنهُ
                                      أبـعد حمصٍ تَغرُّ المرءَ أوطانُ ؟

تـلك الـمصيبةُ أنـستْ ما تقدمها
                                      ومـا لـها مع طولَ الدهرِ نسيانُ

يـا راكـبين عتاق الخيلِ ضامرةً
                                       كـأنها فـي مـجال السبقِ عقبانُ

وحـاملين سـيُوفَ الـهندِ مرهفةُ
                                       كـأنها فـي ظـلام الـنقع نيرانُ

وراتـعين وراء الـبحر في دعةٍ
                                          لـهم بـأوطانهم عـزٌّ وسـلطانُ

أعـندكم نـبأ مـن أهـل أندلسٍ
                                        فـقد سرى بحديثِ القومِ رُكبانُ ؟

كم يستغيث بنا المستضعفون وهم
                                        قـتلى وأسـرى فما يهتز إنسان؟

لمـاذا الـتقاُطع في الإسلام بينكمُ
                                             وأنـتمْ يـا عـبادَ الله إخـوانُ ؟

ألا نـفـوسٌ أبَّـياتٌ لـها هـممٌ
                                        أمـا عـلى الخيرِ أنصارٌ وأعوانُ

يـا مـن لـذلةِ قـومٍ بعدَ عزِّهمُ
                                          أحـال حـالهمْ جـورُ وطُـغيانُ

بـالأمس كـانوا ملوكًا في منازلهم
                                      والـيومَ هـم في بلاد الكفرِّ عُبدانُ

فـلو تـراهم حيارى لا دليل لهمْ
                                           عـليهمُ مـن ثـيابِ الـذلِ ألوانُ

ولـو رأيـتَ بـكاهُم عـندَ بيعهمُ
                                        لـهالكَ الأمـرُ واستهوتكَ أحزانُ

يـا ربَّ أمّ وطـفلٍ حـيلَ بينهما
                                            كـمـا تـفـرقَ أرواحٌ وأبـدانُ

وطفلةً مثل حسنِ الشمسِ إذ طلعت
                                         كـأنـما هي يـاقـوتٌ ومـرجـانُ

يـقودُها الـعلجُ لـلمكروه مكرهةً
                                        والـعينُ بـاكيةُ والـقلبُ حيرانُ

لـمثل هـذا يذوبُ القلبُ من كمدٍ
                                      إن كـان فـي القلبِ إسلامٌ وإيمانُ



 **********************************

  













          الشـــــــــــعــرا ء












                         



              عبد الرحمن الداخل


         هو عبد  الرحمن  بن  معاوية   بن هشام ابن عبد الملك بن مروان  بن الحكم بن  أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الاموي وهو الذي هاجر من الشام الى الاندلس فدخلها واسس فيها الدولة  الاموية في الاندلس  فسمي ( عبد الرحمن الداخل )  واسماه   ابو  جعفر المنصور الخليفة  العباسي  ( صقر قريش) .
  ويعد احد  عظماء  العالم .

       ولد في دمشق  سنة \113 هجرية   - 722ميلادية  -  ونشأ  يتيماً ( مات أبوه    وهو صغير ) فتربى في بيت الخلافة الاموية . ولما انتهى حكم الأمويين في الشام  بقيام الدولة العباسية  في العراق عام \132 هجرية – 741 ميلادية . فتعقب العباسيون رجال الامويين وابنائهم  بالفتك والأسر، الا ان عبد الرحمن  قد افلت  منهم ، وأقام  في قرية على الفرات. فتتبعه  العباسيون  فأوى إلى  بعض الأدغال  حتى أمن، ثم  هاجر  نحو  الغرب  فقطع   فلسطين  و مصر قاصدا المغرب،  فبلغ شمال  إفريقيا  فلج  عاملها (عبد الرحمن بن حبيب الفهري) بطلبه، فانصرف إلى ميدينة (مكناس) المغربية   وقد  لحق  به مولاه  ( بدر ) بنفقة من اموال  وجواهر كان قد طلبها من أخته (أم الأصبع)  ثم تحول إلى منازل مدينة ( نفزاوة ) وهم جيل من البربر كانت  أمه منهم فهم اخواله . فأقام  مدة  يكاتب  يعرفهم في الأندلس  من الأمويين  ليمهدوا له طريق الوصول  والعون . وبعث إليهم ( بدراً ) مولاه، فأجابوه  وسيروا  له مركباً  فيه جماعة من كبرائهم، وأبلغوه  طاعتهم له، ثم عادوا  به  إلى الأندلس  فأرسى  مركبهم  سنة\ 138هـجرية - 755 ميلادية  في( المنكب ) ثم  انتقلوا  به  إلى ( إشبيلية)  ومنها  إلى( قرطبة ) ، فقاتلهم  والي الأندلس ( يوسف  بن عبد الرحمن الفهري ) فاتصرعبد الرحمن الأموي وجماعته ، ودخل ( قرطبة )  منتصرا واستقر بها  اميرا. وبنى فيها القصر وعدد من المساجد. وجعل خطبته في الاندلس للمنصور العباسي  فاطمأن  إليه أهل الأندلس ولقبه الخليفة العباسي المنصور ( صقر قريش ) لشجاعته وبسالته  وتاسيسه دولة في الاندلس . ولما  انتظم  له الأمر واستوثق  بقوته  أعلن استقلال امارته في قرطبة ومنع الخطبة للعباسيين وجعلها له في كل المساجد .  فلما استقر  تاقت  نفسه الى  اهله فذكرهم وذكر غربته  فيقول:

تبدت   لنا   وسط   الرصافة     نخلة    
   تناءت بأرض الغرب عن بلد    النخل

فقلت  شبيهي  في  التغرب     والنوى  
    وطول التنائي عن  بني  وعن    أهلي

نشأت  بأرض   أنت   فيها     غريبة    
   فمثلك  في  الإقصاء  والمنتأى    مثلي

سقتك غوادي المزن من صوبها الذي    
   يسح  ويستمري   السماكين     بالويل

      كان  صقر قريش  يتسم بالحزم  وسرعة  النهضة في طلب الخارجين عليه ،و لا يخلد إلى راحة، ولا يكل الأمور إلى غيره  ولا ينفرد برأيه، شجاعاً، مقداماً شديد الحذر سخياً  لسناً،اديبا شاعراً،عالماً،خطيبا  فقيل كان  يقاس  بالمنصور  في  حزمه وشدته  وضبطه  الملك. وبنى ( الرصافة ) بجوار(قرطبة ) وهي جزء منها  . وكان عبد الرحمن الداخل  خطيبًا  مفوَّهًا  يرتقي المنابر ويعظ الناس، فقد نشأ في بيت الإمارة، وهكذا الأمراء في ذلك العصر و كان  شاعرًا مرهف الحسِّ وقد  تذكر اخته  وهو يقف بجانب نخلة في حديقة من حدائق ( قرطبة) فانشأ يقول:

يَا نَخْلُ أَنْتِ غَرِيبَةٌ مِثْلِي
                                    فِي الْغَرْبِ  نَائِيَةٌ عَنِ الأَصْلِ

فَابْكِي وَهَلْ تَبْكِي مُكَيَّسَةٌ
                                   عَجْمَاءُ  لَمْ تُطْبَعْ  عَلَى خَيْلِ؟

لَوْ أَنَّها تَبْكِي إذًا لَبَكَتْ
                                   مَاءَ  الْفُرَاتِ   وَمَنْبِتَ  النَّخْلِ

لَكِنَّهَا  ذَهِلَتْ  وَأَذْهَلَنِي
                                   بُغْضِي بَنِي الْعَبَّاسِ عَنْ أَهْلِي

        و كان عبد الرحمن بن معاوية وافر العزم شديد والدهاء ثابت الحزم والصرامة  شديد الحذر، قليل  الطمأنينة،  لذا تمكن  بدهائه وبحملاته المتوالية على المتمردين على سلطته سواء من العرب أو البربر بعد استخدم فيها  كل  الوسائل  المتاحة له في إقرار الأمر في يده، بما في ذلك سلاح الشدة والقوة وحتى الغدر والاغتيال وإزهاق الأرواح دون تردد، فغيّر  بذلك  فكرة  الاندفاع  وراء العصبية والقبلية التي  كانت  سائدة في الاندلس  في ذاك الوقت  وغيّرها  إلى الخضوع  والانقياد  لسلطة الدولة في (قرطبة ) .

     كان عبد الرحمن  شاعرًا مجيدًا وكان  يحن الى الشام ويتشوق لها  ومن شعره هذه الأبيات التي تعبر عن شوقه لربوع الشام التي نشأ فيها، حيث قال:

أيها الركـب الميــمم أرضي           
                                   أقر من بعضي السلام لبعضي

إن جسمـي كما علمت بأرض  
                                       وفــؤادي ومـالـكيــه بأرض

قـدّر البيـــن بيننـا فافترقنا     
                                وطوى البين عن جفوني غمضي

قد قضى الله بالفراق علينا     
                                  فعسى باجتمـاعنا سوف يقضي

        بعد ان استقر له  الامر من  خلال استخدام  تلك  الطباع القاسية  اخذ يقعد للعامة ويستمع منهم   وينفذ مايريدون  وينظر بنفسه فيما بينهم. وكان من عاداته، أن يأكل معه من أصحابه من أدرك وقت  طعامه، - وتلك  عادات العرب الاصيلة - ومن وافق ذلك من  طلاب  الحوائج  أكل معه وكذلك  حاول استمالة غير المسلمين  اليه  فكان  لين الجانب مع النصارى، يسير  معهم  بسياسة الاعتدال والمهادنة، وجعل لهم رئيسًا يسمى (القومس)  اقامه  إلى  جواره في قرطبة ويستشيره  في  كثير من الأمور التي تخص عمله .

 تُوُفِّي  عبد الرحمن الداخل (صقر  قريش)بقُرْطُبَة  في جُمادى الأولى من سنة \ 172هـجرية – الموافق لشهر تشرين أكتوبر 788ميلادية ودفن فيها  وكانت عاصمة ملكه .

      يتميز شعره بشعر المشرق في العراق والشام ونسج على منواله و كانت له مكانته المرموقة في قلوب الأندلسيين لأنه مهبط الوحي ومصدر الحضارة ومهد الفكر العربي المبدع. وقد ظهرت آثار التقليد والمحاكاة جلية في الشعر الاندلسي في وقته وبعده سنوات طويلة  يقول :

دعني   وصيد   وقع     الغرانق  
                                  فإن همي في  اصطياد    المارق

في نفق إن  كان  أو  في    حالق  
                                  إذا   التظت   لوافح     الضوائق

كان  لفاعي   ظل   بند     خافق   
                                    غنيت عن روض وقصر شاهق

بالقفر    والإيطان      بالسرادق     
                                   فقل  لمن  نام   على     النمارق

إن  العلا   شدت   بهم     طارق    
                                  فأركب   إليها   ثبج     المضائق

 واختم بحثي بهذه الابيات من احدى قصائده :

شتان من  قام ذا    امتعاض  
                                      منتضى  الشفرتين    نصلا

فجاب  قفراً  وشق    بحراً   
                                        مسامياً     لجة     ومحلا

فشاد   مجداً   وبز     ملكاً   
                                       ومنبراً   للخطاب     فصلا

وجند  الجند  حين    أودى   
                                         ومصر المصر حين أخلى

ثم   دعا    أهله      جميعاً   
                                        حيث أنتأوا أن  هلم    أهلا

فجاء  هذا   طريد     جوع    
                                       شريد   سيف   أباد     قتلا

فنال   أمناً   ونال     شبعاً  
                                         وحاز  مالاً  وضم   شملا

ألم يكن حق  ذا  على    ذا   
                                       أعظم  من  منعم     ومولى




             **************************




         الشاعرة حسانة التميمية



        هي حسانة بنت عاصم ( ابو المخشي) بن زيد بن يحي بن حنظلة بن علقمة بن عُدي بن زيد بن حمّاد بن أيّوب العبّادي التميمي ، كان ابوها  من أهل الأندلس وكان والده ( جدها ) من جند الشام ، إتّجه أبي المخشي إلى مجال الشعر ونبغ فيه حتّى أصبح لامعاً .

      ولدت في أواخر حُكم عبد الرحمن الأوّل أي بحدود سنة \140 هجرية  -  758  ميلادية ، وتعتبر من أقدم الشاعرات العربيات  في الأندلس ، كان أبوها أبو المخشي شاعراً مميّزاً في الأندلس ، ولمّا توفي أبوها كتبت حُسّانة إلى الحَكَم تمدحه وتشكو ما آلت إليه حالها بعد فقدان أبيها في قصيدة ميمية  منها قولها :

إني إليك أبا العاصِ موجِعةً
                                       أبا الحسين سَقته الواكفُ الدّيم

قد كنت أرتع في نعماه عاكفة
                                        فاليوم آوي إلى نعماك يا حكم

أنت الإمام الذي انقاد الأنام له
                                        وملكته  مقاليد  النهى   الأمم

لاشيء أخشى إذا ماكنت لي كنفا
                                      آوي  إليه  ولا  يعرو  لي العدم

لازلت بالعزة القعساء مرتدياً
                                       حتى  تذل  إليك العرب  والعجم


فإستحسن الحكم شعرها وجعل لها راتباً وكتب إلى عامله على (البيرة ) فجهزها بجهاز حسن .

       ووفدت على  عبد الرحمن  بشكية  من عامله جابر بن لبيد والي  ( البيرة)  وكان الحكم قد وقع لها بخط يده تحرير أملاكها فلم يفدها  فدخلت إلى الإمام عبد الرحمن فأقامت بفنائه وتلطفت مع بعض نسائه حتى أوصلتها إليه وهو في حال طرب وسرور فانتسبت إليه فعرفها وعرف أباها ثم أنشدته:

إلى ذي الندى والمجد سارت ركائبي
على شحط تصلى بنار الهواجر

ليجبر صدعي أنه خير جابر
 ويمنعني من ذي الظلامة جابر

فإني وأيتامي بقبضة كفه كذي
 ريش أضحى في مخالب كاسر

جدير لمثلي أن يقال مروعة لموت
 أبي العاصي الذي كان ناصري

سقاه الحيا لو كان حياً لما اعتدى
على زمان باطش بطش قادر

أيمحو الذي خطته يمناه جابر
 لقد سام بالأملاك إحدى الكبائر

       ولما فرغت رفعت اليه خط والده وحكت جميع أمرها. فرق لها وأخذ خط أبيه فقبله ووضعه على عينيه وقال:
-         تعدى ابن لبيد طوره حتى رام نقض رأي الحكم، وحسبنا أن نسلك سبيله بعده ونحفظ بعد موته عهده، انصرفي يا حسانة فقد عزلته لك.
  ووقع لها بمثل توقيع أبيه الحكم. فقبلت يده وأمر لها بجائزة، فانصرفت ولما وصلت مسكنها بعثت إليه بقصيدة منها:

ابن الهشامين خير الناس مأثرة
                                       وخير منتجع  يوماً   لروّاد

إن هز يوم الوغى أثناء صعدته
                                  روّى أنابيبها من صرف فرصاد

قل للإمام أيا خير الورى نسبا
                                      مقابلا  بين   آباء     وأجداد

جودت طبعي ولم ترض الظلامة لي
                                     فهاك فضل ثناء زودتني زادي

فإن أقمت ففي نعماك عاطفة
                                      وإن رحلت فقد زودتني زادي


    والملاحظ في شعرها  انه  مزيج من الرثاء والشكوى والمدح وطلب المعونة وهو  على جانب كبير من النضج الفني والتركيز العاطفي المتسم بالصدق والصراحة


**********************







يحيى الغزال  الاندلسي              .



هو يحيى بن الحكم البكري الجياني ولقب ( يحيى الغزال)                 ينتسب  الى أسرة عربية أصيلة .

             ولد في سنة\ 156 هجرية –   772ميلادية   في بلدة (جَيّان) وكانت مركز كُورة في الأندلس لذا لقب ( الجياني ). ثم انتقل الى العاصمة (قرطبة )، حيث عاش فيها  سائر حياته، واحْتَفظ  بنسبته  إلى  بلدته الأصلّية (جَيّان ) فقيل له ( الجياني ).

      كان  ليحيى الجياني عمر مديد، أتاح  له  أن  يَبْرُز  في أكثر من صعيد، وأن تتنوع جوانب حياته، وأن تكون له علاقات ومُداخلات في طبقات المجتمع المختلفة  شاعر أندلسي  قال الشعرفي الغزل والحكمة. لذلك  سمي بالغزال لجماله لكثرة ماقال في شعر الغزل  وظرفه  وتأنقه  وقيل تاثر بشعر ابي نؤاس وشعر ابي تمام  من المشرق.

         أدرك  يحيى الغزال  في حياته إمارة خمسة امراء من حكام الأندلس الأموييّن:

عبد الرحمن الداخل ( المتوفي \  172هجرية -788ميلادية  )
 وهشام ابن عبد الرحمن (المتوفي \ 180هجرية – 796ميلادية )
 والحكم بن هشام (المتوفي \206هجرية – 821ميلادية )
 وعبد الرحمن الأَوسط ابن الحكم ( الكتوفي \238هجرية -852ميلادية )
 ومحمد بن عبد الرحمن (المتوفي \ 273 – 886ميلادية )
وقد قالفي ذلك  شعرا :   
       أدركتُ بالمِصرِ ملوكاً أَرْبَعِهْ
                          وخامساَ هذا الّذي نَحنُ مَعَهْ
  
           وقيل إن الأمير الأموي عبد الرحمن الأوسط استقبله مرة بشطر من الشعر، فقال: ( جاء الغزال بحسنه وجماله )،
وأجاز الغزال شطر الأمير فقال:

      قـال الأميـر مداعبـاً بمقالـه
                                                جاء الغزال بحسنه وجماله

     أين الجمالُ من امرئ أربى على
                                        متعدد السبعين  من أحواله

قال الأمير مداعبا بمقاله                                                     
                                      جاء الغزال بحسنه وجماله

أين الجمال من امرئ أربى على                                       
                                      متعدد السبعين من أحواله

أين الجمال له، الجمال من امرئ                                      
                                      ألقاه ريب الدهر في أغلاله           

       وأعاره من بعد جدته بلى
                                             وأحال رونق وجهه عن حاله

           والغزال  يدخل  في  كبار الشعراء،  ويعد  في  أوائل  الرحّالين الأندلسيين،فقد قام الغزال برحلتين سفاريتين مبعوثاً من الأمير الأمويّ عبد الرحمن (الأوسط)  إحداهما إلى القسطنطينية سنة\ 225هـجرية – 840 ميلادية في رسالة جوابية إلى الإمبراطور( تيوفيل)  او  كما اسماه أبو تمام في بائيته ( توفلس)  وكانت دولة (بيزنطة) اودولة الروم  بعد هزيمتها في معركة  (عمّورية) سنة \ 223هـجرية - 838 ميلادية  رغبت في التقرُّب إلى  الدولة الاموية  بالأندلس في محاولة لتّخفيف الضّغط عنها.  وق لاقى صعوبات في رحلته  ذكرها بشعره فقال:

قال لي يحيى وصرنا   بين موج كالجبال

وتولتنا رياح             من دبور وشمال

شقت القلعين وانبتت      عرى تلك الجبال

وتمطى ملك المو          ت إلينا عن حيال

فرأينا الموت رأي العين      حالا بعد حال

لم يكن للقوم فينا        يا صديقي رأس مال


        وكانت الرّحلة السفارية الثانية على الأرجح إلى (جُنْلَند) اوالدنمارك  في بلاد (النوُّرمان) سنة \ 232هجرية ـ  846  ميلادية  . وكانت رحلته رحلة جوابيّة ردّاً على رسالة مع وفد (الدنمارك) الذي قدم برغبة ملكهم في عقد علاقات سلميّة، ومعاهدة صداقة، وكان النرمانديون قد أغاروا على( إشبيلية) وغيرها ثم هزمهم الأندّلسيون. وللغزال في رحلته وفي لقائه الملك والملكة شعر حسَن. يقول في الملكة  :

كلفّتِ في قلبي هوى متعباً
                    غالبْتُ منـه الضّيغمَ الأغَلْبَا
                
إنّي    تعلَّقْتُ    مَجُوســـِيَّة
تأبى لشمسِ الحُسْنِ أن تغربا                
             
      وقد نجحت  مهمّة الغَزال،  وسَجّل السبق  بريادة  السّفارات الديبلوماسّية الأندلسية

                            
        وكان للغزال مشاركة قوية في العلوم العقلية، واشتهر بلقب (العرّاف) لخبرته في علم النُّجوم (الفلك)، إضافةً إلى خبرته ومعرفته بالعلوم النقّلية.

       كان الغزال موصول اليد بالدولة الأُمَويّة: تولّى الأعمال المختلفة، وتولّى السّفارة عنها في رحلتين مشهورتين، وكان من جلساء الأُمراء. وفي أخبار الغزال أنَّه رحل إلى المشرق، وأن رحلته كانت طواعيةً من عند نفسه، وليست نفياً كما وقع في بعض الدراسات المعاصرة  حيث ذكر  انه  هجا  المغني ( زرياب) بشعر، فاشتكاه ( زرياب)  للأمير عبد الرحمن، فأمر بنفيه من الأندلس، فرحل إلى العراق، وتجول في المشرق لفترة، حتى سمح له الأمير بالعودة.  

       وقيل ولاه الأمير عبد الرحمن قبض الأعشار ببلاط مروان واختزالها في الأهراء استجابة لرغبة عبر عنها في إحدى قصائده  . وفي ذلك العام ارتفعت الأسعار فباع   الغزال كل ما  لديه  من مخزون، ثم  نزل  المطر ورخص الطعام، فلما علم الأمير بما فعله الغزال أنكره وقال:
- ( إنما تعد الأعشار لنفقات الجند والحاجة إليها في الجهد فماذا صنع الخبيث؟ خذوه بأداء ما باع من أثمانها واشتروا به طعاما  )

 وأبى الغزال ان يدفع ثمن ما باعه وقال:

( إنما اشتري لكم من الطعام عدد ما بعت من الإمداد)

فأمر الأمير بحمله مقيدا وسجنه بمدينة(قرطبة )ولما طال به  السجن رفع الغزال إلى الأمير قصيدته التي مطلعها:

    بعض  تصابيك  على زينب
                                          لا خير من الصبوة للأشيب

 وقد مدح فيها الأمير بالعدالة والهيبة فقال:

        من مبلغ عني إمام الهدى    
                                  الوارث المجد أبا عن أب

           إني إذا أطنب مداحه     
                                     قصدت في القول فلم أطنب

           لا فك عني الله إن لم تكن         
أذكرتنا  من عمر   الطيب                                        

            وأصبح المشرق من شوقه
                                           إليك  قد  حن  إلى  المغرب  

منبره يهتف من شوقه                                            
                                                 إليك بالسهل وبالمرحب

أطربه الوقت الذي قد دنا                                             
                                              وكان من قبلك لم يطرب

   هفا  الوجد  فلو  منبر                                                        
                                                 طار لوافى خطفة الكوكب

إلى جميل الوجه ذي هيبة                                                
                                        ليست لحامي الغابة المغضب                   

   لا يمكن الناظر من رؤية                                                        
                                         إلا التماح  الخائف  المذنب

إن ترد المال فإني امرؤ .                                               
                                          لم أجمع المال ولم أكسب

إذا أخذت الحق مني فلا                                                  
                                              تلتمس الربح ولا ترغب        

قد أحسن الله إلينا معا                                                     
                                         أن كان رأس المال لم يذهب

ومن شعره في الحكمة، قوله :

وخيرها أبوها بين شيخ                                                         
                                    كثير المال أو حدثٌ فقير

فقالت كلاهما خسف وما                                             
                                  أن أرى حظوة للمستخير
  
ولكن إن عزمت فكل شيء                                              
                                  أحب إليّ من وجه الكبير

لأن المرء  بعد  الفقر يثرى                                             
                                 وهذا لا يعود إلى صغيرنه


       ولما شعر بكبر عمره  و بان الزمن  بات ياكله  اخذ يرثي نفسه ويستشعر  الغربة  بين  أجيال قد  لا تعرفه،  بل  ربما  حسدته  على     طول عمره  فيقول   :

أصبحت والله محسودا على أمد
                                               من الحياة  قصير غير ممتد

حتى بقيت بحمد الله في خلف
                                              كأنني بينهم من خشية وحدي

وما أفارق يوما من أفارقه
                                             إلا حسبت  فراقي  آخر  العهد

أنظر إلي إذا أدرجت في كفن
                                            وانظر إلي إذا أدرجت في اللحد

واقعد قليلا وعاين من يقيم معي
                                         ممن يشيع نعشي من ذوي ودي

هيهات كلهم في شأنه لعب  
                                         يرمي التراب ويحثوه على خدي


           توفي الغزال الشاعر يحيى الجياني في (قرطبة) سنة \ 250 هـجرية  / 860 ميلادية .

             وكان الغزال  يتميز  بالذكاء   الذي  يَرْقى إلى درجة الألمعيّة، والبساطة  في مداورة شُؤون الحَياة المختَلفة، وتتمثل  في شعره  روح الدَّعابة التي لاتفارقه  في المواقف الصَّعبة، والجُرأة في النّقد الاجتماعي؛ حتى إنه  طال في نقده الّلاذع وهجائه  بعض  كبار رجال  الدّولة، وكان شعر الغزال  مرآةً  لهذه  الأوصاف  من  شخصيته،  وحكايةً  لكثير  من مجريات  حياته،  وتعبيراً  عن  مواقفه  الّلاذعة، وتسجيلاً  لجوانب من أَحداث زمانه  ومن ذلك يقول:

يقول لي القاضي معاذ مشاورا                                   
                           وولى امرءا ؟فيما يرى - من ذوي الفضل          

فديتك ماذا تحسب المرء صانعا                                
                                         فقلت وماذا يصنع الدب بالنحل

يدق  خلاياها  ويأكل  شهدها                                          
                                        ويترك للذبان ما كان من فضل


         نَظَم الغَزالُ، في أغراض  شَتى من   الشّعر مثل  الغَزل  ويكثر فيه حتى قيل له( الغزّال) ومن الغزل يقول:

قالت: أحبك، قلت: كاذبة                                                    
                                    غري بذا من ليس ينتقد

هذا كلام لست أقبله                                                           
                                     الشيخ     ليس   أحد                            

     سيان قولك ذا وقولك        
                                                 إن الريح نعقدها فتنعقد        

  وقال في الهِجَاء والتعريض،  والمَدْح ، والوَصْف ، والحكمة،  والتأمّل  في  شؤون الحياة  فيقول  :
 
لعمري ما ملكت مقودي الصبا                                                 
                                           فأمطو للذات في السهل والوعر

وبالله لو عمرت تسعين حجة                                                    
                                          إلى مثلها ما اشتقت فيها إلى خمر

ولا طربت نفسي إلى مزهر ولا                                                               .                                     تحنن  قلبي نحو عود  ولا  زمر

وقد  حدثوني  أن  فيها  مرارة
                                              وما حاجة الإنسان في الشرب للمر

         وبَرزتْ مقدرته  على مُعالجة النقد الاجتماعيّ في موضوعات متعدّدة، ومن أغراض الشاعر البارزة  في شعره الباقي الهجاء والتعريض،  وممّن  أصابه  هجاء الغزال:  المغنّي زرياب، ونَصْر الخصيّ ذو النفوذ،

           ويبرز في شعر النقد  الاجتماعي قضايا  الغنى والفقر، وعلاقة  الرّجُل  والمَرأة، والألعاب المُلِهية، واستغلال النفّوذ، وكان للشّاعر نَفَسٌ ممدودٌ في التعّبير عن ظُروفِ  الحياة  وفي نقد  بعض الحالات الاجتماعية بين الرجل المرأة يقول :

إن النساء لكالسروج حقيقة                                          
                                      فالسرج  ريثما  لا  تنزل                   

فإذا نزلت فان غيرك نازل                                            
                                      ذاك المكان وفاعل ما تفعل

أو منزل المجتاز أصبح غاديا                                         
                                      عنه، وينزل بعده من ينزل

      أو كالثمار مباحة  أغصانها   
                                                 تدنو  لأول  من  يمر فيأكل

 ومن شعره الساخر يقول:

 إذا سالتهم  عن رجل بريءٍ
                    من   الآفات  ظاهره   صحيحُ  

فَسًلْهُم عنه: هل هو آدميّ ؟     
فإن  قالوا  نعم  فالقول ريحُ!                    
              
ولكن بعضنا أهل استتار
                        وعند  الله  أجمعنا    جريح 

ومن إنعام خالقنا علينا
                         بأن   ذنوبنا    ليست   تفوح        

فلو فاحت لأصبحنا هروبا
                            فرادى بالفلا ما نستريح

وضاق بكل منتحل صلاحا
                              لنتن ذنوبه البلد الفسيح


 وهذه هي النهاية التي انتهى إليها الغزال في شعره فيقول :
ولو كانت الأسماء يدخلها البلى                                        
                                               لقد بلي اسمي لامتداد زماني

  وما لي لا أبلى لسبعين حجة                                                     
                                           وسبع أتت من بعدها سنتان

     إذا عن لي شخص تخيل دونه                                                                                                   شبيه  ضباب  أو شبيه دخان




*******************************
























              ابن عبد ربه  الاندلسي
                     صاحب ( العقد الفريد )



             هو ابو عمر احمد بن عبد ربّه بن حبيب بن حدير بن سالم  القرطبي  وكان جده سالم كان مولى للأمير هشام الرضا.

       ولد  بمدينة  (قرطبة ) في 10 رمضان\ 246 هـجرية – 860 ميلادية . وتلقى العلوم على يد شيوخ عصره فدرس الفقه والتاريخ والاد ب والشعر  ثم عني بممارسة نظم الشعر كتابة الادب واهتم  بدراسة   كتب المشارقة ويعتقد بعض الباحثين ان ابن عبد ربه رحل الى المشرق وانه افاد من ذلك في توسيع دراسته وتعميق العلم وتقوية اواصر ثقافة المشرق  وأشعاره التي في مرحلة فتوته وشبابه يكثر فيها اللهو والغزل غير الماجن . يقول:

أنتِ دائي وفي يديكِ دوائي
                                        يا شفائي منَ الجوى وبلائي

إنَّ قلبي يُحِبُّ مَنْ لا أُسَمِّي    
                                      في عناءٍ ، أعظِم بهِ منْ عناءِ !

كيفَ لا ، كيفَ أنْ ألذَّ بعيشِ ؟
                                        ماتَ صبري بهِ وماتَ عزائي !

أَيُّها اللاَّئِمونَ ماذا عَلَيْكمْ
                                       أنْ تعيشوا وأنْ أموتَ بدائي ؟

 ليسَ منْ ماتَ فاستراحَ بمَيتٍ 
                                         إنما  الميتُ   ميتُ  الأحياءِ


        اتصل ابن عبد  ربه  بأمراء  بني  امية  ومدحهم  ونال عطاءهم  كما انه ادرك  حكم عبد الرحمن الناصر وكان يتكسب في شعره بمدحه للأمراء، فعُدّ بذلك أحد الذين أثروا بأدبهم بعد الفقر  وفي هذه المرحلة تحول الحكم من نظام الامارة الى نظام الخلافة  يقول في ذلك:

يَا بْنَ الخَلائِفِ إنَّ المُزنَ لَوْ عَلِمَتْ   
نداكَ ما كانَ منها الماءُ ثجاجا

وَالحَرْبُ لَوْ عَلِمَتْ بأساً تَصُولُ بِهِ
       ما هَيَّجَتْ مِنْ حُمَيَّاكَ الَّذي اهْتاجا

وأصبحَ النصرُ معقوداً بألوية ٍ
       تطوي المراحلَ تهجيراً وإدلاجا

أدخلتَ في قبة ِ الإسلامِ مارقة َ
       أَخْرَجْتَهُمْ مِنْ دِيَارِ الشِّرْكِ إخْراجا

بجحفلٍ تشرقُ الأرضُ الفضاءُ بهِ
       كالبَحْرِ يَقْذِفُ بالأَمْواجِ أَمْوَاجَا

يقودهُ البدرُ يسري في كواكبهِ
       عَرَمْرَماً كَسَوادِ اللَّيْلِ رَجْراجا

يَرَونَ فِيهِ بُرُوقَ المَوْتِ لامِعَة ً
       ويسمعونَ به للرعدِ أهزاجا

 وجدتَ في الخبرِ المأثورِ منصلتاً
       مِنَ الخَلاَئِفِ خَرَّاجاَ وَولاَّجا

تُملا بِكَ الأَرضُ عَدْلاً مَثْلَ مَا مُلِئَتْ
       جوراً ، وتوضحُ للمعروفِ منهاجا

يا بدرَ ظلمتها ، يا شمسَ صُبحتِها
       يَا لَيْثَ حَوْمَتِهَا إِنْ هائِجٌ هاجا

إنَّ الخَلاَفَة َ لَنْ تَرْضى ، وَلا رَضِيَتْ
       حَتَّى عَقدْتَ لها في رَأْسِكَ التَّاجا


        كان ابن عبد  ربه اديبا ،بارعا ،متعدد الجوانب ،فهو شاعر، وكاتب، ومؤلف بارز   و كان  من الرواد في نشر فن الموشحات الا ندلسية  وقيل  أخذه  عن مخترعه ( مقدم  بن معافى القبري) وقيل :
( ان ابن عبد ربه صاحب كتاب  العقد الفريد اول من سبق الى هذا النوع الموشحات )

      ويعد  كتابه ( العقد الفريد )  كتابا رائعا في اللغة والادب ومعرضا  لكتاباته  الادبية وذوقه  الرائع  فكان  موسوعة ثقافية  تبين أحوال الحضارة الإسلامية في فقد انطوى على مقاطع نثرية أسماها ( الفرش ) وكان يدلي بالإشعار التي يذكرها للآخرين كما   نظم كتابه هذا  على أبواب وكل باب من هذه الابواب عرف باسم (جوهرة من الجواهر على عادة الاندلسيين في حب الزينة وإيثار الترف).

    وفي اواخر اياه مال الى العزلة والعبادة بعد أن شاخ على غرار ما جنح اليه من قبل يحيى الغزال في الاندلس وأبو نؤاس في المشرق يقول:


قالوا شبابُكَ قد ولَّى ، فقلتُ لهمْ :
                                     هل من جديدٍ على كرِّ الجديدينِ ؟

صِلْ من هِويتَ وإنْ أبدى مُعاتَبة ً    
                                    فأَطيبُ العيشِ وصْلٌ بينَ إلفينِ

واقطَعْ  حبائلَ  خلٍّ لا  تلائمُهُ
                                    فربَّما  ضاقَتِ  الدُّنيا على اثْنينِ

      يعد أول شاعر كبير في الاندلس وقد اتسم اسلوبه الشعري بالعذوبة والرقة وقرب المأخذ . ويتميز في شعره بعدم الغلو في المجاز ولا الغوص على المعنى وهو ينظم برشاقة وخفة ومن هنا كانت عبارته ترق في الاسماع من دون أن يكون وراءها معنى عميق ويتسم بهذا قوله :

يالؤلؤ يسبي العقـول أنيقــا
                                   ورشاً بتقطيع القلـوب رفيقــا 

ما إن رأيت ولا سمعت بمثله
                                    درأ يعــود من الحـياء عقيقـا

وإذا نظرت الى محاسن وجهه
                                 أبصرت وجهـك في سناه غريقا

يامن تقطع خصره من رقـــة
                                     ما بــال قلبك لا يكـون رقيقا

       وتمثل الابيات الفاظ الزينة وميل الأندلسيين الى التجمل بالزينة والحلي ولعلها تظهرجليا في الاشارة الفتاة الاندلسية ببشرتها البيضاء وقد شبهت باللؤلؤ  فلم تلبث أن تغدو  متوردة الخدين  كالعقيق حياءا  الا ان  أثرالصنعة يبدو واضحاً من خلال  حرص الشاعر وذلك  بيّن  في قافية  المطلع   و في المجانسة  بينهما  وكذلك في المطابقة  بين الدر والعقيق ثم إيراده  لهذا  الطباق قائما على التضاد  بين رقة خصر الحبيب وعدم رقة قلبه  وربما تجلت في شعره السهولة واليسر في اللفظ  والقافية كما يقول :

حكمته لو عدلا       أعطيته ما سألا

وهبته روحي فما   ادري به ما فعلا

قلبي به في شغل    لاملّ ذاك الشُغلا

      وهذه الظاهرة التي نلمحها في شعر ابن عبد ربه لم تكن سائدة في الشعر الاندلسي حين كانت سمات الغرابة في اللفظ والجزالة في الاشعار السابقة من قصائد ابن عبد ربه الغزلية لاميته  التي يقول فيها :-

اتقتلني ظلماً وتجحدني فضلي
وقد قام من عينيك لي شاهدا عدل   

أطلاب ذحلي ليس بي غير شادن
بعينية سحر فاطلبوا عنده ذحلي

أغار على قلبي فلما أتيته
أطالبه فيـه أغــار على عقلي

بنفسي التي ضنت بردّ سلامها
ولو سألت قتلي وهبت لها قتلـي

اذا جئتها صدت حياء بوجها
فتهجرني هجـراً ألذ من الوصل

اقول لقلبي كلما ضامه الأسى
اذا ما اتيت العز فاصبر على الذل

برأيك لا رأيي تعرضت للهوى
وأمرك لا أمري وفعلك لا فعلي

وجدت الهوى نصلاً من الموت مغمداً
فجردتــه ثم أتكات على النصل

فان كنت مقتولاً على غير ريبة
فأنت الذي عرضت نفسك للقتل

      وقد عارض فيها قصيدة االشاعر العباسي مسلم ابن الوليد  التي يقول فيها :-

أديرا علي الراح لا تشربا قبلي
    ولاتطلبا مــن عند قاتلتي ذخلي  

  فياحزني أني أمــوت صبابة  
ولكن على من لايحــل له قتلي

فديت التي صدت وقالت لتربها                           
 دعيه الثريا منه اقرب من وصلي  
      

         اما المرحلة الثانية من حياة ابن عبد ربه الاندلسي هي المرحلة التي تؤذن فيها الكهولة وتثقل عليه وطأة السنين فينكفئ على نفسه فيميل للحكمة وينعطف الى الزهد شأنه في ذلك الشأن اي انسان ينفتح عن الحياة في ريعان شبابه ثم لا يلبث عندما يدركه الهرم ان يتوارى عن مسرح المباهج يقول:


  ألا  انما  الدنيـا غضــارة  أيكـــة
إذا اخضر منها جانب جف جانب

 هي الـــدار ما  الآمـال الا  فجائع
عليـها ولا اللـذات إلا المصائب

  وكم سخنت بالأمس عـين قريرة

وقرت عيون دمعها اليوم ساكـب

 فـــلا تكتـحل  عيناك  فيها  بعبرة
       على   ذاهب  منها  فأنــك  ذاهـب   


        ذهب ابن عبد ربه مذهبا  جديدا في اخريات ايامه هو نظم  قصائد يعارض فيها قصائده التي قالها في حياته الاولى يلتزم فيها الوزن  والقافية نفسهما ولكنه يناقض نزعته المتساهلة  في باب الغزل في قوله:

ياعاجزاً ليس يعفو حين يقتدر
ولايقضّى له مـن عيشــه وطر

عاين بقلبك ان العين غافلــة
عن الحقيقة واعلم أنهــا سقـر

سوداء تزفر من غيظ اذا سعرت
للظالمـــين فلا تبقــي ولاتذر

إن الذين اشتروا دنيا بآخــرة
وشقــوة بنعيــم ساء ماتجروا

انت المقول لـه ما قلت مبتدئا
هلا ابتكرت لبين ما كنت مبتكر

 او في قوله :

يامن يضن بصوت الطائر الغرد
                                         ما كنت أحسب هذا الضـــن من أحد

لو ان أسماع أهل الارض قاطبة
أصغت الى الصوت لم ينقص ولم يـــزد

لولا اتقائي شهابا منك يحرقني
بنـــاره لأسترقـت السمـع من بعد


       وقد  اصيب  الاديب الشاعر والكاتب  الاندلسي  ابن عبد ربه  بالفالج  قبل عدة  اعوام  من وفاته  لزم  بيته فيها الى ان  وافاه الاجل.

     توفي  في  مدينة ( قرطبة ) في 18 جمادى الأولى \328 هـجرية  -939 ميلادية ودُفن فيها .

 واختم بحثي بهذه الابيات :

قتُلني ظُلماً وتجحدُني قتلي                  
                   وقد قامَ مِن عينيكَ لي شاهِدا عَدْلِ

أطُلاَّبَ ذحلي ليسَ بي غيرُ شادنٍ                  
                   بعينيهِ سِحرٌ فاطْلبوا عنده ذحلي

أغارَ على قلبي فلما أَتيتُهُ                  
                   أطالبُهُ فيهِ ، أغارَ على عقلي

بنفسي التي ضنَّت بردِّ سلامِها                  
                   ولو سألتْ قتلي وهبْتُ لها قتلي

إذا جئتُها صدَّتْ حَياءً بوجهِها                  
                   فتهجرني هجراً أَلذَّ منَ الوصْل

وإنْ حكمتْ جارَتْ عليَّ بحُكمها                  
                   ولكنَّ ذاك الجورَ أشهى منَ العَدلِ

كتمتُ الهوى جهدي فجرَّدهُ الأسى                  
                   بماءِ البُكا، هذا يخُطُّ وذا يُملي

وأحببتُ فيها العذْلَ حبّاً لذكرِها                  
                   فلا شيءَ في فؤادي منَ العذلِ

أَقولُ لقلبي كلَّما ضامهُ الأسى :                  
                   إذا ما أبيتَ العزَّ فاصبرْ على الذُّلِّ

برأيكَ لا رأيي تعرَّضتُ للهوى                  
                   وأنركَ لا أمري وفعلِكَ لا فِعْلي

وجدْتُ الهوى نَصلاً لموتيَ مُغمداً                  
                   فجرَّدتُهُ ثمَّ اتَّكيت على النَّصلِ

فإن كنتُ مقتولاً على غيرِ ريبة ٍ                  
                   فأنتَ الذي عرَّضتَ نفسكَ للقتلِ





**************************




















              ابن هانيء الاندلسي
  


        هو ابوالقاسم محمد بن هانئ بن محمد بن سعدون المهلبي  الأزدي الأندلسي  وكني المهلبي لاتصال نسبه بالمهلب بن أبي صفرة. كان أبوه هانئ من قرية من قرى ( المهدية)  بإفريقيا  ثم تركها وانتقل إلى الأندلس .

      ولد في قرية (سكون) من قرى مدينة اشبيلية  سنة\ 326هجرية – 938 ميلادية  وكان ابوه شاعرا فجبل على قول  الشعر  وتوفرت له اسباب دراسته على يد والده والاخرين  كما هو الحال لكثير من ابناء  الاندلس وتعلم باشبيلية  الشعر والأدب، ثم رحل  إلى  قرطبة  عاصمة الأمويين، ومقر الجامعات والمدارس والمكتبات والعلماء، وذات الشهرة التاريخية والحضارية الكبيرة.. وكانت هذه الرحلة للتعلم والتثقيف وقد حدثت في بدء حياة الشاعر، وكانت الثقافة الأندلسية في هذا العهد تنال من عناية الملك الأموي الناصر، ومن رعاية دولته وشعبه، كل ما كان يطمح إليه محب للعلم والمعرفة، واتصل بحاكم إشبيلية وحظي عند ه  بمكانة  جيدة حيث انه كان صديقا له.
     
        كان هوى ابن هانيء مع الفاطميين وقلبه متجهاً اليهم، وكان  يرى في دولتهم ما يمكن ان يعيد امجاد  الاسلام، و كان لا يتورع من الجهر بآرائه والدعوة إليها، مما لم يكن يخفى على الناس والحاكمين، فدبروا له تهمة الاخذ بالفلسفة،وفي قصيدته الفائية نلاحظ وصفا دقيقا للنجوم وهيأتها وحركاتها في إشراقها وغروبها، وقد يدل ذلك على إلمام الشاعر ببعض فنون  الفلسفة، وهي تهمة كانت في ذلك الوقت كافية لهدر الدماء القتل لمن اتهم بها،  وكان  في  شعره  نزعة إسماعيلية بارزة، كما قال الشعر الفلسفي  ونبغ فيه  فأتهم  بها من قبل الامويين  في الاندلس .
  
      أساء  الامويون  باشبيلية  القول   بالحاكم  بسبب  تقريبه الشاعر ابن هانئ ، فأشار عليه بالرحيل فهاجر الى شمال افريقيا  والجزائر ثم ليلتحق بالدولة الفاطمية  في مصر ويمدح  خلفاءها . فترك إشبيلية وعمره 27 عامًا، فرحل إلى المغرب وفي هذه الرحلة يقول:

 مستكبر لم يشعر الذل نفسه      
                                            أبي   بإبكا ر  المهاول  فاتك

ولو  علقته  من  أمية   أحبل        
                                         لجب سنام من بني الشعر تامك

ولما التقت أسيافها ورماحها   
                                         شراعا وقد سدت على المسالك

أجرت عليها عابرا، وتركتها   
                                         كان  المنايا  تحت جنبي آرائك

وما  نقموا  إلا  قديم  تشيع         
                                        يفنجي  هزبرا  شده  المتدار ك

 ثم ارتحل متجها  نحو الشرق الى الجزائر حيث اتصل في مدينة  (المسيلة) بجعفر بن علي قائد جيوش المعز .

      وفي ظل جعفر وأسرته عاش الشاعر ابن هانئ ،فمدحه واخاه  وفيهم  نظم  أكثر شعره، ومن  كرمهم  نهل السؤدد  والثراء، ومن   قوله فيه  :

خليلي ابن الزاب عنا  وجعفر   
                                           وجنة  خلد  بنت عنها   وكوثر

فقيلي ناي عن جنة الخلد آدم    
                                         فما راقه في ساحة الأرض منظر

خليلي ما الأيام إلا بجعفروما       
                                          للناس  إلا  جعفر، دام    جعفر

    و لما وصل  خبره إلى (المعز أبي تميم معدّ بن منصور ) فطلبه منهما، فلما  انتهى إليه  وأقام عنده في ( المنصورية)  بالقرب  من عاصمة بلاده ( القيروان )  فاصبح  شاعر ( المعز ) المقرب و بالغ     ابن هانئ في مدحه بكثر من القصائد .
وفي احدى قصائده يقول :

هل كان ضَمّخَ بالعبير الرَيْحَا  
                                       مزنٌ يهزّ البرقُ فيه صفيحا

يهدي تحيات القلوب وإنما           
                                        يهدي بهنّ الوجد والتبريحا

شرقتْ بماء الورد بلّلَ حبيبها 
                                        فأتت ترقرقهُ دمًا منضوحا

أنفاسُ طيبٍ بِتْنَ في درعي وقد
                                       بات الخيال وراءهنّ طليحا

     اصبح الشاعر محمد بن هانيء الاندلسي شاعر المعز لدين الله الفاطمي الذي أطلق عليه معاصروه لقب (متنبي المغرب).

     وربما كان ما يجعل ابن هانيء جديراً بهذا اللقب ان مواضيع مدح ابن هانيء للخليفة الفاطمي المعز لدين الله في اندفاعه لمقاومة الخطر الخارجي المهدد  للبلاد  الإسلامية يومذاك حيث كانت  مسؤولية المعز  .فهو مسؤول عن جبهة  طويلة  ممتدة  على  طول  شواطئ  افريقيا الشمالية،بدءا كم مصرالى المغرب ثم هو مسؤول عن الجزر الاسلامية في البحر الابيض المتوسط المهددة  من قبل اعداء الدولة الاسلامية  وفي طليعتها جزيرة ( صقلية ) وكان الوضع الاسلامي مشتت القوى ضعيف الهمّة، تعصف به الاختلافات فلا هدف يجمعهم ولا خطر يوحدهم حالهم مثل حال العرب اليوم  والاخطر من ذلك معرفة الاجنبي الطامع بذلك كله، وكانت نار الانتقام متأججة في نفوس البيزنطيين الروم الذين لم ينسهم تطاول الايام، ذكريات هزائمهم الماضية، وجلاءهم عن بلاد الشام وغيرها، وكانوا..يعملون  بجد  للعودة اليها من جديد، حتى ان (فوكاس الثاني) كان يهدد  بالاستيلاء على مكة والمدينة!  ووصف  ابن هانئ هذه الحالة و دعى  الى التوحد  فقال :

أسفي على الاحرار قل حفاظهم
                                           لو كان يجدي الحر أن يتأسفا

يا ويلكم أ فما لكم من صارخ
                                            إلا  بثغر  ضاع  او دين عفا

حتى لقد رجفت ديار ربيعة
                                           وتزلزلت أرض العراق تخوفا

والشام قد أودى وأودى اهله
                                            الا  قليلا  والحجاز  على شفا

       لقد كان المعز لدين الله جديراً بمواجهة الظرف الحرج الذي وضعته فيه الايام، فلم يدع الوقت يذهب عبثاً وادرك انه امام خطرين احدهما  بري والآخر بحري قد يكون هو الاشد، ولذلك  صرف  جهده الى إنشاء اسطول يتناسب مع المهمة وهي  حماية الشواطئ الافريقية من اي غزو متوقع  فأثار هذا  الاسطول  حماسة الشاعر ابن  هانئ  ورأى  فيه المخرج  من الاخطار والحماية  من النوازل، وهاج  فيه اعتزازه  وحميته العربية  والاسلامية فمدح المعز لدين الله  بقصيدة   تعد  بحق من فرائد الشعر العربي يقول :

لك البر والبحر العظيم عبابه
                                             فسيان اغمار تخاض وبيد

مواخر في طامي العباب كأنه
                                              لعزمك  بأس او لكفك  جود

إذا زفرت غيظاً ترامت بمارج
                                           كما شب من نار الجحيم وقود

تعانق موج البحر حتى كأنه
                                              سليط  لها فيه  الذبال  عتيد.

فلا غرو ان اعززت دين محمد
                                               فانت  له  دون الانام  عقيد

تناجيك عنه الكتب وهي ضراعة
                                            ويأتيك عنه القول وهو سجود

ليالي تقفو الرسل رسل خواضع
                                            ويأتيك  من بعد  الوفود  وفود

  وقال في مدحه ايضا  ما  لم يقله شاعر في غيره  يقول:

ما شئت لا ماشاءت الأقدار            فاحكم فأنت الواحد القهار

فـكأنـمـا أنـت النبي محـمـد            وكأنـما أنصـارك الأنـصـار

أنت الذي كانت تبشرنا بــــه          في كتبها الأحبار و الأخبار

هذا إمام المتقين ومن بــــــه          قد دوخ الطغيان و الكفـــار

هذا الذي ترجى النجاة بحبــه          وبه يحطّ  الإصر و الإزار

هذا الذي تجدي شفاعته غدا           حقًّا و تخمد إن تراه النار

         ولما رحل المعز إلى مصر، طلب منه مرافقته، الا ان الشاعر استئذنه بالعودة إلى المغرب لأخذ اهله وعياله الذين تركهم هناك .
 وفي الطريق إلى مصر  قُتل ابن هانيء .

         قتل  الشاعر ابن هانئ الاندلسي  في مدينة ( برقة) في (ليبيا ) في 23 رجب من سنة \362 هـجرية – 973 ميلادية  ولما وصل خبر مقتله الى (المعزّ) وهو بمصر تأسف عليه كثيرا  وقال:

     (هذا الرجل، كنا  نرجو أن  نفاخر  به  شعراء  المشرق، فلم  يُقدّر
 علينا  ذلك )

         يتميز  شعر ابن هانئ الاندلسي كونه  جميل الألفاظ،  ينتقيها انتقاءا ومعانيه فخمة رائعة تعبر عن حالات  نفس الانسان، وظروفه المعيشية، فكان في  شعره  كأنما  يحاكي  البشر  والشجر  والجبال والجمال، وإستطاع أن يخلق  بنفسه  حالة  من حالات التأمل النفسي وحاكي  بشعره  شعر  الاقدمين  وتغنى  بالمرأة  وجمالها  في اطار الاحتشام، وعني  بروح المرأة  وجمالها الأخّاذ  الذي يسلب  القلب والفؤاد  وتحدث عن الطبيعة، وعن الفروسية، وعن مجالات الحياة المختلفة وقال الشعر في كل الفنون  الشعرية  من مدح وفخر وغزل رثاء وهجاء  ووصف  الطبيعة  الاندلسية الرائعة وقال  في الخمرة ومجالسها  وكان التكلف ظاهرا  في شعره .

         وقد لاحظ أبو العلاء المعرِّي شغف ابن هانئ بالغريب والألفاظ ذات الصخب الشديد مع ضحالة المعنى، وعدّ ذلك من عيوب شعره حيث قال: (ما أشبهه إلا برحىً تطحن قرونًا)

    ومن جميل غزله  يقول :

  المشرقات كأنهن  كواكب   
                                           والناعمات   كأنهن    غصون

  ادمى لها المرجان صفحة خده 
                                              وبكى عليها اللؤلؤ المكنون

  اعدى الحما م  تأوهي من بعدها  
                                            فكأنما   فيما  سجعن  رنين      
   ويقول في الغزل ايضا:

فتكاتُ طرفك أم سيوفُ أبيك ِ
                                        وكؤوس خمر أم مراشف فيك

أجِلادُ مرهفةٍ وفتك محاجر
                                         ما  أنت  راحمة  ولا   أهلوك

يابنت ذي البُرْد الطويل نجاده
                                         أكذا   يكون  الحكم  في ناديك

قد كان يدعوني خَيالك طارقًا
                                          حتى  دعاني  بالقنا    داعيك

عيناك أم مغناك موعدنا وفي
                                        وادي  الكرى  ألقاك  أم واديك

 واختم البحث بهذه الابيات :

قلْ للمليكِ ابنِ الملوكِ الصِّيدِ
                                           قوْلاً يَسُدُّ عليه عَرْضَ البيدِ

لِهفي عليكَ أما ترِقُّ على العُلى
                                           أم بينَ  جناحتيكَ  قلبُ حديد

ما حقُّ كفكَ أن تمدَّ لمبضعٍ
                                         من بعد زعزعة ِ القنا الاملود

ما كان ذاك جزاؤها بمجالِهَا
                                         بينَ  النَّدى  والطعنة ِ الاخدود

لو نابَ عنها فصدُ شيءٍ غيرها
                                           لوقيتُ معصمها بحبل وريدي

أو فاسقنيهِ فإنّني أولى به
                                        من أن يراقَ على ثرى ً وصعيد

ولئِنْ جرى من فضَّة ٍ في عسجدٍ
                                          فبغيرِ علم    الفاصدِ الرَّعديد

أجرى مباضعهُ على عاداتها
                                          فجَرَتْ على نهجٍ من التّسديد

قد قلتُ لآسي حنانك عائداً
                                             فلقَد قَرَعْتَ صَفاة كلِّ ودود

أوَ ما اتَّقَيْتَ الله في العضْوِ الذي
                                            يَفديه أجمعُ مُهجة ِ الصِّنديد؟

أوما خشيتَ من الصّوارمِ حوله
                                              تهتزُّ من حنقٍ عليكَ شديد

و لما اجترأتَ على مجسَّة كفِّه
                                            إلاَّ  وأنتَ  من الكُماة  الصيِّد

وعلامَ تفْصِدُ منَ جرى َ من كفِّه
                                        في الجود مثلُ البحرِ عامَ مُدود؟

فبحسبه ممّا أرادوا بذلَهُ
                                       في المجدِ نفسُ المتعَب المجهود

قالوا دواءٍ نبتغي فأجبتهمْ
                                            ليسَ  السَّقامُ  لمثِله ِ بعَقِيد

لمَ لا يداوي نفسه من جودهِ
                                           مَن كان يمكنُه دواءُ الجود؟

ما داؤهُ شيءٌ سوى السرفِ الذي
                                         يمضي وماالإسرافُ بالمحمودِ

عشقَ السَّماحَ وذاكَ سيماه
                                            ومايخفى دليلُ متيَّمٍ معمود

إنَّ السقيمَ زمانُهُ لا جسمُهُ
                                           إذ  لا  يجئُ   لمثله   بنديد




***************************















جعفر بن عثمان المصحفي




            أبو الحسن  جعفر بن عثمانبن  نصر بن  قوي بن عبد الله      بن كسيلة  المصحفي واصله من البربرمن مدينة  ( بلنسية ) وهو
  حاجب الخليفتين( الحكم المستنصر بالله) وابنه (هشام المؤيد بالله ).

        اختاره  الخليفة عبد الرحمن الناصر لدين الله  مُؤدّبًا لولي عهده     ( الحكم )  لذا كان  جعفر مقرّبا  لدى (الحكم ) وقد  اختاره  ليكون كاتبه الخاص. ثم اختاره الناصر ليكون  واليًا  لجزيرة  ( ميورقة ). ولما  آلت الخلافة الى الحكم، جعله وزيره، وأبقاه كاتبًا خاصًا له  وضم إليه منصب  صاحب الشرطة بعد فترة  ثم جعله حاجبه بعد وفاة  الحاجب ( جعفر بن عبد الرحمن الصقلبي )  ثم  أصبح  بعد ذلك المسئول الأول عن   ادارة  أمور البلاد خلال العامين الأخيرين من حياة (الحكم) المستنصر بالله حيث  قضاهما  في نوبات متتابعة من المرض . ولما الت الخلافة الى الخليفة    ( هشام المؤيد بالله ) جعله  حاجبه في أول خلافته، وعيّن عددًا من أبناء جعفرالمصحفي وأبناء أخيه في مناصب رفيعة.

           قاد جعفر المصحفي عملية  لإبطال  مخطط  فتيان قصر الخلافة الصقالبة  حول تولية (المغيرة بن عبد الرحمن) الناصر لدين الله الخلافة خلفًا للخليفة (الحكم )المستنصر بالله  بدلاً  من هشام  ابن الحكم  وولي عهده ،وقد  انتهت هذه  العملية  بمقتل (المغيرة)  وتولية (هشام ) المؤيد بالله وكان عمره  اثنتي عشرة سنة  خليفة  تحت  وصاية  أمه (صبح البشكنجية)  ثم تعاون جعفر  المصحفي  مع رجل الدولة القوي وصاحب الشرطة (محمد بن أبي عامر)  على التخلص من  نفوذ  الفتيان الصقالبة  داخل قصر الخلافة  تدريجيًا، لتنحصر السلطة الفعلية في يد المصحفي وابن أبي عامر وأم الخليفة .

      استغل  ( محمد بن أبي عامر) علاقته القوية ( بصبح ) أم الخليفة، وسوء العلاقات  بين ( جعفر المصحفي ) و (غالب بن عبد الرحمن الناصري)  صاحب مدينة ( سالم ) وقائد  جيش الثغر نتيجة  اتهام ( جعفر المصحفي ) ل (غالب ) بالتقصير في الدفاع  عن الحدود  الشمالية  أمام حملة الممالك  المسيحية  في الشمال على حدود الدولة بعد وفاة الخليفة (الحكم )المستنصر بالله. فلجأ (محمد بن أبي عامر ) للتحالف مع ( غالب بن عبد الرحمن  )  ومصاهرته حيث  تزوج ( أسماء بنت غالب )  وكان جعفر المصحفي  قد راسل   والدها ( غالب )  يطلبها  للزواج  الى  ابنه    ( محمد بن جعفر)، ثم استصدر( محمد بن أبي عامر)  امرا  خلافيًا  من خلال حليفته أم الخليفة  بعزل ( محمد بن جعفر المصحفي ) كحاكم لمدينة (  قرطبة )، وتولية ( محمد بن أبي عامر)  حاكمًا عليها  بالإضافة  إلى منصبه كقائد للجيش. كما استصدر امرا  آخر من  الخليفة  بتولية صهره (غالب الناصري ) الحجابة إلى جانب (جعفر المصحفي )، مما يعد انتقاصًا  من سلطة (جعفر المصحفي) ومكانته  .
0
       ولما  تم (للمنصور ) سجن ( جعفرالمصحفي )  ودَّع المصحفي أهله وودَّعوه  وداع الفراق الابدي  وقال لهم:

      (  إنكم لن  ترونى  بعدها  حيا  فقد أتى وقت إجابة الدعوة وما
كنت أرتقبه منذ أربعين  سنة وذلك  أنى شاركت  ظلما  فى سجن رجل فى عهد الناصر وما أطلقته إلا برؤيا رأيتها بأن قيل لى أطلق فلانا فقد أجيبت فيك دعوته  فأطلقته  وأحضرته وسألته عن دعوته علىّ   فقال دعوت  على  من  شارك فى أمرى أن  يميته  الله فى أضيق السجون فقلت إنها  قد أجيبت  فإنى كنت  ممن  شارك  فى أمره  وندمت  حين    لا ينفع  الندم).

       وكان ابن عثمان المصحفى قد كتب للمنصور يستعطفه أن يخرجه من السجن فقال:  

عفا  الله  عنك  ألا  رحمة  
                                          تجود   بعفوك   إن  أبعدا

لئن جلّ ذنب ولم أعتمده
                                         فأنت   أجلّ   وأعلى   يدا

ألم  تر عبداً  عدا  طوره
                                       ومولىّ  عفا  ورشيداً  هدى

أقلني  أقالك  من لم  يزل
                                        يقيك  ويصرف عنك  الردى

وقال ايضا يستعطفه :

هبنـى أسأت فأين العفـو والكـرم
                                       إذ قـادنى نحوك الإذعان والندم

يا خير من مدت الأيدى إليـه أمـا 
                                         ترثى لشـيخ نعـاه عندك القلم

بالغت فى السخط فاصفح صفح مقتدر
                                  إن الملوك إذا ما استرحموا رحموا

فأجابه المنصور قائلا:

الآن يا جاهلا زلت به القدم  
                                    تبغى التكرم لما فاتك الكرم

ندمت إذ لم تعد منى بطائلة  
                                   وقلما  ينفع  الإذعان والندم

نفسى إذا غضبت ليست براضية
                                 ولو تشفع فيك العرب والعجم


        وفي  رواية  اخرى كان المنصور بن أبى عامر يعمل عند الحاجب  جعفر بن عثمان المصحفى  الذي  كان  العقل  المدبر لمملكة  ( هشام المؤيد بالله ) وكان المنصور رجلا ذكيا استطاع  ان يكسب محبة  الناس  بجوده  وحسن خلقه  بينما المصحفى ينفرها ببخله وسوء خلقه وظلمه للناس إلى أن قضى الله أمرا كان مفعولا فاستولى المنصورعلى الحجابة بعد سجن المصحفى وقد طال أمد سجنه  حتى يئس من عفو المنصور فقال  :

لـى مدة  لا بد  أبلـغها          فإذا انقـضت  أيـامها  مت

لو قابلتنى الأسد ضارية        والموت لم يقرب لما خفت

فانظر إلى وكن على حذر     فى مثل حالك أمس قد كنت

        وفي 13 شعبان 367 هـ  اصدر الخليفة هشام امرا باقالة  جعفر المصحفي  والتي تعتبر نكبة كبرى  ل ( جعفر المصحفي ) وقد   سجن المصحفي  هو وأبنائه  وأقاربه  وصودرت أموالهم  وتشديد  التنكيل  به  وسجنه  في  محبسه في  مدينة ( الزهراء ) حتى  مات  في  سجنه  ويقول  في  نكبته :

لا تأمننّ  من الزمان  تقلُّبا              
                                        إن   الزمان  بأهله    يتقلبُ

ولقد أراني والليوث تهابني     
                                        وأخافني من بعدُ ذاك الثعلبُ

حسبُ الكريم مذلةً ونقيصةً     
                                         أن لا  يزالَ  إلى لئيمٍ  يَطلبُ

وإذا أتتك أُعجوبةٌ فاصبر لها   
                                       فالدهرُ يأتي بعدُ ما هو أعجبُ
        توفي الشاعر جعفر المصحفي في سجنه بمدينة (الزهراء ) بالقرب  من  قرطبة  سنة \372 هجرية – 982 ميلادية  مسموما  وفي رواية اخرى  مات  مخنوقا .

          كان  جعفر بن  عثمان  المصحفي  وزيرا و أديبا  بارعا ومن  كبار الكتاب  في الا ندلس ، وكان شاعرًا  بليغًا  له  الكثير من الأشعار والقصائد   المشهورة  .  يتميز  شعره  بالجيادة  والبلاغة  وسهولة  الاسلوب  ورقة المعاني   قال الشعر في اغلب  الفنون الشعرية  وقد      مر بنا  بعض ما قال  من شعره  .

ومما قاله  في  شعره الغزلي :

يا ذا الذي لم يدع لي حُبّه رمقًا 
                                               هذا مُحبك يشكو البثّ والأرقا

لو كنت تعلم ما شوقي إليك إذا 
                                            أيقنت أن جميع الشوق لي خُلِقا

لم يُبصر الحُسن مجموعًا على أحدٍ    
                                            من ليس يُبصر ذاك الخدّ والعنقا

ويقول ايضا :
 
يا  من   أراني   بالحاظ     يصرفّها    
                                           عني الصبا والهوى رشدي وتوفيقي

جمعت  فيك  غليل  العاشقين     كما   
                                        جمعت ما  تشتهي  من  كلّ    معشوق

  وفي وصف وردة السوسن يقول:

يا ربّ سوسنة قد بتّ ألثمها
                                          وما لها غير طعم المسك من ريق

مصفرّة الوسط مبيضّ جوانبها
                                            كأنها عاشق  في حجر معشوق

ويقول في  الخمرة :

صفراء تطرق في الزجاج فان سرت  
                                     في  الجسم  دبّت  مثل   صلّ     لاذع

خفيت     على     شرابها       فكأنما  
                                       يجدون    ريّا    في    اناء      فارغ

عبث   الزمان   بجسمها      فتسترت  
                                          عن  عينها  في   ثوب   نور سابغ  

واختم البحث بهذه الابيات من شعره :

ومصفرة تختال في  ثوب    نرجس   
    وتعبق  عن  مسك   ذكيّ     التنفس

لها  ريح   محبوب   وقسوة     قلبه  
     ولون  محب  حلة  السقم     مكتسي

فصفرتها  من  صفرتي     مستعارة  
     وانفاسها في الطيب انفاس    مؤنسي

وكان لها ثوب  من  الزغب    أغبر   
    على جسم مصفرةٌ من التبر    أملس

فلما استتمت  في  القضيب    شبابها 
      وحاكت لها الأوراق اثواب سندسي


مددت يدي باللطف أبغي    اجتناءها  
     لاجعلها  ريحانتي  وسط     مجلسي

فبزّت يدي غضبا لها ثوب   جسمها   
    وأعريتها باللطف من  كلّ    ملبسي

ولما تعرت في  يدي  من    برودها    
   ولم  تبق  الا  في  غلالة    نرجسي

ذكرت  بها  من  لا  ابوح     بذكره  
     فاذبلها  في  الكفّ   حرّ     التنفسي



*********************















ا لإمام القحطاني


         هو أبو عبد الله محمد بن صالح بن محمد بن سعد بن نزار بن
 عمر بن ثعلبة المعافري القحطاني.
 يقول في تعريف نفسه :
     أنا تمرة الأحباب حنظلة العدا
                                         أنا غصة في حلق من عاداني
وأنا المحب لأهل سنة أحمد 
                                          وأنا الأديب الشاعر القحطاني
        ولد أبو عبد الله محمد بن صالح المعافري القحطاني في قرطبة ونشأ فيها وتعلم ولما اكمل تعليمه  اخذ يتنقل لسمع زيادة في التعلم  فسمع بالأندلس من ابن وضاح  وقاسم بن أصبغ وغيره
         ثم انتقل الى المغرب فسمع من بكر بن محمد التاهرتي. ثم اتم رحلته إلى المشرق  لاداء فريضةالحج حيث سمع من  ابي سعيد  ابن الاعرابي ثم عرج الى مصر  فسمع من أصحاب يونس بن عبد الأعلى وأبي إبراهيم المزني  ثم اتجه بعد مصر الى الشام بالشام فسمع من خيثمة بن سليمان الطرابلسي ثم اتجه صوب الشرق الى الجزيرة فسمع  من أصحاب عليّ بن حرب ثم انتقل الى بغداد  فسمع  من إسماعيل بن محمد الصفار ثم  توجه إلى أصبهان وورد نيسابور في ذي الحجةمن سنة \ 341 هـجرية -962 ميلادية  ثم اتجه إلى بخارى فسكنها وكانت هذه الرحلة الطويلة  للدراسة والتدريس .
         توفي في بخارى  في رجبعام \ 383 هجرية –992ميلادية وقيل في  عام 378 هـجرية – 997  ميلادية
  قال عنه ( غنجار )صاحب كتاب ( تاريخ بخارى) فيه :
( كان فقيهاً حافظاً، جمع تاريخاً لأهل الأندلس)
      واشتهر القحطاني بنظمه لقصيدته (نونية القحطاني)  وهي منظومة نونية عدد ابياتها 690 بيتا في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة. تميزت نونيته بالتشدّيد على الأشاعرة .
و تطرق فيها إلى موضوع خلق القرآن  فقال:
من قال إن الله خالـق قولـه
                                         فقـد استحـل عبـادة الأوثـان
من قال فيـه عبـارة وحكايـة 
                                          فغـدا يجـرع مـن حميـم آن
من قال إن حروفه مخلوقـة
                                         فالعنـه ثـم اهجـره كـل أوان
لا تلـق مبتدعـا ولا متزندقـا 
                                        إلا  بعبسـة  مالـك  الغضـبـان
والوقف في القرآن خبث باطل
                                          وخداع كـل مذبـذب حيـران
قل غير مخلوق كلام إلهنا
                                  واعجل ولا تك في الإجابـة وانـي
أهـل الشريعـة أيقنـوا بنزولـه
                                     والقائلـون     بخلقـه    شكـلان
اهم مؤلفاته :
  تاريخ اهل الاندلس
 واختم  بحثي  بهذه الابيات من النونية :

يا منزل الآيات والفرقان ِ  
                                           بيني  وبينك  حرمة القرآن ِ
إشرح به صدري لمعرفة الهدى
                                         واعصم به قلبي من الشيطان ِ
يسر به أمري وأقض مآربي
                                             وأجر به جسدي من النيران ِ
واحطط به وزري وأخلص نيتي
                                           واشدد به أزري وأصلح شاني
واكشف به ضري وحقق توبتي
                                               واربح به بيعي بلا خسراني
طهر به قلبي وصف سريرتي
                                           أجمل به ذكري واعل مكاني
واقطع   به طمعي   وشرف
                                    همتي كثر به ورعي واحي جناني
أسهر به ليلي وأظم جوارحي
                                         أسبل بفيض دموعها أجفاني
أمزجه يا رب بلحمي مع دمي
                                      واغسل به قلبي من الأضغاني
أنت الذي صورتني وخلقتني
                                             وهديتني لشرائع الإيمان ِ
أنت الذي علمتني ورحمتني
                                        وجعلت صدري واعي القرآن ِ
أنت الذي أطعمتني وسقيتني
                                           من غير كسب يد ولا دكان ِ
وجبرتني وسترتني ونصرتني
                                          وغمرتني بالفضل والإحسان ِ
أنت الذي آويتني وحبوتني
                                           وهديتني من حيرة الخذلان ِ
وزرعت لي بين القلوب مودة
                                            والعطف منك برحمة وحنان ِ
ونشرت لي في العالمين محاسنا
                                         وسترت عن أبصارهم عصياني
وجعلت ذكري في البرية شائعا
                                             حتى جعلت جميعهم إخواني
والله لو علموا قبيح سريرتي
                                             لأبى السلام علي من يلقاني
ولأعرضوا عني وملوا صحبتي
                                              ولبؤت  بعد كرام ة بهوان ِ
لكن سترت معايبي ومثالبي
                                       وحلمت عن سقطي وعن طغياني
   ولك المحامد والمدائح كلها
                                           بخواطري وجوارحي ولساني
ولقد مننت علي رب بأنعم
                                             مالي    بشكر  أقلهن   يدان ِ
فوحق حكمتك التي آتيتني
                                            حتى شددت بنورها برهاني
لئن اجتبتني من رضاك معونة
                                              حتى  تقوي أيدها   إيماني
لأسبحنك بكرة وعشية
                                               ولتخدمنك في الدجى أركاني
ولأذكرنك قائما أو قاعدا
                                                   ولأشكرنك سائر الأحيان ِ
ولأكتمن عن البرية خلتي
                                                 ولاشكون إليك جهد زماني
ولأقصدنك في جميع حوائجي
                                                من دون قصد فلانة وفلان ِ
ولأحسمن عن الأنام مطامعي
                                                بحسام يأس لم تشبه بناني
ولأجعلن رضاك أكبر همتي
                                            ولاضربن من الهوى شيطاني
ولأكسون   عيوب    نفسي
                                      بالتقى ولأقبضن عن الفجور عناني
ولأمنعن النفس عن شهواته
                                            ا ولأجعلن الزهد من أعواني
ولأتلون حروف وحيك في الدجى
                                               ولأحرقن  بنوره  شيطاني
أنت الذي يا رب قلت حروفه
                                                ووصفته بالوعظ والتبيان ِ
ونظمته    ببلاغة    أزلية
                                              تكييفها يخفى على الأذهان ِ
وكتبت في اللوح الحفيظ
                                    حروفه من قبل خلق الخلق في أزمان ِ
فالله ربي لم يزل متكلما
                                                 حقا إذا ما شاء ذو إحسان ِ
نادى بصوت حين كلم عبده
                                                  موسى فأسمعه بلا كتمان ِ
وكذا ينادي في القيامة ربنا
                                                  جهرا فيسمع صوته الثقلان ِ
أن يا عبادي أنصتوا لي واسمعوا
                                                      قول الإله المالك الديان ِ
هذا حديث نبينا عن ربه
                                                  صدقا بلا كذب ولا بهتان ِ
لسنا نشبه صوته بكلامنا
                                                 إذ ليس يدرك وصفه بعيان ِ
لا تحصر الأوهام مبلغ ذاته
                                                  أبدا ولا يحويه قطر مكان ِ
وهو المحيط بكل شيء علمه
                                                 من غير إغفال ولا نسيان ِ
من ذا يكيف ذاته وصفاته
                                            وهو  القديم  مكون  الأكوان ِ
سبحانه ملكا على العرش استوى
                                         وحوى جميع الملك والسلطان ِ
وكلامه  القرآن  أنزل  آيه
                                         وحيا على المبعوث من عدنان ِ
صلى عليه الله خير صلاته
                                            ما لاح في فلكيهما القمران ِ
هو جاء بالقرآن من عند الذي
                                             لا تعتريه  نوائب  الحدثان ِ
تنزيل رب العالمين ووحيه
                                              بشهادة الأحبار والرهبان ِ
وكلام ربي لا يجيء بمثله
                                              أحد ولو جمعت له الثقلان ِ
وهو المصون من الأباطل كلها
                                             ومن الزيادة فيه والنقصان ِ
من كان يزعم أن يباري نظمه
                                             ويراه مثل الشعر والهذيان ِ
فليأت منه بسورة أو آية
                                             فإذا رأى النظمين يشتبهان ِ
فلينفرد باسم الألوهية وليكن
                                                رب البرية وليقل سبحاني
فإذا تناقض نظمه فليلبسن
                                             ثوب النقيصة صاغرا بهوان ِ
أو فليقر بأنه تنزيل من
                                             سماه في نص الكتاب مثاني
لا ريب فيه بأنه تنزيله
                                              وبداية التنزيل في رمضان ِ
الله فصله وأحكم آيه
                                                   وتلاه  تنزيلا  بلا  ألحان ِ
هو قوله وكلامه وخطابه
                                                 بفصاحة  وبلاغة  وبيان ِ
هو حكمه هو علمه هو نوره
                                          وصراطه الهادي إلى الرضوان ِ
جمع العلوم دقيقها وجليلها
                                                 فيه يصول العالم الرباني
قصص على خير البرية قصة
                                                  ربي فأحسن أيما إحسان ِ
وأبان فيه حلاله وحرامه
                                                ونهى عن الآثام والعصيان ِ
من قال إن الله خالق قوله
                                               فقد استحل عبادة الأوثان ِ
من قال فيه عبارة وحكاية
                                                 فغدا يجرع من حميم آن ِ
من قال إن حروفه مخلوقة
                                               فالعنه ثم اهجره كل أوان ِ
لا تلق مبتدعا ولا متزندقا
                                             إلا  بعبسة  مالك الغضبان ِ
والوقف في القرآن خبث باطل
                                              وخداع كل مذبذب حيران ِ
قل غير مخلوق كلام إلهنا
                                        واعجل ولا تك في الإجابة واني
أهل الشريعة أيقنوا بنزوله
                                                والقائلون بخلقه شكلان ِ
وتجنب اللفظين إن كليهما
                                              ومقال  جهم  عندنا  سيان ِ
يأيها السني خذ بوصيتي
                                         واخصص بذلك جملة الإخوان ِ
واقبل وصية مشفق متودد
                                            واسمع بفهم حاضر يقظان ِ
كن في أمورك كلها متوسطا
                                            عدلا بلا نقص ولا رجحان ِ
واعلم بأن الله رب واحد
                                                متنزه عن ثالث أو ثان ِ
الأول المبدي بغير بداية
                                            والآخر المفني وليس بفان ِ
وكلامه صفة له وجلالة
                                                  منه بلا أمد ولا حدثان ِ
ركن الديانة أن تصدق بالقضا
                                                لا خير في بيت بلا أركان ِ
الله قد علم السعادة والشقا
                                                وهما ومنزلتاهما ضدان ِ
لا يملك العبد الضعيف لنفسه
                                               رشدا ولا يقدر على خذلان ِ
سبحان من يجري الأمور بحكمة
                                          في الخلق بالأرزاق والحرمان ِ

*************************************








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق