الأربعاء، 11 يناير 2012

الغزل في الشعرالعربي - تاليف فالح نصيف الحجية - القفسم الاول

فالح نصيف الحجية
الكيلاني



الغزل في الشعر العربي

وحكايا وقصائد الشعراء العاشقين



































المقدمة


شعر الغزل أو ما يسمى بالنسيب أو شعر الحب والغرام والعشق والهيام والتشبيب والهوى والصبابة والشغف والغرام والعلاقة واللوعة، والوجد والوله .. هو أفضل وأجود أنواع الشعر وأكثره وفن من الفنون الشعرية الواسعة في الشعر العربي حيث أنه يتمثل في العواطف الأنسانية بين المرأة والرجل منذ حياة الصبا وحتى فترة الشيخوخة .
الشعراء العرب أكثروا القول في هذا الفن من الشعر منذ بداية قولهم الشعر ومعرفتهم عواطفهم اتجاه المرأة وقوة تأثيرها في الشاعر ونزعاته وخلجاته وهي كذلك . أي قبل العصر الجاهلي حتى أصبح من أوسع الفنون الشعرية انتشارا وأكثرها قربا الى قلب المتلقي حيث ان الذي يخرج من القلب يدخل في القلب وخاصة في سن الصبا والشباب . وقد افتتح اغلب الشعراء القدامى قصائدهم به فالقصيدة العربية عادة ما تفتتح بالغزل - في الاغلب – ثم يذكر الغرض الذي قيلت لاجله .

ومن هنا يتبين ان كل الشعراء العرب تغزلوا في قصائدهم وما وصل الينا من هذه القصائد لدليل واضح على ما نقول ولا يزال الشعراء – كل الشعراء - حتى في عصرنا الحاضر والعصور التي تليه يميلون الى القول في الغزل حيث انه يمثل أسمى العواطف الأنسانية وأسناها وأفضلها وأحلاها وا جملها وا حياها وأقربها ا لى النفوس والأفئدة الأرواح والقلوب وخاصة تلك التي أحبت و تولعت في شوق الحب واكتوت بنيرانه المستعرة في القلوب والنفوس . فما من شاعر الا وتغزل وشبب في شعره .

ولهذا فقد آليت على نفسي ان افرد لهذا الفن كتابا مستقلا اختار فيه أجمل قصائد الغزل و الحب والشوق والغرام التي قالها الشعراء في العصور المختلفة وامل أن يكون كتابي هذا نهاية المطاف في الشعر الغزلي حيث خصّصت لكل عصر من عصور الأدب بابا لتسيلط الضوء فيه على نتاج العصر من شعر الغزل بشكل يمكن المتلقي من تكوين فكرة موسعة وشاملة عن شعر الغزل عند العرب عبر عصوره المتلاحقة.
أسأ ل الله التوفيق والنجاح في هذا المسعى انه هو السميع المجيب .




فالح نصيف الحجية
الكيلاني
عضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق
عضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب
العراق- ديالى - بلد روز
.
















الكاتب في سطور

فالح نصيف الحجية الكيلاني

من الاسرة الكيلانية التي ترجع بنسبها للشيخ عبد القادر الجيلاني الحسني - كان يشغل منصب مدير في وزارة التربية العراقية حتى إحالته على التقاعد سنة2001 .
اهم مؤلفاته الموجز في الشعر العربي .
عضو الاتحادالعام للادباء والكتاب العرب 1995
وعضو الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق
1984 شارك في العديد من المهرجانات والمؤتمرات الادبية والشعرية لديه عشرات المؤلفات والدواوين الشعرية.

له العديد من الدواوين والمؤلفات منها:

1.نفثات القلب
2.قصائد من جبهة القتال
3.الشهادة والضريح
4. من وحي الايمان

.من مؤلفاته الأخرى
5.في الادب والفن
6.الموجز في الشعر العربي ( اربعة اجزاء )
7.التصوف والطريقة القادرية
8.تذكرة الشقيق في معرفة آداب الطريق للشيخ عبد القادر الجيلاني -شرح وتحقيق
9.شرح ديوان الشيخ الشيخ عبد القادر الجيلاني وشيء من تصوفه( اربعة اجزاء)
10.الشيخ عبد القادر الكيلاني وموقفه من الفرق والمذهب الإسلامية
11.مدينة بلدروز عبر التاريخ
12.أصحاب الجنة في القران الكريم
13.القران في القرآن الكريم
14.الأمثال في القرآن الكريم
15.الأدعية المستجابة في القرآن الكريم
16.الاشقياء (مجموعة قصص قصيرة)
17.عذراء القرية (رواية شعبية)
18.كرامة فتاة (رواية)
19.شرح القصيدة العينية
20.يوم القيامة في القران الكريم
21. شعراء النهضة العربية
22 . الإنسان ويوم القيامة
23.دراسات في الشعرالعربي المعاصر وقصيدة النثر
24. الغزل في الشعرالعربي

هذه الكتب منشورة في مدونته الإلكترونية إضافة إلى المقالات العديدة التي كتبها الشاعر في الصحف والجلات العراقية والعربية وكذلك مشاركاته في كثير من المهرجانات الادبية مثل مهرجان المربد السنوي في العراق 1983-2002ومهرجان اتحاد المؤرخين العرب1997 وكل الندوات والمهرجانات التي عقدت في ديالى سواء عربية أو عراقية اومحلية ,وله اكثر من الف مقالة ومشاركة على الانترنيت في موقعه اوفي المواقع الأخرى مثل موقع ا لموسوعة الحرة والمعرفة وغيرهما وله علاقات وصداقات مع العديد من الأدباء والشعراء العرب والعراقيين منهم الشاعر محمود درويش الشاعرالفلسطيني المعروف والشاعر الليبي محمد مفتاح الفيتوري والشاعر نزار قباني والشاعر العراقي سركون بولس والشاعر رعد بندر والشاعر وليد الاعظمي والادباء والمورخين الاساتذة والدكاترة عماد عبد السلام رؤوف وسالم الالوسي وعبد الرحمن مجيدالربيعي وحسين علي محفوظ وجلال الحنفي وغيرهم كثير.

والشاعر حاصل على العديد من الشهادات التقديرية من المجمع العلمي العراقي ووزارة الثقافة والاتحادالعام للادباءوالكتاب العرب واتحاد المؤرخين العرب وغيرها .




************************************




















الغزل الجاهلي

بسم الله الرحمن الرحيم


الحب ثابت في القلوب لاصق بالانفس مالئ الارواح والافئدة لايغادر قلوب البشرية بل شاغلها ويعتبر اساس العلاقة الروحية بين الذكر والانثى قال تعالى ( ومن اياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك لايات لقوم يتفكرون ) سورة الروم الاية \ 21 . فهو السبيل الى المودة والرحمة التي جعلها الله تعالى اساسا للعلاقة الزوجية .
والغزل هو الحب ذاته و الانسان العربي عرفه منذ فجر تاريخه بقية الاقوام في العالم او اشد عاطفة وشوقا فقد كان شغوفا لطيفا، سمحا كريما، والشعراء اكثر الناس احساسا وشوقا وحسا وتاثرا لذلك فقد بان ذلك فيما وصلنا من الشعر الجاهلي، حيث شفَّت مقدمات قصائد الشعراء عن لوحات فنية غزلية عذبة شدية، فيها من الرقة والانس ما يوحي ان العرب وضعوا المرأة في مكان عال على الرغم مما كان من شأنهم من الوأد،( لاحظ كتابي في الادب الفن – المرأة في الشعرالجاهلي ) فهو - مع قلته- يعود لاسباب كثيرة منها :خوفهم الفقراو العار. الا ان ما ورد في شعرهم، وفصيح قولهم، يدلل على أن القوم ذاقوا لوعة الشوق، وعرفوا مرارة العشق،وتشربت أفئدتهم شذى النسيم والهوى، فبكوا في حبهم واطالوا المكوث على الاطلال ، حتى كان الوقوف عليها لازمة من لوازم ابداعهم الشعري .

شعر الغزل تربع على عرش الشعر في كل العصور فقد بدء في العصر الجاهلي او قبله وتكاد لا تخلو قصيدة من الغزل حتى وإن لم يكن الغزل الغرض الأساس فيها فلا بد للشاعر ان يذكر الغزل في مطلع قصيدته، واقتصرت أغلب القصائد الغزلية على وصف الجمال الخارجي للمرأة كجمال الوجه والجسم وكانوا يتفننون بوصف هذا الجمال لكنهم قلما تطرقوا إلى وصف ما ترك هذا الجمال من اثر في عواطفهم ونفوسهم .
وقد نشأ من هذا التاريخ الطويل لحب المرأة والتشوق بمحاسنها، ووصف نفسيتها، ورصد ملامحها ومداراتها ما بين صد ووصل وبذل وبخل، وجرأة وحياء ، فن من فنون الشعر العربي، هو الغزل. ولقد نما هذا الفن وترعرع، لأنه وجد بيئة خصبة لنضج الإبداع، فالعرب في تلك العصور كانوا يبيحون أن يتحدث الرجال للنساء والنساء للرجال، وكانت أماكن اختلاط الرجل بالمرأة متعددة، فهما يلتقيان في المرعى والسهر، وفي التزاور والاستسقاء وفي الحج والمعارض، وفي أسواق الأدب، فتدرج العواطف بينهما من الإعجاب، إلى الحب و الغرام.

هناك تشابه كبير بين تعاريف الغزل والنسيب والتشبيب وتمازج وتقارب حتّى أنّ المؤرخين وكذلك النقاد اختلفوا على تعاريفها
فمنهم من قال إنّها بمعنى واحد، ومنهم من اقر باختلافها مع صعوبة التفريق بينها.
وقد جعل الغزل - في الاغلب - خاصّاً بذكر الأعضاء الظاهرة في المحبوب، ثمّ في وصفها وفي مدحها أيضاً، بينما جعل النسيب خاصّاً ببثّ الشوق والهوى وتذكّر ماضي الأيّام الخلية بهم ، وتمنّي التمتّع السائق الى اللهو. أمّا التشبيب فقد توقفوا عنده لما فيه من اضطراب في المعالم؛ ففي تاج العروس عُرّف التشبيب أنّه ذكر أيّام الشباب واللهو والغزل.

و الغزل في الشعر الجاهليّ يكاد يكون قليلا لوقارنا بينه وبين ما قيل في الفخر والمدح ، وتعود قلّته لأسباب كثيرة منها:
اولا - وجود الحجاب : فقد كانت المرأة محتجبة في الجاهلية لا يظهر منها إلا وجهها وأجزاء قليلة من جسمها، كما كانت متسترة دائماً داخل خدرها، لا تخالط الرجال الأجانب.
ويستدل على ذلك بقول امرئ القيس:

وبيضة خدر لا يرام خباؤها.
وقول الأعشى:
:
لم تمش ميلا ولم تركب على جمل
ولا ترى الشمس إلا دونها الكلل
( والكلل : ستر ينصب على الهودج)
منها الى الان تستعمل الكلل – واحدتها ( كلة ) ستر لا تزال تستخدم اثناء النوم فوق أسطح المنازل في المناطق الريفية لحماية النائم من الناموس وغيره او للستر فيه ليلا .
وقول عنترة:
رفعوا القباب على وجوه أشرقت .
. فيها فغيب السّهى في الفرقد
القبة: غرفة مستورة
السّهى: نجم ضئيل النور جدا
الفرقد: نجم القطب الشمالي شديد النور
وبهذا يكون قليل من الرجال ينعمون برؤية النساء من غير أقاربهم وهذا احد اسباب قلّة الغزل في الشعر الجاهليّ
اما السبب الثاني فهو تضايق العرب في الجاهلية ( وحتى الان ) ونفورهم من ذكر أوصاف نسائهم في الشعر الذي تتناقلها الألسن والرواة.


**************************




مواطن جمال المرأة في الشعر الجاهلي

لقد احب العرب في المرأة بعض الصفات التي توجد فيها ومن خلال ما ذكر من غزل في الشعر الجاهلي لذا يمكننا أن نستخلص أوصاف المرأة في هذا العصر التي أحبّها الشعراء وتغنوا فيها بشعرهم وهي كما يلي :
لقد أحبّ شعراء الجاهلية في المرأة ما يلي ::
1-الشعر الطويل : فقد احب العرب المرأة التي تمتاز بطول شعرها فشعر المرأة الجاهليّة التي أحبّه الشعراء فهو الشعر الأسود الفاحم او الحالك كالليل الظلم ، على أن يكون طويلاً وكلما كان طويلا كان اجمل - ولا زلنا كذلك حتى يومنا هذا نحب الشعر الطويل لانه يزيد كما اراه في جمالها - فطول شعر المرأة وشدّة اسوداده او ميله للسواد من عناصر الجمال في المرأة الجاهليّة: واليك الامثلة :
.يقول أمرؤ القيس
غذائرها مستشذرات إلى العلى
تضّل العقاص في مثنى ومرسل
الغديرة: الخصلة من الشعر او هي الجديلة
مستشزرة : مفتولة أي ملفوفة على بعضها
- العقصة( بالكسر): العقدة في الشعر
- المثنّى: الشعر المطوي بعضه على بعض
- المرسل: الشعر المنسدل او الشعر السرح
و قال ايضا :
وفرع يزيّن المتن أسود فاحما
. أثيث كفتؤ النخلة المتعثكل

(الفرع: الشعر-
- المتن: اعلى الظهر
- أثيث: كثيف
- القنو: العذق الجاف الذي جرّد من تمره
- المتعثكل: الذي يبرز منه أشياء كأنّها تتحرّك في الهواء ويمثلها بعثق النخلة
ومن خلال تتبعي للشعر الجاهلي لاحظت أنّ العرب لم يميلوا إلى الشعر الناعم المستقيم او السرح ، بل إلى السبط المتموّج. وربّما كانت المرأة العربية ترسل بعض الغدائر في مقدّمة رأسها لكي يظهر شعرها متوجا متموجا وفقا للفة الغديرة الواحدة ومن الطبيعي ان الغدائر اذا فلّت او انحل ظفرها يظهر الشعر المفلول متعوجا وفقا لتعرجات الظفيرة المرأة عندما تفتح او تفلّ شعر جدائلها يبدوا متموجا كنسمات مرت على جدول ماء فحركته جميلة هي ويزيد من جمالها اذا كان هذا التعرج او الالتواآت ظهر عليها ضوء الشمس او أي ضوء قوي فانه يعكس اشعاعات وتموجات ضوئية في هذا الشعر تزيده جمالا وتحببا الى النفوس وربما أخرجت المرأة من مقدمة ناصيتها بعض غدائرها
وفي ذلك يقول الشاعر سويد بن أبي كاهل اليشكريّ :
(....... وقروناً سابقاً أطرافها)
.
وقد استحسن امرؤ القيس كثافة هذه القرون حتّى شبّه بها شعر فرسه حيث قال:
لها غدر كقرون النساء
والغدر او الغدائر أي الضفائر مفردها غديرة او ظفيرة
وقرون النساء \ ظفائرها او غدائرها

2 - طول القامة مع بدانة في الجسم : أي قامتها طويلة وتسمى الفارعة مكتنزة الجسم في مواصفات جميلة مشوبة بالسمنة غير الثقيلة ثقيلة الارداف والعجز نحيلة الخصر:
ومن امثلتها يقول الشاعر عمروا بن كلثوم:
في معلق سمنت وطالت
ردافها تنوء بما ولينا
أي سمينة طويلة الارداف ثقيلتها
وقول الشاعر المراد بن منقذ العدوي :
قطف المشي قريبات الخطى
. بدّنا مثل الغمام المزمخر

القطوف : البطيء أو البطيئة في السير أي تمشي على مهلها دلالا وتغنجا خطواتها قريبة من الاخرى
- البادنة : السمينة ذات اللحم المكتنز الملفوف وليست المترهلة
المزمخر: الكثير الصوت مثل الرعد ويكون عادة كثيفا ثقيلا بطيئا سعة العيون حوراؤها : ومن العيون في الشعرالجاهلي فقد احب الشعراء العرب العيوم الواسعة التي فيها او في طرفها حور وقد شبهوا عيون المراة بعيون البقر الوحشي لسعة عيونها حيث تمتاز البقرة الوحشية ( المها ) بسعة العيون وشدة سوادها ونصاعة بياضها والحور هو شدة سواد الحدقة مع شدة بياض العين ومن امثلتها :
يقول امرؤ القيس
تصد وتبدي عن أسيل وتتقي
بناظرة من وحش وجرة مُطْفِلِ

تصدّ: تنفر، تدير وجهها فيبدو خدّها أسيلا
وتتّقي: تحذر
والوحش: أي البقر الوحشي
– وجرة: اسم مكان
مطفل: لها طفل، إذا كانت الظبية مطفلا كانت أشدّ شراسة في دفع الذين يقتربون من اولادها.

4-أمّا الوجه : فقد احب الشعراء العرب في الجاهليّة الوجه الصافي النقيّ فيه بياض تشوبه سمرة قليلة او ابيض مائل الى السمرة أي صفاء ونقاء وبياض في سمار ، وقيل ايضا في وصفها - أدماء- والأدمة تعني السمرة، والأديم هو ظاهر الارض ومن امثلتها : .
قال زهير بن ابي سلمى :
فأمّا ما فويق العقد منها
فمن أدماء مرتعها الكلاء
وأمّا المقلتان فمن مهاة .
وللدرّ الملاحة والصفاء
المها: البقر الوحشي
الدرّ: اللؤلؤ
الملاحة : حسن الوجه
والصفاء : الخالي من أي اثر أي الناعم
وقال الأعشى:

ظبية من ظباء وجرة ادماء ..
. تسف الكباث تحت الهدال
وجرة: اسم مكان
- أدماء: سمراء
- سفّ الدواء: تناوله
- الكباث: ثمر شجر الأرك
- الهدال: نبات طفيلي يتعلق بالأشجار
كما أن العرب أحبّوا اللون الابيض الذي يخالط بياضه شيء من الصفرة فيخرج لون كلون القمر أو الدرّ يسمونه (أزهر) .
وقد مدح امرؤ القيس هذا اللون في معلقته في قوله :
كبكر المقاناة البياض بصفرة
غذاها نمير الماء غير المحلّل
البكر: الفذّ الذي لم يسبق بمثله وتعني البنت الباكرة التي لم تتزوج ولم يقربها رجل
- المقاناة: الخلط
- النمير: الماء الصافي
- المحلل: الماء الذي ينزل بقربه أقوام كثيرون فيصبح عكرا
وفي الوجه ايضا احب الشعراء العرب ايضا ذات الخد الاسيل أي الطويل الاملس الناعم الخالي من الشعر او الزغب
5 - أمّا الثغر وهو الفم و مقدمة الاسنان في الفم فيصف أمرؤ القيس الثغر فيقول:
:
بثغر كمثل الاقحوان منورّ
نقي الثنايا أشنب غير أثعل

الاقحوان: نبات بريّ بتلاته بيض تشبه الأسنان وقلبه أصفر
- منوّر :مزهر
- أشنب: أبيض
- أثعل: متراكب بعضه فوق بعض

ومن هنا نجد أنّ الشعراء العرب الأسنان البضاء التي تكون ذات لون نقيّ برّاق منوّر .
أمّا اللثة فالجميل فيها أنّها شديدة الحمرة كالرمل الخالص ولا يستحسن أن تكون متضخّمة قليلا ومن امثلتها قول طرفة بن العبد:
وتبسم عن ألمى كأنّ منوّرا
تخلّل حرّ الرمل دعص له ندي
ألمى : فم ذو شفتين سمراوين
تخلل حر الرمل : أسنانها نابتة في لثة حمراء صافية
الدعص : الجانب المكور من الرمل
أمّا الشفاه فقد وصفت باللعس (الميل إلى السمرة) وسميت – لمياء- كونها يخالطها سمار خفيف .

6 – اما جمال اليدين والارجل فقد اختلف الشعراء في جمال اليد وبما أنّ الوشم كان الصفة المتبعة أنذاك فقد وجد بعض الشعراء أنّ اليد الخالية من الوشم هي الاجمل . ومن املتها يقول الشاعر
عبيد بن الابرص:
وإنّها كمهاة الجوّ ناعمة
. تدني النصيف بكفّ غير موشوم
المها: بقرة الوحش
النصيف:الغطاء
اما الارجل فقد احب العرب الارجل الطويلة والسيقان الجميلة والافخاذ المليانة المكتنزة المدورة الملساء الخالية من الشعر او الزغب

7 – اما النحر او العنق فقد فضل الشعراء ذات العنق الطويلة ومثلوها بالناقة لذا ينطبق عليها ما ينطبق على الوجه من حيث اللون . أمّأ من حيث الطول فكان يفضل أن تكون العنق طويلة بيضاء اللون وهي حتما تكون بيضاء لانها مستورة بالحجاب وغير معرضة
المها: بقرة الوحش
النصيف:الغطاء

فهذه هي الصفات التي وجدت في شعر الغزل عند الجاهليين والتي أحبّها الرجل في المرأة في ذلك العصر . وبالعودة إلى الصفات المذكورة سابقا والتي أعلن الشاعر الجاهليّ أنّه يحبها في المرأة تتمثل هذه الامور فيها وعنوان جمالها فإنها
صفات ولا تزال محبوبة حتّى يومنا هذا، مع اختلاف فيما يتعلّق بضخامة
المرأة وحسب الامزجة والاهواء النفسية .

*************************************










لغزل في الشعر لجاهلي ا


الغزل فن من الفنون الشعرية وهو اقرب الفنون الى النفس واطبعها في القلب وفيه الشاعر يتغزل بمن يحب ويهوى فيذكر
حبه وغرامه وهيامه بمن يحب والام الفراق ويذكر الشوق والبين والوله القاتل ومنها الوقوف على الاطلال لبكاء الحبيب وذكراه ويمتاز هذا الغرض بالعاطفة الصادقة المتدفقة من قلب المحب كالشلال المتناثر المياه شعرا فياضا بالاحاسيس النبيلة المعبرة عما في قلب الشاعر من حب لمن يحب وقد دأب شعراء العربية وخاصة في العصر الجاهلي ان يستفتحوا قصدائدهم به فهذا الشاعر الحارث يقول في مطلع قصيدته او معلقته :

اذنتنا ببينها اسماء رب ثاو يمكل منه الثواء

الا ان بعض الشعراء اتخذوا هذا الشعر للهو وسرد المغامرات ومطاردة النساء فكان ان ظهر في شعرهم الغزلي نوع من المجون الخلاعة بينما جاء اغلب شعرالغزل الجاهلي محتشما واليك تراجم بعض شعراء الغزل في الجاهلية .

*******************************************







امرو ء القيس


هو الشاعر امرؤ القيس بن حجر بن الحارث بن عمرو بن حجر وهو اكل المرار بن معاوية بن ثور بن مرتع الكندي من اهل نجد من الطبقة الاولى . واصله من اليمن وكانت قبيلته كندة قد هاجرت من اليمن بعد انهيار سد مارب الشهير وسكنت نجد وابوه ملك قومه اي ملك كنده وقد ولد في نجد وبها ترعر ع وشب واكتمل.

نشا امرؤ القيس نشاة اولاد الملوك نشأة ترف فاحب اللهو وملذات الحياة والخمرة والنساء وكان مسرفا في شرب الخمرة وملاحقة النساء والاخيرة صفة مذمومة عند العرب فنهاه ابوه عن ذلك لكنه لم ينته وظل طوال حياته محبا للشراب والطرب والصيد وكل امر عابث حتى لقب بالملك الضليل .
جاء في كتاب شرح المعلقات السبع للزوزني انه نظم معلقته في عنيزة ابنة عمه شرحبيل وكان لايحظى بلقائها ووصالها فانتظر ضعن الحي وتخلف عن الرجال حتى اذا ظعنت النساء سبقهن الى الغدير في ( دارة جلجل ) وتخفى هناك ثم علم انهن وردن الماء ليغتسلن فلما وردت العذارى الماء وعنيزة فيهم ونضون ثيابهن
و تعرين للسباحة والاغتسال ظهر عليهم امرؤ القيس وجمع ثيابهن جميعا وجلس على الثياب وحلف ان لا يدفع اليهن ثيابهن الا ان يخرجن واحدة واحدة عاريات وياخذن ثيابهن منه فخرجت اوقحهن
( اكثرهن جرأة) اليه بعد خصام طويل معهه فأعطاها ثيابها ثم تتابعن اليه بعد ذلك حتى بقيت عنيزة فاقسمت عليه فقال لها يابنة الكرام لا بد لك من ان تفعلي مثلهن فخرجت اليه عارية فراها مقبلة ومدبرة فلما لبسن ثيابهن واخذن يعذلنه وقلن له جوعتنا كثيرا واخرجتنا عن الحي فقال لهن لو عقرت راحلتي اتاكلن منها فقلن نعم فذبح راحلته لهن واكلن منها حتى شبعن فلما ارتحلن قسمن امتعته بين رواحلهن وبقي وحده بدون راحله فقال لعنيزة يا ابنة الكرام لا بد من ان تحمليني ثم الحت عليها صواحبها ان تحمله على مقدم هودجها فحملته فجعل يدخل راسه في الهودج فيقبلها ويشمها حتى وصلا وكل هذا مذكور او مشاراليه في معلقته .
ويقال انه عندما كان يلعب النرد ويعب الخمرة اتاه ات بخبر قتل ابيه فقال قولته المشهورة –( ضيعني صغيرا وحملني دمه كبيرا لا صحو اليوم ولا خمر غدا اليوم خمر وغدا امر)– وعندما صحا من خمرته وسكره اخذ يطالب بثأر ابيه من قاتليه وظل يتنقل من مكان لأخر لطلب العون والمساعدة في دم ابيه حتى توفته المنية في مدينة انقرة التركية وكان يلقب بابي القروح لشدة ما لحقه من اذى في بدنه من كثرة الترحال والتنقل في سبيل تاليب الناس على قاتلي ابيه وقيل ان ملك الروم البسه عباءة مسمومة لانه تحرش بابنته فانتشر السم في جسده فمات وتعتبر معلقته من اشهر المعلقات وافضلها .
هذه هي معلقته :-
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
بسقط اللوى بين الدخول فحومل

ويقول في الغزل:
سموت إليها بعد ما نام أهلها
سمو حباب الماء حالا على حال
فقالت سباك الله إنك فاضحي :
ألست ترى السمار والناس أحوال
فقلت يمين الله أبرح قاعدا
ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي
حلفت لها بالله حلفة فاجر
لناموا فما إن من حديث ولا صال
فلما تنازعنا الحديث وأسمحت
هصرت بغصن ذي شماريخ ميال
وصرنا إلى الحسنى ورق كلامنا
ورضت فذلت صعبة أي إذلال

فأصبحت معشوقا وأصبح بعلها
عليه القتام سيء الظن والبال
يغط غطيط البكر شد خها
ليقتلني والمرء ليس بقتال
أيقتلني والمشرفي مضاجعي
ومسنونة زرق كأنياب أغوال
وليس بذي رمح فيطعنني به
وليس بذي سيف وليس بنبال
أيقتلني وقد شغفت فؤادها
كما شغف المهنوءة الرجل الطالي
وقد علمت سلمى وإن كان بعلها
بأن الفتى يهذي وليس بفعال
وماذا عليه أن ذكرت أوانسا
كغزلان رمل في محاريب أقيال




*********************


و قال امرؤ القيس في معلقته:

قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ ومَنْزِلِ
بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ
فَتُوْضِحَ فَالمِقْراةِ لَمْ يَعْفُ رَسْمُها
لِمَا نَسَجَتْهَا مِنْ جَنُوبٍ وشَمْألِ
تَرَى بَعَرَ الأرْآمِ فِي عَرَصَاتِهَـا
وَقِيْعَـانِهَا كَأنَّهُ حَبُّ فُلْفُــلِ
كَأنِّي غَدَاةَ البَيْنِ يَوْمَ تَحَمَّلُـوا
لَدَى سَمُرَاتِ الحَيِّ نَاقِفُ حَنْظَلِ
وُقُوْفاً بِهَا صَحْبِي عَلَّي مَطِيَّهُـمُ
يَقُوْلُوْنَ لاَ تَهْلِكْ أَسَىً وَتَجَمَّـلِ
وإِنَّ شِفـَائِي عَبْـرَةٌ مُهْرَاقَـةٌ
َ فهَلْ عِنْدَ رَسْمٍ دَارِسٍ مِنْ مُعَوَّلِ

كَدَأْبِكَ مِنْ أُمِّ الحُوَيْرِثِ قَبْلَهَـا
وَجَـارَتِهَا أُمِّ الرَّبَابِ بِمَأْسَـلِ
إِذَا قَامَتَا تَضَوَّعَ المِسْكُ مِنْهُمَـا
نَسِيْمَ الصَّبَا جَاءَتْ بِرَيَّا القَرَنْفُلِ
فَفَاضَتْ دُمُوْعُ العَيْنِ مِنِّي صَبَابَةً
عَلَى النَّحْرِ حَتَّى بَلَّ دَمْعِي مِحْمَلِي
ألاَ رُبَّ يَوْمٍ لَكَ مِنْهُنَّ صَالِـحٍ
وَلاَ سِيَّمَا يَوْمٍ بِدَارَةِ جُلْجُـلِ
ويَوْمَ عَقَرْتُ لِلْعَذَارَي مَطِيَّتِـي
فَيَا عَجَباً مِنْ كُوْرِهَا المُتَحَمَّـلِ
فَظَلَّ العَذَارَى يَرْتَمِيْنَ بِلَحْمِهَـا
وشَحْمٍ كَهُدَّابِ الدِّمَقْسِ المُفَتَّـلِ
ويَوْمَ دَخَلْتُ الخِدْرَ خِدْرَ عُنَيْـزَةٍ
فَقَالَتْ لَكَ الوَيْلاَتُ إنَّكَ مُرْجِلِي
تَقُولُ وقَدْ مَالَ الغَبِيْطُ بِنَا مَعـاً
عَقَرْتَ بَعِيْرِي يَا امْرأَ القَيْسِ فَانْزِلِ
فَقُلْتُ لَهَا سِيْرِي وأَرْخِي زِمَامَـهُ
ولاَ تُبْعـِدِيْنِي مِنْ جَنَاكِ المُعَلَّـلِ
فَمِثْلِكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقْتُ ومُرْضِـعٍ
فَأَلْهَيْتُهَـا عَنْ ذِي تَمَائِمَ مُحْـوِلِ
إِذَا مَا بَكَى مِنْ خَلْفِهَا انْصَرَفَتْ لَهُ
بِشَـقٍّ وتَحْتِي شِقُّهَا لَمْ يُحَـوَّلِ
ويَوْماً عَلَى ظَهْرِ الكَثِيْبِ تَعَـذَّرَتْ
عَلَـيَّ وَآلَـتْ حَلْفَةً لم تَحَلَّـلِ
أفاطِـمَ مَهْلاً بَعْضَ هَذَا التَّدَلُّـلِ
وإِنْ كُنْتِ قَدْ أزْمَعْتِ صَرْمِي فَأَجْمِلِي
أغَـرَّكِ مِنِّـي أنَّ حُبَّـكِ قَاتِلِـي
وأنَّـكِ مَهْمَا تَأْمُرِي القَلْبَ يَفْعَـلِ
وإِنْ تَكُ قَدْ سَـاءَتْكِ مِنِّي خَلِيقَـةٌ
فَسُلِّـي ثِيَـابِي مِنْ ثِيَابِكِ تَنْسُـلِ
وَمَا ذَرَفَـتْ عَيْنَاكِ إلاَّ لِتَضْرِبِـي
بِسَهْمَيْكِ فِي أعْشَارِ قَلْبٍ مُقَتَّـلِ
وبَيْضَـةِ خِدْرٍ لاَ يُرَامُ خِبَاؤُهَـا
تَمَتَّعْتُ مِنْ لَهْوٍ بِهَا غَيْرَ مُعْجَـلِ
تَجَاوَزْتُ أحْرَاساً إِلَيْهَا وَمَعْشَـراً
عَلَّي حِرَاصاً لَوْ يُسِرُّوْنَ مَقْتَلِـي
إِذَا مَا الثُّرَيَّا فِي السَّمَاءِ تَعَرَّضَتْ
تَعَـرُّضَ أَثْنَاءَ الوِشَاحِ المُفَصَّـلِ
فَجِئْتُ وَقَدْ نَضَّتْ لِنَوْمٍ ثِيَابَهَـا
ل لَـدَى السِّتْرِ إلاَّ لِبْسَةَ المُتَفَضِّـلِ
فَقَالـَتْ : يَمِيْنَ اللهِ مَا لَكَ حِيْلَةٌ
وَمَا إِنْ أَرَى عَنْكَ الغَوَايَةَ تَنْجَلِـي
خَرَجْتُ بِهَا أَمْشِي تَجُرُّ وَرَاءَنَـا
عَلَـى أَثَرَيْنا ذَيْلَ مِرْطٍ مُرَحَّـلِ
فَلَمَّا أجَزْنَا سَاحَةَ الحَيِّ وانْتَحَـى
ب بِنَا بَطْنُ خَبْتٍ ذِي حِقَافٍ عَقَنْقَلِ
هَصَرْتُ بِفَوْدَي رَأْسِهَا فَتَمَايَلَـتْ
عَليَّ هَضِيْمَ الكَشْحِ رَيَّا المُخَلْخَـلِ
مُهَفْهَفَـةٌ بَيْضَـاءُ غَيْرُ مُفَاضَــةٍ
تَرَائِبُهَـا مَصْقُولَةٌ كَالسَّجَنْجَــلِ
كَبِكْرِ المُقَـانَاةِ البَيَاضَ بِصُفْــرَةٍ
غَـذَاهَا نَمِيْرُ المَاءِ غَيْرُ المُحَلَّــلِ
تَـصُدُّ وتُبْدِي عَنْ أسِيْلٍ وَتَتَّقــِي
بِـنَاظِرَةٍ مِنْ وَحْشِ وَجْرَةَ مُطْفِـلِ
وجِـيْدٍ كَجِيْدِ الرِّئْمِ لَيْسَ بِفَاحِـشٍ
اِذَا هِـيَ نَصَّتْـهُ وَلاَ بِمُعَطَّــلِ
وفَـرْعٍ يَزِيْنُ المَتْنَ أسْوَدَ فَاحِــمٍ
أثِيْـثٍ كَقِـنْوِ النَّخْلَةِ المُتَعَثْكِــلِ
غَـدَائِرُهُ مُسْتَشْزِرَاتٌ إلَى العُــلاَ
تَضِلُّ العِقَاصُ فِي مُثَنَّى وَمُرْسَــلِ
وكَشْحٍ لَطِيفٍ كَالجَدِيْلِ مُخَصَّــرٍ
وسَـاقٍ كَأُنْبُوبِ السَّقِيِّ المُذَلَّــلِ
وتُضْحِي فَتِيْتُ المِسْكِ فَوْقَ فِراشِهَـا
نَئُوْمُ الضَّحَى لَمْ تَنْتَطِقْ عَنْ تَفَضُّـلِ
وتَعْطُـو بِرَخْصٍ غَيْرَ شَثْنٍ كَأَنَّــهُ
أ َسَارِيْعُ ظَبْيٍ أَوْ مَسَاويْكُ إِسْحِـلِ
تُضِـيءُ الظَّلامَ بِالعِشَاءِ كَأَنَّهَــا
مَنَـارَةُ مُمْسَى رَاهِـبٍ مُتَبَتِّــلِ
إِلَى مِثْلِهَـا يَرْنُو الحَلِيْمُ صَبَابَــةً
إ ِذَا مَا اسْبَكَرَّتْ بَيْنَ دِرْعٍ ومِجْـوَلِ
تَسَلَّتْ عَمَايَاتُ الرِّجَالِ عَنْ الصِّبَـا
ولَيْـسَ فُؤَادِي عَنْ هَوَاكِ بِمُنْسَـلِ
ألاَّ رُبَّ خَصْمٍ فِيْكِ أَلْوَى رَدَدْتُـهُ
نَصِيْـحٍ عَلَى تَعْذَالِهِ غَيْرِ مُؤْتَــلِ
كَأَنَّ عَلَى المَتْنَيْنِ مِنْهُ إِذَا انْتَحَـى
مَدَاكَ عَرُوسٍ أَوْ صَلايَةَ حَنْظَـلِ
كَأَنَّ دِمَاءَ الهَـادِيَاتِ بِنَحْـرِهِ
عُصَارَةُ حِنَّاءٍ بِشَيْـبٍ مُرَجَّـلِ
فَعَـنَّ لَنَا سِـرْبٌ كَأَنَّ نِعَاجَـهُ
عَـذَارَى دَوَارٍ فِي مُلاءٍ مُذَبَّـلِ
فَأَدْبَرْنَ كَالجِزْعِ المُفَصَّـلِ بَيْنَـهُ
بِجِيْدٍ مُعَمٍّ فِي العَشِيْرَةِ مُخْـوَلِ
فَأَلْحَقَنَـا بِالهَـادِيَاتِ ودُوْنَـهُ
جَوَاحِـرُهَا فِي صَرَّةٍ لَمْ تُزَيَّـلِ
فَعَـادَى عِدَاءً بَيْنَ ثَوْرٍ ونَعْجَـةٍ
دِرَاكاً وَلَمْ يَنْضَحْ بِمَاءٍ فَيُغْسَـلِ
فَظَلَّ طُهَاةُ اللَّحْمِ مِن بَيْنِ مُنْضِجٍ
صَفِيـفَ شِوَاءٍ أَوْ قَدِيْرٍ مُعَجَّـلِ
ورُحْنَا يَكَادُ الطَّرْفُ يَقْصُرُ دُوْنَـهُ
مَتَى تَـرَقَّ العَيْـنُ فِيْهِ تَسَفَّـلِ
فَبَـاتَ عَلَيْـهِ سَرْجُهُ ولِجَامُـهُ
وَبَاتَ بِعَيْنِـي قَائِماً غَيْرَ مُرْسَـلِ
أصَاحِ تَرَى بَرْقاً أُرِيْكَ وَمِيْضَـهُ
كَلَمْـعِ اليَدَيْنِ فِي حَبِيٍّ مُكَلَّـلِ
يُضِيءُ سَنَاهُ أَوْ مَصَابِيْحُ رَاهِـبٍ
أ َمَالَ السَّلِيْـطَ بِالذُّبَالِ المُفَتَّـلِ
قَعَدْتُ لَهُ وصُحْبَتِي بَيْنَ ضَـارِجٍ
وبَيْنَ العـُذَيْبِ بُعْدَمَا مُتَأَمَّـلِ
عَلَى قَطَنٍ بِالشَّيْمِ أَيْمَنُ صَوْبِـهِ
وَأَيْسَـرُهُ عَلَى السِّتَارِ فَيَذْبُـلِ
فَأَضْحَى يَسُحُّ المَاءَ حَوْلَ كُتَيْفَةٍ
يَكُبُّ عَلَى الأذْقَانِ دَوْحَ الكَنَهْبَلِ
ومَـرَّ عَلَى القَنَـانِ مِنْ نَفَيَانِـهِ
فَأَنْزَلَ مِنْهُ العُصْمَ مِنْ كُلِّ مَنْـزِلِ
وتَيْمَاءَ لَمْ يَتْرُكْ بِهَا جِذْعَ نَخْلَـةٍ
وَلاَ أُطُمـاً إِلاَّ مَشِيْداً بِجِنْـدَلِ
كَأَنَّ ثَبِيْـراً فِي عَرَانِيْـنِ وَبْلِـهِ
كَبِيْـرُ أُنَاسٍ فِي بِجَـادٍ مُزَمَّـلِ
كَأَنَّ ذُرَى رَأْسِ المُجَيْمِرِ غُـدْوَةً
مِنَ السَّيْلِ وَالأَغثَاءِ فَلْكَةُ مِغْـزَلِ
وأَلْقَى بِصَحْـرَاءِ الغَبيْطِ بَعَاعَـهُ
نُزُوْلَ اليَمَانِي ذِي العِيَابِ المُحَمَّلِ
كَأَنَّ مَكَـاكِيَّ الجِـوَاءِ غُدَّبَـةً
صُبِحْنَ سُلافاً مِنْ رَحيقٍ مُفَلْفَـلِ
كَأَنَّ السِّبَـاعَ فِيْهِ غَرْقَى عَشِيَّـةً
بِأَرْجَائِهِ القُصْوَى أَنَابِيْشُ عُنْصُـلِ


**************************





وهذه ابيات مغناة تنسب الى امرئ القيس ايضا الا اني اتحفظ علي هذا الراي حيث ان ابياتها توحي انها من الشعر العباسي :

قـتــيــلٌ بـــــوادي الـــحـــبِّ مــــــن غـيـرقــاتــلِ
ولا مــــيِّــــت يَــــعــــزِي نُــــهــــاك ولا زُمــــــــلُ

فــتــلــك الـــتـــي هــــــام الـــفــــؤاد بـحــبَّــهــا
مــهــفــهـــفـــةٌ بـــيـــضـــاءُ دريــــة الــــقُــــبـــــل

ولـــي ولــهــا فــــي الــنــاس قــــولٌ وسُـمـعــةٌ
ولـــــي ولــهـــا فـــــي كـــــل نـاحــيــةٍ مَـــثَـــل

رادحٌ صَــمُــوت الـحِــجِــل لـــــو أنــهـــا مــشـــت به
عــنـــد بـــــاب السَّـبـسـبـيـن ـلانـفـصــل

ألا لا ألا إلاَّ لآِلاءِ لابـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــثٍ
ولا لا ألا لآِ لاء مــــــــــــــــــــن رحــــــــــــــــــــل


فكـم كــم وكــم كــم ثــم كــم كــم وكــم وكــم
قـطـعــتُ الـفـيـافــي والـمَـهـامِــه لـــــم أَمـــــل


وكــــــــافٌٌٌ وكــفـــكـــافٌ وكــــفــــي بــكــفــهـــا
وكــــــافٌ كَـــفـــوف الــــــودق مـــــــن وصـــــــل


وفـي فـي وفـي فـي ثـم فـي فـي وفـي وفــي
وفــي وجنـتـي سلـمـى والـربـوع فـكـم أســـل


وسَل سل وسل سَل ثم سل سل وسل وسل
وســـل دا ر سـلـمــى والــربــوع فــكــم أســــل


وشَنصْـنـل وشـصْـنـل ثـــم شـصـنـل عشـنـصـل
عـلـى حـاجـبـي سـلـمـى يـزيــن مـــع الـمُـقَـل


حــجــازيـــة الـعـيـنــيــن مــكــيـــة الــحــشـــى
عــراقــيـــة الأطــــــــراف رومــــيــــة الــكـــفـــل


تِـهــامــيــة الأبـــــــدان عــبــســيَّــة الــلَّـــمـــى
خــزاعـــيـــةُ الأســــنــــان دُريــــــــة الـــقُـــبـــل


فــقــلـــتُ لـــهــــا أي الــقــبــائــل تُــنــســبــي
لعـلَّـي بـيـن الـنـاسِ فــي الشِّـعـر كــي أُســـل


فـــقـــالــــت أنــــــــــا كـــنــــديــــة عـــربــــيــــة
فـقـلــتُ لــهــا حــاشــا وكـــــلاَّ وهـــــل وبـــــل


فـــقـــالـــت أنـــــــــا روحـــــيّـــــة عــجــمـــيـــةٌ
فـقـلـتُ لــهــا ورخِــيــز بـيـاخُــوش مــــن قُــــزل


ولا عـبـتُـهــا الـشـطــرنــج خــيــلــي تـــرادفـــت
ورُخِّـــيـــي عـلـيــهــا دار بــالــشــاهِ بـالــعــجــل


فــقـــالـــت ومــــاهــــذا شــــطــــارةُ لاعــــــــبٍ
ولــكــن َّ قــتــل الـنـفــس بـالـفـيــل هُــوالاجـــل
.


*************************************



عنترة العبسي




هو عنترة بن شداد بن عمرو بن قراد من قبيلة عبس المضرية التي سكنت نجد وقيل ان شداد جده لابيه وانما هو عنترة بن عمرو بن شداد وقيل شداد عمه تكفله بعد وفاة ابيه ونسب اليه وكان عبدا اسودا ذلك لأن امه واسمها – زبيبة - حبشية سوداء سبيت في احدى المعارك ومن عادات العرب اتخاذ اولاد الاماء عبيدا ولو كانوا اباءهم ولا يعترفون ببنوتهم الا في حالة ايتائهم بابهر الاعمال واشرفها

عنترة احب ابنة عمه – عبلة- الا ان عمه لم يقبل به بعلا لأبنته لانه عبد وابنته حرة رغم انها كانت تحبه وتعشقه وبادلته الحب والوله و الشوق وفي هذا الوقت اغارت على قبيلة عبس قبيلة اخرى سلبتها الاموال والانعام ونهبت كل شيء وهتكت الاعراض على عادة العرب سابقا اذ يسوقون النسوة وياخذونها كالمتاع على عادة العرب سابقا اذ يسوقون النسوة في غنائمهم وياخذونها كالمتاع فهب الشجعان من عبس وعلى راسهم عنترة فردوا الغاصبين وقتلوهم وارجعوا الى قبيلتهم المال الزاد والانعام وكل ما سلب منهم عند ذلك اعترف ابوه ببنوته ولحقه في نسبه

ان عنترة العبسي كان من شجعان شعراء العرب وبعد هذه الحادثة اصبح مضرب الامثال في اقدامه وشجاعته الا انه قتل في حروب داحس والغبراء التي امتدت سنين طوال بين القبيلتين بعد ان وقع في الاسر وقد ظهرت روايات وقصص واساطير حول حياة عنترة وحبه لعبلة ابنة عمه وشجاعته في الحرب اشهرها القصة التي كتبت عن سيرته في العصر الاخير للدولة العباسية

تتميز قصائده بطولها وتطغى عليها عاطفة الحب والشوق واغلبها ذكر فيها حبه لعبلة اضافة الى الفخر والحماسة ووصف ساحة القتال وبلائه في معاركه وانتصاره على اعدائه

وعنترة من اصحاب المعلقات السبع ومطلع معلقته:

وقال عنترة العبسي في الغزل :

هل غادر الشعراء من مترد م
أم هَلْ عَرَفْتَ الدَّارَ بعدَ تَوَهُّـمِ
يَا دَارَ عَبْلـةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمِـي
وَعِمِّي صَبَاحاً دَارَ عبْلةَ واسلَمِي
فَوَقَّفْـتُ فيها نَاقَتي وكَأنَّهَـا
فَـدَنٌ لأَقْضي حَاجَةَ المُتَلَـوِّمِ
وتَحُـلُّ عَبلَةُ بِالجَوَاءِ وأَهْلُنَـا
بالحَـزنِ فَالصَّمَـانِ فَالمُتَثَلَّـمِ
حُيِّيْتَ مِنْ طَلَلٍ تَقادَمَ عَهْـدُهُ
أَقْـوى وأَقْفَـرَ بَعدَ أُمِّ الهَيْثَـمِ
حَلَّتْ بِأَرض الزَّائِرينَ فَأَصْبَحَتْ
عسِراً عليَّ طِلاَبُكِ ابنَةَ مَخْـرَمِ

عُلِّقْتُهَـا عَرْضاً وأقْتلُ قَوْمَهَـا
زعماً لعَمرُ أبيكَ لَيسَ بِمَزْعَـمِ
ولقـد نَزَلْتِ فَلا تَظُنِّي غَيْـرهُ
مِنّـي بِمَنْـزِلَةِ المُحِبِّ المُكْـرَمِ
كَـيفَ المَزارُ وقد تَربَّع أَهْلُهَـا
بِعُنَيْـزَتَيْـنِ وأَهْلُنَـا بِالغَيْلَـمِ
إنْ كُنْتِ أزْمَعْتِ الفِراقَ فَإِنَّمَـا
زَمَّـت رِكَائِبُكُمْ بِلَيْلٍ مُظْلِـمِ
مَـا رَاعَنـي إلاَّ حَمولةُ أَهْلِهَـا
وسْطَ الدِّيَارِ تَسُفُّ حَبَّ الخِمْخِمِ
فِيهَـا اثْنَتانِ وأَرْبعونَ حَلُوبَـةً
سُوداً كَخافيةِ الغُرَابِ الأَسْحَـمِ
إذْ تَسْتَبِيْكَ بِذِي غُروبٍ وَاضِحٍ
عَـذْبٍ مُقَبَّلُـهُ لَذيذُ المَطْعَـمِ
وكَـأَنَّ فَارَةَ تَاجِرٍ بِقَسِيْمَـةٍ
سَبَقَتْ عوَارِضَها إليكَ مِن الفَمِ
أوْ روْضـةً أُنُفاً تَضَمَّنَ نَبْتَهَـا
غَيْثٌ قليلُ الدَّمنِ ليسَ بِمَعْلَـمِ
جَـادَتْ علَيهِ كُلُّ بِكرٍ حُـرَّةٍ
فَتَرَكْنَ كُلَّ قَرَارَةٍ كَالدِّرْهَـمِ
سَحّـاً وتَسْكاباً فَكُلَّ عَشِيَّـةٍ
يَجْـرِي عَلَيها المَاءُ لَم يَتَصَـرَّمِ
وَخَلَى الذُّبَابُ بِهَا فَلَيسَ بِبَـارِحٍ
غَرِداً كَفِعْل الشَّاربِ المُتَرَنّـمِ
هَزِجـاً يَحُـكُّ ذِراعَهُ بذِراعِـهِ
قَدْحَ المُكَبِّ على الزِّنَادِ الأَجْـذَمِ
تُمْسِي وتُصْبِحُ فَوْقَ ظَهْرِ حَشيّةٍ
وأَبِيتُ فَوْقَ سرَاةِ أدْهَمَ مُلْجَـمِ

وَحَشِيَّتي سَرْجٌ على عَبْلِ الشَّوَى
نَهْـدٍ مَرَاكِلُـهُ نَبِيلِ المَحْـزِمِ
هَـل تُبْلِغَنِّـي دَارَهَا شَدَنِيَّـةَ
لُعِنَتْ بِمَحْرُومِ الشَّرابِ مُصَـرَّمِ
خَطَّـارَةٌ غِبَّ السُّرَى زَيَّافَـةٌ
تَطِـسُ الإِكَامَ بِوَخذِ خُفٍّ مِيْثَمِ

وكَأَنَّمَا تَطِـسُ الإِكَامَ عَشِيَّـةً
بِقَـريبِ بَينَ المَنْسِمَيْنِ مُصَلَّـمِ
تَأْوِي لَهُ قُلُصُ النَّعَامِ كَما أَوَتْ
حِـزَقٌ يَمَانِيَّةٌ لأَعْجَمَ طِمْطِـمِ
يَتْبَعْـنَ قُلَّـةَ رأْسِـهِ وكأَنَّـهُ
حَـرَجٌ على نَعْشٍ لَهُنَّ مُخَيَّـمِ
صَعْلٍ يعُودُ بِذِي العُشَيرَةِ بَيْضَـةُ
كَالعَبْدِ ذِي الفَرْو الطَّويلِ الأَصْلَمِ
شَرَبَتْ بِماءِ الدُّحرُضينِ فَأَصْبَحَتْ
زَوْراءَ تَنْفِرُ عن حيَاضِ الدَّيْلَـمِ
وكَأَنَّما يَنْأَى بِجـانبِ دَفَّها الـ
وَحْشِيِّ مِنْ هَزِجِ العَشِيِّ مُـؤَوَّمِ
هِـرٍّ جَنيبٍ كُلَّما عَطَفَتْ لـهُ
غَضَبَ اتَّقاهَا بِاليَدَينِ وَبِالفَـمِ
بَرَكَتْ عَلَى جَنبِ الرِّدَاعِ كَأَنَّـما
بَرَكَتْ عَلَى قَصَبٍ أَجَشَّ مُهَضَّمِ

وكَـأَنَّ رُبًّا أَوْ كُحَيْلاً مُقْعَـداً
حَشَّ الوَقُودُ بِهِ جَوَانِبَ قُمْقُـمِ
يَنْبَاعُ منْ ذِفْرَى غَضوبٍ جَسرَةٍ
زَيَّافَـةٍ مِثـلَ الفَنيـقِ المُكْـدَمِ
إِنْ تُغْدِفي دُونِي القِناعَ فإِنَّنِـي
طَـبٌّ بِأَخذِ الفَارسِ المُسْتَلْئِـمِ
أَثْنِـي عَلَيَّ بِمَا عَلِمْتِ فإِنَّنِـي
سَمْـحٌ مُخَالقفتي إِذَا لم أُظْلَـمِ
وإِذَا ظُلِمْتُ فإِنَّ ظُلْمِي بَاسِـلٌ
مُـرٌّ مَذَاقَتُـهُ كَطَعمِ العَلْقَـمِ
ولقَد شَربْتُ مِنَ المُدَامةِ بَعْدَمـا
رَكَدَ الهَواجرُ بِالمشوفِ المُعْلَـمِ
بِزُجاجَـةٍ صَفْراءَ ذاتِ أَسِـرَّةٍ
قُرِنَتْ بِأَزْهَر في الشَّمالِ مُقَـدَّمِ
فإِذَا شَـرَبْتُ فإِنَّنِي مُسْتَهْلِـكٌ
مَالـي وعِرْضي وافِرٌ لَم يُكلَـمِ

وإِذَا صَحَوتُ فَما أَقَصِّرُ عنْ نَدَىً
وكَما عَلمتِ شَمائِلي وتَكَرُّمـي

وحَلِـيلِ غَانِيةٍ تَرَكْتُ مُجـدَّلاً
تَمكُو فَريصَتُهُ كَشَدْقِ الأَعْلَـمِ
سَبَقَـتْ يَدايَ لهُ بِعاجِلِ طَعْنَـةٍ
ورِشـاشِ نافِـذَةٍ كَلَوْنِ العَنْـدَمِ
هَلاَّ سأَلْتِ الخَيـلَ يا ابنةَ مالِـكٍ
إنْ كُنْتِ جاهِلَةً بِـمَا لَم تَعْلَمِـي
إِذْ لا أزَالُ عَلَى رِحَالـةِ سَابِـحٍ
نَهْـدٍ تعـاوَرُهُ الكُمـاةُ مُكَلَّـمِ
طَـوْراً يُـجَرَّدُ للطَّعانِ وتَـارَةً
يَأْوِي إلى حَصِدِ القِسِيِّ عَرَمْـرِمِ
يُخْبِـركِ مَنْ شَهَدَ الوَقيعَةَ أنَّنِـي
أَغْشى الوَغَى وأَعِفُّ عِنْد المَغْنَـمِ
ومُـدَّجِجٍ كَـرِهَ الكُماةُ نِزَالَـهُ
لامُمْعـنٍ هَـرَباً ولا مُسْتَسْلِـمِ
جَـادَتْ لهُ كَفِّي بِعاجِلِ طَعْنـةٍ
بِمُثَقَّـفٍ صَدْقِ الكُعُوبِ مُقَـوَّمِ
فَشَكَكْـتُ بِالرُّمْحِ الأَصَمِّ ثِيابـهُ
ليـسَ الكَريمُ على القَنا بِمُحَـرَّمِ
فتَـركْتُهُ جَزَرَ السِّبَـاعِ يَنَشْنَـهُ
يَقْضِمْـنَ حُسْنَ بَنانهِ والمِعْصَـمِ
ومِشَكِّ سابِغةٍ هَتَكْتُ فُروجَهـا
بِالسَّيف عنْ حَامِي الحَقيقَة مُعْلِـمِ
رَبِـذٍ يَـدَاهُ بالقِـدَاح إِذَا شَتَـا
هَتَّـاكِ غَايـاتِ التَّجـارِ مُلَـوَّمِ
لـمَّا رَآنِي قَـدْ نَزَلـتُ أُريـدُهُ
أَبْـدَى نَواجِـذَهُ لِغَيـرِ تَبَسُّـمِ
عَهـدِي بِهِ مَدَّ النَّهـارِ كَأَنَّمـا
خُضِـبَ البَنَانُ ورَأُسُهُ بِالعَظْلَـمِ
فَطعنْتُـهُ بِالرُّمْـحِ ثُـمَّ عَلَوْتُـهُ
بِمُهَنَّـدٍ صافِي الحَديدَةِ مِخْـذَمِ
بَطـلٌ كأَنَّ ثِيـابَهُ في سَرْجـةٍ
يُحْذَى نِعَالَ السِّبْتِ ليْسَ بِتَـوْأَمِ

ياشَـاةَ ما قَنَصٍ لِمَنْ حَلَّتْ لـهُ
حَـرُمَتْ عَلَيَّ وَلَيْتَها لم تَحْـرُمِ
فَبَعَثْتُ جَارِيَتي فَقُلْتُ لها اذْهَبـي
فَتَجَسَّسِي أَخْبارَها لِيَ واعْلَمِـي
قَالتْ : رَأيتُ مِنَ الأَعادِي غِـرَّةً
والشَاةُ مُمْكِنَةٌ لِمَنْ هُو مُرْتَمـي
وكـأَنَّمَا التَفَتَتْ بِجِيدِ جَدَايـةٍ
رَشَـاءٍ مِنَ الغِـزْلانِ حُرٍ أَرْثَـمِ
نُبّئـتُ عَمْراً غَيْرَ شاكِرِ نِعْمَتِـي
والكُـفْرُ مَخْبَثَـةٌ لِنَفْسِ المُنْعِـمِ
ولقَدْ حَفِظْتُ وَصَاةَ عَمِّي بِالضُّحَى
إِذْ تَقْلِصُ الشَّفَتَانِ عَنْ وَضَحِ الفَمِ
في حَوْمَةِ الحَرْبِ التي لا تَشْتَكِـي
غَمَـرَاتِها الأَبْطَالُ غَيْرَ تَغَمْغُـمِ
إِذْ يَتَّقُـونَ بـيَ الأَسِنَّةَ لم أَخِـمْ
عَنْـها ولَكنِّي تَضَايَقَ مُقْدَمـي
لـمَّا رَأيْتُ القَوْمَ أقْبَلَ جَمْعُهُـمْ
يَتَـذَامَرُونَ كَرَرْتُ غَيْرَ مُذَمَّـمِ
يَدْعُـونَ عَنْتَرَ والرِّماحُ كأَنَّهـا
أشْطَـانُ بِئْـرٍ في لَبانِ الأَدْهَـمِ
مازِلْـتُ أَرْمِيهُـمْ بِثُغْرَةِ نَحْـرِهِ
ولِبـانِهِ حَتَّـى تَسَـرْبَلَ بِالـدَّمِ
فَـازْوَرَّ مِنْ وَقْـعِ القَنا بِلِبانِـهِ
وشَـكَا إِلَىَّ بِعَبْـرَةٍ وَتَحَمْحُـمِ
لو كانَ يَدْرِي مَا المُحاوَرَةُ اشْتَكَى
وَلَـكانَ لو عَلِمْ الكَلامَ مُكَلِّمِـي
ولقَـدْ شَفَى نَفْسي وَأَذهَبَ سُقْمَهَـا
قِيْلُ الفَـوارِسِ وَيْكَ عَنْتَرَ أَقْـدِمِ
والخَيـلُ تَقْتَحِمُ الخَبَارَ عَوَابِسـاً
مِن بَيْنَ شَيْظَمَـةٍ وَآخَرَ شَيْظَـمِ
ذُللٌ رِكَابِي حَيْثُ شِئْتُ مُشَايعِي
لُـبِّي وأَحْفِـزُهُ بِأَمْـرٍ مُبْـرَمِ
ولقَدْ خَشَيْتُ بِأَنْ أَمُوتَ ولَم تَـدُرْ
للحَرْبِ دَائِرَةٌ على ابْنَي ضَمْضَـمِ
الشَّـاتِمِيْ عِرْضِي ولَم أَشْتِمْهُمَـا
والنَّـاذِرَيْـنِ إِذْ لَم أَلقَهُمَا دَمِـي
إِنْ يَفْعَـلا فَلَقَدْ تَرَكتُ أَباهُمَـا
جَـزَرَ السِّباعِ وكُلِّ نِسْرٍ قَشْعَـمِ
.
وقال عنترة ايضا:
بَرْدُ نَسيم الحجاز في السَّحَرِ
إذا أتاني بريحهِ العطِرِ

ألذُّ عندي مِمَّا حَوتْهُ يدي
مِنَ اللآلي والمالِ والبِدَر

ومِلْكُ كِسْرَى لا أَشتَهيه إذا
ما غابَ وجهُ الحبيبِ عنْ نظري

سقى الخِيامَ التي نُصبْنَ على
شربَّةِ الـأُنسِ وابلُ المطر

منازلٌ تَطْلعُ البدورُ بها
مبَرْقعاتٍ بظُلمةِ الشَّعر

تَغْتَرِقُ الطَّرْفَ وَهْيَ لاهِيَةٌ
كأنّما شَفَّ وَجْهَها نُزُفُ

بيضٌ وسُمْرٌ تَحْمي مَضاربَها
أساد غابٍ بالبيضِ والسُّمر
صادتْ فُؤادي مِنهُنَّ جاريةٌ
مكْحولةُ المقْلتين بالحور

تريكَ مِنْ ثغرِها إذا ابتَسمت
كأسَ مُدامٍ قد حُفَّ بالدُّررِ

أعارت الظَّبيَ سِحرَ مقْلتها
وباتَ ليثُ الشَّرَى على حذَر

خودٌ رداحٌ هيفاء ُ فاتِنةٌ
تُخجلُ بالحُسنِ بهجةَ القمر

يا عبلَ نارُ الغرام في كَبدي
ترمي فؤَادي بأَسْهُم الشرر


وقال عنترة ايضا :


إن طيف الخيال يا عبل يشفي
ويداوي به فؤادي الكئيب

وهلاكي في الحب أهون عندي
من حياتي إذا جفاني الحبيب
يا نسيم الحجاز لولاك تطفا
نار قلبي أذاب جسمي اللهيب
لك منى إذا تنفست حر
ولرياك من عبيلة طيب
ولقد ناح في الغصون حمام
فشجاني حنينه والنحيب
بات يشكو فراق إلف بعيد
وينادي أنا الوحيد الغريب

يا حمام الغصون لو كنت مثلي
عاشقا لم يرقك غصن رطيب

كل يوم له عتاب مع الدهر
وأمر يحار فيه اللبيب

وبلايا ما تنقضي ورزايا
ما لها من نهاية وخطوب

..............

وقال عنترة ايضا :

أشاقك من عبل الخيال المبهج
فقلبك منه لاعج يتوهج

كأن فؤادي يوم قمت مودعا
عبيلة مني هارب يتمعج

خليلي ما أنساكما بل فداكما
أبي وأبوها أين أين المعرج

الماء بماء الدحرضين فكلما
ديار التي في حبها بت ألهج

ديار لذات الخدر عبلة أصبحت
بها الأربع الهوج العواصف ترهج

الا هل ترى إن سط عني مزارها
وأزعجها عن أهلها الآن مزعج

فهل تبلغني دارها شدنية
هملعة بين القفار تهملج




-*******************************************









الاعشى


هو ميمون بن قيس وسمي الاعشى لعشو في بصره اضعفه وكان يلقب بأعشى قيس نسبة لابيه قيس كان كثير التجوال والاسفار جاب اطراف الجزيرة العربية ووصف كل المواقع التي زارها في شعره او لمح اليها فيه
اشتهر بالمدح الى حد الافراط فيه وبالفخر والوصف والحماسة والغزل والهجاء
الاعشى من اصحاب المعلقات العشر التي علقت في داخل الكعبة لاهميتها ومكانتها الشعرية العالية ومطلع معلقته :
ودع هريرة ان الركب مرتحل
وهل تطيق وداعا ايها الرجل

وقال الا عشى في الغزل :


أوَصَلْتَ صُرْمَ الحَبْلِ مِنْ سَلْمَى لِطُولِ جِنَابِهَا

وَرَجَعْتَ بَعْدَ الشّيْبِ تَبْـ غِي وُدّهَا بطلابها

أقْصِرْ، فَإنّكَ طَالَمَا أُوضِعْتَ في إعْجَابِهَا

أوَلَنْ يُلاحَمَ في الزّجَا جَةِ صَدْعُهَا بِعِصَابِهَا

أوَلَنْ تَرَى في الزُّبْرِ بَيَـ ـنَةً بِحُسْنِ كِتَابِهَا

إنّ القُرَى يِوْماً سَتَهْـ ـلِكُ قَبْلَ حَقّ عَذَابِهَا

وَتَصِيرُ بَعْدَ عِمَارَةٍ يَوْماً لـأمْرِ خَرَابِهَا


وقال الاعشى ايضا :


وَدّعْ هُرَيْرَةَ إنّ الرَّكْبَ مرْتَحِلُ،

وَهَلْ تُطِيقُ وَداعاً أيّهَا الرّجُلُ؟

غَرّاءُ فَرْعَاءُ مَصْقُولٌ عَوَارِضُها،
تَمشِي الـهُوَينا كما يَمشِي الوَجي الوَحِلُ


كَأنّ مِشْيَتَهَا مِنْ بَيْتِ جارَتِهَا
مَرُّ السّحَابَةِ، لا رَيْثٌ وَلا عَجَلُ

تَسمَعُ للحَليِ وَسْوَاساً إذا انصَرَفَتْ
كمَا استَعَانَ برِيحٍ عِشرِقٌ زَجِلُ

لَيستْ كمَنْ يكرَهُ الجيرَانُ طَلعَتَهَا،
وَلا تَرَاهَا لسِرّ الجَارِ تَخْتَتِلُ

إذا تُعالِجُ قِرْناً سَاعةً فَتَرَتْ
، إذا تَقُومُ إلى جَارَاتِهَا الكسل

يَكادُ يَصرَعُها، لَوْلا تَشَدّدُهَا،
وَاهتَزّ منها ذَنُوبُ المَتنِ وَالكَفَلُ

مِلءُ الوِشاحِ وَصِفْرُ الدّرْعِ بَهكنَةٌ
إذا تَأتّى يَكادُ الخَصْر ُ يَنْخَزِلُ

صَدّتْ هُرَيْرَةُ عَنّا ما تُكَلّمُنَا،
جَهْلاً بأُمّ خُلَيْدٍ حَبلَ من تَصِلُ؟


يقول الاعشى في الغزل :

اوصلت صرم الحبل من ...........سلمى لطول جنبها

ورجعت بعد الشيب تبغى..... .. ودها بطلابها

اقصر، فانك طالما.... . ..اوضعت فى اعجابها

ولقد غبنت الكاعبا.... . ..ت احظ من تحبابها

واخون غفلة قومها..... .يمشون حول قبابها

حدار عليها ان ترى..... او ان يطاف ببابها

فبث جنيا لنا..... .ياتى برجع حوبها

فمشى ولم يخشى الاني... ...س فزارها وخلا بها

عضب اللسان متقن. .....فطن لمن يعنى بها

صنع بلين حديثها... ...فدنت عرى اسبابها

قالت : قضية قضية.. ..عدلا لنا يرضى بها

فاردها كيف الدخول.. ..وكيف ما يؤتى بها

فى قبة حمراء زي(م).. ..نها ائتلاق طبابها

ودنا تسمعة الى .... .الى ما قال اذا اوصى بها

لن الفتاة صغيرة... ..غر، فلا يسدى بها

واعلم بانى لم اكل(م) . ...م مثلها بصعابها

انى اخاف الصرم من..........ها او شحيج غرابها

فدخلت اذ نام الرقيب.... .من شدة للعابها

قسمتها قسمين كل(م). .... موجة يرمى بها

فثنيت جيد غريرة.. . و لمست بطن حقابها

كالحقة صفراء صا. ...ك عبيرها بملابها

واذا لنا تامورة..... .مرفوع لشرابها

وتظل تجرى بيننا.. ..ومفدم يسعى بها

هزج عليه التومتا. ....ن اذا نشاء عدا بها

ووديقة شهباء رد(م)... .. ى اكمها بسرابها

ركت عليها يومها. . ..شمس بحر شهابا

حتى اذاما اوقت. ..فالجمر مثل ترابها

كلفت عانسة امو... نا فى نشاط هبابها

اكللتها بعد المراح . .فال من اصلابها

فشكت الى كلامها... .والجهد من اتعابا

وكانها محموم خيبر .. . بل من اوصابها

لعب بها الحمى سنين. .. وكان من اصحابها

وردت على السعد ابن قيس. ..ناقتى ، ولما بها

فاذا عبيد عكف... .مسك على انصابها

وجميع ثلعبة ابن سعد.. .بعد حول قبابها

من شراب المزاء ما ... .استبطنت من اشرابها

وعلمت ان الله.... عمدا حسها وارى بها


وقال الاعشى ايضا :

ذَنبي لِعبْلةَ ذنبٌ غير مغتفرِ
لمّا تَبلَّجَ صبُح الشَّيبِ في شعري
رَمتْ عُبيلةُ قلْبي من لواحِظِها
بكُلِّ سهْم غريق النَّزعْ في الحَوَرِ
فاعْجب لهنّ سهاماً غيْرَ طائِشَةٍ
من الجفُونِ بلا قوْسٍ ولا وَتَرِ
كم قد حفِظْتُ ذمامَ القوم من ولَهٍ
يَعْتادني لبناتِ الدَّلِّ والخَفَرِ
مُهفْهفاتٍ يَغارُ الغُصنُ حين يَرَى
قدودَها بيْنَ مَيَّاد و منْهصر
يا منْزلاً أدْمعي تجري عليهِ إذا
ضَنَّ السَّحابُ على الأَطْلال بالمطر
أرضُ الشَّربَّةِ كم قضَّيت مُبتهجاً
فيها مَعَ الغيدِ والأَتْرابِ من وَطَرِ
أيّامَ غُصْنُ شَبابي في نعُومتِهِ
ألْهُو بما فيهه من زهرٍ ومن أَثرِ
في كلِّ يومٍ لنا من نَشْرها سَحَراً
ريحٌ شَذَاها كنَشْر الزّهر في السَّحر
وكلُّ غصنٍ قويمٍ راق منْظرهُ
ما حَظُّ عاشِقها مِنْه سوى النَّظرِ
أخْشى عليها ولَوْلا ذاكَ ما وَقَفَتْ
ركائبي بينَ وِرْدِ العَزْمِ والصَّدَرِ
كلاّ ولاَ كُنْتُ بَعد القُرْبِ مُقْتنِعاً
منها على طولِ بُعْدِ الدَّار بالخبر
هُمُ الأَحبَّةُ إنْ خانُوا وإنْ نَقَضوا
عَهدي فما حُلْتُ عَنْ وَجْدي ولا فِكري
أَشكُو منَ الهَجر في سِرٍّ وفي عَلَنٍ
شكْوَى تُؤَثرُ في صلْدِ منَ الحجر

ويقول ايضا:


زارَ الخيالُ خيالُ عَبلَةَ في الكَرى
لمُتيِّم نشوانَ محلولِ العُرى
فنهضتُ أشكُو ما لَقيتُ لبُعدها
فتنفَّسَتْ مِسكاً يخالطُ عَنْبَرا
فضَممتُها كيما أقبِّلَ ثغرَها
والدَّمعُ منْ جَفنيَّ قد بلَّ الثرى
وكشفتُ بُرقُعَها فأَشرَقَ وجهُها
حتى أعادَ اللَّيلَ صُبحاً مُسفِراً
عربيَّةٌ يهْتزُّ لِينُ قوَامِها
فيخالُه العشَّاقُ رُمحاً أسمرا
محجوبةٌ بصَوارمٍ و َذَ وابلٍ
سمرٌ ودُونَ خبائها أسدُ الشَّرى
يا عَبلَ إنَّ هَواكِ قد جازَ المَدى
وأنا المُعنَّى فيكِ منْ دُون الورى
يا عَبلَ حبُّكِ في عِظامي مَعَ دَمي
لمَّا جرت روحي بجمسي قدْ جرَى
وَلقد عَلِقْتُ بذَيلِ مَنْ فَخُرتْ به
عَبْسٌ وَسيْفُ أبيهِ أفنى حِمْيَرا
يا شأْسُ جرْني منْ غرامٍ قاتلٍ
أبداً أزيدُ بهِ غراما ً مُسْعرا
يا شأسُ لولاَ أنّ سلْطانَ الهوى
ماضي العَزِيمةِ ما تملّكَ عنتَرا

وقال الاعشى ايضا :

سلا القلب عما كان يهوى ويطلب
وأصبح لا يشكو ولا يتعتب
صحا بعد سكر وانتخى بعد ذلة
وقلب الذي يهوى العلا يتقلب

إلى كم أداري من تريد مذلتي
وأبذل جهدي في رضاها وتغضب

عبيلة أيام الجمال قليلة
لها دولة معلومة ثم تذهب

فلا تحسبي أني على البعد نادم
ولا القلب في نار الغرام معذب
وقد قلت إني قد سلوت عن الهوى
ومن كان مثلي لا يقول ويكذب
هجرتك فامضي حيث شئت وجربي
من الناس غيري فاللبيب يجرب
لقد ذل من أمسي على ربع منزل
ينوح على رسم الديار ويندب
وقد فاز من في الحرب أصبح جائل
يطاعن قرنا والغبار مطنب
نديمي رعاك الله قم عن لي على
كؤوس المنايا من دم حين أشرب
ولا تسقني كأس المدام فإنها
يضل بها عقل الشجاع ويذهب


*****************************************






قيس بن الخطيم



هو ابو زيد قيس بن الخطيم بن عدي بن عمرو بن سواد بن ظفر من بني الأوس بن حارثة إحدى أهم قبائل يثرب(المدينة المنورة).
توفي لسنتين قبل الهجرة شاعر من صناديد وابطال العرب في الجاهلية وأشد رجالها. قُتل أبوه وهو صغير . قتله رجل خزرجي . فلما بلغ مبلغ الرجال قتل قاتل أبيه وقيل لهذ ا السبب نشبت الحروب بين الاوس و الخزرج التي استمرت طويلا الى ان اطفأها الاسلام حيث آ خا الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم بين الاوس والخزرج. وقيل انه قتل أيضاً قاتل جده، و يذكر الصفدي صاحب الوافي بالوفيات عنه بقوله :(كان قيس مقرون الحاجبين، أدعج العينين، أحم الشفتين، براق الثنايا كأن بينهما برقاً، ما رأته حليلة رجل قط إلا ذهب عقلها واستهوته ). وله في وقعة بعاث التي كانت بين الأوس والخزرج قبل الهجرة أشعار كثيرة. فقد كان شاعراً لايشق له غبار وكان بينه وبين حسان بن ثابت شاعر الخزرج منافسات ومساجلات شعرية وكان الاوس والخزرج يعلمونها لاولادهم ويجعلونهم يحفظونها لأن فيها مآثرهم وبطولاتهم.
أدرك الإسلام وتريث في قبوله، فقتل قبل اسلامه .
بينما أسلمت زوجته حواء الأنصارية وكانت قد كتمت إسلامها عنه.
عاش قيس يتيماً لايعرف عن موت أبيه شيئا وكانت امه تخاف عليه كثيرا فكتمت خبر مقتل أبيه خوفاً منها أن يُقتل ان سعى في ثأر أبيه كما قُتل أبوه وهو يسعى للثأر لجده لذا فقد اصطنعت قبرا بجوار بيتها واخبرته ان هذا قبر ابيه وقبر جده وكان قاتل جد قيس من بني عمرو بن ربيعة، وقاتل الخطيم من بني عبد القيس من بني بكر الذين يسكنون هجر( الأحساء) التي تبعد عن المدينة المنورة مسافة تقارب الألف وخمسمائة كيلومتر وبينهما صحاري وجبال ووهاد فكان قيس لا يشك في كلام أمه. ونشأ قيس قوي البنية شديد الساعدين، فكان يصارع فتيان قومه ويغلبهم إلى أن غضب منه أحدهم
فقال له: والله لو جعلت شِدَّة ساعديك على قتلة أبيك وجدِّك لكان خيراً من أن تُظهرها علينا.
فقال قيس : ومن قتل أبي وجدي؟
فقال الفتى: سل أمك تخبرك.
فذهب قيس من فوره إلى أمه غاضباً
وقال لها: كيف مات أبي وجدي؟
فقالت : ماتا كما يموت الناس. فوضع سيفه على صدره
وقال لها: لئن لم تخبرينني من قتلهما لأقتلن نفسي .
فقالت: أمَّا جدُّك فقتله رجل من بني عمرو بن عامر بن ربيعة يقال له مالك ، وأمَّا أبوك فقتله رجل من عبد القيس ممن يسكن هجر.
فقال : والله لا أرتاح ولاترين وجهي حتى أقتل قاتلي أبي وجدي.
فقالت : يا بني مادام الأمر على ذلك فإن مالكاً قاتل جدك من قوم -خداش بن زهير -، ولأبيك عند خداش نعمة ٌ هو لها شاكر، فأته فا ستشره في أمرك، واستعنه على ذلك فأنه يُعِنك .
فخرج قيس من ساعته وأخذ جمله وحمل عليه حملين من التمر ، ثم خرج الى قومه وقال: من يكفيني أمر أمي العجوز ؟ فإن مِتُّ أنفق عليها من هذا الحائط(البستان) حتى تموت ثم هو له، وإن عشت فمالي عائدٌ إليَّ ، وله ما شاء أن يأكل من تمره. فقال رجل من قوم قيس : أنا أكفيك ، فأعطاه البستان. ثم خرج يسأل عن خداش بن زهير حتى دُلَّ عليه في وادٍ قرب مكة فذهب قيس إلى خيمة خداش فلم يجده، فنزل تحت شجرة ينزل تحتها أضياف خداش ، ثم نادى امرأة خداش
وقال لها: هل من طعام؟
فقالت: والله ماعندنا إلا تمر .
فقال: أخرجيه لي.
فأرسلت إليه إناءً فيه تمر فأخذ منه تمرة وقسمها نصفين فأكل نصفها وأرجع النصف الباقي في الإناء ، ثم أعاده لها، وذهب لبعض حاجاته.
ورجع خداش ، فأخبرته امرأته بأمر ضيفه وما فعله بالتمرة ،
فقال لها : هذا رجل له عندنا حرمة وذمة ويريد أن نعينه،
وأقبل قيس راجعاً ، فلما رآه خداش ورأى قدميه
قال لامرأته: أهذا ضيفنا؟
قالت: نعم .
وكان خداش من ذوي الفراسة
فقال: كأن قدمه قدم الخطيم والله إن لم أكن مخطئاً فهو ابنه.
ثم أقبل قيس وقرع طنب الخيمة بسنان رمحه ، واستأذن،
فدخل إلى خداش وعرَّفه بنفسه وأخبره بأمره وعزمه على الثأر لابيه وجده وأنه يريد من يعينه على ذلك. فرحب به خداش ، وذكر نعمة أبيه عنده،
وقال: مازلت أتوقع هذا الأمر منك منذ حين ، فأمًّا قاتل جدِّك فهو من قومي ، وأنا أعينك عليه ، فإذا اجتمعنا في نادينا(مجلسنا) فسأجلس إلى جنبه وأتحدث إليه ، فإذا ضربت فخذه فقم إليه واقتله. ففعل ما اشار عليه خاش ولما قتل قيس قاتل جده قام عليه القوم ليقتلوه فمنعهم خداش وقال : دعوه فوالله ما قتل إلا قاتل جده.
ثم دعا خداش بجمل من إبله فركبه ، وانطلق مع قيس ليالي وأياماً حتى إذا اقتربوا من هجر
قال خداش لقيس ( اذهب فاسأل عن قاتل أبيك، فإذا دُللت عليه اذهب إليه وقل له:إن لصاً من قومك عارضني فأخذ متاعي ، فسألت من سيد قومه فدلُّوني عليك ، فانطلق معي حتى ترجع لي متاعي منه . فإن اتبعك وحده فستنال ماتريد منه ، وإن أخرج معه غيره فاضحك وقل له إن الشريف عندنا إذا دعي إلى اللص من قومه تكفيه هيبته وسوطه عن سيفه وقومه فإذا رآه اللص أعطاه كل شيء هيبة وتوقيرا له . فإن أمر قومه بالرجوع فقد تهيأت الفرصة ، وإن أبى إلا أن يمضوا معه ، فأتني بهم فإني أرجو أن نقتله ومن معه).
ونزل خداش تحت ظل شجرة ، وفعل قيس ماأشار عليه خداش فعله ، فجاء الرجل معه وحده فتمكن قيس من قتله ،
فقال له خداش: إنا إن مررنا الآن طلبنا قومه ، ولكن ادخل مكاناً قريباً من مقتله فإن قومه لايظنون أنك قتلته وأقمت قريباً منه. و خرج القوم فوجدوا سيدهم قتيلاً فخرجوا يطلبون قاتله في كل وجه فلم يجدوه فعادوا يائسين وتركوا البحث فعاد قيس وخداش بعدها إلى قومها سالمين.
وفي تلك القصة قال قيس بن الخطيم إحدى أشهر قصائده المعروفة والتي كانت تقريباً أول مااشتهر من قصائده ، وفيها يقول:
تَذَكَّـرَ لَيلـى حُسنَهـا وَصَفاءَهـا
وَبانَت فَأَمسى مـا يَنـالُ لِقاءَهـا
وَمِثلِكِ قَد أَصبَيـتُ لَيسَـت بِكَنَّـةٍ
وَلا جارَةٍ أَفضَـت إِلَـيَّ حَياءَهـا
إِذا ما اِصطَحَبتُ أَربَعاً خَطَّ مِئزَري
وَأَتبَعتُ دَلوي في السَخاءِ رِشاءَهـا
ثَأَرتُ عَدِيّاً وَالخَطيـمَ فَلَـم أُضِـع
وِلايَـةَ أَشيـاءٍ جُعِلـتُ إزاءَهـا
ضَرَبتُ بِذي الزِرَّينِ رِبقَـةَ مالِـكٍ
فَأُبتُ بِنَفسٍ قَـد أَصَبـتُ شِفاءَهـا
وَسامَحَني فيها اِبنُ عَمروِ بنِ عامِرٍ
خِـداشٌ فَـأَدّى نِعمَـةً وَأَفـاءَهـا
طَعَنتُ اِبنَ عَبدِ القَيسِ طَعنَةَ ثائِـرٍ
لَها نَفَذٌ لَـولا الشُعـاعُ أَضاءَهـا
مَلَكتُ بِها كَفّـي فَأَنهَـرتُ فَتقَهـا
يَرى قائِماً مِن خَلفِها مـا وَراءَهـا
وَإِنّا مَنَعنـا فـي بُعـاثٍ نِساءَنـا
وَما مَنَعَت مِلمُخزِياتِ نِساءَهـا


لما عاد قيس بن الخطيم من رحلة ثأره اشتهر أمره بين قومه و قال قصيدته المشهورة التي افتخر فيها بثأره، أراد قومه من الأوس أن يجربوا بطولته وقوته في معاركهم وكانت حرب بعاث في أوجها ، فلم يخيب قيس أمل قومه حيث كان بطلاً في معاركهم، وقد شهد له بالبطولة اصدقاؤه وأعداؤه وقد قال ثابت بن قيس بن شماس الصحابي الجليل يشهد بذلك أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقيل أن رسول الله عليه الصلاة والسلام كان في مجلس من الخزرج فذكر بيت قيس بن الخطيم الذي يقول فيه:
أُجالِدُهُـم يَـومَ الحَديقَـةِ حاسِـراً
كَأَنَّ يَدي بِالسَيفِ مِخـراقُ لاعِـبِ
فتعجب رسول الله من ذلك
وقال: أكان فعلاً كذلك؟
فقال ثابت بن قيس بن شماس: نعم يارسول الله، ولقد نزل إلينا ذلك اليوم وكان سابع يوم بعد عرسه .

____________
قال في الغزل:
تَروحُ مِنَ الحَسناءِ أَم أَنتَ مُغتَدي
وَكَيفَ اِنطِلاقُ عاشِقٍ لَـم يُـزَوَّدِ
تَراءَت لَنا يَومَ الرَحيـلِ بِمُقلَتـي
غَريرٍ بِمُلتَفٍّ مِنَ السِـدرِ مُفـرَدِ
وَجيدٍ كَجيدِ الرِئمِ صـافٍ يَزينُـه
َوَقُّـدُ ياقـوتٍ وَفَصـلِ زَبَرجَـدِ
كَأَنَّ الثُرَيّا فَـوقَ ثُغـرَةِ نَحرِهـا
تَوَقَّـدُ فـي الظَلمـاءِ أَيَّ تَوَقُّـدِ


وقال ايضا :
يا عبلَ لولا الخيالُ يطرقُني
قضيْتُ لَيلي بالنوحِ والسَّهَرِ
يا عبلَ كَمْ فِتْنةٍ بَليتُ بها
وخُضتُها بالمُهنَّدِ الذَّكر
والخيلُ سُودُ الوجوه كالحةٌ
تخوضُ بحْرَ الهلاَكِ والخطَر
أُدَافعُ الحادثاتِ فيكِ ولاَ
أُطيق دفعَ القَضاءِ والقَدَرِ

وقال في الغزل ايضا :

رَدَّ الخَلِيطُ الجِمَالَ فانْصَرَفُوا
ماذَا عَلَيْهِمْ لَوَ انّهُمْ وَقَفُوا
لَوْ وَقَفُوا ساعةً نُسَائلُهُمْ
رَيْثَ يُضَحّي جِمَالَهُ السَّلَفُ
فِيهِمْ لَعُوبُ العِشاء آنِسَهُ ال
دَّلّ، عَرُوبٌ يَسُوءُها الخُلُفُ
بَيْنَ شُكولِ النّساء خِلْقَتُها
قَصْدٌ، فَلا جَبْلَةٌ وَلا قَضَفُ
تَنامُ عَنْ كُبْرِ شَأنِها فإذا
قَامَتْ رُوَيْداً تَكادُ تَنْغَرِفُ
حَوْراءُ جَيْداءُ يُسْتَضاء بها
كأنّها خُوطُ بَانَةٍ قَصِفُ
تَمْشي كمَشْيِ الزَّهراء في دَمَثِ ال
رَّمْلِ إلى السّهْلِ دونَهُ الجُرُفُ
ولا يَغِثُّ الحَدِيثُ ما نَطَقَتْ
وَهْوَ بِفِيها ذُو لَذَّةٍ طَرِفُ
تَخْزُنُهُ وَهْوَ مُشْتَهًى حَسَنٌ
وَهْو َ إذا ما تَكَلّمَتْ أُنُفُ
بَلْ لَيْتَ أهْلي وأهْلَ أَثْلَةَ في
دارٍ قَرِيبٍ مِنْ حَيْثُ تَخْتَلِفُ
أَيْهاتَ مَنْ أهْلُهُ بِيَثْرِبَ قَدْ
أمْسَى وَمَنْ دُونَ أهْلِهِ سَرِفُ
يا رَبِّ لا تُبْعِدَنْ دِيارَ بَني
عُذْرَة حَيْثُ انصرَفْتُ وانصرَفوا
أبْلِغْ بَني جَحْجَبَى وَقَوْمَهُمُ
خَطْمَةَ أنّا وَرَاءهُمْ أُنُفُ
وأنّنا دُونَ ما يَسومُهُمُ الأع
داءُ مِنْ ضَيْمِ خُطّةٍ نُكُفُ
نَفْلي بِحَدّ الصَّفِيحِ هامَهُمُ
وَفَلْيُنا هَامَهُمْ بِنا عُنُفُ


وقال ايضا :
يا عبلَ لولا الخيالُ يطرقُني
قضيْتُ لَيلي بالنوحِ والسَّهَرِ
يا عبلَ كَمْ فِتْنةٍ بَليتُ بها
وخُضتُها بالمُهنَّدِ الذَّكر
والخيلُ سُودُ الوجوه كالحةٌ
تخوضُ بحْرَ الهلاَكِ والخطَر
أُدَافعُ الحادثاتِ فيكِ ولاَ
أُطيق دفعَ القَضاءِ والقَدَرِ
نَفْلي بِحَدّ الصَّفِيحِ هامَهُمُ
وَفَلْيُنا هَامَهُمْ بِنا عُنُفُ


**********************************









النابغة الذ بياني


هو ابو امامة زياد بن معاوية الذبياني من قبيلة قيس المضرية ولقب بالنابغة لأنه لم يقل الشعر في صغره بل نبغ به نبوغا عند الكبر وهو من اشراف ذبيان وكان محبا للمال وكان يفد على النعمان بن المنذر ملك الحيرة ليمدحه فقربه الملك منه واجزل اليه لعطاء.
وقد غضب الملك عليه مرة فهرب الى الملك عمرو بن الحارث الاصغر ملك الغسا سنة بالشام فمدحه ثم تصالح معه الملك النعمان فرجع ليمدحه مجددا متوسلا فيه يقول :

فلا تتركني بالوعيد كانني
الى الناس مطلي به القار اجرب

الم تر ان الله اعطاك سورة
ترى كل ملك دونها يتذبذب

والنابغة يعد من الشعراء المشهورين الذين اختيرت قصائدهم وعلقت في باطن الكعبة وقصيدته من المعلقات العشر ومطلعها:

يادار مية بالعلياء فالسند
اقوت وطال عليها سالف الامد

والعلياء والسند اماكن او مواقع معروفة لدي الشاعر
توفي النابغة الذبياني قبل الاسلام ويغلب على شعره المد ح الى حد المبالغة وقد خص فيه الملك النعمان بن المنذر الا قليلا وقد تكسب بشعره حتى اشتهر بذلك

يقول في الغزل :


نَظَرَتْ بمُقْلَة ِ شادِنٍ مُتَرَبِّبٍ
أحوى ، أحمَّ المقلتينِ ، مقلدِ

و النظمُ في سلكٍ يزينُ نحرها
ذهبٌ توقَّدُ ، كالشّهابِ المُوقَدِ

صَفراءُ كالسِّيرَاءِ ، أكْمِلَ خَلقُها
كالغُصنِ ، في غُلَوائِهِ ، المتأوِّدِ

قامتْ تراءى بينَ سجفيْ كلةٍ
كالشّمسِ يومَ طُلُوعِها بالأسعُدِ

أوْ دُرّةٍ صَدَفِيّة ٍ غوّاصُها
بَهِجٌ متى يرها يهلّ ويسجدِ

أو دُميَة ٍ مِنْ مَرْمَرٍ ، مرفوعة ٍ
بنيتْ بآجرٍ ، تشادُ ، وقرمدِ

سَقَطَ النّصيفُ ، ولم تُرِدْ إسقاطَهُ
فتناولتهُ ، واتقتنا باليدِ

بمُخَضَّبٍ رَخْصٍ ، كأنّ بنانَهُ
عنمٌ ، يكادُ من اللطافةِ يُعقدِ

نظرَتْ إليك بحاجة ٍ لم تَقْضِها
نظرَ السقيمِ إلى وجوهِ العُوَّدِ

تَجْلُو بقادِمَتَيْ حَمامة أيكَةٍ
برداً أسفّ لثاتهُ بالإثمدِ

كالأقحوانِ ، غَداة َ غِبّ سَمائِه
جفتْ أعاليهِ ، وأسفلهُ ندي

أخذ العذارى عِقدَها ، فنَظَمْنَهُ
مِن لُؤلُؤٍ مُتتابِعٍ ، مُتَسَرِّدِ

لو أنها عرضتْ لأشمطَ راهبٍ
عبدَ الإلهِ ، صرورةٍ ، متعبدِ

لرنا لبهجتها ، وحسنِ حديثها
و لخالهُ رشداً وإنْ لم يرشدِ !


**********************************








المرقش



المرقش هو ربيعة بن سعد بن مالك، ويقال: هو عمرو بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة. والمرقش شاعر جاهلي من الطبقة الأولى له قصيدة تدخل في المعلقات، وسمي المرقش لقوله:
الدار قفر والرسوم كما
رقش في ظهر الأديم قلم
وهو أحد عشاق العرب المشهورين بذلك، وصاحبته أسماء بنت عوف بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة، وكان أبوها زوَّجهاً رجلا من مراد في غياب المرقش فلما عاد اخبره بخبر زواجها فخرج يريدها ومعه عسيف له من قبيلة غفيلة، فلما صار في بعض الطريق مرض، حتى ما يحمل إلا معروضاً، فتركه الغفيلي هناك في غار، وانصرف إلى أهله فأخبرهم أنه مات فلم يصدقوه فأخذوه وضربوه حتى اعترف انه تركه في غار مريضا فقتلوه، وقيل ان صاحبته أسماء عرفت الامر فبعثت إليه فجيئ به اليها محمولا وقد أكلت السباع أنفه، فقال:
ا راكبا إما عرضت فبلغن
أنس بن عمرو حيث كان وحرملا
لله دركما ودر أبيكما
إن أفلت الغفلى حتى يقتلا
من مبلغ الفتيان أن مرقشا
أضحى على الأصحاب عبأ مثقلا
ذهب السباع بأنفه فتركنه
ينهشن منه في القفار مجدلا
وكأنما ترد السباع بشلوه
إذ غاب جمع بني ضبيعة منهلا

وقيل انه كتب هذه الأبيات على خشب الرحل، وكان المرقش يجيد الكتابة باللغة بالحميرية، فقرأها قومه، فلذلك ضربوا الغفيلي حتى اعترف .
ومن جيد شعره قوله:
فهل يرجعن لي لمتي إن خضبتها
إلى عهدها قبل الممات خضابها
رأت أقحوان الشيب فوق خطيطة
إذا مطرت لم يستكن صؤابها
فإن يظعن الشيب الشباب فقد ترى
به لمتي لم يرم عنها غرابها



وقال الشاعر المرقش :


أغالِبُكَ القلبُ اللَّجوج صَبَابَةً
وشوقاً إلى أسماءَ أمْ أنتَ غالُبُهْ

يهيمُ ولا يعْيا بأسماء قلبُه
كذاك الـهوى إمرارُه وعواقِبُهْ

أيُلحى امرؤ في حبِّ الأما ء ب بِغَمْزٍ من الواشين وازورَّ جانبُهْ

وأسماءُ هَمُّ النفس إن كنتَ عالماً
وبادي أحاديثِ الفؤادِ وغائبهْ

إذا ذكرَتْها النفسُ ظَلْتُ كأنَّني
يُزعزعني قفقاف وِرْدٍ وصالبُهْ


وقال في الغزل ايضا :

قُلْ لـأسماء أَنْجِزي الميعادا
وانْظُري أنْ تُزوِّدي منكِ زادا

أَينما كنتِ أو حَلَلتِ بأَرضٍ
أو بلادٍ أَحيَيْتِ تلكَ البلادا

إن تَكُونِي تَرَكْتِ رَبْعَكِ بالشَّأ
مِ وجاوَزْتِ حِمْيراً ومُرادا

فارْتجِي أَن أَكونَ منكِ قريباً
فاسْألي الصَّادِرِين والوُرَّادا

وإذا ما رأَيْتِ رَكْباً مُخِّبِيـ
ـنَ يَقُودونَ مُقْرَباتٍ جِيادا

فَهُمُ صُحْبتِي على أَرْحُلِ المَيْـ
ـسِ يُزَجُّونَ أَيْنُقاً أَفْرادا

وإذا ما سمَعتِ من نحوِ أَرضٍ
بِمُحِبٍّ قد ماتَ أَو قِيلَ كادا

فاعْلَمِي غيرَ عِلْمِ شَكٍّ بأَنِّي
ذاكِ، وابْكِي لِمُصْفَدٍ أَنْ يُفادى

أو تناءت بك النوى فلقد قدتِ
فؤادِي لحينه فانقادا

ذاك أنِّي علقت منك جوى الحبّ
وليدا ً فزدتُ سنّاً فزادا



وقال ايضا :

خليليّ عوجا باركَ اللـه فيكما وإن
لم تَكُنْ هندٌ لـأرضِكما قَصْدا
وقولا لـها: ليس الضلالُ أجازَنا
ولكنّنا جُزنا لنلقاكمُ عَمدا


تخيّرتُ من نعمان عودَ أراكةٍ
لـهندٍ فمن هذا يُبلِّغه هِندا؟

وأنطيتُهُ سيفي لكيما أقيمَهُ
فلا أوداً فيه استبنتُ ولا خَضْدا

فلمّا أنخنا العيسَ قد طال سيُرها
إليهم وجدناهم لنا بالقرى حَشْدا

فناولتها المسواك والقلب خائف
وقلت لـها: يا هند أهلكتِنا وَجْدا

فمدَّت يداً في حُسْنِ كلٍّ تناولاً
إليه وقالت: ما أرى مثل ذا يُهْدى

وأقبلت كالمجتا ز أدّى رسالةً
وقامت تَجُرّ ُ المَيْسَنانِيَّ والبُردا

تَعَرَّضُ للحي الذينَ أريدهم
وما التمستْ إلاّ لتقتلني عمدا

فما شبهٍ هند غيرُ أدماءَ خاذِلٍ
من الوحشِ مرتاعٍ تُراعى طَلاًّ فَرْدا

وما نطفَة من مُزْنَةٍ في وَقيعَةٍ
لى متن صخر في صفاً خالطت شهْدا

بأطيب من ريّا عُلالة ريقها
غداة هضاب الطلّ في روضة مدا

وقال المرقش ايضا :

سَرى لَيْلاً خَيالٌ مِنْ سُلَيْمى
فَأَرَّقَني وأصْحابي هُجُودُ

فَبِتُّ أُدِيرُ أَمْرِي كلَّ حالٍ
وأَرْقُبُ أَهْلَها وهُمُ بعيدُ

عَلى أَنْ قَدْ سَما طَرْفِي لِنارٍ
يُشَبُّ لـها بذِي الـأَرْطى وَقُودُ

حَوالَيْها مَهاً جُمُّ التَّراقي
وأَرْآمٌ وغِزْلانٌ رُقُودُ

َ يَزُحْنَ مَعاً بِطاءَ المَشْيِ بُدّاً
عليهنَّ المَجاسِدُ والبُرُودُ

سَكَنَّ ببلْدَةٍ وسَكَنْتُ أُخْرى
وقُطِّعَتِ المواثِقُ والعُهُودُ

قال ايضا :


أتعْرِفُ رسمَ الدارِ قَفْرا ً مَنازِلُهْ،
كجَفْنِ اليمانِ زَخرَفَ الوشيَ ماثلُهْ

بتثلِيثَ أوْ نَجرَانَ أوْ حيثُ تَلتقي،
منَ النّجْدِ في قِيعانِ جأشٍ مسائلُه

دِيارٌ لِسلْمى إذ تصِيدُكَ بالمُنى،
وإذ حبلُ سلمى منكَ دانٍ توَاصُلُه

وإذ هيَ مثلُ الرّئمِ، صِيدَ غزالُها،
لـها نَظَرٌ ساجٍ إليكَ، تُوَاغِلُهْ

غَنِينا، وما نخشى التّفرّقَ حِقبَةً،
كِلانا غَريرٌ، ناعِمُ العيش باجِلُه

لَيَاليَ أقْتاد ُ الصِّبا ويَقُودُني،
يَجُولُ بنَا رَيعانُه ُ ويُحاوِلُه

سَما لكَ من سلْمى خَيالٌ ودونَها
سَوَادُ كَثِيبٍ، عَرْضُهُ فأمايِلُهْ

فذُو النّيرِ فالـأعلامُ من جانبِ الحِمى
وقُفٌّ كظَهْرِ التُّرْسِ تجري أساجلـه

وأنّى اهْتَدَتْ سلمى وَسائلَ، بَيننا
بَشاشَةُ حُبٍّ، باشرَ القلبَ داخِلُهْ

وكم دُونَ سَلمى من عدُوٍّ وبلدةٍ
يَحارُ بها الـهادي، الخفيفُ ذلاذلُه

يَظَلُّ بها عَيرُ الفَلاةِ ، كأنّهُ
رقيبٌ يُخافي شَخْصَهُ، ويُضائلُهْ

وما خِلْتُ سلمى قبلَها ذاتَ رِجلةٍ،
إذا قَسْوَرِيُّ الليلِ جِيبَتْ سَرَابلـهْ

وقد ذَهَبَتْ سلمى بعَقْلِكَ كُلّهِ،
فهَلْ غيرُ صَيدٍ أحْرَزَتْهُ حَبائِلـه

كما أحْرَزَتْ أسْماءُ قلبَ مُرَقِّشٍ
بحُبٍّ كلمْعِ البَرْقِ لاحتْ مَخايلـه

وأنْكَحَ أسْماءَ المُرَاديَّ، يَبْتَغي
بذلكَ، عَوْفٌ أن تُصَابَ مُقاتِلـه

فلمّا رأى أنْ لا قَرارَ يُقِرُّهُ،
وأنّ هَوَى أسْماءَ لا بُدّ قاتِلـه
تَرَحّلَ مِنْ أرْضِ العرَاقِ مُرَقِّشٌ
على طَرَبٍ، تَهْوي سِراعاً رواحِلـه

إلى السّرْوِ، أرضٌ ساقه نحوها الـهوى،
ولم يَدْرِ أنّ الموْتَ بالسّرْوِ غائلـه

فغودِرَ بالفَرْدَين: أرضٍ نَطِيّةٍ،
مَسيرَةِ شهْرٍ، دائبٍ لا يُوَاكِلـه





****************************************







الغزل في صدر الاسلام


الاسلام هذ ب الغزل فجاء في هذا العصر أكثر تعففاً فقد وضع القرآن الكريم حدودًا أخلاقية للشعر والشعراء، وللعلاقات العامة بين الرجل المرأة وقد وفسر الزمخشرى (والشعراء يتبعهم الغاوون) بأن الناس لا ينبغى أن تتبعهم على باطلهم وكذبهم وما هم عليه من الهجاء وتمزيق الأعراض والقدح فى الأنساب، فالأساس الذى ينشده الإسلام فى الشعر هو الصدق والخير والعمل الصالح والدفاع عن الاسلام ، وكذلك كان للرسول الكريم والخلفاء الراشدين الموقف ذاته، وانعكس هذا الموقف العام على الموقف الأخلاقى للإسلام من شعر الغزل ، فقد سعى إلى تحقيق الألفة بين القلوب، وجعل العلاقة بين الرجل والمرأة على اساس العفة والمودة والرحمة.
فالغزل في هذا العصر أكثر تعففا ً لكن بالرغم من هذا ضلت طائفة من الشعراء تعاقر الخمر في اشعارها وتشبب بالنساء و تتغزل بهن غزلاً فاحشا الا ان عموم الشعراء اتسم شعرهم بالغزل العفيف الذي لم يقف الإسلام بوجهه ولم يتعد الحدود التي رسمها الاسلام للشعر.
لذا فأن الحياة الإسلامية كانت مشجعة لظهور الحب الشريف وليصبح الحب العذرى هو اللون السائد فى اللوحة البدوية الإسلامية، ومن ثم سادت موجة الغزل العذرى فى صدر الإسلام، وتطور الغزل العذرى الذى طهر النفوس وبرأها من النوازع الحسية الرخيصة. وإلى الغزل العذرى.
أن الشعراء قد نظموا الغزل فى صدر الإسلام كما فعل كما فعل الشعراء الجاهليون وأن الإسلام لم يمنع الغزل بل شجعه وفق شروط أخلاقية محددة، وأن الغزل العذرى تمتد جذوره إلى العصر الجاهلى، وأن بعض الشعراء تغزلوا فى زوجاتهم وكان الإسلام سببًا فى ظهور قصائد هذا الغزل، كما أن الإسلام لم يهدم الموروث الجاهلى فى نفوس الشعراء المسلمين، ولهذا جاء أكثر غزلهم الحسى امتدادًا لغزل الجاهليين فى صوره ومضامينه.
لكن بالرغم من هذا بقيت طائفة من الشعراء تعاقر الخمر وتشبب بالنساء وتتغزل بهن الا ان اغلب الشعراء اتسم شعرهم بالغزل العفيف الذي لم يقف الإسلام بوجهه ولم يحرمه ومن ذلك ان الشاعر كعب بن زهير عندما مدح الرسول الحبيب محمد ا صلى الله عليه وسلم بدأ قصيدته الشهيرة بالبردة بالغزل كعادة الشعراء الجاهليين ومن جاء بعدهم ومنها هذه الابيات الغزلية الرائعة :

بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ
مُتَيَّمٌ إِثرَها لَم يُفدَ مَكبولُ

وَما سُعادُ غَداةَ البَينِ إِذ رَحَلوا
إ اِلا أَغَنُّ غَضيضُ الطَرفِ مَكحولُ

هَيفاءُ مُقبِلَةً عَجزاءُ مُدبِرَةً
لا يُشتَكى قِصَرٌ مِنها وَلا طولُ
تَجلو عَوارِضَ ذي ظَلمٍ إِذا اِبتَسَمَت
كَأَنَّهُ مُنهَلٌ بِالراحِ مَعلولُ

شُجَّت بِذي شَبَمٍ مِن ماءِ مَحنِيَةٍ
صافٍ بِأَبطَحَ أَضحى وَهُوَ مَشمولُ
تَجلو الرِياحُ القَذى عَنُه وَأَفرَطَهُ
مِن صَوبِ سارِيَةٍ بيضٍ يَعاليلُ



وقال في الغزل ايضا


عرفتَ ديارَ زينبَ بالكثيبِ
كخطّ الوحيِ في الرقّ القشيبِ
تعاورها الرياحُ وكلُّ جونٍ
مِنَ الوَسْمِيّ مُنْهَمِرٍ سَكُوبِ
فأمْسَى رَسْمُها خَلَقاً، وأمْسَتْ
يَبَاباً بَعْدَ سَاكِنِها الحَبيبِ
فَدَعْ عَنكَ التذكّرَ كلَّ يومٍ
وَرُدَّ حَرارة َ الصّدْر ِ الكَئيبِ



***********************************





















حسان بن ثابت

حسان بن ثابت من بني النجار اخوال النبي محمد صلى الله عليه وسلم من قبيلة الخزرج .
ولد سنة ستين قبل الهجرة نشا في بيت عز وشرف وغنى اسهم في الخصومات بين الاوس والخزرج وفهجا الاوس ونال منهم
مدح حسان في الجاهلية الغساسنة وملوكهم قبل الاسلام وكذلك المناذرة وغيرهم الا انه بعد مجيء الاسلام واعلان اسلامه اختص في مدح الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ومدح المسلمين وفخر بهم

توفي سنة 54 هجرية في خلافة معاوية بن ابي سفيان عن عمر يناهز المائة وخمس سنوات
يمتاز شعره بقوته ومتانته وبلاغته بحيث كان سوطا لاذعا في ظهور اهل الشرك والكافرين بعد اسلامه انخذه الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم شاعره المفضل وحثه على قول الشعر ومناجزة شعراء الشرك والجاهلية ومدح المسلمين وهجاء قريش والرد على كل شاعر يهجو المسلمين من شعراء الشرك يقول حسان في الغزل في مطالع قصائده ومنها هذه الابيات:
ما بَالُ عَين دموعُها تَكِفُ
مِن ذكْرِ خَوْدٍ شَطّتْ بها قَذَفُ
بَانَتْ بها غَرْبَة ٌ تَؤمُّ بهَا
أرْضاً سِوَانَا والشَّكْلُ مُختلِفُ
ما كنتُ أدري بوَشْكِ بينِهِمُ،
حتى رأيتُ الحدوجَ قد عزفوا
فغادروني، والنفسُ غالبها
ما شَفَّها، والهمومُ تَعتكِفُ

***********************


ابو محجن الثقفي الثقفي

هوَ عَمْرُو بنُ حبيبٍ بن عمرو بن عميْر بن عوف.
وكنيته أبو عبيد.و أمِّهِ أنَّها من سادات قُريشٍ (عبد شمس)، وهذا يعني حسباً رفيعاً لأبي محجن الثقفي.
كان لثقيفٍ عددٌ من الشعراء في الجاهلية والإسلام، وخاصةً المخضرمون منهم، وأشهرهم أبو محجن الثقفي الذي يرتبط اسمه بالخمرة، وليس بِها وحسب بل بالفروسية والشجاعة، وفي هذا البحث سنقوم بدراسة حياة الشاعر وأغراضه الشعرية، ملقيْنَ الضوء على جانبٍ مهمٍّ من تراثنا الأدبِي الشامخ، وسيكون منهجنا الاستقصاء للمعلومات، والتحليل الأدبِي لموضوعاته الشعرية، وتصنيفها حسب أهميتها عنده وكثرتِها.
شغفه بالخمرةِ بعد إسلامه: رغم إسلامه فإنَّه بادئ بدء لم يتخلَّ عن الخمرة حتَّى جلده عليها عمر بن الخطاب رضي اللهُ عنه وحبسه بسببها، ورد في كتاب (الأغانِي) من أنَّهُ أُتِيَ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بِجماعة فيهم أبو محجن الثقفي، وقد شربوا الخمر، فقال:
أشربتم الخمر بعد أن حرمها الله ورسوله؟
فقالوا : ما حرَّمها الله ولا رسوله، إن الله تعالى يقول:
(لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)
فقال عمر لأصحابه: ما ترون فيهم؟
فاختلفوا فيهم،
فبعثَ إلى عليٍّ بن أبِي طالبٍ رضي اللهُ عنهُ فشاوره فقال:
إنْ كانت هذه الآيةُ كما يقولون، فينبغي أن يستحلوا الميتة والدم ولحم الخنـزيرِ
فسكتوا،
فقال عمر لعلي: ما ترى فيهم؟
قال: أرى إن كانوا شربوها مستحليْن لها أن يُقتلوا، وإن كانوا شربوها وهم يؤمنونَ أنَّها حرامٌ أن يُحدُّوا.
فسألهم فقالوا: والله ما شككنا في أنَّها حرامٌ، ولكنَّا قدرْنا أنَّ لنا نَجاةً فيما قلناهُ.
فجعل يَحدُّهم رجلاً رجلاً، وهم يخرجون حتَّى انتهى إلى أبِي محجن فلمَّا جلدهُ أنشأ يقولُ:

ألم ترَ أن الدهر يعثرُ بالفتَـى
ولا يستطيع المرء صرف المقادرِ
صبرت فلم أجزع ولم أك طائعا
لحادث دهر في الحكومة جائرِ
وإني لذو صبر وقد مات إخوتِي
ولست عن الصهباء يوما بصابرِ
رماها أميْرُ المؤمنين بِحتْـفها
فخلاَّنُها يبكونَ حَـول المعاصرِ
فلما سمعَ عمرُ قوله: (ولست عن الصهباء يوما بصابر)


قال: قد أبديْتَ ما في نفسك ولأ زيدنَّك عقوبةً لإصرارك على شرب الخمر.
فقال له علي: ما ذلك لك وما يجوز أن تعاقب رجلاً قال لأ فعلنَّ وهو لم يفعل وقد كان شاعرا و قال الله في الشعراء (وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ)

وقيل انه مات سنة 30 هجرية وقبره في نواحي اذربيجان كما ذكره صاحب ( الاغاني )
وكان شاعرا مقلا وقد قال في غزله:
وقدْ تقومُ على رأسي مغنيةٌ
فيها إذا رفعتْ من الصوتِ غنجُ
تُرفعُ الصوتَ أحياناً وتُخفضهُ
كما يطنُّ ذباب الروضةِ الهزج
وقيل تعلق بابنة يهوديٍّ تُدعى سمية ُوبثها لواعجه فقال :
تقولُ ابنةُ الحبْرِ اليهودِ ما أرى
أبا مـحجن إلا وللقلبِ ذاكرُ
فإنَّ ابنة الحبْر اليهوديِّ تيمتْ
فؤادي فهل لي من سمية زاجرُ



ونلاحظ غزله فيه عفة نفسٍ وبُعدٌ عن الفاحشةِ، فنـراهُ يصف مغامرةً مع امرأتيْنِ تعلقتا بِه:
تمنَّتْ أن ألقاهما كلاهما وتَمنتا
فلمَّـا التقينا استحيَـتا من مناهما
بكتْ هذه وانْهلَّ أدمع هـذه
وفاضتْ دموعي في عراض بكاهما
فهما سقتانِي السمَّ يوم تولـتا
جـزانِي إلهي عنهما وجـزاهما
فكانت المرأتانِ ترغبانِ في لقائهِ، ولكنَّ حياءهما منعهما من اللقاء بهِ حين اجتمع بِهما، وينقلب حال العاشقيْنَ إلَى بكاءٍ، فالأولى تبكي وتبكي الثانية لبكائِها، ويبكي بدوره على بكائِهما، بل يتعبَرُ ان لحظة فراقهما تشبه لحظة من تَجرَّع السمَّ وأوشك على الموتِ. فيقول
منَّتْ أن ألقاهما كلاهما وتَمنتا
فلمَّـا التقينا استحيَـتا من مناهما
بكتْ هذه وانْهلَّ أدمع هـذه
وفاضتْ دموعي في عراض بكاهما



**************************************
























الغزل في الشعر الاموي


الغزل فن من الفنون الشعرية القديمة قدم الشعر و فيه تعبير عن عاطفة الشاعر الشخصية وما يعتمل في نفسه من هواجس و لواعج وحب وشوق ووله وغرام يبثها لحبيبته او عشيرته .
كا ن معروفا في الجاهلية الا انه انكمش في صدر الاسلام وبعث من جديد في العصر الاموي بصورة واسعة حتى ان بعض الشعراء لم يكن لهم شعر الا في الغزل وهم عشا ق العرب وقد وجد فيه ثلاثة اتجاهات واسعة ومختلفة احدها عن الاخر تبعا لطبيعة ونفسية الشاعر ومكانته وشاعريته .


الغزل التقليدي\

أما الغزل التقليدي فهو كما يرى بعض النقاد غزل يصطنعه الشاعر في مقدمة قصائده حتى لا يخالف منهج القصيدة العربية، وحتى يشبع عواطف السامعين، لما يعرفه من ميلهم لشعر الغزل، وللحديث عن حسن المرأة وجمالها، وهو حينما ينشد مثل هذا الغزل، ينشده دون أن يملأ الحب قلبه في أكثر الأحيان، ودون أن يقصد بغزله امرأة بعينها، شغف بها حباً، وهام بها وجداً فالشاعر يقول ابياتا في الحب والغزل يفتتح فيها قصيدته وسمي تقليديا لانه استمرار لغزل الجاهليين وصدر الاسلام وفيه يتغزل الشاعر بمن يحب وفي اكثر الاحيان يذكر اسما لحبيبته ويذكر ساعات اللقاء وايام الجفاء والم الحب ولوعة الهوى والفراق كسياق عمل في افتتاح قصيدته
ومن اهم الشعراء فيه فحول شعراء هذا العصر جرير والاخطل والفرزدق وغيرهم :



**********************



جرير بن عطية


هو جرير بن عطية بن حذيفة الخطفي من قبيلة يربوع ومن رهط كليب.
ولد في خلافة عثمان بن عفان ونشأ في بيت فقير, قضى طفولته وصباه يرعى الاغنام .وقال الشعر منذ صغره متحديا كل الظروف الملمة به.
قضى جرير فترة شبابه باليمامة وتهاجى في الشعر مع الفرزدق ثم انتقل الى البصرة عند سيطرة الامويين عليها بعد القضاء على ثورة مصعب بن الزبير وظل يتهاجى مع الفرزدق الذي كان ساكنا فيها وقد مدح جرير فيها بشر بن مروان والحجاج بن يوسف الثقفي وغيرهما وكانا هذين من ولاة الامويين عليها وكان الحجاج سببا في وصول جرير الى الخليفة الاموي عبد الملك بن مروان لمدحه ثم مدح الخلفاء الا مويين الوليد بن عبد الملك وسليمان بن عبد الملك بن مروان وعمر بن عبد العزيز ويزيد بن عبد الملك وهشام بن عبد الملك وعد من شعراء الخلافة والبيت الاموي في وقت كانت قبيلته ضد الحكم الاموي .
بقي جرير ينافس الاخطل والفرزدق بمدحه لخلفاء بني امية الا ان نشبت بين الفريقين مهاجاة عنيفة ازدادت عنفا بمرور الزمن واستمرت حتى توفي جرير سنة 114 هجرية.

بان الخليط، ولو طوعت مابانا
وقطعوا من حبال الوصل أقرانا
حي المنازل إذ لا نبتغي بدلاً
بالدار داراً ، ولا الجيران جيرانا
ياأم عمرو ! جزاك الله مغفرة
ردي علي فؤادي كالذي كانا
فلا تحرجت مما تفعلين بنا
ياأطيب الناس يوم الدجن أردانا
قالت ألم بنا إن كنت منطلقاً
ولا أخالك بعد اليوم تلقانا
ما كنت اول مشتاق أخا طرب
هاجت له غدوات البين أحزانا
ياأم عمرو وأن الحب عن عرض
يصبي الحليم ويبكي العين أحيانا
يلقى غريمكم من غير عسرتكم
بالبذل بخلاً و بالأ حسان حرمانا
قد خنت من لم يكن يخشى خيانتكم
ماكنت أول موثوق به خانا
لقد كتمت الهوى حتى تهيمني
لا أستطيع لهذا الحب كتمانا
لا بارك الله في الدنيا إذا أنقطعت
أسباب دنياك من أسباب دنيانا
كيف التلاقي ولا بالقيظ محضركم
منا قريب ولا مبداك مبدانا
أبدل الليل لاتسري كواكبه
أم طال حتى حسبت النجم حيرانا
إن العيون التي في طرفها حور
قتلننا ، ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به
وهن أضعف خلق الله انسانا
طار الفؤاد مع الخود التي طرقت
في النوم طيبة الاعطاف مبدانا
مثلوجة الريق بعد النوم واضعةً
عن ذي مثان تمج المسك والبانا
يا حبذا جبل الريان من جبل
وحبذا ساكن الريان من كانا


ويقول في غيرها ايضا في الغزل:

لمن الديار ببرقة الروحان
إذ لا نبيع زماننا بزمان
نزل المشيب على الشباب فراعني
وعرفت منزله على أخداني

و إذا وعدنك نائلاً أخلفنه
وإذا غنيت فهن عنك غوان
عطر الثياب من العبير مذيلٍ
يمشي الهوينا مشية السكران



*************************************












الفرزدق



الفرزدق هو همام بن غالب بن صعصعة الدارمي من قبيلة تميم ولد سنة \21 هجرية في بادية البصرة ونشأ فيها في بيت له شهرة كبيرة ومنزلة عالية رفيعة في العز والجاه والكرم والمال فقد كان جده من رؤساء القبيلة و كان لهذه المكانة تاثير على نشاته
فقال الشعر في صباه مفتخرا في بيته
لقب بالفرزدق لجهامة وتغضن ووجوم في وجهه لا يفارقه وقد مدح قومه وفخر بهم ومدح العلويين وافتخر بهم متعصبا لهم لكنه مدح الامويين تقيا وخوفا منهم وقد تعاون مع الشاعر الاخطل في هجاء جرير في النقائض
توفي الفرزدق سنة \ 114 هجرية
يقول في الغزل :
لَقَدْ كُنتُ أحْياناً صَبُوراً فَها جَني
مَشا عِفُ بالدّيرَينِ رُجْحُ الرّوادِفِ
نَواعِمُ لمْ يَدْرِينَ ما أهْلُ صِرْمَةٍ
عِجا فغ وَلمْ يَتبَعنَ أحمالَ قائِفِ
وَلَمْ يَدّلِجْ لَيْلاً بِهنّ مُعَزِّبٌ
شَقيٌّ وَلمْ يَسمَعن صَوتَ العَوَازِفِ
إذا رُحْنَ في الدّيباجِ، والخَزُّ فَوْقَهُ،
مَعاً، مثل أبكارِ الهِجانِ العَلائِفِ
إلى مَلْعَبٍ خَالٍ لَهُنّ بَلَغْنَهُ
بدَلِّ الغَوَاني المُكرَماتِ العَفائِفِ
يُنازَعْنَ مَكنُونَ الحَديِثِ كأنّما
يُنازعْن مِسكاً بالأكُفّ الدّوَائِفِ
وَقُلْنَ للَيْلى: حَدّثِينا، فَلَمْ تكدْ
تَقُولُ بِأدْنَى صَوْتِها المُتَهانِفِ
رَوَاعِفُ بِالجادِيّ كُلَّ عَشِيّةٍ،
إذا سُفْنَهُ سَوْفَ الهِجانِ الرّوَاشِفِ
بَناتُ نَعِيمٍ زانَها العيشُ والغِنى
يَمِلنَ إذا ما قُمنَ مثلَ الأحاقِفِ
تَبَيّنْ خَليلي هَلْ تعرَى من ظَعائِنٍ
لِمَيّةً أمْثالِ النّخِيلِ المَخارِفِ

ويقول في قصيدة اخرى
زَارَتْ سُكَيْنَةُ أطْلاحاً أناخَ بهِمْ
شَفَاعةُ النّوْمِ للعَيْنَينِ وَالسّهَرُ
كَأنّمَا مُوّتوا بالأمسِ إذْ وَقَعُوا،
وَقَدْ بَدَتْ جُدَدٌ ألوَانُهَا شُهُرُ
وَقد يَهيجُ على الشّوْقِ، الّذي بَعَثَتْ
أقْرَانُهُ، لائِحَاتُ البَرْقِ وَالذِّكَرُ
وَسَاقَنا مِنْ قَساً يُزْجي رَكائِبَنَا
إلَيكَ مُنتَجِعُ الحاجاتِ وَالقَدَرُ
وَجَائِحاتٌ ثَلاثٌ مَا تَرَكْنَ لَنَا
مالاً بهِ بَعْدَهُنّ الغَيْثُ يُنْتَظَرُ
ثِنتانِ لمْ تَتْرُكَا لَحماً، وَحاطِمَةٌ
بالعظمِ حَمرَاءُ حتى اجتيحت الغُرَرُ
فَقُلْتُ: كيفَ بأهلي حينَ عَضّ بهِمْ
عَامٌ لَهُ كُلُّ مَالٍ مُعَنِق جَزَرُ
عَامٌ أتَى قَبْلَهُ عَامَانِ مَا تَرَكَا
مَالاً وَلا بَلّ عُوداً فِيهِما مَطَرُ
تَقُولُ لَمّا رَأتْني، وَهْيَ طَيّبَةٌ
على الفِرَاشِ وَمِنِا الدّلُّ والخَفَرُ
كَأنّني طَالِبٌ قَوْماً بِجَائحَةٍ،
كَضَرْبَةِ الفَتْكِ لا تُبقي وَلا تَذَرُ:
أصْدِرْ هُمومَكَ لا يقْتُلْكَ وَارِدُهَا،
فكُلُّ وَارِدَةٍ يَوْماً لَهَا صَدَرُ
لَمّا تَفَرّقَ بي هَمّي جَمَعْتُ لَهُ
صَرِيمَةً لمْ يَكُنْ في عَزْمها خَوَرُ
فَقُلْتُ: ما هُوَ إلاّ الشّأمُ تَرْكَبُهُ،
كَأنّمَا المَوْتُ في أجْنَادِهِ البَغَرُ



****************************************





الاخطل التغلبي



هو غياث بن غوث الاخطل وسمي بالاخطل لكثرة سفاهته وخطل في شخصيته وهو من قبيلة تغلب من ربيعة التيس التي كانت تسكن العراق في اعالي الفرات والجزيرة مابين الموصل والفرات
ولد في خلافة عمر بن الخطاب سنة \20 للهجرة
قال الشعر في اول شبابه ودافع عن قبيلته وقومه تغلب ضد قبيلة قيس كما تحزب اللامويين وهجا الانصار والزبيرين وقد اكرمه خلفاء بني امية وقربوه فكان شاعر البلاط الاموي وخاصة ايام الخليفة عبد الملك بن مروان
تعاون مع الفرزد ق وشاركهم الراعي النميري والبعيث ايضا في هجاء جرير فرد عليهم جرير ردا عنيفا اسكت النميري واغلق فمه وخذل البعيث واخافه فهابه وسكت خوفا وناقض الاخرين
توفي سنة \95 هجرية

يقول في الغزل:
يا يوْمنا عِندها عُدْ بالنّعيمِ لَنا
منها ويا ليتني في بيتها عُودي
إذْ بتُّ أنْزِعُ عَنْها حَليَها عَبَثاً
بَعْدَ اعتِناقٍ وتَقْبيلٍ وتَجْريدِ
كما تطاعَمَ في خَضْراء ناعِمَة ٍ
مطوقانِ أصاخا بعد تغريدِ
وقدْ سَقَتْني رُضاباً غيرَ ذي أسَننٍ
كالمسكِ ذرّ على ماء العناقيدِ
مِنْ خمْرِ بَيْسانَ صِرْفاً فوْقها حَبَبٌ
شِيبَتْ بها نُطْفَة ٌ من ماء يبرودِ
غادى بها مازِجٌ دِهْقانُ قريتُهُ
وقّادَة اللّونِ في كاسٍ وناجودِ
إذا سمعتَ بموتٍ للبخيلِ فقلْ
بعْداً وسحقاً له من هالكٍ مودِ

ويقول ايضا :
يادارَ ذلفاءَ بينَ السفحِ والغارِ
حُيِّيتِ مِنْ دِمْنَة ٍ أقوَتْ ومِنْ دارِ
جرتْ عليها رياحُ الصيفِ أذيلها
وَكلُّ غادِيَة ٍ بِالماءِ مِهْمَارِ
تَلْتَجُّ فِيْها رُعُودٌ غَيْرُ كاذِبَة ٍ
في بارِقٍ كنظامِ الدُّرّ مَوَّارِ


ويقول الاخطل في الغزل ايضا :

رحلَتْ أُمامَة ُ للفِراقِ جِمالَها
كيما تبينَ فما تريدُ زيالها
ولئنْ أُمامة ُ فارقَتْ، أوْ بَدَّلَتْ
وداً بودكَ، ما صرمتَ حبالها
ولئن أُمامة ُ ودَّعتْكَ، ولمْ تخُنْ
ما قدْ علمتَ لتدركنَّ وصالها
إرْبَعْ على دِمَنٍ تَقَادَمَ عَهدُها
بالجَوْفِ واستَلَب الزَّمانُ حِلالها
دمِنٌ لقاتِلَة ِ الغَرانِقِ ما بها
إلاَّ الوُحوشُ خَلَتْ لهُ وخلا لها
بكرتْ تسائلُ عن متيمِ أهلهِ
وهي التي فعلتْ به أفعالها
كانت تريكَ إذا نظرتَ أمامها
مَجْرَى السُّموطِ ومَرَّة ً خَلخالها


*********************************************





















الغزل العذري

الغزل هو حديث القلب العاشق للقلب العاشق، والنفس المرهفة للنفس المرهفة، وقد حفظ لنا تاريخ الغزل في الشعر العربي، أسماء شعراء عانوا تجربة الحب معاناة فاعلة ومنفعلة، فأعطوا أدبنا فيضاً من العواطف المحترقة، والأنات المجروحة، والآهات الحارة، وسربلوه برومانسية رائعة في المضمون، ولو نوه بألوان الشعور الرقيق الحساس، وهم لم يقدموا لنا هذا النتاج الفني إلا لأن تجربة الحب الصادقة صهرتهم في مصهرها، وقذفتهم في أتونها، وإلا لأنهم أيضاً أحبوا حبيبة واحدة فأخلصوا لها وعاشوا من أجلها
شاع هذا النوع من الغزل بين قبائل بني عذرة التي تقطن في نجد و قرى الحجاز منها اشتقت تسميته .
يتميز الشعر العذري او الغزل بانه شعر يروي قصص الحب الصريحة والصحيحة أي هو شعر شعر الحب العفيف المحتشم البعيد عن التبذل والتفسخ الخلقي ويطلق عليه الغزل البدوي ايضا وقد تسمى شعراؤه او بعض منهم باسماء من يحبون ومن اهم من اشتهر بهذا النوع من الغزل من الشعراء هم جميل بثينة وكثير عزة ومجنون ليلي وقيس لبنى . وغير هم كثير .

واني لأرضى من بثينة بالذي
لو ابصره الواشي لقرت بلابله
بلاه بان لا استطيع و بالمنى
وبالامل المرجو قد خاب امله
وبالنظرة العجلى وبالحول تنقضي
واواخره لا تلتقي واوائله

.*********************************............



جميل بن عبد الله بن معمر العذري
(جميل بثينة )
هو الشاعر جميل بن عبد الله بن معمر العذري القضاعي . نسبة إلى عذرة وهي بطن من قضاعة من حمير بن سبأ من قحطان من العرب احد شعراء العصر الاموي توفي عام 82 هجرية.
كان من عشاق العرب المشهورين . كان فصيحاً مقدماً جامعاً للشعر والرواية. وقيل انه كان جميلا حسن الخلقة، كريم النفس، باسلاً، جواداً، شاعراً، مطبوعاً, مرهف الحس رقيق المشاعر قد هام حباً وولعا ببثينة والتي قال منذ طفولته وعشقه لها الشعر فيها حتى وفاته.

احب الشاعر بثينة بنت حيان بن ثعلبة العذري وهي احدى فتيات قومه. وقيل انها بنت يحيى من بني ربيعة منذ الصغر وتولع بها فخطبها من أبيها فرده ولم يزوجها له حيث كان العرب لايزوجون بناتهم ممن احبهن او وقع في عشقهن خوف الفضيحة والعار وانها صفة مستهجنة في المجتمع العربي – ولا زالت هذه العادة القديمة موجودة لحد الان في مجتمعاتنا القروية – ومنعه اهلها عنها وزوجوها من رجل آخر .فأنطلق ينظم الشعر فيها فجمع لها قومها جمعاً ليأخذوه إذا أتاها فحذرته بثينة فاستخفى وهو يقول :

فلو أن الغادون بثينة كلهم
غياري وكل حارب مزمع قتلي
لحاولتها إما نهاراً مجاهراً
وإما سرى ليلٍ ولو قطعت رجلي

وقد اضطر لهجاء قومها فاستعدوا عليه او شكوه الى مروان بن الحكم وهو يومئذ عامل المدينة، فنذر ليقطعن لسانه فلحق بجذام وفي هذه يقول :
أَتانِيَ عَن مَروانَ بِالغَيبِ أَنَّهُ
مُقيدٌ دَمي أَو قاطِعٌ مِن لِسانِيا
فَفي العيشِ مَنجاةٌ وَفي الأَرضِ مَذهَبٌ
إِذا نَحنُ رَفَّعنا لَهُنَّ المَثانِيا
وَرَدَّ الهَوى أُثنانُ حَتّى اِستَفَزَّني
مِنَ الحُبِّ مَعطوفُ الهَوى مِن بِلادِيا
بقى جميل هناك حتى عزل مروان عن المدينة، فأنصرف على بلاده وكان يختلف إليها سراً
وقد قال كثير: قال لي جميل يوماً: خذ لي موعداً مع بثينة
قلت: هل بينك وبينها علامة؟
قال: عهدي بهم وهم بوادي الدوم يرحضون ثيابهم، فأتيتهم فوجدت أباها قاعداً بالفناء، فسلمت، فرد السلام وجلسنا فحادثته ساعة حتى استنشدني فأنشدته:
وَقُلتُ لَها ياعَزَّ أَرسَلَ صاحِبي
عَلى نَأيِ دارٍ وَالرَسولُ مُوَكَّلُ
بَأَن تَجعَلي بَيني وَبَينَكِ مَوعِداً
وَأَن تَأمُريني بِالَّذي فيهِ أَفعَلُ
وَآخِرُ عَهدٍ مِنكَ يَومَ لَقيتَني
بِأَسفَلِ وادي الدَومِ وَالثَوبُ يُغسَلُ
فضربت بثينة جانب الستر، وقالت إخسأ،
ولما تساءل والدها،و قالت: كلب يأتينا إذا نوم الناس من وراء هذه الرابية، قال: فأتيت جميلاً وأخبرته بقولها .
. فازداد هياماً بها، فتناقل الناس أخبارهما. وقال فيها شعرا رقيقا. أ كثر شعره في النسيب والغزل والفخر وأقله في المديح.
وكانت قبيـلـة عُذرة تسكن في وادي القرى بين الشام والمدينة.
عرفت هذه القبيـلـة بجمال بناتها وحسنهن وعشق رجالها لبناتها حتى قيل لإعرابي من العذريين:
(ما بال قلوبكم كأنها قلوب طير تنماث - أي تذوب - كما ينماث الملح في الماء ألا تجلدون ؟
قال: إنا لننظر إلى محاجر أعين لا تنظرون إليها.
قيل لأخر فمن أنت؟
فقال من قوم إذا أحبوا ماتوا
فقالت جارية سمعته: عُذريٌّ ورب الكعبة.
.
قصد جميل مصر وافدا على عبد العزيز بن مروان، بالفسطاط، فأكرمه عبد العزيز وأمر له بمنزل، فأقام قليلا ومات ودفن في مصر، ولما بلغ بثينة خبر موته حزنت عليه حزنا شديدا وأنشدت:
وإن ســلوي عــن جـميل لسـاعة
مـن الدهـر مـا حانت ولا حان حينها
سـواء علينـا يا جميل بـن معمر
إذا مـت بأســاء الحيــاة ولينهــا
ويروي ابن عياش قال :
خرجت من تيماء فرأيت عجوزاً على أتان - أنثى الحمار-
فقلت من أنت:
قالت: من عذرة،
قلت: هل تروين عن جميل ومحبوبته شيئاً
فقالت: نعم، إنا لعلى ماء بئر الجناب وقد أتقينا الطريق واعتزلنا مخافة جيوش تجيء من الشام إلى الحجاز، وقد خرج رجالنا في سفر، وخلفوا عندنا غلماناً أحداثاً، وقد أنحدر الغلمان عشية إلى صرم لهم قريب منا ينظرون إليهم، ويتحدثون عن جوار منهم فبقيت أنا وبثينة، وإذا انحدر علينا منحدر من هضبة حذاءنا فسلم ونحن مستوحشون فرددت السلام، ونظرت فإذا برجل واقف شبهته بجميل.
فدنا فأثبته
فقلت: أجميل؟
قال: إي والله،
قلت: والله لقد عرضتنا ونفسك شراً فما جاء بك؟
قال: هذه الغول التي وراءك وأشار إلى بثينة،
وإذا هو لا يتماسك فقمت إلى قعب فيه إقط مطحون وتمر، وإلى عكة فيها شيء من سمن فعصرته على الأقط (الجبن) وأدنيته منه
فقلت: أصب من هذا.
وقمت إلى سقاء لبن فصببت له في قدح ماء بارد وناولته، فشرب وتراجع
فقلت له: لقد جهدت فما أمرك؟
فقال: أردت مصر فجئت أودعكم وأسلم عليكم، وأنا والله في هذه الهضبة التي ترين منذ ثلاث ليال أنظر أن أجد فرصة حتى رأيت منحدر فتيانكم العشية، فجئت لأحدث بكم عهداً، فحدثنا ساعة ثم ودعنا وانطلق،
قصد جميل مصر وافدا على عبد العزيز بن مروان، بالفسطاط، فأكرمه عبد العزيز وأمر له بمنزل فما تلبث رفيها الا يسيرا ثم مات ودفن في مصر، ولما بلغ بثينة خبر موته حزنت عليه حزنا شديدا وأنشدت:
وإن ســلوي عــن جـميل لسـاعة
مـن الدهـر مـا حانت ولا حان حينها
سـواء علينـا يا جميل بـن معمر
إذا مـت بأســاء الحيــاة ولينهــا
رحم الله جميل فقد كان شاعرا متمكنا طويل الباع في الشعر نظم في بثينة حبيبته قال الشعر فيها كثيرا ونظم القصائد الطوال وقد خلده شعره فلا زال نقرأه ونحس به وسيبقى خالدا ينبض بالحياة ويروي شعره قصة عاشق احب فاهلكه الشوق والحب

ومما قال فيها :
لَقَد ذَرَفَت عَيني وَطالَ سُفوحُها
وَأَصبَحَ مِن نَفسي سَقيماً صَحيحُها
أَلا لَيتَنا نَحيا جَميعاً وَإِن نَمُت
يُجاوِرُ في المَوتى ضَريحي ضَريحُها
فَما أَنا في طولِ الحَياةِ بِراغِبٍ
إِذا قيلَ قَد سوّي عَلَيها صَفيحُها
أَظَلُّ نَهاري مُستَهاماً وَيَلتَقي
مَعَ اللَيلِ روحي في المَنام ِ وَروحُها
فَهَل لِيَ في كِتمانِ حُبِّيَ راحَةٌ
وَهَل تَنفَعَنّي بَوحَةٌ لَو أَبوحُها

..............

ومن أجمل قصائده :


أبثين انك قد ملكت فأسجحي
وخذي بحظك من كريم واصل
فلرب عارضة علينا وصلها
بالجد تخلطه بقول الهازل
فأجبتها بالقول بعد تستر
حبي بثينة عن وصالك شاغلي
لو كان في قلبي كقدر قلامة
فضلا وصلتك أو أتتك رسائلي
صادت فؤادي يا بثين حبالكم
يوم الحجون وأخطأتك حبائلي
منيتني فلويت ما منيتني
وجعلت عاجل ما وعدت كآجل
و أطعت في عواذلا فهجرتني
وعصيت فيك وقد جهدن عواذلي
و تثاقلت لما رأت كلفي بها
أحبب الي بذلك من متثاقل
و يقلن انك يا بثين بخيلة
نفسي فداك من ضنين باخل
و يقلن انك قد رضيت بباطل
منها فهل لك في اجتناب الباطل
و لباطل ممن أحب حديثه أشهى
الي من البغيض الباذل
حاولنني لأبت حبل وصالكم
مني ولست وان جهدن بفاعل
فرددتهن وقد سعين بهجركم
لما سعين له بأفوق ناصل
يعضضن من غيظ لعي أناملا
ووددت لو يعضضن صم جنادل
ليزلن عنك هواي ثم يصلنني
فاذا هويت فما هواي بزائل

.............

و من روائعه أيضا :
خليلي عوجا اليوم حتى تسلما
على عذبة الأنياب طيبة النشر
فإنكما إن عجتما لي ساعة
شكرتكما حتى أغيب في قبري
ألما بها ثم أشفعا لي وسلما
عليها سقاها الله من سائغ القطر
وبوحا بذكري عند بثنة وأنظرا
أترتاح يوما أم تهش إلى ذكري
فان لم تكن تقطع قوى الود بيننا
ولم تنس ما أسفلت في سالف الدهر
فسوف يرى منها اشتياق ولوعة
ببين وغرب من مدامعها يجري
وأن تك قد حالت عن العهد بعدنا
وأصغت الي قول المؤنب والمزري
فسوف يرى منها صدود ولم تكن
بنفسي من أهل الخيانة والغدر
أعوذ بك اللهم أن تشحط النوى
ببثنة في أدنى حياتي ولا حشري
وجاور إذا ما مت بيني وبينها
فيا حبذا موتي إذا جاورت قبري
هي البدر حسنا والنساء كواكب
وشتان بين الكواكب والبدر
لقد فضلت حسنا على الناس مثلما
على ألف شهر فضلت ليله القدر
أيبكي حمام الأيك من فقد ألفه
وأصبر ؟ مالي عن بثينة من صبر
يقولون : مسحور يجن بذكرها
وأقسم ما بي من جنون ولا سحر
لقد شغفت نفسي يا بثين بذكركم
كما شغف المخمور يابثن بالخمر
ذكرت مقامي ليله البان قابضا
على كف حوراء المدامع كالبدر
فكدت ولم أملك اليها صبابة
أهيم وفاض الدمع مني على نحري



فيا ليت شعري هل أبيتن ليلة
كليلتنا حتى نرى ساطع الفجر
تجود علينا بالحديث وتارة
تجود علينا بالرضاب من الثغر
فيا ليت ربي قد قضى ذاك مرة
فيعلم ربي عند ذلك ما شكري
ولو سألت مني حياتي بذلتها
وجدت بها إن كان ذلك من أمري
مضى لي زمان لو أخير بينه
وبين حياتي خالدا آخر الدهر
لقلت : ذروني ساعة وبثينة
على غفلة الواشين ثم أقطعوا عمري
مفلجة الأنياب لو أن ريقها
يداوى به الموتى لقاموا من القبر
إذا ما نظمت الشعر في غير ذكرها
أبى وأبيها أن يطاوعني شعري
فلا أنعمت بعدي ولا عشت بعدها
ودامت لنا الدنيا إلى ملتقى الحشر

وقال في غزله لبثينة ايضا :

ا لا ليت ايام الصفاء جديد
ودهرا تولى يابثين يعود
فنغنى كما كنا نكون وانتم
صديق واذ ما تبذلين زهيد
خليلي ما اخفي من الوجد ظاهر
ودمعي بما اخفي الغداة شهيد
اذا قلت مابي يابثينة قاتلي
من الحب قالت مثله ويزيد
فقلت لها بيني وبينك فاعلمي
من الله ميثاق له وعهود
وان عروض والوصل بيني وبينها
وان سهلة بالمنى لصعود
فافنيت عيشي بانتظار نوالها
وابليت ذاك الدهروهو جديد
يموت الهوى مني اذا مالقيتها
ويحيا اذا مافارقتها ويعود





***********************************










كثير عزة

كثيّر بن عبد الرحمن بن الأسود بن مليح من خزاعة وأمه جمعة بنت الأشيم الخزاعية. وكثيّر جاء برفع الكاف وتشديد الياء شاعر متيم مشهور، من أهل المدينة، أكثر إقامته بمصر ولد في آخر خلافة يزيد بن عبد الملك، وتوفي والده وهو صغير وكان منذ صغره قد كفله عمه بعد موت أبيه وكلفه رعي قطيع له من الإبل حتى يحميه من طيشه وملازمته سفهاء المدينة.
اشتهر بحبه لعزة فعرف بها وعرفت به وهي: عزة بنت حُميل بن حفص من بني حاجب بن غفار الكناني اشار اليها كثير في شعره بأم عمرو ويسميها تارة الضميريّة وابنة الضمري نسبة إلى بني ضمرة. وسافر إلى مصر حيث دار عزة بعد زواجها وفيها صديقه عبد العزيز
بن مروان الذي وجد عنده المكانة ويسر العيش.
توفي في الحجاز هو وعكرمة مولى ابن عباس في نفس اليوم فقيل: مات اليوم أفقه الناس وأشعر الناس.
كان أحد عشاق العرب البارزين، وأنه شاعر أهل الحجاز، بل ومنهم من يقدمه على غيره من شعراء أهل زمانه وربما قال البعض أنه: أشعر أهل الاسلام.
وقيل انه كثير الاعتداد بنفسه، كثير العجب والزهو والكبرياء والخيلاء، و قيل فيه أنه كان يؤمن بالرجعة وتناسخ للأرواح.
وكان خلفاء بنى أمية، وخاصة عبد الملك بن مروان شديدى الاعجاب بشعره، خاصة المديح.
يقول في احدى قصائده:

خليلى هذا ربع عزة فاعقـلا
قلوصيكمـا ثـم ابكيـا حيـث حلـت
ومسا ترابا كان قد مس جلدها
وبيتـا وظـلا حيـث باتـت وظلـت
ولا تيأسا أن يمحـو الله عنكمـا
ذنوبـا اذا صليتمـا حيـث صلـت
وما كنت أدري قبل عزة ما البكي
ولا موجعات القلـب حتـى تولـت
وقد حلفت جهدا بما نحرت لـه
قريـش غـداة المأزميـن وصلـت
أناديـك ماحـج الحجيـج وكبـرت
بفيفـا غـزال رفقـة وأهلـت
وكانت لقطع العهد بينـى وبينهـا
كنـاذرة نـذرا فأوفـت وحلـت
فقلت لها ياعز كل مصيبـة
اذا وطنـت يومـا لهـا النفـس ذلـت
ولم يلـق انسـان مـن الحـب ميعـة
لغـم ولا عميـاء الا تجلـت
كأني أنادي صخرة حين أعرضت
من الصم لو تمشي بها العصم زلت
صفوحا فما تلقاك الا بخيلة
فمن مـل منهـا ذلـك الوصـل ملـت
أباحت حمى لم يرعه الناس قبلها
وحلت تلاعا لم تكـن قبـل حلـت
فليت قلوصي عند عزة قيدت
بحبـل ضعيـف غـر منهـا فضلـت
وغودر في الحى المقيمين رحلها
وكـان لهـا بـاغ سـواي فبلـت
وكنت كذى رجلين رجل صحيحة
ورجل رمى فيها الزمـان فشلـت
وكنت كذات الظلع لما تحاملت
على ضلعهـا بعـد العثـار استقلـت
أريد الثواء عندهـا وأظنهـا
اذا مـا أطلنـا عندهـا المكـث ملـت
فما أنصفت أمـا النسـاء فبغضـت
الينـا وأمـا بالنـوال فضنـت
يكلفها الغيران شتمى وما بهـا
هـو انـي ولكـن للمليـك استذلـت
هنيئا مريئا غير داء مخامـر
لعـزة مـن أعراضنـا مـا استحلـت
و والله مـا قاربـت الا تباعـدت
بصـرم ولا أكثـرت الا أقـلـت
فان تكن العتبي فاهلا ومرحبا
وحقـت لهـا العتبـي لدينـا وقلـت
وان تكن الاخري فان وراء‌نا
مناوح لو تسـرى بهـا العيـس كلـت
خليلـى ان الحاجبيـة لمحـت
قلوصيكمـا وناقتـى قــد أكـلـت
فلا يبعـدن وصـل لعـزة أصبحـت
بعاقبـة أسبابـه قـد تولـت
أسيـئ بنـا أو أحسنـى لاملومـة
لدينـا ولا مقلـيـة ان ثقـلـت
ولكن أميلى واذكري من مـودة
لنـا خلـة كانـت لديـك فضلـت
واني وان صدت لمثن وصـادق
عليهـا بمـا كانـت الينـا أزلـت
فما أنا بالداعى لعـزة بالجـوى
ولا شامـت ان نعـل عـزة زلـت
فلا يحسب الواشـون ان صبابتـى
بعـزة كانـت غمـرة فتجلـت
فاسبحت قد أبللت من دنف بها
كمـا أدنفـت هيمـاء ثـم استبلـت
ووالله ثم الله ما حـل قبلهـا
ولا بعدهـا مـن خلـة حيـث حلـت
وما مر من يوم على كيومهـا
وان عظمـت أيـام أخـرى وجلـت
فاضحت بأعلى شاهق من فؤاده
فلا القلب يسلاها والا العيـن ملـت
فيا عجبا للقلب كيف اعترافـه
وللنفـس لمـا وطنـت كيـف ذلـت
وانـي وتهيامـي بعـزة بعدمـا
تخليـت عمـا بينـنـا وتخـلـت
لكا لمرتجى ظـل الغمامـة كلمـا
تبـوأ منهـا للمقيـل اضمحلـت
كأنـي واياهـا سحابـة ممحـل
رجاهـا فلمـا جاوزتـه استهلـت
فان سأل الواشون فيما هجرتها
فقـل نفـس حـر سليـت فتسلـت

وقال كثيّر في عزته متغزلا:
ولقد لقيت على الدُريجة ليلة
كانت عليك أيامنا و سعودا
لاتغدرنّ بوصل عزة بعدما
أخذت عليك مواثق و عهودا
إن المحب إذا أحب حبيبه
صدَق الصفاء و أنجز الموعودا
رُهبان مَديَنَ و الذين عهدتهم
يبكون من حذر العذاب قعودا
لو يسمعون كما سمعت كلامها
خروا لعزة ركعا ً و سجودا
وقال ايضا فيها :

يزهدني في حب عزة معشر
قلوبهم فيها مخالفة قلبي
فقلت دعوا قلبي و ما اختار و ارتضى
فبالقلب لا بالعين يبصر ذو اللب
و ما تبصر العينين في موضع الهوى
و لا تسمع الأذنان إلا من القلب

ومما يروى ان عزة خرجت يوما ً مع زوجها إلى مكة و اتفق أن مرت أثناء الطريق بجمل له فسلمت على الجمال فعرف كثيّر بالأمر فجاء إلى الجمل فحله و أطلقه من الحمل و أنشد :
حيتك عزة بعد الهجر و انصرفت
فحي ويحك من حياك يا جمل
ليت التحية كانت لي فأردها
مكان يا جمل حييت يا رجل

*******************************************







قيس بن الملوح ( مجنون ليلى)


قيس بن الملوّح بن مزاحم بن عدس بن ربيعة بن جعده بن كعب بن ربيعة العامري وقد لقب بمجنون ليلى توفي عام 688 ميلادية .
شاعر غزل عربي ، من المتيمين، من أهل نجد.عاش في فترة خلافة مروان بن الحكم و عبدالملك بن مروان في القرن الأول من الهجرة في بادية العرب .
احب ليلى بنت سعد العامري ابنة عمه حيث نشأ معها وتربى واياها حيث كانا يرعيان مواشي والديهما فاحب احدهما الاخر فكانا بحق رفيقان في الطفولة والصبا فعشقها وهام بها فرفض أهلها ان يزوجوها اليه وهذه عادة عربية جاهلية ولا تزال موجودة في القرى والبوادي وقيل بسبب خلال بين ابويهما حول اموال وميراث - فهام على وجهه في البراري و القفار ينشد الشعر والقصيد ويأنس بالوحوش و يتغنى بحبه العذري، فيرى حيناً في الشام وحيناً في نجد وحيناً في اخر الحجاز، إلى أن وجد ملقى بين أحجار وهو ميت
فحمل إلى أهله.

ومما قال فيها :
تَذَكَّرتُ لَيلى وَالسِنينَ الخَوالِيا
وَأَيّامَ لا نَخشى عَلى اللَهوِ ناهِيا
وَيَومٍ كَظِلِّ الرُمحِ قَصَّرتُ ظِلَّهُ
بِلَيلى فَلَهّاني وَما كُنتُ لاهِيا
بِثَمدينَ لاحَت نارُ لَيلى وَصُحبَتي
بِذاتِ الغَضى تُزجي المَطِيَّ النَواجِيا
فَقالَ بَصيرُ القَومِ أَلمَحتُ كَوكَباً
بَدا في سَوادِ اللَيلِ فَرداً يَمانِيا
فَقُلتُ لَهُ بَل نارُ لَيلى تَوَقَّدَت
بِعَليا تَسامى ضَوءُها فَبَدا لِيا
فَلَيتَ رِكابَ القَومِ لَم تَقطَعِ الغَضى
وَلَيتَ الغَضى ماشى الرِكابَ لَيالِيا
فَيا لَيلَ كَم مِن حاجَةٍ لي مُهِمَّةٍ
إِذا جِئتُكُم بِاللَيلِ لَم أَدرِ ماهِيا
خَليلَيَّ إِن تَبكِيانِيَ أَلتَمِس خَليلاً
إِذا أَنزَفتُ دَمعي بَكى لِيا
فَما أُشرِفُ الأَيفاعَ إِلّا صَبابَةً
وَلا أُنشِدُ الأَشعارَ إِلّا تَداوِيا
وَقَد يَجمَعُ اللَهُ الشَتيتَينِ بَعدَما
يَظُنّانِ كُلَّ الظَنِّ أَن لا تَلاقِيا
لَحى اللَهُ أَقواماً يَقولونَ إِنَّنا
وَجَدنا طَوالَ الدَهرِ لِلحُبِّ شافِيا
وَعَهدي بِلَيلى وَهيَ ذاتُ مُؤَصِّدٍ
تَرُدُّ عَلَينا بِالعَشِيِّ المَواشِيا
فَشَبَّ بَنو لَيلى وَشَبَّ بَنو اِبنِها
وَأَعلاقُ لَيلى في فُؤادي كَما هِيا
إِذا ما جَلَسنا مَجلِساً نَستَلِذُّهُ
تَواشَوا بِنا حَتّى أَمَلَّ مَكانِيا
سَقى اللَهُ جاراتٍ لِلَيلى تَباعَدَت
بِهِنَّ النَوى حَيثُ اِحتَلَلنَ المَطالِيا
وَلَم يُنسِني لَيلى اِفتِقارٌ وَلا غِنىً
وَلا تَوبَةٌ حَتّى اِحتَضَنتُ السَوارِيا
وَلا نِسوَةٌ صَبِّغنَ كَبداءَ جَلعَداً
لِتُشبِهَ لَيلى ثُمَّ عَرَّضنَها لِيا
خَليلَيَّ لا وَاللَهِ لا أَملِكُ الَّذي
قَضى اللَهُ في لَيلى وَلا ما قَضى لِيا
قَضاها لِغَيري وَاِبتَلاني بِحُبِّها
فَهَلّا بِشَيءٍ غَيرِ لَيلى اِبتَلانِيا
وَخَبَّرتُماني أَنَّ تَيماءَ مَنزِلٌ
لِلَيلى إِذا ما الصَيفُ أَلقى المَراسِيا
فَهَذي شُهورُ الصَيفِ عَنّا قَدِ اِنقَضَت
فَما لِلنَوى تَرمي بِلَيلى المَرامِيا
فَلَو أَنَّ واشٍ بِاليَمامَةِ دارُهُ
وَداري بِأَعلى حَضرَمَوتَ اِهتَدى لِيا
وَماذا لَهُم لا أَحسَنَ اللَهُ حالُهُم
مِنَ الحَظِّ في تَصريمِ لَيلى حَبالِيا
وَقَد كُنتُ أَعلو حُبَّ لَيلى فَلَم يَزَل
بِيَ النَقضُ وَالإِبرامُ حَتّى عَلانِيا
فَيا رَبِّ سَوّي الحُبَّ بَيني وَبَينَها
يَكونُ كَفافاً لا عَلَيَّ وَلا لِيا
فَما طَلَعَ النَجمُ الَّذي يُهتَدى بِهِ
وَلا الصُبحُ إِلّا هَيَّجا ذِكرَها لِيا
وَلا سِرتُ ميلاً مِن دِمَشقَ وَلا بَدا
سُهَيلٌ لِأَهلِ الشامِ إِلّا بَدا لِيا
وَلا سُمِّيَت عِندي لَها مِن سَمِيَّةٍ
مِنَ الناسِ إِلّا بَلَّ دَمعي رِدائِيا
وَلا هَبَّتِ الريحُ الجُنوبُ لِأَرضِها
مِنَ اللَيلِ إِلّا بِتُّ لِلريحِ حانِيا
فَإِن تَمنَعوا لَيلى وَتَحموا بِلادَها
عَلَيَّ فَلَن تَحموا عَلَيَّ القَوافِيا
فَأَشهَدُ عِندَ اللَهِ أَنّي أُحِبُّها
فَهَذا لَها عِندي فَما عِندَها لِيا
قَضى اللَهُ بِالمَعروفِ مِنها لِغَيرِنا
وَبِالشَوقِ مِنّي وَالغَرامِ قَضى لَيا
وَإِنَّ الَّذي أَمَّلتُ يا أُمَّ مالِكٍ
أَشابَ فُوَيدي وَاِستَهامَ فُؤادَيا
أَعُدُّ اللَيالي لَيلَةً بَعدَ لَيلَةٍ وَقَد
عِشتُ دَهراً لا أَعُدُّ اللَيالِيا
وَأَخرُجُ مِن بَينِ البُيوتِ لَعَلَّني
أُحَدِّثُ عَنكِ النَفسَ بِاللَيلِ خالِيا
أَراني إِذا صَلَّيتُ يَمَّمتُ نَحوَها
بِوَجهي وَإِن كانَ المُصَلّى وَرائِيا
وَما بِيَ إِشراكٌ وَلَكِنَّ حُبَّها
وَعُظمَ الجَوى أَعيا الطَبيبَ المُداوِيا
أُحِبُّ مِنَ الأَسماءِ ما وافَقَ اِسمَها
أَوَ اِشبَهَهُ أَو كانَ مِنهُ مُدانِيا
خَليلَيَّ لَيلى أَكبَرُ الحاجِ وَالمُنى
فَمَن لي بِلَيلى أَو فَمَن ذا لَها بِيا
لَعَمري لَقَد أَبكَيتِني يا حَمامَةَ ال
عَقيقِ وَأَبكَيتِ العُيونَ البَواكِيا
خَليلَيَّ ما أَرجو مِنَ العَيشِ بَعدَما
أَرى حاجَتي تُشرى وَلا تُشتَرى لِيا
وَتُجرِمُ لَيلى ثُمَّ تَزعُمُ أَنَّني
سَلوتُ وَلا يَخفى عَلى الناسِ ما بِيا
فَلَم أَرَ مِثلَينا خَليلَي صَبابَةٍ
أَشَدَّ عَلى رَغمِ الأَعادي تَصافِيا
خَليلانِ لا نَرجو اللِقاءَ وَلا نَرى
خَليلَينِ إِلّا يَرجُوانِ تَلاقِيا
وَإِنّي لَأَستَحيِيكِ أَن تَعرِضِ المُنى
بِوَصلِكِ أَو أَن تَعرِضي في المُنى لِيا
يَقولُ أُناسٌ عَلَّ مَجنونَ عامِرٍ
يَرومُ سُلوّاً قُلتُ أَنّى لِما بِيا
بِيَ اليَأسُ أَو داءُ الهُيامِ أَصابَني
فَإِيّاكَ عَنّي لا يَكُن بِكَ ما بِيا
إِذا ما اِستَطالَ الدَهرُ يا أُمَّ مالِكٍ
فَشَأنُ المَنايا القاضِياتِ وَشانِيا
إِذا اِكتَحَلَت عَيني بِعَينِكِ لَم تَزَل
بِخَيرٍ وَجَلَّت غَمرَةً عَن فُؤادِيا
فَأَنتِ الَّتي إِن شِئتِ أَشقَيتِ عِيشَتي
وَأَنتِ الَّتي إِن شِئتِ أَنعَمتِ بالِيا
وَأَنتِ الَّتي ما مِن صَديقٍ وَلا عِداً
يَرى نِضوَ ما أَبقَيتِ إِلّا رَثى لِيا
أَمَضروبَةٌ لَيلى عَلى أَن أَزورَها
وَمُتَّخَذٌ ذَنباً لَها أَن تَرانِيا
إِذا سِرتُ في الأَرضِ الفَضاءِ رَأَيتُني
أُصانِعُ رَحلي أَن يَميلَ حِيالِيا
يَميناً إِذا كانَت يَميناً وَإِن تَكُن
شِمالاً يُنازِعنِ الهَوى عَن شِمالِيا
وَإِنّي لَأَستَغشي وَما بِيَ نَعسَةٌ
لَعَلَّ خَيالاً مِنكِ يَلقى خَيالِيا
هِيَ السِحرُ إِلّا أَنَّ لِلسِحرِ رُقيَةً
وَأَنِّيَ لا أُلفي لَها الدَهرَ راقَيا
إِذا نَحنُ أَدلَجنا وَأَنتِ أَمامَنا
كَفا لِمَطايانا بِذِكراكِ هادِيا
ذَكَت نارُ شَوقي في فُؤادي فَأَصبَحَت
لَها وَهَجٌ مُستَضرَمٌ في فُؤادِيا
أَلا أَيُّها الرَكبُ اليَمانونَ عَرَّجوا
عَلَينا فَقَد أَمسى هَواناً يَمانِيا
أُسائِلُكُم هَل سالَ نَعمانُ بَعدَنا
وَحُبَّ إِلَينا بَطنُ نَعمانَ وادِيا
أَلا يا حَمامَي بَطنِ نَعمانَ هِجتُما
عَلَيَّ الهَوى لَمّا تَغَنَّيتُما لِيا
وَأَبكَيتُماني وَسطَ صَحبي وَلَم أَكُن
أُبالي دُموعَ العَينِ لَو كُنتُ خالِيا
وَيا أَيُّها القُمرِيَّتانِ تَجاوَبا
بِلَحنَيكُما ثُمَّ اِسجَعا عَلَّلانِيا
فَإِن أَنتُما اِسطَترَبتُما أَو أَرَدتُما
لَحاقاً بِأَطلالِ الغَضى فَاِتبَعانِيا
أَلا لَيتَ شِعري ما لِلَيلى وَمالِيا
وَما لِلصِبا مِن بَعدِ شَيبٍ عَلانِيا
أَلا أَيُّها الواشي بِلَيلى أَلا تَرى
إِلى مَن تَشيها أَو بِمَن جِئتُ واشِيا
لَئِن ظَعَنَ الأَحبابُ يا أُمَّ مالِكٍ
فَما ظَعَنَ الحُبُّ الَّذي في فُؤادِيا
فَيا رَبِّ إِذ صَيَّرتَ لَيلى هِيَ المُنى
فَزِنّي بِعَينَيها كَما زِنتَها لِيا
وَإِلّا فَبَغِّضها إِلَيَّ وَأَهلَها
فَإِنّي بِلَيلى قَد لَقيتُ الدَواهِيا
عَلى مِثلِ لَيلى يَقتُلُ المَرءُ نَفسَهُ
وَإِن كُنتُ مِن لَيلى عَلى اليَأسِ طاوِيا
خَليلَيَّ إِن ضَنّوا بِلَيلى فَقَرِّبا
لِيَ النَعشَ وَالأَكفانَ وَاِستَغفِرا لِيا
وإن مت من داء الصبابة فأبلغا
شبيهة ضوء الشمس مني سلاميا

ومما قاله في الغزل ايضا :




ألاَ لا أرى وادي المياهِ يُثِيبُ
ولا النفْسُ عنْ وادي المياهِ تَطِيبُ

أحب هبوط الواديين وإنني
لمشتهر بالواديين غريب

أحقاً عباد الله أن لست وارداً
ولا صادراً إلا علي رقيب

ولا زائِراً فرداً ولا في جَماعَة ٍ
من الناس إلا قيل أنت مريب

وهل ريبة في أن تحن نجيبة
إلى إلْفها أو أن يَحِنَّ نَجيبُ

وإنَّ الكَثِيبَ الفرْدَ مِنْ جانِبِ الحِمى
إلي وإن لم آته لحبيب

ولا خير في الدنيا إذا أنت لم تز
ر حبيباً ولم يَطْرَبْ إلَيْكَ حَبيبُ

لَئِن كَثُرَت رُقابُ لَيلى فَطالَما
لَهَوتُ بِلَيلى ما لَهُنَّ رَقيبُ

وَإِن حالَ يَأسٌ دونَ لَيلى فَرُبَّما
أَتى اليَأسُ دونَ الشَيءِ وَهوَ حَبيبُ

وَمَنَّيتَني حَتّى إِذا ما رَأَيتِني
عَلى شَرَفٍ لِلناظِرينَ يَريبُ

صَدَدتِ وَأَشمَتِّ العُداةَ بِهَجرِنا
أَثابَكِ فيما تَصنَعينَ مُثيبُ

أُبَعِّدُ عَنكِ النَفسَ وَالنَفسُ صَبَّةٌ
بِذِكرِكِ وَالمَمشى إِلَيكِ قَريبُ

مَخافَةَ أَن تَسعى الوُشاةُ بِظِنَّةٍ
وَأَكرَمُكُم أَن يَستَريبَ مُريبُ

فَقَد جَعَلَت نَفسي وَأَنتِ اِختَرَمتِها
وَكُنتِ أَعَزَّ الناسِ عَنكِ تَطيبُ

فَلَو شِئتِ لَم أَغضَب عَلَيكِ وَلَم يَزَل
لَكِ الدَهرَ مِنّي ما حَيِيتُ نَصيبُ

أَما وَالَّذي يَتلو السَرائِرَ كُلَّها
وَيَعلَمُ ما تُبدي بِهِ وَتَغيبُ

لَقَد كُنتِ مِمَّن تَصطَفي النَفسُ خُلَّةً
لَها دونَ خِلّانِ الصَفاءِ حُجوبُ

وَإِنّي لَأَستَحيِيكِ حَتّى كَأَنَّما
عَلَيَّ بِظَهرِ الغَيبِ مِنكِ رَقيبُ

تَلَجّينَ حَتّى يَذهَبَ اليَأسُ بِالهَوى
وَحَتّى تَكادَ النَفسُ عَنكِ تَطيبُ

سَأَستَعطِفُ الأَيامَ فيكِ لَعَلَّها
بِيَومِ سُروري في هَواكِ تَؤوبُ

..............

وقال ايضا في الغزل:



أيَا هَجَرْ ليْلى قَدْ بَلغْتَ بِيَ المَدَى
وَزِدْتَ عَلَى ما لَمْ يَكُنْ بَلَغَ الهَجْرُ
عَجِبْتُ لِسْعَي الدَّهْرِ بَيْنِي وَبَيْنَها
فَلَمَّا انْقَضَى مَا بَيْننا سَكَنَ الدَّهْرُ
فَيَا حُبَّها زِدْنِي جَوى ً كُلَّ لَيْلَة ٍ
ويا سلوة الأيام موعدك الحشر
تكاد يدي تندى إذا ما لمستها
وينبت في أطرافها الورق النضر
وَوَجْهٍ لَهُ دِيبَاجَة ٌ قُرشِيَّة ٌ به
تكشف البلوى ويستنزل القطر
ويهتز من تحت الثياب قوامها
كَما اهتزَّ غصنُ البانِ والفننُ النَّضْرُ
فيا حبَّذا الأحياءُ ما دمتِ فيهمِ
ويا حبذا الأموات إن ضمك القبر
وإني لتعروني لذكراك نفضة
كمَا انْتَفضَ الْعُصْفُرُ بلَّلَهُ الْقَطْرُ
عسى إن حججنا واعتمرناوحرمت
زِيارَة ُ لَيْلَى أنْ يَكُونَ لَنَا الأَجْرُ
فما هو إلا أن أراه افجاءة
فَأُبْهَتُ لاَ عُرْفٌ لَدَيَّ وَلاَ نكْرُ
فلو أن ما بي بالحصا فلق الحصا
وبالصخرة الصماء لانصدع الصخر
ولو أن ما بي بالوحش لما رعت
وَلاَ سَاغَهَا المَاءُ النَّمِيرُ وَلا الزَّهْرُ
ولو أن ما بي بالبحار لما جرى
بِأمْوَاجِهَا بَحْرٌ إذا زَخَر الْبَحْرُ


******************************






قيس بن ذريح
( قيس لبنى)
هو قيس بن ذريح بن سنة بن حذافة بن طريف بن عتوارة بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة من قبيلة كنانة ومسكنه في ظاهر المدينة المنورة شاعر اموي . من العشاق المتيمين، اشتهر بحب لبنى بنت الحباب الكعبي من سكنة المدينة المنورة . كان اخا للحسين بن علي بن أبي طالب بالرضاعة أرضعتهما كليهما أم قيس،
وقيل ان سبب علاقته بلبنى بنت الحباب الكعبي الخزاعية أنه ذهب يوما في بعض حاجاته فمر ببني كعب وقد اشتد الحرعليه فاستسقى الماء من خيمة منهم فبرزت إليه امرأة طويلة القامة بهية الطلعة عذبة الكلام سهلة المنطق فناولته اداوة فيها ماء، فلما هم بالذهاب قالت له ألا تبرد عندنا، وقد تمكنت من فؤاده فقال نعم
فمهدت له وطاء واستحضرت ما يحتاج إليه حتى جاء والدها ، فلما وجده رحب به ونحر له جزوراً وأقام عندهم حتى مساء ذلك اليوم ثم انصرف وقد دخلت قلبه ودخلته وشغف بها فجعل يكتم ذلك في قلبه إلى أن غلب عليه الحب والشوق فنطق فيها في شعره وشاع ذلك عنه وقيل أنه مر بها ثانياً فنزل عندهم وشكا إليها حين تخاليا ما نزل به من وجدها وحبه لها فوجد الذي عندها أضعاف ماعنده وعلم كل واحد ما عند الآخر. فمضى إلى أبيه فشكا إليه فقال له ابوه دع هذه وتزوج بإحدى بنات عمك، فغم منه وكتم غيضه وجاء إلى أمه فكان منها ما كان من أبيه فتركهما. فأتى اخاه من الرضاعة ( الحسين بن علي، سلام الله عليهما) فشكى ما بهاليه فقال له الحسين: أنا أكفيك. فمضى معه إلى أبي لبنى، فلما بصر به، وثب إليه، وأعظمه،
وقال: يا ابن رسول الله، ما جاء بك إلي ؟ ألا بعثت إلي فآتيك ؟
قال: قد جئتك خاطباً ابنتك لبنى، لقيس بن ذريح، وقد عرفت مكانه مني.
فقال: يا ابن بنت رسول الله، ما كنت لأعصى لك أمراً، وما بنا عن الفتى رغبة، ولكن أحب الأمرين إلينا، أن يخطبها ذريح علينا، وأن يكون ذلك عن أمره، فإنا نخاف أن يسمع أبوه بهذا، فيكون عاراً ومسبة علينا.
فأتى الحسين رضي الله عنه ذريحاً والده ، وقومه مجتمعون، فقاموا إليه احتراما وتوقيرا وقالوا له مثل قول الخزاعي.
فقال: يا ذريح، أقسمت عليك بحقي، إلا خطبت لبنى لابنك قيس.
فقال: السمع والطاعة لأمرك. فتزوجها
ولما تزوجها أقام مدة طويلة على أرفع حال واحسن ما يكون من الأحوال ومراتب الإقبال، وفنون المحبة. الا انها لم تنجب له اولادا وكان قيس أبر الناس بأمه، فألهته لبنى وعكوفه عليها عن بعض ذلك فقصر في محبته وبره لها فوجدت أمه في نفسها، وقالت: لقد شغلت هذه المرأة ابني عن بري. وكتمت ذلك في قلبها ً حتى مرض قيس مرضاً شديداً، فلما برئ، قالت أمه لأبيه: لقد خشيت أن يموت قيس ولم يترك خلفاً، وقد حرم الولد من هذه المرأة، وأنت ذو مال، فيصير مالك إلى الكلالة، فزوجه غيرها، لعل الله عز وجل يرزقه ولداً، وألحت عليه في ذلك. فأمهل ذريح حتى اجتمع قومه،
ثم قال له: يا قيس، إنك اعتللت هذه العلة ولا ولد لك، ولا لي سواك، وهذه المرأة ليست بولود، فتزوج إحدى بنات عمك لعل الله أن يهب لك ولداً تقر به عينيك وأعيننا.
فقال قيس: لست متزوجاً غيرها أبداً.
فقال أبوه: يا بني، فإن مالي كثير، فتسر بالإماء.
فقال: ولا أسوؤها بشيء أبداً.
قال أبوه: فإني أقسم عليك إلا طلقتها. فأبى ورفض ذلك بشده
، وقال: الموت- والله- أسهل علي من ذلك، ولكني أخيرك خصلة من خصال.
فقال: وما هي ؟
قال: تتزوج أنت، فلعل الله عز وجل أن يرزقك ولداً غيري.
فقال: ما في فضل لذلك.
قال: فدعني أرحل عنك بأهلي، وأصنع ما كنت صانعاً، لو كنت مت في علتي هذه.
فقال: ولا هذا.
قال: فادع لبنى عندك، وأرتحل عنك إلى أن أسلوها، فإني ما تحب نفسي أن أعيش، وتكون لبنى غائبة عني أبداً، وأن لا تكون في حبا لي.
فقال: لا أرضى بذلك، أو تطلقها،
وحلف لا يكنه سقف ا و لا يسكن تحت سقف بيت أبداً، حتى يطلق لبنى. وكان يخرج فيقف في حر الشمس، ويجيء قيس فيقف إلى جانبه، فيظله بردائه، ويصلى هو بحر الشمس الهاجرة ، حتى يفيء الفيء عنه، وينصرف إلى لبنى، فيعانقها، ويبكي، وتبكي معه.
وتقول له: يا قيس، لا تطع أباك، فتهلك، وتهلكني معك.
فيقول لها: ما كنت لأطيع أحداً فيك أبداً.
وقيل إنه مكث على هذه سنة كاملة ، ثم طلقها لأجل والده، فلم يطق الصبر عنها.
قال ابن جريج: أخبرت أن عبد الله بن صفوان لقي ذريحاً أبا قيس، فقال له: ما حملك على تفريق بين قيس ولبنى ، أما علمت أن عمر بن الخطاب، قال: ما أبالي فرقت بين الرجل وامرأته، أو مشيت إليهما بالسيف.
قال: قال الحسين بن علي عليهما السلام لذريح أبي قيس: أحل لك أن فرقت بين قيس ولبنى،؟ أما أني سمعت عمر بن الخطاب، يقول: ما أبالي فرقت بين الرجل وامرأته، أو مشيت إليهما بالسيف . أخبرنا عمر بن أبي نصر،انه سمع قيس بن ذريح يقول ليزيد بن سليمان: هجرني أبواي، إثنتي عشرة سنة، أستأذن عليهما، فيرداني، حتى طلقتها.
فلما أزمعت لبنى الرحيل بعد العدة جاء وقد قوض فسطاطها فسأل الجارية عن أمرهم فقالت سل لبنى فأتى إليها فمنعه أهلها وأخبروه أنها غداة غد ترحل إلى أهلها فسقط مغشياً عليه، فلما أفاق وأنشد:

وإني لمفن دمع عيني بالبكى
حذار الذي قد كان أو هو كائن
وقالوا غداً أو بعد ذاك بليلة
فراق حبيب لم يبن وهو بائن
وما كنت أخشى أن تكون منيتي
بكفيك إلا أن ما حان حائن


وقال أيضاً:

يقولون لبنى فتنة كنت قبلها
بخير فلا تندم عليها وطلق
فطاوعت أعدائي وعاصيت ناصحي
وأقررت عين الشامت المتملق
وددت وبيت اللّه أني عصيتم
وحملت في رضوانها كل موثق
وكلفت خوص البحر والبحر زاخر
أبيت على اثباج موج مفرق
كأني أرى الناس المحبين بعدها
عصارة ماء الحنظل المتفلق
فتنكر عيني بعدها كل منظر
ويكره سمعي بعدها كل منطق


و حين ارتحلت تبعها ينظر إليها، فلما غابت رجع يقبل أثر بعيرها، فلاموه على ذلك فأنشد:
وما أحببت أرضكم ولكن
أقبل أثر من وطئ الترابا
لقد لاقيت من كلف بلبنى
بلاء ما أسيغ له الشرابا
إذا نادى المنادي باسم لبنى
عييت فلا أطيق له جوابا



ولما أجنه الليل أوى إلى مضجعه فلم يطق فراقها ولم يقر به قرار فجعل يتالم و يتململ ويتمرغ في موضعه ويقول:
بت والهم يا لبينى ضجيعي
وجرت مذ نأيت عني دموعي
وتنفست إذ ذكرتك حتى زالت
اليوم عن فؤادي ضلوعي


و قيل ان امه أرسلت إليه يوماً بنات يعبن لبنى عنده ويلهينه بالتعرض إلى وصلهن فأنشد:

يقر لعيني قربها ويزيدني بها
عجباً من كان عندي يعيبها
وكم قائل قد قال تب فعصيته
وتلك لعمري توبة لا أتوبها
فيا نفس صبر الست واللّه فاعلمي
بأول نفس غاب عنها حبيبها

ولما اشتد شوقه وزاد غرامه أفضى به الى مرض ألزمه الفراش واختلال العقل واشتغال البال، فلام الناس أباه على سوء فعله فجزع وندم وجعل يتلطف به، فأرسل له طبيباً وقينات يسألون عن حاله ويخففون مابه من سقم ويلهونه، فلما أطالن عليه أنشد:
عند قيس من حب لبنى ولبنى
داء قيس والحب صعب شديد
فإذا عادني العوائد يوماً
قالت العين لا أرى من أريد
ليت لبنى تعودني ثم أقضي
أنها لا تعود فيمن يعود
ويح قيس لقد تضمن منها داء
خبل فالقلب منه عميد


فقال له الطبيب مذ كم هذه العلة بك ومذ كم غرمت بهذه المرأة وتولهت فقال:
تعلق روحي روحها قبل خلقنا
وليس إذا متنا بمنفصم العقد
فزاد كما زدنا وأصبح نامياً
وليس إذا متنا بمنصم المهد
ولكنه باق على كل حادث
وزائرتي في ظلمة القبر واللحد


فقال إنما يسليك عنها تذكر ما فيها من المساوي والمعايب وما تعافه النفس وقيل أن أباه دخل عليه وهو يخاطب الطبيب فجعل يؤنبه ويلومه، فلما لم يفد ذلك عرض عليه التزويج فأنشد:
لقد خفت أن لا تقنع النفس بعدها
بشيء من الدنيا وإن كان مقنعا
وازجر عنها النفس إن حيل دونها
وتأبى إليها النفس إلا تطلعا


فلما أيس منه استشار قومه في دائه فاتفقت آراؤهم على أن يأمروه ان يجوب احياء العرب فلعل أن تقع عينه على امرأة تستميل عقله فاقسموا عليه أن يفعل ففعل وأنه اتفق أن نزل بحي من فزارة فرأى جارية قد حسرت عن وجهها برقع خز وهي كالبدر حسناً وبهجة فسأل عن اسمها فقالت لبنى فسقط مغشياً عليه فارتاعت منه ونضحت وجهه بالماء وقالت إن لم تكن قيساً فمجنون. فلما أفاق استنسبته فإذا هو قيس فأقسمت عليه أن ينال من طعامها، فتناول قليلاً وركب فجاء أخوها على أثره فأعلمته القصة فركب حتى استرده وأقسم عليه أن يقيم عنده شهراً، فقال شفقت علي وأجاب فكان الفزاري يعجب به ويعرض عليه الصهارة حتى لامته العرب وقالوا نخشى أن يصير فعلك سنة فيقول دعوني في مثل هذا الفتى يرغب الكرام وقيس يقول له إن فيكم الكفاية ولكني في شغل لا ينتفع بي معه فألح عليه حتى عقد له على أخته ودخل بها فأقام معها أياماً لا تهش نفسه إليها ولا يكلمها ثم استأذن في الخروج إلى أهله فأذنوا له فخرج إلى المدينة وكان له بها صديق فأعمله أن لبنى قد بلغها تزويجه فغمت لذلك وقالت إنه لغدار وإني طالما خطبت فأبيت والآن أجيب هذا وإن أبا لفنى قد اشتكى قيساً إلى معاوية وإنه يشبب بابنته فكتب إلى مروان بهدر دمه وأمره أن يزوج ابنته بخالد بن خلدة الغطفاني وهو كندي حليف قريش فجعل النساء ليلة زفافها يغنينها:


لبينى زوجها أصبح لا حر يوازيه

له فضل على الناس وقد باتت تناجيه

وقيس ميت حقاً صريع في بواكيه

فلا يبعده اللّه وبعداً لنواعيه

ولما بلغ ذلك قيساً اشتد به الغرام فركب حتى أتى محلة قومها فقالت له النساء ما تصنع هنا وقد رحلت مع زوجها فلم يلتفت حتى أتى موضع خبائها فتمرغ به وأنشد:
إلى اللّه أشكوا فقد لبنى كما
شكا إلى اللّه بعد الوالدين يتيم
يتيم جفاه الأقربون فجسمه
نحيل وعهد الوالدين قديم


وقيل ان لبنى قدمت للحج في تلك السنة فاتفق خروجه أيضاً فتلاقيا فأبهت وأرسلت إليه مع امرأة تستخبرها عن حاله وتسلم عليه فأعاد السلام والسؤال وأنشد:
إذا طلعت شمس النهار فسلمي
فإني يسليني عليك طلوعها
بعشر تحيات إذا الشمس أشرقت
وعشر إذا اصفرت وحان رجوعها
ولو أبلغتها جارة قولي أسلمي طوت
حزناً وارفض منها دموعها


وحين انقضى الحج مرض مرضاً أنهكه فأكثر الناس من عيادته فجعل يتكفر لبنى وعدم رؤيته لها فأنشد:

ألبنى لقد جلت عليك مصيبتي
غداة غد إذ حل ما أتوقع
تمنيني نيلاً وتلويني به
فنفسي شوقاً كل يوم تقطع
ألومك في شأني وأنت مليمة
لعمري وأجفى للمحب وأقطع
وأخبرت أني فيك مت بحسرة
فما فاض من عينيك للوجد مدمع
إذا أنت لم تبكي عليّ جنازة
لديك فلا تبكي غداً حين أرفع



فحينما بلغتها الأبيات جزعت جزعاً شديداً وخرجت إليه خفية على ميعاد فاعتذرت عن الانقطاع وأعلمته أنها إنما تترك زيارته خوفاً عليه أن يهلك وإلا فعندها ما عنده ولكنها جلدة وفي منازل الأحباب يرفعه إلى ابن عباس قال مررت بربع عفا رسمه وإذا بشخص فسلمت عليه لم يرد فمضيت وإذا هو يناديني فرجعت فرد علي السلام واعتذر ثم ذكر أنه تعتريه غيبة العقل أطواراً هذا ودمعه يسفح كالغيث فقلت له من أنت قال قيس ابن ذريح وأنشد:
أمانيه لبنى ولم يقطع المدى
بوصل ولا هجر فبيأس طامع
أبى اللّه أن يلقي الرشاد متيم
ألا كل شيء حمّ لا شك واقع
هما برحابي معولين كلاهما
فؤاد وعين ماقها الدهر دامع
إذا نحن أفنينا البكاء عشية
فموعدنا قرن من الشمس طالع


وروى أن قيساً انتقى ناقة من إبله وقصد المدينة ليبيعها فاشتراها زوج لبنى وهو لا يعرفه، ثم قال له ائتني غداً في دار كثير بن الصلت أقبضك الثمن، فجاء في الموعد وطرق الباب فأدخله و كان قد صنع له طعاماً وقام لبعض حاجاته، فقالت المرأة لخادمتها سليه ما بال وجهه متغيراً شاحباً فتنفس الصعداء، ثم قال هكذا حال من فارق الأحبة. فقالت استخبريه عن قصته فاستخبرته فشرع يحكي أمره فرفعت الحجاب وقالت حسبك قد عرفنا حالك فبهت حين عرفها وبقي ساعة لاينطق ، ثم خرج لوجهه هائما فاعترضه الرجل وقال ما بالك عدلت عن قبض مالك وإن شئت زدناك، فلم يكلمه ومضى سائرا فدخل الرجل فقالت له ما هذا الذي فعلت إنه لقيس فحلف أنه لا يعرفه،
وأنشد قيس معاتباً لنفسه:
أتبكي على لبنى وأنت تركتها
وكنت عليها بالملا أنت أقدر
فإن تكن الدنيا بلبنى تقلبت
فللدهر والدنيا بطون وأظهر
كأني في أرجوحة بين أحبل
إذا فكرة منها على القلب تخطر
وقيل أنه حين جاء ليقبض ثمن الناقة رأى لبنى فعاد مبهوتاً فسأله أأنت قيس قال نعم قال ارجع لنخيرها فإن اختارتك طلقتها وظن الرجل أنها تبغض قيساً فخيرها فاختارت قيساً فطلقها لوقته.
وقيل أن سبب طلاقها أن قيساً قصد ابن أبي عتيق وكان أكثر أهل زمانه مروءة في ذلك، فجاء إلى الحسن والحسين السبطين رضي الله عنهما وأعلمهما أن له حاجة عند زوج لبنى وطلب أن ينجداه عليه فمضيا معه حتى ا جتمعوا به وكلموه
فقال سلوا ما شئتم
فقال له ابن أبي عتيق :أهلاً كان أو مالاً؟
قال نعم،
فقال أريد أن تطلق لبنى ولك ما شئت عندي
فقال الرجل : أشهدكم أنها طالق ثلاثاً
فاستحيوا منه وعوضه الحسن رضي الله عنه مائة ألف درهم
وقال له لو علمت الحاجة ما جئت. وروى أن لبنى عاتبت قيساً على زواجه من الفزارية فحلف لها أن عينيه لم تكتحل برؤيتها ولم يكلمها لفظة واحدة وأنه لو رآها لم يعرفها وأخبرته لبنى أنها كارهة لزوجها وأعلمته أنها لم تتزوجه رغبة فيه بل شفقة على قيس حين أهدر دمه ليخلى عنها فطلقها حين علم ما بينهما
وأرسل أخو الفزارية إلى قيس حين أبطا عنه يسأله الرجوع فأعاد الرسول بالخيار في أمر اخته فاختار الرجل عدم الفرقة وقصد قيس معاوية فمدحه فرق له وكان ذلك قبل طلاق لبنى
فقال له إن شئت كتبت إلى زوجها بطلاقها
فقال لا ولكن ائذن لي أن أكون ببلدها ففعل
فنزل قيس حين زال هدر دمه بحبها وظافرت مدائحه فيها حتى قيل ان معبدا والغريض واضرابهما قد تغتنوا بهما فرق الناس له ولما طلقت ونقلت إلى العدة بأمر ابن أبي عتيق فمنهم من يقول أنها أكملت عدتها وتزوجها وأقاما إلى الموت بدليل مدحه لابن أبي عتيق حيث قال:
جزى الرحمن أفضل ما يجازى
على الاحسان خيراً من صديق
فقد جربت إخواني جميعاً
فما ألفيت كابن أبي عتيق
سعى في جمع شملي بعد صدع
ورأى حدت فيه عن الطريق
وأطفأ لوعة كانت بقلبي
أغصتني حرارتها بريقي

وقيل- في الاغلب - أنها ماتت في العدة وأن مدحه لابن أبي عتيق حين لم يشك في عودها إليه وقد نهاه عن مدحه والقائلون بموت لبنى في العدة أجمعوا أن قيساً خرج حين بلغه ذلك حتى وقف على قبرها وأنشد:
مات لبينى فموتها موتي
هل ينفعن حسرة على الفوت
إني سأبكي بكاء مكتئب
قضى حياة وجداً على ميت

وقال ايضا فيها :

لو أن امرأ أخفي الهوى عن
ضميره لمت ولم يعلم بذاك ضمير
ولكن سألقي اللّه والنفس لم تبح
بسرّك والمستخبرون كثير

وأخبارقيس مع لبنى كثيرة جداً ومن قصائده فيها :


عفا سرف من أهله فسراوع
فجنبا أريك فالتلاع الدوافع
لعل (لبينى) أن يحم لقاؤها
ببعض البلاد إن ما حم واقع
بجزع من الوادي خلا عن أنيسه
عفا وتخطته العيون الخوادع
ولما بدا منها الفراق كما بدا
بظهر الصفا الصلد الشقوق الشوائع
تمنيت أن تلقي( لبيناك) والمنى
تعاصيك أحيانا وحينا تطاوع
وما من حبيب وامق لحبيبه
ولا ذي هوى إلا له الدهر فاجمع
وطار غراب البين وانشقت العصا
ببين كما شق الأديم الصوانع
ألا يا غراب البين قد طرت بالذي
أحاذر من لبني فهل أنت واقع!
أتبكي على لبني وأنت تركتها
وكنت كآت غيه وهو طائع
فلا تبكين في إثر شئ ندامة
إذا نزعته من يديك النوازع
فليس لأمر حاول الله جمعه
مشت ولا ما فرق الله جامع
طمعت( بلبنى) أن تريع وإنما
تقطع أعناق الرجال المطامع
كأنك لم تقنع إذا لم تلاقها
وإن تلقها فالقلب راض وقانع
فيا قلب خبرني إذا شطت النوى
(بلبنى) وصدت عنك ما أنت صانع
أتصبر للبين المشت مع الجوى
أم أنت امرؤ ناسي الحياء فجازع
فما أنا إن بانت (لبيني) بهاجع
إذا ما استقلت بالنيام المضاجع
وكيف ينام المرء مستشعر الجوى
ضجيع الأسى فيها نكاس روادع
فلا خير في الدنيا إذا لم تواتنا
(لبيني )ولم يجمع لنا الشمل جامع
أليست لبين تحت سقف يكنها
وإياي هذا إن نأت لي نافع
ويلبسنا الليل البهيم إذا دجا
ونبصر ضوء الصبح والفجر ساطع
تطا تحت رجليها بساطا وبعضه
أطاه برجلي ليس يطويه مانع
وأفرح إن أمست بخير وإن يكن
بها الحدث العادي توعني الروائع
كأنك بدع لم تر الناس قبلها
ولم يطلعك الدهر فيمن يطالع
فقد كنت أبكي والنوى مطمئنة
بنا وبكم من علم ما البين صانع
وأهجركم هجر البغيض وحبكم
على كبدي منه كلوم صوادع
فواكبدي من شدة الشوق والأسى
وواكبدي إني إلى الله راجع
وأعجل للإشفاق حتى يشفني
مخافة وشك البين والشمل جامع
وأعمد للأرض التي من ورائكم
لترجعني يوما إليك الرواجع
فيا قلب صبرا واعترافا لما ترى
ويا حبها قع بالذي أنت واقع
لعمري لمن أمسى وأنت ضجيعة
من الناس ما اختيرت عليه المضاجع
ألا تلك( لبنى) قد تراخى مزارها
وللبين غم ما يزال ينازع
إذا لم يكن إلا الجوى فكفى به
جوى خزق قد ضمنتها الأضالع
أبائنة ( لبنى) ولم تقطع المدى
بوصل ولا صرم فييأس طامع
يظل نهار الوالهين نهاره
وتهدنه في النائمين المضاجع
سواء فليلي من نهاري وإنما
تقسم بين الهالكين المصارع
ولولا رجاء القلب أن تسعف النوى
لما حملته بينهن الأضالع
له وجبات إثر لبنى كأنها
شقائق برق في السحاب لوامع
نهاري نهار الناس حتى إذا دجا
لي الليل هزتني إليك المضاجع
أقضي نهاري بالحديث وبالمنى
ويجمعني والهم بالليل جامع
لقد ثبتت في القلب منك مودة
كما تثبتت في الراحتين الأصابع
أبى الله أن يلقى الرشاد متيم
ألا كل أمر حم لابد واقع
هما برحا بي معولين كلاهما
فؤاد وعين جفنها - الدهر – دامع
إذا نحن أنفدنا البكاء عشية
فموعدنا قرن من الشمس طالع
وللحب آيات تبين بالفتى
شحوب وتعرى من يديه الأشاجع
وما كل ما منتك نفسك خاليا
تلاقي ولا كل الهوى أنت تابع
وجانب قرب الناس يخلو بهمه
وعاوده فيها هيام مراجع
أراك اجتنبت الحي من غير بغضة
ولو شئت لم تجنح إليك الأصابع
كأن بلاد الله ما لم تكن بها
وإن كان فيها الخلق قفر بلاقع
ألا إنما أبكي لما هو واقع
وهل جزع من وشك بينك نافع
أحال على الدهر من كل جانب
ودامت فلم تبرح على الفجائع
فمن كان محزونا غدا لفراقنا
فملآن فليبك لما هو واقع

وقال ايضا فيها:

أُحِبُّكِ أَصْنَافَاً مِنَ الحُبِّ لَمْ أَجِدْ
لَها مَثَلاً في سَائِرِ النَّاسِ يُوصَفُ
فَمِنْهُنَّ حُبٌّ لِلْحَبِيبِ وَرَحْمَة ٌ
بِمَعْرِفَتِي مِنْهُ بِمَا يَتَكَلَّفُ
وَمِنْهُنَّ ألاّ يَعْرِضَ الدَّهْرَ ذِكْرُهَا
على القلبِ إلاَ كادتِ النَّفسُ تَتلَفُ
وَحُبُ بَدَا بالجِسْمِ واللَّوْنِ ظاهِرٌ
وَحُبٌّ لدى نَفسي مِنَ الرُّوحِ ألطفُ
وَحُبٌّ هو الداءُ العياءُ بِعَينهِ
لَهُ ذِكَرٌ تَعدو عَليَّ فأدنّفُ
فَلاَ أَنَا مِنْهُ مُسْتَرِيحٌ فَمَيِّتٌ
وَلاَ هُوَ عَلَى مَا قَدْ حَيِيتُ مُخَفَّفُ
فَيا حُبَّها، ما زِلْتَ حَتَّى قَتَلْتَني
وَلاَ أَنْتَ، إنْ طَالَ البلاء لِيَ مُنْصِفُ

وقال ايضا فيها :
ألاَ لَيْتَ لُبْنَى في خَلاءٍ تَزُورُني
فأشكُو إليها لوعتِي ثُمَّ تَرْجعُ
صَحَا كُلُّ ذي لُبٍّ وَكُلُّ مُتَيَّمٍ
و قلبِي بِلُبْنَى ما حَيِيتُ مُرَوَّعُ
فَيَا مَنْ لِقَلْبٍ ما يُفِيقُ مِنَ الهَوَى
وَيَا مَنْ لِعَيْنٍ بِالصَّبَابة ِ تَدمعُ



له تابع
*************************************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق