الثلاثاء، 18 أغسطس 2015

موسوعة (شعراء العربية) المجلد الثامن (شعراء النهضة العربية ) القسم الاول تاليف د فالح نصيف الحجية الكيلاني


موسوعة شعراء  العربية


  دراسة موسوعية لشعراء الامة العربية في عشرة مجلدات

                     المجلد الثامن



   شعراء النهضة العربية


                                تأليف

                         الشاعر والباحث

                د. فالح نصيف  الحجية  الكيلاني






 










  









الاهـــداء
الى  :

الحسن  ابي نور ولدي العزيز
نورالعيون و ثمرة الفؤاد
متمنيا له كل السعادة
وكل   التوفيق
وا لسؤ د  د
والنجاح


وا لد ك
د. فالح نصيف الحجية
العراق \ ديالى \ بلدروز



























                  المؤلف  في سطور

   سيرة ذاتية

الاسم واللقب \ فالح نصيف الحجية الكيلاني
اسم الشهرة \   فالح الحجية
تاريخ الولادة \  بلدروز \  1\7\ 1944
البلد \ العراق - ديالى – بلدروز
 المهنة\  متقاعد
الحالة الثقافية \  شاعر وباحث                                                              
فالح الحجية شاعر وباحث  واديب عراقي معروف
 من مواليد \- العراق – ديالى- بلدروز 1944  .

 من الاسرة الكيلانية  التي لها تاريخ عريق و ترجع بنسبها الى الشيخ عبد القادر الكيلاني الحسني والتي انجبت العديد من الاعلام على مر العصور.

   *   كان يشغل  مديرا  في وزارة التربية العراقية حتى إحالته الى التقاعد  2001م
*أهم مؤلفاته  "الموجز في الشعر العربي"،  ويعتبر من مراجع امهات  الكتب العربية في الأدب  والشعر عبر العصور والأزمنة، ومن اهم الموسوعات التاريخية الموضوعية في الشعر العربي في العصر الحديث، والمعاصر بكل مفرداته وأحداثه وتطوراته وفنونه وتغييراتها بما فيها عمود الشعر والشعرالحر وقصيدة النثر والشعراء وطبقاتهم وأحوالهم.
    * منح شهادة الدكتوراه  الفخرية في  الاداب  عام  2013
     * منح لقب ( امير البيان العربي ) في  شباط 2014
  فالح نصيف الحجية هو:
     -    عضو الاتحاد  العام للادباء والكتاب في العراق 1985
-         عضو الاتحاد العام للادباء  والكتاب العرب 1994
-         عضو مؤسس في اتحاد ادباء  ديالى  1984
-          عضو  مركز الادب العربي - العراق
-          عضو الاتحاد الدولي لعلوم  الحضارة الاسلامية – ممثل دولة العراق
-         عضو  الاتحاد العالمي للشعراء والمبدعين العرب \ وكيل دولة العراق
-         عضو اتحاد الاشراف الدولي
-          ( جامعة الدول العربية ) المدير الاقليمي لشعبة المبدعين العرب - فرع العراق – ومستشار الامور الادبية فيها .
-         عضو اتحاد المنتجين العرب( جامعة الدول العربية ) \ امانة شعرالتفعيلة – لجنة    التقييم والتصحيح .
-         عضو  اتحاد الكتاب والمثقفين العرب
-         عضو اتحاد كتاب الانترنيت العرب
-         عضو اتحاد  كتاب الانترنيت العراقيين
-          عضو اتحاد الشعراء والادباء العرب
-         عضو اتحاد  الادباء والكتاب  التونسيين
-         عضو رابطة  الادباء والكتاب العرب
-         عضو رابطة  المبدعين  اليمنيين
-         عضو مؤسسة اقلام ثقافية للاعلام في العراق
-         عضو الملتقى الثقافي العربي
-   نائب رئيس  رابطة  المرفأ الاخيرالادبية
-    عضو هيئة تحرير مجلة المرفأ الاخير
-     عضو هيئة تحرير  مجلة  البيت الثقافي العراقي التونسي

*  اما  المقالات الكثيرة  التي كتبها الشاعر في الصحف والجلات العراقية والعربية        والاجنبية  الناطقة بالعر بية  .
*  الا ف المقالات التي نشرها في موقعه او المواقع والمنتديات الالكترونية على النت او    الفيس  وخاصة  المجلس العلمي  وشبكة صدانا – فضاء الاديب فالح الحجية  واتحاد الكتاب والمثقفين العرب –روائع الاديب فالح الحجية  وغيرها كثير  .
* وكذلك مشاركاته في كثير من المهرجانات الادبية والثقافية في العراق و اتحاد المؤرخين العرب وكل الندوات والمهرجانات التي عقدت في ديالى سواء عربية أو عراقية اومحلية
* له علاقات وصداقات مع العديد من الأدباء والشعراء العرب والعراقيين منهم الشاعر الفلسطيني  محمود درويش والشاعر السوداني محمد مفتاح الفيتوري والشاعرالسوري نزار قباني والشاعر العراقي سركون بولس والشاعر وليد الاعظمي والادباء والمورخين الاساتذة  منهم  عماد عبد السلام رؤوف   وسالم الالوسي  وحسين علي  محفوظ  وجلال الحنفي  وغيرهم كثير  ..                                                                                     
     ومن مؤلفات فالح نصيف الحجية الكيلاني

ا-الدواوين الشعرية :

           نفثات القلب                1978
           قصائد من جبهة القتال   1986
           من وحي الايمان          8 0 20 
           الشهادة والضريح         2010
           الحرب والايمان            2011 
            سناءات مشرقة           2014

ب – الكتب النثرية :
1 -في الادب والفن
2 -تذكرة الشقيق في معرفة اداب الطريق – دراسة وتحقيق وشرح للقصيدة التي تحمل نفس العنوان والمنسوبة للشيخ عبد القادرالكيلاني
3-الموجز في الشعر العربي \ دراسة موجزة في  الشعرالعربي عبر العصور بدءا من العصر الجاهلي وحتى عصر النهضة او الحديث ثم المعاصر اعتبر او قيم من قبل اغلب المواقع الادبية على النت - انه احد امهات الكتب العربية في الادب واللغة  في موضوع الشعر والادب          اربعة اجزاء
4-شرح ديوان الشيخ عبد القادر الكيلاني وشيء في تصوفه – دراسة شاملة في ادب الشيخ عبد القادرالكيلاني كنموذج للشعرالصوفي وشرح القصائد المنسوبة  اليه              اربعة اجزاء
5    -   كرامة فتاة ( قصة طويلة )
6-   اصول في الاسلام
7-   عذراء القرية (قصة طويلة )
8-  الاشقياء  ( مجموعة قصص قصيرة )
9-  بلدروز عبر التاريخ
10-  دراسات في الشعر المعاصر  وقصيدة النثر
11- الغزل في الشعر العربي
12– عبد القادر الكيلاني  وموقفه من المذاهب والفرق الاسلامية     دراسة
13--شرح القصيدة العينية \ مع دراسة  بحثية في شاعرها  الشيخ عبد القادر الكيلاني
14-  -مدينة بلدروز في الذاكرة
15- شذرات من السيرة النبوية المعطرة

ج- موسوعة  التفسير الموضوعي للقران الكريم  وقد انجز منها الكتب التالية :
1-اصحاب الجنة في القران الكريم                 جزءان
2-القران في القران الكريم
3- الادعية المستجابة في القران الكريم
4-الانسان ويوم القيامة
5- الخلق المعاد في القرآن الكريم
   6 -   يوم القيامة في القران الكريم                    جزءان

     د – موسوعة  ( شعراء العربية )    وتشمل الكتب التالية :
1- شعراء جاهليون
2-شعراء صدر الاسلام
3- شعراء  العصر الاموي                جزآ ن
4- شعراء  العصرالعباسي الاول         جزءان
5- شعراء العصر العباسي  الثاني       جز ءا ن
6- شعراء العربية في الاندلس
7 - شعراء  الفترة الراكدة والعثمانية
8- شعر اء النهضة العربية
9- شعراء  الحداثة  العربية            جزءان
10-  شعراء  المعاصرة العربية      ثلاثة اجزاء




     *******************************
















                 تمهيــــد

           الشعر العربي  الحديث

          الشعر العربي  هو كل الشعر الذي كتب او قيل او نظم في العصر  باللغة العربية . والعصر الحديث يُقصد به الزمن او المدة الزمنية الذي تتميز فيها معالم الحياة الحديثة عن الأزمنة الماضية التي مرت بالامة العربية . فهو آخرً حلقة في السلسلةٍ الزمنية المرتبطة  بالشعر  وقد  وجد لها تسميات عديدة وهذه التسميات هي العصر الجاهلي وهو بداية تكوين الشعر العربي  او ما وصل الينا  منه في تلك الحقبة الزمنية والتي تنتهي بظهور الاسلام ثم ياتي العصر الاسلامي او عصر صدر الاسلام كما يسمونه ايضا ..
   ويتناول كل الشعرالذي قيل في هذه الفترة بدءا من انتهاء العصر الجاهلي وحتى قيام الدولة الاموية في الشام او ما يسمى  العصر الاموي والعصر العباسي والاندلسي وعصرالركود او مايسمى الفترة الراكدة او المظلمة التي مرت على الامة العربية  ابتداءا من احتلال المغول لبغداد وتدمير كل معالم الحضار ة فيها حتى بداية بواد ر النهضة العربية الحديثة حيث اطلق عليه تسمية الشعرالحديث بدءا من منتصف القرن التاسع عشر وحتى ستينا ت القرن العشرين والذي يحمل تغييرات كثيرة في القصيدة الشعرية العربية الحديثة منها كظهور الشعرالحر والشعرالتمثيلي وظهور قصيدة النثر اضافة الى بقاء القصيدة العمودية التي تعتبر اساس الشعرالعربي قائمة والتي لازال العربي يتذوقها ويحس بها ويتفاعل معها  بما يفوق كل التفاعلات مع غيرها وكل هذه الالوان الشعرية الحديثة هي امتداد وتطور لمقاصد الشعر العربي القديم.
          فقد كان  الشعرالتمثيلي او المسرحي نواته الحكايات اوالمقاطع الكلامية  في بعض شعراء الجاهلية  و شعر  عمر بن ابي ربيعة  مثلا اثناء مطارداته الغرامية . اما الشعر الحر فهو امتداد للموشحات وظهور الازجال الاندلسية التي انتشرت في عموم الوطن العربي انذاك وكذلك ظهور المربع والمخمس في الشرق العربي والتشطير وتبعها الكان كان و المواليا وهكذا وجدت انواع مختلفة  محسوبة على الشعر العربي قد اخرجته عن اصالته المعهودة في الوزن والقافية وسمي هذا بالتطور او التحديث تبعا للظروف الزمنية وحاجة الشعر الى التطور والتعايش مع الاداب العالمية الاخرى وقد اطلق على الشعر الذي قيل بعد هذا التاريخ بالشعر المعاصر .
    ويمكن تصنيف الأدب العربي ككل وفقا لتصنيف الشعر العربي بحسب الفترات الزمنية التي واكبت العهود الزمنية المختلفة للخلافات او الامارا ت المتعاقبة او الدول التي حكمت الامة العربية وبضمنها البلاد التي فتحت علي ايدي العرب والمسلمين واصبحت تحت راية الحكم العربي كبلاد الاندلس وبلاد فارس حتى الصين . كما يمكن ان نصنفه   بحسب المواقع التي قيل فيها من مختلف الاقطار العربية والإسلامية. فنقول الشعر العراقي او الشعر المصري او الجزائري اي يصطبغ بصفة محلية - الا اني لا احبذ هذه التسميات المحلية التي هي في الواقع تبعد الصيغة العامة للشعر العربي عن تسميته الاصلية ومساراته الاصيلة وافضل ان تكون التسمية اشارة فقط كأن تقول الشعر العربي في الجزائر او الشعراء العرب في مصر او لبنان او المغرب- وهكذا حيث ان الوازع النفسي او الانطباع العام للشعرالعربي يكاد يكون واحدا في كل مواقع انتا جه وفي كافة  مراميه  ومقاصده .
      وعلى العموم  اعتاد  مؤرخو  الشعر العربي على  تصنيفه  إلى  فترتين أساسيتين: الشعر القديم والشعر الحديث. فالشعر القديم يقصد به كل شعر عربي قيل او كتب قبل عصر النهضة العربية وربما اضيف اليه لدى بعض المؤرخين للشعر كل شعر كتب على نمطه  اثناء  وبعد النهضة  العربية ايضا .وقد يطلق على هذا الشعر اي الذي قيل في زمن النهضة او بعدها واصطبغ بالاسلوب الشعري العربي من حيث الوزن والقافية  بالشعر التقليدي كونه نظم على غرار الشعر العربي القديم او قل حمل في طياته النزعة العربية  التقليدية  وربما يسمونه ايضا بعمود الشعر او الشعر العمودي وهذه التسمية افضل من الاولى وذلك لكون قصيدته جاءت عمودية  متكونه من شطر وعجز وقافية موحدة  ووزن  ثابت في ظل احد البحور العربية الفراهيدية الستة عشر ومن اصحاب  الحداثة او المعاصرة  من اسماه ( الشعرالتقييدي ) على اساس انه يولد مقيدا بالوزن والقافية .
    والشعر العربي الحديث  وهو  كل شعر عربي كتب بعد النهضة العربية قد يختلف عن الشعر القديم في أساليبه ومعانيه وفي مضامينه وموسيقاه وكذلك موضوعاته واغراضه او فنونه الحديثة  تبعا لمتطلبات العصر وهذه سمة في الشعر حيث لكل عصر من العصور الشعرية مثل هذه التغييرات فيعرف منها الشعر الى اي عصر يعود  فليس الشعر الجاهلي كالشعر العباسي مثلا من حيث الصياغة الفنية والمعاني البلاغية والصور الشعرية  والنغم اوالموسيقى الشعرية التي رقت اوالحا جة المقال فيها والطبيعة التي يعيشها الشعراء في كل عهد وأوان وبما في ذلك الشعرالاندلسي ورقته ومناخه  الجميل لا يشبه قوة وجفاء الشعر الجاهلي والصحراء العربية انذاك   فلكل وقت وزمان شعره وفنونه وشعراؤه وعلى هذا نستطيع القول ان كل ما قيل من شعر منذ بداية النهضة العربية وحتى يومنا هذا تتمثل فيه الحداثة وتظهر واضحة جلية كلما تقدم زمن قول هذه القصيدة او  تلك نحو الحاضر تبعا لظروف القصيدة والشاعر العربي وتاثره  بمحيطه المعاش ممثلة لكل الاحداث التي مرت بها الامة العربية .
       فالشاعر العربي ابن وقته ويترجم عما يعتمل في نفسه ومجتمعه  وما يكتنفه من احداث رضي ام لم يرض -فلا يوجد شاعر عربي حديث الا كتب عن قضية فلسطين مثلا- وعليه فالشعر الحديث يمثل تعايش الشاعر في مجيطه وتاثيره وتأثره  فيه و نفسية الشاعر العربي في نظرته لاحداث للوطن العربي الحديثة والواقع العربي المعاش  منذ زمن النهضة العربية  وحتى  وقتنا الحاضر.

                                               فالح نصيف الحجية
                                                      الكيلاني
                          عضو الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق
                            عضو الاتحاد العام للادباء والكتاب  العرب


                               ****************



            النهضة العربية




     بدأ المجتمع العربي  ينهض من سبات عميق دام قرونا طويلة وقد بدت هذه اليقضة  في النصف الثاني من القرن التاسع عشر واوائل القرن العشرين  في وقت فتح المثقون والاحرار من رجال الدين  والمفكرون فيه عيونهم فرأوا شعبهم العربي يغط  في نوم عميق ومن فوقهم الاخرون الغرباء  يسومونهم  سوء  العذاب  ويحاولون طمس معالم  الامة العربية  والاستحواذ على كل خيراتها واشاعة روح الجهل والامية فيها من جهة  والاستبداد  والجثم على الرقاب  وبالقوة والاكراه  من جهة اخرى  فكانت  بداية  نهضة عربية  في سوريا ومصر ثم تبعتها في العراق وشمال افريقيا ثم شملت كل اقطار الامة العربية .

      ان الادب العربي  مر بفترة ركود طويلة  بما فيه الشعر . تطور او سرت فيه نفثة حياة  من جديد  كمريض بدأ يتماثل للشفاء فلابد ان يمر بفترة  نقاهة  تعيد له صحته وقوته  فسار في طريق التقدم ولايزال كذلك  وقد كان الادباء والشعراء  من اوائل  قادة  المجتمع العربي وهم اصحاب الرؤية الواضحة والفكر الوقاد ولهم الزعامة في السياسة والثقافة والثورة .

  ونستطيع ان نجمل اسباب النهضة العربية الحديثة بمايلي \  




 1 - الدور الثقافي  والاجتماعي
-------------------------------------------         


            تيقظ  جماعات من الشباب العربي  وحملوا انفسهم على
حمل رسالة التحرر من الاستعمار والاخذ بيد الشعب العربي
 في  الانطلاق  قدما  نحو مجتمع  افضل واسمى  ولما كان ذلك يعارض الحاكمين  وقف  هؤلاء الحاكمون  بحزم  وشدة  لتخريب  كل عمل من شانه يقوي من عزيمة هؤلاء الشباب بل وعملوا على قتل مثل هذه الحركات الثورية في مهدها وبالقوة والاكراه  فزجوا  ببعض قادتهم  في السجون وشردوا الاخرين خارج مواطنهم  للتخلص منهم . الا ان هؤلاء الشباب  كانوا  كبذرة انبتت  في ارض خصبة  فنمت  بسرعة  كشباب المهجر  فوجدت الجمعيات السرية  رغما عن المستعمرين  وكان يترأس هذه الجمعيات الادباء والشعراء  والمثقفون  فزودوا افراد هذه الجماعات  بوقود  الثقافة   وغذوهم  بالقصائد الشعرية   الوطنية  التي تلتهب  نارا  فتوقض النهضة  في نفوس الشباب العربي .

     وقد ادى ذلك الى انضواء الكثير من ابناء  الامة العربية تحت لواء هذه الجمعيات  التي عملت  على تثقيف  اعضاءها وغيرهم من الشعب العربي  ودعوهم  الى التحرر من الاستعمار والى الحرية فانتشرالنشاط الاجتماعي ودبت الحركة الثورية  في المجتمع العربي  وازداد النشاط الثقافي  وافتتحت المدارس  كظاهرة حضارية  فكانت  بمثابة  نهضة  قومية  او بداية نهضة  وبداية ثورة  روحية وحركة الية سرت في جسد الامة العربية سياسيا وثقافيا واجتماعيا .




2 -  الاتصال  بالغرب
--------------------- 

         اتصل  الشباب العربي  بالغربيين  بطرق شتى  وتطلع المفكرون العرب  على ماعند  الغرب   وتأثروا بالافكار والاساليب  الثقافية الغربية وقد ظهر هذا التاثير واضحا  في الثقافة  والادب العربي و في شعر  الشعراء  خاصة كما  تأثروا بالترجمة وارسال  البعثات الى الغرب لدراسة الثقافة الغربية والاطلاع عليها وايجاد السبل الكفيلة من نقل بعض منها الى البلاد العربية  وكذلك كان للارساليات التبشيرية الغربية - ولو اني  اعتقد ان  هذه الارساليات الثقافية الغربية الى بلاد العرب  تمهيدا لاستعمار جديد من نوع اخر وقد حدث بالفعل -  الا ان كل هذه الامور قد وسعت افق اخيلة الشعراء والادبا ء والمفكرين العرب  وافكارهم  وشحذت همهم  وقدحت   نار الثورة العربية  في  نفوسهم المتعطشة اليها  فعادوا الى بلادهم  جذ وة  من شعلة  ملتهبة  انارت الطريق للشعب العربي . وكان هؤلاء قادتهم ورؤسائهم في التحر ر والانعتاق واشاعة روح التمرد على القديم وعلى الجهل والامية والتخلف  وظهور عوامل  التجديد  فيه  وخصب  خيال الشعراء  او نهضتهم  من نومة عميقة دامت  قرونا طويلة .


 3-    حملة نابلون على مصر
------------------------    
    


          ومن اسباب النهضة العربية غزو فرنسا لمصر وطرد العثمانيين الاتراك منه.

      فقد غزت فرنسا  مصر بقيادة  نابليون سنة 1217 هجرية  تقريبا   ومكث نابليون حاكما على مصر  ثلاث سنوات  أي تبدل الاستعما ر العثماني  باخر غربي  افضل  من الاول واكثر انفتاحا على الشعب العربي في مصر  فقد جلب معه  العلماء  والادباء والمهندسين  واسس مكتبة عامة  ومطبعة   واصدر صحيفة  واسس  مجمعا علميا أي اهتم بالثقافة  العربية   وادابها القديمة  من خلال القيام  بطبع بعض الكتب العربية في شتى مجالات الحياة  وخاصة  الدينية والثقافية والادبية  والحكايات الشعبية مثل كتاب  الف ليلة وليلة  والزير سالم   بما فيها دواوين الشعراء القدامى والمحدثين  وبعض الكتب العلمية .

       ان بعضا من الشعب المصري اخذ في تقليد  الفرنسيين  في كل امورهم  ومنها التافه  ومنها  والجاد  في  المأكل  والملبس والعادات والثقافة   فتيقضت العقول والافكار  فكانت  بداية  نهضة  ثقافية اجتماعية في الشعب العربي في مصر  كما كان  من  ثمار  هذه النهضة  يقضة  المصريين  وقيامهم  بمقارعة الحملة الفرنسية ذاتها  على بلادهم  هذه المقارعة التي ادت الى بعث الشعور الوطني والعربي لدى المصريين و في الوطن العربي و الشعور القومي والاحساس بالظلم من المستعمرين القادمين من الخارج  وايجاد شعور فياض بطردهم من البلاد  والمطالبة  بالحق  وبحكم  بلدهم بانفسهم اسوة بالشعوب الغربية .

       ومن  مصر تسربت  روح الثورة  وروح  النهضة الى الاقطار العربية  الاخرى  فكان لها ابلغ الاثر في  نهضة الثقافة العربية ومنها  الشعر  وتقدمه حيث انه  الوقود لكل الثورات وان الادباء والشعراء والمثقفين هم  الساسة  وهم  قادة الثورات  في كل زمان ومكان  .



4-          انتشار المطابع والمكتبات
*****************************


         دخلت المطابع للبلاد العربية  في سنة 1029 هجرية على وجه التقريب  فساعدت على انتشا ر الصحف  وطبع الكتب المؤلفة سابقا اوحديثا واطلع المفكرون ومنهم الادباء و الشعراء على الكتب  التي طبعت وخاصة الكتب الدينية مثل المصاحف وكتب الحديث والسنن والسير والقصص والدواوين الشعرية  وقد تأثربعض الشعراء بالشعر القديم فنهجوا المنهج الشعري  القديم في الاغلب  مع ظهور التأثر  بالغرب فكان  ان ارتفع الشعر ظاهرا للوجود من جديد في اكثرالبلاد العربية  وخاصة مصر والشام والعراق حاملا صوت التحرر والانعتاق  من ربقة القيود التي فرضت عليه زمن الفترة المظلمة القاسية او زمن الركود والمحنة  الحالكة وظهرت حركة التجديد في الشعر وظهرت الجمعيات والاحزاب السياسية القومية او المحلية   وكثرت المكتبات ايضا وفتحت المدارس فكانت هذه كلها روافد تصب في معين الثقافة العربية .

      هذه الاسباب  وغيرها  دفعت  المثقفين العرب  وفي مقدمتهم الشعراء الى حمل رسالة  امتهم  وثوّرت  النهضة  في الدم العربي   فأورقت هذه الشجرة المباركة من جديد  فكانت شجرة وارفة الظلال  اغصانها ينابيع الثقافة العربية و فنون الادب العربي حيث فتحت افاق جديدة وانواع جديدة للادب و للشعر ونبغ الشعراء والادباء  فكانت  النهضة الشعرية الحديثة  وكان هذا العدد الكبير من الشعراء  في كل البلاد العربية  كان صوتهم واحد ا ونداؤهم  في  شعبهم العربي واحدا   الكل يدعوالى النهضة والثورة  على الاستعمار وطرده من كل  البلاد العربية ودفع البلاد الى كل ما هو جديد وطارف .






******************************












        الشعر والنهضة العربية


            بدت   روح النهضة  العربية  الادبية وعلى راسها الشعر في النصف الاول  من القرن التاسع اوقبيله بقليل – أي في نهايات العصر العثماني – بعد ان خمدت  وانتكست انتكاستها الكبرى خلال الفترة السوداء في تاريخ الامة العربية  ابتداءا من دخول المغول( ا لتتار)  بغداد وحتى بداية القرن التاسع عشر او قبيله  بقليل .

     فقد كانت الدولة العثمانية تجثم على انفاس الامة العربية  ومهيمنة على البلاد العربية  بحكمها القاسي  حكما استعماريا  ظالما – لا  فرق بين  استعمار واخر الكل يريد  تحقيق  مصالحه  على حساب البلد الذي ابتلعه وان  ويجعله تحت  سيطرته مدة  اطول    - ادى الى تأخر في محتلف  نواحي الحياة  وخاصة  الثقافية  فقد اتبع الاتراك  سياسة تتريك العرب للغتهم العربية ونشر التركية في بلادهم وخاصة في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين  والقضاء على  لغتهم  الام – العربية  التي هي لغة القران الكريم والدين  الاسلامي الذي  يدين  به  الاتراك أي  فضلوا اللغة التركية على دينهم في  سبيل  نشر  لغتهم  وطمس معالم العربية في البلاد  التي تحت  سيطرتهم وخاصة قبيل الحرب العالمية الاولى وفي زمن  ( اتاتورك ) وكان  نتيجة  ذلك  ان ساد الامة العربية  ثالوث  الفقر والجهل  والمرض .

         وقد ادى ذلك الى مهاجرة  جماعات من البلا د العربية خاصة
 من سوريا ولبنان  الى خارج بلادهم خوف القتل والتنكيل بهم من قبل الحاكمين الاتراك او الفرنسيين الذين جاؤوا واستعمروا البلاد  بعدهم  او من سايرهم من الحكام  العرب الذين كانوا يحكمون  اهلهم واخوانهم للاجنبي   وقد  اسس هؤلاء العرب المهاجرون  جاليات   وجماعات وجمعيات في  اميركا والبرازيل  وغيرها من الدول التي هاجروا  اليها  وبرز منهم  جماعات  في مجال الادب والشعر  مثل  ايليا ابوماضي  وجبران  والمعلوف  وغيرهم.

      اما في الشرق العربي فقد دبت الحياة تسري  من جديد في الروح العربية  وخاصة النهضة الفكرية  وتسربت بين الشباب العربي وبعد اتصال البعض منهم بالغرب  مثل بريطانيا اوفرنسا  اوغيرها واخذ شبابنا العربي  يتطلع  بما في هذه الشعوب  ويدرك ضرورة التخلص من الاستعمار  والثورة على  العادات والنظم البالية  والمتهرئة التي البسها هذا  الاستعمار  للامة العربية  وكذلك  كان من اسباب  هذه النهضة التمازج العربي مع الغربيين عن طريق الارساليات التبشيرية- ولو انها كانت تهدف الى استعمار من نوع جديد-  ودخولها الوطن العربي  وايجا د المطابع ودخولها البلاد العربية ونشر الحرف العربي  والفكر العربي  وطبع بعض الكتب القديمة ومنها الدواوين الشعرية وكذلك فتح بعض المدارس باللغة العربية  بعد غزوة نابليون  لمصر.

      ظل الشعر في فترة الانحطاط والتاخر – الفترةالمظلمة -  مطبوع بطابع الفردية تقليديا  عنايةالشاعر  تنطوي  على التزويق  اللغوي واللفظي  دون المعنى  وتحول  الى صناعة شعرية بحتة  تكثر فبها الصور التقليدية الماخوذة  ممن  سبقهم  وكثرت التشبيهات  الى حد  انعدام  المعاني  الشعرية الجديدة اوطمسها .

       وكان الشعر العربي  في بداية  النهضة العربية  على موعد مع القدر، ينتظر من يأخذ بيده، ويبعث فيه روحًا جديدة تعيد  فيه الحركة والحياة، وتعيد له الدماء في الأوصال، فتتورد ابياته وتزدهر نضرة وجمالً مبدع - بعد أن ظل قرونًا عديدة واهن المعنى اسير الحكايات والمحاكاة ، قليل الحركة، كليل الموسيقى الشعرية  اوالقوافي والابداع .-  ليعيد نشاطه الواسع والثابت في النفوس العربية  المتعطشة اليه

      وشاء الله تعالى  أن يكون البارودي هو الذي يعيد الروح إلى الشعر العربي، ويلبسه أثوابًا قشيبة، زاهية  اللون، بديعة  الشكل  والصورة، ويوصله بماضيه التليد، بفضل موهبته الفذة وثقافته الواسعة وتجاربه الغنية.

           ولم يشأ الله تعالى أن يكون البارودي هو وحده فارس الحلبة ونجم عصره- وإن كان له فضل السبق والريادة- فلقيت روحه الشعرية الوثابة نفوسًا تعلقت بها، فملأت الدنيا شعرًا بكوكبة من الشعراء من أمثال: إسماعيل صبري، وحافظ إبراهيم، وأحمد محرم، وأحمد نسيم، وأحمد الكاشف، وعبد الحليم المصري.في مصر والكاظمي والزهاوي والرصافي في العراق وناصيف اليازجي  واولاده في الشام وابوالقاسم الشابي في تونس  وغيرهم كثير  ومنهم شعراء  المهجر   وكان أحمد شوقي هو نجم هذه الكوكبة وأميرها بلا منازع عن رضى واختيار، فقد ملأ الدنيا بشعره، وشغل الناس، وأشجى القلوب

    اما في بداية هذا العصر فقد تغيرت  وطبعت بطابع التحرر والانطلاق  والدعوة الى الثورة  على كل ما خلفه الاستعمار  من اوضاع ومفاسد  وطبع الشعر بطابع التجديد من جديد  فتوسعت افق افكار  وخيالا ت  بعض الشعراء  بعد اطلاع بعضهم على الاداب الغربية   والتاءثر بالشعر العربي القديم  الذي بدء ينشر  من جديد في حركة ادبية بداءت  تتحرك وتتحرر  في البلاد   ومن الشعراء  من   اوجد  شعرا جديدا  فتحررمن قيود  القافية  كما هو الحال في الشعر الحر  الذي ظهر  حديثا  في الشعر العربي     ونتيجة اطلاع الشعراء العرب  على الفن المسرحي الغربي  فوجد الشعر التمثيلي .

        الشعر العربي  يمتميز في هذا الوقت بثوريته و وطنيته و يدعو الى استنهاض الهمم  والتخلص من الاستعمار والثورة على كل ما هو- قديم وبال  لا خير فيه لاءمتنا  العربية – فكان  في اغلبه شعر ا هادفا قاد البلاد الى حركة وطنية قومية  فكان الشعراء والمفكرون  والادباء  هم   قا دة الثورات التحررية في الوطن العربي  ومذكوا   ا وارها.



                 **********************






           النهضة العربية والاتجاهات الشعرية



         اوجدت النهضة العربية  التي احدثت انقلابا في الحياة العربية الجديدة نوعا من  التقدم  الثقافي في  كل المجالات الثقافية بما فيها الدينية  والسياسية  والتاريخية  والادبية في النثر والشعر  كان نتيجته   نشوء  انواع جديدة  من الشعر مثل الشعرالحر والشعر المسرحي او التمثيلي او الشعرالمنثور كتب فيه جملة من الشعراء وخاصة  الذين تاثروا بالثقافة الغربية  اضافة الى  عمود الشعر  اذ بقي شامخا  يكتب فيه الكثير من  الشعراء العرب ولا يزال عمود الشعر هوالسمة الواضحة في الشعر العربي  .

     وعمود الشعر  هو الشعر  الموزون  المقفى ويدعى بالشعر التقليدي  ايضا  لانه  تقليد للشعر القديم  وامتداد له  في الوزن والقافية  فالشعر التقليدي هو هذا الشعر الذي نظم على  موسيقى بحر من البحورالشعرية العربية الستة عشر التي اوجدها العالم البصري الكبير الخليل الفراهيدي  وتولد القصيدة  على  روي واحد وقافية واحدة  ووزن  واحد  فالقصيد ة   العربية فيه وحدة متماسكة من حيث البناء كانها بيت واحد واغلب  شعر هذه الفترة  من هذا النوع الذي يمثل  اصالة الحضارة  العربية الادبية  .

      لقد حافظ الشعراء على اصالة عمود الشعر العربي  وموسيقاه  واوزانه والاسلوب الشعري القديم المتمثل  بالقافية  الواحدة والبيت الشعري الواحد المتكون من شطر وعجز في تنسيق  متسق وبحر واحد أي متساوي التفاعيل  الوزنية  او موحد الموسيقى الشعرية للبيت الواحد  بحيث تكون كل القصيدة مهما طالت  ذات تفاعيل محددة الوزن  ضربها الموسيقي واحد  لاتخرج عما رسمه في الاصل الشعراء العرب  وهو  الماءلوف في الوزن الموسيقي للشعر العربي   وكذلك  الالتزام  بالقافية الواحدة في القصيدة

      وسيبقى كذلك عمود الشعر طويلا مرتفعا مهما اختلفت الاغراض والفنون الشعرية واساليب الشعراء  شامخا  وله االقدح المعلى والجو الانسب  على امتداد الوطن العربي حيث الاذن الموسيقية  العربية  جبلت عليه واستساغت سماعه  واستسمجت كل انواع الشعر الا اياه  فقديما وحديثا كانت القصيدة العربية  التقليدية هي الاساس الشعري في الادب العربي  وما جاء بعدها عيال عليها او تفرع منها  وليس الفرع  كالاصل  ومن قصائد عمود الشعر هذه الابيات  للشاعر العربي على محمود  طه في ا ستنهاض  همم  الشعب العربي  ودفعه الى الثورة  بوجه  الطغاة  يقول  فيها \

اخي  جاوز الظالمون المدى
                                                 فحق الجها  د  وحق  الفدا
 
اتركهم  يغصبون العروبة
                                                     مجد  الابوة  والسؤدد ا

وليسوا بغير صليل  السيوف
                                               يجيبون  صوتا لنا  او  صدى

 فجرد حسامك من غمده
                                                 فليس   له  بعد  ان   يغمد ا  

 اخي ايها العربي الابي
                                                اري اليوم موعدنا  لا     غدا 

اخي اقبل الشرق في امة
                                                ترد  الضلال  وتحي  الهد  ى

اخي ان في القدس  اختا لنا
                                               اعد  لها   الذابحون     المدى

صبرنا على غدرهم قادرين

                                                 وكنا   لهم     قدرا   مرصدا

 اخي قم الى قبلة  المشرقين
                                                      لنحمي    الكنيسة  والمسجدا

 يسوع الشيد على ارضها
                                                         يعانق  في  جيشه   احمدا      


         بدات  المحاولات الداعية الى التخلص من وحدة القافية  في القصيدة الواحدة في الشعر العربي  في العصر العباسي الثاني وفي الاندلس  كظهور الموشحات الاندلسية  والمواليا و المثلث والمربع والمخمس وحتى الزجل .

      ظل الشاعر العربي  ملتزما بوحدة القافية  و موسقى البحر الواحد  الا ان  في بدايات  القرن العشرين  ا وجد من شعراء المهجر من  دعى الى الثورة على الاسلوب الشعري القديم  فدعوا الى   التحرر من هذه القيود  فنظمو شعرا  من غير  وزن ومن غير قافية  او خرجوا فيه  عن المالوف في الوزن الموسيقي للشعر العربي  وكذلك  لم يلتزموا بالقافية الواحدة في القصيدة .

       وعن شعراء المهجر  تسربت هذه الحالة الجديدة في الشعرالعربي الى الاقطار العربية  فظهرت في اغلب البلاد  ما يسمى بالشعر الحرفهي اشبه بثورة  على الشعر القديم  شعر التفعيلة  في بناء القصيدة وقد التزمت  قصيدة  الشعر الحر نغمة  البحور الحرة  السبعة  من  بحور الفراهيدي  فتخلصوا من نظام الشطروالعجز وابتعدوا عن النظم  بالعمود الشعري  المتسق المتناسق في البناء وظهرت منازعات بين رواد الشعر  العمودي الذين اعتبروا  الشعر الحر ضرب من انواع النثر  وانه نقص في  شاعرية الشاعر او في اذنه الموسيقية اخرجته عن المالوف وبين رواد الشعرالحديث الذين يعتبرونه من متطلبات العصرالحديث.
    ولا اعلم  ان  كانت هذه  الطريقة  اهي نقص  في شاعرية الشاعر العربي الحديث مع العلم  ان هناك قصائد في الشعر الحر رائعة وجميلة وذات خيال شاعري يهز الوجدان هزا ام انها  طريقة جديدة مبتكرة  لنظم الشعر اقتضتها  ظروف الحياة في هذا العصر  الا  اني اقول  ان طبيعة العربي  ستبقى متاثرة  بالقصيدة الشعرية ذات التفعيلة  الواحدة والقافية الواحدة لدى سماعها او مطالعتها  وتشد المواطن العربي اليها  اكثر من قصيدة الشعر الحر الخالية ويظل المواطن العربي ينظر الى قصيدة الشعر الحر انها  تمثل  قصيدة النثر وقد اثبت الزمن صحة ذلك خلا ل هذه الايام على كثرة ما قيل في الشعرالحر  ونظم فيه من دواوين  شعرية  واني رغم كتابتي بعض قصائدي على نسق الشعرالحر وفي قصيدة النثر   الا اني افضل  القصيدة  الموزونة المقفاة عليها .

    واشعر انها  قصيدة  الشعرالعربي  قديما وحديثا  واني شعرت  حين اكتب القصيدتين ان  الاولى اعلى قدرا  وافضل سماعا   واكثر تاثيرا في الوجدان العربي   ومع هذا تبقى قصيدة النثر حاجة ملحة  لشعر هذا العصر ولعلي ارجع يوما  للتفضيل بينهما واكتب فيهما .
  
     من اشهر شعراء  قصيدة الشعرالحر وروادها  بدر شاكرالسياب  وعبد الوهاب البياني وصلاح عبد الصبور  ونازك الملائكة  وميخائيل نعيمة  وجبرا ن خليل جبران  وغيرهم كثير
 ومن الشعرالحر هذا النموذج للشاعرة نازك الملائكة تقول :

في دجى الليل العميق
راسه النشوان القوه هشيما
واراقوا دمه الصافي الكريما
فوق احجار الطريق

-------------------

وصباحا دفنوه
واهالوا حقدهم فوق ثراه
عارهم ظنوه لن يبقى شذاه
ثم سارو ا ونسوه

-----------

حسبوا الاعصار  يلوي
ان تحاموه بستر اوجدار
وراءو ان يطفؤا  ضوء النهار
غير ان المجد اقوى

------------------

ومن القفبرالمعطر
لم يزل منبعثا صوت الشهيد
طيفه اثبت من جيش عنيد
جاثم لا يتقهقر

-------------------
يا لحمقى اغبياء
منحوه حين اردوه شهيدا
الف عمر  وشبابا وخلودا
وجمالا   ونقاء

*     *   *
        ومن الفنون الشعرية الحديثة التي ظهرت جراء النهضة العربية  الشعر التمثيلي او المسرحي وهو فن طارئ على  الادب العربي اقتبسه العرب نتيجة اتصالهم بالغرب  وتاثرهم بهم من خلال البعثات  الثقافية والترجمة  واطلاع بعضهم على المسارح الغربية  فقد اطلع الشعراء  العرب على حركة المسارح الغربية وما يعرض فيها  مما  كتبه الادباء الغربيون  من مسرحيت  شعرية  مثلت على المسارح  فاقدم  بعض شعرائنا على محاكاتهم  بدافع حب التشابه الى  نظم مسرحيات  تمثيلية باللغة العربية  فنظموها  شعرا .

       وقد نجح هذا النوع من الشعر في اول  بداياته   الا انه ركد او مال الى الركود  مع مرورالزمن  وقد كانت اغلب الروايات الشعرية   مستقاة مادتها من التاريخ ومن اشهر من كتب في هذا الشعر واوجده  الشعراء  احمد شوقي وعزيز اباظة من مصر و خالد الشواف من العراق  وغيرهم  .
  وهذا مقطع من  مسرحية –كليوباترة  -  شعر احمد شوقي  -

       اونيس – محاولا  اسعاف الجرح –

 تلك انفاسه  توالى  وهذا         جسمه لا يزال  غضا طريبا

 هو   ذا قد تخلجت شفتاه      وتهيا     لسانه        ليثو  با

ايها الملائكة  ارفقي بجريح    بات  تحت الرواء جرحا صبيبا

لاتناديه بالدموع مرارا        ربما  ضر  جرحه  ان يجيبا

  انطونيو-

 كليوباتره  عجب انت  هنا     لم تموتي  هم اذن مكذبون

    كليوباترة –

  سيدي  روحي حياتي  قيصري     امن حي

   انطونيو

        بعد حين لا اكون

 كليوباتره

  من  تعاني  كذبا  من قالها  لك

 انطونيو

                             اوملبوس    النذل     الخؤون

    مر فاستوقفته  اساءله
 قال  ماتت فتجرعت المنون 

               *    *    *
                  
         تميز الشعرالعربي في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين  بنهضته وثوريته  فكان الشعر سياسيا  ثوريا  ناهضا  وكان الدافع الرئيس لهذا الشيء هو الحالة الجديدة الناهضة في الوطن العربي  فقد شارك الشعراء العرب في اذكاء كل حركات التقدم و الثورية العربية وكا نوا رؤوساء  اودعاة لها ا ومشتركين فعليا فيها فهم الاساس الاول في النهضة العربية لذلك  فالمطلع على شعر شعراء النهضة العربية في بدايات هذا العصر يجد ان القصيدة العربية  تقطر د ما  في ثورة جامحة  صارمة  كأن ابيات قصائدهم  سيوفا مصلتة  مسلولة من اغمادها وهم قد ركبوا  جيادهم  للجها د  في سبيل الحق  ونصرة شعبهم  والذود  عن وطنهم  المسلوب  وهم  يرون ان الامم  قد تقاسمت اسلابهم فهتفوا في الشعب العربي  وتغنوا ببطولات هذا الشعب الذي استجاب لهذا النداء هب كالمارد يشق طريقه الى الحرية و الانعتاق  وطرد  الاستعمار  وينشد  النور والامان و بالايمان  بقدراته  وروحيته الابية  الطامحة الى العلو والارتقاء  والثورة  والرفعة .

   والشعر السياسي يمثل الاحداث العربية  تمثيلا صادقا فقد ذكرت فيه الصغيرة والكبيرة  من الاحداث التي ألمت  بالامة العربية وكان الشعراء  صوت الشعب الهادر  والمدوي.

        فالشعرالعربي كان  نارا تلتهب  لتحرق ظهور الاجنبي   وثورة في نفس العربي  تزيدها  قوة  واندلاعا   فالشعراء  كل الشعراء هتفوا للتحرر العربي  وطرد المعتدين  والفخر في الشخصية العربية واذكاء نار الثورة فيها  يقول الشاعرالاخطل الصغير في هذه الابيات من قصيدته  سائل العلياء عنا والزمانا :

  سائل العلياء عنا والزمانا
                                                هل  خفرنا ذمة  مذ عرفا نا

المروءات  التي كانت بنا
                                              لم تزل  تجري سعيرا في دمانا

ضجت الصحراء تشكو عريها
                                              فكسوناها  زئيرا      ود خا نا

ضحك المجد  لنا لما رءانا
                                               يد م الابطال  مصبوغا  لوانا

عرس  الاحرار ان يسقى العدى
                                             اكؤسا حمرا وانغاما   حز ا نا


            ومع كل ماتقدم   نقول ان الفنون الشعرية في  بدايات عصر   النهضة  العربية   التي ظهرت حديثا وانشد فيها شعراءالعربية قصائدهم   كثيرة الا ا ن اغلبها كا ن في الثورة العربية والتغني بامجادها  ورموزها  وما لاقته  البلاد العربية من نكبات واحداث  ومن اهمها  نكبة دمشق  ونكبة ضياع فلسطين   واستلاء  اليهود عليها  

   لذا تبقى هذه  القصائد الوطنية هي السمة الغالبة لهذا العصر والمحرك القوي  للشبا ب العربي المؤمن  برسالة  امته  واعادتها الى سالف عهدها التليد .




******************************************




















      شعراء  النهضة  العربية







1


الشاعر ناصيف اليازجي


                هو ناصيف بن عبد الله بن  جنبلاط  بن سعد اليازجي اللبناني المولد السوري الحمصيّ الأصل .

.           ولد في قرية كفر شيما من قرى الساحل اللبناني في 25 آذار سنة\ 1800 م في أسرة اليازجي التي  كانت تسكن سوريا وفي مدينة حمص  ومنها  هاجرت الى لبنان وسكنت السهل الساحلي  وقد نبغ من هذه العائلة  كثير من أفرادها  في الفكر والأدب. والثقافة والعلوم .

     نشأ ناصيف ميالاً إلى الأدب والشعر ، وأقبل على الدرس والمطالعة   بنفسه ، وتصفح ما تصل  إليه  يده من كتب في النحو واللغة ودواوين الشعراء ،وقد نظم الشعر وهو في العاشرة من عمره ، ولم تكن الكتب المطبوعة متيسّرة في عصره فكان اكثر اعتماده على كتب يستعيرها من المكتبات الخاصة ، فمنها ما يقرأها  مرة  فيحفظ  مضمونها ومنها ما ينسخها بخط  يده. ويحتفظ بها منسوخة.

           و بعد اكتمال شخصيته الثقافية اتصل بالأمير بشير الشهابي الكبير ، أمير لبنان ، فقرّبه إليه وجعله كاتباً له ، فلبث في خدمته اثنتي عشرة سنة ، وفي سنة\ 1840 م  نفي الامير بشير الشهابي  خارج البلاد فخرج الأمير بشير من لبنان إلى منفاه وعلى اثر خروج الامير من لبنان انتقل الشاعر ناصيف اليازجي بأهل بيته إلى بيروت  فأقام  بها  وتفرغ للمطالعة والتأليف والتدريس ونظم الشعر ومراسلة  الأدباء   فذاع  صيته  وأشتهر ذكره.

         اتصل بالرسوليين الأميركيين يصحح  مطبوعاتهم ، ودعى للتعليم في المدرسة الوطنية التي كان قد أسسها المعلم  بطرس البستاني وذلك عام\ 1863 ، واشتغل معه بتصحيح الجزء الأول من معجمه ( محيط المحيط )، وشارك  في أول ترجمة عربية للكتاب المقدس( الانجيل ) في العصر الحديث ، وهي الترجمة التي قام بها الأمريكان .

        عمل في مدرسة الأمريكان في بيروت ( الجامعة الأمريكية ) فيما بعد ، وصنف مجموعة من المؤلفات اللغوية التعليمية تعد بدء بعث اللغة العربية الفصحى‌ في العصر الحديث .

          أ صيب بمرض عضال سنة\ 1869م وأصيب  بشلل  نصفي  فلزم داره على اثر ذلك، وفي أثناء مرضه فجع  بفقد ابنه  البكر الشيخ  حبيب وهو في شرخ شبابه فوقع عليه ذلك الحادث وقوع الصاعقة ولم يعش بعد ذلك إلا أربعين  يوماً  وكانت وفاته في 8 شباط (فبراير) سنة\ 1871 م.

          عرف اليازجي بشعره ذي النفحة الوطنية التي تنبعث من اعماق قلبه ونفسه الوطنية  وثابة  في  شعره  فقصائده الوطينية  تمتاز بكونها افضل قصائد ه واسماها .

 ومن  مؤلفاته:

      ترك ناصيف اليازجي مؤلفات متعددة شملت الصرف والنحو والبيان واللغة والمنطق والطب والتاريخ ، كما ترك ديواناً شعرياً متنوع الموضوعات ، ومراسلات شعرية ونثرية ،
 وأهم هذه المؤلفات:
1- « نار القرى في شرح جوف الفرا » ، في الصرف والنحو.
2- « فصل الخطاب في أصول لغة الأعراب » ، وهي رسالة في التوجيهات النحوية.
3- « عقد الجمان في علم البيان ».
4- « مجمع البحرين » ، وهو يشتمل على ستين مقامة على غرار مقامات الحريري وبديع الزمان الهمداني.
5- « ديوان ناصيف اليازجي ». ومؤلف من ثلاث مجاميع شعرية هي النبذة الاولى  ونفحة الريحان  و ثالث القمرين
6- العرف الطيب في شرح ديوان ابي الطيب
7- فصل الخطاب في قواعد اللغة العربية
8- الجوهر الفرد في فن الصرف
ومن جميل شعره اخترت هذه القصيدة الرائعة:

                              (دع يوم امس )

دَعْ يومَ أمسِ وخُذْ في شأنِ يومِ غَدِ
                                                  واعدِدْ لِنفسِك فيهِ أفضَلَ العُدَدِ

واقنَعْ بِما قَسَمَ اللهُ الكريمُ ولا
                                               تَبسُطْ يَديَـكَ لنَيلِ الرِّزقِ من أحَدِ

والبَسْ لكُلِّ زمانٍ بُرْدةً حَضَرَتْ
                                              حتى تُحَاكَ لـكَ الأُخرى من البُرَدِ

ودُرْ مَعَ الدَّهْرِ وانظُرْ في عَواقبِهِ
                                                حِذارَ أن تُبتَلـى عَيناكَ  بالرَّمَـدِ

مَتَى تَرَ الكلبَ في أيَّامِ دَوْلتِـهِ
                                              فاجَعلْ لرِجْليكَ أطواقاً من الزَرَدِ

واعلَمْ بأنَّ عليكَ العارَ تَلْبَسُـهُ
                                          من عَضَّةِ الكلْبِ لا من عضَّةِ الأسَدِ

لا تأمُلِ الخيرَ من ذي نعمةٍ حَدَثَتْ
                                             فَهْوَ الحريصُ على أثوابـهِ الجُدُدِ

واحرِصْ على الدُرِّ أن تُعطِي قلائدَهُ
                                                  مَن لا يُميِّـزُ  بَيْنَ الدُرِّ والبَـرَدِ

أعدَى العُداةِ صَديقٌ في الرَّخاءِ فإن
                                                طَلَبْتَـهُ في أوانِ الضِّيـقِ لم تَجِـدِ

وأوثَقُ العهدِ ما بينَ الصِّحابِ لِمَنْ
                                                 عاقَدتَ   قلبـاً  بقلبٍ لا  يَداً بيَدِ

عليكَ بالشُّكرِ للمُعْطِي على هِبَـةٍ
                                                ودَعْ حَسُودَكَ يَشوي فِلْذَة الكَبِدِ

لو كانَ يَفَعلُ في ذي نِعمةٍ حَسَـدٌ
                                               لَمْ ينجُ ذو نعمةٍ من غائلِ الحَسَدِ

مَحَضْتُكَ النُّصْحَ عن خُبرٍ وتَجرِبـةٍ
                                               واللهُ سُبحانَـهُ الهادي إلى الرَشَدِ

فاخَترْ لنفسِكَ غيري صاحباً فأنا
                                                شُغِلْتُ عنكَ بِمَا قد جَدَّ في البَلَدِ

قد شَرَّفَ اليومَ إبراهيـمُ بلَدتَنـا
                                             كأنَّهُ الرُوحُ قد فاضَتْ على الجَسَدِ

أهدَتْ إلينا ضَواحي مِصْرَ جَوْهَرةً
                                               من مالِنا فهي قد جادَتْ ولَمْ تَجُدِ

ما زالتِ الشَّامُ تشكو طُولَ وَحْشتِهِ
                                                كالأمِّ طالتْ عليها غُربـةُ الوَلَدِ

سُرَّتْ بزَوْرتِـهِ يومـاً ونَغَّصَهـا
                                            خوفُ الفِراقِ فلم تَسلَمْ من الكَمَدِ

عليلةٌ من دواعي الشَّوقِ حينَ دَرَى
                                                   من لُطفِـهِ ما بِهَا وافَى كمُفتقِدِ

لئنْ يكُنْ من حِماها غيرَ مُقترِبٍ
                                                    فقلبُـهُ عن هَواها غيرُ مُبتعِـدِ

كريم نفسٍ يُراعي عهدَ صاحبهِ
                                                      فلا يُقصِّـرُهُ طُـولٌ منَ المُـدَدِ

مُهذَّبٌ ليسَ في أقوالِـهِ زَلَـلٌ
                                                    وليسَ في فِعلِـهِ عَيـبٌ لِمُنتَقـدِ

يقومُ بالأمـرِ بَيْنَ النَّاسِ مُنفـرِداً
                                                   والغيرُ قد كَلَّ عنهُ غيرَ مُنفـرِدِ

ويَحطِمُ المَنكِبَ الأعلى بِهمَّتِـهِ
                                                 من قُوَّةِ الرأي لا من قُوَّةِ العَضُدِ

منَ الرِّجالِ رجالٌ عَدُّهـم عَبَثٌ
                                                   وواحدٌ قد كَفَى عن كَثْرةِ العَدَدِ

مالي وما لنُجوم الليلِ أحسُبُهـا
                                                إذا ظَفِرتُ بوجـهِ البَدرِ في الجَلَدِ

أهديتُهُ بِنْتَ فكرٍ قد فتحتُ لَهَا
                                               من حُسنِ أوصافهِ كَنْزاً بلا رَصَدِ

تَمكَّنت بعدَ ضُعفٍ من نَفائسِهِ
                                               حتَّى ابتَنَتْ كُلَّ بيتٍ شامخِ  العُمُدِ

كلُّ الملابِسِ تَبلَى مثلَ لابِسِهـا
                                                ومَلبَسُ الشِّعرِ لا يبلى إلى الأبدِ

وأفضَلُ المدحِ ما وازَنْتَ صاحبَـهُ
                                            وزْنَ العَروض فلم تَنْقُص ولَمْ تَزِدِ



***********************************




                                   2

              محمود سامي البا رودي




             ولد محمود سامي البارودي عام \1839 ميلادية  ، وكان أبوه حسن حسين بك البارودي من أمراء المدفعية ثم صار مديرا لمنطقة( بربر) ومن ثم (دنقلة) في عهد الوالي  محمد علي باشا والي مصر ، وكان جده لأبيه عبد الله بك الجركسي كشافا في عهد محمد علي مأمورا و أحد أجداد الشاعر واسمه  مراد بن يوسف شاويشا ملتزما في العصر العثماني لبلدة (آيتاي البارود) إحدى مناطق  محافظة البحيرة، وقد لقب بالبارودي نسبة الى هذه المنطقة   وبقي  هذه التسمية ملازمة لعائلته من بعده .

          وكان أجداده بربطون نسبهم بنسب  المماليك حكام مصر  وانهم منهم  وكان الشاعر محمود سامي البارودي  شديد الاعتزاز بهذا النسب في شعره وفي كل أعماله ، و كان له فيه اثرا قويا في جميع أدوار حياته وفي المصير الذي انتهى أليه .

     توفى والده وهو في السابعة من عمره فكفلته امه تر بية  وتدريسا وسهرت على تعلمه.

          تلقي البارودي وهو في السابعة من عمره دروسه الأولى في البيت فتعلم القراءة والكتابة، وحفظ القرآن الكريم، وتعلم مبادئ النحو والصرف، ودرس شيئًا من الفقه والتاريخ والحساب، ثم التحق وهو في الثانية عشرة من عمره بالمدرسة الحربية.

           ابتدات  مظاهر حبه وشغفًه بالشعر العربي تظهر في  شخصيته ودراسته  فحفظ الكثير من شعر الشعراء القدامى وخاصة شعراء العصر الاموي والعباسي  مثل جرير والاخطل والفرزدق وابي تمام والبحتري  والمتنبي  وابن زيدون  وكثير من  الشعراء الفحول، فنظم الشعر واجاد وابدع  فكان شاعرا فذا في مقتبل الشباب  وعمر الصبا .

           وبعد أربع سنوات من الدراسة تخرّج عام\ 1845م برتبة (باش شاويش ) ثم سافر إلى إستانبول مقر الخلافة العثمانية، والتحق بوزارة الخارجية، وتمكن في أثناء إقامته من إتقان اللغتين  التركية والفارسية ومطالعة آدابهما، وحفظ  كثيرًا من الأشعار بهما، ودعته سليقته الشعرية المتوهجة  إلى نظم  الشعر بهما . وفي  أثناء عمله  بالجيش  اشترك  في الحملة العسكرية التي خرجت سنة (١٢٨٢ هـ = ١٨٦٥م) لمساندة جيش الخلافة العثمانية في إخماد الفتنة التي نشبت في جزيرة (كريت)، وهناك أبلى البارودي بلاء حسنًا، وجرى الشعر على  لسانه  يتغنى  ببلده  الذي فارقه، ويصف جانبًا من الحروب التي خاض غمارها، يقول في رائعة من روائعه الخالدة :

أخذ الكرى بمعاقد الأجفان
                                                وهفا السرى بأعنة الفرسان

والليل منشور الذوائب ضارب
                                               فوق المتالع  والربى  بجران

لا تستبين العين في ظلماته
                                               إلا     اشتعال  أسِنَّة   المران


    كان الشعر العربي على موعد مع القدر، ينتظر من يأخذ بيده، ويبعث فيه روحًا جديدة  تبث فيه الحركة والحياة، وتعيد  له الحياة والحركة  في الأوصال، فتتورد وجنتاه نضرة وجمالاً بعد أن ظل قرونًا عديدة واهن البدن،راكد الحركة، كليل البصر.

     وشاء الله أن يكون البارودي هو الذي يعيد الروح إلى الشعر العربي، ويلبسه أثوابًا  قشيبة، زاهية الالوان، بديعة الشكل  والصورة، ويوصل حاضره  بماضيه التليد، بفضل موهبته الفذة وثقافته الواسعة وتجاربه الغنية.

           أن ولاية مصر الت   إلى الخديوي  عباس الأول ثم إلى سعيد وكان عباس قد عدل عن خطة محمد علي الذي نظم الجند وتقدمه حين لاحظ  ان  الدولة العثمانية تنظر إلى الجيش المصري بعين الريبة والقلق وهذا  ما جعله  يغير خطته   ويبتعد عن كل ما يقدم الجيش والتعليم كافة   لذا تعطلت النهضة  التي كانت متصلة بالجيش و في الصناعة والدراسة  والتعليم .مما اثر على الحياة  الثقافية  في البلاد عموما .

          ترقى البارودي في السلك العسكري والسلك المدني، وحصل على أعلى المراتب، فكان وزيراً للمعارف والأوقاف ووزيراً للحربية والبحرية في عهد الخديوي توفيق.

      وبعد عودة البارودي من حرب ( كريت)  تم نقله إلى المعية الخديوية ياورًا خاصًا للخديوي إسماعيل، وقد بقي في هذا المنصب ثمانية أعوام، ثم تم تعيينه كبيرًا لياوران ولي العهد (توفيق بن إسماعيل) في ( يونيو ١٨٧٣م)، ومكث في منصبه سنتين ونصف السنة، عاد بعدها إلى معية الخديوي إسماعيل  كاتبًا  لسره (سكرتيرًا)، ثم ترك منصبه في القصر وعاد إلى الجيش.

            ولما استنجدت الدولة العثمانية بمصر في حربها ضد روسيا ورومانيا وبلغاريا والصرب، كان البارودي ضمن قواد الحملة الضخمة التي بعثتها مصر للقتال  ولنجدة  الدولة  العثمانية، ونزلت  الحملة  في (وارنة) أحد  ثغور البحر الأسود، وحاربت في ( أوكرانيا)  بكل  بسالة وشجاعة، غير أن الهزيمة لحقت بالعثمانيين، وألجأتهم إلى عقد معاهدة (سان استفانوا) في ( مارس ١٨٧٨م)، وعادت الحملة إلى مصر، وكان الإنعام على البارودي برتبة اللواء والوسام المجيدي من الدرجة الثالثة، ونيشان الشرف؛ لِمَا قدمه من ضروب الشجاعة و البطولة.

           وبعد عودة البارودي من حرب البلقان تم تعيينه مديرًا لمحافظة الشرقية في ( إبريل ١٨٧٨م)، وسرعان ما نقل محافظًا  للقاهرة، وكانت مصر في هذه الفترة تمر بمرحلة حرجة من تاريخها، بعد أن غرقت البلاد في الديون، وتدخلت  إنجلترا وفرنسا في توجيه السياسة المصرية، بعد أن صار لهما وزيران في الحكومة المصرية، ونتيجة لذلك نشطت الحركة الوطنية وتحركت الصحافة، وظهر تيار الوعي الديني الوطني الذي يقوده الداعية  الاسلامي ( جمال الدين الأفغاني ) لإنقاذ  العالم  الإسلامي من الاستعمار، وفي هذه الأجواء المشتعلة تنطلق قيثارة البارودي بقصيدة ثائرة تصرخ في أمته، توقظ  النائم  وتنبه الغافل،  يقول :

جلبت أشطر هذا الدهر تجربة
                                               وذقت ما فيه من صاب ومن عسل

فما وجدت على الأيام  باقية
                                               أشهى إلى النفس من حرية العمل

لكننا غرض  للشر في  زمن
                                                  أهل العقول به في طاعة الخمل

قامت به من رجال السوء طائفة
                                           أدهى على النفس من بؤس على ثكل

ذلت بهم مصر بعد العز واضطربت
                                                   قواعد الملك حتى ظل في خلل


           وبينما كان محمد شريف باشا رئيس مجلس النظار يحاول أن يضع للبلاد دستورًا قويمًا يصلح أحوالها ويرد كرامتها، فارضًا على الوزارة مسؤوليتها على كل ما تقوم به أمام مجلس  النواب، إذا بالحكومة الإنجليزية  والفرنسية  تكيدان للخديوي إسماعيل عند الدولة  العثمانية لإقصائه الوزيرين الأجنبيين عن الوزارة، وإسناد  نظارتها  إلى شريف باشا الوطني الغيور، وأثمرت سعايتهما، فصدر قرار من الدولة العثمانية بخلع  إسماعيل  وتولية  ابنه توفيق.

           غير أن (توفيق) نكص على عقبيه  بعد أن  تعلقت به  الآمال في الإصلاح، فقبض على (جمال الدين الأفغاني)  ونفاه من البلاد، وشرد أنصاره ومريديه، وأجبر شريف باشا على تقديم استقالته، وقبض هو على زمام الوزارة، وشكّلها  تحت رئاسته، وأبقى البارودي في منصبه وزيرًا للمعارف  والأوقاف، بعدها صار وزيرًا  للأوقاف  في وزارة رياض.

          وقد نهض البارودي بوزارة الأوقاف، ونقح قوانينها، وكون لجنة من العلماء والمهندسين والمؤرخين للبحث عن الأوقاف المجهولة، وجمع الكتب والمخطوطات الموقوفة  في المساجد، ووضعها في مكان واحد، وكانت هذه المجموعة  نواة  دار الكتب المصرية التي أنشأها علي مبارك، كما عُني بالآثار العربية وكوّن لها لجنة لجمعها، فوضعت ما جمعت في مسجد الحاكم حتى تُبنى لها دار خاصة، ونجح في تولية  صديقه  محمد عبده  تحرير الوقائع المصرية، فبدأت الصحافة في مصر عهدًا جديدًا.

          ثم تولى البارودي وزارة الحربية خلفًا لرفقي باشا إلى جانب وزارته للأوقاف، بعد مطالبة حركة الجيش الوطنية بقيادة عرابي بعزل رفقي، وبدأ البارودي في إصلاح القوانين العسكرية مع  زيادة   رواتب الضباط  والجند، لكنه لم يستمر في المنصب طويلاً، فخرج من الوزارة بعد تقديم استقالته في ( ٢٢ من أغسطس ١٨٨١م)؛ نظرًا لسوء العلاقة بينه وبين رياض باشا رئيس الوزراء، الذي دس له عند الخديوي.

        عاد البارودي مرة أخرى إلى نظارة الحربية والبحرية في الوزارة التي شكلها  شريف باشا عقب مظاهرة عابدين التي قام بها  الجيش  في     ( سبتمبر \ ١٨٨١م)، لكن  الوزارة  لم تستمر طويلاً ، وشكل   البارودي الوزارة الجديدة  في ٢٤( من فبراير ١٨٨٢م) وعين أحمد عرابي وزيرًا للحربية، و( محمود فهمي ) للأشغال؛ ولذا أُطلق على وزارة البارودي وزارة الثورة؛ لأنها ضمت ثلاثة من زعمائها.

            وافتتحت الوزارة أعمالها بإعداد الدستور، ووضعته بحيث يكون موائمًا لآمال الأمة، ومحققًا أهدافها، وحافظا لكرامتها واستقلالها، وحمل البارودي نص الدستور إلى الخديوي، فلم يسعه إلا أن يضع خاتمه عليه بالتصديق، ثم عرضه على مجلس النواب.


             تم كشف مؤامرة قام بها بعض الضباط الجراكسة لاغتيال البارودي وعرابي، وتم تشكيل محكمة عسكرية لمحاكمة المتهمين، فقضت بتجريدهم من رتبهم ونفيهم إلى أقاصي السودان، ولمّا رفع البارودي الحكم  إلى الخديوي توفيق  للتصديق  عليه، رفض بتحريض من قنصلي إنجلترا  وفرنسا،  فغضب البارودي، وعرض الأمر على مجلس النظار،  فقرر أنه ليس من  حق  الخديوي أن يرفض قرار المحكمة العسكرية  العليا وفقًا  للدستور، ثم عرضت  الوزارة   الأمر
 على مجلس  النواب، فاجتمع  أعضاؤه  في منزل  البارودي، وأعلنوا تضامنهم  مع الوزارة، وضرورة  خلع  الخديوي  ومحاكمته إذا استمر على دسائسه.

        انتهزت إنجلترا وفرنسا هذا الخلاف، وحشدتا أسطوليهما في الإسكندرية، منذرتين بحماية الأجانب، وقدم قنصلاهما مذكرة في(٢٥ من مايو ١٨٨٢م) بضرورة استقالة الوزارة، ونفي عرابي، وتحديد إقامة بعض زملائه، وقد قابلت وزارة البارودي هذه المطالب بالرفض في الوقت الذي قبلها الخديوي توفيق، ولم يكن أمام البارودي سوى الاستقالة، ثم تطورت الأحداث، وانتهت بدخول الإنجليز مصر، والقبض على زعماء الثورة العرابية وكبار القادة المشتركين بها، وحُكِم على البارودي وستة من زملائه بالإعدام، ثم خُفف إلى النفي المؤبد إلى جزيرة( سرنديب).

         أقام البارودي في الجزيرة سبعة عشر عامًا وبعض عام، وأقام مع زملائه في ( كولومبو) سبعة أعوام، ثم فارقهم إلى مدينة ( كندي) بعد أن دبت الخلافات بينهم، وألقى كل واحد منهم فشل الثورة على أخيه، وفي المنفى شغل البارودي نفسه بتعلم الإنجليزية حتى أتقنها، وانصرف إلى تعليم أهل الجزيرة اللغة العربية ليعرفوا لغة دينهم الحنيف، وإلى اعتلاء المنابر في مساجد المدينة ليُفقّه أهلها بشعائر الإسلام.

        وطوال هذه الفترة كان البارودي ينشد الشعر ويقرض القصيد فكانت   قصائده  خالدة، في المنفى  يسكب فيها آلامه وحنينه إلى الوطن، ويرثي من مات من أهله  وأحبابه  وأصدقائه، ويتذكر أيام شبابه ولهوه وما آل إليه حاله، ومضت به أيامه في المنفى ثقيلة واجتمعت عليه علل الأمراض، وفقدان الأهل والأحباب، فساءت  صحته، واشتدت  وطأة المرض عليه، ثم سُمح له بالعودة بعد أن تنادت الأصوات وتعالت بضرورة رجوعه إلى مصر، فعاد في (١٢من سبتمبر ١٨٩٩م).

.           بعد سلسلة من أعمال الكفاح والنضال ضد فساد الحكم وضد الإحتلال الإنجليزي لمصر عام \1882 قررت السلطات الحاكمة نفيه مع زعماء الثورة العرابية في كانون الاول عام  1882 إلى جزيرة (سرنديب(اي جزيرة (سريلانكا ) الحالية مع مجموعة من رفاقه الثوار وعندها اطل شاعرنا على ساحل مصر ليلقي عليه نظرة وداع  وحسرة  المت بقلبه ، وما تكاد الباخرة تغادر أرض النيل الى  جزيرة ( سرنديب ) حتى تشتد  عواطف الشاعر الدافقة لتتحول إلى مشهد حزين ينتهي إلي تجربة شعرية  صادقة تتجسد في  قصيدته النونية :

ولما وقفنا للوداع وأسبلت
                                                   أهبت  بصبري أن يعود فعزّني


وما هي ألا خطرة ثم أقلعت
                                                      مدامعنا فوق الترائب كالمزنٍ

وناديت حلمي أن يثوب فلم يغن
                                               بنا عن شطوط الحي أجنحة السفن


          ظل في المنفى أكثر من سبعة عشر عاماً يعاني الوحدة والمرض والغربة عن  وطنه  , بعد أن بلغ الستين من عمره اشتدت عليه وطأة المرض وضعف بصره وبناء على توصية الاطباء  تقررت عودته إلى وطنه مصر للعلاج ، فعاد إلى مصر يوم 12 سبتمبر عام 1899 وكانت فرحته غامرة بعودته إلى الوطن وأنشد قصيدته   أنشودة العودة  التي تعتبر من روائع  الشعرالعربي  

أبابلَ رأي العين أم هذه مصـر ُ
                                               فإني أرى فيها عيوناً هي السحرُ

نواعسَ أيقظن الهوى بلواحـظٍ
                                             تدين لها بالفتْكةِ البيضُ و السمرُ

فليس لعقلٍ دون سلطانها حـمىً
                                                   ولا لفؤادٍ من غشْيَانِها سترُ

فإن يكُ موسى أبطل السحرَ مرةً
                                            فذلك عصر المعجزات و ذا عصرُ

        كان البارودي في شعره السياسي ناقداً اجتماعياً وثائراً وطنياً ومصلحاً صريحاً شديد الحرص على حرية أبناء بلده ناقداً لهوانهم وذلهم وتهاونهم في الرد على الظلم والسكوت عليه لاحظ  اليه  يقول :

وكيف ترون الذل دار إقـــامـة
                                    وذلك فضل الله في الأرض واسـعُ

أرى رؤوساً قد أينعت لحصادهــا
                                    فأين ـ ولا أين ـ السيوف القواطعُ ؟

فكونوا حصيدا خامدين أو افزعـوا
                                    إلى الحرب حتى يدفع الضيم دافـع

أهبت فعاد الصوت لم يقض حاجـة
                                      أليّ ولبّاني الصدى وهو طائـــعُ

فلم ادرِ أن الله صور قبلكـــــم
                                       تماثيل   يخلق لهن   مسامـــــعُ

         وكثيرا ما تغنى بمصر وجمالها وسحرها لاسيما في المنفى إذ ظلت تلك القصائد تؤكد مشاعره تجاه احبته ووطنه وامته انظر اليه  يقول :

فيا (مصر) مدّ الله ظلك وآرتوى
                                                  ثراك بسلسال من النيل دافــقِ

ولا برحت تمتار منك يد الصـبا
                                                   أريجا يداوي عرفه كل ناشــقِ

فانت حمى قومي ومشعب أسرتي
                                               وملعب أترابي ، ومجرى سوابقي

بلاد بها حل الشباب تمائمـــي
                                                    وناط نجاد المشرفيّ بعانقـــي

          امتازت   مراثي البلاد  عند البارودي بصدق الإحساس ورقة العاطفة لذا فانه لم يرث صديقاً أو قريباً إلا كان رثاؤه صادقاً بعيداً عن شعر المناسبات، ويبدو على شعره الحزن العميق بعد أن تسلم خبر وفاة زوجته وتعد هذه القصيدة من عيون الشعر العربي في رثاء الزوجات يقول:

أَيَدَ المنون قدحت أي زنـــاد
                                            أطرت أية    شعلة بفــــؤادي

أوهنت عزمي وهو حملة فيلق
                                          وحطمت عودي وهو رمح طراد

لا ادري هل خطب ألم بساحتي
                                            فأناخ ، أم سهم أصاب سوادي ؟

أقذى العيون فأسبلت بمدامـع
                                             تجري على الخدين كالفرصـاد

ما كنت احسبني أراع لحـادث
                                               حتى منيت به  فأوهـــن   آدي

أبلتني الحسرات حتى لم يكـد
                                                جسمي يلوح لأعين الـــعوّاد

استنجد الزفرات وهي لوافـح
                                                  وأسفه العبرات وهي بــوادي

       بعد عودته إلى القاهرة ترك العمل السياسي، وفتح بيته للأدباء والشعراء، يستمع إليهم، ويسمعون منه، وكان على رأسهم  احمد شوقي وحافظ  ومطران، وإسماعيل صبري، وقد تأثروا به ونسجوا على منواله، فخطوا بالشعر خطوات واسعة، وأُطلق عليهم مدرسة النهضة أومدرسة الأحياء .

      ولم تطل الحياة  بالبارودي  بعد عودته من المنفى  اذ  توفته المنية  في الرابع من شو سنة\ 1322هـ ، 12 من ديسمبر 1904م، بعد سلسلة    من الكفاح والنضال .

           ويعد البارودي باعث النهضة الشعرية الحديثة في الشعر العربي، فقد نجح في تحميل الإطار القديم تجارب حياته الخاصة، كما  نجح  في إعادة الشعر العربي إلى ما كان عليه في عصوره الزاهرة، فأضحى شعره يماثل شعر الفحول في صدر العصر العباسي. كابي تمام   والبحتري والمتنبي  وساعده ذكاؤه الحاد وموهبته الفذة على تحقيق هذا  الهدف   بمعارضة الشعراء الأقدمين وتقليد أساليبهم , ومعانيهم الشعرية في بناء القصيدة ، وبذلك أصبح رائد حركة إحياء الأدب العربي الحديث، وكان عظيم التأثير في المدارس الشعرية التي اتت من بعده ،وفي شعره تلاحظ  تجديدًا ملموسًا من حيث التعبير عن شعوره وإحساسه، وله معان جديدة وصور  رائعة مبتكرة.

       وقد نظم الشعر في كل أغراضه المعروفة من غزل ومديح وفخر وهجاء ورثاء، مرتسمًا   نهج  الشعر العربي القديم، غير أن شخصيته كانت واضحة في كل ما نظم؛ فهو الضابط الشجاع، والبطل  الثائر على الظلم، والمغترب عن الوطن، والزوج الحاني، والأب الشفيق، والصديق الوفي.. ونلاحظ  في شعره  تجديدًا ملموسًا من حيث التعبير عن شعوره وإحساسه، وله معان جديدة وصور مبتكرة.


 اثاره الادبية:

1-  ديوان شعر يزيد عدد أبياته على خمسة آلاف بيت، طبع في أربعة مجلدات،
2- قصيدة طويلة عارض بها البوصيري، أطلق عليها (كشف الغمة)
3- (قيد الأوابد) وهو كتاب في النثر  سجل فيه خواطره ورسائله بأسلوب مسجوع،
 4- (مختارات البارودي)وهي مجموعة انتخبها الشاعر من شعر ثلاثين شاعرًا من فحول الشعراء  العباسين ، يبلغ نحو ٤٠ ألف بيت.


       وفي الختام  اخترت من جميل قصائده  هذه القصيدة النونية \

 
مــحــا البــيــنُ ما أبقتْ عيون المها مني
                                 فـشِـــــــــبتُ ولم أقضِ اللُّبانة من سني
   
 
عـــناءٌ ، ويــــأسٌ ، واشــــتيــــاقٌ وغــربةٌ
                                ألا ، شــدَّ ما ألقـــــاه في الدهر من غبنِ
  
 
فإن أكُ فــــارقـــــــتُ الــــديار فـــلي بـها
                               فُــــــؤادٌ أضـــــــلتْهُ عــــيـــون المها مِني
   
 
بعــــثــــتُ به يــــوم النـــوى إثـــــرَ لَحْظَةٍ
                                   فأوقــــعــــه المِقدارُ في شَـرَكِ الحُــسنِ
   
 
فـــهل من فتى في الدهــــر يجمع بـينـنا
                                فـــلـــيــس كِلانا عــن أخــيه بمـسـتغــنِ
   
 
ولــما وقـــفــــنـا لِلــوَدَاع ، وأســـبَــلَـــتْ
                               مـــــدامـــعنا فـــــوق التـــرائب كالمـــزن
   
 
أهـــبتُ بـــــــصبري أن يعودَ ، فــعـــزنـي
                                وناديت حــلــمــي أن يـثــوب فــلــم يُغـنِ
  
 
ولمْ تَــمـْــضِ إلا خَــطْــرَةٌ ، ثــــم أقلــعـت
                                   بنا عـــن شطوط الحـــي أجـنِحةُ السُّفْـنِ

     
فـكم مُـــــهجةٍ من زَفْرَةِ الوجدِ في لــظى
                                   وكم مُقـْــــلَةٍ مِنْ غــزرة الدمــع في دَجْنِ
  
 
ومـــا كــــنتُ جــــربتُ النـــوى قبل هـذه
                                     فـــلما دهــــتني كِدتُ أقــضي من الحزن
  
 
ولكـــنني راجـــعــــتُ حِــــلْمـِي ، وردني
                                    إلى الحَــــزْمِ رأيٌ لا يــحـــومُ عــلـى أَفْنِ
  
 
ولولا بُـــنــيــاتٌ وشِـــيـــبٌ عــــــــواطـــلٌ
                                       لــمــا قَــرَعَـتْ نفـسي على فائِتٍ سِني
   
 
فيــا قــلــبُ صــبـراً إن جـــــزِعتَ ، فربمـا
                                  جَـــرَتْ سُـــنُــحاً طَيْرُ الحــــــوادثِ باليُمْنِ
   
 
فــقــد تُـــــورِقُ الأغـــصــان بـعد ذبـــولـها
                                  ويــبــدو ضـــياء البــدر فـي ظــلمةِ الوَهنِ
   
 
وأيُ حـــســـــــــامٍ لم تُصِـــبهُ كـــهـــامُةٌ
                              ر   ولهْــــذَمُ رُمْــــحٍ لا يُــــفَــــلُ مـــن الطـعنِ

     
ومن شــــــــاغــــــب الأيامَ لان مَــرِيـــرُهُ

                                     وأســــلــمــهُ طولُ المِـــراسِ إلى الوَهْـنِ
   
 
وما المــــــــرءُ في دنـــيـاه إلا كـــســالِكٍ

                                   مناهِـــــجَ لا تخـــلو من الســهل والحَــزْنِ
   
 
فإن تـــكـــــن الــدنيا تـــولــــت بــخـيـرها

                                 فأهــــون بدنيا لا تــــدوم عــــــــلـى فَـنِّ!
   
 
تحــمــلــتُ خـــوفُ المَــنِّ كـــلَّ رَزِيــئـــةٍ
                          
                                 وحـــمـــلُ رزيا الدهــــر أحــلـى من المنِّ
  
 
وعــــاشـــــرتُ أخــداناً ، فلما بَلَــــــوتُهُمْ

                                   تـــمـــنــيــتُ أن أبقى وحـــــيداً بلا خِـدنِ
   
 
إذا عـــــرف الــمـــــرءُ القلوبَ وما انطـوتْ

                                 عـــليه مـن البغضاءِ - عاش على ضِــغْــنِ
   
 
يــــرى بــــصــــري مــــن لا أودُ لِـــقــاءَهُ

                                    وتــسمـــعُ أذني مــا تــعــافُ مِن اللحــنِ
   
 
وكــيــف مُــقــامي بين أرضٍ أرى بـهــــا

                                      من الظلم ما أخنى على الدار والسَّكْـــنِ
   
 
فسَمْعُ أنين الجَوْرِ قد شـــــاك مسمعي

                                 ورؤيـــةُ وجـــه الغـــدر حــل عُرا جَفــــني
  
 
وصــعــب عــــلى ذي اللُّبِ رئــمـانُ ذِلةٍ

                                   
يَظَلُ بها في قــــومـــــــه واهي المـــتـنِ
   
 
إذا المــــرُء لم يــــرمِ الهـــــناةَ بــمــثلـها
                                  تــخــطى إليه الخـوف من جـانب الأمـــن
   
 
وكـن رجلاً ، إن سيمَ خَــــسْفاُ رمـتْ به
                                حَــــمِـــيـــتُــهُ بــيـــن الصــــوارمِ واللُّــدنِ

   
فلا خـــيْرَ في الــدنيا إذا المرءُ لم يعـشْ
                                 مـــهيباُ ، تـــراه العينُ كـــالنار فـي دغْــنِ





*****************************************























                                     3


                   إبراهيم اليازجي




         إبراهيم بن ناصيف بن عبد الله بن ناصيف بن جنبلاط، ولد في بيروت في الثاني من شهر آذار سنة\ 1847 في بيت هو موئل اللغة والأدب.

    تخرج إبراهيم اليازجي في مبادئ اللغة على يد أبيه الشاعر المعروف ناصيف اليازجي، ثم درس لنفسه كثيرا  ، فنال بجده  واجتهاده وحبه للادب واللغة  وذكائه  المفرط  مراده المنشود ، فاصبح علما  من اعلام اللغة العربية  وشاعرا مجيد ا وقد نظم الشعر في صباه و ريعان  شبابه  وكان يوليه من الإتقان والعناية ما يولي كل أعماله الادبية واللغوية  فجاء شعره غاية في  الإبداع الشعري   وقمة في الخيال الذي تاثر فيه  بأ بيه، فرق أدبه وصفا خاطره وانتشرت  شهرته في جودة النظم  في مجتمعه وبقية الدول العربية  فكان ان  احتكم إليه  فريق كبير من الأدباء وورد عليه من رسائل الشعراء الشيء الكثير حتى أصبح  مجلسه لا يخلو من بحث شعري أو أدبي،  الا انه رغب في دراسة العربية  كلغة  من نحو وصرف وبلاغة  فرأى في ذلك ما يشغله عن سواه، فقرر هجر النظم وعكف على المطالعة  والمدارسة  كما انه درس العلوم الاسلامية وخاصة الفقه الحنفي على يد المرحوم الشيخ محي الدين اليافي أحد  الأئمة الاعلام  في ذلك الحين، فنال  حظاً وافراً.  من  التعلم الفقهي  على مذهب ابي حنيفة النعمان رحمه الله .

       التزم  اليازجي القومية العربية وعمل في سبيل إحيائها وإذكائها   في قلوب الناشئة العرب  وبث الروح العربية المتوثبة في الشباب المثقف المتعطش الى الحرية ، وكان يعمل على استقلال البلاد العربية  ويطمح لجعلها متمتعة باستقلال تام عن الدولة العثمانية،  ولهذا عندما تاسست   الجمعية العلمية السورية التي أنشأت في بيروت سنة \   1868  انتسب اليها وراح يبث افكاره بين اعضائها فكانت تتلى في اجتماعاتها  قصائد عامرة ومقاطع شعرية مثيرة تتحدث بأمجاد العرب، أشهرها القصيدة التي أنشأها ابراهيم  اليازجي والتي تجاوب صداها في البلاد العربية عامة..والتي مطلعها :

تنبهوا   واســتفيقوا   أيها     العرب   
                                         فقد طمى الخطب حتى غاصت الركب

          وفي سنة \1872 عُهد إليه تحرير جريدة ( النجاح ) فكتب فيها مقالات رائعة وبحوث مفيدة أظهرت مدى اقتداره اللغوي والادبي ومقدرته الشعرية  فطارت  معه شهرته،

     عمد الآباء اليسوعيون إلى ترجمة الكتاب المقدس فاستعانوا باليازجي الاب ثم بابراهيم وفوضوا إليه تنقيح العبارة  من حيث الإنشاء والسبك وانتخاب الألفاظ للمعنى المراد، فكان ذلك سبباً في دراسته اللغة العبرية والسريانية ليلبس عبارة الترجمة المعنى الأصيل بصدق وأمانة، فاستغرق  عمله  في ترجمة الكتاب المقدس ( الانجيل ) للعربية  نحو تسع سنوات حتى أخرجه بحلة أنيقة على أفضل ما يرجى  بلاغة وصياغةً وفصاحة مفردات.

          بعد أن فرغ اليازجي من تنقيح الكتاب المقدس، انصرف إلى تدريس اللغة العربية وآدابها في المدرسة البطريركية للروم الكاثوليك في بيروت، وفي هذه الأثناء اختصر ونقح كتب أبيه الشيخ ناصيف اليازجي ، حيث كان مفاخراً بأدبه وعلمه، ويؤلمه أن ينال أحد منه او ينقده ، فقد نظر في كتبه وأصلح الخطأ منها وقال أنه اختصرها، وقام  بشرح ديوان أبي الطيب المتنبي ونسبه إلى أبيه لأن اباه  كان قد بدأ العمل بشرحه ولم ينجزه  .

         في عام\ 1884، اتفق مع الدكتور بشارة زلزل والدكتور خليل سعادة فأصدروا مجلة (الطبيب) فنشر فيها مترجما المقالات  اللغوية والأدبية مما اثبت مقدرته  في النشر والابداع ، ولم يطل زمن الاتفاق أكثر من عام واحد.

    وقيل  آنسته مبادئ (الماسونية)  وكانت حديثة العهد والثقافة  فانخرط في سلك أعضائها وأعجب الناس  بجرأته  الأدبية  ونزوعه إلى المبادئ الحرة والأخذ بكل جديد عن عقل وفهم وإدراك.

           كان ابراهيم  اليازجي كلما أرهقه تعب الكتابة والتأليف مال إلى الراحة وصرف أوقات فراغه في الرسم والحفر والموسيقى، وقيل أنه كان دون الرابعة عشرة من عمره حين وضع أول تقويم عربي. وكان له  علم ثر  وقدم راسخة في اللغة وادابها . عارفاً بموارد الكلام ومصادره، وبصيراً بجيده وسفسافه، طويل النفس في بحوثه اللغوية، بعيد غور الحجة.  متمكن  فيها .

         ولما لم يجد ابراهيم  اليازجي  مجالاً لأفكاره  وآرائه  الحرة في لبنان، تركه وتوجه إلى مصر حيث الآداب العربية وحرية الأقلام تنشد كاتباً مثله. وفي عام \ 1897 أصدر بالاشتراك مع الدكتور بشارة زلزل مجلة (البيان) وأعد لها الآلات اللازمة  وكل  احياجاتها  مما جعله يسافر الى أوروبا، فجاءت المجلة والمطبعة  مثالاً  للإتقان، وما لبثت المجلة أن احتجبت  وافترق  الشريكان.  وهذا  ديدن  الثقافة  والعلم  في البلاد العربية  .

           وفي سنة\ 1898 استقل الشيخ  إبراهيم  بإنشاء  مجلة (الضياء)  في القاهرة التي اشتهرت  بفصاحة   العبارة  ومتانة  الأسلوب، وبقي  يصدرها مدة  تربو على ثمانية  أعوام حتى حال الداء دونه ودون  متابعة الكتابة.. فمرض في القاهرة .

      وفاضت روحه الطاهرة  في القاهرة في مصر سنة \ 1906 ونقل   جثمانه إلى بيروت وأودع جدثه الرحمة في محلة الزيتونة  في مقبرة الروم الكاثوليك.

     خدم اليازجي العربية باصطناع حروف الطباعة فيها ببيروت وكانت الحروف المستعملة حروف المغرب والأستانة، وانتقى كثيراً من الكلمات العربية لتسمية المخترعات.الجديدة بجانب الأبحاث والمقالات العلمية التي كتبها في المجلات و بخاصة مجلته( الضياء)،

          انتشرت  شهرته واسعة في طول البلاد وعرضها، واتصلت شهرته ببلاد الغرب ايضا  فمنحه الملك أوسكار ملك أسوج ونروج وسام العلوم والفنون، وعُين عضواً في الجمعية الفلكية في باريس وأنفرس والسلفادور، وله مباحثات شهيرة مع الفلكي الفرنسي المشهور فلاماريون، وطُبع ماعرضه على الجمعية الفلكية في باريس في مجلة أعمالها وفي مجلة (الكوزمس) الشهيرة.

        قال الشيخ مصطفى لطفي المنفلوطي في إبراهيم اليازجي:

(هو أكبر عالم لغوي في العصر الحاضر واتفق له مالا يتيسر إلا للقليل  من اللغويين  من قوة  البيان  وبراعة  الإنشاء، فهو فخر سوريا والشام خاصة والعرب عامة، ولو أن الله أبقاه للغة العربية لنالت فوق ما نالت على يده خيراً كثيراً).

           قدرت الجالية اللبنانية والسورية في البرازيل مكانة و قدر الشيخ إبراهيم اليازجي، فأقرت أن تجمع  مبلغاً من المال تبذله في سبيل إقامة تمثال من البرونز له  في بيروت، فأتم ما ارتأت عام 1924، ورأت بلدية بيروت أن خير مكان لإقامة ذلك النصب هو الطريق التي  كان  يسلكها الشيخ في حياته، الطريق المؤدية من منطقة  البرج إلى الكلية البطريركية حيث كان يعلم .

         وفي سنة\ 1956 نقل تمثاله إلى قصر اليونسكو في بيروت بحفلة اشتركت فيها الحكومة اللبنانية وجمهرة من كبار الأدباء والشعراء تخليداً لذكراه وأدبه وعلمه.

ومن اثاره  في اللغة والاب والشعر مايلي :

ـ كتب مقالات رائعة وبحوث مفيدة في جريدة النجاح، ومجلات الطبيب،و البيان،و الضياء.

ـ  ومن  مؤلفاته
1- (العرف الطيب في شرح ديوان أبي الطيب )، كان قد بدأ والده به، فأتمه اليازجي.
2-ـ اختصر كتابي والده (نار القرى في شرح جوف الفرا) في النحو، (الجمانة في شرح الخزانة) في الصرف.
3ـ اختصر كتاب (الجوهر الفرد) وشرحه بكتاب سماه (مطالع السعد لمطالع الجوهر الفرد).
4ـ له تنقيح الكتاب المقدس للآباء اليسوعيين.
5ـ تنقيح (تاريخ بابل وآشور) لجميل نخلة المدور.
6ـ تنقيح (كتاب عقود الدرر في شرح شواهد المختصر) لشاهين عطية.
7ـ تنقيح (دليل الهائم في صناعة الناثر والناظم) جمعه شاكر البتلوني وبوبه بأسلوب مدرسي.
8ـ تنقيح (نفح الأزهار في منتخبات الأشعار) جمعه شاكر البتلوني بإرشاده.
9ـ ألف كتاب (نجعة الرائد وشرعة الوارد في المترادف والمتوارد) في ألفاظ اللغة العربية وتراكيبها.
10ـ ألف كتاب (الفرائد الحسان من قلائد اللسان) لا يزال مخطوطاً.
11ـ ديوان شعر أسماه (العقد) بعض رسائله المكتوبة بخطه الفارسي الجميل معظمها محفور على الزنك وبعضها بحروف مطبعية.
12ـ له كتاب (شرح المقامة البدوية) من كتاب مجمع البحرين.
13ـ كتاب (تنبيهات اليازجي على محيط البستاني).
14ـ كتاب (تنبيهات على لغة الجرائد).

   ر و في الختام اخترت من قصائده الرائعة  هذه القصيدة من روائع الشعر العربي  يقول فيها :


تَنَبَّهُـوا وَاسْتَفِيقُـوا  أيُّهَا  العَـرَبُ    
                                      فقد طَمَى الخَطْبُ حَتَّى غَاصَتِ الرُّكَبُ

فِيمَ  التَّعَلُّـلُ بِالآمَـال  تَخْدَعُـكُم      
                                         وَأَنْتُـمُ بَيْنَ  رَاحَاتِ  القََنَـا  سُلـبُ

اللهُ أَكْبَـرُ مَا هَـذَا  المَنَـامُ  فَقَـدْ     
                                            شَكَاكُمُ  المَهْدُ  وَاشْتَاقَتْـكُمُ  التُّـرَبُ

كَمْ تُظْلَمُونَ  وَلَسْتُمْ  تَشْتَكُونَ  وَكَمْ    
                                          تُسْتَغْضَبُونَ  فَلا  يَبْدُو  لَكُمْ  غَضَـبُ

أَلِفْتُمُ الْهَوْنَ حَتَّى صَارَ  عِنْدَكُمُ  طَبْعَاً  
                                                 وَبَعْـضُ  طِبَـاعِ  الْمَرْءِ  مُكْتَسَـبُ

وَفَارَقَتْكُمْ  لِطُولِ  الذُّلِّ   نَخْوَتُـكُمْ      
                                               فَلَيْسَ  يُؤْلِمُكُمْ  خَسْفٌ  وَلا  عَطَـبُ

لِلّهِ  صَبْـرُكُمُ  لَـوْ  أَنَّ  صَبْرَكُـمُ    
                                         فِي  مُلْتَقَى الْخَيْلِ حِينَ الْخَيْلُ تَضْطَرِبُ

كَمْ بَيْنَ صَبْرٍ غَدَا  لِلـذُّلِّ  مُجْتَلِبَـاً     
                                               وَبَيْنَ  صَبْـرٍ  غَدَا  لِلعِـزِّ   يَجْتَلِـبُ

فَشَمِّـرُوا وَانْهَضُوا لِلأَمْـرِ وَابْتَدِرُوا     
                                           مِنْ دَهْرِكُمْ فُرْصَةً ضَنَّتْ بِهَا  الحِقَـبُ

لا  تَبْتَغُوا  بِالْمُنَى فَـوْزَاً لأَنْفُسِـكُمْ     
                                          لا يُصْدَقُ الفَوْزُ مَا لَمْ  يُصْدَقُ  الطَّلَبُ

خَلُّوا التَّعَصُّبَ عَنْكُمْ  وَاسْتَوُوا  عُصَبَاً    
                                           عَلَى  الوِئَـامِ  وَدَفْعِ  الظُّلْمِ   تَعْتَصِبُ

لأَنْتُمُ  الفِئَـةَُ الكُثْـرَى وَكَمْ  فِئَـةٍ   
                                              قَلِيلَـةٍ  تَمَّ  إِذْ  ضَمَّتْ  لَهَا   الغَلَـبُ

هَذَا الذِي قَد رَمَى بِالضَّعْفِ قُوَّتَـكُمْ     
                                            وَغَادَرَ الشَّمْلَ مِنْكُمْ  وَهْوَ  مُنْشَعِـبُ

وَسَلَّـطَ الجَوْرَ فِي  أَقْطَارِكُمْ  فَغَدَتْ     
                                              وَأَرْضُهَا دُونَ أَقْطَـارِ  الْمَلا  خِـرَبُ

وَحُكِّـمَ العِلْـجُ فِيكُمْ مَعْ  مَهَانَتِـهِ     
                                                 يَقْتَـادُكُمْ   لِهَـوَاهُ حَيْـثُ  يَنْقَلِـبُ

مِنْ كُلِّ وَغْدٍ  زَنِيمٍ مَا لَـهُ  نَسَـبٌ      
                                              يُدْرَى، وَلَيْسَ لَـهُ  دِيـنٌ  وَلا  أَدَبُ

وَكُلِّ ذِي خَنَثٍ فِي الفَحْشِ  مُنْغَمِسٍ    
                                             يَزْدَادُ بِالْحَـكِّ فِي  وَجْعَائِـهِ  الجَرَبُ

سِلاحُهُمْ فِي  وُجُوهِ  الخَصْمِ  مَكْرُهُمُ   
                                              وَخَيْرُ  جُنْدهُمُ  التَّدْلِيـسُ  وَالْكَـذِبُ

لا يَسْتَقِيـم لَهُمْ عَهْـدٌ إِذَا عَقَـدُوا    
                                          وَلا  يَصِـحَّ  لَهُمْ   وَعْدٌ  إِذَا   ضَرَبُوا

إِذَا  طَلَبْـتَ  إِلَى وُدٍّ  لَهُـمْ سَبَبَـاً     
                                            فَمَا  إِلَى  وُدِّهِمْ  غَيْر  الْخُنَـى  سَبَبُ

وَالْحَقُّ وَالبُطْـلُ فِي مِيزَانِهِمْ شُـرَعٌ     
                                             فَلا  يَمِيل  سِوَى  مَا  مَيَّـلَ   الذَّهَبُ

أَعْنَاقُـكُمْ  لَهُـمْ   رِقٌّ   وَمَالُكُـمُ     
                                              بَيْنَ الدُّمَـى وَالطِّـلا  وَالنَّرْدِ  مُنْتَهَبُ

بَاتَتْ سِمَانُ نِعَـاجٍ  بَيْنَ  أَذْرُعِـكُمْ    
                                                 وَبَاتَ   غَيْرُكُـمُ   لِلدَرِّ    يَحْتَلِـبُ

فَصَاحِبُ الأَرْضِ مِنْكُمْ ضِمْنَ  ضَيْعَتِهِ    
                                                 مُسْتَخْـدَمٌ  وَرَبِيبُ  الدَّارِ   مُغْتَـرِبُ

وَمَا  دِمَاؤُكُمُ  أَغْلَى  إِذَا   سُفِكَـتْ    
                                           مِنْ مَاءِ وَجْهٍ لَهُمْ فِي الفَحْشِ  يَنْسَكِبُ

وَلَيْسَ أَعْرَاضُكُمْ  أَغْلَى  إِذَا  انْتُهِكَتْ  
                                          مِنْ عرْضِ  مَمْلُوكِهِمْ  بِالفِلْسِ  يُجْتَلَبُ

بِاللهِ  يَا  قَوْمَنَـا  هُبُّـوا  لِشَأْنِـكُمُ       
                                               فَكَمْ  تُنَادِيكُمُ  الأَشْعَـارُ  وَالْخُطَـبُ

أَلَسْتُمُ مَنْ سَطَوا في  الأَرْضِ وَافْتَتَحُوا   
                                            شَرْقَـاً وَغَرْبَـاً وَعَـزّوا  أَيْنَمَا  ذَهَبُوا

وَمَنْ أَذّلُّوا الْمُلُوكَ الصِّيدَ فَارْتَعَـدَتْ      
                                           وَزَلْـزَلَ الأَرْضَ مِمَّا  تَحْتَهَا  الرَّهَـبُ

وَمَنْ بَنوا لِصُـرُوحِ العِـزِّ  أَعْمِـدَةً     
                                           تَهْوِي الصَّوَاعِـقُ عَنْها وَهْيَ تَنْقَلِـبُ

فَمَا لَكُم  وَيْحَكُم  أَصْبَحْتُـمُ  هَمَلاً    
                                              وَوَجْـهُ  عِزِّكُمُ  بِالْهَـوْنِ   مُنْتَقِـبُ

لا  دَوْلَـةٌ  لَكُمُ  يَشْتَـدُّ  أَزْرَكُـمُ    
                                            بِهَا، وَلا  نَاصِرٌ  لِلْخَطِـبِ   يُنْتَـدَبُ

وَلَيْسَ  مِنْ  حُرْمَـةٍ  أَوْ  رَحْمَةٍ لَكُمُ       
                                              تَحْنُـو عَلَيْكُم إِذَا عَضَّتْـكُمْ النُّـوَبُ

أَقْدَاركُم في عُيُـونِ التُّـرْكِ  نَازِلَـةٌ     
                                            وَحَقُّـكُم بَيْنَ  أَيْدِي  التُّرْكِ  مُغتَصَبُ

فَلَيْسَ يُدْرَى لَكُمْ شَأْنٌ وَلا  شَـرَفٌ    
                                                وَلا  وُجُـودٌ وَلا  اسْـمٌ وَلا  لَقَـبُ
 
فَيَا لِقَوْمِي وَمَا  قَوْمِـي سِوَى  عَرَب     
                                               وَلَنْ يُضَيَّـعَ  فِيْهُم   ذَلِكَ   النَّسَـبُ

هبْ أَنَّـهُ لَيْسَ  فِيكُم  أَهْلُ  مَنْزِلَـةٍ     
                                             يُقَلَّـد  الأَمْـرَ  أَوْ  تُعْطَى  لَهُ  الرُّتَبُ

وَلَيْسَ فِيكُمْ  أَخُو حَـزْمٍ  وَمَخْبَـرَةٍ      
                                              لِلْعَقْـدِ وَالْحَـلِّ في الأَحْكَامِ  يُنْتَخَبُ

وَلَيْسَ فِيكُمْ أَخُو عِلْـمٍ يُحَكَّـمُ  في    
                                           فَصْلِ القَضَاءِ وَمِنْكُـمْ جَاءَتِ  الكُتُبُ

وَلَيْسَ فِيكُمْ فِيكُم دَمٌ يَهْتَاجُهُ  أَنَـفٌ     
                                              يَوْمَـاً فَيَدْفَـعَ  هَذَا  العَـارَ إذْ  يَثِبُ

فَاسْمِعُوني صَلِيـلَ البِيـضِ  بَارِقَـةً     
                                             في النَّقْـعِ إِنِّي إلِى  رَنَّاتِـهَا  طَـرِبُ

وَأَسْمِعُونِي صَـدَى البَارُودِ مُنْطَلِقَـاً    
                                              يُدَوِّي بِـهِ كُلُّ قَـاعٍ حِينَ يَصْطَخِبُ

لَمْ يَبْقَ عِنْدَكُـمُ شَيءٌ  يُضَـنُّ بِـهِ   
                                           غَيرَ النُّفُـوسِ عَلَيْهَا  الذُّلُّ  يَنْسَحِـبُ

 فَبَادِرُوا  الْمَوْتَ  وَاسْتَغْنُوا  بِرَاحَتِـهِ   
                                        عَنْ عَيْشِ مَنْ مَاتَ مَوْتَاً  مُلْـؤُهُ  تَعَبُ

 صَبْرَاً هَيَا أُمَّـةَ التُـرْكِ التِي ظَلَمَتْ      
                                               دَهْـرَاً فَعَمَّا قَليِـلٍ تُرْفَـعُ  الحُجُـبُ

لنَطْلُبـنّ بِحَـدِّ السَّيْـفِ  مَأْرَبَنَـا    
                                              فَلَـنْ  يَخِيـبَ لَنَـا فِي جَنْبِـهِ  أَرَبُ

وَنَتْرُكَـنَّ عُلُوجَ التُّـرْكِ تَنْـدُبُ مَا     
                                      ر ر        قَـدْ  قَدَّمَتـْهُ  أَيَادِيهَـا   وَتَنْتَحِـبُ

وَمَنْ  يَعِـشْ  يَرَ  وَالأَيَّـامُ  مُقْبِلَـة  
                                    ر       يَلُـوحُ لِلْمَـرْءِ  فِي أَحْدَاثِهَا  العَجَبُ

                                   * *  *





       ---------------------------------------------------


















                                      4

                 محمد سعيد الحبوبي

                                      
            هو أبو علي  السيّد  محمد  سعيد  بن السيّد محمود الحسني الشهير  ب (الحبوبي ) .

       ولد  في مدينة  النجف  الاشرف  في الرابع من جمادي الاخرة من  سنة\ 1266هجرية الموافق للخامس عشر من ايار\ 1849 ميلادية .

      يعد من أشهر مشاهير عصره  تعلم في الكتاتيب والمساجد القراءة  والكتابة في النجف الاشرف  وكانت ولا تزال  مركزا ثقافيا متميزا وتتلمذ على ايدي علماء كانت  لهم  المكانة  العليا  في الادب والثقافة  والعلم    ولما بلغ سن التعليم بدأ يتعلم القراءة  والكتابة  والخط  ثم حفظ  القرآن الكريم بعدها  استمر بدراسة مبادئ الادب وعلوم اللغة  العربية ثم هاجر مع ابيه وعمه الى الحجاز وقضى شطرا من حياته في الحجاز وبلاد نجد.  ولما عاد الى النجف عكف على دراسة  اللغة العربية وآدابها  وقرض الشعر . وأخذ الأخلاق والرياضيات على الأخلاقي الكبير (ميرزا حسين قلي ) وأكثر من صحبته والحضور عنده مدة حياته، فاكتسب منه طريقته الأخلاقية التي جعلته وحيداً  بفضيلتها  بين  كبار اصحابه  من النجفيين، ودرس  الفقه  والأصول ردحاً من الزمن عند الأستاذ الكبير الشيخ محمد حسين الكاظمي ـ المتوفى\ 1308هـ ـ حيث كان هو المدرس  العربي  الوحيد  في زمانه، وبعد  وفاة  استاذه  درس عند الشيخ ( محمد  طه  نجف) المتوفي عام\ 1323 هجرية  فكان من اشهرمن حضروا عنده ، وقد  منحه وأيده  الشيخ  بكلمات  كثيرة  اعلت منزلته  بين الفضلاء  وجعلته في الطبقة  الأولى منهم.

       انقطع  الحبوبي للتدريس والتأليف  حتى أصبح  معدودا  من  كبار العلماء المجتهدين ، يُرجَع إليه في المسائل  الصعبة  او الامور المشكلة .

            اتجه صوب  المجتمع  فكان  ولوعاً  بتكوين  الحلقات الأدبية التي تصقل المواهب وتثيرها. والتحق ببعض رجال أسرته الذين عرفوا باشتغالهم بالتجارة بين نجد والنجف. كان  يصدح  بألوان  من الشعر لم يعهد النجف لها مثيلاً، فيغشي المحافل  والأندية  فيتحفها بقطع  من قلبه الرقيق وروحه الكبيرة. واستطاع أن  يتملك  امور قول الشعر، ويترأس الحلقات  الدراسية التي ضمت النوابغ والفحول من أرباب الأدب، فانضوى تحت رايته أكابر الشعراء، وانتسب إلى حضيرته معظم الأدباء في النجف .

      ا لحبوبي شخصية ذات تأريخ واسع وحياة  مليئة بالصور الحية  والخواطر والبطولات، فقد كان إنساناً لم يفهم غير الحق هدفاً أسمى، ولا غير الاسلام  ناموساً أعلى، ولا غير الفضيلة نهجاً صحيحاً، فشب على ذلك واستمر في ذلك في  صباه  وشبابه  وشيخوخته  حتى ارتحل إلى الفردوس الأعلى.

       ان تاريخ الحرب العالمية الأولى خصص صفحة مشرقة لجهاد السيّد محمد  سعيد  الحبوبي  وأفرد فصلاً لبطولته وعزمه الملتهب في حفظ كيان الإسلام  والذ       ود عن  بلاده .

             أعلن الجهاد ضد الاستعمار الإنكليزي في السادس عشر من المحرم من عام \ 1333 هجرية ـ  فاعلن من النجف جهاده  ضد الانكليز وما أن انتشر خبر خروجه حتّى لحقت به الجموع المحتشدة من الذين نذروا أنفسهم لصون  كرامتهم ودينهم  فقصد مدينة ( الناصرية )مع  جماعته  ثم  التحق  به معظم عشائر الجنوب في العراق وسار بهم إلى ( الشعيبة ) المنطقة التي د نستها أول قدم إنكليزية   وخيم في منطقة ( النخيلة ) الا انه رجع الى (الناصرية ) اذ راى في بعض من حوله روح الطمع والانخذال مع فريق من المخلصين وقد غمرته موجة شديدة من الألم على تصاعد نفوذ الا ستعمار الانكليزي في بلاده  .و كان خلال  سيره  بالجموع ينفق عليهم من ماله الخاص.

       وقد قدمت له الحكومة العثمانية خمسة آلاف ليرة ذهباً  كمساعدة له على مواصلة جهاده فأبى ان ياخذها قائلاً:
 (ما زلت أمتلك المال فلا حاجة لي بها، وإذا ما نفذ فشأني شأن الناس آكل مما يأكلون وأشرب مما يشربون).

     اصيب  بمرض خلال قيادته  المجاهدين  - بعد ان  خرج   بهم من النجف والتف حوله الاخرون من ابناء المناطق التي مرعليها في الجنوب - اقعده عن العمل وعن الحركة فعاد الى مدينة الناصرية وفيها وافاه الاجل .

            مات الحبوبي عشية يوم  الأربعاء الثاني من شعبان من عام \ 1333هـ الموافق \ 1915م في الناصرية ، ودُفن في النجف في مقبرة خاصة به في الايوان الكبير بالقرب من ضريح الامام علي بن ابي طالب رضي الله عنهما  .

         رثاه كثير من الشعراء، وأرخ وفاته فريق من أعلام المؤرخين و كتب بعضهم على قبره هذا التأريخ:

فـقيـدُ المسلميـن غـداة أودى
                                        حسيـب الدين بينهـم فقيدا

فـإن شهدتـه أعينهـم سعيـداً
                                     فقـد حملتـه أرؤسهـم سعيدا

تـقـدّمَ للجهـاد أمـيـرَ ديـن
                                       فسـاق المسلمين له جنودا

ومـذ لاقـى المـنيـة أرخـوه
                               (سعيدٌ في الجهاد مضى سعيدا)

رثاه الشيخ جواد الشبيبي بقصيدة مطلها\

عمّ الثغورَ الموحشاتِ ظلامُ
                                                ودجت لأنك ثغرها البسّامُ

ورثاه الشيخ جواد البلاغي بقصيدة مطلعها:

شاقك الركب فأسرع سباقـا
                                                  وتركت الصب يلتاع اشتياقا

ورثاه الشاعر الشيخ علي الشرقي بقصيدة مطلعها:

حماة الحمى قد شيعوك إلى الثغرِ
                                                    فبالرغم أن يستقبلوك إلى القبـرِ

    محمد سعيد الحبوبي شاعر مجيد  يتميز شعره بالحداثة  جمع بين القصيدة والموشح  ونظم في اغلب الفنون الشعرية فقال في المدح  والفخر الرثاء  والغزل  والخمرة وغيرها مما عرفه الشعر العربي  وكان للشاعر الحبوبي فضلا على أنه نظمه في بيئة ترى أن الشعر يزري بالعلماء فكان عالما شاعرا  مجاهدا

            و اشتهر بموشحاته التي كانت تعد امتدادا للموشحات الاندلسية في جودتها  وجمالها  وأحيا  ما  اندثر منها  تلك  الموشحات التي تتسم بتنوع القافية وتنوع الموسيقى الشعرية. ومن  موشحاته  يقول:

هزها الدل فماست مرحا

كقناة في يدي مرتعش
 ________

وبدت شمساً لها الجعد بروج

وبخديها    لمرتاد      مروج

جادها ماء الصِّبا فهو يموج

وعليها لما طفحا

قلت : فكّ رقي يا ذا الحبش
______________

مزقت ثوب الدجى في ثغرها

ثم  حاكته   له من  شعرها

وانجلت سافرة عن نحرها

ما رآها البدر ألا واستحى

واعترته دهشة المندهش
 _________________

ومن جميل قصائده \

يا يوسف الحسن فيك الصب قد ليما
                                         فأن رأوك هووا للأرض تعظيما

لُحْ كوكباً وإمشِ غُصناً والتفِتْ ريما
                                        فأن عداكَ آسمها لم تعدك السيما

وجه  اغرّ وجيدٌ  زانه  جِيدُ
                                              وقامة ٌ تخجل الخطيّ تقويما

يامن تجلّ عن التمثيل صورته
                                         أأنتَ مثَّلتَ روح الحسن تجسيما

نطقت بالشعر سحراً فيك حين بدا
                                      هاروت طرفُكَ يُنشي السحر تعليما

فلو رأتك النصارى في كنائسها
                                          مصوراً   رّبعت  فيكَ  الأقانيما

إذا سفرتَ تولىَّ المتقيّ صنَماً
                                      وإن نظرتَ توقى ٌ الضيغمُ الريما

مَن لي بألمي نعيمي بالعذاب به
                                        والحبّ ان تجد  التعذيب تنعيما

لو لم تكن جنة الفردوس وجنته
                                     لم يسقني الريق سلسالا وتنسيما

ألقى الوشاحَ على خِصر ٍ توهمٌه
                                         فكيف وشٌحَ بالمرئيُ موهوما

ورجَّ احقاف رمل ٍ في غلائلِهِ
                                      يكاد ينقدّ عنها الكشح مهضوما

ان ألٌم َالحِجل ساقيه فلا عجبٌ
                                       فقد شكى من دقيق الدرز تأليما

الردف والساق رداً مشَيِهِ بهرا
                                     والدرع منقدّة والحجل مفصوما

في وجهه رُسمت آيات مصحفه
                                         تُتلى ولم يخش قاريهن تأثيما

ذي نون حاجبه لو حاؤه آتصلت
                                         في ميم مبسمه لم تعدُ حاميما

ولحن معبد يجري في تكلٌمِهِ
                                         إنْ أدمجَ اللفظ ترقيقاً وتَرخيما

يانازلي الرمل من نجد احبكم
                                         وان هجرتم ففيما هجركم فيما

ألستُمُ  انتُمُ  رَيحانَ  أنفسُنا
                                      دون َ الرياحينَ مَجنيٌاً ومَشموما

إن ينأ شخصكم فليدنو طيفكمُ
                                           لو أن للعين  إغفاءً  وتَهويما

هل توردون ظمآءً عذب منهلِكُم
                                        أمْ تصدرون الاماني حِوٌماً هِيما

لي بينكم لا أطال الله بينكمُ
                                 غضيض طرفٍ يردّ الطرف مسجوما

انا رضيع هواه منذ نشأتِهِ
                                        ونشأتي لم تردني عنه مفطوما

ما حلتُ عنه ولا عن عهد صبوته
                                       وان أطال الجفا عزماً وتَصميما

حرمَّت وصلي كما حللتَ سفكَ دَمي
                                        صدقتُ شرعك تحليلا وتَحريما

ياجائراً  وعلى  عَمْدٍ  أحَكُمٌهُ
                                       أعدِلْ وجرْ بالذي ولاّك   تحكيما

لك الصبا والجوى لي والعُلى لعَلي
                                    وقل (لهادي) الهدى طرداً وتقسيما



                *******************



                                              5

اسماعيل صبري
شيخ الشعراء


      ولد إسماعيل صبري باشا في مصر بمدينة القاهرة في يوم الأحد
16 شباط \1854م, وتلقى الدروس الثانوية في مدارس القاهرة
        و نال شهادة الليسانس في الحقوق من كلية مدينة إكس في فرنسا سنة 1878م, حيث وصلها مع إحدى البعثات الفرنسية, ولما عاد إلى مصر عين قاضيا و تنقل في مناصب القضاء والإدارة حيث شغل وظائف القضائيين لاهليته في حل الخلافات والنزاع بين الناس ,او الخلافات التي كانت بين السكان والأجانب.

      عين رئيساً لمحكمة الإسكندرية الأهلية, ثم محافظاً    لمدينة الإسكندرية في عام\ 1896 ثم وكيلاً لوزارة العدل وعندما بلغ الستين أحيل على التقاعد  و فتح بيته ليكون منتدى الشعراء والأدباء.

              بدأ صبري نظم الشعر وهو في سن السادسة عشرة بأبیات مدح فیها الخدیوي إسماعیل، وکانت أشعاره تنشر في مجلة (روضة المدارس )
        کان في بدایة أمره مولعاً بأشعار الشعراء القدامی، وکان یعشق شعر البحتري ویحفظ  دیوان ابن الفارض و کانت أشعاره عبارة عن تقلید أفلح فیه حیناً وأخفق حیناً آخر .

       اطلع اسماعيل صبري علی الادب الفرنسي فحدا به إلی أن یعید النظر في أسلوبه الشعري، فأعرض شیئاً فشیئاً عن التقلید والمحاکاة، وأقبل علی أسلوب جدید هو التعبیر عن العواطف والأحاسیس الداخلیة ، والأفکار القومیة والوطنیة، وتعد موسیقاه الشعریة سلسة ومطربة و اعتبر من رواد الشعر الغنائي في العصر الحدیث، حیث تغنی المطربون بالکثیر من أشعاره وکان أسلوبه الغالب علیه الإقلال من النظم والتفنن   وكان شغوفا بمراجعة شعره وتنقیحه.

         امتاز شعر إسماعيل صبري بسمو الخيال وحب الفن والجمال وخفة الروح ورقة التشبيب, وله مقطوعات قصيرة وقصائد طويلة, وكان شعره رقيقاً ناعماً يحفل بالموسيقى الشجية والذوق الرفيع   .

        وكان أستاذ الشعراء   وشيخهم  في الصناعة  الشعرية يمتاز بمراعاة الدقة في الربط  بين المعنى والتركيب وبين النفس ويتميز شعره بعاطفته القومية الصادقة, وهذه العاطفة متجلية في غزله الرقيق ونلمس في شعره كذلك مسحة الترف الحضري واللين والجلاء وتعبير جميل بألفاظ سهلة ومؤثرة , وتولد او تحتضن معان كثيرة وجليلة..ومن خیر ما ترك ملحمتين شعريتين طویلتين ،بلغت الأولی قرابة ألف بيت وهي (النونية الكبرى) ،کما بلغت الأخری ستمائة بیت هي( الهمزیة الکبری ) في الکونیات واستعرا ض لتاریخ الرسالات السماویة ،

     كان اجتماعي النفس خفيف الروح ويقدس حرية الرأي, وقال الشعر في المديح  والتهاني  والتقاريض والهجاء وقال في الوصف  والغزل والاجتماعات والسياسات والآلهيات والمراثي والأناشيد. فقد كان وطنياً ومثالياً. لم يتقرب الى أي انكليزي قط ماداموا في مصر. وكانت له في السياسة مواقف مشرفة  مثل   وقعة حادثة ( دنشواي)  المؤلمة   فنظم  فيها قصيدة رائعة\ يقول :

يا مِصرُ سيري عَلى آثارِهم وَقِفي
                                    تِلك المَواقِفَ في أَسنـى مجالِيهـا

لا يُؤيسَنَّكِ ما قالـوا ومـا كتَبـوا
                                         بيـن البَرِيَّـةِ تَضليـلاً وَتَمويهـا

إن يَمنَعوا الناسَ من قَولٍ فما مَنعوا
                                   أن يَنطِقَ الحقُّ بِالشَكوى وَيُبديهـا

الحقُّ أكبَـرُ مـن أَن تَستَبـدَّ بـهِ
                                      يدٌ وَإن طالَ فـي بُطـلٍ تماديهـا

ما ضيَّعَ اللَهُ ظلمـاً أمَّـةً نَهَجَـت
                                 إلى المفاخرِ نَهجاً وهـوَ هاديهـا

فَقَلِّدوا الأُمَّةَ الكُبرى وَقـد رَكِبَـت
                                    مَتنَ الفخارِ وكانَ الجِـدُّ حاديهـا

          اعتزل العمل الحكومى عقب أحداث ( دنشواي) إحتجاجاً على
 ما أنتهت إليه المحاكمة, وعُرف عنه وطنيته الصادقة وصداقته للزعيم الوطني مصطفى كامل وقيل انه عندما قام ليلقى قصيدته بتابين مصطفى كامل غلب عليه البكاء وعجز عن إلقاء القصيدة فأخذها منه حافظ إبراهيم فألقاها فنسبت إليه حتى اليوم.

                 اما نثره فكان أشد تأثيراً في النفس وأثبت أثراً. وقد نظم الكثير من الشعر الغنائي والأدوار والمواويل. و في قصيدته التي بعنوان( راحة في القبر) يصور ما عاناه في أواخر حياته من الآلام, ولكنه كان صابراً على أوجاعه, ولم يتشك ألم المرض الذي كان في صدره.

       انتقل إلى رحمة الله تعالى ووافاه الاجل في 21 آذار 1923م, ودفن في مقبرة الإمام الشافعي بالقاهرة

ومن قصيدته النونیة الکبری نذكر هذه الابيات حول أسماء
الله الحسنی\

جلَّ شأنُ الإلهِ ربِّ البرایا
                                   خالقِ الخلقِ دائمِ الإحسانِ

واحدٌ قاهرٌ سمیعٌ بصیرٌ
                                 عالمُ الغیبِ صاحبُ السلطانِ

حَکَمٌ عادلٌ لطیفٌ خبیرٌ
                                    نافذُ الأمرِ واسعُ الغفرانِ

قابضٌ باسطٌ قويٌّ عزیزٌ
                                   مرسِلُ الغیثِ مُقسِطُ المیزانِ

واجدٌ ماجدٌ حلیمٌ کریمٌ
                                  ترقبُ الخلقَ عینُه کلَّ آنِ

یعلمُ السرَّ في الصدورِ وأخفی
                                     وإلیهِ سیُحشَرُ الثَّقَلانِ

ظاهرٌ باطنٌ قریبٌ مُجیبٌ
                                   نِعمَ مَن فازَ منه بالرضوانِ

واعدُ المتّقینَ جنّاتِ عدنٍ
                                      ولِمن خافَ ربَّه جنّتانِ

مُنعِمٌ وارثٌ عليٌّ عظیمٌ
                                 باعثُ الخلقِ بین إنسٍ وجانِ

کلُّ مَن في الوجودِ للهِ عبدٌ
                                       وإلی اللهِ مرجعُ الإنسانِ

إنّ یوماً تُطْوی السماواتُ فیهِ
                                       کلُّ حيٍّ إلا المهیمنُ فانِ

یومَ تهوي الأفلاکُ من کلِّ برجٍ
                                        آفلاتٍ ویُجمَعُ النِّیرانُ



**********************





                                 6

                   جميل صدقي الزهاوي



    هو جميل صدقي بن محمد فيضي بن احمد بن حسن بن رستم بن خسرو بن الامير سليمان الزهاوي.

        الزهاوي شاعر وفيلسوف عراقي كبير يرجع نسبه إلى أسرة ال  بابان وهي من الأسر المشهورة في شمال العراق، التي يرجع نسبها الى قبيلة بني مخزوم العربية ، وقد عرف بالزهاوي حيث ان اصله من منطقة زهاو القريبة من خانقين الحالية في شما ل العراق واليها نسب . كردي الاصل عربي النشاة عربي الثقافة .

          ولد جميل صدقي الزهاوي ببغداد في 18 حزيران من عام \ 1863 ميلادية .

        ولد في بيت عز وشرف وجاه كان ابوه مفتي بغداد و مفتي العراق وتهيأت له كل ظروف الدراسة فدرس العلوم الطبيعية والفلسفية بجانب  الدينية والدراسات الادبية والشعرية  فانعكست  ثقافته في شعره  فكان فيلسوفا وعالما  وشاعرا  كبيرا وكان يجيد العربية والكردية والفارسية والانكليزية.

           تقلد مناصب حكومية عديدة في حياته فقد كان عضوا في مجلس ( المبعوثان) العثماني ونائبا عن بغداد ثم عين عضوا في مجلس الاعيان وعضوا في مجلس المعارف ببغداد وعضوا في محكمة الاستئناف العراقية كما درّس الفلسفة الاسلامية بالمدرسة الملكية ودرّس اللغة العربية في معهد الفنون وعين استاذا في مدرسة الحقوق . وعين مدرسا في مدرسة السليمانية ببغداد عام \1885م، ثم عين عضوا في مجلس المعارف عام\ 1887م، ثم مديرا لمطبعة الولاية ومحررا لجريدة الزوراء عام \1890م، وبعدها عين عضوا في محكمة استئناف بغداد عام \1892م، وسافر إلى إستانبول عام \1896م، فأعجب برجالها ومفكريها وتأثر بالأفكار الغربية، وبعد اعلان الدستور العثماني عام \ 1908م، عين استاذا  للفلسفة  الإسلامية  في دار  الفنون  بإستانبول  ثم عاد  الى بغداد  وانظم إلى حزب الأتحاديين، وأنتخب  عضوا في  (مجلس المبعوثان) مرتين، وعند  تأسيس  الحكومة  العراقية   عين   عضوا   في  مجلس الأعيان. 

        ونظم  الشعر  بالعربية  والفارسية   منذ   نعومة   أضفاره فأجاد واشتهر به. كان له مجلس يحفل بأهل العلم والأدب، وأحد مجالسه في مقهى الشط وله مجلس آخر يقيمه عصر كل يوم في مقهي السيد رشيد حميد في الباب الشرقي من بغداد، واتخذ في آخر أيامه مجلسا في مقهى أمين في شارع الرشيد من بغداد وعرفت هذه المقهى فيما بعد بمقهى الزهاوي ولا تزال لحد الان قائمة و تحمل اسمه وقيل انه كان مولعا بلعبة الدامة وهي احدى اللعب الشعبية المشهورة في بغداد في بداية القرن الماضي وله فيها تفنن غريب، وكان من المترددين على مجالسه الشاعر معروف الرصافي، والأستاذ إبراهيم صالح شكر، والشاعر عبد الرحمن البناء، وكانت مجالسهم لا تخلو من أدب ومساجلة ونكات ومداعبات شعرية، وكانت له كلمة الفصل عند كل مناقشة ومناظرة، ولقد قال فيه الشيخ إبراهيم الراوي وفي قرينه الرصافي شعرا \:

مقال صحيح إن في الشعر حكمة
                                        وما كل شعر في الحقيقة محكم

وأشعر أهل الأرض عندي بلا مرا
                                    جميل الزهاوي والرصافي المقدم

         كان الزهاوي معروفا على مستوى العراق والعالم العربي وكان جريئاً وطموحاً وصلبا في مواقفه، كثيرا ما اختلف مع الحكّام عندما رآهم يلقون بالأحرار في غياهب السجون ومن ثم تنفيذ أحكام الإعدام بهم فنظم قصيدة في تحيّة الشهداء مطلعها:


على كل عود صاحب وخليل
                                          وفي كل بيت رنة وعويل

وفي كل عين عبرة مهراقة
                                        وفي كل قلب حسرة وعليل

كأن الجدوع القائمات منابر
                                        علت خطباء عودهن نقول

دافع الزهاوي عن حقوق المرأة وطالبها بترك الحجاب وأسرف
في ذلك، حيث يقول :

اسفري فالحجاب يا ابنة فهر
                                      هو داء في الاجتماع وخيم

كل شيء إلى التجدد ماض
                                        فلماذا   يقر هذا القديم ؟

اسفري فالسفورللناس صبح
                                          زاهر والحجاب ليل بهيم

اسفري فالسفور فيه صلاح
                                          للفريقين  ثم نفع عميم

زعموا ان في السفور انثلاما
                                        كذبوا فالسفور طهر سليم

لايقي عفة الفتاة حجاب
                                        بل يقيها تثقيفها والعلوم

وقال ايضا في قصيدةاخرى\


مزقي يا ابنة العراق الحجابا
                                     أسفري فالحياة تبغي انقلابا

مزقيه واحرقيه بلا ريث
                                     فقد    كان   حارسا     كذابا

      شعر الزهاوي سهل الالفاظ واضح المعاني ثر الانتاج يتسم بالتأثر بالعلوم التي درسها واشتهر بالشعر الوطني والاجتماعي والفلسفة والوصف وانشدفي اغلب الفنون الشعرية .

         ومن شعره هذه الابيات من قصيدة له في الشكوى وقد تمثل في شكوى والد لولده في شيخوخته يقول \

ابوك بان يردى بني مهدد
كاءن الردى سيف عليه مجرد

يشكو تباريحا تكاد تهده
وشيخوخة ليست عن الموت تبعد

تعال فقبلني بني مودعا
ان فراقي عنك يابني مؤبد

ولي في حياتي يابني بقية
ولكنها عما قليل ستنفد

بني اقم حينا لحيني فاءنني
على غير ما قد كنت من قبل تعهد

ابوك من الامال جر نفسه
وانت فتى فيه المنى يتجدد

ولم يكن حظانا من الدهر واحدا
فلي الامن من ايامه ولك الغد


انا اليوم اشقى بالمشيب ووهنه
وانت بشرخ من شبابك تسعد

لعمرك لا عهد المشيب الذي به
برمت ولا عهد الشبيبة سرمد

وما نحن الا كالسيوف بحومة
نجرد حينا للوغى ثم نغمد




**************************


















                                   7

               احمد شوقي بيك
                         ( امير  الشعراء)



             هو احمد بن علي بن  شوقي، المعروف بأمير الشعراء.
           ولد في القاهرة سنة \1868 وترعرع في ظلّ البيت المالك، لأن جدتّه لأمّه كانت من وصيفات القصر في عهد الخديوي اسماعيل.

            تلقّى علومه الأولى في مكتب الشيخ صالح، تُمَّ انتقل إلى مدرسة (المبتديان) وبعدها إلى المدرسة التجهيزية . تخرّج بعد ذلك من مدرسة الحقوق، ونال شهادته من فرع الترجمة .

        أعطاه الخديوي منحة دراسيّة ليتابع دروس الحقوق في فرنسا. فتوجّه الى( مونبوليه) في فرنسا حيث التحق بجامعتها لمدّة سنتين، ثم اكمل دراسة الحقوق في باريس  بسنتين أخريين. ظلّ يرسل من باريس قصائد المديح في المناسبات لجناب  الباب العالي .

         عاد الى مصر سنة 1892 ودخل في معيّة الخديوي عبّاس حلمي، وانقطع اليه والى نظم الشعر ونال حظوة كبيرة .

          في سنة 1914، اي اثناء قيام الحرب العالمية الاولى وبعد أن خلعت انكلترا الخديوي (عبّاس حلمي ) بسبب ميله الى الأتراك المتحالفين مع ألمانيا  ضد دول الحلفاء  بقيادة  انكلترا ، طلبت الى شوقي ، شاعر البلاط  الخديوي  ، ان يترك مصر وأن يختار منفاه بنفسه، فاختار اسبانيا وسافر اليها سنة 1915.

             بعد انتهاء الحرب عاد شوقي الى وطنه في أواخر سنة 1919 فوجد وجه مصر قد تغيّر في ظل الاحتلال  الانكليزي  ، فسارع الى التكيّف مع الوضع الجديد، فتوجّه في شعره نحو الشعب وقضاياه، فبايعه الشعراء العرب امارة الشعر سنة 1927 في أثناء حفلة تكريميّة برعاية الحكومة المصريّة. .  وهكذا صار للشعر اميرا .

توفّي شوقي سنة 1932.

        منح الله شوقي موهبة شعرية فذة، وبديهة سيالة، فلا يجد عناء في نظم القصيدة، فدائمًا كانت المعاني تنثال عليه انثيالاً وكأنها المطر الهطول، يغمغم بالشعر ماشيًا أو جالسًا بين أصحابه، حاضرًا بينهم بشخصه غائبًا عنهم بفكره؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية؛ إذ بلغ نتاجه الشعري ما يتجاوز ثلاثة وعشرين ألف بيت وخمسمائة بيت، ولعل هذا الرقم لم يبلغه شاعر عربي قديم أو حديث.

         وكان شوقي مثقفًا ثقافة متنوعة الجوانب، فقد انكب على قراءة الشعر العربي في عصور ازدهاره، وصحب كبار شعرائه، وأدام النظر في مطالعة كتب اللغة والأدب والشعر، وكان ذا حافظة لاقطة لا تجد عناء في استظهار ما تقرأ؛ حتى قيل بأنه كان يحفظ أبوابًا كاملة من بعض المعاجم  وكان مغرمًا بالتاريخ يشهد على ذلك قصائده التي لا تخلو من إشارات تاريخية لا يعرفها إلا المتعمقون في دراسة التاريخ، وتدل رائعته الكبرى "كبار الحوادث في وادي النيل" التي نظمها وهو في شرخ الشباب على تبصره بالتاريخ قديمه وحديثه.

      وفي الفترة التي قضاها شوقي في المنفى  في إسبانيا تعلم لغتها، وأنفق وقته في قراءة كتب التاريخ، خاصة تاريخ الأندلس والفتح العربي لها، وعكف على قراءة عيون الأدب العربي قراءة متأنية، وزار آثار المسلمين وحضارتهم في إشبيلية وقرطبة وغرناطة.

وأثمرت هذه القراءات أن نظم شوقي أرجوزته ( دول العرب وعظماء الإسلام ) وهي تضم 1400 بيت موزعة على (24) قصيدة، تحكي تاريخ المسلمين منذ عهد النبوة والخلافة الراشدة، على أنها رغم ضخامتها أقرب إلى الشعر التعليمي، وقد نُشرت بعد وفاته.

       وفي المنفى اشتد به الحنين إلى الوطن وطال به الاشتياق حتى ملك عليه جوارحه وأنفاسه. ولم يجد من سلوى سوى شعره يبثه لواعج نفسه وخطرات قلبه، وظفر الشعر العربي بقصائد تعد من روائع الشعرالعربي صدقًا في العاطفة وجمالاً في التصوير، لعل أشهرها قصيدته التي بعنوان (الرحلة إلى الأندلس) وهي معارضة لقصيدة البحتري التي يصف فيها إيوان كسرى،  يقول :

 صنت نفسي عما يدنس نفسي
                                                   وترفعت عن جدا ر كل جبس

            وقد بلغت قصيدة شوقي (110) أبيات تحدّث فيها عن مصر ومعالمها، وبثَّ حنينه وشوقه إلى رؤيتها، كما تناول الأندلس وآثارها الخالدة وزوال حكم  المسلمين منها،

 ومن أبيات  هذه  القصيدة التي تعبر عن ذروة حنينه
 إلى مصر قوله:

 حرام  على  بلابله   الدوح
                                     حلا ل للطير من كل جنس

وطني لوشغلت بالخلد عنه
                                 نازعتني اليه في الخلد نفسي

شهد الله لم يغب عن جفوني
                                شخصه ساعة ولم يخل حسي

        عاد شوقي إلى الوطن في سنة (1339هـ = 1920م)، واستقبله الشعب استقبالاً رائعًا واحتشد الآلاف لتحيته، وكان على رأس مستقبليه الشاعر الكبير (حافظ إبراهيم)، وجاءت عودته بعد أن قويت الحركة الوطنية واشتد عودها بعد ثورة 1919م، وتخضبت أرض الوطن بدماء الشهداء، فمال شوقي إلى جانب الشعب، وتغنَّى في شعره بعواطف قومه وعبّرعن آمالهم في  التحرر والاستقلال ودعى الى النظام النيابي والتعليم، ولم يترك مناسبة وطنية إلا سجّل فيها مشاعره للوطن وما يجيش في صدور أبنائه من آمال.

        لقد انقطعت علاقته بالقصر الحاكم  واسترد الطائر المغرد حريته، وخرج من القفص الذهبي، وأصبح شاعر الشعب المصري وترجمانه الأمين، فحين يرى زعماء الأحزاب وصحفها يتناحرون فيما بينهم، والمحتل الإنجليزي لا يزال جاثم على صدر الوطن،
يهتف  فيهم قائلاً:

الام  الخلف  بينكم  الاما
                                      وهذي الضجة  الكبرى  علاما

وفيم  يكيد  بعضكم  لبعض
                                       وتبدون   العداوة  والخصاما

 واين الفوز  لامصر استقرت
                                      على   حال ولا  السودان  داما
     
         ورأى في التاريخ الفرعوني وأمجاده ما يثير أبناء الشعب ويدفعهم إلى الأمام والتحرر، فنظم قصائد عن النيل والأهرام وأبي الهول. ولما اكتشفت مقبرة توت عنخ أمون وقف العالم مندهشًا أمام آثارها المبهرة، ورأى شوقي في ذلك فرصة للتغني بأمجاد مصر؛ حتى يُحرِّك في النفوس الأمل ويدفعها إلى الرقي والطموح، فنظم قصيدة رائعة مطلعها:
  
قفي يااخت يوشع خبرينا
                                                احاديث القرون الغابرينا

وقصي من مصارعهم علينا
                                              ومن   دولاتهم  ما تعلمينا

       وامتد شعر شوقي بأجنحته ليعبر عن آمال العرب وقضاياهم ومعاركهم ضد المستعمر، فنظم في  (نكبة دمشق ) وفي (نكبة بيروت) وفي ذكرى استقلال سوريا وذكرى شهدائها، ومن أبدع شعره قصيدته في  (نكبة دمشق ) التي سجّل فيها أحداث الثورة التي اشتعلت في دمشق ضد الاحتلال الفرنسي،
  ومنها هذه الابيات \

بني سورية  اطرحوا الاماني
                                                وألقوا عنكم  الاحلام ألقوا
وللاوطان في دم  كل حر
                                            يد  سلفت   ودين    مستحق
وللحرية   الحمراء   باب
                                              بكل   يد    مضرجة    يدق        

        ولم تشغله قضايا وطنه عن متابعة أخبار دولة الخلافة العثمانية،  او قل دولة الخلافة  الاسلامية في هذا العالم الواسع  فقد كان لها محبًا عن شعور صادق وإيمان جازم بأهميتها في حفظ رابطة العالم الإسلامي، وتقوية الأواصر بين شعوبه، حتى إذا أعلن( مصطفى كمال أتاتورك)إلغاء الخلافة الاسلامية في تركيا واعلنها (جمهورية تركيا ) سنة 1924 وقع الخبر عليه كالصاعقة رثى الخلافة الاسلامية الزائلة رثاءً صادقًا في قصيدة مبكية حزينة  تفتت الكبد الحر الحريص على الاسلام والدين  الاسلامي  مطلعها:

 عادت اغاني العرس رجع نواح
                                                     ونعيت   بين معالم الافراح

كفنت في ليل الزفاف بثوبه
                                                  ودفنت عند  تبلج    الاصباح

ضجت عليك ماذن ومنابر
                                                   وبكت عليك  ممالك   ونواح

          أصبح شوقي بعد عودته من المنفى  شاعر الأمة المُعبر
 عن  قضاياها، لا تفوته مناسبة وطنية إلا شارك فيها بشعره، وقابلته الأمة بكل تقدير وأنزلته المنزلة العالية، وبايعه شعراؤها بإمارة الشعر سنة (1346هـ = 1927م) في حفل أقيم بدار الأوبرا المصرية في القاهرة  بمناسبة اختياره عضوًا في مجلس الشيوخ، وقيامه بإعادة طبع ديوانه  (الشوقيات ). وقد حضر الحفل وفود من أدباء العالم العربي وشعرائه،
           وأعلن  في هذا الحفل الشاعر  حافظ إبراهيم باسمه ونيابة عن كل الشعراء والادباء العرب الحاضرين  مبايعتهم  لاحمد شوقي  بإمارة الشعر قائلاً:

 بلابل وادي النيل بالشرق  اسجعي
                                  بشعر امير الدولتين  ورجعي                         

اعيدي الاسماع ماغردت به
                                براعة شوقي في ابتداء ومقطع

امير القوافي قد ا تيت  مبايعا
                              وهذي  وفود الشرق قد بايعت معي

 وبهذا اصبح شوقي  اميرا للشعراء   ولم يكن لهم ا مير  قبل ذلك .
        
           احمد شوقي كان ذا حس لغوي مرهف وفطرة موسيقية بارعة في اختيار الألفاظ التي تتألف مع بعضها لتحدث النغم الذي يثير الطرب ويجذب الأسماع، فجاء شعره لحنًا صافيًا ونغمًا رائعًا لم تعرفه العربية إلا لقلة قليلة من فحول الشعراء.

           وإلى جانب ثقافته العربية كان متقنًا للفرنسية التي مكنته من الاطلاع على آدابها والنهل  من  فنونها والتأثر بشعرائها، وهذا ما ظهر في  بعض نتاجه وما استحدثه في العربية من كتابة المسرحية الشعرية لأول مرة.


           وقد نظم الشعر العربي في كل أغراضه من مديح ورثاء وغزل، ووصف وحكمة، وله في ذلك أوابد رائعة ترفعه إلى قمة الشعر العربي، وله آثار نثرية كتبها في مطلع حياته الأدبية، مثل: "عذراء الهند"، ورواية "لادياس"، و"ورقة الآس"، و"أسواق الذهب"، وقد حاكى فيه كتاب "أطواق الذهب" للزمخشري، وما يشيع فيه من وعظ في عبارات مسجوعة.

        وقد جمع شوقي شعره الغنائي في ديوان سماه "الشوقيات"، ثم قام الدكتور محمد صبري السربوني بجمع الأشعار التي لم يضمها ديوانه، وصنع منها ديوانًا جديدًا في مجلدين أطلق عليه "الشوقيات المجهولة"
  
     وأنتج فى أخريات سنوات حياته مسرحياته الشعرية وقد استمد اثنتين منها من التاريخ المصري القديم، وهما( مصرع كليوباترا)  و ( قمبيز)
        ومسرحية اخرى  من التاريخ الإسلامي هي( مجنون ليلى)، وأخرى من التاريخ العربي القديم هي (عنترة ). وأخرى من التاريخ المصري العثماني وهي (علي بك الكبير )، وله مسرحية نثرية هي(أميرة الأندلس )
ومسرحيتان هزليتان، هما:( الست هدي)، و(البخيلة ) .
ولأمر غير معلوم كتب مسرحية أميرة الأندلس نثرًا، مع أن بطلها أو أحد أبطالها البارزين هو الشاعر المعتمد بن عباد.

            وقد غلب الطابع الغنائي والأخلاقي على مسرحياته، وضعف الطابع الدرامي، وكانت  الحركة  المسرحية  بطيئة  لشدة  طول أجزاء كثيرة  من الحوار، غير أن  هذه  المآخذ  لا  تُفقِد  مسرحيات   شوقي قيمتها الشعرية الغنائية ، ولا تنفي عنها  كونها ركيزة  الشعر الدرامي  في الأدب العربي الحديث.

       وكان الشعر العربي  في بداية  النهضة العربية  على موعد مع القدر، ينتظر من يأخذ بيده، ويبعث فيه روحًا جديدة تعيد  فيه الحركة والحياة، وتعيد له الدماء في الأوصال، فتتورد ابياته وتزدهر نضرة وجمالً مبدع - بعد أن ظل قرونًا عديدة واهن المعنى اسير الحكايات والمحاكاة ، قليل الحركة، كليل الموسيقى الشعرية  اوالقوافي والابداع .-  ليعيد نشاطه الواسع والثابت في النفوس العربية  المتعطشة اليه

      وشاء الله تعالى  أن يكون البارودي هو الذي يعيد الروح إلى الشعر العربي، ويلبسه أثوابًا قشيبة، زاهية  اللون، بديعة  الشكل  والصورة، ويوصله بماضيه التليد، بفضل موهبته الفذة وثقافته الواسعة وتجاربه الغنية.

           ولم يشأ الله تعالى أن يكون البارودي هو وحده فارس الحلبة ونجم عصره- وإن كان له فضل السبق والريادة- فلقيت روحه الشعرية الوثابة نفوسًا تعلقت بها، فملأت الدنيا شعرًا بكوكبة من الشعراء من أمثال: إسماعيل صبري، وحافظ إبراهيم، وأحمد محرم، وأحمد نسيم، وأحمد الكاشف، وعبد الحليم المصري.في مصر والكاظمي والزهاوي والرصافي في العراق وناصيف اليازجي  واولاده في الشام وابوالقاسم الشابي في تونس  وغيرهم كثير  ومنهم شعراء  المهجر   وكان أحمد شوقي هو نجم هذه الكوكبة وأميرها بلا منازع عن رضى واختيار، فقد ملأ الدنيا بشعره، وشغل الناس، وأشجى القلوب.

        نظم شوقي العديد من القصائد في مدح الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) تعتبر من أبدع شعره ومن أشهر قصائده نهج البردة التي عارض فيها البوصيري في بردته ومنها يقول:

رزقتَ أسمح ما فــي الناس مــن خُلق
                                           إذا رزقــت التماس العـــذر في الشيم

يا لائمي فــي هـــواه والهوى قــدرٌ
                                          لـــو شفّك الوجدُ لـــم تعــذل ولــم تلم

لقـــد أنلتـــــك أُذناً غيــــر واعيــــــــةٍ
                                           وربَّ منتصتٍ والقلـــبُ فـــي صمــم

           وتعتبر قصائد ( ولد الهدى  وسلوا قلبي  و نهج البردة) من أهم القصائد الإسلامية لشوقي، وتقع قصيدة( ولد الهدي) في مائة وواحد وثلاثين بيتًا، اختارت منها أم كلثوم أربعة وثلاثين بيتًا، وأعادت ترتيبها على غير ترتيبها في الديوان وغنتها فكانت  بداعة في الاداء  والشعر المغنى  من ألحان  رياض السنباطي  ومنها:

وُلِدَ الهُدى فَالكائِناتُ ضِياءُ         
                                                        وَفَمُ الزَمانِ تَبَسُّمٌ وَثَناءُ

الروحُ وَالمَلَأُ المَلائِكُ حَولَهُ         
                                                        لِلدينِ وَالدُنيا بِهِ بُشَراءُ

وَالعَرشُ يَزهو وَالحَظيرَةُ تَزدَهي 
                                                 وَالمُنتَهى وَالسِدرَةُ العَصماءُ

وَحَديقَةُ الفُرقانِ ضاحِكَةُ الرُبا       
                                                       بِالتُرجُمانِ شَذِيَّةٌ غَنّاءُ

وَالوَحيُ يَقطُرُ سَلسَلًا مِن سَلسَلٍ       
                                                   وَاللَوحُ وَالقَلَمُ البَديعُ رُواءُ

نُظِمَت أَسامي الرُسلِ فَهيَ صَحيفَةٌ        
                                              في اللَوحِ وَاسمُ مُحَمَّدٍ طُغَراءُ

اسمُ الجَلالَةِ في بَديعِ حُروفِهِ       
                                                   أَلِفٌ هُنالِكَ وَاسمُ طَهَ الباءُ

           ومن قصائده التي يرد فيها على مزاعم المستشرقين الذين يدعون أن الإسلام انتشر بحد السيف يقول:

قالوا غزوت ورسل الله ما بعثوا   
                                              لقتل نفس ولا جاءوا لسفك دم

جهل وتضليل أحلام وسفسطة       
                                            فتحت بالسيف بعد الفتح بالقلم

        كان شوقي عاشقا للموسيقي والغناء وقد احتضن موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب الذي  يقول عنه:

     ( كان له الفضل في التحاقي بمعهد الموسيقي الشرقية وتقديمي إلي القادة والزعماء وأحاطني بعنايته وخصص لي مدرساً يعلمني الفرنسية وأخذني إلي باريس لأذهب إلي الاوبرا والمتاحف ليطلعني علي الفن الحقيقي.
وقال لي : ارجوك   يا محمد  آلا تهمل  شعري  بعد أن أموت .. تغني قصائدي .. فخلودي في أن يردد الشعب  شعري .. وأنت كفيل بأن تجعل الشعب يردده.)

         وذات يوم وجه شوقي دعوة لأم كلثوم التي لبت الدعوة وقامت بالغناء  في  (كرمة  ابن هانىء ) ومن اعجابه بالغناء قدم لها كأسا من الخمر ولكنها لم تكن تشرب الخمر فتصرفت بلباقة وذكاء ورفعته علي شفتيها فقط دون أن ترتشف منه  شىء وقد اعجب شوقي بلباقتها فكتب لها قصيدة - يقال أوصلها بنفسه في الصباح التالي - وقد ظلت القصيدة منذ عام 1932م إلي عام 1944 حيث عهدت بها لرياض السنباطي لتلحينها وغنتها بعد أن تم تغيير كلمات بيتين ورد فيهما اسم أم كلثوم ، يقول شوقي في مطلع القصيدة :

سلوا كؤوس الطلا هل لامست فاها
                              واستخبروا الراح هل مست ثناياها

          ومن بدائع قصائده هذه القصيدة التي تغنى بها الموسيقا ر محمد عبد الوهاب ومن بعده فيروز صاحبة الصوت الشجي الجميل الناعم  ذي الصدحات العالية والنغمات الطويلة او الراقصة في بعض الانغام  التي تطرب الاسماع  وتنشرح لصوتها الصدور:
       

شَيَّعْتُ أحلامي بِقَلْبٍ باكِ 
                           ولَمَمْتُ من طُرُقِ المِلاحِ شِباكي

وَرَجَعتُ أَدْراجَ الشَبابِ وَوَرْدَهُ
                                 أَمشي مَكانَهُما عَلى الأشواكِ

وَبِجانِبي وَاهٍ كَأَنَّ خُفوقَهُ        
                                        ر لَمَّا تَلَفّتَ جَهْشَةُ المُتَباكي

شاكي السِّلاحِ إذا خَلا بِضُلوعِهِ
                                        ر فإذا أُهِيْبَ بِهِ فَلَيْسَ بِشاكِ .
..
لَمْ تَبْقَ مِنَّا يا فُؤادُ بَقيَّةٌ                  
                                        لِفُتُوَّةٍ    أو  فَضْلَهٌ   لِعِراكِ

كُنَّا إذا صَفَّقْتَ، نَسْتَبِقُ الهوّى          
                                       وَنَشُدُ شدَّ   العُصبَةِ   الفُتَّاكِ

واليومَ تَبعَثُ فِيّ حيْنَ تَهُزُّني             
                                      ما يَبْعَثُ الناقوس في النُسَّاكِ

يا جارَةَ الوادي طَرِبتُ وعَادَنيْ
                                        ما يُشْبِهُ الأحلامَ مِنْ ذِكْراكِ 

مَثَّلْتُ في الذكرى هَواكِ وَفي الكَرى
                                والذِّكرياتُ صَدى السِنيْنَ الحاكي

ولَقَدْ مَرَرْتُ عَلى الرياضِ بِرَبْوةٍ       
                                         غَنّاءَ  كُنتُ  حِيالَها ألقاكِ

ضَحِكَتْ إليًّ وُجوهُها وَعيونُها  
                                        وَوَجّدتُ في أنفاسِها رَيّاكِ

لَمْ أَدرِ ما طِيْبُ العِناقِ عَلى الهَوى
                                        حتَّى تَرَفَّقَ ساعِدي فَطَواكِ

وتأَوَّدَتْ أعْطافُ بانِكِ في يّدي          
                                       واحمًرَّ مِنْ خَفَريهِما خَدَّاكِ

وَدَخَلْتُ في لَيلَينِ فَرْعَكِ والدُجى        
                                        ولَثَمْتُ كَالصُبْحِ المُنَوَّر فاكِ ...

وتَعَطَّلَتْ لُغَةُ الكَلامِ وخاطَبَتْ    
                                        عينيَّ في لُغَةِ الهَوى عَيْناكِ ...

لا أَمْسِ مِنْ عُمْرِ الزمانِ ولا غَدٌ                
                                        جُمِعَ الزَمَانُ فَكانَ يَوْمَ رِضاكِ
.


                         *************
   


  




                                     8

سليمان الباروني


         هو عبد الله بن سليمان باشا الباروني  وقد ولد الشاعر سليمان الباروني  سنة\ 1870في مدينة( جادو) او ( فساطو) بليبيا،.

          رحل صغيرا طالبا العلم وعمره احدى عشرة سنة  الى القطر التونسي ليلتحق  طالبا  بجامع الزيتونة ثم رحل الى مصر للدراسة بالجامع  الأزهر ,ثم الى الجزائر  لدارسة  المذهب  الأباضي  (مذهب معظم الشعب  الامازيغي)  في الجزائر مدة أكثر من ثلاث سنوات.وفي مصر تعرف  على المصلح  الإسلامي الكبير الشيخ محمد عبده وصادقه وتواصل  معه فكريا وعقائديا .

         عاد إلى ليبيا بعد سنوات طويلة من الترحال وطلب العلم , كان قد أصبح شابا ناضجا , مشحونا بالروح الوطنية المعادية للاستبداد التركي في ليبيا الا انه بعد عودته  سجن ثلاث سنوات واحرقت السلطات التركية الحاكمة  انذاك كتابه  ( الازهار الرياضية ) الذي اصدره بثلاثة اجزاء , فاضطرته الاوضاع  في بلده إلى مفارقة الوطن في رحلة طويلة شملت تونس والجزائر وفرنسا ومالطا ومصر .

        وفي اخر هذا  التشرد استقر به المقام  بمصر التي كانت ملجأ سياسيا وفكريا للمثقفين والسياسيين العرب والمسلمين الفارين من الاضطهاد التركي .

        اسس في مصر سنة\ 1906 مطبعة اسماها( مطبعة الازهار البارونية ) واصدر فيها صحيفة باسم ( الاسد الاسلامية ) عام\ 1908 دعى من خلالها او تبنى بكتاباته  فكرة انشاء   ( الجامعة الاسلامية )
ثم قام بطبع ديوانه الذي اسماه ( ديوان عبد الله الباروني) كما قام بطبع الجزء الثالث من كتابه ( الازهار الرياضية ).

      ثم رجع من مصر الى ليبيا ملبيا حاجة وطنه والدفاع عنه عندما هاجم الايطاليون ( الطليان ) ليبيا  وحاولوا استعمارها .

     سليمان باشا  االباروني  مجاهد  ليبي ومن  اهم السياسيين  في  ليبيا اختير عضوا  ممثلا عن  مدينة  طرابلس  سنة\ 1910  في  مجلس ( المبعاثان ) في الدولة العثمانية الذي يمثل مجلس الامة او مجلس النواب في ذلك الوقت  لذا رحل الى الاستانة بعد الاصلاحات  التي  حصلت  بعد انقلاب التركي ( تركيا الفتاة ) وحصل على رتبة( الباشوية) حيث اصبح واليا على ليبيا.

        وله العديد من الاصلاحات في ليبيا خلال  وجوده في ليبيا اضافة الى عضويته في مجلس ( المبعوثان) العثماني منها :
1- اصدرعملة اسماها ( البارونية )
2- اسس اول جمهورية في الوطن العربي  في غرب ليبيا اسمها
( الجمهورية الطرابلسية )
3-اسس المدرسة (البارونية ) بمدينة (يفرن ) بليبيا

         وفي سنة\   1919م  اعتزل  العمل  السياسي  بعد اعتراف إيطاليا المزيف بالحكومة الوطنية الليبية.وفي عام\ 1922م

     استمر الا حتلال الايطالي على ليبيا من\ 1911. ولما احتلت إيطاليا ليبيا عام\1911  عاد فورا إلى بلاده  وانضم  إلى قيادة المقاومة. لكن تركيا سرعان ما خانت الليبيين إذ باعت ليبيا  لإيطاليا وفقا لمعاهدة (صلح أوشي) التي سحبت بموجبها ما تبقى من ضباطها وجنودها الذين كانوا يدربون  المجاهدين  الليبيين  ويحاربون  معهم الغزاة  الايطاليين وكان   ( مصطفى اتاتورك) قائد انقلاب ( تركيا الفتاة )  اول رئيس جمهورية تركية بعد القضاء على الدولة العثمانية أحد هؤلاء الضباط!)

         فقد  رفض الباروني معاهدة الصلح وقاد جناح المقاومة الوطنية الامازيغية  في  جبال  نفوسة .

        وخلال  سنوات  الاستعمار الإيطالي الفاشي  الاستيطاني, خاض الشعب الليبي مقاومة أسطورية بمعنى الكلمة تحت زعامة قائد أسطوري عظيم  بمعنى الكلمة وهو شيخ المجاهدين- , أسد الصحراء عمر المختار, والذي كان رغم  سنواته  الثمانين, يحشو بندقيته بالبارود وآيات القرآن. كان قائدا من صلب الشعب. فقيرا مثل أبناء الشعب لا يملك  إلا  بندقيته وقرآنه  ونظارته  الطبيةر  وفرسه  البيضاء -.  ثم  أجبرته السلطات الإيطالية على مغادرة طرابلس حين قاوم محاولة بعض الليبين اللجوء إلى الاستسلام للايطاليين  ورفض صلح ( ابن ادم ) مع ايطاليا واصر على مواصلة الجهاد .

     تنقل بين تركيا و فرنسا محاولا العودة إلى ارض الوطن ولكنه منع من قبل السلطات الغازية او من الحاكمين  باسمها  في ليبيا فاستقر به المقام في سلطنة عمان سنة\ 1924 حيث عمل مستشارا لدى (الإمام محمد بن عبدالله الخليلي) إمام عُمان.

        رحل الى الهند في رحلة علاجية  من  مرض الملاريا  الذي اصيب به عاد الى سلطنة  عمان  ومكث  فيها  حتى  توفته  المنية   في سلطنة عمان   سنة\ 1940 .

             يمتاز شعر الباروني  بالوطنية ومقارعة الغزاة المعتدين بروح إسلامية  إصلاحية. واسلوبية  رقيقة  بسيطة  وثقافة  لصيقة  بمواقفه السياسية المرتبطة بفكرة الجامعة الإسلامية والخلافة العثمانية . ثقافته الشخصية  تجمع  بين الثقافة  الامازيغية  والعربية الإسلامية إلى جانب إطلاعه على الثقافة الفرنسية . تكاد رؤيته السياسية قد تمثلت في الدعوة إلى الجامعة الإسلامية والحفاظ عليها .

ومن قصائده الوطنيه هذه الابيات :

هذا هو الشَّعْرُ الذى
                                           شهد الحروب الهائلات


هذا هو الشَّعْرُ الذي
شهد الحروب الهائلات


وعليه امطرت القنابل
كالصواعق نازلات


خاض المعامع لايهاب
على الجياد الصافنات


حبا بتطهير المواطن
من بني الايطاليات


آليت ان يبقى الى
ان يعبر الجند القناة


لنرى الغزاة على
ضفاف النيل تفتك بالبغاة


ونرى طرابلس العزيزة
في ليالي باهرات


تختال في برد الهنا
بالانتصار على الطغاة


وتسود اعلام الخليفة
في البلاد الضائعات


ونرى الهلال متوجا
جزر المحيط الخالدات

اذ ذاك يحلق بين
افواج الاعاظم والغزاة


مابين تهليل وتكبير
وتقديم للصلاة


فيكون عنوان الفتوح
مدى العصور الدائرات


وهكذا يبقى اذا لم
ننتصر حتى الممات


يامن وعدت المسلمين
النصر امنن بالحياة

*****************************************




                                       9


                عبد المحسن الكاظمي

                           شاعرالبديهة والارتجال 

             
هو ابو المكارم  عبد المحسن بن محمد بن على بن محسن بن محمد بن  صالح بن علي بن هادي النخعي  من سلالة الأشتر النخعي وقيل  أنه ينتسب لأسرة علمية يتصل نسبها بالإمام موسى الكاظم رضي الله عنه .
 
ولد في بغداد عام 1871  

 درس في الكاظمية والنجف الاشرف

          وعبد المحسن  شاعر فحل،  كان يلقب   بشاعر العرب.   امتاز بارتجال القصائد الطويلة الرنانة. ولد في محلة (الدهانة) ببغداد، ونشأ  في الكاظمية، فنسب إليها. وكان أجداده يحترفون التجارة بجلود الخراف  فسميت اسرته (بوست فروش)  بالفارسية، ومعناه (تاجر الجلود) وتعلم مبادئ القراءة والكتابة  ورغبة  والده في  العمل في التجارة والزراعة   الا انه لم يرغب بالعمل باي منهما وترك العمل  بهما.  واستهواه  الأدب والشعر  فقرأ علومه وحفظ  الكثير من ابيات الشعر لفحول الشعراء ثم تعلم نظم الشعر فنظم. وأول ما نظم الغزل، فالرثاء، فالفخر.  وعندما مر السيد جمال الدين الأفغاني بالعراق، اتصل به  فاتجهت إليه أنظار رجال الحكومة والجواسسيس وكتبوا عنه الوشايات   الى الباب العالي وذلك  في عهد  السلطان عبد الحميد  الثاني   فطورد  فلاذ  بالوكالة  الإيرانية   ببغداد. فحجبته عن الانظار  الا انه  خاف النفي أو الاعتقال  فسافر الى الجنوب   وساح نحو سنتين في عشائر العراق الجنوبية  و سافر  الى   إمارات الخليج  العربي والى ايرا ن  والهند،  ثم سافر الى مصر سنة \ 1911ميلادية  على امل أن يواصل سيره إلى أوروبا  فطارت شهرته  الا انه فرغت يده مما ادخر فلم يبق عنده مال يسافر به   . فلقي في مصر  الشيخ المصلح الاسلامي  محمد عبده  الذي مد له  يد العون والمساعدة  وبره الخفي ما حبب إليه المقام بمصر  فأقام  فيها . وأصيب بمرض ذهب ببصره إلا قليلاً.

       ولما مات محمد عبده ، فعاش في  ضنك  يستره إباء  وشمم وعزة نفس عالية   .

          لقب بشاعر (البديهية والارتجا ل)لانه من اهم مميزات شخصيته  مقدرته العظيمة  في ارتجاله الشعر ، فقد كان يلقي القصائد في مناسبات متعدده فيرتجل القصائد الطوال من خمسين او ستين بيتا دون اي ركاكه او ضعـــف. بل كان في احيان أخرى يرتجل المائه والمائه والخمسون مشـرقا في الفاظه ومعانيه .

            ولقب ايضا بشاعر العرب  وبشاعر الكفاح الخالد  وكان شعره شعر البداوة لكثرة حفظه للشعر القديم وقيل انه كان يحفظ اثني عشرالف بيت من الشعر وشعره يمتاز بمتانة التعبير بعذوبة الالفاظ و وقوة المعاني وفصاحة البيان وفيه ابتعاد عن المدح الكاذب وتجنب الاقوال الهزيلة  .كان شاعر العروبة حيث تغنى بأمجاد العراق والشام ومصر والحجاز وشحذ الهمم العربية  ...وحارب الاستعمار والاستبداد  وشعره فيه ثورة عارمة شديدة تحس بها وانت تقرا شعره.

       نعم  لقد اثر تأثيــرا مباشرا على النهضه الادبيه بكتبه وشعره وهو خير اديب تفخــر به العروبة وتعتـــز به الضــاد . كان يرتدي العمامه البيضاء والجبه الفضفاضه .
   عاش اكثر حياته في مصر.

          ملأ الصحف والمجلات شعراً  وضاعت منظومات صباه. وجمع أكثر ما حفظ من شعره في ( ديوان الكاظمي- ) .
 
      دواوينه : طبع المجموعة الأولى من ديوان الكاظمي عام 1940 والمجموعة الثانية عام 1948 والمجموعتان الثالثة والرابعة عام 1987   وله  قصائد الكاظمي  1919    معلقات الكاظمي  1924  عراقيات  الكاظمي  1960 .

ونعم ما قال :

سيروا بنا عبقاً وشـــدّا ... سيروا بنا  ممســـا ومغدا

سيروا نــذب عن الحمـى .  .. ونردّ عنــه المـستبـــدا

نحمي حمــى أوطاننــا .  .. ونصونهـا غورا ونجــــدا

سيــروا نؤلف شملهــا .   .. ونعيــدها عقدا وعقــــدا

تالله لا ارتضـــي  الحياة ... أرى لديها الخســـف وردا

سيروا نشــد لديارنـــا ..      . عـــدلا يهد الظلم هــــدّا

 لاحظه ينشد بثورية  \ :

جليَّ المعالي أيُّ يومَيْكَ أعظمُ  
                                   
أيومَ تشدّ الرحلَ أم يوم تُقدِمُ؟

أجدّكَ ما يوماكَ إلا صحيفةٌ  
                                    
يُخَطّ بها فخرُ الرجالِ ويُرْقَم

وليس كلا يومَيْكَ إلا عزيمةً  
                                     
يُشاد بها مجدُ البلادِ ويُدعَم

فيومُكَ إن ترحل ويومكَ إن تَؤُبْ  
                                    
سبيلٌ إلى نَيْل الأماني وسُلَّم

إذا صحّ لليومين وصفٌ له اقتفوا  
                                   
وجُدّوا على آثاره وتَرسَّموا

فيوماكَ جِدٌّ للحياة وجِدّةٌ  
                                 
ويوماكَ شَهْدٌ في المذاق وعلقم
 
           الشاعر الشيخ عبد المحسن الكاظمي الشهير بالارتجال والشاعر الذي أجمع العديد من النقاد على قدرته بارتجال الشعروالذي كذالك يذهب في شعره مذاهب الشعراء الأقدمين..

        وأهم صفة في الكاظمي الاعتداد بنفسه والحافظة العجيبة وارتجاله الشعر فقد روى المرحوم الدكتور عز الدين آل ياسين الذين كان يطلب العلم في مصر- الكنانة  ان الكاظمي دعى مرة الى حفل أقيم في مصر حيث قدمه عريف الحفل لالقاء قصيدة فما كان الا ارتجال قصيدة غراء عصماء  تجاوزت أبياتها مئة بيت وبيت  بين دهشة واستغراب حضور ذلك الحفل الحاشد..

          ومن الذين أبدوا قدرة ارتجال الكاظمي  عباس محمود العقاد  وعبد القادر المغربي  وحليم سركس، وأسعد داغر  وكمال ابراهيم، ومحمد مهدي البصير  وأحمد الصافي النجفي  وآخرون.

           عاش الكاظمي في أرض الكنانة أكثر من (39)عاما، وهناك طحنته الحاجة حيث اشتغل كما روى آل ياسين انه اشتغل في نقل الحجارة والجص  ولم يمد يده  لا الى قريب ولا الى  بعيد   إباء  واعتداء  وكان  لا يرضى أبدا أن يكون موضع عطف الآخرين  وفي أخريات أيامه كان يروي المقربون اليه.. أنه كان يحدث حضار مجلسه عن أمراضه  وأحزانه  فقد كان قد امتد  به العمر ((70) عاما وضعف بصره  وصار لا  يميز وجوه مجلسه  الذين كان قبلا حافل بالمداعبات والأفاكيه والمطايبات والمستملحة غير المخدشة.

       وفي اليوم الثاني من  مايس (ايار) سنة \ 1935 كانت  خاتمة حياة الشاعر الكاظمي  في مصر الكنانة حيث توفي في القاهرة و ورى الثرى هناك  وهكذا احتضنته مصر الكنانة حيا  وضمت  رفاته ميتا.. رحمة الله على الكاظمي شاعر العروبة  ومذكي فتيل الثورة  ومقارع الاستبداد والاستعمار


        صال وجال الشيخ الكاظمي  في شعره طارقا شتى الأغراض  المديح والغزل  والرثاء والسياسة.

 سيروا بنا عبقاً وشـــدّا ... سيروا بنا ممســـى ومغدى

سيروانــذب عن الحمـى ..    . ونردّ عنــه المـستبـــدا

 نحمي حمــى أوطاننــا .    .. ونصونهـا غورا ونجــــدا

سيــروا نؤلف شملهــا      ... ونعيــدها عقدا وعقــــدا

 تالله لا ارتضـــي الحيـا ... ة ارى لديها الخســـف وردا

 سيروا نشــد لديارنـــا .      .. عـــدلا يهد الظلم هــــدّا


    كما. انه كان يعتنى في مأكله وملبسه وقيافته حيث كان يرتدي )الجبة والزبون والزخمة.. والعمة او العمامة.)

ويقول الشاعر  الدكتور يوسف عز الدين عنه :

     (شاعر العرب الأكبر الشيخ عبد المحسن الكاظمي  لم يكن كاظميا أو عراقيا فحسب، وانما كان عربيا شرقيا  وقف شعره على أمته وشرقه وتغنى فيهما بأجمل الأغاريد وأعذب الألحان  وتاريخ حياته معروف فقد وصل مصر هاربا من الجور ليغرد أغاني المجد على أفنان الحرية وينشد أناشيد الاستقلال  التي زخر شعره بألوانها..   )

        وديوانه الأول والثاني خير دليل وأنصع برهان  وعلى الرغم من  أن  مصر كانت وطنه الثاني  الا ان الحنين  كان  يعاوده الى  العراق  فنحس  حنينه  الذي  يعتري  كل غريب فتنتابه  الذكريات  الى  أهله وعشيرته \

إلا خبر من ثنايا العراق
                                         يطلع   او زورة  تطرق

هل الدار بعدي كعهدي بها
                                       يباكرها العارض المغدق

      وبعد ان يحرقه الوجد والحنين ينطوي على نفسه ويحز فؤاده الفراق ويدع الحشا تتلظى وجدا وحسرة وتتحرق جفناه على الديار ويسال الدار، ولكن هل تتكلم الديار عندما ييد ان يستاف أخبار العراق.

أمعاهدة الأحباب هل خبر
                                         تسري به الأرواح ما تسري

ويخلص الدكتور يوسف عز الدين الى القول:

     (وقد كان الكاظمي أول شاعر حمل لواء الوحدة العربية والدعوة اليها والتغني بها يوم كانت الأوطان نور العين وفداء النفس وليست مكانا للهو وقضاء الحياة بدون رسالة او هدف معين.)

ومن شعر الكاظمي في حب الوطن والحنين اليه \يقول:

أحن اذا قيل العراق وأغني
                                      وأشهق ان قيل الشام وأزفر

وأطرق ان قيل الحجاز على جوى
                                      وأعجب أما قيل مصر وأبهر

منى النفس ان يلقى العراق وغيره
                                   من الخير ما يهوى وما يتخير

جميع بلاد العرب في القدر واحد
                                   اذا وازنوا البلدان يوما وقدروا

ومن شعره


لم يكن بات في الكنانة جسمي
                                              ففؤادي بالكرخ بات رهينا

ارفاق الصبا  وليس   حراما
                                             ان أنادي رفاقي   الأقدمينا
 
 ومن شعره  يقول :

 بكم يا حماة الدين قد آمن الحمـى ..
                                     . قد هجمـوا شـرّ المغير المهاجـم

خذوا الحذر من نأئي التخوم ونبّهوا .
.                                    . ظبــاكم   الى كيد العدو المتــاخم

 ولا تعطفنّكم رقّة فـي خدودهـم ..
                                  . فتحنـوا على تلك الخدود النواعـم





*************************************









                            10

                صالح القيرواني

                 (الشاعرالشريف)  


              هو السيد  صالح  بن عمر سويسي القيرواني  من تونس الخضراء  وقد ولد  بمدينة القيروان  التاريخية  سنة \ 1871 و قضى جزءا من طفولته بحاضرة تونس بعد انتقال والده أليها سنة \ 1876 وان والدته هي بنت الشيخ علي العواني الشّريف الحسيني وهو بذلك يعتبر نفسه من الأشراف . حفظ  القرآن  بأحد كتاتيب مدينة تونس لقد نشأ صالح سويسي يتيما إذ فقد أباه سنة \ 1886 وهو في الخامسة عشرة من عمره .

         عاد إلى القيروان سنة \ 1886 بعد فقد ابيه . ولم يعرف عنه أنه تلقى تعليما منتظما  بل درج على قراءة الكتب والمجلاّت والدّواوين الشّعرية حتى تكونت له ملكة أدبية وشغف بالكتابة فهو أحد أدباء القيروان المعتزّين  بمدينتهم  الحريصين على حمل نسبتهم أليها.

          وقد تأثّر صالح سويسي بالحركة السّلفية التي دعى لها رواد النهضة العربية الاوائل منهم السيّد جمال الدين الأفغاني والسيد محمد عبده وسعد زغلول وابن بلده الشيخ محمد النخلي القيرواني  فكان له منزع إصلاح لا يخلو من الجرأة  مما ادى الى نفيه إلى مدينة ( توزر) بالجنوب التونسي سنة \1897 لمدة ثلاثة أشهر.

        ولما مات أبوه قامت  والدته  بتربيته ووجّهته إلى مصر للتعلّم واكتساب ما يلزمه من المعارف التي يدافع بها عن وطنه ودينه.

        وصالح سويسي  كما يصفه بعض الذين عايشوه من أهل بلده  كان مثال الأديب المنقطع لخدمة الأدب لم يباشر عملا قطّ  ولم تكن له مهنة معروفة سوى أنه ( شاعر) وكان يرتزق من بشعره ولا يستكنف من تسخير موهبته لأبسط الناس  وكثيرا ما شكا الفقر وسوء حظ الأديب في شعره.

        وكانت جلّ قصائده على الدعوة إلى الإصلاح ونبذ التقاليد الفاسدة والبدع  التي تسيء إلى الدين. ولئن  اشتمل  ديوانه على أهمّ  الأغراض التقليديّة فقد غلب عليه التغني بمدينة القيروان وتاريخها العريق والمديح النبوي والنقد الاجتماعي  يتخلل ذلك ميل إلى الشكوى المشوب بالنفور من المدنية وتفضيل حياة البداوة.

          حاول تجربة الشعر الحر او قصيدة النثر فلم يفلح و كتب بعد ذلك   ( دليل القيروان )، المطبوع بسوسة، سنة\ 1911 ويحتوي على  اربعة اقسام القسم الأول كان مدخلا تاريخيا  يبدء  او يتّصل بالفتح وأوّل الوافدين من قوّاد الجيش العربي  والمؤسّسين  للحكم العربي  بإفريقية  والقسم الثاني يتعلّق بالمعمار، بينما يتناول القسمان الأخيران تراجم الأعلام المدفونين بالمقابر الشهيرة في القسم الثالث . ومن هم مدفونون داخل السور في القسم الرابع. ويختم الكتاب بما سماه :
(( النّشيد الوطني)) لتلاميذ المدارس .

         وقد حقق من خلال تاليفه لدليل القيروان لنفسه رغبتين ما انفك يسعى إليهما ويجلّيهما في كل ما يكتب :
 الأولى إبراز حبّه القوي لمدينته القيروان  واعتزازه بتاريخها وأمجادها   والثانية  إفصاحه عن  منزعه الإصلاحي . لقد انخرط صالح سويسي في الحركة الإصلاحيّة السّلفية كما بينت سابقا وكان لا يفوّت على نفسه فرصة الدّعوة إلى مبادئها ومنهجها في تحليل أوضاع العالم الإسلامي والتفكير في حلول لمشاكله القائمة . وقد يستغرب القارئ من جرأته حين يقف شاخصا ناقدا السّلطة السياسية ورجال الدّين ويستطرد من حين لآخر لتصويب سهامه ونقده اللاذع إلى جمعية الأوقاف مثلا   والأغنياء المترفين الذي لا يحسّون بجوع الفقراء من الشعب او بفواجع اليتامى والمساكين كما سمّاها.

         إنه يؤمن بأن علماء السّلف لم يكونوا متشدّدين في الدّين ، وأنّهم كانوا حريصين على مصالح الناس وأنهم ( كانوا يقولون الحق ويموتون عليه ). وقد نشأ صالح سويسي ويتمه المبكر نسبيا ، إذ فقد أباه سنة\ 1886 وهو في الخامسة عشرة   من الأسباب التي رققت قلبه على اليتامى بالخصوص ، فسخّر قلمه لاستعطاف ذوي اليسار عليهم وعلى سائر البؤساء حتى خيّم على آثاره جوّ من الحزن والكآبة لكثرة ما خاض في هذا الغرض.

          لقد مرض في اخريات حياته  فوافاه اجله  في مدينة القيروان  التونسية وهي مسقط راسه سنة \1941.

       صالح  السويسي القيرواني رجل عاش بالأدب وللأدب  واستطاع- رغم رقّة حاله – أن يرفع صوته بالدّعوة إلى الإصلاح والنهضة ويسخّر قلمه لغايات نبيلة ويحقّق نجاحا لا بأس به بالنّظر ألى ظروف عصره وأحوال جيله وطبيعة تكوينه. انه اديب و شاعر وكان  ظريفاً  حاضر النكتة  يعد  في  اوائل  من طرقوا الموضوعات الاجتماعية والوطنية
 من ادباء تونس.
يقول في احدى قصائده :

قَوِّض رِحالَك عَن أَرضٍ تُضامُ بِها
                                          فَالضَيمُ إِن دامَ نَفسُ الحُرِّ يَرديها

وَاِسكُن بُيوتاً إِذا راقَ المُقامُ بِها
                                          َاِمكُث وَإِلا خَفيف الحَمل يَطويها

            كان يعيش بأدبه و يتكسّب بشعره لا على أبواب الأمراء كما كان الشّعراء يفعلون  بل حتّى لدى عامة الناس أدرك في هذه المجاهرة بالنقمة والغيظ من المخاطرة والجرأة.

 اما اثاره  الا دبية  له   العديد من ألاعمال منها:

الهيفاء وسراج الليل
دليل القيروان.
منجم التبر في النظم والنثر
والجامع اليتامي
زفرات الضمير
ديوان صالح السويسي القيرواني
سوق البلا ط

ومن جميل قصائده هذه القصيدة \

شهم حوى في سبيل الله رضوانا
                               قد خاض من بأسه في الحرب ميدانا

هيا أحملوني إلى نحو (الهلال)
                              فما أبغي عن الحرب إحجاما وسلوانا

ولا أبالي إذا ما صرت منجرحا
                                   فان لي من رضا الرحمن غفرانا

ولست أسال عن أهلي وعن ولدي
                                       إذا وجدت بأهل الدين إحساناً

هذا الدواء أتى من معشر شهروا
                                    بين الكرام وأقوى الناس إتمانا

لا تبخلوا في اكتتاب (الهلال) بدا
                                   فسوف يصلي بخيل القوم نيرانا

إن اليتامى وجرحى الحرب كلهم
                                        يدعو لنا ذلكم سراً وإعلانا.

              *********************







11

حافظ ابراهيم
شاعر النيل


       هو محمد حافظ بن ابراهيم فهمي المهندس من مصر ولد في   مدينة( ديروط ) في يوم 24  شباط عام \1872 وقيل  ولد حافظ ابراهيم على متن  سفينة  كانت راسية على النيل أمام  ( ديروط ) وهي مدينة صغيرة تابعة لمحافظة( أسيوط ) من أب مصري وأم تركية. ابوه كان مهندسا و أحد المشرفين على قناطر( ديروط )  بمحافظة أسيوط. وأمه من أسرة كريمة وتاريخ  ولادته غير معروف  بالضبط   حسب  الأوراق الرسمية. عندما  أريد تعيين  حافظ  إبراهيم في دار الكتب  قدر القومسيون الطبي عمره  تسعة  وثلاثين عاما وتأسس على هذا أنه ولد في شباط \ 1872.

   مات ابوه وعمره اربع سنوات فعادت به أمه من( ديروط) إلى بيت أسرتها في القاهرة. وتولى خاله محمد نيازي الذي كان مهندسا بمصلحة التنظيم أمره. وتوفيت والدته عام \ 1908م. وعندما نقل خاله إلى عمل  بمدينة (طنطا ) ذهب حافظ  معه وإلتحق  بالجامع الأحمدي وهناك أخذ حافظ يدرس في الكتاتيب. أحس حافظ إبراهيم بضيق خاله به مما أثر في نفسه  فرحل عنه وترك له رسالة كتب فيها:

ثقلت عليك مؤونتي إني أراها واهية

                               فافرح فإني ذاهب متوجه في داهية

   ويقال انه بعد أن خرج من بيت خاله هام على وجهه في طرقات مدنية طنطا حتى انتهى به الأمر إلى مكتب المحا مي محمد أبو شادي، أحد زعماء  ثورة 1919  وعمل معه وهناك  اطلع على كتب الأدب وأعجب بالشاعر محمود  سامي  البارودي. وبعد  أن عمل بالمحاماة  لفترة من الزمن  التحق حافظ إبراهيم بالمدرسة الحربية في عام\ 1888 م وتخرج  منها  ضابطا عام \ 1891 م في الجيش المصري وعين  في  وزارة الداخلية. وفي عام \1896 م أرسل إلى السودان مع الحملة المصرية إلا أن الحياة  لم تطب له هنالك . فثار مع بعض الضباط. نتيجة لذلك .

           وفي عام \ 1911م ، عين رئيسا  للقسم الأدبي  في  دار الكتب المصرية  ووصل إلى منصب وكيل دار الكتب أي الرجل الثاني في هذه الدار . وحصل على الباكوية  عام \1912.  و أطلق  عليه  لقب ( شاعر النيل) . وكان ملما  بالفرنسية وترجم كتاب ( البؤساء) لفيكتور هيجو  وإشترك مع الشاعر خليل مطران في ترجمة كتاب (موجز الإقتصاد)  وعندما عمل في الشرطة كان ملاحظا لمركز بني سويف ولمركز الإبراهيمية.

       حافظ  إبراهيم  أحد أعاجيب  زمانه، حيث  كان  كثير الحفظ  او شديد القوة على الحفظ  والتذكر  ليس فى جزالة  شعره  فحسب بل فى قوة  ذاكرته  التى قاومت  السنين  ولم يصبها  الوهن  والضعف على مدى\ 60 سنة هى عمر حافظ إبراهيم  فإنها ولا عجب إتسعت لآلاف الآلاف من القصائد العربية القديمة والحديثة ومئات المطالعات والكتب وكان بإ ستطاعته – بشهادة أصدقائه – أن يقرأ كتاب أو ديوان شعر كامل فى عد ة دقائق وبقراءة سريعة ثم بعد ذلك يتمثل ببعض فقرات هذا الكتاب أو أبيات ذالك الديوان. وروى عنه بعض أصدقائه أنه كان يسمع قارئ القرآن فى بيت خاله يقرأ سورة الكهف أو مريم او طه فيحفظ ما يقوله ويؤديه كما سمعه .

         يعتبر شعره سجلا للأحداث في زمنه  يسجلها بدماء قلبه وأجزاء روحه ويصوغ منها أدبا قيما يحث النفوس ويدفعها إلى النهضة الحديثة فقد كان يتربص بكل حادث هام يعرض فيخلق منه موضوعا لشعره ويملؤه بما يجيش في صدره.

        كان حافظ إبراهيم رجل مرح النفس صاحب نكتة وسريع البديهة يملأ كل مجلس ببشاشته و فكاهاته الطريفة التى لا تخطأ مرماها.

       و يروى عن حافظ أبراهيم مواقف غريبة مثل تبذيره الشديد للمال فقد قال عنه صاحبه عباس محمود العقاد ( مرتب سنة فى يد حافظ  إبراهيم يساوى مرتب شهر )

       كان لحافظ إبراهيم طريقته الخاصة في ايصال فكرته وقصيده الى الناس اذ لم يكن حافظ يتمتع بقدر كبير من الخيال ولكنه أستعاض عن  ذلك  بجزالة  الكتابة  وترتيب الجمل  وتراكيب الكلمات  وحسن الصياغة وقيل انه يتمتع بقوة وقدرة حسن في إنشادهً للشعر. ومن أروع المناسبات التى أنشد حافظ  فيها  شعره بكفاءة هى حفلة تكريم الشاعر أحمد  شوقى  ومبايعته  أميراً للشعر فى دار الأوبرا حيث وقف في دار الاوبرا المصرية  وأعلن  في هذا الحفل باسمه ونيابة عن كل الشعراء والادباء العرب الحاضرين  مبايعتهم  لاحمد شوقي  بإمارة الشعر قائلاً:

 بلابل وادي النيل بالشرق  اسجعي
                                  بشعر امير الدولتين  ورجعي                         

اعيدي الاسماع ماغردت به
                                براعة شوقي في ابتداء ومقطع

امير القوافي قد ا تيت  مبايعا
                              وهذي  وفود الشرق قد بايعت معي

    وأيضاً القصيدة التى أنشدها في تأبين مصطفى كامل ومما يبرهن   ذلك المقال الذى نشرته أحدى الجرائد والذى تناول بكامله  فن إنشاد الشعر عند حافظ. وكان عكس الشاعر أحمد شوقى الذي قيل عنه انه لم يلق فى حياته قصيدة على ملأ من الناس حيث كان الموقف يرهبه.

        وقد تزوج  حافظ  بعد عودته من السودان من إحدى قريبات زوجة خاله. ولكنها لم تطق طبيعة حياة حافظ المنطلقة وإنتهى الأمر بالفراق بعد بضعة أشهر ولم يتزوج  بعدها .

وله قصيدة عن لسان صديقه يرثي ولده جاء في مطلعها :

ولدي، قد طال سهدي ونحيبي
                                      جئت أدعوك  فهل أنت مجيبي؟

جئت أروي بدموعي مضجعا
                                         فيه أودعت من الدنيا نصيبي


        حافظ ابراهيم من الشعراء ا لمصريين والمشهورين ولد
يوم كا ن الاستعمار الانكليزي يجثم على بلده ونار الثورة تلتهب بقيادة احمد عرابي باشا نشأ بهذا الخضم الجسيم من الاحداث ولقب بشاعر النيل لانه  كان  لسان قومه المعبر عما  يكنه او يعلنه هذا الشعب العربي  بمصر من ثورة  عارمة على الاستعمار فكان لا تمر حادثة  الا  وسجلها  في شعره  فاصبح شعره  تاريخا  للفترة التي عايشها هذا الشاعر وقد عين رئيسا لدار الكتب المصرية .

       يقول عنه خليل  مطران  :
 كان  (أشبه بالوعاء يتلقى الوحى من شعور الأمة  وأحاسيسها  ومؤثراتها  فى نفسه, فيمتزج  ذلك  كله بشعوره و إحساسه  فيأتى منه القول المؤثر المتدفق بالشعور الذى يحس كل مواطن أنه صدى لما فى نفسه).

          شكلت لجنة يرأسها (أحمد أمين) عميد كلية الآداب جامعة فؤاد الأول وقتذاك. ووعد الوزير اللجنة بجمع قصائد (حافظ إبراهيم) وشرحها وإعداد الديوان لتقوم وزارة المعارف بطباعته على نفقتها. وكتب  مقدمة  الطبعة  الأولى (أحمد أمين) ونشرت الديوان (  دار الكتب )  التي كانت تابعة لوزارة المعارف عام \1937 . وصدرت الطبعة الثانية عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام \1980م. كان من ميزات حافظ  أنه يحسن إلقاء الشعر  ويتولى إلقاء شعره بنفسه ومن اروع شعره  هذه الابيات :

كم مر بي فيك عيش لست أذكره
                                     ومر بي فيك عيش لست أنساه

ودعت فيك بقايا ما علقت‏ به
                                       من الشباب وما ودعت ذكراه

أهفو إليه على ما أقرحت كبدي
                                       من التباريج   أولاه   وأخراه

لبسته ودموع العين طيعة
                                        والنفس جياشة والقلب أواه

فكان عوني على وجد أكابده
                                        ومر عيش على العلات ألقاه

إن خان ودي صديق كنت أصحبه
                                     أو خان عهدي حبيب كنت أهواه

قد أرخص الدمع ينبوع الغناء به
                                    وا لهفتي ونضوب الشيب أغلاه

كم روح الدمع عن قلبي وكم غسلت
                                       منه السوابق حزنا في حناياه

قالوا تحررت من قيد الملاح فعش
                                       حرا ففي الأسر ذلّ كنت تأباه

فقلت‏ يا ليته دامت صرامته
                                       ما كان أرفقه عندي  وأحناه

بدلت منه بقيد لست أفلته
                                          وكيف أفلت قيدا صاغه الله

أسرى الصبابة أحياء وإن جهدوا
                                    أما المشيب ففي الأموات أسراه


سافر حافظ إبراهيم إلى سوريا  وعند زيارته للمجمع العلمي بدمشق قال هذين البيتين:

شكرت جميل صنعكم بدمعي
                           ودمع العين مقياس الشعور

لاول مرة قد ذاق جفني
                          - على ما ذاقه - دمع السرور

       لاحظ الشاعر مدى ظلم المستعمر وتصرفه بخيرات بلاده فنظم قصيدة بعنوان الامتيازات الأجنبية‏، ومما جاء فيها:

سكتُّ فأصغروا أدبي
                             وقلت فاكبروا أربي

يقتلنا بلا قود
                              ولا دية ولا رهب

ويمشي نحو رايته
                              فنحميه من العطب

فقل للفاخرين: أما
                           لهذا الفخر من سبب؟

أروني بينكم رجلا
                            ركينا واضح الحسب

أروني نصف مخترع
                          أروني ربع محتسب؟

أروني ناديا حفلا
                           بأهل الفضل والأدب؟

وماذا في مدارسكم
                              من التعليم والكتب؟

وماذا في مساجدكم
                            من التبيان والخطب؟

وماذا في صحائفكم
                       سوى التمويه والكذب؟

حصائد ألسن جرّت
                          إلى الويلات والحرب

فهبوا من مراقدكم
                          فإن الوقت من ذهب

       توفي الشاعر حافظ  إبراهيم في 21 تموز عام \ 1932 في مدينة القاهرة ودفن في مقابر السيدة نفيسة (رضي الله عنها).

 ترك حافط ابراهيم اثارا ثقافية وادبية  منها :

الديوان.   ديوان شعره
البؤساء: ترجمة عن فكتور هوغو.
ليالي سطيح - في النقد الاجتماعي.
في التربية الاولية.
الموجز في علم الاقتصاد

      حافظ ابراهيم مات فقيرا معدما و تمجد بالامة العربية وابطالها ودعى الى ا لتحرر من العادات  والتقاليد القديمة التي لا  تنسجم اجتماعيا مع التطور الجديد والتحلي بالخلق الكريم .

      يتميز شعره بالروح الوطنية الوثابة نحو التحرر سهل المعاني واضح العبارة قوي الاسلوب متين البناء اجاد في كل الاغراض الشعرية المعروفة .

      وفي  الختام  ومن قوله  في  مخاطبة  الشباب  العربي
المصري هذه القصيدة  يقول :

اهلا بنابتة البلاد ومرحبا
                                           جددتم العهد الذي قد اخلقا

لاتياءسوا ان تستردوا مجدكم
                                          فلرب مغلوب هوى ثم ارتقى

مدت له الامال كم افلاكها
                                          خيط الرجاء الى العلى فتسلقا

فتجشموا للمجد لك عظيمة
                                         ان رأيت المجد صعب المرتقى

من رام وصل الشمس حاك خيوطها
                                            سببا   الى   اماله    وتعلقا

حملوا عليما بالزمان وصرفه
                                           فتأنقوا   في  سلبنا    وتأنقا

هزوا مغاربها فهابت باءسهم
                                           ياويلك ان لم تهزوا المشرقا

فتعلموا فالعلم مفتاح العلا
                                            لم يبق  بابا للسعادة  مغلقا

ثم استمدوا منه كل قواكم
                                             ان القوي بكل ارض ينتقى

وامشوا على حذر فاءن طريقكم
                                           وعر اطاف به الهلا ك وحلقا





*************************************























                      12

            الشاعر خليل مطران



       هو خليل بن عبده بن يوسف مطران

     ولد  في الاول من حزيران من عام 1872 في مدينة بعلبك من اعمال لبنان .وتلقى دروسه التعليمية الاولية بالمدرسة البطريركية في بيروت ثم درس العربية وبلاغتها وادابها وقواعدها على يدي استاذيه الاثيرين الاخوين  ابراهيم  وخليل ولدي ناصيف اليازجي  وبعد اكتمال دراسته العربية  سافر الى فرنسا حيث انكب على دراسة الادب الغربي في المدارس الفرنسية في باريس والاطلاع على ما كتبه الشعراء الغربيون   وخاصة  الفرنسيين  منهم  في  مجال  الادب  والثقافة وهناك اطلع على اشعار الشاعر الفرنسي الشهير فكتور هيجو .

        خليل مطران شاعر لبناني ومصري ولد في لبنان ودرس
فيها حتى اكتمل انتقل الى مصر  فعاش في القاهرة حتى مات فيها عرف بغوصه في بحور المعاني العربية  واساليبها وتراكيب مفرداتها  وجمعه  بين الثقافة  العربية  والأجنبية، وكان  من  كبار الكتاب كتب في الادب والتاريخ والترجمة،اضافة الى الشعر و كثيرا ما شبهه الادباء العرب  بالأخطل  لتشابه اسلوبه الشعري بقصائد الاخطل  التغلبي  الاموي ووصفوه ايضا ان موقعه الشعري يتوسط بين الشاعرين  حافظ ابراهيم  واحمد شوقي .

       عرف مطران بغزارة معلوماته وسعة اطلاعه بالأدب الفرنسي والانجليزي اي في الادب بالإضافة لرقة طبعه ومسالمته وهو الشيء الذي انعكس على أشعاره  وقد  أُطلق عليه لقب (شاعر القطرين)  وبعد رحيل الشاعرين حافظ ابرهيم  و احمد شوقي  لقب خليل مطران (شاعر العربية).

       اهتم مطران بالشعر القصصي والتصويري    او المسرحي والذي تمكن  من استخدامه للتعبير  والغور في  التاريخ  والحياة الاجتماعية العامة  التي  يعيشها الناس  فاستعان  بقصص التاريخ وقام بعرض أحداثها بخياله الخاص، بالإضافة لتعبيره عن الحياة الاجتماعية  وكان مطران متفوقاً في هذا النوع من الشعر فكان يصور الحياة البشرية من خلال خياله الخصب مراعياً جميع أجزاء القصة.

        عمل  مطران على ترجمة  لمسرحيات شكسبير وغيرها من الأعمال الأجنبية  كما  كان له  دور فعال  في النهوض بالمسرح القومي بمصر.

    خلال فترة إقامته في مصر عهدت إليه وزارة المعارف المصرية بترجمة كتاب الموجز في علم الاقتصاد بالاشتراك مع الشاعر حافظ إبراهيم  وصدر له ديوان شعر مطبوع في أربعة أجزاء عام\ 1908
ونظراً لجهوده الأدبية المميزة قامت الحكومة المصرية بعقد مهرجان ادبي  لتكريمه  حضره كثير من الأدباء والمفكرين من بينهم الأديب الكبير طه حسين.

    مرض خليل  مطران في القاهرة واشتد  به المرض حتى وافته المنية في اجله المحتوم في الاول تموز سنة\ 1949 في القاهرة وهكذا شهدت  مصر وفاته  كما  شهدت  لبنان  ولادته  فهو بحق شاعر القطرين .


     قدم  خليل  مطران  للمكتبة  العربية  العديد  من  الكتب النادرة  في النثر منها :

ينابيع الحكمة
والأمثال
ديوان الخليل 
إلى الشباب
و العديد من المترجمات لكل من شكسبير  وفيكتور هوجو. اضافة  الى ديوانه الشعري الكبير.

          دعا خليل إلى التجديد في الأدب العربي والشعر خاصة فكان أحد الرواد الذين اخرجوا الشعر العربي من أغراضه التقليدية والفاظه  البدوية التي كانت  يتغنى بها  الشعراء  العرب ويحافظون عليها إلى أغراض حديثة  تنسجم  وطبيعة العصر وحداثته ونهضته امته  مع الحفاظ على  أصول اللغة  والتعبير في النحو والصرف  والبلاغة والبحور الشعرية  ويعتبر من اوائل الذين  كتبوا الشعر القصصي والتصويري او المسرحي في الأدب العربي .

        خليل  مطران يتميز بحسه الوطني فقد شارك في كثير من الحركات الوطنية التي أسهمت في تحرير الوطن العربي  وانتقل من باريس الى مصر ليكون في احضان القاهرة   حيث عمل كمحرر بجريدة الأهرام لعدة سنوات  ثم قام بإنشاء ( المجلة المصرية ) ومن  بعدها  جريدة ( الجوانب المصرية ) اليومية  والتي كان فيها مناصرا لزعيم الثورة المصرية  (مصطفى كامل )  في حركته الوطنية ضد الاستعمار و في سبيل النهضة العربية وتقدم الشعب العربي في مصر وقد استمر في إصدارها على مدى اربعة اعوام   وقام بترجمة العديد من الكتب. لاحظه يقول في احدى قصائده الثائرة :

شـرِّدُوا أَخْـيَـارَهَـا بَحْراً وَبَرا
                                        وَاقْـتُـلـوا أَحْرَارهَا حُرّاً فَحُرَّا

إِنَّـمـا الـصَّـالِـحُ يَـبْقَى صَالِحاً
                                        آخِـرَ الدَّهْرِ وَيَبْقَى الشَّرُّ شَرَّا

كَـسرُوا الأَقْلامَ هَلْ تَكْسِيرُهَا
                                        يَمْنَعُ الأَيْدي أَنْ تَنْقُشَ صَخْرَا

قَـطِّـعُـوا الأَيْـديَ هَـلْ تَقْطِيعُها
                                         يَـمنَعُ الأَعْيُنَ أَنْ تَنْظُرشزراَ

أَطْـفِـئُوا الأَعْيُنَ هَلْ إِطْفَاؤُهَا
                                       يَمْنَعُ  الأَنْفَاسَ أَنْ تصْعَدَ زَفْرَا

أَخْـمِـدُوا الأَنْفَاسَ هَذَا جُهْدُكمْ
                                        وَبِـه مَـنْـجـاتُـنَـا مِـنْكُمْ فَشكْرَا

     عرف مطران كواحد من رواد حركة التجديد  وصاحب مدرسة متجددة في الشعر والنثر،و تميز أسلوبه الشعري بالصدق الوجداني والأصالة العربية والنغمة الموسيقية  ويعد مطران من مجددي الشعر العربي الحديث  و من مجددي النثر فأخرجه من الأساليب الأدبية القديمة.

حاكى الشاعر خليل مطران في بداياته الشعرية شعراء عصره في أغراض الشعر التقليدية من غزل مدح ورثاء  الا انه أستقر على المدرسة  الرومانسية والتي  تأثر فيها  بثقافته  الاجنبية  الفرنسية فقد عنى خليل مطران بالخيال الشعري والايحاء   وأثرت مدرسته الرومانسية الجديدة على العديد من الشعراء في عصره  ومن شعره الرومانسي هذه الابيات التي انشدها عندما سئل عن حبيبته :

يَا مُنَى الْقَلْبِ وَنُورَ العَيْنِ مُذْ كُنْتُ وَكُنْتِ

لَمْ أَشَأْ أَنْ يَعْلَمَ النَّاسُ بِمَا صُنْتُ وَصُنْتِ

وَلِـمَـا حَـاذَرْتُ مِـنْ فِـطْـنَـتِـهِمْ فِينَا فَطِنْتِ

إِنَّ لَـيْـلاَيَ وَهِـنْـدِي وَسُـعَادِي مَنْ ا نَنْتِ

تَـكْـثُـرُ الأَسْـمَـاءُ لَـكِنَّ المُسَمَّى هُا أَنْتِ

    شهدت حياة مطران جل الأحداث السياسية والوطنية والاجتماعية الهامة في العالم العربي وكان بالغ التأثر بها وعبر عن الكثير منها من خلال قصائده، وعرف فيها برقة مشاعره واحساسه العالي الأمر الذي نراه منعكسا في قصائده فكانت  اشبه بمرآة نرى فيها الاحداث على حقيقتها وقد تميزت بنزعة إنسانية ممزوجة بروح عربية  وطنية  كما  كان  للطبيعة  نصيب  في  شعره  كبير عبر عنها وتغنى بها في الكثير من قصائده شعره بالوصف، وقدم الكثير القصائد الرومانسية وتعد قصيدة (المساء) من أشهر قصائد مطران رومانسية
يقول فيها:

داءٌ ألَمَّ فَخِلْتُ فِيهِ شَفَائِي
                                      مِنْ صَبْوَتِي فَتَضَاعَفَتْ بُرَحَائِي

يَا لَلضَّعِيفَيْنِ اسْتَبَدَّا بِي وَمَا
                                         فِي الظُّلْمِ مِثْلُ تَحَكُّمِ الضُّعَفَاءِ

قَلْبٌ أَذَابَتْهُ الصَّبَابَةُ وَالْجَوَى
                                              وَغِلاَلَةٌ رَثَّتْ مِنِ الأَدْوَاءِ

وَالرُّوْحُ بيْنَهُمَا نَسِيمُ تَنَهُّدٍ فِي
                                           حَالَيَ التَّصْوِيبِ وَ الصُّعَدَاءِ

وَالعَقْلُ كَالمِصْبَاحِ يَغْشَى نُورَهُ
                                        كَدَرِي وَيُضْعِفُهُ نُضُوبُ دِمَائِي

هَذَا الَّذِي أَبْقَيْتِهِ يَا مُنْيَتِي
                                      مِنْ أَضْلُعِي وَحَشَاشَتِي وَذَكَائِي

عُمْرَيْنِ فِيكِ أَضَعْتُ لَوْ أَنْصَفْتِنِي
                                            لَمْ يَجْدُرَا بِتَأَسُّفِي وَبُكَائِي

عُمْرَ الْفَتَى الْفَانِي وَعُمْرَ مُخَلَّدٍ
                                            بِبيَانِهِ لَوْلاَكِ في الأَحْيَاءِ

إِنِّي أَقَمْتُ عَلى التَّعِلَّةِبِالمُنَى
                                          فِي غُرْبَةٍ قَالوا تَكُونُ دَوَائِي

إِنْ يَشْفِ هَذَا الْجِسْمَ طِيبُ هَوَائِهَا
                                            أَيُلَطَّف النِّيرَانَ طِيبُ هَوَاءِ

أَوْ يُمْسِكِ الْحَوْبَاءَ حُسْنُ مُقَامَهَا
                                           هَلْ مَسْكَةٌ فِي البُعْدِ للْحَوْبَاءِ

عَبَثٌ طَوَافِي فِي الْبِلاَدِ وَعِلَّةٌ
                                             فِي عِلَّةٍ مَنْفَايَ للاِسْتشْفَاءِ

مُتَفَرِّدٌ بِصَبَابَتِي مُتَفَرِّد
                                              بِكَآبَتِي   مُتَفَرِّدٌ    بَعَنَائِي

شاكٍ إِلى البَحْر اضْطَرابَ خَوَاطِرِي
                                             فَيُجِيبُنِي بِرِيَاحِهِ الهَوْجَاءِ

ثاوٍ عَلَى صَخْرٍ أَصَمَّ وَلَيْتَ لِي
                                           قَلْباً كَهَذِي الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ

يَنْتَابُهَا مَوْجٌ كَمَوْجِ مَكَارِهِي
                                           وَيَفُتُّهَا كَالسُّقْمِ فِي أَعْضَائِي

وَالبَحْرُ خَفَّاقُ الْجَوَانِبِ ضَائِقٌ
                                         كَمَداً كصَدْرِي سَاعَةَ الإِمْسَاءِ

تَغْشَى الْبَريَّةَ كُدْرَةٌ وَكَأَنَّهَا
                                       صَعِدَتْ إِلى عَيْنَيَّ مِنْ أَحْشَائي

وَالأُفْقُ مُعْتَكِرٌ قَرِيحٌ جَفْنُهُ
                                       يُغْضِي عَلَى الْغَمَرَاتِ وَالأَقْذَاءِ

يا لَلْغُرُوبِ وَمَا بِهِ مِنْ عِبْرَةٍ
                                              للِمْسْتَهَامِ  وَعِبْرَةٍ  لِلرَّائي

أَوَلَيْسَ نَزْعاً لِلنَّهَارِ وَصَرْعَةً
                                            لِلشَّمْسِ بَيْنَ مَآتِمِ الأَضْوَاءِ

أَوَلَيْسَ طَمْساً لِلْيَقِينِ وَمَبْعَثاً
                                             للِشَّكِّ  بَيْنَ غَلاَئِلِ الظَّلْمَاءِ

أَوَلَيْسَ مَحْواً لِلْوُجُودِ إِلى مَدىً
                                            وَإبَادَةً   لِمَعَالِمِ    الأَشْيَاءِ..




*******************





















                     13

             معروف الرصافي

    

      
          هو معروف عبد الغني الرصافي .
 ولد ببغداد سنة\ 1294 هجرية\ 1875 ميلادية ودرس في الكتاتيب فيها ومن ثم في المدرسة الرشيدية .

        درس الادب العربي في جامع الفضل حيث أتصل بالشيخ العلامة محمود شكري الألوسي ولازمهُ أثنتي عشرة سنة، وتخرج عليهِ وكان يرتدي العمامة وزي العلماء  وسماهُ  شيخهُ  الألوسي (معروف الرصافي) ليكون في الصلاح والشهرة والسمعة الحسنة، مماثلا لمعروف الكرخي.

      عين الرصافي معلماً في مدرسة الراشدية التي أنشأها الشيخ عبد الوهاب النائب، شمال الأعظمية، ثم نقل مدرساً للأدب العربي في الأعدادية المركزية ببغداد، أيام الوالي نامق باشا الصغير عام \ 1902م، وظل فيها حتى أعلان الدستور العثماني عام\ 1908م،

          ثم سافر إلى اسطنبول لعله يحضى برعاية الحكومة العثمانية الا انه لم يحظ برعايتها فرجع الى بغداد  ،ثم عين مدرساً لمادة اللغة العربية في الكلية الشاهانية ومحرراً لجريدة( سبيل الرشاد ) والتي كانت تصدر في بغداد عام 1909م

       انتخب عضوا في مجلس( المبعوثان ) العثماني مرتين في عامي \1912 و\1914 وكذلك انتخب عضوا في مجلس النواب العراقي مرات عديدة

           اشتغل مدرسا في دار المعلمين العالية ببغداد و مفتشا في وزارة المعارف العراقية الا انه عزف عن العمل الحكومي . وبعد ذلك وعاش منزويا في داره وقد حاق به الفقر في اخر ايامه حتى قيل انه قام بيع السكاير المفردة للعيش مما تدره عليه لعدم تمكنه من العمل ولا يوجد له من يعيله في كبر سنه .

          عين مدرساً في دار المعلمين في القدس عام 1920م، وعاد إلى بغداد عام 1921م.

      وعندما احتل الإنجليز العراق  سنة 1920م، سرعان ما نصبوا فيصل بن الحسين ملكاً على البلاد وأصدروا  دستورا وأنشأوا برلمانا وأصبحت أمور البلاد بأيديهم  فثار الشعب العراقي  بوجه الاستعمار البريطاني وبضمنهم الشاعر الرصافي حيث كانت قصائده تلتهب نارا ثورية مستعرة وقد هزأ بسخرية من الانكليز واذنابهم ومما قاله قصيدته التي جاء فيها:

علم ودستور ومجلس أمة
                             كل عن المعنى الصحيح محرف

أسماء ليس لنا سوى ألفاظها
                                 أما  معانيها  فليست  تعرف

من يقرأ الدستور يعلم أنه
                               وفقا  لصك  الانتداب  مصنف

         فالدستور الذي سن في نظره ما هو إلا وثيقة جديدة للانتداب الذي فرضه الإنجليز على العراق، دستور مزيف وعلم الدولة مزيف هو الآخر، وحتى المجلس الذي يسمى ب(مجلس الأمة ) أيضا كان مزيفا، ثم نلاحظ الشاعر الرصافي يصرخ ساخرا ويقول:

يا قوم لا تتكلموا
                         إن الكلام محرم

ناموا ولا تستيقظوا
                          ما فاز إلا النوم

وتأخروا عن كل ما
                     يقضي بأن تتقدموا

ودعوا التفهم جانبا
                   فالخير أن لا تفهموا

أما السياسة فاتركوا
                     أبـدا ً ولا تنـدموا

        سافر إلى الإستانة( استانبول ) عام \ 1922م، وعاد إلى بغداد عام \ 1923م، وأصدر فيها جريدة (الأمل) وأنتخب عضواً في مجمع اللغة العربية في دمشق، عام \ 1923م، وبعد ذلك عين مفتشاً في مديرية المعارف ببغداد عام \ 1924م، ثم عين أستاذاً في اللغة العربية بدار المعلمين العالية عام \ 1927م.

       عاصر معروف الرصافي الشاعرَ العراقي جميل صدقي الزهاوي وقد دعى كلاهما إلى تحرير المرأة ونزع الحجاب (العباءة) التي كانت ولا تزال مستخدمة في العراق..

        اختلف الرصافي والزهاوي وتشنج احدهما من الاخر كثيرا واختلفت الاراء الا ان هذه الحالة كللت بالصلح بينهما قبل وفاتهما في جلسة حيث اصلح بينهما السيد (محمود صبحي الدفتري ) في داره في الحيدرخانة وقد حضر الجلسة المفكرون ورجال الثقافة منهم \ عبد العزيز الثعالبي وروفائيل بطي وفؤاد السمعاني والعلامة محمد بهجت الأثري.

      ارتحل الرصافي من بغداد الى الفلوجة التي تبعد عنها قرابة \80كم بعد أن سئم الحياة في بغداد، ونزل في ضيافة ( آل عريم )، الذين أنزلوه أحد منازهم المطلة على النهر ولغرض التفرغ للمطالعة والكتابة فكان يمضي فترة الصباح حتى الظهر بالكتابة .

       اجتمع الملك فيصل الاول مع الرصافي في مجلس عام عاتبه على بيته الشعري الذي يقول فيه-( يعدد أياماً ويقبض راتباً)
 فقال له: (يامعروف أنا الذي أعدد أياماً وأقبض راتباً ؟)
فأجابه الرصافي : ( أرجو أن لا تكون كذلك ياصاحب الجلالة )

        اشتغل مدرسا في دار المعلمين العالية ببغداد و مفتشا في وزارة المعارف العراقية الا انه عزف عن العمل الحكومي بعد ذلك وعاش منزويا في داره وقد حاق به الفقر في اخرايامه حتى قيل انه قام بيع السكاير المفردة للعيش مما تدره عليه لعدم تمكنه من العمل ولا يوجد له من يعيله  في كبر سنه .

     توفي الرصافي  بدارهِ  في محلة السفينة في الأعظمية  ببغداد ليلة  الجمعة في ربيع الثاني عام1364هـجرية الموافق16 مارس (آذار ) 1945ميلادية، وشيع بموكب مهيب سار فيهِ الأدباء والأعيان ورجال الصحافة ودفن في مقبرة الخيزران ببغداد .

         شيد للشاعرالرصافي نصبا تذكاريا تمثالاً نصب في الساحة المقابلة لجسر الشهداء عند تقاطع الشارع الاتي من صوب الكرخ عبر جسر الشهداء مع شارع الرشيد القريب من سوق السراي ( سوق الوراقين ) والمدرسة المستنصرية الأثرية في بغداد وسميت الساحة باسمه ( ساحة الرصافي ) و لايزال  التمثال قائما وشامخا يزين  الساحة  المذكورة   .

         يتميز شعره بسهولة الالفاظ وجزالتها وعلو الاسلوب وقد اشتهر بالشعر السياسي وقارع الاستعمار الانكليزي كثيرا وناضل في سبيل تحرير بلده وامته.و برع في الوصف والغزل والمدح والفخر وحث على  تاسيس المدارس  والمعاهد  والثورة على التاخر والانحطاط  الاجتماعي .
لاحظ قصيدته اذ يقول:

ابنوا المدارس واستقصوا بها الأملا
                                        حتى نطـاول في بنيانها زحلا

جودوا عليها بما درت مكاسبكم
                                        وقابلـوا باحتقار كل مـن بخلا

لا تجعلوا العلم فيها كـل غايتكم
                                    بل علموا النش‏ء علما ينتج العملا

ربـوا البنيـن مع التعليم تربية
                                     يمسي بهـا ناطق الدنيا به المثلا

فجيشوا جيش علم من شبيبتنـا
                                      عرمرما تضـرب الدنيا به المثلا

أنا لمن أمة في عهد نهضتنا
                                      بالعلم والسيف قبلا انشات دولا

       برع في الوصف والغزل والحكمة والفخر وحث على  الثورة ضد  التأخر والانحطاط  ومن  قصيدة  له في وصفه لغروب
 الشمس هذه الابيات :

نزلت تجرالى المغيب ذيولا
                                        صفراء تشبه عاشقا متبولا

تهتز بين يد المغيب كأنها
                                       صب تململ في الفراش عليلا

ضحكت مشارقها بوجهك بكرة
                                       وبكت مغاربها الدماء اصيلا

قد حان في نصف النهار دلوكها
                                          هبطت تزيد علىالنزول نزولا

حتى دنت نحو المغيب ووجهها
                                       كالورس حال به الضياء حيولا

وغدت باقصى الافق مثل عرارة
                                         عطشت فابدت صفرة وذيولا

غربت فابقت كالشواظ عقيبها
                                           شفقا بحاشية السماء طويلا

شفق يروع القلب شاحب لونه
                                         كالسيف ضمخ بالدما مسلو لا

يحكي دم المظلوم مازج ادمعا
                                          هملت يها عين اليتيم همو لا

رقت اعاليه واسفله الذي
                                       في الافق اشبع عصفرا محلو لا





----------------------------------------------











 14

امين الريحاني
فيلسوف الفريكة
.

             هو أمين بن فارس بن أنطوان بن يوسف بن المطران باسيل البجاني الماروني

        ولد في 24 أكتوبر / تشرين الاول 1876 في بلدة (الفريكة) من قرى منطقة المتن الشمالي في جبل لبنان، وهو من أسرة مارونية تعود بجذورها إلى قرية (بجّة) في بلاد جبيل اللبنانية.
انتقلت اسرته منذ حوالي منتصف القرن السابع عشر إلى ضيعة (بيت شباب) في هذا المتن، ومنها إلى (الشاوية) مع المطران باسيليوس عبد الأحد سعادة البجاني، الجد الثاني لوالد أمين، ويحكى أن منزل الأسرة هناك كان محاطا بشجر(الآس) أو الريحان ومن هذه عرف ببيت الريحاني.

        والد فارس (انطون الريحاني) من الشاوية، ووالدته (أنيسة جفال طعمه )من (القرنة الحمراء)
عمل والده في تجارة الحرير ونمت عائلته حتى أصبحت تضم ستة أولاد هم على التوالي: أمين (البكر)،و سعدى  و أسعد، ويوسف  و أدال و ألبرت. ومما يؤثر عنه ان طفولة أمين عرفت شقاوة مميزة بين الصبية لحدة في طبعه فقد كان كثيرا ما يعود إلى المنزل بعد عراك مع رفاقه، أو بعد تلاسن واقتتال بسبب اللعب مع أولاد القرية، وقلما كان يرضخ لإرادة ذويه، وكثيرا ما كان يصر على ما يريد، و قيل انه إذا زار معمل والده فانه يزوره ليس للعون والمساعدة، بل لفضول عنده لمعرفة ما يجري، فيستمع ويراقب الفتيات العاملات، وحين يصلين يجد نفسه خارج الجمع فلا يشارك في الصلاة، ولعل طبعه هو الذي دفعه من حيث لا يدري إلى التذمر والإنزعاج من أمور كان يصادفها في البيت اومعمل الحرير اوازقة القرية، ومما يذكره شقيقه ألبرت:
 (أن أمينا في طفولته ما كان لا يتقيد بالشعائر الدينية أسوة بوالدته).

          كانت نشأة امين الدراسية الأولى غير منتظمة، ولم تكن مادة الدراسة تختلف عن مادة الكتيبات الأولية المتداولة في مدرسة (تحت السنديانة) في ذلك الزمان كانت أولى دروسه الإبتدائية على يد معلم القرية، أمام كنيسة (مار مارون) المجاورة لمنزل والده شتاء وتحت زيتونة هرمة  قرب العين  في الخريف والربيع.

        ويذكر الريحاني عن هذه الفترة من تعليمه أنه كان يقرأ كراسة الأبجدية، والمزمور الأول من مزامير داود غليه السلام على يد (الشدياق متى)، تحت الجوزة في الساحة السفلى من (بيت شباب) وينتقل إلى مدرسة (نعوم مكرزل) حيث يتلقن مبادئ الفرنسية إلى جانب القراءة العربية والحساب والجغرافية، وقد عرف خلال دراسته بذكائه وتفوقه على أترابه.

         أرسله والده في صيف 1888 مع عمه إلى أمريكا وكان عمره اثنتي عشرة سنة، وفيها تعلم مبادئ اللغة الإنكليزية، وبرز ميله إلى المطالعة. ثم ترك المدرسة ليتسلم مهمة المحاسبة في متجر عمه في مدينة ( منهاتن) الامريكية

        اندفع الريحاني إلى المطالعة ليل نهار، فاطلع على أعمال الشعراء والكتاب أمثال شكسبير وهيجو وسبنسر وهاكسلي وكارليل وآخرين من المعاصرين والقدامى،وفي عام 1895التحق بفرقة تمثيل محلية بعد أن ولدت فيه المطالعات ميلاً إلى فن التمثيل، حيث بقي فيها ثلاثة أشهر، ثم تركها لأسباب مجهولة لم تعرف واخالها نفسية
وفي عام 1897 التحق بمعهد الحقوق في جامعة نيويورك، واستمر فيه سنة الا انه احس بالمرض فأشار عليه الطبيب بالعودة إلى لبنان، فعاد إليه عام 1898، وهناك درس الإنكليزية في مدرسة أكليريكية، وتعلم اللغة العربية بالمقابل وبدأ في كتابة المقالات في جريدة (الإصلاح) التي اتخذها منبراً للهجوم على الدولة العثمانية.

     وفي عام 1899 رجع الريحاني إلى أمريكا فاشتغل بالتجارة والأدب، وبدأ في إصدار الكتب وكان أولها كتاب ( موجز الثورة الفرنسية)، كما ترجم إلى الإنكليزية مختارات من شعر الشاعر والفيلسوف العربي - أبي العلاء المعري، ومنذ ذلك الحين كرس حياته للكتابة، وفي هذا الإطار تعترف صحيفة (الأوبزرفر) اللندنية بأن (أمين الريحاني هو أول من كتب كتباً بالإنجليزية عن البلاد العربية والشرق الأدنى).

وفي سنة 1904 عاد الريحاني إلى لبنان مروراً بمصر، فزار الخديوي (عباس حلمي)، واتصل بأبرز الأدباء والزعماء السياسيين، وتباحث معهم في أحوال الشرق العربي الاجتماعية والسياسية والفكرية ووسائل النهوض بها،
وفي لبنان تابع نشاطه الفكري والاجتماعي الكثير والمتعدد الأوجه، وأصبحت صومعته في قريته (الفريكة) ملتقى عشرات الأدباء من أمثال: محمد كرد علي وبيرو باولي والأخطل الصغير والشيخ مصطفى الغلاييني وغيرهم، كما كان ينتقل من مدينة إلى أخرى يلقي الخطب داعياً إلى الحرية ومهاجماً الإقطاع والخضوع للاستعمار والجهل، ويحاضر في الجامعة الأمريكية في بيروت وفي معاهد أخرى في لبنان وسوريا، ويكتب وينشر في المجلات والجرائد العربية والإنكليزية.

         وفي سنة 1911 قفل أمين الريحاني راجعاً إلى نيويورك ليطبع كتابه (كتاب خالد)، ومنذ ذلك الحين أصبح يتنقل بين نيويورك وبلدته الفريكة. وأصبح معروفا في أمريكا وإنكلترا وكندا، وكذلك في أوروبا والشرق الأدنى والبلاد العربية.

         في عام 1911 جرى اختيار أمين الريحاني عضواً مراسلاً للمجمع العربي بدمشق، وكان عضواً في جمعية الشعراء الأمريكيين وفي منتدى الصحافة النيويوركية ونادي المؤلفين الأمريكيين والجمعية الشرقية الأمريكية، كما اختاره معهد الدراسات العربية في المغرب الأسباني رئيس شرف له.


          في الحرب العالمية الأولى كان الريحاني أحد أعضاء (اللجنة السورية ـ اللبنانية) التي مارست نشاطاً سياسياً ضد السيطرة التركية. ومما يذكر ايضا اشتراك الريحاني سنة \1918 في مؤتمر انعقد في واشنطن من أجل الحد من التسلح، وقد زار أوروبا عدة مرات حيث التقى في إحدى زياراته الفيلسوف (ولز) صاحب النظرية المستقبلية و جرى نقاش ووجهات نظر بينهما حول الشرق والغرب..

           في عام 1922 بدأ رحلته الى الجزيرة العربية حيث قابل فيها شريف مكة - الحسين بن علي وسلطان قبائل حاشد والإمام يحيى إمام اليمن وعبد العزيز آل سعود امير نجد وأمير الكويت أحمد الجابر الصباح وشيخ البحرين أحمد بن عيسى وفيصل الأول ملك العراق  ووثق ذلك كتابة عن رحلاته بالعربية والإنجليزية وشرح قضابا العرب في أمريكا وطالب باستقلال لبنان من الاستعمار الفرنسي وطرده من لبنان الامر الذي جعلت فرنسا  تقرر نفيه خارج لبنان  فنفته إلى العراق فانتقل الى بغداد ولم يعد إلا بعد ضغط كبير من الجاليات العربية في المهاجر. حيث عاد منها عام 1934

         تأثر امين الريحاني كثيرا بمبادئ الثورة الفرنسية وإنتقد المادية الغربية وكان معجبا بنشاط الأميريكين وقد كان مؤثرا في كتاباته في الأوساط الأميركية والغربية وقد كتب عن الرقي ومعناه وعن الحياة السياسية والإجتماعية وكان يحض المغتربين على التطوع للدفاع عن أوطانهم واستقلال بلادهم وقد تأثر بفلسفة شكسبير وكارليل وفولتير.
وخلال السنوات مابين 1927 ـ 1939، حاضر الريحاني في الولايات المتحدة الأمريكية حول مخاطر الدور الصهيوني في الوطن العربي، وشن حرباً ثقافية شديدة الوقع دفاعاً عن الحرية والتحرر والحقوق الإنسانية، وقد طلب إليه الحاج( أمين الحسيني) أن يشترك في الوفد الفلسطيني لمفاوضة الحكومة البريطانية فاعتذر.

           في 15 أغسطس آب عام \1947 تعرض أمين الريحاني لحادث إثر سقوطه عن دراجة اعتاد أن يركبها على طرقات الجبل حول بلدته الفريكة وأدخل المستشفى 

      توفي في 12 سبتمبر عام 1947 . ودفن في بلدته الفريكة .
وأقيم له تمثالاً نصب في باحة كلية الآداب في الجامعة اللبنانية.لايزال شاخصا اعترافا بفضله ومكانته الثقافية .

منح أمين الريحاني عدة أوسمة منها :
ـ وسام المعارف الأول
ـ وسام المعارف الأول للمغرب الإسباني
ـ وسام الاستحقاق اللبناني الأول المذهب.

من أهم مؤلفاته:
هاتف الاودية ( ديوان شعر )
موجز الثورة الفرنسية
ملوك العرب
قلب العراق
المغرب الأقصى
قلب لبنان   بالعربية والإنجليزية.

         أمين فارس أنطوان الريحاني اديب و شاعر و باحث و مؤرخ و كاتب و روائي وقصصي و مسرحي و رحالة و سياسي و عالم آثار و ناقد ادبي و خطيب و رسام كاركتير اضافة الى انه داعية من دعاة الإصلاح الإجتماعي، وعملاق من عمالقة الأدب العربي وواحد من رجال الفكروالثقافة العربية والعالمية، وقد لقب ب(فيلسوف الفريكة )

          امين الريحاني ترك تراثا أدبيا وتاريخيا ضخما وقيما كما كتب المسرحيات والقصص بالعربية والإنجليزية وكان من أشهر أدباء المهجر بعد جبران خليل جبران.

    يعتبر الريحاني الأب المؤسس لما يُسمّى بالأدب العربي الأمريكي والأدب المهجري، له تسعة وعشرون مؤلفًا باللغة الإنكليزية وستة وعشرون مؤلفًا باللغة العربية.

      ومن نثره الجميل يقول في وصف الشعر\

( الشعر أمواج من العقل والتصور تولدها الحياة ويدفعها الشعور، فتجيء الموجة كبيرة أو صغيرة، هائجة أو هادئة، باردة أو فاترة أو محرقة، بحسب ما في الدافع من قوة الحس والنظر والبيان.
ولكل موجة من الأمواج قالب من اللفظ، شعرا كان أو نثرا، يصيغه الشاعر في حال التقيد أو الاطلاق، فيجئ مجسما أو عدلا، مبتذلا أو مبتكرا، سمجا أو جميلا، بحسب ما عنده من علم وذوق وصناعة. وإذا ما جاء صغيرا يفقدها الضغط جمالها ومعناها، إذن لكن موجة قالب لا تهنأ في سواه أو بالحري لكل فكر صيغة لا يسلم ولا يصح ولا يكون جميلا إلا فيها. )

         الريحاني أديب بارع وشاعر فذ ألبس الشعر والنثر جلبابًا جديدًا. وهو القصاص الذي يسحرك بيانه ويجذبك إلى نهاية القصة وهو الممثل الذي يغريك فنه وتستهويك تعابيره ومظاهره. وقد تأثر كثيرا بالشاعر الأمريكي( وولت ويتمان) وكان أول من أدخل الشعر الحر (غير الموزون) إلى الشعر العربي.

يعدّ أمين الريحاني أول من كتب الشعر المنثور في الأدب العربي، حيث أصدر  \ ديوان هتاف الأودية . ويعد من اوائل روّاد الرومانسية العربية ومن أسبق الداعين إلى تحرير الشعر من أسر الأوزان والقوافي. .


من جميل شعره هذه القصيدة بعنوان ( ارز لبنان )\

رفعت حجرا من حجارة الطريق إلى فمي
فقبلته ورعا، حامدا، آملا؛
قبل أن دخلت الظلال القدسية،
واستغفرت الأرز لامتهاني حرمة عزلته؛
هذه العزلة الفريدة في أعالي الجبال،
فوق وكر النسور،
وراء حجب الآفاق.
استغفرت الأرز،
لأني جئت أشق ستار كعبته،
جئت أستكشف مكنون سره..
إيه ربة الأشجار
، وسيدة الجبل الجبار،
أنت الرافعة أعلامك الخضراء بين هذه الصخور الدكناء،
بنت الجديدين،
وأخت القمرين،
حدثيني،
وعلميني،
وارفعي بي إلى علياء إيمانك؛
فقد جئت مستمدا من ينبوعك العالي
القوة والحكمة





                  *****************

















                                  15


            علي الجارم



            هو علي بن محمد بن صالح بن ابراهيم الجارم

    ولد بمدينة ( رشيد ) المصرية  سنة \ 1881م  والده  الشيخ محمد صالح الجارم أحد علماء الأزهر والقاضي الشرعي لمدينة (دمنهور)  والمتوفي عام 1910م ، وكان جده ابراهيم الجارم ملاذا لابناء المدينة من جور الحاكم التركي فيها.

      عاصر علي الجارم دخول الإحتلال الفرنسي لمصر عام\ 1882م   فتم حل الجيش الوطني عام\ 1883 وأجبر الإحتلال مصر على إخلاء السودان عام\ 1884م.

      و( رشيد)  مدينة مصرية تقع على الناحية القصوى من الشاطئ الغربي للنيل   اي فرعه المسمى باسم  المدينة (فرع رشيد )، تستمد منه الحياة و الجمال  والجلال  وتمزج  بحقائق  التاريخ  الحديث
 وقال فيها:

أرشيد يا بلدي ويا ملهى الصبا
                               بيني وبين مدى الضبا  أعوام

أيام لي في كل سرح نغمة
                                     وبكل  ركن  وقفة  ولمام

ألهو كما تلهو الطيور حديثها
                                  شدو  ورف جناحها أنغام

      وهي مدينة محافظة  ويعتقد أهلها  أنهم  ينحدرون من قبيلة قريش  بالجزيرة العربية  .

      درس علي عند الكتّاب حتى سن الحادية عشرة حيث تلقى في دروسه ما تيسر من القرآن الكريم وشيئا لا باس به  من القراءة والحساب  إنتقل بعد الحادية عشرة من عمره إلى القاهرة مع شقيقه الشيخ محمد نعمان الجارم وإلتحق بالأزهر وسكنا في درب السلحدار بحي الأزهر بغرفة بسطح  أحد البيوت وإلتحق  بالأزهر وتلقى علوم  الدين على  يدي الشيخ  الامام  محمد  عبده   ثم إلتحق بدار العلوم .

      وكان  من  بين زملائه الدكتور طه حسين والأستاذ أحمد أمين   ومن الأزهر إلتحق بدار العلوم في عام 1902م ، وإعتبرها موئل العربية  ففيها  تحيا وفي غيرها تموت ، ووجد في دار العلوم خير طلاب الأزهر من الذين يتذوقون الأدب  وهام شاعرنا حبا  بمعهده الجديد وبأساتذته:

هي في مصر كعبة بعـــــــــث
                         الشر ق إليها طوائف الركبان

قد أعادت عهد الأعاريب في مصر
                              إلى ناعم من العيش هاني

وأطلت من الخــــــــــــباء عليهم
                              فســــبتهم بسحرها الفتان

كتب لصديقه اميرالشعراء احمد شوقي يقول :

  ( نشأت فى أسرة فتنت بالأدب   وأغرمت بفطرتها  وباستعدادها الموروث - براوئع الشعر على اختلاف ألوانه وفنونه   وكان أبى إذا جلس بعد العشاء، التف حوله أبناؤه فتنقل بهم من أدب إلى تاريخ إلى بحوث سلسلة فى اللغة ، ثم شعر جزل رصين ، ولقد كان - رحمه الله - كثير القراءة ، قوى الحافظة ، حسن العرض والأداء ، فكان  متاعاً أن نستمع له ، وأن ترف نفوسنا حوله  طليقة  مرحة فى هذا الجو العجيب)

       اثرت  الأحداث الجارية  في بلده على حسه القومي والوطني وإنعكست على شعره وتوجهاته الفكرية والثقافية  دون أن يشتغل بالسياسة  أو ينتمي إلى حزب من الأحزاب  وبموت الخديوي توفيق ظهر على الساحة الوطنية شخصيتان هما .. الخديوي عباس حلمي الثاني ومصطفى كامل وتم الإتفاق الودي  بين إنجلترا وفرنسا  عام \1904 ثم دخلت إلى مشاعر المصريين وأحساسيهم الوطنية مأساة دنشواي عام\ 1906 ، حيث كان عمر الشاعر \ 26 سنة.. او قل قبل تخرجه من دار العلوم عام \1908م  فإستوعب من أهله ومن حياته كل هذه الأحداث السياسية   وترسبت في وجدانه ولكنه قرر أن يحتفظ بالوطنية بعيدا عن الحزبية  وبالقومية  بعيدا عن أي جماعات سياسية ، وأن يحتفظ في أعماله بالولاء للعروبة والإسلام .

       عين مدرسا بمدرسة التجارة المتوسطة  ثم  سافر في بعثة إلى إنجلترا  . وفي مدينة (نوتنجهام) درس أصول التربية وقد بقي فيها اكثر من اربع سنوات .
وفيها يقول :

أَبصرت أَعمى في الضَبابِ بلندنٍ
                                      يمشي فلا يشكو ولا يتأَوَهُ

فأَتاه يسأَله الهِداية مبصرٌ
                                 حيران يحبط في الظلامِ ويعمهُ

فاقتاده الأَعمى فسار وراءه
                                      أَنَّى توجَّه  خطوهُ   يتوجَّهُ

وهنا بدا القدر المعربد ضاحكًا
                                ومضى الضباب ولا يزال يقهقهُ

      رجع من  لندن  ليكون  مدرسا   في مصر بدار العلوم عام \1912م  

          وفي عام \1919م كانت الثورة الشعبية الكبرى بقيادة( سعد زغلول ) تجتاح  البلاد  وكان شاعرنا  مفتشا  للغة  العربية   بوزراة المعارف أفصح لجمهور التربية من المعلمين والمدرسين والطلبة أن الثورة الشعبية (وليدة إرادة الأمة هذه الامة التي عانت من الكبت والحرمان ومن الإحتلال قرابة أربعين عاما.)

     وبعد عمله بدار العلوم نقل عام\ 1917م مفتشا بوزارة المعارف ورقي إلى وظيفة كبير مفتشي اللغة العربية حتى عام \ 1940 ، وظل وكيلا لدار العلوم إلى أن أحيل إلى المعاش عام \1941م. مع العلم  انه  أصبح عام \1932 م عضوا بمجمع
اللغة العربية بالقاهرة .

      وتعرف علي الجارم  إلى ( محمود فهمي النقراشي ) او بقى وفيا على صداقته اليه إلى أن أغتيل محمود فهمي النقراشي فرثاه  بقصيدة  تعد  اخر قصيدة  كتبها على الجارم .

        بينما كان  ولده بدرالدين  يلقي قصيدة والده- نيابة عنه حيث كان يعاني من وعكة صحية - في رثاء صديقه الحميم محمود فهمي النقراشي لفظ الوالد الانفاس .

     لقد  توفى الشاعرعلي الجارم في مساءاليوم الثامن من شباط من عام \1949

 ترك  لنا  علي الجارم  بعد  موته جملة  من المؤلفات  والروايا التي كتبها  عدا  الشعر  ومن مؤلفاته   :
 1- ديوان شعر باريعة اجزاء طبع عام 1938
2-فارس بني حمدان   
 3- هاتف من الأندلس
 4- مرح الوليد
5- في سيرة يزيد الأموي
6- المعتمد بن عبا د
 7- ابن زيدون وشاعر ملك
8- الفارس الملثم
9- الشاعر الطموح المتنبي
10 - نهاية المتنبي .
11- سبات الخيال
 وعدد اخر من المؤلفات

 وكذلك إشترك في إصدار:
1- (المجمل من الأدب العربي )
2-  (المفصل في الأدب العربي )
 3- (النحو الواضح) في  ستة أجزاء
4- (البلاغة الواضحة) في جزأين  

كان يحن لشبابه كثيرا في شيخوخته فيقول:

آه لو يشتري الزمان قريضي
                                          بسنين  تعد لي في  حسابه

ما الذي تبتغي يد الدهر عني
                                        ودمي لا  يزال  ملء   لعابه

     المتتبع لشعر علي الجارم  يجد ان اغلبه  قيل  في المناسبات الوطنية والقومية وفيه ايضا التفاتة الى الغزل بما يستهوي النفوس المتعطشة للحب والغرام وهنا لك قصائد في الرثاء وكانت اخر قصيدة نظمها  في الرثاء  هي التي نظمها في  مقتل  صديقه  النقراشي
يتميز شعره بحسن الاداء والرومانسية وكأنه يغرف من بحرالحياة شعورا .

يتغنى علي الجارم في بغداد تغني العاشق المحب بحبيبته
فيقول في  قصيدته :

( بغداد )، يابلـد (الرشــيد)
                                              ومـنـارة المجـــــد التلـــيد

يـا بـــسمـــة لمــــا تــــــــــزل
                                               زهــــراء في ثغـر الخلـــود

يـا ســــطر مجــد للــعروبــــــة
                                                خــــط في لـوح الوجــــود

يا رايـة الإسلام، والإسلام
                                               خـفــــــــاق   الـــــــبنـــود

يـا مــغرب اللــيل القــديم
                                              ومــشرق الأمـــل الجـــديد

يـا بنت (دجلــة)، قـد ظـمئت
                                                لرشـــــف مـبسمك البرود

يـا بهــــجة الصــحراء، ردي
                                              بهـــــجة الدنـــــيا وزيــدي

كم جاش جيشك بالفـــوارس
                                            مـن أســـــــاورة وصـــــيد

للنـــــــــــصـر في أعـــلامــهم
                                          صــلة بأبنــــــاء الغـمـــــــود

مـــــلك إذا صـــــــورتــه
                                         عجز الخيـال عن الصـــــــعود


        ************************************




                                   16
             الشاعر حبيب فارس
                          امير المنابر
.

          هو فليكس  حبيب بن فارس، ولد في ( صليما) من اعمال (لبنان) سنة 1882 من أب محام دكتور في الحقوق وأم مثقّفة هي (لويزة شفاليه ) سويسرية بأمِّها فرنسيّة لأبيها.

        كان حبيب - والد فليكس - كاتباً تَرَسَّل لقضايا أُمَّته نشد الحُرّية والإصلاح ما أغضب الدولة العثمانية، فاضطهدته. فسافر قسراً إلى مصر حيث أصدر مجلّة (صدى الشَّرق) سنة 1891. فتأثر فليكس بثقافة والده العربيّة وتحرّره كما تأثر بثقافة أُمِّه الفرنسّية.

        لم يُمضِ فليكس فارس أكثر من سنة ونصف في المدارس، منها سنة في مدرسة( صليما ) وستة أشهر في المدرسة الوطنيّة لنعيم صوايا في (بعبدات ) التي تأسّست سنة 1888. وقد أكَّد بنفسه مُدَّة دراسته هذه بمناسبة مرور عشر سنوات على تأسيس المدرسة الوطنيّة، فقال سنة 1898 في قصيدته بهذه المناسبة:

سنة بالدروس مرّت سريعاً

                                      وهي تحكي أحلامنا الذهبيّة

وقد كفتني عِلماً وكانت ختاما

                                   وهي كانت حياتي المدرسيّة

       ولكن فليكس فارس انصرف إلى تثقيف نفسه فأخذ العلم على والده وتأثّرَه بوالدته وجدَّتهِ لأُمِّه. وأخذ روح النِّضال  وحُبّ  الحرّية عن والده الذي دافع عن قضايا لبنان الوطنيّة في مجلّته صدى الشّرق التي توقفت عن الصدور سنة 1917 بعد ثمانية وعشرين عاماً من صدورها .

       أمّا والدة فليكس فقد أثَّرت فيه شفافيتها وحبّبت اليه اللّغة الفرنسيّة والفنّ والموسيقى. كما أن جدَّته لوالدته نمَّت فيه حُبّ اللغّة الفرنسّية وساعدته على اتقانها.

         واتقاء للاضطهاد هربت العائلة إلى  (المريجات )، وبدلاً من خباء الذهن فقد شحذ الاضطهاد ذكاء فليكس  فإندمج  بجوِّ العائلة الثقافي وأحبّ الشِّعر الفرنسّي ونَظمهُ، كما أحبَّ اللُّغة العربيّة وأتقنها، حتى لقب  (أمير المنابر) كما نظم الشّعر، وكانت بواكيره في (المريجات) بلبنان . أما سنة انتقال العائلة إلى المريجات فليست معروفة بالضبط .  وربما كانت 1894 بعد سفره مع والده إلى (اسطنبول).

      كان فليكس جريئاً شجاعاً. يظهر في المناسبات فيخطب أو يقول الشِّعر وقد بدأ الانشاد وهو في الرابعة عشرة من عمره . وكانت غالبية قصائده التي قالها بين 1896 و1898 قصائد مناسبات جمعها باسم (زهّر الرُّبا في شِّعر الصِّبا)، وبدأ بعد هذا التاريخ بالترجمات، ويتبدى من بواكير ترجماته ميله إلى محاسن الأخلاق والإصلاح الاجتماعيّ.

            في التاسعة عشرة من عمره (1901) درس اللغة والأدب بالعربيّة والفرنسيّة، تملأه الثقة بالنفس والرغبة في نقل ما ثقَّف نفسه به إلى مجتمعه وخدمة هذا المجتمع. فدرَّس لدى الكبوشيين في عبيه وفي مدرسة الآداب الوطنيّة في الشبانية. و أحبَّ التعليم وباشر بتأليف كتاب القراءة وسبق نصوصه المختارة والمُعرّبة بمقدمة طويلة بيّن فيها ما يراه لازماً في تعليم المواد المختلفة ؛ لأنّه لم ينسجم مع الفوضى السائدة في التعليم، فقد ترك هذا الحقل إلى حقلٍ آخر كان ميالاً إليه هو الخطابة وكتابة المسرحيات وأخذ منذ سنة 1902 ينشر في مجلّتي (أنيس الجليس) و(لويتس) المصريتين لصاحبتهما (الكسندرا افبيرينو). ساعده في ذلك معرفة والده بالسيدة المذكورة. وألَّف رواية (القضاء أو نُصرة العُرفان) و(العدل والحب أو رواية الحبُّ الصادق). وباكراً إشتهر فليكس بقصائده بناظم باشا والي الشام فلقّب بشاعر دولتلو (ناظم باشا) (1902 - 1908) وبلغ من تقدير ناظم باشا وإحترامه له وإعترافه بإستقامته أن التقاه يوماً ويدهُ مُلطَّخة بالطّين فأبى أن يُسلِّم عليه إلاّ وهي كذلك وقال له :

- إنّ يداً ملوّثة بهذا الطّين لهي أنظف من أيدي الوزراء والأُمراء - على ما رواه مارون عبّود.

         ولكن التعليم لم يكن مدراراً فيكيفه، فترك مهنة  التعليم  إلى أعمال أخرى. لم يلقَ صعوبة  في ولوج أيّ منها. لما كان عليه هو من جرأة ووالده من إحترام .

         كانت الإدارة العامة الفرنسيّة للسِّكك الحديديّة تمدُّ الخطوط الحديديّة بين (حماه وحلب) ، فاتَّصل  بها والده  وطلب قبول  ابنه ليعمل فيها. فقُبل فوراً في تشرين الأول 1905. وكان حسن السيرة في العمل قويّ الشخصيّة فصيح اللسان، شاعراً، رقيق العاطفة، رزين الكلمة فرض إحترامه ومحبَّته، فكوَّن صداقات في( بعلبك ) بينه وبين أهلها وبينه وبين رؤسائه في العمل، وبرزت موهبته الشعريّة وكثر طالبو سماع شعره أو ذكِرهم في قصيدة، ولم يكُ مقتراً أو بخيلاً ؛ ولكن الأجر لم يكُ كافياً وهو لم يعتدّ التكسُّب، فترك( بعلبك ) والعمل فيها سنة 1907.


        شهد فليكس ما أصاب والده حبيب من مصائب واضطهاد من الوُلاة والمتُصرّفين، فلم يتعاطَ السياسة حتى سنة 1908، ولكنّه كان يراقب وتختمر في نفسه مآخذه وملاحظاته على الأوضاع المُضّطربة القائمة، وابتداء من سنة 1908 أخذ فليكس - من المريجات - يزوّد الصُّحف والمجلاّت بالقصائد والمقالات. في لبنان وفي المهاجر والمغتربات ؛ فراسل مجلّة الجامعة وجريدة الهُدى لنعوم مكرزل في المهاجر الأميركية. وجريدة النَّصير في لبنان.

         يعد الشاعر فيلكس حبيب واحد من اللبنانيين المتحّمسين للعروّبة، الذين لمع نجمهم في عالم الأدب والصحافة والمحاماة والفلسفة شعراً ونثراً وترجمة وتأليفاً وخطابة ومرافعات.

       وبعد شفائه من حادث تعرض له بحريق منزله في المريجات انتمى الى (جمعية الاتحاد والترقّي ) العاملة سرِّاً على الإصلاح في السلطنة العثمانيّة وعلى التخلُّص من عبد الحميد الثاني وإستمالت إليها ضباطاً من الجيش لخلع عبد الحميد واستبداله بشقيقه محمد رشاد، ووضعت دستوراً للسلطنة مُستمداً من الدُّستور الفرنسيّ ونشأ مجلس  ( المبعوثان ) ومجلس شيوخ، ولكن تعصُّب هذه الجمعية للقوميّة التُركيّة جعل الشعوب غير التُركيّة في السلطنة تتكتَّل ضِدَّها وساندتهم المعارضة فتأسس ( حزب الائتلاف )؛ وامتد الانقسام إلى لبنان بين الحزبين.

         وكان فليكس فارس تعلَّم أُسس الثورة الفرنسيّة : حُريَّة - مساواة - إخاء، فإعتلى المنابر دون أن يخشى أخصامه ودافع عن جمعية(الاتحاد والترقّي) ومبادئها.

وكان فليكس فارس يسعى للتقّرِيب وشَّدِ الأواصر بين الأديان وكُرهِ التعصُّب  الديني فأحبّه المسلمون والمسيحيّون على حدّ سواء وأعجبوا بحُسن بيانه وبهيّ طلعتِه.

 وفي سنة 1909 أصدر فارس في بيروت صحيفة ( لسان الاتحاد) وقد توقفت سنة 1911 وقد شاركه العمل فيها : أمين الريحاني وحبيب فارس وماري عجمي الأديبة السوريّة صاحبة( مجلة العروس ) وولي الدين يكنّ، إلاَّ أن حاله مع العثمانيين ساءت كثيرا .

           وبأثناء صدورصحيفة ( لسان الاتحاد ) سافر فارس إلى الاستانة سنة 1910 ليحضر احدى جلسات مجلس (المبعوثان). ومن الاستانة إستدّعى لتدريس الآداب واللّغة الفرنسيّة في المدرسة السُلطانيّة، وبقي مدرسا فيها حتّى أواخر الحرب العالمية الأولى (1917) وبأثناء وجوده في الاستانة أتقن اللغة الترُّكيَّة، سنة 1912 عُيّن تُرجماناً لولاية بيروت، ولم يعمل بهذه الوظيفة الا أربعة أشهر عاد بعدها إلى مدينة حلب  وكتب في مجلّتي (العروس) و(المراقب ) )السوريتين، ولقي نجاحاً باهراً وانهمرت عليه رسائل الشُّكر والتقدير من الاهلين ومن الأدباء. 


   أواخر العقد الثاني ومطلع العشرينات من هذا القرن بعد الحرب العالمية الأولى، أي بعد 1918، جرت محاولة توحيدية للدول العربية بقيادة الأمير فيصل، وكان لصوت فارس على المنابر آذان تسمع ونظرات ترنو، وقد أعجب به سامعوه في خطاب ألقاه سنة 1919 وفتحت أمامه كل الدوائر وسعت إليه الوظائف،غيرأن إخلاصه لوظيفته وامتناعه عن المحاماة، كل ذلك، كان سبباً في إنهاء وظيفته في دائرة إنحصار التّبغ، فغيره كان أسلم تعاملاً مع المهرّبين. وهو الذي رفض دائماً اللقاء معهم : فعاد فارس الى لبنان سنة 1920، وأعجب فارس، كما الغالبية اللبنانية، بجرأة الجنرال (غورو)، وقامت صداقة وإحترام بين الرَّجلين كان من نتيجتهما أن سمح الجنرال غورو لأمين الريحاني بالعودة الى البلاد على مسؤولية فليكس فارس.

       وفي سنة 1921 سعى فارس لتأسيس رابطة فنيّة تجمع بين أبناء الوطن من مختلف الطوائف وتُقاتل التعصُّب والتّفرِيق وانحدار الأخلاق وتعزُّز مكانة الآداب والفنّون، وقد أراد ان تكون ( بيروت ) مركزاً لها، ولكنّه كان مريضاً وسافر إلى الولايات المتّحدة (1921 - 1922) برفقة جان والياس الدبس، بهدف العمل على توحيد المهاجرين.

      وتعدّدت خطبه فيهم في أميركا وعرض عليهم مصائب المجاعة وأحيا فيهم الحنين إلى وطنهم. فإعتقل ستة عشر يوماً مع رفيقيه في جزيرة( الليس) قبل الوصول إلى أميركا لأن الإنكليز كانوا غير موافقين على هذه السَّفرة فجاء دور( أمين الريحاني ) في إنقاذهم، وساءت صحة فارس وحُطِّمت تماثيل المجاعة التي كان يحملها.

          وفي الولايات المتّحدة تمتَّنت أواصر الصداقة بينه وبين المهاجرين، وبخاصة الادباء منهم وفي مقدمهم جبران خليل جبران  ونعوم مكرزل وميخائيل نعيمة ورشيد أيوب وقد سُلّم مفاتيح مدينة (ديترويت ). وأعجب جبران بفارس الخطيب والشاعر وكتب عنه في جريدة( السائح ) وقد بقي الإثنان يتبادلان الرسائل، وكان فارس عندما إشتدَّ به المرض في أميركا أوصى بقلمه لجبران.

وفي شباط 1922 كان فارس من خطباء المنتدى السوريّ في (لورنس ماسّ ) الذي يرأسه الأديب فادي مراد. وفي الشهر اللاحق    ( أذار) إنتخبته الجمعيّة السوريّة التهذيبيّة عضو شرف فيها وفي نيسان خطب في المنتدى اللبنانيّ وفي أيار خطب في جمعية الصليب الاحمر الفرنسيّة اللبنانيّة وفي تموز إتصل به أحد كبار السياسيين في نيويورك الفونس تونيتي وطلب مقابلته لإجراء حديث معه عن أوضاع وأحداث الوطن كما يراها فارس وذلك بعد أن قرأ مقالاً له في التايمز. وكان لفارس نشاط في الصحف. فاضافة الى التايمز كتب في جريدة( فري والجورنال والسائح والهُّدى والأخلاق)، وعن لقائه بجبران يقول فارس :( جالست جبران ساعات طويلة تركت في نفسي أثراً لم تترك مثله أيّة شخصيّة كبيرة عرفتها في حياتي)
. أما جبران فقد ترجم قصيدتين لفارس الى الإنكليزيّة.

      عاد فارس الى لبنان سنة 1922 ولكنه لم ينقطع عن مراسلة الصُّحف الأميركيّة.أما مع الجنرال ويغان فالأمر في المعاملة إختلف عما كان عليه مع الجنرال غورو، ففضَّل فليكس المهنة الحرَّة ودرس المحاماة على والده المحامي المشهور حبيب وقد زكَّاه عدد كبير من المحامين لممارسة المهنة ونشرت مرافعات عديدة له في الصُّحف.

          و بعد مُدّة قصيرة من العمل في لبنان ، فكَّر بالسفر إلى مصر والعمل في صحُفها، وبعد استشارة أصدقائه الخُلَّص فضَّل العمل في الترّجمة في بلدية الاسكندريّة حيث أختير على إثر مباراة دخلها أربعون متبارياً..وكان فارس ينقل بترجمة فوريّة وبتعريب فورّي باللغّة الفُصحى مع الحفاظ على النَّص وترجمته حرفياً .
ولم يكتف بالترجمة في مصر، بل حاضر وخطب بعنوان (الخُطابة والخطيب وتأثيرهما في الأُمَم والجنون الاختياري في حرب المسّكرات، وصلاح المجتمع بصلاح الأُسرة والثقافة الشرقيّة) ويطول بنا السرد ما يستوجب دراسات وكتباً.

      وأثناء وجوده في مصر راسل صُحفاً أفريقيّة ومجلاّت برازيليّة ونشرت له رسالة إلى ميّ زيادة ورسالة إلى جبران، وتوثّقت عُرى الصداقة بين فارس وبين ميّ زيادة ودامت هذه الصداقة طويلاً وبينهما رسائل متبادلة في التشجّيع والنّقد والصَّحافة، ولم يتركها في محنها حتى يوم إتَّهمتْ بالجنُّون، وكاتب مصطفى صادق الرافعي وتعرّف إليه كما أن أحمد حسن الزيّات زاره وغيرهما.

        توفي فليكس فارس في 27 حزيران 1939 بمصر على اثر مرض أصابه، ونقل جثمانه إلى لبنان في 12 تموز من السنة ذاتها ودفن في لبنان .

مؤلـفـاته :
كما يقول فليكس فارس في مستهلِّ كتابه (هكذا تكلّم زرادشت) المطبوع في الاسكندرية سنة 1938 فانّ مؤلفاته هي :

1 - رسالة المنّبر الى الشرق العربي.

2 - هكذا تكلّم زرادشت - تأليف الفيلسوف الالماني فريدريك نيتشه - مترجمة.

3 - اعترافات فتى العصر، تأليف الفرد دي موسّيه - مُترجمة وقد أُعيد طبعها.

4 - رواية الحبُّ الصادق -

5 - شرف وهيام -

6 - النجوى إلى نساء سوريا

وأما ما ينتظر النشر فهو

1 - المراحل : سياسة وأدب واجتماع.

2 - القيثارة : ديوان شعر.

3 - قلعة حلب - وكتب أخرى.

4 - الأحرار في الشّرق - بالعربيّة.

5 - الأحرار في الشرق - بالفرنسية.

6 - رؤى متصوِّف عربّي - بالفرنسيّة.

7 - من إلهام الشّرق - بالفرنسيّة.

8 - من حدائق الغرب - مُختارات - مُتّرجمة.

9 - بين عهدين. قبل الاحتلال وبعده.

10 - أمام المحاكم : الإجرام والقانون.

11 - الأغلال : مسرحية متّرجمة.

12 - ثورة أثينا : مسرحية شعريّة نثريّة.

13 - حديث الأزهار

 ومن شعره  هذه الابيات الرائعة :


 حياك قلبي  ايا فردوسي الحالي
                                         فانت مسرح آلامي وآمالي

عليك ياطرس حيث لا احد 
                               ارمي على صدره في الوجد اثقالي


عليك ياقلمي القي الهموم  اذا
                                       تنازعتني نهبا  واعتلى بالي

وفيك  يا ابحر الاشعار اغرق ما
                                      يطفو على مدمع كالوبل سيال

لاأنت  اشبه شيء  بالتي سلبت
                                        قلبي الهناء وآهاتي وادلالي

 اثنان ندها لاشيت كل هوى
                                       فابد  لا عزو اكثاري   باقلال

معني الحياة واعلاء الوفاء  فما
                                         لقيت غير تباريحي واذلالي

 فكلما زدت ادراكا ازيد  ضنى
                                          كلما زدت  ودا  ذاد عذالي

كذاك عيش الفنى بين المباديوالمح
                                    سوس   لا يلتقي العرفان بالمال

فمالك المال  اعمى القلب يمتلك
                                     الدنيا وتبقى اسيرا  عبد اغلال

وطالب الحق حس كم  اشبهه
                                        براصد  فوق  طود مقفر عال

فيرسل الفكر جوا الا  ليرفع ما
                                 يشقي الورى وهو ثبت غير  جوال

فان افاد  افاد الناس  كلهم             
                                     من دونه  وهو معط دون تسآل

فما ارجي من الدنيا وقد بقيت
                                          فيها  العقائد اقوال  باقوال

 ااترك الجبل العالي  واسقط  ما
                                          بين الانام كطير بين  اطلال

 وارف عندي رفع الناس معتليا
                                        اهمال عقل  لغير المال ميال

وعندما انظر الايام مظلمة
                                   وان سقطت  كجنج النفس حمالي

 تحوم من حوله  الارواح تنشده
                                         حنين نفسي  باعظام واجلال

وسوف ياتي زمان فيه يسمعني
                                         ان الحياة ولكن بعد ترحالي






*******************************









17

بشارة الخوري
الاخطل الصغير


      هو بشارة بن عبد الله الخوري المعروف ب (الاخطل الصغير)
  ولد ببيروت لبنان سنة \1885 وكني ( وكني  بالاخطل الصغير) تيمنا بالشاعرالاموي الاخطل التغلبي ( الاخطل الكبير ).

       تلقى تعليمه الأولي في الكتّاب ثم أكمل دراسته الاولية في مدرسة الحكمة ثم في مدرسة الفرير.

       ولما  نشأ واكتمل أنشأ عام 1908 جريدة( البرق) وقد توقفت هذه الصحيفة عن  الصدور طوعيا وحسب رغبة  صاحبها  اثناء الحرب العالمية  الاولى 1914 – 1918 ثم عادت  للصدور واستمرت  في الصدور  حتى  بداية  عام 1933،حيث  أغلقتها السلطات الفرنسية وألغت امتيازها نهائياً.

اصبح نقيا للصحفيين في لبنان في ظل الاستعمار الفرنسي سنة \1928
اسس( حزب الشبية اللبناني ) وهوحزب سياسي يهدف الى تحرير واستقلال لبنان وطرد الاستعمار الفرنسي منها .

       كانت حياته سلسلة من المعارك الأدبية والسياسية نذر خلالها قلمه وشعره للدفاع عن أمته وإيقاظ هممها ضد الاستعمار والصهيونية، وكانت اللغة العربية ديدنه ومدار اعتزازه وفخره. )،

      لقب بشارة الخوري اضافة الى لقبه (الاخطل الصغير)  بلقب اخر حيث لقب ب (شاعرالهوى والشباب ) بعد ان انشد رائعته او قصيدته     ( الهوى والشباب )

        اصبح بشارة الخوري مرتين رئيس وزراء لبنان أثناء الانتداب الفرنسي الأولى كانت من 5 حزيران \ 1927 لغاية 10 اب \ 1928
الثانية من 9 حزيران \ 1929 لغاية 11 تشرين الاول 1929).
و تم انتخابة رئيسا لبلدية برج حمود في عام 1930 وأسس سنة 1932 الكتلة الدستورية التي تحولت إلى حزب سياسي عام \ 1955.

       في الحادي والعشرين من شهر ايلول \ 1943 إنتخب رئيساً
 للبنان وبقي رئيسا للجمهوية اللبنانية لمدة اقل ثلاثة اشهرثم اعتقل في 11 تشرين الثاني 1943 من قبل الفرنسيين مع الرئيس (رياض الصلح ) وعدد من أعضاء حكومتهم في قلعة ( راشيا ) وذلك  بسبب  طلبهم الاستقلال عن فرنسا  فادى  اعتقالهم  الى  ثورة عارمة للشعب في لبنان فاضطر الفرنسيون في آخر الأمر عن الافراج عنهما والاعتراف باستقلال لبنان بعد عشرة ايام من اعتقاله واعلن استقلال لبنان في يوم اطلاق سراحه وبقية المناضلين في لبنان ضد الاستعمارالفرنسي في يوم 22 تشرين الثانيى (نوفمبر) من سنة 1943 ثم انتخب بعدها رئيساً للجمهورية فكان أول رئيس للبنان بعد الاستقلال. وبعدها  أ صدر مع رياض الصلح الميثاق الوطني الذي نظم أسس الحكم في لبنان.

         شهد عهده الذي إستمر مدة تسع سنوات توالي 15 حكومة و9 رؤساء حكومات. وفي عهده شهدت العرب حرب فلسطين \عام 1948 واحتلالها من قبل الصهيونية والعالمية واليهود وهذه شذرات من قصيدته في ذكرى حرب فلسطين \

سائل العلياء عنا والزمانا
                                    هل  خفرنا  ذمة مذ عرفا نا

المروءات التي كانت بنا
                                 لم تزل تجري سعيرا في دمانا

ضجت الصحراء تشكو عريها
                                      فكسوناها  زئيرا ود خا نا

ضحك المجد لنا لما رءانا
                                   يد م  الابطال مصبوغا لوانا

عرس الاحرار ان يسقى العدى
                                        اكؤسا حمرا وانغاما حز ا نا

ومن العدل لديهم ا ننا
                                         نزرع النصر ويجنيه سوانا

كلما لوحت بالذكر لهم
                                        اوسعوا القول طلاءا ودهانا

ياجهاد ا صفق المجد له
                                       لبس الغا ر عليه الا ر جوانا

يا فلسطين التي كدنا لما
                                        كابدته من اسى ننسى اسا نا

نحن يااخت على العهد الذي
                                         قد رضعناه من المهد كلا نا

شرف للموت ان نطعمه
                                         انفسا جبارة تاءبى الهوا نا

انما الموت الذي ماتوا له
                                           حقنا نمشي اليه اين كا نا


  لكنه  في عام\ 1952 أجبر على الاستقالة بعد مظاهرات ضخمة بعد اتهامه بالفساد.

      انتشرت شهرته لتشمل كل ابناء الاقطار العربية شرقا وغربا وقد كرم عدة مرات في لبنان وفي القاهرة  ولقب  ب(امير الشعراء)  بعد وفاة الشاعر احمد شوقي في حفل بهيج أنشد فيه قصيدته الرائعة وقد تبين فيها مفهومه للشعر منها قوله:

شعر كما شاءه الإبداع مبتكر
                                      تدفقت فيه أمواج من الصور

غنى العروبة الحانا مجنحة
                               من دمعة الليل أو من بسمة السحر

من سحر لبنان، من شلال قمته
                                       وما تسلسل من آياته الكبر

         توفي شاعر الهوى والشباب بشارة الخوري او الاخطل الصغير. في بيروت عام \ 1968 .

صدر له ديوان الهوى والشباب عام\ 1953.
و ديوان شعر الأخطل الصغير عام\ 1961.


       اتسم شعره بالأصالة، وقوة السبك ، وجزالة الأسلوب، وانتقاء العبارة، ووضوح الصورة الشعرية وطرافتها ، و تنوع الأغراض التي كتب فيها وتعددها.

         تأثر الأخطل الصغير بحركات التجديد في الشعر العربي المعاصر ويمتاز شعره بالغنائية الرقيقة والكلمة المختارة بعناية فائقة. وان سر فنه الشعري جاء بتلك الحيوية التي تمتاز بالعاطفة الشاعرية التي تمتزج بالحروف فتنسج منها قصيدة مشرقة الالوان والظلال  وتستوحي من المعاني صورا شعرية في غاية البداعة والنضوج .

        تغنى الفنانون العرب في شعره كثيرا اطرب الناس وحبب اليهم شعره  ومنها هذه الابيات التي تغنى بها محمد عبد الوهاب اميرالغناء العربي \

جفنه علم الغزل
ومن العلم ما قتل

فحرقنا نفوسنا
في جحيم من القبل

ونشدنا ، ولم نزل ،
حلم الحب والشباب

حلم الزهر والندى
حلم اللهو والشراب

هاتها من يد الرضى
جرعة تبعث الجنون

كيف يشكو من الظما
من له هذه العيون

يا حبيبي ، أكلما
ضمنا للهوي مكان

أشعلوا النار حولنا
فغدونا لها دخان

قل لمن لام في الهوي ،
هكذا أحسن قد أمر

إن عشيقنا ... فعذرنا
أن في وجهنا نظر

        كما غنت له المطربة اللبنانية المشهورة ( فيروز) ذات الصوت الملائكي الناعم الشجي قصيدته ( يبكي ويضحك ) ومنها هذه الابيات :

يـبـكـي ويـضـحـك لاحـزنـاً ولا فـرحـا
                                       كـعاشقٍ خـطَّ سطراً في الهوى ومحا

من بسمة النجم همس في قصائده
                                       ومـن مـخالـسـه الـضّـبـي الذي سـنحا

قـلبٌ تــمـرس بــاللـذات وهــو فـتـى
                                            كـبـرعـم لـمـسـتـه الريـح فـانفتحا

مـاللأقاحية السـمراء قـد صـرفت
                                         عـنّـا هـواهـا؟أرق الـحسن مـاسمحا

لو كـنت تدرين مـا ألقاه مـن شـجن
                                         لـكنت أرفـق مـن آسـى ومـن صفحا


ومن قصائده المغناة ايضا هذه القصيدة وقد غنتها المطرية العراقية عفيفة اسكندر  والمطربة اللبنانية فيروز :                                  

يـاعاقد الـحاجبين
على الجبين اللجين

إن كنت تقصد قتلي
قـتلتني مـرتين

مـاذا يـريبك مني
ومـاهممت بـشين

أصُـفرةٌ في جبيني
أم رعشة في اليدين

تَـمر قـفز غزالٍ
بين الرصيف وبيني

وما نصبت شباكي
ولا أذنت لـعيني

تـبدو كأن لاتراني
ومـلء عينك عيني

ومـثل فعلك فعلي
ويلي من الأحمقين

مولاي لم تبق مني
حـياً سوى رمقين

صبرت حتى براني
وجدي وقرب حيني

ستحرم الشعر مني
وليس هـذا بهين

أخاف تدعو القوافي
عليك في المشرقين

          كانت قصيدة( الهوى والشباب)  التي كانت عنوانا لاحد دوا وين الشاعر هي اقرب إلى شعر اللوعة والتحسر وما  يختلج  في القلب من عاطفة تهز القلب هزا عنيفا فهو يخاطب فيها قلبه مرة وحبيبه مرة اخرى ويكاد اليأس يغلبه حين يقول:

الهوى والشباب والأمل المنشود
                                              توحي فتبعث الشعر حيّا

الهوى والشباب والامل المنشود
                                              ضاعت جميعها من يديّا

يا أيها الخافق المعذب يا قلبي
                                             نزحت الدموع من مقلتيّا

فحتم على إرسال دمعي
                                             كلما لاح بارق في محيّا

حبيبي لأجل عينيك ما القى
                                              وما  أول  الوشا  عليّا

أأنا العاشق الوحيد لتلقي
                                           تبعات الهوى على كتفيّا

        وكثير غير الذي ذكرته من قصائده مغناة من قبل اشهر المطربين العرب من امثال محمد عبد الوهاب وفريد الاطرش وفيروز ونرجس شوقي ووديع الصافي والمطربة العراقية عفيفة اسكندر وغيرهم .




                       ******************************






        








18

سليم رشيد الخوري
 الشاعرالقروي.     



        هو رشيد بن  سليم الخوري .  ولد في \ 17 نيسان من عام \ 1887 م بقرية (البربارة ) اللبنانية وكان ابوه معلما ثم ترك التعليم بعد زواجه ومارس تجارة التبغ والحرير.

      انتقل الى مدينة ( صيدا )  حين بلغ الثالثة عشرة سنة للدراسة فدرس في مدرسة الفنون الاميركية ثم في مدرسة سوق الغرب ثم  انتقل الى( بيروت ) ليكمل دراسته في الكلية السورية الانجيلية والتي تغير اسمها فيما بعد الى الجامعة الامريكية ولاتزال تحمل هذا الاسم في ( بيروت ).

       لقب الشاعر رشيد سليم الخوري ب( الشاعرالقروي ) وسبب تسميته ذكرها الشاعر نفسه في أحد دواوينه وهي أن الشاعر  الاردني (يعقوب العودات) الملقب (البدوي الملثم)، قد سأله كيف اخترت لقب الشاعر القروي، فقال:
-        بعد أن صدر ديواني الرشيديات، لم يُرق للناقد (قسطنطين الحداد)، فظل الحداد ينقده في جريدة تسمى بـ (المؤدب) وفي أحد المرات قرأ رشيد سليم الخوري أحد النعوت التي قد نعت بها من قِبـَل الناقد المذكور من هذه النعوت( الشاعرالقروي ) الذي أعجبه كثيرا  وجد الشاعر رشيد سليم الخوري فيه ضالته في هذا النعت .

      عمل في التعليم وتنقل  بعدة مدارس في لبنان ولم يكن سعيدا بعمله ولا قانعا به لذا هجر مهنة التعليم و لعدم كفاية مردودها المالي لعائلته الكبيرة . فاشتغل بعدة مهن مختلفة بجانب انصرافه الى قول الشعر فاصدر مجموعته الاولى او قل ديوانه الاول بعنوان :           ( الرشيديات )

       كان الشاعر رشيد سليم الخوري من أبناء جيله الذين شهدوا ظلم الأتراك، وكان اللبناني في تلك الحقبة يتحرَّى عن هويته وشخصيته التي تعيِّنُ مكانَه من نفسه ومن العالم .

        ثار العرب ضد الاتراك في عام \1916م عندما نشبت الحرب العالمية الاولى في عام\ 1914 بين الدولة العثمانية والمانيا من جهة والحلفاء من جهة اخرى ووعد الانكليز العرب بالاستقلال ان اصبحوا بجانبهم وبعد انتهاء الحرب لم يفي الحلفاء بوعودهم للعرب بل عملوا على تقسيم البلاد العربيه بين الانكليز وبين الفرنسين والطليان بموجب معاهدة ((سايكس بيكو )) المشهورة فاستعمرت بريطانيا كل مصر والسودان والعراق والسعودية والاردن وفلسطين والمغرب وحصة فرنسا كانت لبنان وسوريا وتونس والجزائر وحصة ايطاليا كانت ليبيا
ثم ان الانكليز توجوا استعمارهم باعلان وعد بلفور السيء الصيت الذي بموجبه اعلنوا ان فلسطين وطنا قوميا لليهود على اشلاء عرب فلسطين واموالهم وعملوا على تهويد المدن الفلسطينية وقد جاء هذا الوعد في اعلان اصدره ( بلفور ) وزير خارجية انجلترا عام \1917

      وقد اعلن العرب استنكارهم ومقاومتهم لهذا الوعد المشؤوم  وهب الشعراء  والادباء  ليقولو كلمتهم فيه وكان للشاعر باع طويل في ذلك يقول في قصيدة بعنوان( وعد بلفور) 
منها هذه الابيات :

الحقُ منك َومن وعودك َ أكبرُ
                                          فأحسب حساب الحق يا متجبرُ

تعدُ الوعودَ وتقتضي إنجازها
                                         مهج َ العبادِ؟خَسِئتَ يا مُستَعمِرُ

لو كُنتَ من أهلِ المكارمِ لم تكن
                                        من جيبِ غيركَ مُحْسِنًا يا بلفُرُ

عِد منْ تشاء بما تشاءُ فإنما
                                          دعواه خاسرةُ ووعدُكَ أخسَرُ

فلقد نفوزُ ونحنُ أضعفُ أمةٍ
                                          وتؤوب مغلوباً  وأنت الأقدرُ

فلكم وقى متواضعا إطراقه
                                            وكبا  بفضل ردائه المتكبرُ

     مات والده عام \1910 م تاركا له مسؤولية اعالة عائلة كبيرة   و رعاية اخوته عائلته مكونة من والدته واخوته ( قيصر وفيليب وفؤاد وأديب ونديم وأختيه فكتوريا ودعد) فلم يعد يحتمل معيشتهم وضاقت الدنيا بوجهه فقرر الهجرة الى خارج لبنان وكان له عم اسمه\ اسكندريقيم في البرازيل فسافر اليه في عام 1913 فاستقر مسكنه فيها بعد ان توفرت سبل المعيشة له وفي عام 1924 استقدم أمه وأخوته الى البرازيل ومن جميل شعره قوله في الطبيعة وفي شروق الشمس \

عرتني   خشــيـةٌ  لله  لـما
                                    رأيت الشمس تأذن بالشروق

فلم أرفع يدي بالحمد حتى
                                    ذكرت بضاعتي وكساد سوقي

ولما قمت منصرفاً لشأني
                                       تذكرت الصلاة على الطريق


                                  * * *

حملت بضاعتي .. ألقي اتكالي
                                        على المولى ووعد من صديق

فلم أبصر جمال الروض حتى
                                            عرتني هزة الشعر الرقيق

ولما عدت من نظم القوافي
                                         تذكرت الصديق على الطريق

                                     * * *

وإني في ذهول الشعر يوماً
                                         أحوم به على غصن وريق

إذا  بحمامةٍ   تبكي    بكاءً
                                       له جمدت دمائي في عروقي

فلما ذاب في سمعي صداها
                                      تذكرت القريض على الطريق

                                    * * *

سمعتُ كمنجةً في كفّ أعمى
                                        تثير كوامن الحس العميق

فلما كنتُ منجذباً إليها
                                        ومِلْتِ إلي ّ بالقدِّ الرشيق

ذُهلتُ عن الصلاةِ وكسبِ رزقي
                                    وشِعْري والكمنجة والطريق


              تطوع الشاعر سنة 1917 ليحارب في صفوف الجيش العربي في سوريا جيش الملك فيصل عندما اصبح ملكا عليها بعد الحرب العالمية الاولى واحتلال الانكليز للبلاد فقد وقف أمام أحد القبور ليرى معاناة الموت من خلال معاناته الحياة وقساوتها ،
وذلك قبل مغادرته إلى البرازيل. فيقول :

فوقَ الترابِ بقيَّةِ الأجدادِ
                                         أجثو وأندبُ أمَّتي وبلادي

وطني، ولكنْ للغريبِ وأمَّةُ
                                       ملهى الطغاةِ وملعبُ الأضدادِ

يا أمَّةً أعيتْ لطول جهادها
                                        أسكونُ موتٍ أم سكونُ رُقادِ

هل نرتقي يوماً وملء نفوسنا
                                       وَجَلُ المَسوقِ وذلَّةُ المنقــادِ

يا أيُّها القبر الأنيس بقربِ مَنْ
                                           يجلو دُجاك بنوره الوقَّــادِ

إنَّ الذين تركتَهم في ساحة
                                      الدنيا هُمُ الأحزان في أجسادِ


     وأصدر أول مجموعة من أشعاره بعنوان( الرشيديات) ثم اصدر ديوانه الثاني  اسماه ( القرويات ) ووقع  شعره  فيه  باسم الشاعر القروي فأصبح معروفا بذلك الاسم ثم أصدر ديوانه الكبير الذي حوى جميع ما قد كان أصدره من شعره المتناثر وعاد الشاعر الى لبنان عام 1958 م فقامت وزارة التعليم في عهد الوحدة العربية بين سوريا ومصر باعادة طبع ديوانه تقديرا لشعره ومكانته الادبية الرفيعة.

لم يجد في السفر ما ينقصه في البلاد، فقد لاقى بشراً لم يألفهم من قبل، ولم يشاطرهم أفراحهم وأتراحهم، وكان دأبه حب الوطن، والهروب من الأتراك، بعد ان وجد الناس هناك يلقبون العربي ب (التركو) فلم يا نسَ لهم، بل هم أناس لذواتهم وليس لبعضهم البعض. فانشد قصيدته قبل سفره \

سفرٌ نهايتهُ سفرْ
مثل النسيم بلا مقرْ

حتَّام أبقى دائراً
حول البسيطة كالقمرْ

أصطادُ أطيار السعادة
وهي من وجهي تفرْ

أيوب سلِّم صولجانك
لست أعظم من صبرْ

لو ذقتَ يوماً ما أذوق
لكنت أول من كفرْ

ويزيد في الطنبور أني
بين نـاسٍ كالبـقر

لا يفهمون من الحياة
سوى البطالة والبطر

كنْ بينهم رجل الزمان
تظلُّ "تركو" محتـقر

حتى عبيد البرِّ قد سخروا
بنا مع من سخر

وطني ويا لك موطناً
قد مزَّقته يدُ الغِيَرْ

                         يشقى المقيم اليوم فيك
                            وليس يسلمُ من هجر

   وفي ثورة الشعب العربي في الشام اي في سوريا ولبنان يقول هذه الابيات مخاطبا فيها الزعيم الدرزي(  سلطان الأطرش) حين أشعل ثورته علي الفرنسيين سنة\ 1925 - أن يقاتلوا أعداء الأمة بسيف محمد صلى الله عليه وسلم ففي النصر والظفر:

فتى الهيجاء لا تعتب علينا
                                  و أحسِن عذرَنا تحسنْ صنيعا

تمرستم  بها   أيام  كنا
                                 نمارسُ في سلاسلنا الخضوعا

فأوقدتم لها جثثًا وهامًا
                                      وأوقدنا المباخر والشموعا

إذا حاولتَ رفعَ الضيم فاضرب
                                    بسيف محمدٍ واهجر يسوعا

أحبوا بعضكم بعضًا وُعظنا
                                         بها ذئبًا فما  نجَّت قطيعا

ألا أنزلتَ إنجيلاً جديدًا
                                        يعلِّمنا   إباءً   لا   خنوعا

أجِرنا من عذاب النير لا من
                                      عذاب النار إن تك مستطيعا

و يا لبنان مات بَنوك موتاً
                                       وكنت أظنَّهم هجعوا هجوعا

ألم ترهم ونار الحرب تُصلى
                                        كأنَّ دماءهم جمدت صقيعا

بدت لك فرصةٌ لتعيش حرًّا
                                       فحاذرْ أن تكون لها مُضيعا

و ما لك بعد هذا اليوم يومٌ
                                       فإن لم تستطعْ لن تستطيعا

     كان لا يشعر بالهزيمة أمام قوى الشر والاستبداد والاستعمار والظلام في وطنه، بل كان يرد عليها بالشعر كسلاح يدافع به عن
 حق شعبه بالوجود والكرامة والحرية يقول :

مَنْ يُنبئُ الملأ الذين أُحبُّهم
                                          فيكافئون الحب   بالعدوان

إنِّي على دين العروبة واقفٌ
                                         قلبي على سُبُحاتها ولساني

إنجيلي الحبُّ المقيم ُ لأهلها
                                       والذود عن حُرُماتها فرقاني

أرضيتُ أحمدَ والمسيحَ بثورتي
                                      وحماستي، وتسامحي وحناني

يا مسلمون ويا نصارى دينكم
                                        دينُ العروبةِ واحدٌ لا اثنـانِ

بيروتكم كدمشقكم ودمشقكم
                                        كرياضكم ورياضكم  كعُمانِ

ستجدِّدون المُلك من يمنٍ إلى
                                         مصرٍ إلى شامٍ إلى بغـدانِ

 
      وفي البرازيل تولى تحرير مجلة (لرابطة ) لاكثر من ثلاث سنوات وتراس جمعية ( العصبة والاندلسية ) فكان رئيسها الثاني  بعد (ميشيل معلوف)، وظل في المهجر مدّة خمسةٍ وأربعين عاماً؛ يتعاطى التجارة وكسب الرزق وينشد الشعر ويكتب الادب وعينه ساهرة لما يحدث في بلده بل في كل الاقطارالعربية

         لما شعر بالشيخوخة وكبرالسن عاد إلى وطنه لبنان وسكن في مسقط راسه الى ان وافاه الاجل في قرية البربارة القرية التي شهدت ولادته  فقد توفي الشاعر رشيد سليم الخوري الملقب ( الشاعرالقروي) في عام\ 1984 .


       اعيد طبع مؤلفاته الكا ملة في 1\1\ 1998 اي بعد اثنتي عشرة مضت على وفاته .

     الشاعرالقروي دعى الى توحيد الصفوف ابناءالعروبة بغض النظر عن الدين والطائفة والمذهب والقطر اوالمدينة يقول :

يا فاتح الأرض ميداناً لدولته
                                        صارت بلادُك ميداناً لكل قوي

يا قومُ هذا مسيحيٌّ يذكّركم
                                   لا يُنهِض الشرقَ إلا حبُّنا الأخوي

فإن ذكرتم رسول الله تكرمة
                                         فبلّغوه سلام الشاعر القروي

     رشيد سليم الخوري بحق شاعرالنهضة العربية اذ شارك في ما حدث  في زمنه من احداث للامة العربية وتحررها ودعى بكل جهده لنهضتها   مما هي فيه و تمنى في أكثر من موضع أن يعود العرب الى سابق عهدهم وتعود الى بغداد والأندلس عهودهم الذهبية وفي ذلك يقول :

يا حبذا عهد بغداد وأندلسٍ
                                       عهد بروحي أفدِّي عَودَهُ وذوي

من كان في ريبةٍ من ضَخْم دولته
                                   فليتلُ ما في تواريخ الشعوب رُوي

ومن شعره العاطفي هذه الابيات :

ألقيت في سمع الحبيب كليمـــــــــــة
                                      جرحت عواطفه فما أقسانـــــــــي

قطع الحديث وراح يمسح جفنـــــــه
                                     فوددت لو أجزى بقطع لسانـــــــــي

ومضى ولي قلب على آثـــــــــــــاره
                                     ويدان بالأذيال عالقتـــــــــــــــــــــان

فطفقت من ألمي أكفكف أدمعـــــــــي
                                      ورجعت من ندمي أعض بنانــــــي

حتى ظفرت به فمد يمينـــــــــــــــــه
                                      ودنا إلي برقة وحنــــــــــــــــــــــان

وبكى وعانقني وقال عدمتنـــــــــي
                                    إن كان لي جلد على الهجـــــــــــران

قل ما تشاء ولا تغب عن ناظـري
                                  وفداك ذلي في الهوى وهوانــــــــــي

واختم مقالتي بهذه الابيات الوطنية من شعره :

صياماً إلى أن يُفطِرَ السيفُ بالدمِ
                                 وصمتاً إلى أن يصدح الحقُّ يا فمي

أَفِطرٌ وأحرار الحمى في مجاعـة؟
                                      وعيدٌ وأبطال الجهــاد بمأتـم؟!

بلادك  قدِّمها  على  كـلِّ  ملَّـة
                                  ومن أجلها أَفطِر ومن أجلها صُمِ!

فما مسَّ هذا الصوم أكبادَ ظلَّمٍ
                                     ولا هزَّ هذا الفـطرُ أرواح نـوَّمِ

هبونيَ عيداً يجعل العُربَ أمَّـةً
                                وسيروا بجثماني على دين بَرهمِ!!

فقد مزَّقت هذي المذاهب شملنا
                                 وقد حطمتنا   بين   نابٍ   ومنسمِ

سلامٌ على كفرٍ يوحِّد بينــنا
                                     وأهلا ً وسهلاً  بعـده   بجهـنَّم



*******************************************


   يتبع



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق