الخميس، 17 مارس 2016

موسوعة (شعراء العربية ) تاليف د فالح الكيلاني - المجلد التاسع (شعراء العصرالحديث ) الجزء الاول القسم الثالث



محمود أبو الوفا


     ولد الشاعر محمود أبو الوفا سنة\ 1900 في قرية ( الديريس) قرب مدينة ( دمياط) بمصر. توفي والده وهو طفل صغير، وبعدها بسنوات كسرت ساقه وهو يلعب الكرة مع أقرانه،وبسبب الجهل المتفشي انذاك وعدم  قدرة أمه المادية على الذهاب به إلى طبيب أو مستشفى مع عدم تقدير الموقف حق تقديره فقد وضعت على قدمه بعض العجائن المسماة في ريف مصر(لبخة) أملا في شفائها إلا أن ذلك أدى إلى حدوث مرض (الكركرينا ) في القدم مما ادى الى بترها، وهو في سن العاشرة،
  و كانت الإصابة بقدمه وبترها سببا مباشرا في تأخر شهرته، بالرغم من جودة أعماله الشعرية،ففي عام\ 1927 شارك الشاعر في مسابقة أقيمت لتكريم أمير الشعراء أحمد شوقي منها :
وخالد الشعر سوف يبقى مرايا
 تجتلى    في  صفائها    الأشياء
يا أمير  البيان   إن   بياني
   فيك   أعشت    عبرته    الأضواء
واختارت اللجنة التي كان من أعضائها شاعر النيل حافظ إبراهيم، وشاعر القطرين خليل مطران هذه القصيدة ليلقيها الشاعر في حفلة التكريم الرسمية إلا أن احمد شوقي  رفضه بسببب جلبابه البلدي وعكازه وقدمه المبتور  .
      حفظ القرآن الكريم وتلقّى تعليمه الأولي في كُتّاب قريته، وكان صاحب كرامة وعزه نفس منذ سنواته الأولى، فلم يستطع أن يمشي في القرية بين أقرانه وقدمه مبتورة، فترك القرية دون أن يعلم أحد وهو في الحادية عشرة أو الثانية عشرة من عمره ونزح إلى ( دمياط ) وبالذات منطقة (رأس البر) واشتغل عاملا في المقاهي هناك فكان حاله  مثار عطف وشفقة أصحاب المقاهي فكان يجلسونه لتحصيل الحساب. وفي (دمياط ) التحق بمعهدها الديني لكنه فُصل منه بعد ثلاث سنوات بسبب ما ينظمه من شعرحيث كانت له فلسفة خاصة  به  يقول :
.
تَحـيَّرَ يعْصـي دمعَه أم يُطـــــــــــــاوعُ؟
وأرَّقَه يـنسَى الهــــــــــــوى أم يُراجعُ؟
تَجـيش بـه الآمـال لـيس بقـــــــــــادرٍ
عـلـيـهـا، ولا عـنهـا هـوى القـلـب نـازع
أفـي الـحقّ أن الـحـبّ لـم يَغْدُ فـي الـوَرى
سـوى أنه خِبٌّ، وإلا مَطـــــــــــــــامع؟
وأن مـوَدّاتِ القـلـوب تحـوّلـــــــــــــت
فـمـا هــــــــــــي إلا للخداع، بَرَاقع؟
إذا صحَّ مـا قـالـوا ففـيـمَ طـيـورهـــــا
تُغنّي بـواديـهـا؟ وفـيـمـن تُســـــــاجع؟
لك الله يـا قـلـبـي تُرفْرف ســــــــاجعًا
وتخـفق غِرِّيـدًا، ومـالك ســـــــــــــامع
ثـوابُك عـندَ الله فـيـمــــــــــا صنعتَه
ومـا رُحْتَ تُزجـي للهـوى، وتُصــــــــــانع
ويشهد لـولا الصدقُ فـيك طبـــــــــــيعة
لـمـا جـاء مـثلـي للهـوى، وهـو تــــابع
هُمُ يَحْسبـون الـحـبّ ضعفًا، وإنمــــــــــا
هـمُ النـاس: مخدوعٌ وآخر خــــــــــــادع
يسـيرون فـي ركبٍ ضلـيلٍ، وربـمــــــــــا
غدا ركبُهـم هـذا، وحـاديـه ضـــــــــالع
وأحسبُ أن الـحـبّ للنـاس قــــــــــــدوةٌ
ولكـنْ شعـاعُ الضـوء للعـيـــــــــن رادع
وبعض عـيـون النـاس تقـــــــــــوى أشعة
عـلى بعضهـا، والنـاس شـتى طبــــــــائع
         ثم ترك (مياط ) ونزح إلى القاهرة وهو في العشرين من عمره، وشارك رجل قهواتي على مقهى في شارع (عبد الخالق ثروت)، فكان له نصف المقهى، وقد حوله إلى صالون أدبي وملتقى ثقافي. وكان قد قصد القاهرة لإتمام دراسته بالأزهرالشريف فدخله لكنه انشغل بأحواله المعيشية ولم يستطع  ان يتم دراسته فيه .
      كان  يكسب معيشته بالتنقل بين عدة مهن صغيرة منها: بائع فول مدمس، وعامل في مقهى،و بائع سجائر،ووسيط أراض زراعية، وكذلك عمل متعهدًا لإقامة الحفلات لفترة من الزمن ، حتى استقرت أحواله بالانضمام إلى أسرة تحرير( مجلة المقتطف) ، حيث اتاح  له رئيس تحريرمجلة المقتطف (دكتور فؤاد صروف) عام 1930، فرصة نشر قصيدته (الإيمان) ومنها هذه الابيات :

قوة لم  ُتتح  لقلب  جبان               تلك فى المرء قوةُ الإيمان
تتجلى على جميع قوى الكون           شيوع الأرواح فى الأبدان
لكأنى أرى الحياة و إياها                سميين ، أو هما  توأمان
أول المؤمنين بالله حقا هو           ، فى الأرض ، كان أول بان
يا ضياء الحياة بوركت فيها          بل تباركت ، يا يد العمران
إن روحى فدا الجمال سواء      فى المبانى أكان أم فى المعانى
بنت حواء إننا منك بتنا                نرتجى ربح ذلك الميدان
حل فيك الخلود لحنا شهيا             عبقرى التلحين و الألحان
لحنى ، لحنى على الأرض حتى   تصبح الأرض جنة الرضوان
ليت شعرى ! ماذا أراد بنا             الخالق إلا سيادة الأكوان ؟
رب فيم إبتعثت رُسلا ولو           شئت لأغنت إرادة الإنسان
أفصح الحسنُ مستهلا فما           حاجة هذا الجمال للترجمان
لا أرى آدما عصى الله لكن            شاء أن يستقل بالسلطان
يكره الحر أن يعيش على الس      جن ولو كان سجنه فى الجنان
       وسرعان ما تناقلتها خمس مجلات واسعة الانتشارونشرت على صفحاتها  قصيدته (الإيمان )، مما ُيعد نصرا صحفيا للمجلة ،لذلك دعا الدكتور فؤاد صروف أبا الوفا  للإنضمام الى اسرة تحرير المجلة، حيث عُهد إليه بتحرير صفحة (مكتبة المقتطف).
       واقامت (رابطة الأدب الجديد) حفلا تكريما لشاعرنا ابي الوفا، وجدها أمير الشعراء احمد شوقي فرصة سانحة ليرسل الى جريدة (الأهرام) قصيدة في تكريم الشاعر( ابي الوفا ) تكفيرا عما بدر منه سابقا ازاءه ، ويشيد ببراعته الشعرية وأنه رغم سيره على عكاز تقيد خطواته، فإنه صاحب خيال متحرر، يطوى البلاد وينتشر في جميع الأفاق، ويبدى إعجابه بجمال بيان الشاعر وهو بحالته هذه (مقيد الخُطا)، فكيف إذا أسترد ساقه وتمكن من التنقل بحرية أكثر؟ ويرى أن الأطباء لويفهمون ما في أشعاره من حلاوة، لصنعوا له بدلا من الساق المفقودة جناحا يطير به، ونشرت القصيدة كاملة في (الأهرام)  في 21 فبراير عام 1932، و منها الأبيات التالية:
البلبل الغريد الذي هـز الربى
وشجى الغصون ...وحرك الأوراقا
خلف البهاء على القريض وكأسه
تسقى  بعذب  نسيبه   العشاقا      
في القيد ممتنع الخطا وخياله
يطوي البلاد   وينشر   الآفاقا
سباق غايات البيان جرى بلا
ساق  فكيف إذا إسترد   الساقا
لو يطعم الطب الصناع بيانهأ
ولو يسيغ – لما يقول – مذاقا
غالى بقيمته فلم يصنع له
إلا   الجناح   محلقا   خفاقا
      سافر إلى باريس في حزيران (يونيو) 1932 على نفقة الحكومة المصرية حيث بترت ساقة واستعاض عنها بساق صناعية ، وعاد   منها في بدلة إفرنجية وجهاز صناعى بدلا من جلبابه البلدي وعكازه الخشبي، وفي نفس العام وصدرت مجموعته الشعرية (أنفاس محترقة) فذاع صيته واشتهر ، وفتحت له المجلات والصحف  لينشر فيه وتتسابق إلى نشر ما يقول، وغني له الموسيقار محمد عبد الوهاب قصيدة (عندما يأتي المساء) يقول فيها :
عـندمـا يأتـي الـمســــــــــــــــــاء 
ونجـوم اللــــــــــــــــــــــيل تُنْشَرْ
اسألـوا لـي اللـيل عـن نَجْــــــــــــــ 
ـمـي متى نجـمـيَ يظهــــــــــــــــــرْ؟
عـندمـا تبـدو النجـــــــــــــــــــومُ 
فـي السّمـا مـثلَ اللآلـــــــــــــــــي
اسألـوا: هل مـن حـبــــــــــــــــــيبٍ 
عـنده عـلـمٌ بحـالــــــــــــــــــــي؟
كلُّ نجـم راح فـي اللـيــــــــــــــــــ 
ـل بنجـمٍ يـــــــــــــــــــــــــتَنَوَّر
غـيرَ قـلـبـي فهْوَ مـــــــــــــــــا زا 
لَ عـلى الأفق مُحــــــــــــــــــــــيَّر
يـا حـبـيبـي لك روحـــــــــــــــــــي
لكَ مــــــــــــــــــــــــا شئتَ وأكثر
إن روحـي خـــــــــــــــــــــــيرُ أفْقٍ 
فـيـه أنـواركَ تظهـــــــــــــــــــــر
       وطلبت منه وزارة المعارف المصرية إستكمال ما كتبه أمير الشعراء من شعر للأطفال حيث توفاه ئالاجل فاستجاب أبو الوفا لهذا الطلب ونظم (مجموعة شعرية)، فقررت الوزارة تدريسها ما يقرب من ربع قرن، ضمن مجموعة دراسية سميت ( المحفوظات  المختارة) .      
ثم اشتغل مذيعًا بالإذاعة المصرية..
انظم الى بعض الأحزاب السياسية، والى عدة جماعات أدبية منها ( رابطة الأدب الجديد) التي أنشأها أحمد زكي أبو شادي عام 1911، و(جماعة أبوللو الشعرية) التي أنشئت عام 1932، حيث كان عضوًا في مجلس إدارتها وفي اللجنة التنظيمية لها.   و نشط في العمل السياسي فشارك في( ثورة 1919) شاعرًا ومثقفًا. ومن قصيدة (ضحايا ) اقتطف هذه الابيات :
عهدُ الجهـالات أم عهد الـحضـــــــــاراتِ  
  لن يبرح النـاسُ عُبْدانًا وســـــــــــاداتِ  
فـوارقٌ ستسـودُ الأرض مـا لـــــــــــبثت  
تلك العـداوة بـيـن الـذئب والشـــــــاة  
لن تَبـلغَ الـمـجــــــــدَ إلا إن صَعَدت له  
عـلى سلالـمِ أشلاءٍ وهـامــــــــــــــات  
هـذي الـديـانـات تـــــــنهَى أن يراقَ دَمٌ  
  والهَدْيُ بـالـدّم قُرْبـان الـديـانـــــــات  
يـا لـيـت شعـري خِرافُ العـيـد هل عـلــمت  
مـاذا يُكِنُّ لهـا عـيـد الضحـيـــــــــات؟  
ولـيـت شعـــــــــريَ هل تلقَى الخراف غدًا  
                 كبشًا   يغار عـلى تلك  الـذبـيحـــــــــات؟    
هـيـهـاتَ هـيـهـات إن الـبـهْمَ مــــاخُلِقت  
إلا مطـايـا لأغراض الزعـامـــــــــــات  
عهْدُ الصراحة مـا بـالُ الصريحِ بـــــــــه  
       لا يـمـلكُ النطقَ إلا بـالكِنـايــــــــات  
أحـب أضحك للـدنـيـا فـيـمـنعـنــــــــي  
أن عـاقبتـنـي عـلى بعض ابتسـامـــــــات  
هـاجَ الجَوادُ فعضَّتْه شَكـيــــــــــــــمتُه 
شُلَّتْ أنـامـل صُنّاع الشكـيـمــــــــــــات

* قلده الرئيس جمال عبد الناصرعام 1967 (وسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى،)
* منحه الرئيس محمد أنور السادات (جائزة الجدارة في الفنون)
*  منحته محافظة القاهرة أمله في الحصول على شقة بها تليفون في الإسكان المتوسط المتميز فانتقل من حي العمري (باب الخلق) إلى مدينة( نصر )عام 1978واقام فيها اياما في اواخر عمره ،
* منحته اكاديمية الفنون الجميلة جائزة أكاديمية الفنون ،قيمتها ألف جنيه الا انه مات قبل أن يتسلم المبلغ .
توفي الشاعر محمود ابو الوفا في مدينة القاهرة  في 26 يناير) 1979                                  )كانون الثاني
ودفن حيث تمنى في بلدته ( الديريس ) في مقام جده العارف بالله سيدي أبو الوفا الشريف
له عدة دواوين ومجموعات شعرية وثقافية مطبوعة منها:                     
الحرية، 1919،
جمال المرأة في القصيدة اليتيمة، 1922،
أنفاس محترقة  - دار الهلال - القاهرة 1932،
أعشاب  - مطبعة الإخاء - القاهرة 1933،
أشواق ، 1941،
عنوان النشيد  ويضم مطولة في 351 بيتًا - القاهرة 1952،
شعري - دار المعارف - القاهرة 1962،
اشعاري في الحب ، 1981م، نشرت بعد وفاته
أناشيد دينية، القاهرة، 1937،
وأناشيد وطنية، القاهرة، 1939،
إنسان الفصل الخامس- مطبعة مصر - القاهرة 1957،
وحقّق الجزء الثاني من ديوان (الهذليين)
حقق الجزء الثالث من الشوقيات.
يعد محمود ابو الوفا  من الشعراء المجددين والمؤثرين في الثقافة الحديثة
وقد انشد في اغلب الفنون الشعرية  من  مدح ورثاء وغزل ووصف وقضا يا  نفسية وكل ما يخطر على باله وفكره  فمن الرثاء فقد رثى اميرالشعراء احمد شوقي  هذه الابيات:
رُوِّعَ الشِّعـرُ فـي أعزِّ حُمـــــــــــــــاتِهْ  
       ويحَ طلابـــــــــــــــــــه وويحَ رُواتهْ  
نكبةٌ بـالـبـيـان حـلَّت فـمـالــــــــــتْ  
بـالقـويِّ الـمتـيـن مـن شُرُفــــــــــاته  
مـاتَ صنَّاجةُ الزّمـانِ فكـــــــــــــــادتْ  
لُغَةٌ تـنطـوي غَداةَ ممـــــــــــــــــاته  
وانطـوت صـفحةٌ مـن الـمـجـــــــــد أغلَى  
مـا اقتـنـاه الزمـان مـن صَفَحــــــــاته  
مـاتَ شـوقـي ولـم يَعُدْ ذكرُ شـوقـــــــــي  
غـيرَ حُلْمٍ يُرَى عـلى ذكريــــــــــــــاته  
أيـهـا الشـاعـر الـذي أنهض الشعــــــــ  
ـرَ، فجـارَى الزمـانَ فـي نَهَضــــــــــاته  
مـن لهـذا القـريض بعـدَكَ يحـمــــــــــي  
مـن وهـاد الإسفـاف فـي رَغَبـــــــــاته؟  
مـن لفـنِّ الغنـاء بعـدك يُعطـيـــــــــــ  
ـهِ لقـاح الـتجـديـد فـي نَغَمــــــــاته؟  
مـن لفـن الـتـمـثـيل بعـدك يَهْديــــــــ  
ـهِ سَواءَ السبـيل فـــــــــــــي خُطُواته؟
     وتتسم قصائده بنزعة إنسانية وميل إلى المناجاة والتأمل والتحليل النفسي ،تكتنفها نزعة فلسفية ووتغمرها نزعة دينية. اما لغته الشعرية فهي سلسة وسطية  وفي خياله خصب  و تجدد و فيه اثر من مظاهر الطبيعة وتخيم مسحة من الأسى والحزن على مجمل معانيه مردها الى حياته الاولىى  وعيشته  المعدمة وطفولته المتعبة .
 اختم هذا البحث  بقصيدة رائعة من قصائد شاعرنا محمود ابو الوفا  يقول :

رأى ما رأى حتى غدا اليومَ لا يرَى
سوى غيرِ شيءٍ أو يَرى الشيءَ مُبهَما
يرى الشيء شيئين، وحينًا إذا رأى
فهيهاتَ إلا ما رأى متوسِّما
رمَى مَنْ رمى عينيه فاستلَّ منهما
ضياءهما ما كان أقساه إذ رمى!
وقيل له: لا بأس تلك غشاوةٌ
تزول، ويا لله ماذا هو العمى؟
تباركتَ يا مُعطِي النهار ضياءه
ويا معطيَ الليل الظلام فأظلما
لأمر الذي لا أمرَ مِنْ فوقِ أمره
رضينا بما يرضَى، وإن كان مُؤلما
وقلت لنفسي كيف أنتِ؟ فلم تجب
فقلت: أتحتجِّين؟ قالت: تظلُّما
فقلت: ومِمَّن؟ ثم أصغيت فانثنت
كمن لم يجد قولاً لديه فتَمْتَما
هواجسُ لا آلو عليها تأسُّفًا
وإن كنت لا آلو عليها تندُّما
رويدكِ يا نفسي أما لك من نُهَى
يردّك للتقيا كما كنت دائما؟
لئن كنت منذ الأمسِ عندي كريمةً
فإنك منذ اليوم ما منك ألأما
فقالت: أتبغيني أرى النور ينطفي
بعيني، وتبغيني أرى البؤس أنعما؟
فقلت أنادي العقل، فالعقل رّبما
يكون لها مني أبرُّ وأرحما
فما راعني في العقل إلا رجوعُه
إلى كما لو كان سيفًا تَثلّما
أجبنيَ عمّا قد دهاك وما الذي
عراك فخلِّي المدْرَهَ اللَّسْنَ أبكما
وبعد اللتيّا عاود العقلَ سمتُهُ
وردَّ عليَّ، ليته ظلّ مُفحَما
أرى أن تلك النفسَ غيرُ ملومةٍ
ولم ترتكب حُوبًا، ولم تأت مأثما
وماذا على مَنْ نورُ عينيه ينطفي
إذا ظن في الأقدار ما ظن مُرْغَما
إلهيَ ذا عقلي ونفسي كلاهما
غويٌ، فكن لي يا إلهيَ منهما
هوى النفس يُصْبي العقل إن كليهما
مرايا أخيه يا لنا من كليهما


***************************






عبد الله القباج



                    هو ابو محمد عبد الله بن عباس القباج


          ولد  الفقيه عبد الله بن عباس القباج بمدينة (الرباط ) في بلاد المغرب العربي سنة \ 1916م من اسرة عرفت بالفضل والجد والثقافة والادب  ، وقد تعلم منذ طفولته اذ ارسلته عائلته الى الكتّاب لتعلم القران الكريم  وبعدد من المساجد مع كبار علماء ( الرباط) الذين درس عليهم واثروا فيه خصوصا و منهم ( الشيخ ابو شعيب الدكالي) و(سيدي المدني بن الحسني)، و( الفقيه محمد السائح) و( السيد محمد الشرقاوي) وغيرهم...

 ويتحدث  هوعن حياته فيقول :

  ((...لم يكن اختيار اسرتي لمتابعة دراستي بالمساجد عفوية، ولكن المسجد كان طريق المستقبل الذي ينشده الذين لم يسيطر عليهم الوجود الاستعماري البراق يومئد، و الذين كانوا يؤمنون ان المغرب في حاجة الى رجال غير مكيفين مع الظروف وتلك ايضا كانت منهجية رجال المسجد  يومئذ ... ولم تكن دروس السادة العلماء  تقتصر على المنهج الذي يؤديه كل عالم ، بل كانت لكل واحد من هؤلاء رسالة...فقد كان للشيخ ابي شعيب الدكالي رسالة تجديد الفكر ، وكانت لسيدي المدني بن الحسيني رسالة فتح النوافذ الجديدة على الثقافة الجديدة : الاداب –الاعلام –الفنون على اختلافها، ولم يكن يبخل علينا بالاطلاع في بيته او (عشاياه) على عدد من المجلات و الصحف و الكتب الواردة من الشرق العربي و التي كان يتوصل ببعضها مباشرة، ويحصل على البعض الاخر عن  طريق صديقه الفقيه المرحوم السيد احمد الزبدي . اما الفقيه السائح فقد كان عليه التركيز على المنهجية العلمية، و الابتعاد من الاستطراد في التفكير ، و الكتابة، والتزام  الموضوع، وادخال آراء غير علماء المغرب، و الاشارةالى المصادر، و الدعوة الى الموضوع القصير ( المقالة) وتوزيع الموضوع الى عناصر ، وهو اول من كان يشير الى بعض كتاب الشرق وموضوعات بعض المجلات، واول مرة اشار فيها للموضوع القصير ، اشار الى مجلات ( الجوانب) و( الهلال) و( الهداية)... فكانت هذه المعطيات من اهم المؤثرات التي اثرت في طريق جيل ( الرواد ) الذين واصلوا معركة الرفض التي قادت المعركة الوطنية  معركة الملك و الشعب التي حررت البلاد، وتعمل الان لتحقيق وحدتها وخلاصها ...والعودة بها الى مركزها الذي كان يسيطرعلى تفكيرهم، ويستبد بافاقهم.)

      الشاعر الفقيه ابومحمد القباج اضطهد بسبب افكاره الوطنية وايمانه الراسخ ، فاعتقل  سنة \ 1953 مع الوطنيين الرافضين للوضع المفروض على البلاد في ظل الاستعمارالفرنسي ، وكانت له اتصالات وثيقة منذ سنة\ 1941 مع الملك  محمد الخامس عن طريق الحاجب الملكي الفقيه (محمد بن الحسن ابن يعيش ) لمراقبة الدروس التي كان يتلقاها سمو ولي العهد يومئذ ب(المدرسة المولوية) وخاصة ما يتصل بالموضوعات المغربية.

     و كانت له اتصالات حول نوع الموضوعات التي كانت تنشر في مختلف الصحف و المجلات، وهي تواصل المعركة من اجل استقلال المغرب ، و له توجيه معين  يتلقاه  من جلالة الملك  محمد الخامس وينشره بين مختلف الكتاب و الادباء  الذين كانوا ينشرون بمختلف الصحف و المجلات ، وقد اسر او اعتقل  الا  انه بقي يحتفظ  ببعض الموضوعات  المتعلقة  بذلك، رغم ان  بعض منها كانت مسلمة للملك محمد الخامس بعد عودته من المنفى سنة \1956 عندما عمل على اعادة تنظيم مكتبة قصر (دار السلام) ب(الرباط )التي كانت بعض موادها مدفونة في باطن الارض  وكذلك عمل على جمع مجلدات الصحف و المجلات بما فيها التي صدرت بشمال البلاد .

    وعندما اسس الملك  محمد الخامس الديوان الملكي سنة \1950  عين  الاديب ابو محمد القباج عضوا فيه  ولكن هذا الديوان  تم حله من قبل  (الجنرال جوان ) فعاد شاعرنا  الى بيته لانه لم يكن  ليعمل  بالادارة  يومئذ ، الا  ان  الملك  محمد الخامس ظل يرسل اليه راتبه عن طريق كاتبه الخاص ( احمد بن مسعود )الى ان نفي خارج البلاد .

      وبعد سنة 1956 عين بالكتابة العامة للحكومة فبقي يعمل بها مديرا لديوان الشؤون الادارية، ثم عين محافظا للخزانة العامة بمدينة (الرباط. (

      ومن هنا نجد الفقيه القباج انطلق في ميدان الفكر، و الثقافة فهو حليف الكتب والمجلات وذو اهتمام  بالاعلام وذو اهتمام خاص بالمسرح، ونجد من ملامح شخصيته انه  لم يخرج من مجال المعركة الثقافية ، وتجديد الفكر، وبعث (المدرسة المغربية )  فهو من المناضلين الاوليين في الميدان الوطني والثقافي لما خلفه من اثار فكرية ، او توجيهات كان دعى اليها لاتحدها حدود في ايمان راسخ وثقة عالية  في المستقبل. وكان من اعضاء الجماعة الاولى في (الرباط) التي ساهمت في انشاء الحركة الوطنية ودعت الى تاسيس الصحافة بالمغرب منذ سنة 1918. وكان من اول الاقلام المغربية في المجال الادبي لفتت الانظار الى المغرب الجديد وكان له اهتمام بالنقد الادبي. فهو  من رجال النهضة العربية الادبية الحديثة ، ومن كتاب المغرب و المشرق في اطار  النثر الفني و كان لا يالو جهدا في الجمع بين الكتاب و الشعراء وتنظيم اللقاءات فيما بينهم ، وامسيات شعرية رائعة غالبا ما اعطت قصائد رائعة مرتجلة نتيجة حوار شعري بين مجموعة من الشعراء . وقد ساله بعض اصدقائه في اسبانيا (الاندلس)عن مدينة جميلة  فوصف له مدينة (اسفي ) في المغرب  فقال  :

وبها من الفضلاء أفضل معشر
 ومن الرجال الغر أكبر مسعـف

 لا عيب فيهم غير أن وجوههم
 تنفي الهموم عن الحزين المدنف

 وبها الذين سألت عنهم سابقـا
 من كل ذي ظرف ولطف مطرف

 وإذا سألت فإنني قد كنت لـم
أعرف وذلك شأن من لم يعـرف

فعليهم مني السلام مؤبـــدا
ما حن مشتاقا لوصل الأهيــف

وعلى بلادهم التي قد أعطي
فخرا عظيما في خلافة يوســف

والله يسعدهم ويسعدها بهــم
والله يحفظهم بحفظ المصحــف

      توفي الشاعر ابو محمد عبد الله القباج يوم الخميس  الثاني والعشرين من شهر رجب الاصم \ 1399-21 الموافق  الحادي والعشرين من حزيران (يونيو) 1979 ودفن بمقبرة الشهداء بالرباط،

   ترك الشاعر والفقيه ابو محمدعبد الله  القباج  اثارا ادبية في الشعر والنثر وفي الصحافة والمسرح  منها  ما يلي :

1
معجم الشعراء
2
.امثال شعبية
3
.دروس الشيخ ابي شعيب الدكالي
 4 .الحان واشجان  - ديوان شعر
5
.الادب المغربي من دخول العرب الى العصر الحاضر
6
.تقاليد وعادات  
7
.ابن عطية و الفكر العلمي في مغرب القرن السادس الهجري
8
.تاريخ الادب العربي بالمغرب الاقصى - في جزئين
9. ديوان الامير ابي سليمان بن عبد الله الموحد   بالاشتراك مع بعض الاساتذة .

ويقول عنه العلامة عبد الله كنون:

(وكان للاديب محمد بن عباس القباج فضل السبق في هذا المضمار ، فانه الذي اقتحم معركة النقد اولا بمقالاته القيمة التي كانت تنشرها له (مجلة المغرب) تحت عنوان (لذعات بريئة) ، وقد قومت هذه المقالات من زيغ المقاييس الادبية التي كانت متبعة اذ ذاك ، احدثت ضجة كبيرة بين الادباء  المخضرمين الذين كانوا قليلي الاطلاع على الانتاج الادبي الجديد في الشرق العربي، ثم قام هذا الاديب الى جانب ذلك بتاليف كتاب عن الادب المغربي يضم اثار نخبة من الادباء المعاصرين ، شيوخا و شبابا ، فوضع بذلك اللبنة الاولى لدراسة الادب المغربي الحديث.. وقد نشر هذا الكتاب في  جزئين لطيفين ..باسم : ( الادب العربي في المغرب الاقصى).

        ابومحمد عبد الله بن عباس القباج من الشعراء المثقفين الذين اخلصوا للثقافة والادب و بالاخص الادب المغربي و الاندلسي بصفة خاصة ويتميز  في هذا المجال باخلاقه الكريمة ونزاهته وعفته  اخلاصه وقد امتازت كتاباته وابحاثه بالدقة وجزالة الاسلوب  وشعره يتسم بجزالة الاسلوب ودقة المعاني ورقة الصورة الشعرية  وعفويتها ويغلب عليه الشعرالوطني  وقال في الوصف والغزل والاخوانيات وفي مجالات واسعة  .
 واختم بحثي  بابيات من شعره  قال :

 آه له من عميـــد طالمــــا صبــــــــــــــرا
جمر الغضا في حشاه يرتمي شررا

 إذا تــــــألق بـــــرق مـن بشائــــــره
 جـــاءت زعازعـه تزجــي لــــه كــــــدرا

 وقلت هذا الهوى الممقوت ضيعنــي
أمــا الرجيم فلا تسأله كيف جـــــــرى

والنفــس تأمرني واللهــو يبطرنـــــــــي
 والشيـب ينذرنـي يا رب أنـت تـــــرى

 لمــا أحــــــــل برأسـي قـلت مـزدريـــــــــــا
الشيب في الرأس لا يستلزم الكبــــــرا

 فانحـــط في عارضي يمشي إلى ذقني
 وإن فــــي اللحيـة الشمطـاء لي نـــــذرا





********************************




















شفيق  جبري الدمشقي


شفيق جبري اديب وشاعر سوري
 ولد الشاعر شفيق جبري  في حي الشاعور بمدينة (دمشق) عام1898         
       وكان أبوه درويش جبري تاجراً دمشقياً يسكن في منطقة (حي الشاعور ) بمدينة ( دمشق ) وعلى عادة أهل زمانه أرسله والده إلى الكتاب فدرس القرآن الكريم وتعلم الخط والحساب  ولما بلغ السادسة من العمرأرسله ابوه إلى مدرسة (العازاريين ) بمدينة ( د مشق ) وبقي فيها تسع سنوات  فحصل على الشهادة الثانوية  ثم سافر إلى ( يافا ) ليساعد عائلته في أعمالها التجارية. وعند نشوب الحرب العالمية الأولى انقطع عن العمل وعكف على المطالعة  لتحسين  لغته العربية اذ أن مدرسة ( اللعازرين) في  ( دمشق) كانت تشدد على تدريس اللغة الفرنسية ولا تهتم كثيراً باللغة العربية وآدابها.
      ثم انتقل الى (الإسكندرية ) متنقلاً مع أبيه وفي الإسكندرية قرأ ديوان المتنبي وبعض معلقات الشعراء الجاهليين  وشعر البحتري وغيرهم من الشعراء .
       ثم عاد إلى (دمشق ) عام \ 1918م فور انتهاء الحرب العالمية الأولى حيث أكمل ما فقده من تعمق في الآداب العربية، فدرس الشخصيات الادبية العربية مثل ابن خلدون والجاحظ  والمتنبي والبحتري وسواهم. وقد ساعدته هذه الفترة أن يتمكن من اللغة فاكتسب أسلوبه سهولة في التعبير ومال إلى الشعر والبيان العربي الأصيل. ويعود الفضل في ذلك إلى الشاعر خير الدين الزركلي الذي تولى تدريسه العربية وأصول الشعر ومن قصيدته (صيحة ..) هذه الابيات  يقول :
سَرَتْ فـي بطـاحِ الـبـيـدِ صـيحةُ صــــــائحِ
فـمـاجت بـمسـراهـا بطـونُ الأبـــــــاطحِ  
تـرامت فدوَّت فـاستطـال بـهـا الــــــمدى
وقـد طرحتهـا الـبـيـدُ أقصى الـمطــــارح  
فـمـرَّت عـلى الركب الـحـيـارى فأمسكـــوا
بِحُمْرِ الـمطـايـا بـيـــــــــن غادٍ ورائح  
وألقـوا بآذانٍ إلـيـهـا طلـــــــــــيحةٍ
وقـد صُعقـوا فـوق الركــــــــاب الطلائح  
تـراهـم سكـارى فـي الفـيـافـي ومـا مشـت
حُمَيَّا كؤوسٍ فـي خلال الجـــــــــــــوانح  
مضـوا يسألـون الريحَ عـن صـــــيحة الفَلا
فـمـا الصـوتُ فـي عصـف الريـاح ببــــارح  
يـنـادي مُنـاديـهـم هلِ الأرضُ زُلْزِلـــــتْ؟
فأجفلـتِ الآرام مـلءَ الـمســـــــــــارح
أمِ الـمـلأُ الأعـلى تدلَّت نجــــــــــومه
فكلُّ سبـيلٍ فـي الـدجى غـــــــــير واضح؟  
أصـيحةُ إنسٍ فـي الجـبـال دويُّهــــــــــا
أم الجنّ صـاحت فـي رحـاب الصحـــــــاصح؟  
فلا الصـوتُ صـوتُ الإنس فـــــــي كل هضبةٍ
ولا الـحِسُّ حِسّ الجنّ فـوق الصـفــــــــائح   
ولـمـا ألـحَّ الـيأسُ فـي الركب أدلجــــوا
يـطـيحـون فـي الظَّلـمـاء كل الـمطــــايح  
ومـال بـهـم غُمْضُ اللـيـالـي مـن الـــوَنَى
ومـا النـومُ فـي جُنْحِ اللـيـالـي بجـــانح  
فـنـاجى خلـيلٌ فـي الشجـون خلــــــــيله
مضى اللـيلُ فـي نجـوى الشجـون الفـــوادح  
      وعندما دخل الجيش العربي في ( دمشق) عيّن شفيق في دائرة المطبوعات لمراقبة الصحف وانتقل بعدها إلى وزارة الخارجية. ولما دخل الجيش الفرنسي ( دمشق  عيّنه وزير المعارف (  محمد كرد علي) ) - وكان أديباً شاعرا بارزاً- رئيساً للديوان نظراً إلى إتقانه العربية والفرنسية. ـ فتوظف في الدولة  فأصبح  رئيساً لديوان المعارف في أواخر الحرب العالمية الأولى ـ.وكان ينشر مقالاته وقصائد ه في الصحف وتمرس في كتابة الشعر حتى تمكن منه  بجدارة . وفي دخول الفرنسيين  الى سوريا يقول :
أيها السائل عن أربعنا
إنما الأربع  صارت  دمنا
ليس في أفيائها غير فتى
واجف الأضلع يشكو الزمنا
يرسل الأدمع من أجفنه
فيسلي  بالدمع  الأجفنا  
فمروج الشام تشكي ضيمها
أين من يكشف عنها المحنا؟.
      وعند إنشاء كلية الآداب الأولى سنة ـ 1928 عين مدرساً فيها ووكيلاً لمديرها وألقى أروع المحاضرات عن الجاحظ والمتنبي ولكن تعينه لم يدم طويلا حيث فصل من وظيفته  واغلقت المدرسة بعد مدة قصيرة لأسباب سياسية. فانصرف إلى المطالعة ونشر المقالات والقصائد في الصحف التي كان يغلب عليها الاتجاه الوطني وكانت قصائده اكثرها تدعو الى الثورة والتحرر من الاستعمار وفي موضوعات وطنية واشتهر برثاء كبار القادة العرب الذين توفوا خلال هذه الفترة ومنهم الشريف الحسين بن علي وابنه الملك فيصل الأول، وسعد زغلول،و فوزي الغزي، وأحمد كرد علي، واحمد شوقي،و حافظ  ابراهيم  وغيرهم كثير وفي قصيدته التي يرثي فيها الشريف الحسين بن علي (شريف مكة ) سنة ـ 1931 ـ يقول فيها:
يا ابن النبي وما الآذان سامعة
فهل تلبي زحوفاً أنت داعيها
لما رأيت قلوب العرب واجفة
 من الشدائد ما تسجو سواجيها
وأهل جلق بالأعواد عالقة
 أعناقهم وسيوف القوم تفريها
مبعثرون عن الأوطان تلحظهم
 عين المنية ما تغفو غوافيها
     وانقطع عن الوظيفة خمس عشرة سنة ثم التحق بعد جلاء الفرنسيين بالجامعة السورية حيث عيّن عميداً لكلية الآداب سنة\ 1948 وبقي فيها إحدى عشرة سنة أصدر في خلالها كتابه (دراسة الأغاني).
      ونظر لكثرة مشاغله ظل معظم إنتاجه الأدبي مبعثراً غير مجموع. وكان قد نشر في عدد من الصحف والمجلات السورية بينها (القبس )و(الأيام) و(مجلة الحديث الحلبية )و(مجلة المجمع العلمي العربي) أروع مقالاته ثم صار عضواً في اتحاد الكتاب العرب ب (دمشق)، ثم اصبح مقرراً للجنة النشر بالمجلس الأعلى للآداب والفنون ب (القاهرة )، وبقي عميداً لكلية الآداب إلى عام 1958 حيث احيل الى التقاعد ثم آثر أن يظل رهين منتزهه في( بلودان)  ينظم الشعر ويكتب المقالات حتى وفاته.
   توفي الشاعر شفيق  جبري عام 1980 عن عمر يناهز اثنتين وثمانين سنة ودفن في مقبرة باب حاكي  الصغير بدمشق.

من صفاته كان قليل الضحك، وقليل الكلام، وكان غالباً عليه طابع الحزن وكان كذلك طول حياته، أما حزنه وكآبته فناشئة عن كآبة دخلت إلى قلبه   وأما قلة كلامه فناشئة عن كثرة تفكيره وتأملاته وفي ذلك يقول.:
ناح الحمام على الغصو ن فهاج معتلج الشجون
فصبا إلى مضض الهوى وأنا صبوت إلى العيون
لكنه   حبس  الدمو ع  وماج   دمعي   بالجفون

       لذا اشتهر بحبه للعزلة وابتعاده عن مخالطة الناس لشعوره الرقيق فالكلمة النابية والنكتة الجارحة تؤذيه، حيث نشأ في ظل الحكم العثماني وعانى ويلات الحرب العالمية الأولى وما خلفته من مآس ودمار عايش مأساة إعدام العرب الأحرار على يد (جمال السفاح ) في السادس من أيار عام\ 1916م وشهد معركة ( ميسلون )حين اندفعت جحافل الجيوش الغادرة في 24 تموز 1920 وهي تصب حقدها الاعمى على مناضلي بلاد الشام  فاثر كل ذلك في نفسيته  .
     كان  شفيق شديد على اعداء وطنه والاستعمار الذي جثم  على  ابناء وطنه  يسومهم  بالذل  الهوان ويأبى إلا ان يظل حراً أبياً يقول:

لكن (جلّق) في ازدحام خطوبها
 جبارة   بكهولها    وشبابها
لم تستنم لأذى فإن هاجت بها
دهم الخطوب أوت إلى أقطابها
عركت عروبتها السنين فأقلقت
عبث السنين بحدها وبنابها
ظل العروبة وارف في( جلّق)
 متمكن في أرضها وسحابها
      فشعره الوطني ينزف دماً وحسرة على بلاد الشام وما أصابها من ظل الاستعمار الفرنسي  الغاشم فهو دائماً يتطلع إلى انبثاق فجر الحرية والاستقلال  فالشاعر يعيش مرارة المعاناة  وكأن في عينيه قذى يمنع عنه نعمة الهدوء والسكينة . فهو محب لوطنه وعاشق له  ولا يرضى بالثريا بديلاً عنه ويستنهض المشاعر والهمم والعزائم لتفيق من كبوتها وتصحو من سباتها العميق وتنفض عنها غبار الهزيمة والاستسلام وتنجد هذا الوطن الغالي من براثن العدو الغاشم.فيقول:
فمروج الشام تشكو ضيمها
أين من يكشف عنها المحنا
أرقب الصبح وليلي سرمد
 فأناجي في الليالي الدجنا
وانصراف العين عن رقدتها
في دياجي الليل يقذي الأعينا
وطني كيف أرجي بيعه
ذل من راح يبيع الوطنا
أيها الطامع في حوزته
 لست أرضى بالثريا ثمنا
أيها القوم أفيقوا ويحكم
وثب الدهر فما هذا الونى
        وقال شفيق في الغزل  فكان  يقوله بمرارة وحزن لأنه افتقد المرأة  وحنانها  في حياته ،فهو لم يتزوج ،ربما لأنه لم يتزوج ممن أحب في مطلع شبابه ،كما يقول بعض النقاد الا انه له وصف حسي في المرأة يقول :‏
وميض البرق من ثغرك فديت البرق والثغرا‏
وهذا الشعر من سحرك  فمن علمك السحرا‏
يحار الدر في  نحرك  فضحت  الدر والنحرا‏
فما أسماك في طهرك ملكت العف والطهرا‏
       فالقصائد الغزلية  في شعر شفيق تؤشر طيبة المرأة  هذه الطيبة التي تنبثق منها طيبة الحياة فهو قد عاش مأساة وجدانية فجعل المرأة عاملا ساميا وركيزة للحياة البشرية فهو اشبه بالقابض على الجمر .
.يقول :‏
-لولاك لم تطب الحياة وإنما‏
طيب الحياة يفيض من واديك‏
-هزي القريض فأنت من فرسانه‏
ما الشعر إلا من بشاشة فيك‏
أنت الحياة فما تزهو محاسنها‏
إلا إذا طاب للأحياء فزهاك‏
       لكنه يبقى شاعر الوطنية أولاً والحب ثانياً .فالوطن محبة ،والله محبة والجمال محبة ،وما الحياة بلا حب امرأة الا سعير ولهيب فمن يحتمل السعير ؟!!!‏
من مؤلفاته:
المتنبي مالئ الدنيا وشاغل الناس 1930،
الجاحظ معلم العقل والأدب 1932،
العناصر النفسية في سياسة العرب 1945،
بين البحر والصحراء 1946،
دراسة الأغاني 1951،
أبو الفرج الأصبهاني 1955،
أنا والشعر 1959،
أنا والنثر 1960،
أرض السحر 1962،
نوح العندليب (ديوان شعري نشر بعد وفاته) عام1984
    لقد كان شفيق جبري شاعر الشام بأصالته ومصداقيته وقد وهبه الله شاعرية مرهفة وقدرة فائقة على استلهام  الألفاظ  المختلفة  والتراكيب  الشعرية في صور شعرية رائعة ووهبه عاطفة متوهجة وصادقة وشعور وثاب متوقد  للتطلع إلى بناء العمل الفني المتكامل فكان بحق  شاعراً خالداً على مرّ الدهور والأزمنة.،لكنه يبقى شاعر الوطنية  الحقة أولاً وشاعر الحب والجمال ثانياً .فالوطن عين المحبة ،والله روح المحبة والجمال اساس المحبة.
          واختم بحثي قصيدته الرائعة(الجلاء) من شعر شفيق جبري وهي قصيدة طويلة ألقاها الشاعر على مدرج (جامعة دمشق) في نيسان \1946 تاريخ جلاء آخر جندي فرنسي عن سورية الحبيبة .والتي تعد من روائع الشعرالعربي  يقول :

حلم على جنبات الشام ام عيد    
           لا الهم هم ولا التسهيد تسهيد

اتكذب العين و الرايات خافقة     
         ام تكذب الاذن و الدنيا اغاريد

ويل النماريد لا حسن ولا نبأ      
         الا ترى ما غدت تلك النماريد

كأ، كل فؤاد في جلائهم            
         نشوان قد لعبت فيه العناقيد

ملء العيون دموع من هناءتها       
     فالدمع در على الخدين منضود

لو جاء داوود و النعمى تضاحكنا     
         لهنأ الشام في المزمار داود

على النواقيس انغام مسبحة      
               وفي المأذن تسبيح وتحميد

لو ينشد الدهر في افراحنا ملاْت     
         جوانب الدهر في البشرى الاناشيد


********************

هذي بقاياك يا حطين بددها                   
   لله ظل بارض الشام ممدود

ليت العيون صلاح الدين ناظرة             
    الى العدو الذي ترمي به البيد

 اضرب بعينيك هل تلقى له اثراً          
    كانه شبح في الليل مطرود

ظن اجتياجك مأمونا فشرده              
     حدا السيوف وللااسياف تشريد

لم يبق غل على ربع تظلله                 
    تشقى به اليد او تشقى به الجيد

اضحى رفاتك في امن وفي دعة            
    سيف العدو على الاحقاب مغمود

اين الاعاجم ما حلوا ولا رحلوا             
    كانهم حلم في الفجر مردود

من كان يحسب ان الشام يلفظهم         
       وان طيفهم في الشام مفقودد

تمكنوا من جبال الشام واعتصموا         
    فكل حصن على الاجيال مريد

فما حمتهم قلاع في مشارفها            
         ولا  اظلم   حشد    وتجنيد

اين القلاع على الاطواد عانية            
      واين منها تهاويل وتهديد

ايحسبون بقصف الرعد مرعبة            
      قصيف وعندهم في السمع تغريد

فما القواذف بالنيران هادمة        
   حوضا تعهده قوم صناديد

ظل العروبة ان يغضب لوارفه       
      بغضب له الغر من عدنان و الصيد


**********************

يا يوم ايار و النيران ملهبة              
       على دمشق تلظها جلاميد

ذكرى شجونك ما تنفك ماثلة             
    لم يمح من هولها عيد وتعييد

هذي ضحاياك في الايام ابدة         
      وللضحايا على الايام تأييد

الطفل في المهد لم تهدأ مضاجعه       
    مروع من لهيب النار مكمود


تلفه امة ما بين اضلعها             
   وموقد النار مطراب وغريد

فقل لصحبك و الامواج تحملهم         
    هل الحضارة تذليل وتعبيد


                       *********************

يا نازحين ونار الجرح تاكلكم            
        وما لجرحكم برء وتضميد

تلك التقاليد القينا سلاسلها              
          الم تروا ما جنت تلك التقاليد

جنات عدن  رتعتم في نواضرها        
       خليتموها ولا ماء ولا عود

للملك رهط ولستم من اراهطه          
       ضاعت بايديكم من المقاليد

هل انتدبتم الى تورطيد دولتكم           
     بالعنف هيهات ما في العنف توطيد

لا تستقيم مع التهديم مملكة            
          وانما الملك بنيان وتخليد


*************************

اغركم من شبابلا الشام يومهم       
       بميسلون        وللايام       تنكيد

جئتم حماهم فلم يملك جفونهم        
         غمض الليالي وهل تغفو المقاييد

ما نامت الشام عن ثأر تبيته      
   هيهات ما نومها في الثأر معهود

تكاد تفلت من اكفانها رمم   
   لتشهد الثأر يوم الثأر مشهود

لو استطاعت لهبت من مدافنها     
     تسعى الزرافات فيه و المواحيد

يا ميسلون وما الاحداث منسية   
    ذكرى    تفيئها   تلك   الاماليد

هذي دماؤك ما تنفك دافقة    
    تجري بها حمى الوادي الاخاريد

من باب واديك هاج العلج ادمعنا   
     وبابك اليوم دون العلج مسدود

ثارت لك الشام لم اقهر مرابعها  
    شدائد غلغلت في جوها سود

وكلما بليت افواف غوطتها        
   عادت وفي الغوطة الغناء تجديد

خلت ملوك وارض الشام طاوية     
     تاج الملوك وتاج الشام معقود


*************************

يافتية الشام للعلياء ثورتكم                 
       وما لايضيع مع العلياء مجهود

جدتم فسالت على الثورات انفسكم       
        علمتم الناس في الثورات ما الجود

بنيتم الملك من اشلاء عترتكم            
          يوطد الملك مهشوم ومحصود

تلكم قريش وانتم في ذؤابتها                
       توحي اليكم على الايام ان سودوا

و للعروبة في اظلالكم لجب                    
     لها من الوحي و القرأن تأييد

ما في النعيم عن استقلالكم عوض        
        وكيف ينعم مغلول ومصفود

فان جمعتم شتات الامر بينكم               
       فالملك متسع الافياء موطود

ان لم يكن مضر الحواء سيدة              
        فما يقر عيون العرب تسويد




*******************












عبد الكريم الكرمي
(  ابو سلمى )


       ولد عبد الكريم بن سعيد بن علي الكرمي ( ابو سلمى ) سنة \ 1909  في مدينة (طولكرم )بفلسطين ، من أسرة  متدينة اشتهرت  بالعلم  والأدب، وقد نبغ عدد  من أفراد هذه العائلة  كعلماء وأدباء، منهم محمود الكرمي واحمد شاكرالكرمي وحسن الكرمي  .
   اما والده فهو العالم المشهورسعيد الكرمي احد رجال النهضة العربية  كان فقيها في اللغة والدين وكان اديبا  وشاعراً يجيد الخطابة وكان  أحد ثمانية علماء تأسّس منهم منهم المجمع العلمي العربي  بدمشق  واشتغل  نائبا لرئيس المجلس المذكور  وعمل قاضياً للقضاة في حكومة شرق الأردن، ثم عمل  رئيساً لأول مجمع علمي في الأردن . وكان  يحرص على تربية ولده عبد الكريم  ويعمل على تنشئته  بافضل الصفات واكمل السجايا  وكان يشده للتعلم  فنشأ  كذلك .
     دخل عبد الكريم الكرمي مدرسة ( طولكرم الابتدائية ) الحكومية  وتخرج منها  بنجاح ثم انتقل الى مدينة ( دمشق ) ليواصل دراسته فيها وفي دمشق كان يحضر مجلس والده، وفيه أهل علم وأدب، فكان يستفيد كثيراً من مجالس العلم، ومال الى قراءة الكتب الأدبية وقد أتاح له مجلس العلم هذا تكوين خبرة اجتماعية  وثقافية  وبهذا تكاملت  شخصيته .
      انتقل  الى مدينة ( عمان ) بشرق الاردن منتصف عام \ 1922 عندما اصبح  والده  قا ضي القضاة  في (عمان ) ورئيس مجلس المعارف فيها ، فانتقل معه، ودرس سنة واحدة في مدرسة ( السّلط الثانوية ) ..   ثم غادرها عائدا إلى ( دمشق )  ملتحقا في (مدرسة التجهيز الأولى ) في مكتب  يقال له (مكتب عنبر) وخلال دراسته  تعرّف إلى فتاة تدعى ( سلمى) فأحبّها وهي فتاة من مدينة( عكا )، كانت تجمع الى جمال الوجه ودقة تقاسيم الجسم براعة ا لجمال  فنظم فيها قصيدة  مطلعها :
سلمى انظري نحوي  فقلبي  يخفِقُ
  يشيـــر  الي ّ طرفُـك   أُطـرِقُ لمــا
     وحين علم أساتذته بذلك  لقبوه ( أبو سلمى )  وانتهت دراسته  بحصوله على شهادة البكالوريا السورية عام \1927 وبعدها  قصد (القدس )  فعين  معلماً في (المدرسة العمرية )، ثم انتقل إلى ( المدرسة البكرية )، ثم ( المدرسة الرشيدية)  ثم درس في ( معهد الحقوق ) في مدينة ( القدس ) فنال شهادة  الحقوق .ثم  انخرط  في صفوف  النضال الوطني الفلسطيني في فلسطين والمنافي .

       وفي سنة\ 1936  نشرت  له مجلة الرسالة القاهرية  قصيدة عنوانها ( يا فلسطين )  وكان قد هاجم  السلطات الانكليزية  المحتلة في فلسطين  على قيامها بانشاء  قصر  للمندوب السامي الانكليزي على (جبل  المكبر ) الذي  زاره  الخليفة الراشد ( عمر بن الخطاب )عند ما تم  الفتح الاسلامي  لفلسطين وتحرير بيت المقدس فوقف عليه  وكبر
 ( الله اكبر .. الله الكبر..) 
 فيذكر الجبل في قصيدته فيقول :

قم يا شهيد القوم واخطب في الورى
                                    أصبحت  حياً  مذ غدوت  قتيلا

جبل (المكبر) طال نومك فانتبه
                                     قم  واسمع  التكبير  والتهليلا
فكأنما ر الفاروق دوى صوته
                                   فجلى  لنا  الدنيا  وهز   الجيلا

فاستدعاه مدير التعليم البريطاني (مستر فرل)، وأبلغه بقرار فصله من العمل يقول فيها :

كُلَّمَا  حَارَبْتُ  مِنْ    أَجْلِكِ    أَحْبَبْتُكِ  أَكْثَرْ

أَيُّ  تُرْبٍ غَيْرَ هَذَا  ٱلتُّرْبِ مِنْ مِسْكٍ وَعَنْبَرْ

أَيُّ  أُفْقٍ  غَيْرَ هَذَا  ٱلأُفْقِ  فِي ٱلدُّنْيَا  مُعَطَّرْ

كُلَّمَا دَافَعْتُ عَنْ أَرْضِكِ عُودُ ٱلعُمْرِ يَخْضَرْ

وَجَنَاحِي  يَا  فِلَسْطِينُ  عَلَى   ٱلقِمَّةِ   يُنْشَرْ

يَا  فِلَسْطِينِيَّةَ  ٱلإسْمِ  ٱلذِي يُوحِي  وَيَسْحَرْ

تَشْهَدُ  ٱلسُّمْرَةُ فِي خَدَّيْكِ أَنَّ ٱلحُسْنَ أَسْمَرْ

لَمْ  أَزَلْ  أَقْرَأُ  فِي   عَيْنَيْكِ  أُنْشُودَةَ   عَبْقَرْ

وَعَلَى  شَطَّيْهِمَا   أَمْوَاجُ   عَكَّا   تَتَكَسَّـرْ

مِنْ  بَقَايَا  دَمْعِنَا  هَلْ شَجَرُ  ٱللَيْمُونِ  أَزْهَرْ

وَالحَوَاكِيرُ  بَكَتْ مِنْ  بَعْدِنَا  وَٱلرَّوْضُ  أَقْفَرْ

وَكُرُومُ ٱلعِنَبِ  الخَمْرِيِّ  شَقَّتْ  أَلْفَ  مِئْزَرْ

لَمْ  تَعُدْ  تَعْتَنِقُ  ٱلسَّفْحَ   عَصَافِيرُ   ٱلصَّنَوْبَرْ

وَنُجُومُ  ٱللَيْلَ مَا عَادَتْ عَلَى ٱلكَرْمِلِ تَسْهَرْ

*  *   *
يَا فِلَسْطِينُ ٱنْظُرِي شَعْبَكِ فِي  أَرْوَعِ  مَنْظَرْ

بِلَظَى   الثَّوْرَةِ   وَٱلتَشْرِيدِ   لِلْعَالَـمِ   يَثْأَرْ

لَمْ  يُحَرَّرْ  وَطَنٌ  إِلاَّ  إِذَا  الشَّعْـبُ  تَحَرَّرْ

*  *   *
كُلُّ  إِنْسَانٍ  لَهُ  دَارٌ  وَأَحْـلاَمٌ   وَمِزْهَـرْ

وَأَنَا  الحَامِـلُ    تَارِيـخَ    بِـلاَدِي   أَتَعَثَّرْ

وَعَلَى  كُلِّ  طَرِيقٍ  لَمْ  أَزَلْ  أَشْعَثَ   أَغْبَرْ

*  *  *
كُلَّمَا رَفَّ عَلَيَّ ٱسْمُكِ كَانَ ٱلحَرْفُ  أَشْعَرْ

وَحُرُوفِي تَزْرَعُ  ٱلأَشْوَاقَ فِي كُلِّ  مُعَسْكَرْ

وَحُرُوفِي شُعَلٌ  فِي  كُلِّ  صَحْرَاءَ  وَمَهْجَرْ

*   *     *

       ونتيجة لذلك فقد أبو سلمى وظيفته التعليمية بالقدس، ولما علم  بذلك  صديقه الشاعرابراهيم طوقان  ضمّه إلى دار الإذاعة الفلسطينية التي كانت  برئاسته ، واستمرّ يعمل في جهازها الإعلامي إلى أن استقال من عمله.
        أما قصيدته التي قالها في ثورة الشعب الفلسطيني عام \ 1936 فهي من أكثر قصائده شيوعاً، وما زالت تتوهج  نارا و شعرا  والقصيدة تنبئ عن جرأة الشاعر وشدة انتقاده للزعماء العرب آنذاك  ويشير  فيها بشكل  واضح  الى  سرطان  التقاعس  والخذلان  وربما  الخيانة  كانت  مستشرية  منذ  ذلك  التاريخ  إلا أن الفرق  بين  الامس و اليوم هو أن الشاعر العربي  اليوم ربما لا يمتلك الجرأة نفسها الذي كان يملكها شاعر الأمس في نقد الواقع السياسي لبلده وهذه بعض ابيات القصيدة :

انشر على لهب القصيد      شكوى العبيد إلى العبيد

سحقاً لمن لا يعرفون          سوى التعللر  بالوعود

وأذلهم وعد اليهود              ولا  أذل  من  اليهود

(وأبو طلال ) في ربى        عمان  يحلم  بالحدود

اقعد فلست أخا العلى           والمجد وانعم بالقعود

عرج على اليمن السعيد         وليس باليمن السعيد

واذكر إماماً لا يزال يعيش        في دنيا ( ثمود)!

تغنى الحياة وقومه ما         بين ( قات ) أو هجود

واهبط إلى مصر الملوك      وقل لها يا مصر ميدي

يا مصر ضيعت المنى            بين الفريدة والفريد

إيه  ملوك العرب لا           كنتم ملوكاً في الوجود

قوموا اسعوا القسام يشرق       نوره فوق الصرود

      قصد أبو سلمى مدينة  ( حيفا ) في سنة \  1943وافتتح مكتباً زاول  فيه  مهنة  المحاماه،  وبدأ عمله بالدفاع عن المناضلين العرب المتهمين  في قضايا  الثورة الفلسطينية. حتى أصبح  في فترة  قصيرة محامياً  مشهورا ً في فلسطين، وظل يعمل في ( حيفا ) في حقل المحاماة حتى عام 1948 ، حيث اضطر إلى مغادرة (حيفا ) نازحاً إلى ( دمشق )  حيث  زاول مهنة المحاماة والتدريس، ثم عمل بوزارة الإعلام السورية وتولى رئاسة الإتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين. و نال درع الثورة الفلسطينية وجائزة لوتس العالمية، كما منح  اسمه وسام القدس للثقافة والفنون .
          وساهم في العديد من المؤتمرات العربية والآسيوية والإفريقية والعالمية.  ومن دمشق  قال عشرات القصائد في حبيبته  (فلسطين )  يقول في احدها  :

ولي في غوطتيك هوى قديم
                                        تغلغل في أماني العذاب
درجت على ثراك وملئ نفسي
                                     عبير الخالدين من التراب
فلسطين الحبيبة كيف أغفو
                                     وفي عيني أطياف العذاب
فلسطين الحبيبة كيف أحيا
                                  بعيداً عن سهولك والهضاب

    وفي  سنة \ 1980 وافته المنيّة،   فدفن  في مدينة ( دمشق )  هذه المدينة التي  وسعت صدرها وروحها لرفاة  كثير من الشعراء العرب :
 اما  أبرز مؤلفاته فهي :
المشرد -  شعر
أغنيات بلادي -  شعر
الثورة، مسرحية.
أغاني الأطفال،- شعر.
كفاح عرب فلسطين، دراسة.
أحمد شاكر الكرمي، دراسة.
في فلسطين ريشتي
وقد نشرت  مجموعته الشعرية الكاملة عام\ 1978.

     أبو سلمى.. اديب وشاعر سجّل  بأمانة وصدق أحداث وطنه وأمته، وأسهم بكلمته  الحرّة الجريئة في نضال شعبه الفلسطيني .  يتميز شعره بالوضوح والسلاسة  ونلاحظ  فيه المعنى النبيل، والنغمة الأخاذة، واللغة المتينة ، والخيال  الواسع  والمبتكر.. فنشعر فيه بدفئ العاطفة  وقوّة التعبير وصدق القول .
         عبد الكريم الكرمي  خاض  في  شعره  فنونا عديدة ونظم  في مجالات كثيرة، وجوانب متعدّدة  الا ان اغلبه  غلب عليه الشعر في الوطنية حيث نظم شعره  لفردوسه المفقود ( فلسطين ) ولوطنه العربي وكذلك  نظم في المدح  والرّثاء ومن شعره  في رثاء  صديقه واخيه الشاعر ابرهيم طوقان الذي نوفاه الاجل في عام\ 1942  يقول :

كيف أبكي وكيف يبكي قصيدي
ومضى اليوم طارفي وتليدي ؟
أين تمضي ؟ لمن تركت القوافي
والمروءات خافقات البنود ؟
أنت  من  علّم   الطيور غناء ً
ما عهدناك  صامتاً في الحشود

       وكذلك  له الكثير من الأناشيد، وشعر الحب والغزل، وغيرها و نظم قصائد رائعة، كل قصيدة  تمثل لوحة كأنها رسمت  بيد  فنّان عبقري. فشعره  يصوّر كل إحساسات الشعب ومعاناته، فشعره يكاد يكون سجلاً حافلا  بكل احداث النكبة و أبعادها.. ونلاحظ  تفريقه  بين الشعر الملتزم بقضية شعبه والشعر المأجور، ويضع حدّاً فاصلاً بين نوعين من الشعر فيقول :
-        (  الشّعر كالناس في الكون حرف حرٌّ وحرف ذليل، وإنّ الشعر الحق هو الشعر الملتزم بقضايا الجماهير وآلامها وآمالها).
ويتمثل  بابياته هذه ذلك ) :

كيف يمشي القلم المأجور في ساحة تجتاحها النار اجتياحا

في صرير القلم الحُرّ صدىر   ثورة  الشعب  هتافاً وصداحا

حاربوا الظلم مدى الدهر إلى أن يرفّ الكون طهراً وصلاحا

وإذا المستعمرون انتشروا يملأون الأرض جوراً واجتراحا

حرّروا الدّنيا من استعمارهم شرف الإنسان أن يقضي كفاحا

       ثم يخاطب رواد الشعر في العالم العربي فيدعوهم إلى النهوض بمسؤولية الشعر في الذود عن حقوق الإنسان،  ويعي الشعراء ان يهبطوا من أبراجهم العاجية ويتحملوا مسؤولياتهم بحماية شرف الحرف المضيء وراية الشعر المناضل.
يقول أبو سلمى عن شعره:
شِـعْـريَ جِسْرٌ يلْتقي فوقَه أهـلي بما يَحْلو وما يَشْجُن

يَـعْبَقُ شِعْري بِشَذا موطني لـولاهُ لا يـزكو ولا يَحْسُن

يا وطني !.. لا تَأْسَ إنّا على عَهْدِكَ، مهما طالت الأزْمن

تَـغْـنى الزَّعاماتُ وأشباهها والخالدان : الشّعْبُ والمَوْطِن

 واختم بحثي بهذه القصيدة الرائعة :

خَلعتُ على ملاعبها شـــــَبابي    
                                   وأحلامي على  خُضــرِ الرَّوابي
ولي فــي كُلِّ مُنعَطَفٍ لـــقاءُ      
                                    مُوَشّي   بالســَّلام   وبالعِتــاب
وما رَوَت المروجُ ســوى غنائي   
                                   وما رَوّى الكرومَ سـوى  شرابي
سلي الأفـُقَ المُعَطَّرَ عن جَناحــي   
                                  شذاَ   وصباً  يرفُّ  على السـحاب
ولي في غوطتيك هــوى  قــديم     
                                       تَغلـغل  في  أمــانيّ  العــِذاب
وفـــي ((برداك)) تاريخ الليـالي   
                                        كأني  كنت  أقــرأ  في كــتابي
درجت على ثراك وملء نفســـي    
                                        عبير  الخـالـدين  من  الــتراب
ألمـلم من دروبـــك كل نــجم        
                                        وأنثرة  , أضــيء  به  رحـابي
وعدت إلى حــماك خيال شـعب   
                                   يطوف  على  الطلول  وفي الشعاب
أتنكرني دمشـق؟..وكان عــهدي    
                                         بـها أن  لا  تـلوح  بالســراب
أتنـــكرني؟ .. وفي قلبي سـناها      
                                       وأعراف  العــروبة  في   إهابي
أمالي في ظــلال الديار حــب        
                                       شفيع  صـــبابتي  عند  الحساب
فلســـطين الحــبيبة كيف أغفو    
                                        وفي  عيني  أطيــاف  العــذاب
أطهـر باســــمك الدنيا ولو لم    
                                    يـبرح  بي  الهوى  لكتمت  ما بي
تمر قـوافل الأيــام تـــروي     
                                       مؤامـــرة  الأعادي   والصحاب
فلســطين الحبيبة .. كيف أحــيا   
                                     بعيداً  عن   ســهولك  والهضاب
تناديني الســـــفوح مخضبات     
                                        وفي  الآفــاق  آثار  الخضــاب
تناديني الشـــــواطىء باكيات      
                                    وفي  سـمع  الزمان  صدى انتحاب
تناديني الجداول شـــــاردات    
                                          تســــير  غريبة  دون اغتراب
تنادينــي مدائــنك اليتــامى       
                                           تنـــــاديني  قراك  مع القباب
ويســــــألني الرفاق ألا لقاء      
                                           وهل من عــودة بعد  الغيــاب
أجل ســــنقبل الترب المندى       
                                       وفوق  شـــفاهنا  حمر  الرغاب
غداً ســنعود والأجيال تصــغي     
                                        إلى وقع  الخـطى  عــند  الإياب
نعود مع العواصــف داويــات      
                                     مـع  البرق   المقدس  و الشـهاب
مع الأمل المجنح والأغــــاني      
                                        مع  النســــر  المحلق والعقاب
مع الفجر الضحوك على الصحاري    
                                      نعود  مع  الصــباح  على العباب
مع الرايات دامية الحواشــــي     
                                       على وهج الأســــنة  والحراب
ونحن الــــثائرين بكل أرض     
                                      ســـنصهر باللظى  نير  الرقاب
تذيب الـــقلب رنـــة كل قيد    
                                      ويجرح  في  الجوانـــح كل ناب
أجل !.. سـتعود آلاف الضـ حايا    
                                     ضحايــا  الظلم  تفتح  كل  بـاب


****************************


















صلاح عبد الصبور


هذه نسخة منطوقة من المقالة. انقر هنا للاستماع.
  هومحمد صلاح الدين بن عبد الصبور بن يوسف الحواتكى،
   ولد صلاح عبد الصبور في الثالث من شهر مايو(ايار )1931باحدى قرى مدينة ( الزقازيق) من محافظة الشرقية الواقعة شرقي دلتا نهرالنيل  في مصر ونشا في مدينة (الزقازيق ) واكمل دراسته في المدارس الحكومية فيها ثم درس اللغة العربية في كلية الآداب بجامعة فؤاد الأول ( جامعة القاهرة حاليا),  فتخرج من قسم اللغة العربية بكلية الآداب في جامعة القاهرة عام \ 1951م، وفيها درس علي يد الشيخ العلامة (امين الخولي )الذي ضمه إلى جماعة (الأمناء) التي كوّنها  ثم إلى (الجمعية الأدبية) التي ورثت مهام الجماعة الأولى. كان للجمعيتين تأثير كبير على حركة الإبداع الأدبي والنقدي في مصر. ولكنه كان يقوم بعمله على مضض حيث استغرقته هواياته الأدبية وسيطرت على حياته  الشخصية والعملية كليا .
    كان صلاح عبد الصبور من رواد  مقهى الطلبة في الزقازيق فتعرف على عدد من الأصدقاء الشباب  منهم ( مرسي جميل عزيز ) و(عبد الحليم حافظ ) والاخير طلب منه  نصا  ليتقدم به الى الاذاعة المصرية  فيغنيه  وسيلحنه له الملحن المعروف انذاك ( كمال الطويل )  فقدم له الشاعر صلاح عبد الصبور  قصيدة ( لقاء ) التي نجحت فكانت باكورة شعره المغنى .
      يعتبرصلاح عبد الصبور أحد رواد حركة الشعر الحر في الشعر العربي الحديث  ومن شعراء الحداثة العربية المتأثرة بالفكر الغربي، كما يعدّ واحداً من الشعراء العرب القلائل الذين أضافوا مساهمة بارزة في التأليف المسرحي، وفي التنظير للشعر الحر.
    وقد تنوعت المصادر التي تأثر بها إبداع صلاح عبد الصبورفقد تاثر في شعرالصعاليك الجاهليين ثم  تاثر في شعر الحكمة العربي، وكذلك  تاثر بأفكار بعض الأعلام  الصوفيين العرب مثل الشاعر حسين الحلاج والمتصوف بشرالحافي  وقد استخدمهما كأقنعة لأفكاره وتصوراته في بعض القصائد والمسرحيات. ومن ثم  استفاد من  الشعر الفرنسي والالماني  في رمزيته  وكذلك درس الشعر الفلسفي الانكليزي بدراسته لشعر  (بودلير) و(ريلكه )و(جون دن وييتس ) و(ت  س اليوت )
       وقد كتب الكثيرون  في العلاقة بين مسرحية ( جريمة قتل في الكاتدرائية) ل (إليوت ) ومأساة (الحلاج ) لصلاح عبد الصبور. وكذلك تأثره بالكاتب الإيطالي ( لويجي بيرانديللو)ويتضح ذلك بمسرحيته (ليلي والمجنون )و (الأميرة تنتظر) .

       ولما عين صلاح عبد الصبور مستشارا ثقافياً لسفارة بلاده مصر أستفاد خلالها من كنوز الفلسفات الهندية ومن ثقافات الهند المتعددة مثل كتابات (كافكا ) السوداوية. إلي جانب تأثره بكتاب مسرح العبث. و كما ذكر بتذيل مسرحيته( مسافر ليل ) حيث يقول :
 ( منذ خمس سنوات التقيت بالمسرحي العظيم " يوجين أونيسكو " في مسرحية الكراسي، حيث كان يعرضها مسرح الجيب القاهري، وما كاد العرض ينتهي حتي كنت قد انتويت أن أدخل عالم هذا الكاتب العظيم، وسعيت إليه من خلال معظم أعماله. وكتبت في مذكراتي الشخصية عندئذ أن اكتشاف عظمة (أونيسكو) كان من أحلي الاكتشافات التي عرفتها في حياتي. وأضفته إلي ذخائري كما أضفت اثار (شكسبير) و(أبي العلاء )و(تشيكوف) من قبل .
      يعد صلاح عبد الصبورأحد أهم رواد حركة الشعر الحر العربي ومن رموز الحداثة العربية المتأثرة بالفكر الغربي، ويعدّ واحداً من الشعراء العرب الذين أضافوا مساهمة بارزة في التأليف المسرحي، وفي تنظير الشعر الحر.
    ودع صلاح عبد الصبور الشعر التقليدى تماما ليبدأ مسيرته في طريق جديد  هو طريق التجديد في الشعر  تحمل فيه القصيدة العربية  بصمته الخاصة، في الشعر التقليدى الذي كان قد وقع فيه تحت  سيطرة  التكرار والصنعة ، فأصبح  احد رواد الشعرالحديث  .و بدأ ينشر أشعاره في الصحف والمجلات ففاضت شهرته بعد نشره قصيدته ( شنق زهران) وخاصة بعد صدور ديوانه الأول( الناس في بلادي) حيث كرسه بين رواد الشعر الحر وهم  بدر شاكرالسياب ونازك الملائكة  وقد وظف صلاح عبد الصبور هذا النمط  الجديد من الشعر في المسرح فأعاد الروح وبقوة الى المسرح الشعري الذي خبا وهجه في العالم العربي بعد  وفاة رائده الشاعر احمد شوقي عام \ 1932 وتميز مشروعه المسرحي بنبرة سياسية ناقدة وكانت قوية حيث تسقط  في الانحيازات والانتماءات الحزبية. وكان لعبد الصبور إسهامات جيدة  في التنظير للشعر خاصة  في كتاباته النثرية  فكانت هذه السمات في أثره الأدبي استلهامه للتراث العربي وتأثره البارز بالأدب الإنجليزي او قل الغربي بصورة عامة . يقول في قصيدته (اغنية للشتاء ) .
ينبئني شتاء هذا العام
أنني أموت وحدي
ذاتَ شتاء مثله, ذات شتاء
يُنبئني هذا المساء أنني أموت وحدي
ذات مساء مثله, ذات مساء
و أن أعوامي التي مضت كانت هباء
و أنني مقيم في العراء
ينبئني شتاء هذا العام أن داخلي
مرتجف بردا
و أن قلبي ميت منذ الخريف
قد ذوى حين ذوت
أولُ أوراق الشجر
     لقد صاغ الشاعر صلاح عبد الصبور باقتدار سبيكة شعرية نادرة بموهبته  لفذة ورؤيته وخبراته الذاتية مع ثقافته المكتسبة من الرصيد الإبداعي العربي ومن التراث الإنساني عامة. وبهذه  الصياغة  اكتمل نضجه وتصوره فضلا عن تأثيره في كل التيارات الشعرية العربية الحديثة يقول في احدى قصائده :
جنوب .. ياجنوب
يامرتع الظباء
ياموئل الحبيب
يازهرة ً فواحةً
تحبها القلوب
جنوب أرضك كالجنان
ملأى بأنواع الحنان
وثراك مسك أدفر
ورباك من حب الجمان
والناس في صحرائك
كالورد في الروض المصان
      توفي  الشاعر المجدد صلاح عبد الصبور  بتاريح  الثالث عشر من  اغسطس (اب ) 1981 اثر تعرضه لنوبة قلبية حادة  اودت بحياته  وقيل انها اثر  مشادة كلامية  ساخنة  مع  الفنان ( بهجت عثمان) حدثت في منزل صديقة الشاعر  ( احمد عبد المعطي حجازي ) وكان  صلاح عبد الصبور في زيارة  صديقه ( احمد حجازي) في منزله بمناسبة عودة ( حجازي ) من باريس ليستقر في القاهرة. فكانت المشادة ان وجه (بهجت عثمان ) و(احمد حجازي) نقدا  مرا لاذعا الى الشاعر صلاح عبد الصبور  عن قبوله  منصب (رئيس  هيئة الكتاب العربي) واتهامهم له بقبوله طمعا  في الحصول على مكاسب  مالية  ومعنوية  فأثر ذلك في نفسيته  فمات في يومه .
    وتقول زوجة  صلاح عبد الصبور (سميحة غالب )في هذه الحادثة :
     ( ان سبب وفاة زوجي أنه تعرض إلى نقد واتهامات من قبل احمد عبد المعطي حجازي )، وبعض المتواجدين في السهرة وأنه لولا هذا النقد الظالم لما كان زوجي قد مات. اتهموه بأنه قبل منصب رئيس مجلس إدارة هيئة الكتاب، طمعاً في الحصول على المكاسب المالية، متناسيا واجبه الوطني والقومي في التصدي للخطر الإسرائيلي الذي يسعى للتطبيع الثقافي، وأنه يتحايل بنشر كتب عديمة الفائدة.. لئلا يعرض نفسه للمساءلة السياسية )
 ترك لنا  الشاعر صلاح عبد الصبور  العديد من الدواوين الشعرية والمسرحيات والكتب النثرية  منها مايلي :
1-             الناس في بلادي  وهو أول ديوان للشعر الحر, أو شعر التفعيلة)
2-             اقول لكم
3-             تاملات في زمن جريح
4-             شجر الليل
5-             -الابحار في الذاكرة

 اما مؤلفاته المسرحية فهي:

·                      الأميرة تنتظر
·                       ماساة الحلاج
·                       بعد ان يموت الملك
·                       مسافر ليل
·                       ليلى والمجنون
·                      . اما كتبه النثرية فهي:
·                       
·                       على مشارف الخمسين
·                      ماذا يبقى منهم للتاريخ.
·                       وتبقى الكلمة
·                      رحلة الضمير المصري.
·                      حتى نقهر الموت.
·                      قراءة جديدة لشعرنا القديم.
·                      حياتي في الشعر
·                      رحلة على الورق.
    وكان صلاح عبد الصبور قد تقلد  عددا من المناصب،الوظيفية المهمة  اضافة في عمله بالتدريس والصحافة وبوزارة الثقافة، وكان آخر منصب تقلده هو(رئاسة الهيئة المصرية للكتاب ) ، وساهم في تأسيس مجلة ( فصولللنقد الأدبي)
 واختم بحثي بهذه القصيدة :
صنعت لك
عرشا من الحرير .. مخملي
اجرته من صندل
ومسندين تتكّى عليهما
ولجة من الرخام ، صخرها ألماس
جلبت من سوق الرقيق قينتين
قطرت من كرم الجنان جفنتين
والكأس من بللور
أسرجت مصباحا
علقته في كّوة في جانب الجدار
ونوره المفضض المهيب
وظله الغريب
في عالم يلتف في إزارةالشحيب
والليل قد راحا
وما قدمت أنت ، زائرى الحبيب
هدمتُ ما بنيت
أضعتُ ما اقتفيت
خرجتُ لك
علّى أوافي محملك
ومثلما ولدتُ . غير شملة الإحرام. قد خرجت لك
أسائل الرواد
عن أرضك الغريبة الرهيبة الأسرار
في هدأة المساء ، والظلام خيمة سوداء
ضربت في الوديان والتلاع والوهاد
أسائل الرواد
( ومن أراد أن يعيش فليمت شهيد عشق)
أنا هنا ملقي على الجدار
وقد دفنتُ في الخيال قلبي الوديع
وجسمي الصريع
في مهمه الخيال قد دفنت قلبي الوديع
يا أيها الحبيب
معذبي ، أيها الحبيب
أليس لي في المجلس السنّى حبوة التبيع
فإنني مطيع
وخادم سميع
فإن أذنت إنني النديم في الأسحار
حكايتي غرائب لم يحوها كتاب
طبائعي رقيقة كالخمر في الأكواب
فإن لطفت هل إلىّ رنوةُ الحنان
فإنني أدل الهوى على الأخدان
أليس لي بقلبك العميق من مكان
وقد كسرت في هواك طينة الأنسان
وليس ثمّ من رجوع .

********************************

















أمـل  دنـقــل


           هو محمد أمل فهيم أبو القسام محارب د نقل

    ولد في قرية ( القلعة ) التابعة  لمركز (قفط ) من محافظة ( قنا )  سنة  \1940 من أسرة صعيدية  تعيش في صعيد مصرو كان والده عالماً من علماء الأزهر الشريف  مما كان له تاثير في شخصيته وسلوكيته وقصائده بشكل واضح.

     وكني ( أمل دنقل )  بهذا اللقب  لانه ولد بنفس السنة التي حصل فيها والده على اجازة العالمية فاطلق عليه  اسم ( أمل ) تيمنا بالنجاح الذي حققه ابوه (واسم - أمل - شائع  تسمى فيه الاناث في مصر وفي غيرها من البلاد العربية وخاصة في العراق ).

    توفى والده وهو في العاشرة من عمره فأصبح، وهو في هذه السن، مسؤولاً عن اعالة  أمه وشقيقيه.مما أثر عليه كثيراً واكسبه مسحة من الحزن نجدها في قصائده و شعره.

     اخذ تعليمه  الاولي  بمدرسة ابتدائية  حكومية وأنهى بها دراسته سنة \1952عُرف بين أقرانه بالنباهة والذكاء والجد في دراسته، كما عُرف عنه التزامه بتماسك أسرته واحترامه لقيمها ومبادئها؛ فقد ورث عن أمه الاعتداد بذاته، وعن أبيه شخصيته القوية والمنظمة.

      وفي ( قنا ) درس المرحلة الثانوية وفيها نظم الشعرومما نُشره أمل دنقل وهو طالب في الثانوية أبيات شعرية نشرتها مجلة (مدرسة قنا الثانوية ) سنة \1956، وكتب تحتها: الطالب أمل دنقل يقول فيها:

يا معقـلا  ذابت على  أسـواره  كل  الجنود

حشـد العـدو  جيوشه  بالنار والدم  والحديد

ظمئ الحديد فراح ينهل من دم الباغي العنيد

قصص البطولة والكفاح عرفتها يا بورسعيد

       في العدد التالي لهذه المجلة أفردت له صفحة كاملة لقصيدة بعنوان: (عيد الأمومة) وكتبت تحت العنوان: للشاعر أمل دنقل، وليس للطالب كسابقتها، جاء فيها:

أريج من الخلد .. عذب عطر          وصوت من القلب فيه الظفر

وعيد  لـه  يهتف  الشـاطئان          وإكليله  من  عيون  الزهر..

ومصر العلا . أم كل طموح..          إلى المجد شدت رحال السفر

وأمي فلسطين بنت الجـراح           ونبت دماء  الشهيد الخضـر

يؤجـج  تحنانهـا  في القلوب          ضرامًا  على ثائرها المستمر

وأمي   كل   بـلاد.... تثـور           أضالعـها  باللظى  المستطـر

تمج القيود.... وتبني الخلود          تعيـد  الشــباب   لمجـد  غبـر

فإن الدمـاء تـزف  الدخيـــل           إلى القبر..رغم صروف القدر

وتنسج  للشعب  نور العـلاء          بحـرية  الـتوطـن  الـمنتصـــر
 
        اخذ شاعرنا  عن ابيه موهبة  الشعر فقد كان والده  ينظم الشعر العمودي، ويمتلك مكتبة ضخمة تضم خزينا من كتب الفقه والشريعة والتفسير وذخائر التراث العربي  والشعر الحديث  مما أثر كثيراً في أمل دنقل وساهم في تكوين اللبنة الأولى والاساس الفاعل  لهذا الأديب الشاعر .

    انتقل الشاعر امل دنقل إلى( القاهرة ) بعد أن أنهى دراسته الثانوية في مدينة ( قنا ) وحصل على الثانوية العامة عام\ 1957 والتحق بكلية الآداب سنة\ 1958 ليكمل دراسته .لكنه  انقطع عن الدراسة  في عامها الأول لاجل ايجاد عمل له .وكان قد شعر بالصدمة  والامتعاض عند نزوله إلى القاهرة أول مرة. وقد ساعده الصحفي ( قاسم حداد ) في مقالته ( سيف في الصدر) في مجلة ( الدوحة ) في آب ( أغسطس ) \1983حيث يقول :
( دون ضجيج جاء إلى الشعر العربي من صعيد مصر، وكتب قصيدته المختلفة، وكسر جدران قلعة القصيد كما لم يعهد الشعر العربي القصائد ولم يعهد الكسور).

      فكانت هذه فرصة جديدة له ونقلة حقيقية في مجال القصيدة الحديثة او قصيدة التفعيلة  وأثر هذا عليه كثيراً ويظهر هذا التاثير واضحاً في اشعاره وقصائده الأولى وهذه كانت  قضية أمل الكبرى التي عاش من أجلها كالمحارب تماما، فيعبر عن ذلك حين يقول:

كنت لا أحمل إلا قلما بين ضلوعي
كنت لا أحمل إلا قلمي
في يدي: خمس مرايا
تعكس الضوء الذي يسري من دمي
افتحوا الباب
فما رد الحرس
افتحوا الباب ….. أنا أطلب ظلا
قيل: كلا ،
 وأثر هذا عليه كثيراً ويظهر هذا واضحاً في اشعاره وقصائده الأولى

      فلم يمكث في القاهرة سوى عام واحد إذ رحل عنها\ 1959 إلى مدينته ( قنا ) مرة ثانية حيث اشتغل  موظفا ب( محكمة قنا ) ،  لكن تهويمات الشعر وخيالاته لم تكن تدع مبدعا شاعرا مثل أمل لوظيفة رتيبة مملة.. فترك العمل لانشغاله بالشعر والحياة، واستمر شعره هادفا ثائرا على الواقع، وأحيانا ساخرا منه بأسلوب يحيل هذه السخرية إلى إبداع شعري غاية في الشفافية تطلق في ذهن القارئ العديد من المعاني الشعرية. ثم انتقل الى كمارك (السويس) ثم انتقل الى كمارك (الإسكندرية )ثم بعد ذلك انتقل  ليكون موظفاً في منظمة ( التضامن الأفروآسيوي) ، ولكنه كان دائماً ما يترك العمل وينصرف إلى كتابة الشعر. شعر أمل دنقل بالصدمة عند نزوله إلى القاهرة أول مرة، وأثر هذا عليه كثيراً في أشعاره ويظهر هذا واضحاً في قصائده واشعاره الأولى.

     استوحى معظم قصائده من التراث العربي ورموزه مخالفاً لمعظم المدارس الشعرية في الخمسينيات. مبتعدا عن  الرموز الغربية واليونانية التي اعتمدها  اغلب شعراء  الرمزية المصريين  

       عاصر شاعرنا أحلام العروبة والثورة المصرية فساهمت هذه الامور في تشكيل نفسيته فأ حب عروبته واخلص للثورة في بلاده  وكان في هذا مجال لتصادمه مع الحكومة مثل كل ابناء  بلده بعد انكسار مصر في عام \ 1967 فعبر عن صدمته في رائعته: (البكاء بين يدي زرقاء اليمامة)وهذا مقطع منها  :

أيتها العرافة المقدَّسةْ ..

جئتُ إليك .. مثخناً بالطعنات والدماءْ

أزحف في معاطف القتلى، وفوق الجثث المكدّسة

منكسر السيف، مغبَّر الجبين والأعضاءْ.

أسأل يا زرقاءْ ..

عن فمكِ الياقوتِ عن، نبوءة العذراء

عن ساعدي المقطوع.. وهو ما يزال ممسكاً بالراية المنكَّسة

عن صور الأطفال في الخوذات.. ملقاةً على الصحراء

عن جاريَ الذي يَهُمُّ بارتشاف الماء..

فيثقب الرصاصُ رأسَه .. في لحظة الملامسة !

عن الفم المحشوِّ بالرمال والدماء !!

أسأل يا زرقاء ..

عن وقفتي العزلاء بين السيف .. والجدارْ !

عن صرخة المرأة بين السَّبي. والفرارْ ؟

كيف حملتُ العار..

ثم مشيتُ ؟ دون أن أقتل نفسي ؟ ! دون أن أنهار ؟ !

ودون أن يسقط لحمي .. من غبار التربة المدنسة ؟ !

تكلَّمي أيتها النبية المقدسة

تكلمي .. باللهِ .. باللعنةِ .. بالشيطانْ

لا تغمضي عينيكِ، فالجرذان ..

تلعق من دمي حساءَها .. ولا أردُّها !

تكلمي ... لشدَّ ما أنا مُهان

لا اللَّيل يُخفي عورتي .. كلا ولا الجدران !

ولا اختبائي في الصحيفة التي أشدُّها ..

ولا احتمائي في سحائب الدخان !

.. تقفز حولي طفلةٌ واسعةُ العينين .. عذبةُ المشاكسة

( - كان يَقُصُّ عنك يا صغيرتي .. ونحن في الخنادْق

فنفتح الأزرار في ستراتنا .. ونسند البنادقْ

وحين مات عَطَشاً في الصحَراء المشمسة ..

رطَّب باسمك الشفاه اليابسة ..

وارتخت العينان !)

فأين أخفي وجهيَ المتَّهمَ المدان ؟

والضحكةَ الطروب : ضحكتهُ..

والوجهُ .. والغمازتانْ ! ؟

*      *        *

       التقى  امل  في سنة 1976 بالصحفية  (عبلة الرويني) وكانت
 تعمل بجريدة ( الأخبار) القاهرية  فنشأ ت بينهما علاقة إنسانية حميمة وانجذاب لبعضهما ، تتوج هذا الامر بالزواج \1978، وكان امل كثير التنقل والترحال فقد اتخذ من مقهى (ريش) مكانا  كمقر له  عندما  اقدم على الزواج كان لايمتلك دارا او سكنا يأوي اليه ولا يملك نفقات زواجه  فرضيت ان تسكن معه في غرفة في احد الفنادق بالقاهرة فتم زواجهما .

        شاهد أمل دنقل بعينيه النصر وضياعه وصرخ مع كل من صرخوا ضد معاهدة السلام،ونظم قصيدته الرائعة (لا تَصالِح ْ) التي عبر فيها عما يجيش بافكار الشعب المصري المناضل ورفضهم لهذه المعاهدة  التي تعتبر انتكاسة بحق وما تبعها من أحداث كانون الثاني (يناير )عام\ 1977م فكان موقف أمل  من عملية السلام سبباً في مصادمته مع السلطات الحكومية وخاصة ان أشعاره كان يرددها الثائرون في التظاهرات ومن قصيدته ( لا تصالح ) هذه السطور:

 لا تصالحْ

لا تصالح على الدم.. حتى بدم!

لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ

أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟

أقلب الغريب كقلب أخيك؟!

أعيناه عينا أخيك؟!

وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك

بيدٍ سيفها أثْكَلك؟"

"لا تصالحْ

ولو وقفت ضد سيفك كل الشيوخْ

والرجال التي ملأتها الشروخْ

هؤلاء الذين يحبون طعم الثريدْ

وامتطاء العبيدْ

هؤلاء الذين تدلت عمائمهم فوق أعينهم

وسيوفهم العربية قد نسيت سنوات الشموخْ

لا تصالحْ

فليس سوى أن تريدْ

أنت فارسُ هذا الزمان الوحيدْ

وسواك.. المسوخْ!

لا تصالح.. حتى وإن منحوك الذهب

ترى إن فقأتُ عينيكَ..

و ثبتتُ مكانهما جوهرتين

هل ترى؟

هي أشياءٌ لا تُشتَرى!"

كلمات سبارتكوس الأخيرة (مزج أوّل):

المجد للشيطان.. معبود الرياح

من قال "لا" في وجه من قالوا "نعم"

من علّم الإنسان تمزيق العدم

من قال ..لا .. فلم يمت، وظلّ روحا أبديّة الألم !

      امل دنقل اصيب  بمرض السرطان وعانى منه كثيرا قرابة ثلاث سنوات وتتضح معاناته الشديدة مع المرض في مجموعته الشعرية (أوراق الغرفة\ 8) وهذا هو رقم غرفته في المعهد القومي للأورام  السرطانية والذي قضى فيه ما يقارب الأربع سنوات، وقد عبر في  قصيدته ( السرير) عن آخر لحظاته ومعاناته  يقول فيها :

فى غرفة العمليات
كان نقاب الاطباء ابيض
لون المعاطف ابيض
تاج الحكيمات ابيض
اردية الراهبات
الملاءات
لون الاسرّة ، اربطة الشاش والقطن
قرص المنوم، انبوبة المصل
كوب اللبن
كل هذا يشيع بقلبى الوهن
كل هذا البياض يذكرنى بالكفن
فلماذا اذا مت
يأتى المعزون متشحين
بشارات لون الحداد ؟؟
هل لان السواد
هو لون النجاة من الموت
لون التميمة ضد ...الزمن
ضدمن ...؟؟
و متى القلب - فى الخفقان - اطمأن ؟

*********

بين لونين : استقبل الاصدقاء
الذين يرون سريرى قبرا
و حياتى ..دهرا
و ارى العيون العميقة
لون الحقيقة
لون تراب الوطن

 يقول صديقه أحمد عبد المعطي حجازي عن معاناته وشعره :

 ( إنه صراع بين متكافئين، الموت والشعر).

      توفي الشاعر امـل  دنقل  في الحادي والعشرين من  شهر مايس (مايو) عام \ 1983م لتنتهي معاناته مع كل شيء. وكانت آخر لحظاته في الحياة برفقة اصدقائه عند زيارتهم له: د.جابر عصفور وعبد الرحمن الأبنودي صديق عمره وهو  يستمع الى احدى الاغاني الشعبية من اغاني الصعيد المصري.

 اصدر الشاعر امل دنقل  ست مجموعات شعرية هي:
البكاء بين يدي زرقاء اليمامة - بيروت 1969.
تعليق على ما حدث - بيروت 1971.
مقتل القمر - بيروت 1974.
العهد الآتي - بيروت 1975.
أقوال جديدة عن حرب بسوس - القاهرة 1983.
أوراق الغرفة 8 - القاهرة 1983.
اجازة فوق شاطئ البجر

ورغم شعارات ثورة يوليو وانجذاب الكثيرين لها؛ حيث كانت الثورة أمل  جماهير الشعب المصري الكادح، ومنهم أمل دنقل الفقير ابن أقصى الصعيد فلم ينخدع حيث كان متنبها لأخطائها وخطاياها؛ بل سجل رفضه لها بعين الباحث عن الحرية الحقيقية  ففتح نار سخريته عليها، فرفض الحرية المزعومة التي فتحت أبواب السجون على مصراعيها للمعارضة.. يقول أمل:

أبانا الذي في المباحث، نحن رعاياك
باق لك الجبروت، باق لك الملكوت
وباق لمن تحرس الرهبوت
تفرّدت وحدك باليسر
إن اليمين لفي خسر
أما اليسار ففي عسر
إلا الذين يماشون
إلا الذين يعيشون..
يحشون بالصحف المشتراة العيون فيعيشون
إلا الذين يوشُون
إلا الذين يوشون ياقات قمصانهم برباط السكوت
الصمت وشمك..
والصمت وسمك
والصمت أنى التفتّ
يرون ويسمك
والصمت بين خيوط يديك المشبكتين المصمغتين
يلف الفراشة والعنكبوت

       يتميز شعر امل دنقل  بالسخرية والتهکم ويعتبرها  من أساليب الرفض في شعره، والهدف منهما هو الانتقاد للاخطاء والعيوب؛ سواء اكانت فردية أو اجتماعية أو سياسية، وتنبيه المتلقي واستنهاض الوعي في شعره فهو ينشأ من مشاعر شاعرالشعبيه والوطنيه، ويهدف إلي استنهاض الوعي في الفرد او الرأي العام بمجتمعه وبيئته، ويهدف إلي استفزاز المشاعر وإثارة الرفض لكل المساوئ والمثالب ومأساة الحياة الاجتماعية.

 واخيرا اختم بحثي بهذه القصيدة من شعره :

لماذا يُتابِعُني أينما سِرتُ صوتُ الكَمانْ؟
أسافرُ في القَاطراتِ العتيقة،
(كي أتحدَّث للغُرباء المُسِنِّينَ)
أرفعُ صوتي ليطغي على ضجَّةِ العَجلاتِ
وأغفو على نَبَضاتِ القِطارِ الحديديَّةِ القلبِ
(تهدُرُ مثل الطَّواحين)
لكنَّها بغتةً..
تَتباعدُ شيئاً فشيئا..
ويصحو نِداءُ الكَمان!
أسيرُ مع الناسِ، في المَهرجانات:
أُُصغى لبوقِ الجُنودِ النُّحاسيّ..
يملأُُ حَلقي غُبارُ النَّشيدِ الحماسيّ..
لكنّني فَجأةً.. لا أرى!
تَتَلاشى الصُفوفُ أمامي!
وينسرِبُ الصَّوتُ مُبْتعِدا..
ورويداً..
رويداً يعودُ الى القلبِ صوتُ الكَمانْ!
لماذا إذا ما تهيَّأت للنوم.. يأتي الكَمان؟..
فأصغي له.. آتياً من مَكانٍ بعيد..
فتصمتُ: هَمْهمةُ الريحُ خلفَ الشَّبابيكِ،
نبضُ الوِسادةِ في أُذنُي،
تَتراجعُ دقاتُ قَلْبي،..
وأرحلُ.. في مُدنٍ لم أزُرها!
شوارعُها: فِضّةٌ!
وبناياتُها: من خُيوطِ الأَشعَّةِ..
ألْقى التي واعَدَتْني على ضَفَّةِ النهرِ.. واقفةً!
وعلى كَتفيها يحطُّ اليمامُ الغريبُ
ومن راحتيها يغطُّ الحنانْ!
أُحبُّكِ،
صارَ الكمانُ.. كعوبَ بنادقْ!
وصارَ يمامُ الحدائقْ.
قنابلَ تَسقطُ في كلِّ آنْ
وغَابَ الكَمانْ!



*********************************










عبد الحي بن التاب


 

          ولد عب\ الحي بن التاب  في جنوب غرب موريتانيا، احدى ضواحي مدينة  ( نواكشوط ) عاصمتها .
 
نشأ  عبد الحي بن التاب  في رعاية ثقافة الزوايا ذات الطابع الديني والتراثي العربي،

       فحفظ القرآن الكريم، وتلقى العلوم الإسلامية العربية عن علماء المنطقة، فدرس اللغة والنحو والأدب والفقه والأصول
مارس التدريس في المحضرة، والإفتاء والتأليف، كما مارس التجارة   
      في تجواله .
  
توفي عبد الحي بن التاب عام 1984\ في نواكشوط

   ترك لنا مؤلفات  ثقافية وشعرية منها الاتي :

- *ديوان شعر حققته ابنته، الباحثة خديجة بنت عبدالحي -بغية الحصول على شهادة الكفاءة في التدريس بالتعليم الثانوي .

* دراسة في عروض الشعر الحساني (العامية الموريتانية)، وله منظومات وشروح في النحو والأنساب والفقه.

.   تتسم  قصائده بالإيجاز، وتأثره باللغة العربية وبلاغتها   وتظهر المفردات الشائعة في الشعر القديم واضح في  شعره ، فضلاً عن العناية بمطالع قصائده  ومقاطعها . وقد قال الشعر في مختلف الفنون الشعرية : المديح النبوي، والاستعطاف،والغزل، والرثاء، والفخر، والإخوانيات، وقد حاول الملاءمة بين موضوع  القصيدة  ولغتها ، فيما ضمِّن أبيات قصائده  اقتباسات  من معاني القرآن الكريم  والحديث  الشريف  وخاصة عندما تكون في  موضوع ديني ومن شعره هذه الابيات :

يَسِحُّ    الـدمعَ    فــــــــادْعُونِي
أهل      الحق    كُنْتَ   لهم   عمادا

لئن هـبَّت خرائدُنـا تَهــــــــــــــــادَى
هَمَى جفـنـي وقـد هجـر الرُّقـــــــــــادا

خرائدُ كـالجُمـان وكـــــــــــــــاللآلِي
تَرَكْنَ سداد كلِّ حِجىً فســـــــــــــــــادا

إذا هُنَّ ابتسمـن لـذي ارعـــــــــــــواءٍ
عـلى العِصْيـانِ حـيـنئذٍ تـمـــــــــــادى

بذي أشـرٍ مـنـابته تـراهـــــــــــــــا
حَكَتْ حُمَمَ الـبَشـامِ ضُحًى ســــــوادا

تَرَى أَثَرَ اللِّبـاس وهُنَّ بـــــيضٌ
عـلى الأجْســـادِ تَحْسَبُهِ مِدادا

فَدَعْ تذكـارَهُنَّ وسِرْ صـبــــــــــــــــاحًا
إلى بـاب الأمـيرِ تَرَ الـمـــــــــــرادا

يـمـيـنًا بـالـذى خلق العبـــــــــــادا
ومـن جعـل الـبـلاد لهـم مهــــــــــادا

ومـن جعـل الرواسـيَ مُثْبتــــــاتٍ
وطـوَّق فـوقهــــــــــــــــا سبعًا شدادا

لـمـا عَدِمَ امـرؤٌ يـومًا أُنـيـــــــــــخت
نجـائبُه    ببـابك    مــــــــــــــــا   أرادا

عطـاؤك لا يُخَصُّ بـه زمـــــــــــــــــانٌ
فلا رَجَبًا يـخــــــــــــــــصّ ولا جُمَادَى

وكـمْ يـومٍ تـركتَ عـلى النصـــــــــــارى
معـايـنةً حصُونُهُمُ رمــــــــــــــــــادا

وإن نـاديـتُ بـاسمك يـــــــــــــومَ رَوْعٍ

تسـاقطتِ الكُمـــــــــــــــاة إذن فرادى

ودأبك أنْ تذبَّ عـن الزوايـــــــــــــــا
ولـم تأخذ يـداك لهـمْ لُبـــــــــــــادا

وأهلُ الجـور كـنـت لهــــــــــــم كَنُوداً
وأهلُ الـحق كـنـت لهـم عِمــــــــــــادا


وولاَّك الإله، وأنــــــــــــــــــت أهلٌ
لهـا قُدْمًا لأمـرك لا عـنـــــــــــــادا

ومـن رأس الكُدى مهـمـا أتـانـــــــــــا
صراخٌ مـا الـمفرُّ ومـن يـنــــــــــــادى

وذا بـيـتٌ تضمّنه مقـالـــــي
 بـه ذَرِبٌ مـن القـدمـاء شـــــــــــــادا

وإن نـاديـتُ بـاسمك يـــــــــــــومَ رَوْعٍ
تسـاقطتِ الكُمـــــــــــــــاة إذن فرادى

ودأبك أنْ تذبَّ عـن الزوايـــــــــــــــا
ولـم تأخذ يـداك لهـمْ لُبـــــــــــــادا

وأهلُ الجـور كـنـت لهــــــــــــم كَنُوداً
 وأهلُ الـحق كـنـت لهـم عِمــــــــــــادا 

وولاَّك الإله، وأنــــــــــــــــــت أهلٌ
 لهـا قُدْمًا لأمـرك لا عـنـــــــــــــادا

ومـن رأس الكُدى مهـمـا أتـانـــــــــــا
 صراخٌ مـا الـمفرُّ ومـن يـنــــــــــــادى

وذا بـيـتٌ تضمّنه مقـالـــــــــــــــــي
 بـه ذَرِبٌ مـن القـدمـاء شـــــــــــــادا

تزوّدْ مـثلَ زاد أبـيك فـيـنـــــــــــــا
 فـنِعْم الزادُ زادُ أبــــــــــــــيكَ زادا

وقـاك الله مـن حسد الأعـــــــــــــادي
 وكـيـدِهـمُ، وألهـمك الرشـــــــــــــادا

بجـاه شفـيعـنـا صلّى عـلـيـــــــــــــه
وسلّم ذو العطـاء ولا نفــــــــــــــادا

واختم بحثي بقصيدته ( وداع الحياة) يقول فيها :


ألـمْ يَأن لـي هِجْرانُ ذي نُضْرَة الْــــــــخَدِّ
وذي الـمبْسَم الألْمـى وذي الفـاحــم الجعْد

أَبعْد بـيـاض الرأس أرقُبُ مسكـــــــــــنًا
سـوى القبرِ إنـي إنْ فعـلـت لــــــذوزهد

تَأَهَّبْ لِبَغْتِ الـحَيـن واعْنَ بأمـــــــــــره
فـمـا هـو آتٍ لـم يكـن عـنه مـــــــن بُدّ

يـخبِّرنـي شـيبـي بأنـيَ مــــــــــــــيِّتٌ
وشـيكًا وإنَّ الشـيبَ لا شكَّ ذو جد

ويكفـي مـن الإنذار فقـدانُ إخـوتـــــــي
 وأمـي وفقـدانـي أبـي قبــــــــــله جَدِّي

وفقْدي لِداتـي والـمعـاصرَ والــــــــــذي
 مـن     كـــــــرامٍ   ذوي  المجـــــد

فكـيف وقـد شـــــــــــــــاهدتُ ذلك كلَّه
أحنُّ إلى نجـدٍ دعـانـيَ مـن نجـــــــــــد

فسـوف يُرَى جسمـي عـلى النعـش مســرعًا
لـيـدفعَه عـمـا قــــــــــــريبٍ ذوو ودّي

وأُوضَعُ فـي خدٍّ مـن الأرض ضـــــــــــــيّقٍ
فـيـا ربِّ لطفًا حـيـن أُوضع فـي اللـــــحد

حنـانَيك يـا ربـي لضعفـي وزلـتـــــــــي
 فلُطْفُكَ يـاذا الفضل أنفعُ مـا عــــــــندي

بأسمـائك الـحسنى دعـــــــــــوتك مخلصًا
لـتغفرَ لـي جهلـي وتغفر لـــــــــي عَمْدي

إذا كـان «عبـدُالـحـيِّ» بـالـذنـب مــوثَقًا
فلا تعجـبـوا أن يغفر الـحـيُّ للعبــــــد

فسدِّدْ لسـانـي فـي الجـواب لسـائلـــــــي
بأنـيَ عبـدالـحـيّ ذي الرحـــــــمة الفرد

وأشهد أن الله لا ربَّ  غـــــــــــــــيرُه
قـد  برأ  الأكـوانَ  طُرَّاً  بـــــــــــلا  نِدّ
_
نَبِيِّي شفـيعُ العـالـمـيـن محـــــــــــمّدٌ
دلـيلـي كتـابُ الـمـصطفى الفـاتحِ الـمهدي

ولـم تك عـندي غـيرُ عفـوك حــــــــــيلةٌ
فإن ذنـوبـي لـيس تُحصر بـالعـــــــــــدّ


ولكـنَّهـا فـي جنـب عَفْوك لـم تكـــــــــن
سـوى عَدَمٍ مَحْضٍ وكـالجـوهــــــــــر الفرد







**********************************







محمد عبد السلام  الشلماني



          ولد  محمد عبد السلام  بمدينة بنغازي (شرقي ليبيا).

       تعلم في مدينة طرابس  في المدارس الحكومية ، وواصل تعليمه حتى حصل على ليسانس الآداب من الجامعة الليبية ببنغازي \1970.

        عمل معلمًا في المدارس الليبية، الا ان التعليم لم يحقق له ما تصبو اليه نفسه فاستقال ليعمل في مجال التأمين الاجتماعي بمدينته (بنغازي). عاش حياته  في ليبيا، الا انه سافر إلى ألمانيا طلبًا للعلاج - يقول في قصيدة (  الإنسان والبحر):

مـاذا أهـاجكَ هل يـا بحـرُ تـرفضُنــــــي؟  
        أم كـنـتَ تصخبُ مـرتـــــــــاحًا ومحتفلا؟  

يـا غامضَ الهـمس هل لـي مـن سبـــيل هدى؟  
        أم لستَ تدري فثـار الـمــــــوج واقتتلا؟  

كم كـنـتَ - يـا بحـرُ - تدعـونـي إلـيك ضحًى  
        نشـوانَ تـرقصُ فـي لـيـنٍ كـمَنْ ثـمــــــلا  

كـم كـنـت تعزفُ لـحنًا كـان يُذهلنـــــــي  
        يـنسـابُ عذْبًا وحـيـنًا صــــــــاخبًا وَجِلا  

حتى لأنكرُ مـا أرسلـتَ مــــــــــــن نغمٍ  
هل كـنـتَ تهـمسُ لــــــــي تحتجُّ أم غزِلا؟  

أم أنـت تسأل مـثلـي حـيـن تسمعـنــــــي  
لـحنًا كلـحنكَ مـنقـوصًا ومكتـمـــــــــلا  

لـولا ضـيـاءٌ خبـا فـي الأفْق مـا طلـــبَتْ  
        روحـي بـيـانًا للـــــــيلِ الجهْل أو عِلَلا  

والنفسُ تـرهـب فـي الـمـجهــــــول أسئلةً  
        لن تعـلـم الردَّ عـنهـا أو تـرى أمـــــلا  

إن السؤالَ الـذي جـاهدتُ أحـمــــــــــلُه  
        لا تستَطـيعُه مـثلـي فـــــــــاضطرِبْ مَلَلا  

هـي كِلْمةٌ وضبـابُ العجز يحجـبُهــــــــــا  
        أو يحـرق الفكرَ نـورٌ خـالـــــــــدٌ أزلا  

أحـببتُ مـثلك لـو جـاوزتُ مـــــــــنطلقًا  
حدَّ الظنـونِ ولكـن لـم أجــــــــــد سُبُلا  

لـولا الـتـرنُّم يُنسـي القـلـبَ مِحنـــــتَه  
        فلنعزفِ الصدقَ والإيـمـانَ مــــــــا كَمُلا

        وشارك في عدد من الأمسيات الشعرية، وفي مؤتمر الأدباء الليبيين في بنغازي سنة\ 1968.
         ونلاحظ  محمد عبد السلام  ان شعره اصطبغ  بصبغة تفاؤلية، حيث أنه يعلق أملاً كبيراً على أنتصار الثورة وعودة الوطن إلى أهله فبذلك يمكن للتاريخ أن يسجل في صفحاته ثورة الشعب الفلسطيني، فتأخذ هذه البلاد العربية مكانتها التاريخية وتصنع مستقبلها حيث ان الشعب اذا اتحد  لا يمكن هزيمته ولا يمكن قهر إرادته، و يتقدم  بنضاله  وإرادته النضالية عنده، وسيظل يناضل من أجل تخليص هذا الوطن من العدو الذي جثم طويلاً على صدور العرب  للقضاء على حريتهم التي ينشدونها :

رُحـمـاك يـا «بنـتكـو» مـــــا جئتُ للغزلِ  
        أو للـتَّغنِّي بسحـرِ الـحـلـم والأمـــــــلِ  

بـل جئتُ أشكـو ولــــــــــولا كُربةٌ صرخَتْ  
مـا كـنـتَ أحْنَى مـن الأغراب فــــي النُّزَل  

إنـي رأيـتك بـالإنصـاف مُتَّصـــــــــــفًا  
        لـمـا انحنـيـتَ فإن لـم تُصْغِ فــــــاعتدِل  

ولْتغفرِ القـول إمّا كـــــــــــان مضطربًا  
        أو جـاوزَ الـحدَّ فـي الـتصريح بـــــالخطَل  

أشـتـاقُ للفجـر والآفـاقُ تحجــــــــــبُه  
        واللـيل حـولـي يـمدُّ الظلَّ فــــــــي مَهَل  

لـو يـدركُ اللـيلُ مـا تعـنـي جهـــــامتُه  
أو مـا تجـرُّهُ فـي الآفـاق مــــــــن زَلَل  

مـا هـاجـم اللـيلُ أنـوارًا محــــــــبَّبةً  
        حتى يلاقـي غروبَ الشمس فـــــــــــي خجل  

يـا «بنـتكـو» وظروفُ العـيش تـمـنعُنــــي  
        مـن قـول مـا شئتُ فــــــــي تصريحِ مُنفعِل  

عـندي حديثٌ عقـولُ النـاس تــــــــــرفضُه  
حتى لـتـنهضَ كـالأغلال كـــــــــــالشّلل  

لـو تذكرُ النفسُ حـــــــــزنُ النفس يسمعُه  
        نحـلُ الزهـور لـبـات الـمـرُّ فــــي العسل  

مـا قـيـمةُ الـحقِّ إلا قـــــــــولُ مُعتقِدٍ  
        هل كـان إلا جـمــــــــــالاً مَقْدِمَ الرُّسُل


     ومن خلال مسيرته الادبية والاجتماعية نلاحظ  ان الشاعر محمد عبد السلام  الشلماني  رفض الواقع الراهن  وتجاوز التركة  الفاسدة  التي  شعر بها  ليواجه المنعطف الخطير. فالنكسات  التي اصابت  بلـده  لم تثن عزيمته  بل  اتخذ من ذلك  منعطفاً  لتعزيز موقفه، فكان في شعره ثورة عارمة الواقع  يقول :‏

وطني العزيز أراك تأخذ منزلا
. بين الشعوب، تقيم مجد مقبلا‏

سيسجل التاريخ ثورة أمة
 نهضت يعانقها الصباح مهللا‏

لتسير في الدرب المنير رشيدة
 وتخط في التاريخ نصراً بالجلا‏

والأم  ترجع  للبنين   تحوطهم
 براً بهم،  كم  لاحظوه  معطلا.

        توفي الشاعر محمد عبد السلام الشلماني في مدينة ( بنغازي ) في ليبيا –مسقط راسه-  في الثامن والعشرين  من اب ( اغسطس )  من عام 1984 

 اثاره الادبية  الشعرية والنثرية كما يلي :
الهتافات -  ديوان شعر - دار الأندلس - بنغازي - 1968،
النداءات   -  ديوان شعر  - الإدارة العامة للثقافة - بنغازي –
ونشرت  له قصائد الصحف والمجلات في ليبيا، مثل (العمل والرقيب والزمان والطليعة والحقيقة والأمةوغيرها       ..‏
 وأعماله الأخرى:
-        بلا نهاية-  رواية نشرتها إدارة الفنون والآداب - طرابلس 1973،
-        وعدد من القصص القصيرة نشر بعضها في جريدة العمل
-        معتقل سلوق  - دراسة  - الاتحاد الاشتراكي - بنغازي 197،
-        معارك يوم جليانة  - دراسة  - بنغازي 1978،
     - شيء عن بعض رجال عمر المختار- مطابع الثورة - بنغازي

       محمد  عبد السلام  شاعر مجدد، يغلب على شعره الطابع التأملي الفلسفي  والإعمال  العقـلية ، شعره ذاتي  يعبر عن موقفه  من  الحياة ورؤيته الخاصة لها، في نزوع إلى الاتجاه الوجداني والامتزاج بالطبيعة ومخاطبتها، والتوحد معها في بعض الأحيان. في شعره نبرة حزن دفينة مبعثها الموقف الرومانسي للشاعر من الكون، والوقوف على بعض أسرار الحياة من فناء وانتهاء.
 و في قصيدته  (الانسان والبحر) يقول :


مـاذا أهـاجكَ هل يـا بحـرُ تـرفضُنــــــي؟  
        أم كـنـتَ تصخبُ مـرتـــــــــاحًا ومحتفلا؟  

يـا غامضَ الهـمس هل لـي مـن سبـــيل هدى؟  
        أم لستَ تدري فثـار الـمــــــوج واقتتلا؟  

كم كـنـتَ - يـا بحـرُ - تدعـونـي إلـيك ضحًى  
        نشـوانَ تـرقصُ فـي لـيـنٍ كـمَنْ ثـمــــــلا

كـم كـنـت تعزفُ لـحنًا كـان يُذهلنـــــــي
        يـنسـابُ عذْبًا وحـيـنًا صــــــــاخبًا وَجِلا  

حتى لأنكرُ مـا أرسلـتَ مــــــــــــن نغمٍ  
هل كـنـتَ تهـمسُ لــــــــي تحتجُّ أم غزِلا؟  

أم أنـت تسأل مـثلـي حـيـن تسمعـنــــــي  
لـحنًا كلـحنكَ مـنقـوصًا ومكتـمـــــــــلا  

لـولا ضـيـاءٌ خبـا فـي الأفْق مـا طلـــبَتْ  
        روحـي بـيـانًا للـــــــيلِ الجهْل أو عِلَلا

والنفسُ تـرهـب فـي الـمـجهــــــول أسئلةً  
        لن تعـلـم الردَّ عـنهـا أو تـرى أمـــــلا  

إن السؤالَ الـذي جـاهدتُ أحـمــــــــــلُه  
        لا تستَطـيعُه مـثلـي فـــــــــاضطرِبْ مَلَلا  

هـي كِلْمةٌ وضبـابُ العجز يحجـبُهــــــــــا  
        أو يحـرق الفكرَ نـورٌ خـالـــــــــدٌ أزلا  

أحـببتُ مـثلك لـو جـاوزتُ مـــــــــنطلقًا  
حدَّ الظنـونِ ولكـن لـم أجــــــــــد سُبُلا  

لـولا الـتـرنُّم يُنسـي القـلـبَ مِحنـــــتَه  
        فلنعزفِ الصدقَ والإيـمـانَ مــــــــا كَمُلا

 واختم بحثي له بهذه الابيات من شعره يقول :


في السُّهدِ - يـا عـيـنُ - نرجـو مُشـرِقًا فُقِدا
والكـون غافٍ وقـلـبـي فـي الأسـى شـــرَدا  

أُمضـي النهـارَ لأُرضـي النــــــاس مبتسمًا
والجـرحُ يصرخُ فـي الأعـمــــــــاق متَّقِدا

يـا عـيـنُ كـنـتُ إلى مَنْ غاب مُلـتجئـــــي
كـان الـمُواسـي، وكـان الـحــــبَّ والسندا  

بـات الـبعـيـدَ وكـم قـد كـان يصحـبُنـــي  
كان الـمعـيـنَ وفـي اللـيل الـبـهـيـمِ هُدى

كـنـا نُلاقـي عذابَ الـدهـر نقهــــــــرُه
نـبنـي الأمـانــــــــي عِراضًا عذبةً جُدُدا   

حتى تـنـاءَى وجئتُ الـيــــــــــوم أذكرُه  
عزَّ اللقـاءُ وذابتْ بـهجتـــــــــــي بَدَدا

لـو نرفضُ السـيْر يــــومًا يسقطُ الأسفُ
والقـلـبُ يفقـدُ دقّات الأسَى أبـــــــــدا

والروحُ يرحـلُ حـيث الـحـبُّ مبتهجًا
لـو قـد فعـلنـا يحـوم الروحُ مبتعـــــدا

يُلقـي النشـيـدَ بـلـحنٍ لا يُشـــــــــوِّهُه
حـزنٌ ويسبحُ نحـو النــــــــــــور مُتَّئِدا

غـيبُ الـحـيـاة كغـيْبِ الـمــــــوت نجهله
جَمُّ العذاب ويكفـي الـحـيَّ مـا وجـــــــدا

يـا عـيـن نـام جـمـيع الخلق واغتــــمَضَتْ
عـيـنُ الثُّريّا وأُمضـي اللـيلَ مــــــنفردا

بـيـن الـحنـيـنِ إلى مَنْ غاب أجهدَنــــــي
قـلــــــــــــبٌ يُرفرفُ تحت الضَّنْكِ مرددا

قـد يرفض العـيشَ أو يرضَى مهـانــــــــتَه
أو يـقبـلُ العـمـرَ بـالأصـفـــــاد متَّحدا

لـولا عـنـادٌ يثـير القـلـبَ يـمــــــنعُه
ألاّ يصـيرَ بعــــــيشِ الضعفِ مُعتقِدا



**************************






صقر بن سلطان القاسمي



  هو الشيخ صقر بن سلطان بن صقر بن خالد بن سلطان القاسمي
      ولد  صقر بن سلطان  القاسمي  في سنة \ 1925 في الشارقة من عائلة حاكمة في امارة الشارقة   .
      دخل الكُتَّاب وهو دون السابعة, فحفظ القرآن الكريم وتعلم مباديء القراءة والكتابة حتى قارب الإتقان . وقد تهيات له فرصة التعلم  فدرس في مدارس خاصة  حتى اكمل تعليمه  ونشأ نشاة الامراء والملوك . وتلقى علومه الدينية عن علماء عصره، ثم درس في (المدرسة التيمية المحمودية) بامارة (الشارقة)، كذلك درس على يد المؤرخ (عبدالله ابن صالح المطوع)،و درس بعد ذلك علوم العربية وأصول الفقه والأدب العربي .
      قال الشعر ونظمه في الرابعة عشرة من عمره .كان والده  سلطان بن صقر بن سلطان القاسمي  حاكم امارة الشارقة  منذ\ 1924  فلما ولد كان هو ابن الحاكم في البلاد  فتهيأت له كل مستلزمات الدراسة والتعلم  فلما شب واكتمل  احب الشعر وقرضه  واسهم في ظهور الحركة الثقافية في الامارات العربية واسس ( المكتبة القاسمية)  وفي  الثلاثينات من القرن العشرين  وفتح (مدرسة الاصلاح القاسمية ) وعمل على  تشجيع البنات في التعلم والدراسة في المدارس التي فتحها  في الشارقة.
     اصبح حاكما لامارة الشارقة عام \1951 بعد وفاة والده  سلطان بن صقر بن سلطان القاسمي  فعمل على ظهور الحركة الثقافية في إمارات الساحل (ساحل الخليج العربي) واسهم في قيام الحركة الثقافية والادبية في الامارات وخاصة  امارة الشارقة , فهوأحد رواد الشعر بدولة الإمارات العربية والبلاد العربية ككل . وعرف بتوجهاته القومية وتأييده لسياسة القوميين العرب وسياسة جمال عبد الناصر العربية التي كانت سبباً  لتنحيته فيما بعد.
 وفي ذلك يقول في قصيدته
 ( نـــــــداء مجـــاهــــــدة )
أبتاهُ أحرارُ المعاركِ من فلسطينَ السَّليبهْ
قد قدموا الأرواح والأموال يا أبتي ضريبه
وتأهبوا بجموعهم ليطهروا الأرض الحبيبه
ولقد نذرتَ حياتنا لنخوض معركة رهيبه
نحن الوقود فخض بنا حرباً نبيد بها الربيبه
طـهّر  بنار الثأر ما  قد دنسـت   قدم   غريبه
تحتل أطـهر بقعـة من أرضنا, يا لـلـمصيبه
فإذا قُتلتُ  فـقبِّـلنْ جرحي,  ولا تنـكأ نــدوبه
وابعث شقيقاتي, أبي, ليكنَّ في صدر الكتيبه
وإذا الشهادة شرّفتك, ولستُ في أرض غريبه
    فليشهد  التاريخ  أن  دم  العروبة   للعروبه 
         وكان أول حاكم يقرأ خطاب توليه الحكم في إحتفال كبيرفي   عام \ 1951فعمل جاهداً في نشر التعليم بامارة  الشارقة فإستعان بالكويت وقطر ومصر فأعانته بتهيئة وارسال المعلمين ففتحت المدراس في الشارقة وانتشرت .
     في سنة \1964 قام  وفد من جامعة  الدول العربية برئاسة الامين العام  للجامعة (عبد الخالق حسونة)  بزيارة لإمارة الشارقة فاستقبل استقبالاً حافلاً. وقد تقرر خلال  هذه الزيارة  إفتتاح  فرع للجامعة العربية  بإمارة الشارقة بموافقة وإصرار من الشيخ صقر  بن سلطان القاسمي فأثار هذا العمل حفيظة الانكليز ضده  فساهموا بتنحيته عن الحكم  قبل أيام من إفتتاح فرع الجامعة فصدر امر تنحيته في 24حزيران (يونيو) عام \ 1965 ووصدر امر نفيه الى القاهرة وتعيين ابن عمه (الشيخ خالد بن محمد القاسمي) حاكماً لإمارة الشارقة بدلا عنه وكا ن ذلك نتيجة مواقفه العربية والوطنية وميله لنشرالثقافة والتعليم  .
      وفي القاهرة وواتته الفرصة لصقل  موهبته  و القاهرة كانت –ولاتزال – صرحا للثقافة العربية حيث تزدهر فيها الندوات الثقافية والادبية  فانكب على دراسة الادب والشعر وجعل من سكنه ندوة للأدب والشعر. وقدعايش مشاكل أمته ووقف من المستعمرين موقف الند . فشجع كل الحركات التحررية العربية  فانعكس ذلك في شعره. وفي منفاه  يقول ما يعتمل في نفسه من خلجات وعواطف واعتزاز بالنفس الابية فيقول :   
سألتْكَ ..هـل صـوتٌ بروضـكَ يُسْمَـعُ
ياحُرُّ.. أو نَفَسٌ يروحُ ويرجِعُ..؟..!!
فأجِـبْ .. رعـاكَ المجـدُ , يـومَ رعيتَـه
وانـطــقْ ..فتـهـتـزُّ الـقـلـوبُ وتـخـشـعُ
نـاهـيـكَ عـمــا كــنــتَ ,يــــوم الـحـالـكـا
ت أشـفُّ مـن حــدِّ السـيـوف وأقـطـعُ
سألـتْـكَ ..قلـبَـكَ يـافـراتُ عـلـى مـــدى
عـمـرٍ .. وطــابَ وقــد ذُكِــرْتَ تـوجُّــعُ
ولـو اَنْ يفيـضُ دمــاً بسـاعـةِ حـسـرةٍ
يـاصـقـرُ ..مابـخـلـتْ عـلـيـكَ الأدمُــــعُ
يـامـعــشــر الــشــعــراءِ فــي مـــتـردَّمٍ
هل طاب فـي كنـف الهـوان المهجـعُ
وأذلُّ مـاخـلَـقَ الإلـــهُ عــلــى الــمــدى
شـعــرٌ عــلــى بــــاب الخـلـيـفـةِ يــركــعُ
سـألــتْــكَ مــــــاذا عــــــن هــــــواكَ وأيُّ
محسـوسٍ أجـلُّ مـن الضمـيـر وأرفــعُ
الآن لـــيــــس غـــــــداً أراكَ مــدجـــجـــاً
بالـعـزِّ فـــي شـمــس الـعـروبـة تـطـلُـعُ
فــأفِــضْ بــنــا حُـلـمــاً بــكـــل كـريــمــةٍ
واهـنـأْ وقـــد ضـمــتْ هـــواكَ الأضـلُــعُ
          وقد  حاول استرجاع  الحكم اليه في  امارة الشارقة  فقام في الرابع والعشرين من  كانون الثاني (يناير) من عام \ 1972 بقيادة محاولة  انقلابية  قتل فيها ابن عمه حاكم الإمارة الشيخ( خالد بن محمد القاسمي)، وهذا الأمر الذي رفضه المجلس الأعلى للاتحاد في الامارات العربية المتحدة  وتصدى  وزير الدفاع (الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم) بقوة حاصرت الانقلابيين في قصر الحاكم في الشارقة واضطرت  الانقلابيين  للتسليم  وأعتقل الشاعر لمدة  ثماني سنوات من \1972- 1979 وصدر امر نفيه مجدد ا من الشارقة فعاش في ( مصر) معظم ما تبقى من حياته.وفي قصيدته (يا الهي ) يشكو لربه ما حل به ويرجوه التوبة والاسعاف فيقول:
إلهيَ وفّق للرشادِ طريقي
 لأرشُفَ من نهر الحياةِ رحيقي       
إلهي عفواً عن ذنوبي فإنني
بلطفك عند النائبات وثوقي          
إلهي أشكو من نكوصي عن الهدى  
وإصرار نفسي بالهوى وعلوقي         
إلهي قد أعطيتُ نفسيَ سُؤلها
           وجزتُ بها في الغيّ كل مضيق
إلهي كم من توبة قد نكثتها
       وطاوعت فيها خُلَّبات بروق
إلهي ها إني لبابك سائر
       فنوّر ببرهان اليقين طريقي
إلهي لا أنفك أرجوك رحمة
       يدبّ لها روح الهدى بعروقي
إلهي لا أنفك أرجوك نظرة
       تُراح بها نفسي, وينبع ريقي
إلهي لا أنفك أشكو مذلتي
       وطول هواني في الرجا وعقوقي
 إلَهي ما لي غيرعفوك والرجا
       أنخت أياربي ببابك نُوقي
دعوتك فرّج كربتي وامح زلتي
       أغثني بإخلاص يكون رفيقي
وصلِّ على المختار والآل ما شدت
مطوقة تشكو بصوت مشوق       

              عاد إلى الإمارات عام \ 1992وسكن في إمارة ( أبو ظبي) ثم اشتاقت نفسه لزيارة القاهرة فسافر اليها  وقد وافته  المنية في القاهرة .
            توفي الشاعرالاميرسلطان بن صقر بن سلطان القاسمي في القاهرة في التاسع من شهر كانون الاول (ديسمبر) عام \ 1993 ونقل جثمانه الى الامارات  فوري الثرى في امارة( راس الخيمة ).
   انجب من الاولاد  كل من:
      سعيد وهيثم  وسلطان  وهند وفاطمة واسماء (شاعرة معروفة ) وفواغي ( وهي تجيد قول الشعرايضا )  وصيد وعائشة وميسون وهي شاعرة ايضا (لاحظ المجلد العاشر من موسوعتي (شعراء العربية)
 ومن قصيدة قالها في ابنته هند عندما كانت في العاشرة من عمرها :
يا هند يا أحلى نشيد المنى
                                    في الهول او قنبلة الثائر
كوني الفدا ياهند عن موطن
                                     مكبل   من    جائر فاجر
غداً إذا ناداك صوت الفدا
                                    وأقفر الساح  من  الناصر
كوني فدتك الروح في ساحة
                                      أنشودة   تهزأ ر  بالغادر
واستقبلي الرشاش في بسمةٍ
                                    أقوى من الرشاش والجائر

 وترك العديد من  دواين الشعر  منها:
-        وحي الحق 1953  
-         الفواغي 1956  
-        في جنة الحب 1961  
-        صحوة المارد 1982   
-        لهب الحنين 1990.
       الامير صقر كان شاعرا غزير الإنتاج، جميل  المعاني لطيف الاسلوب الشعري،لفظه فيه عذوبة، وفي عبارته رشاقة كان يصوغها في حسن سبك ، وقوام متجانس محبب، الا  انه كان يضمنها بعض المفردات غير المألوفة  او المهجورة  لقدمها  حيث يسترجع الماضي  القديم للغة العربية  ولم يغادر المألوف من أغراض الشعر القديم،  فنظم  في المدح والفخر فصدرعنه باحساسه  بالفخريقول :
 إن الكريـم لـدى الإله محـــــــــــــبَّبٌ   
  وكذاك عـند الأكرمـيـن حـبــــــــــــيب  
فـاحـرزْ لسـانَك عـن كلامٍ فـــــــــــاحشٍ  
  فبحُسن نطقك عـندهـم محـبــــــــــــــوب  
مـن مبـلغٌ مـنـي الرسـائلَ (يـــــــوسفًا)  
  نسلَ الأكـارم مـن نمـاه (شبــــــــــيب)  
فـيـه الفهـامةُ والكرامةُ والـدَّهــــــــا  
  والـبأسُ والرأي السديـدُ مَهــــــــــــيب  
بحـرُ العـلـوم وكـنزُهـا شمسُ الـحجــــــا  
  ندبٌ مهـيّا للصّلاح حســــــــــــــــــيب  
وبصـارمٍ يفري العـظام مهــــــــــــــندٍ  
  عـند اللقـاء ويكثرُ الـتصــــــــــــويب  
لا تخرجُ العـوراء مـن فـيـه ومـــــــــا  
  جلسـاؤُه إلا الكرام عــــــــــــــــريب  
فـالـمـرءُ بـالقُرنـاء يُعـــــــــرف فضلُه  
  إن جـالس الأنجـابَ فهْو نجـــــــــــــيب

     وكذلك احب الغزل والرمزية فيه وقال فيه وكانت قصائده الطوال في المدح يبدؤها بالغزل كما  فعل الشعراء الاقدمون  فتاتي مطولة قليلاً، اما قصائده الغزلية فيجمع فيها بين النسيب بين والغزل، فيقف على الطلل ويبكي الديار، ويودع الركب ويسأل الراكبين، ويشكو العاذلين ويفتتن بلحاظ الغيد الفاتنات فياسره الجمال فيقول :
نظرتْ بـلـحظٍ كـالغزال الأغــــــــــــيَدِ  
وتـمـايلَتْ بقـوامهـا الــــــــــــمتأوِّدِ  
وتعطَّفت فسبَتْ فؤادَ متــــــــــــــــــيَّمٍ  
ورنـت فسـالـت أدمعــــــــــــــي بتهدُّد  
كشفتْ نِقـاب جـمـالِهـا عـن وجهـهــــــــا  
فأبـان أنفًا تحته كـمهــــــــــــــــنَّد
قسمًا بحـبِّكِ يـا ظلـومُ بأننـــــــــــــي  
أرعى الـوداد وأنـــــــــــت غاية مقصدي  
زعـم الـوُشـاةُ بأننـي قـد خنـتكــــــــم  
كذبـوا فإن أنـا خنـتكـم شَلَّت يــــــــدي  
إنـي أعـوذُ بربِّهـا مـن فتـــــــــــــنةٍ  
    وبـه ألـوذ وأشـتكـيـه تــــــــــــوجُّدي  
       مما يظهر سعة في ثقافته بما يعكس قدرته وتمكنه في ثقافته العربية والتزامه لبيئته الاجتماعية وموقعه الشخصي فيها ومنزلته العالية ، فينهل صوره  منها فتاتي متواترة في بيان فصيح وديباجة مشرقة في تعابير دقيقة و تفاصيل حسنة .فهوشاعر ملتزم بالبنية الأصبلة للشعر العربي,نظم شعره على نظام  البحر والقافية فقال  الشعر العمودي او التقليدي وبالقصيدة المقفاة ذات البحر الواحد.
 اختم بحثي  بهذه الابيات عن قوله الشعر ومنزلته في نفسه فيقول :
 قـريضُك فـي الأشعـار تـــــــــــاجٌ مكلَّلُ  
وأثـمـنُ مـن درِّ العقــــــــــــود وأفضلُ  
وسلْسٌ لـدى الأسمـاع فـيــــــــــه طرافةٌ  
وأبـلغُ تـنقـيحٍ بـلفـظٍ وأكـمـــــــــــل  
وأُمحضْتَ أسلـوبَ الـمعـانـي فصـــــــــاحةً  
وأبـدعتَ نظـمًا بـاهـرًا راح يُصقـــــــــل  
ولخّصتَ مـا يـوعى إلـيــــــــــــه عذوبةً  
وضمَّنـت فـي الألفـاظ معــــــــــنًى يُؤَوَّل  
وقـد حـزت صـفْقـاتِ الـمكـارم والعـــــلا  
ودونك أركـانٌ إلى الـمـجـــــــــــد طُوَّل  
ألفتَ مـراعـاة الـذمـام صـيــــــــــانةً  
وكـنـت خديـنـاً للـوفـاء تكـــــــــــمِّل  
تـنـاهـيـت فـوق القـدْر دنـيــــا وسؤدُداً  
بكـامـل آراءٍ تفــــــــــــــــوق وتفضُل  
وجــــــــــــــــــودك سحّاحٌ ونفسك سمحة  
وكفُّكَ مزنٌ بـالعطـا يــــــــــــــــتهطَّل  
أَبَنْتَ الـورى سبْقًا بكل فضـــــــــــــيلةٍ  
وحقّاً لك الـمـجـدُ الشـريف الــــــــمؤثَّل  
وفزْتَ بعزمٍ صـارمٍ لك مـنــــــــــــــتضًى  
وشـاكـي السلاح الخـصـمُ عـــــــندك أعزل  
وفـيك للُقْيـا الـحـادثـات بســـــــــالةٌ  
ووجهك شـرّاقٌ مـن الـبِشْر يــــــــــــنهل  
وخَفَّتْ مـوازاةٌ وزالـت عــــــــــــــوارضٌ  
وعزّك طـودٌ شـــــــــــــــــــامخٌ متأصِّل  
وكـانـت بك الأيـامُ أعـيـادَ وقتهـــــــا  
وحتى لـيـالـيـهـا ببــــــــــــدرك كُمَّل  
مديحُك فـي النـادي وفــــــــــي كل مَسْمَرٍ  
وخطّت لك الأقــــــــــــــلام ذكرًا يُسجَّل  
ووقتُك يحكـي فـي الفصـول ربـيعهــــــــا  
ويفضلُ أن يبقى فلا يـتحـــــــــــــــوَّل  


****************************






محمد خير الدين
(الطائر الازرق)


       هو محمد خير الدين  ويلقب (الطائر الأزرق) الامازيغي المغربي اما والدته فهي  (عائشة بنت المحجوب). مغربية الجنسية،   يعد من أبرز الشخصيات (الامازيغية) الأدبية المغربية في القرن العشرين.
      ولد محمد خير الدين بـقرية (أزروواضو) التابعة لـبلدة( تفراوت ) من اعمال مدينة (تزنيت) وسط العظمة الأمازيغية.في أعماق مملكة (نوميديا ) ، حيث الأدب الرفيع الذي يسري على ألسنة الناس إلى أيامنا هذه.-
       هاجرت أسرته إلى (الدار البيضاء) المدينة الثانية او العاصمة الثانية لبلاد المغرب العربي  وفيها نشأ محمد وترعرع.
        كان محمد خير الدين تلميذا متمردا. رضع حليب الكلمات من أرض (سوسة) العالمة وقد غذت أعماله الباهرة. لغته الأصلية الأمازيغية، والثانية الفرنسية التي كان عارفا بها معرفة الاديب الخالد  ففي حدائق (الهاديس ). كان يلتهم كل حرف تقع عليه عيناه من شعر ورواية وشرائط مصورة إلى درجة أن أباه اضطر الى تمزيق بعضها عندما يراه يقرأها مقهقها. فالعلم عند سيد القبيلة رديف  الرصانة وصمت القبور. لكن هذا الأب كان يعالج هذا الجرح القبلي، عندما يحصل الصبي على بعض الجوائز، و بمنحه ما يكفي من النقود .
        وقد  ترك الدراسة باكراً وعمل وهو في العشرين من عمره عام \1961 مندوباً بالضمان الاجتماعي حتى  سنة\ 1963 في مدينة ( اغادير ) ثم في (الدار البيضاء).
       بدأ محمد خيرالدين يكتب الشعر وهو في سن المراهقة. وكان ينشر قصائده في صحيفة ( لا فيجي ماروكين). وكانت قصائده محبوكة على الطريقة الكلاسيكية وكان يكتبها بلغة فرنسية أنيقة  يقول في قصيدته  (ال ج يفوار ):
شموس الأحلام، الرّهيبةُ
جُثَثُ الأقمار والصّحراء، الدّبقةُ
تَكُونُ تحت إبط مُهرِّب البشر عبر الحدود
أكثرَ عددا من عصافير الأرض قاطبة
حين يرسمُ البحر المُترجّح نتيجةَ تسمّم الطّحالب المُرّة
صِلة وَصْلٍ بين
السّماء اللّدنة ووجهك، وجه الغزالة السّوداء
القبور هوتْ على الأنهار الباردة
كان ثمّة سلاحٌ ضروري:
لساني النّاشف لساني الأعمى
باصقا من جديد أحصنة عنيدة
عليها تنطلق الخرافات في الفضاء
ولا غنى عنها في مراسم إضفاء القُدُسِيّة
على ربيع بقرتْ بطنَه
أقدامُنا المتصلّبة
وها الكلبُ المائل الجسم، كلبُ التّهديدات
المُداوَرة
يتمدّدُ لِصْقَ جلدي
سماءً قريبة تتلقّى القذائفَ
تنهبُ وجوهنا
الأحافيرُ المُحتَدّة البِزَزُ
وهذا المرضُ
على حَدقاتها الرّماديّة
جسرٌ  وصمتٌ خلال دبيب هذه العذابات
لكنْ....ما الزّهرة إنْ لم تكنْ موتَ الرّتيلاء
أقولُ هذه النّار البيضاء والسّوداء أو البنفسجيّة
بين السقوف النّائيّة العتيقة
أقول الطّائرة- الذُّبابةُ- الغريبة على أعناقنا الخضراء
ألم نَغرقْ منذُ قرون
هذا ما كنّا عنه نتساءل
أقول هذا الأمرَ التّلقائي هذه البدلةُ
لباسُ العُقاب الذي وُلِدَ ميِّتا
لا أقول شيئا ولْنَمُرَّ على القليل القليل
من العُرَى المتشظّية
القبور هوتْ على الأنهار الباردة
سَيْرُنا كان شَرَكا
ولم نكن جارحين
كانتْ أيدينا تُرَبّت
على الظّهر الأملس للسّماء البغلة
عيوننا المتشكّلة قبل أوانها
موجّهة إلى وجوهك التي أزهرتْ مُجدّدا بين الأشواك
و حينا ملفوظةً من قِبَل الإعصار
أنشأتْ أجسامُنا وقد جاشتْ مشاعرها
بِرَكًا في  الحُرّية
          استقال سنة \1967من وظيفته وهاجر إلى (باريس) عاصمة (فرنسا) هارباً من الملاحقة القانونية لاشتراكه في انتفاضة مارس (اذار) 1965 والتحق بعد ثلاث سنوات في ثورة طلاب ( فرنسا ) في مايس (مايو) سنة\ 1967. وكان من بين الطلاب الذين احتلوا مسرح (الأوديون) في (باريس.) الا أنه أدرك أن (الطائر الأزرق) لا يتنفس ولا يشدو  كما يشاء في فضاء ضيق ولا يحلق عاليا في السماء الخفيضة  او الواطئة وان (باريس ) اضاءت له طريقه الطويل  بأنوارها.
.    وفي باريس تبناه جان بول سارتر، صاحب مبدأ الوجودية الفرنسية،  وفتح له مجلته ودور النشر الباريسية. ، و نشر له قصيدة(الملك)  في افتتاحية مجلته الشهيرة (الأزمنة الحديثة) في حين كانت لا تفتح الأبواب في العالم العربي الى احد وكذلك الادباء الفرنسيين ( أندريه مالر )و( بيكيت)،و( ميشال ليريس،) و( بونفوا)،و( جاك لاكان )وغيرهم. كانوا يعتبرونه مع صديقه( سنغور) و(إيمي سيزير ) انهم أخرجوا الفرنسية من يباب الدلالة الشرعية المتوارثة، أبا عن جد، إلى فساحة أرض لا تنتهي. في مستقبل الأدب الفرنسي .
        وكانت  حياته مع زوجته  غير طبيعية  وهل يمكن لجنية الكتابة أن تتعايش مع امرأة من لحم ودم؟. لكن حياة خير الدين عرفت دائما حربا بين النساء والكتابة الزلزال التي كانت تجري في عروقه. عاش في باريس مع امرأة غريبة الأطوار، هي في الغالب زوجته الأولى (آني ) وأم ابنه (ألكسندر). كانت لونا آخر من ألوان العذاب الأرضي. لم يفلح في الكتابة معها. حاول الانتحار. عادت إليه الكتابة فوارة حارة بمجرد ما غلق باب الحياة الزوجية. وأبواب كل النساء. هل يمكن للطير الحر أن يألف ترف الأقفاص الذهبية؟ طبعا لا.فمحمد خير الدين كان دائما هدهدا طليقا رغم زواجه من امرأة ثانية بعد عودته إلى المغرب. مفارقة العباقرة. لا ضير في ذلك. امرأة ودود تركت كل شيء من أجله بعدما كانت تعيش في ( لندن.) تقيم اليوم بين(لندن) وبين (الدارالبيضاء). تحرس بحب ووفاء أسطوريين أسراره،و رسائله،و مخطوطاته، ودفاتره وحقيبته المتواضعة. امرأة مضياف تفتح بابها لكل عاشق لـ(الطائر الأزرق): طلبة، باحثون، محتالون... فالرسائل تأتي أيضا من بعيد. كان يحتفظ بها. هذه الرسائل التي لو نشرت يوما ستزلزل الأرض تحت أقدام الكثير من النصابين الذين كانوا يدعون صداقته ويسيؤون له أشد الإساءة. أدباء،و صحافيون، ومسؤولون.
.        وبرزالشاعر محمد خيرالدين في ستينات القرن الماضي كواحد من ابرز شعراء الحداثة إلى جانب اصدقائه الشعراء  (عبد اللطيف اللعبي) و(الطاهر بن جلون)  (وعبد الكبير الخطيبي)  و(مصطفى النيسابوري). وكان هؤلاء الشعراء قد تجمعوا حول الشاعر اللعبي  وينشرون نتاجاتهم الادبية في مجلته (أنفاس).و لما عاد محمد خير الدين سنة\ 1995 إلى المغرب.عاد متسكعا بما يكفي  مهنة طائرة كزبد البحر ( الصحافة ). عاش في مغرب لم تحركه كثيرا رياح التغيير العالية. فأدمن الشرب وجنون العظمة وحدة المزاج. فكتب وأبدع، (انبعاث الزهور الوحشية)، أسطورة (منظروالمعارك الثورية ) اعتبروه مطبعا مع النظام، فهمشوه، و سخروا منه، لكنهم نسوا أن الأسد يبقى أسدا في صحراء استأسدت فيها قردة السياسة. حتى صديقه (عبد اللطيف اللعبي )الذي رافقه في مغامرة مجلة ( أنفاس) تحجج لناشره المغربي حينما طلب منه كتابة مقدمة لديوان ( كازاس) بأنه لا يعرفه جيدا. فالطائر الأزرق لم يبع روحه ولا شجرة أنسابه لصانعي العبيد الجدد. تجار النضال وخدم فرنسا السيدة، وهم الذين يرفلون في حرير الشهرة وبالصحة والراحة. ربما ( أنفاس) التي قال عنها خير الدين أنه مؤسسها، الأصل الميتافيزيقي فلحم الصداقة لا يتعفن. هذه الصداقة الطرية صاحبت محمد خير الدين في محنته. وبما أن الشعراء لا يملكون سوى الحروف التي ليس في مستطاعها تأدية تكاليفها .
       ثم تكلف القصر الملكي المغربي بمصاريف علاج (الطائرالأزرق). فانتقل من فندق ( فرح ) في ( الدار البيضاء) حيث كان كرمه المعروف يشمل كل من هب ودب إلى فندق ( باليما) المتواضع في وسط (الرباط. )وفي هذا الفندق كتب ضد ألم لا يطاق. ماذا تفيد المضادات الحيوية والسوائل أمام فك يتسرطن بسرعة الضوء. ولحسن الحظ، كانت هناك أجنحة الصداقة التي تغمره بنورها الرحيم.
      رحم الله خير الدين. أمهات كتبه لن يغمرها طمي التاريخ. سيبقى أكبر كاتب بالفرنسية في المغرب. لم تكرمه ( فرنسا ) لأنه لم يتعود كتابة قصائد الغزل في قدها وبهائها. ولم ينل وسام الجمهورية الفرنسية، لأنه زلزل الأدب الفرنسي تحتاج  لتلامذة  نجباء يحفظون دروس التركيب وشعرية الموتى عن ظهر قلب لينالوا الجوائز. لذا بقيت جوائز (الطائر الأزرق) قراؤه .  هذا في فرنسا .
       أما بلاده فحدث ولا حرج. كتبه لم تكن لها حرية التحليق في سماء المغرب. عادت إليها عودة خجولة. ، فرغم رياح التغيير، لم تفكر وزارة الثقافة المغربية مثلا في إصدار أعماله  الكاملة  بلغتها  الأصلية أو مترجمة. وهي التي أصدرت الأعمال الكاملة لكتاب( أحياء ) للاحتفاء بالوجوه المغربية فلم تحفل بهذا الهرم الأدبي واخراج أعماله الكاملة مترجمة إلى العربية.
     عاد محمد خيرالدين الى المغرب ثانية  حيث اصيب بمرض عضال مع كونه  طبيب أسنان فاشل ترك الضرس المريض واقتلع جزءا من الفك. فكانت هذه هي بداية نهاية أحد كبار الأدب المغربي الحديث.اصيب بالسرطان وجعل من الجحيم رحمة أمام الآلام التي عانى منها قبل أن يصبح شبحا لم يعرفه حتى المقربون اليه . لكنه حارب الألم  بمبضع الكتابة .فكانت كتابته مقاتلة، ويوميات  باهرة لرجل لا تحتمل خفته الى
 ان وافاه الاجل .
توفي في 18 تشرين الثاني (نوفمبر)عام \1995
         محمد خيرالدين  شاعر قلما تجود الأمهات بمثله، شغل الناس في حياته بطابعه الصاخب، والخارج عن رتابة المألوف. كان كاتبا عملاقا تكالبت عليه تفاهة التاريخ والجغرافيا والكائنات الورقية.
         كتب محمد خير الدين شعره وادبه  بالفرنسية فقط، ولم يكتب مطلقاً بالعربية أو بالامازيغية رغم امازيغيته  لذلك ظل مجهولاً عربياً.الا انه  كان شاعراً متمرداً سريع الغضب حاد المزاج  متوقد الذهن  وقد ترجمت كل اعماله الادبية الى العربية .
        صدر لمحمد خير الدين كتابه الأول في لندن بعنوان (غثيان أسود) وقد ضم قصائد تشي بيأس ( وجودي) متأصل.وذلك عام \1960 وفي سنة\1967نشرت له (دار سوي) الفرنسية رائعته ( اغادير) التي كتبها في أعقاب زلزال دمر المدينة المغربية في سنة1960\. وفي هذه الرائعة يتبين  انه شاعر حانق متأثر بما شاهده في المدينة بعد الزلزال من شقاء الناس، وكان متسلحاً بالسخرية والرفض. وفي عام1968 نشرت له ( دار سوي) روايته الشعرية(الجسد السالب ) حيث كرس أسلوبه الثائر عبر سرد شعري يحبس الأنفاس. واما في سنة\1969 فقد جمع قصائد تعكس إحساساً حاداً باليأس والتمرد في ديوان شعري سماه ( شمس عنكبوتية). ثم تتالت أعماله التي نشرتها له (دار سوي) منها مايلي :
·                      الملك
·                      أغادير
·                      الجسد السالب
·                      شمس عنكبوتية
·                      أنا الحاد الطباع
·                      النباش
·                      هذا المغرب
·                      رائحة المانتيك
·                      حياة وحلم شعب دائم التيهان
·                      انبثاق الأزهار المتوحشة
·                      أسطورة و حياة أكونشيش
·                      كان يا مكان زوجين سعيدين
         بعد عودته إلى المغرب أصدر محمد خير الدين ديوان شعر جديد سماه(انبعاث الورود البرية) كما واظب في المغرب على نشر نصوص متفرقة في جريدة ( المغرب) الفرنكوفونية التي كانت تصدر في الثمانيات من القرن الماضي. وشكلت هذه النصوص نواة رواية جديدة غاص فيها عميقاً في أصوله (السوسية )الغابرة ونشرتها ( دار سوي )الفرنسية سنة\1984 بعنوان (أسطورة وحياة أغونشيش)وكان آخر عمل شعري أصدره قبيل وفاته ديوانه ( نصب تذكاري). وبعد وفاته نشرت له ترجمات ثلاث لمذكراته الأخيرة وهو على فراش الموت.
واختم بهذه القصيدة بحثي  يقول محمد خيرالدين :
إنّه حُلْمٌ له جِلْدُ أُمِّ أربع وأربعين يمتطي ظهري
يَبْهَرُ ظلّي إنّه سمكةٌ إنّه خاصرةٌ لا تستكين
دمُه يضعُ جسمي الذي هو جسمُ الرّيح الشّرقيّة
على فَمٍ مُجلّل بالرّماد على الحِبْر
إنّه نفْثَةُ هَوْلٍ لا يُعَوَّض إنّه عصفور حفّارٌ
ومعه الأوراق التي تَصْحَبُهُ مهتاجةً
عبْرَ السُّيول السَّريعة حيثُ البروق تُطْلِق
مقصّاتنا من إسارِها
إنّها هي التي تُمدّد
هذا الظّلَّ المكوّن من حواجزَ مُرتجلة
ومن حشراتٍ
زَحفتْ عبر دماغي
تُمدِّدهُ خلفي
حيث أجعل مهاوي عينيها تنفثُ
نجوما صقيلة
إنها هي حين أتبرَّع على نفسي بليلة
شَوَتْها شُموسٌ
وكلماتٌ ستكسر أنابيبكم خلال نهار
مشتبه في أمره!

***********************************



























بلند الحيدري




         ولد في بغداد في 26 أيلول سبتمبر 1926 شاعر عراقي،من اصول  كرد ية واسمه( بلند) يعني (الشامخ ) في اللغة الكردية. والدته فاطمة بنت إبراهيم أفندي الحيدري الذي كان يشغل منصب شيخ الإسلام في إستانبول.
     وقد برز من عائلة الحيدري  ( جمال الحيدري ) الا انه قتل مع اخيه ( مهيب  الحيدري ) في  شباط  من عام\ 1963 في احداث انقلاب  الثامن  من شباط في ذلك العام  .
    كان والد ( بلند ) ضابطا في  الجيش العراقي  وانه  كان من عائلة معروفة وكبيرة  كان يقطن اغلب هذه العائلة في  شمال العراق  بين السليمانية واربيل  كان  ( بلند ) في بداية حياته تنقل بحكم عمل والده كضابط في الجيش بين عدة مدن عراقية  و في عام \ 1940 انفصل الوالدان عن بعضهما ثم توفيت والدته التي كان متعلقا بها كثيرا في عام \ 1942  فانتقلت العائلة إلى بيت جدتهم والدة أبيه في( بغداد). الا انه لم  يرتح  ولم ينسجم في محيطه الجديد وقوانينه الصارمة  فحاول الانتحار وترك دراسته قبل أن يكمل المتوسطة في ثانوية( التفيض) في بغداد وخرج من البيت مبتدءا حياة التشرد وهو في سن المراهقة المبكر و في السادسة عشرة من عمره .
      وبقي ( بلند ) واخوه الاكبر( صفاء الحيدري)  - الذي كان شاعرا وله العديد من الدواوين الشعرية  ويتصف  بنزعة وجودية  وهي حركة ادبية  انتشرت في ذلك الوقت  واستمرت عشرات السنين يقودها الشاعر الفرنسي (سارتر ) فكان  له اتباع في اغلب  المدن العالمية  فانتقل  صفاء  الى ( بعقوبة) و نصب في احد بساتينها خيمة سوداء  لغرض السكن فيها  وتعرف على الشاعر ( حسين مردان ) الذي كان هو الاخر  وجوديا متشردا  وتعرف بلند الحيدي  على( حسين مردان )من خلال اخيه  صفاء الحيدري ومن العجيب انها كانت بين بلند الحيدي واخيه  صفاء  منافسة واضحة وشديدة  فكان بلند يقلد صفاء وينافسه  في اغلب  الامور و في قول الشعر ولما اشتهر ونال حضوة في العراق والعالم العربي  كتب له اخوه صفاء يخبره  بانه غلبه وغطى عليه  و( حطمه) – فكانت هذه المنافسة شديدة وغرست بينهما الكراهية  فنقم (بلند ) على عائلته .
 يقول بلند الحيدري عن حياته العائلية :
  (عشت غربة حقيقية في بيت والدي، حيث والدتي تحب ابنها البكر، ووالدي يحب ابنه الأصغر، فعشت حالة اغتراب دفعتني إلى الهروب من جو البيت!) .
 ويقول بلند الحيدري  في الحديث عن هذه المرحلة من حياته :
 ( عندما جاء حسين مردان الى بغداد جهد في ان يخرجني من جو العائلة لكي اصبح شاعراً على اساس ان الشعر لا يبدأ الا من التمرد  على العائلة ، وبالفعل تشردت مع حسين مردان وتركت المدرسة ، وكنت حينها في الصف الثالث المتوسط ولم اعد اليها ابداً ، ورحت انام مع حسين مردان في الشوارع وتحت الجسر ......)
  يقول في قصيدته :
وخرجت الليلة َ
كانت   في جيبي عشر هويات تسمح لي
ان اخرج هذه الليلة
اسمي . . . بلند بن أكرم
وأنا من عائلة معروفة
لم أقتل أحدا ً
لم أسرق أحدا ً
 وبجيبي عشر هويات تشهد لي
فلماذا لا اخرج هذه الليلة َ
  .  ثم توفي والده في عام\ 1945 ولم يُسمح ( لبلند )ان يسير في جنازته. وساح بلند في ( بغداد ) حتى اضطر الى النوم تحت جسور بغداد لعدة ليال، وقام بأعمال مختلفة منها كتابة العرائض (عرضحالجي) أمام وزارة العدل حيث كان خاله (داود الحيدري) وزيرا للعدل  وكان عمله هذا تحديا لاخيه و للعائلة.
     بالرغم من تشرده كان بلند حريصا على تثقيف نفسه فكان يذهب إلى المكتبة العامة لعدة  سنين فكان يبقى فيها ساعات متأخرة من الليل حيث  كوّن صداقة مع حارس المكتبة الذي كان يسمح له بالبقاء بعد إقفال المكتبة   لذا كانت  ثقافته عامة تصطبغ بصبغة انتقائية، فدرس الادب العربي  والنقد  وعلم النفس وتاثر بالاراء الفلسفية ل (فرويد ) بعد قراءته لفلسفته   ثم اصبح وجوديا بعد  اتصاله  بالشاعر ( حسين مردان ) الذي كان وجوديا  كما قرأ افكار  ( سارتر) المفكر الوجودي الفرنسي  فتبنى الوجودية  ثم درس الماركسية  والديمقراطية  بالاضافة  الى تعلقه الكبير بالادب العربي وعلى العموم كان  بلند الحيدري مثقفا ثقافة عامة سياسيا وادبيا  وشق طريقه الطويل  معتمدا على نفسه حتى في دراسته وتعليمه .
      وفي  ثمانيات القرن الثاني انتقل من العراق ليسيح في الارض فكان مورده الاول ( بيروت ) حيث اصدر بعض دواوينه  ثم انتقل الى  اوربا ليسيح في عواصم بلدانها ثم انتقل الى امريكا وفي امريكا احس بالمرض فمكث في  مدينة( نيويورك ) ودخل احد مستشفياتها للعلاج  ثم ادركه الموت بهذه المستشفى .
 وتوفي بلند الحيدري  سنة\ 1996 في مستشفى ب(نيويورك.) في  امريكا  وهكذا توفي خارج العراق شأنه شان اغلب الشعراء العراقيين  الذين لم تهتم بهم  حكومة بغداد  فيكون مصيرهم الموت خارج وطنهم  وكان اخر قصيدة نظمها ( قيثارة الامل ) وفيها يقول :
كلّ      له    قيثارة   إلا  .أنا
قيثارتي في القلب حطمها الضنا
كانت وكنا والشباب مرفرف
تشدو فتنشر حولها صور المنى
واليوم  كفنّنا السكون ولم نزل
بربيع عمرينا  فمن يرثي لنا .. ؟

*************************
  في صمتها الدامي  تكرر لحنه
 مسلولة  تشدو  بلا     أوتار
هربت من الماضي البعيد وعهد
واتت. لترثي خلسة .. قيثاري
يا لحنه الذكرى فديتك .. أرجعي
أخشى ضلالك في دجى أقداري

      ترك بلند الحيدري العديد من الدواوين الشعرية  والكتب النثرية في  الثقافة والادب  منها ما يلي :

خفقة الطين- شعر- بغداد 1946.

أغاني المدينة الميتة- شعر- بغداد 1951.

جئتم مع الفجر- شعر- بغداد 1961.

خطوات في الغربة- شعر- بيروت 1965.

رحلة الحروف الصفر- شعر- بيروت 1968.

أغاني الحارس المتعب- شعر- بيروت 1971.

حوار عبر الأبعاد الثلاثة- شعر- بيروت 1972

زمن لكل الأزمنة- مقالات- بيروت 1981.
.
  الشاعر بلند الحيدري شاعر مجيد  يعد احد رواد الحركة الادبية الحديثة في العراق والعالم العربي  واحد رواد  الشعرالحر  كتب  اغلب قصائده في الشعرالحر   وكان يامل ان يرتقي الى عالمية هذا الشعر فراح يقرا  لفطاحل الشعراء العالميين مثل (  سارتر ) و(هيجل )  وكامو ) وفلسفتهم في الحياة واكتسب مبدأ  الصلابة والثقة بالنفس  والايمان  بالجدل والاقناع   في تكوين  مشاهده آلياتية  واراءه فيها  فبرزت جراء ذالك  وجودية الذات الشعرية  وتوسعت هذه الذات لديه  نحو الهم العام  في تنسيقه الشعري  الاجتماعي وكذلك السياسي  فادى ذلك الى بروز احساسه العالي في الاقناع من خلال الحوارات الجدلية  وثوابت الافكار  السلوكية الشخصية.
 واختم بحثي  بهذه القصيدة من شعره  (الطبيعة الغاضبة) :
الليل جاث
والظلام مكشر عن نابه
والرعد رعد كلما هتف السناء ببابه
فكأن خلف الليل
قلبا مل طوال عذابه
سئم الدجى والوحشة الرعناء ملء اهابه
سئم السكون تعربد الأشباح في محرابه
فهوى على الدنيا
يربق بها التمرد والسهوم
ويصب في خلجاته نوح العواصف والغيوم
لم يرحم القمري وهو يثن بين يد الكلوم
يستعطف الريح الغضوب
ويشتكي الليل الظلوم
وبناظريه تأمل دام تقطره الهموم
*واطل من قلب الظلام ختام أحلام عذاب
يلهو بها قدر وراء السر أضحكته العذاب
فالزهرة الحسناء لفت ساعدين
على اضطراب
ثم انتحت
وغفت على لغز ولم تأس جواب
أترى تسائل نفسها
عما ستلقي في التراب …؟
وهناك يحتاج الدجى المصدور
انسان غريب
هجر المدينة هازئا بالليل
بالريح الغضوب
ان هوّ ما في دربه
فبقلبه انفرجت دروب
أو حطما روضا له
فخياله روض قشيب
لا الليل بأسره ولا تسمو لدنياه الخطوب

* ***************
من أنت ..؟
يا من ترهب الظلماء خطوته الرهيبة
يمشي كما شاءت عصاه
كأنها حفظت دروبه
تتنفس الأشباح في عينيه حالمة كئيبة
لا الليل أرعبها بما يلي
ولا خشيت قطوبه
من أنت ..؟
اني شاعر عمري أعاصير غريبة

*************
فاعصف الأحداث ما شاءت
وما شاءت غير
ولينقل القمري آهات العرائس والشجر
ولتنفجر محمومة الخلجات في الدنيا سقر
لا … لن تموت نشائدي مادام في قلبي وتر
اني انفجرت من السحاب
وجئت من قلب القدر


*********************************























عا تكة  الخزرجي




            هي الشاعرة عاتكة بنت وهبي الخزرجي  من بغداد\العراق
 ولدت الشاعرة عاتكة  الخزرجي في عام\ 1924 ببغداد وبعد ستة اشهر من ولادتها توفى والدها ( وكان متصرفا للواء الموصل ) فكفلتها امها في تربيتها  وربتها التربية الحسنة فادخلتها المدارس الابتدائية والمتوسطة والاعدادية في بغداد وهنا و خلال دراستها الثانوية انبجست منابع من عيون للشعر في قريحتها فكانت لها قصائد جميلة في هذه الفترة وبعد تخرجها من الثانوية درست اللغة العربية بدار المعلمين العالية ببغداد فنالت الليسانس في الآداب عام \1945  ثم عٌيينت بعد تخرجها مدرسة للأدب العربي في ثانويات بغداد، ثم نقلت الى الارشاد في الوسائل التعليمية والايضاح .

     وفي عام\ 1950 سافرت  خارج العراق الى فرنسا ، ودخلت  كلية الآداب في (جامعة السوربون)  في ( باريس ) وحصلت  على شهادة الدكتوراه بتفوق في الآداب عام \1955 بأطروحتها  عن الشاعر العباسي ( العباس بن الأحنف ) . وفي غربتها هذه عن بلدها وما شعرت به  ازاء هذه الغربة عن أمها وحبيبتها ( بغداد ) قدمت كثيرا من قصائدها وقد اتسع مجال شعرها متسما بالواقعية .

     ولما عادت عينت  مدرسة في قسم اللغة العربية بدار المعلمين العالية ( كلية التربية – جامعة بغداد ) ، ثم أستاذة للأدب العربي الحديث في كلية التربية بجامعة بغداد، وبقيت في عملها حتى أحيلت الى التقاعد في أواخر ثمانينيات القرن الماضي .

   انضمت الشاعرة عاتكة الخزرجي الى نادي القلم في القاهرة سنة 1957.

        توفيت ببغداد عام 1997 عن عمر يناهز الرابعة والسبعين .

    عاتكة الخزرجي  شاعرة  رائعة  تعد من ابرز شاعرات العراق في العصر الحديث . ضم  شعرها  بين  قصائده  وابياته جمال  روح  بغداد  وعشقها وصوفيتها وشوقها للماضي وصبابتها للحاضر فقد نهلت من ثقافات  مختلفة  في دار المعلمين العالية  ومن خلال  سفرها  خارج العراق ومع ذلك  فقد حصرت ادبها  وشعرها  في الادب العربي  فقط،      و في  شعرها  نلمس  نزعة  تقليدية  لتأثرها بشعر (العباس  بن الاحنف ) و نفس المتنبي، وتتميز اغلب  قصائدها  بطابع  قصصي رائع  وما يتسم به  شعرها  ونشعر به  نجد  تلك  النغمة  الذاتية  موشاة بموسيقى شجية. وشعرها يزخر بالادب  العالي  شعراً رقيقاً  يجسد حبها  للوطن الذي سكن روحها وخيالها اليه  وفي شعرها ايضا قوة معنى  وترابط  وتنسيق  جميل نلحظها  في ابياتها  الشعرية  ويسري في  جسد  قصيدتها  فهي حقا ( قيثارة العراق).
تقول  في  قصيدة تعبر عن آلامها :

اما هواك فلست من انساه
                                              يوما اذا نسى المحب هواه

ابد اراه تعير بين جوانحي
                                               حباً  لان  جوانحي  مأواه

يدري الورى خبري ولا من لائم
                                               فهواك  ما يدعو اليه  الله

ولها في نشيد للامومة تقول فيه :

                     انت معنى الحب بل معنى الحياة

انت  نور فاض  من   نور الاله

انت     يااماه   من  قلبي    مناه

ايعيش   المرء   من  غير  الامل

ولها ايضاً قصيدة(الالم الصامت) فتقول:

بلوت من الايام كل عظيمة
                                             وحسبي بأني قد ولدت بمأتم

وكانت اغاني المهد لي رنة الاسى
                                             ووقع نحيب قد يرى قلبي ايم

وابصرت عن قربي خيالاً مهدماً
                                              يغالب دمعا ً بين جفن مورم


      وكانت عاتكة بحق استاذة ماهرة يعشق سماع محاضرتها كل من سمعها .. كانت تهتم بموسيقى الشعر ورقته وترعى كل من تتلمس لديه موهبة في الشعر ، وتشدد عليه حتى يصفو شرابه ويشتد عوده . وكان لها دورها الثقافي المتميز من خلال حواراتها وما تنشره من قصائد.

        عاتكة  الخزرجي عشقت (بغداد ) واحبتها بكل عنفوانها وهي تسكن فيها  في بيت  انيق  تعتني به  عناية  فائقة  وتعشق الخضرة  والزهر  والورود  فكانت  تعيش مع  نباتاتها وازهارها  المختارة  واوراقها وكتبها  وصورها  التي كانت  تعشقها كثيرا .. حتى انها  لم  تستطع  فراق( بغداد) ، ولكنها عضها الدهر بنابه  فاوجعها  فاضطرت الى مبارحتها وهي كلمى حزينة  ولم ترجع اليها فترة طويلة لأنها قد  تعذبت  وألم  بها  الحزن  والاسى والحرمان وقد اجادت عاتكة حين انشدت  لبغداد عند مفارقتها لها فتقول :

بغداد ان ازف الوداع وصاح بي
                                               داعي الرحيل مناديا بنواك

وشددت  من فوق  الحشا
                                    واستعبدت عينان لم تدر البكا لولاك

لهواك زادي بل لقاك تولهي
                                          والعيش  ان احيا  على   ذكراك

لولاك يا بغداد ما اخترت النوى
                                           وتركت   امي   والحمى لولاك


       اما  قضايا  الامة العربية  فكانت  قضية  فلسطين  والنكبة هي  القضية الاولى  امام الشعراء العرب  وقد اسهمت الشاعرة  فيها بعدة قصائد  منها هذه الابيات  تقول  :


اليك عن الشكوى فلسطين اننا
                                               نفوس  ستحيا  او تكون حطاما

نفوس ابت ان  تستكين  لفاتح
                                               يرى الظلم  دينا والسفاه  اماما


       ومن المهم ان  نعرف ان الدكتورة عاتكة  الخزرجى كانت  تُلقي شعرها بنفسها  فى المحافل  شعر ا عذباً رقراقاً بإنغام  ساحرة وصوت شجي في نبرة من حزن  تأخدُ  بالوجدان وكأنه سلاسل  من الذهب  تجود  بها بين حين واخر . والشعور الصوفى او ذو النزعة الصوفية باتت هي المَنحى أو السِمة  التي  تميز شعرها  الراقى فى مخاطبتها للرمز سواءً  كان الغائب الحاضر من الوطن وهو الحب الأكبر و تتوسع دوائر هذا العطاء الوجدانى لتشمل كل نبض القلب عند شاعرتنا الاديبة ونابع من القلب و الوجدان.
وما احلاها وهي تنشد قصيدتها ( امانة ) :


يهون عليك اليوم مثلي ولم
                                               أكن لأحسب يوما أنني سأهون

يلذ لكم ذلي فانكر عزتي
                                                   لديكم   ويقسو قلبكم  وألين

فحتام أرجو والرجاء يخونني
                                             وقلبي على العلات  ليس يخون؟

فديتك ، هل ترجى لمثلي شفاعة
                                                لديك  وهل لي في هواك معين

وكيف اصطباري عنك والشوق
                                              عقّني وأمرك أعياني فلست أبين

وهذى النوى ترمي المرامي بيننا
                                                وتلك  سهول  دوننا   وحزون؟

تمنيت لو أني وأياك نلتقي
                                                   لو ان المنى  مقضية  فتكون

وان يلتقي طرفي وطرفك لحظة
                                                    فترتاح  نفس  أو تقرّ عيون

والا فطيف من خيالك طارقي
                                                  اذا  جن  ليل   واستثير  حنين

فديتك ، ذا قلبي لديك أمانة
                                                  وأنت عليها ، ما حييت ، أمين

توفيت ببغداد عام 1997 عن عمر يناهز الرابعة والسبعين .

توفيت وتركت لنا اثارا ادبية  رائعة منها   :

1-ديوان العباس بن الاحنف  .
2-انفاس السحر شعر  .
3-لألأء القمر/الشعر  .
4-اطياف السحر.
5- مسرحية (مجنون ليلى) نظمتها شعرا  
6-حياة العباس بن الاحنف وشعره وقد كتبته بالفرنسية  وترجم  ترجم
الى العربية ونشر ببغداد عام 1977
7- الانسة ( بحوث تحليلية )
8-مجموعة قصص ومقالات

    واخيرا اختم بحثي هذا  بهذه الابيات وهي تنشدها لوطنها  وامتها العربية تقول  :

تمهل ـ أبيت اللعن ـ جرت على القصد
                                                       فليس لمثلي أن تقابل بالصد

بلادك ـ ان ترشد ـ بلادي وانها
                                                عشيري وأحبابي وأنفس ما عندي

هواي بها ، ما حدت عن حبها
                                                   وحاشا لمثلي أن تحيد عن العهد

وكيف وقد ملكتها كل مهجتي واني
                                                     لأخفي في الهوى فوق ما ابدي

هواي بها ، اني نذرت جوانحي
                                                    الى كل  شبر في  العروبة ممتد

اليكم ، الى الصحراء، للرمل ، للربى
                                                لموج الخليج الثر ، للروح من نجد

لمكة ، للبطحاء ، للخيف من منى
                                                 لسيناء ، للجولان، للقدس ، للخلد

الى كل عرق في العروبة نابض
                                                  وكل  فؤاد    يذكر   الله    بالحمد

الى تونس ، او الجزائر ، للهوى
                                                بمغربنا الاقصى القريب على البعد

يمينا   لقد   أحببتكم   حب   زاهد
                                                 وأعنف أهواء المحبين في الزهد





                     *************************






















محمد مهدي الجواهري




       هو محمد بن  مهدي بن عبد الحسين الجواهري النجفي  العراقي

          ولد الشاعر محمد  مهدي الجواهري في (النجف ) في السادس والعشرين من تموز عام \1899م ، و(النجف ) كانت ولا تزال مركزا دينيا وأدبيا ، وللشعر فيها أسواق تتمثل في مجالسها ومحافلها ، وكان أبوه عبد الحسين عالماً من علماء النجف ، أراد لابنه الذي بدت عليه علائم الذكاء والمقدرة على الحفظ أن يكون عالماً دينيا، لذلك ألبسه عباءة العلماء وعمامتهم وهو في سن العا شرة .

        انحدر الجواهري من أسرة نجفية محافظة عريقة في العلم والأدب والشعر تُعرف بآل الجواهر ، نسبة إلى أحد أجداد الأسرة والذي يدعى الشيخ (محمد حسن )صاحب الجواهر ، والذي ألّف كتاباً في الفقه واسماه (جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام ) . وكان لهذه الأسرة ، كما لباقي الأسر الكبيرة في مدينة (النجف)  مجلس عامر بالأدب والأدباء يرتاده كبار الشخصيات الأدبية والعلمية .

         قرأ القرآن الكريم وهو في هذه السن المبكرة وتم له ذلك بين أقرباء والده وأصدقائه، ثم أرسله والده إلى مُدرّسين كبار ليعلموه الكتابة والقراءة، ثم أخذ عن شيوخه النحو والصرف والبلاغة والفقه وما إلى ذلك مما هو معروف في منهج الدراسة آنذاك . وخطط له والده وآخرون أن يحفظ في كل يوم خطبة  من كتاب ( نهج البلاغة ) وقصيدة من ديوان (المتنبي) فيبدأ الفتى  بالحفظ  طوال نهاره منتظراً ساعة الامتحان بفارغ الصبر ، وبعد أن ينجح في الامتحان يسمح له بالخروج فيشعر انه خُلق من جديد ، وفي المساء يصاحب والده إلى مجالس الكبار .

       أظهر ميلاً منذ الطفولة إلى الأدب فأخذ يقرأ في كتاب( البيان والتبيين) للجاحظ  ومقدمة (ابن خلدون) ودواوين الشعر ، ونظم الشعر في سن مبكرة ، متأثراً ببيئته ، واستجابة لموهبة كامنة فيه .

        كان أبوه يرغب ان  يكون عالماً لا شاعراً ،الا ان  ميله للشعر غلب عليه . وفي سنة\ 1917  توفي والده وبعد أن انقضت أيام الحزن عاد الشاب إلى دروسه وأضاف إليها دروس البيان  والمنطق  والفلسفة.. وقرأ كل شعر جديد سواء أكان عربياً أم مترجماً عن الغرب .

           وكان في أول حياته يلبس( العمامة ) لباس رجال الدين لأنه نشأ نشأةً دينيه محافظة ، واشترك بسب ذلك في ثورة العشرين عام\ 1920م ضد السلطات البريطانية معمما ، ثم اشتغل مدة قصيرة في بلاط الملك فيصل الأول عندما تُوج ملكاً على العراق وكان لا يزال يرتدي العمامة ، ثم ترك العمامة و ترك الاشتغال  في البلاط الملكي وراح  يعمل  بالصحافة بعد أن غادر( النجف )إلى (بغداد )، فأصدر مجموعة من الصحف منها جريدة   ( الفرات ) وجريدة ( الانقلاب ) ثم جريدة ( الرأي العام ) وانتخب عدة مرات رئيساً لاتحاد الأدباء العراقيين .

        لم يبق من شعره الأول شيء يُذكر، وأول قصيدة له كانت قد نشرت في شهر كانون الثاني عام\ 1921 ، وأخذ يوالي النشر بعدها في مختلف الصحف والمجلات العراقية والعربية  ومن شعره في شبابه :

تَهَضّمَني قَــدّكِ الأهـيـفُ         وألـهَـبَـنـي حُـسـنُـكِ المُترَفُ

وضايَقَني أنّ ذاك الـمِـشَدّ        يضيقُ بـهِ خَـصـرُك المُرهَفُ

أميلي بـصـدرِك نَـبْـعَ الحياةِ       وخلّي  فماً  ظـامـئاً  يَرشِفُ

وميطي الرِداءَ عن البُرْعُمَينِ      يَفِضْ عَسلٌ  مِنهما يَرعفُ

تـعـالي أذُقْـكِ فـكـلّ الـثـمـار       تَـــرفّ، ونــوّارُهـــا  يُقطَفُ


  نشر أول مجموعة له باسم ( حلبة الأدب ) عارض فيها عدداً من الشعراء القدامى والمعاصرين .

      ترك النجف عام\ 1927 بعد تعيينه معلماً على الملاك الابتدائي في مدينة (الكاظمية ) وكان يطمح ان يعين مدرسا على الملاك الثانوي .

            أصدر في عام \ 1928 ديواناً أسماه ( بين الشعور والعاطفة ) نشر فيه ما استجد من شعره .

  استقال من الوظيفة في البلاط الملكي  سنة \1930 ، ليصدر جريدته (الفرات) ، ، ثم ألغت الحكومة امتيازها بعد اصدار العدد العشرين منها فآلمه ذلك كثيراً ، وحاول أن يعيد إصدارها ولكن  بدون  جدوى ، فبقي بدون  عمل إلى  أن عُيِّنَ  معلماً  في أواخر  سنة \1931 في مدرسة (المأمونية) ثم نقل إلى ديوان وزارة المعارف رئيساً لديوان التحرير .

 وفي عام \ 1935 أصدر ديوانه الثاني بإسم ( ديوان الجواهري ) .

   و في أواخر عام \ 1936 أصدر جريدة ( الانقلاب ) إثر الانقلاب العسكري الذي قاده (بكر صدقي ).وقد أحس با نحراف حكومة الانقلاب عن أهدافه التي أعلن عنها فبدأ يعارض سياسة الحكم فيما ينشر في هذه الجريدة ، فحكم عليه بالسجن لمدة  ثلاثة أشهر وبإيقاف الجريدة عن الصدور شهراً .

       بعد سقوط  حكومة الانقلاب غير اسم الجريدة إلى ( الرأي العام ) ، ولم يتح لها مواصلة الصدور ، فعطلت أكثر من مرة بسبب ما كان يكتب فيها من مقالات ناقدة للسياسات المتعاقبة . ومما كتبه هذه الابيات يقول :

قبل أن تبكي النبوغ المضاعا
                                        سبّ من جرّ هذه الأوضاعا
سبّ من شاء أن تموت وأمثا
                                       لك همّا وأن تروحوا ضياعا
سبّ من شاء أن تعيش فلولٌ
حيث أهل البلاد تقضي جياعا          
خبروني  بأن عيشة  قومي
                                       لا  تساوي  حذاءك  اللماعا   

     لما قامت حركة مارس\ 1941  بقيادة رشيد عالي الكيلاني أيّدها  وبعد فشلها غادر العراق مع من غادره إلى إيران ، ثم عاد إلى العراق في العام نفسه ليستأنف إصدار جريدته .

    وفي عام \1944 شارك في مهرجان( أبي العلاء المعري) الادبي   في( دمشق ) .

     أصدر في عامي 1949 و 1950 الجزء الأول والثاني من ديوانه في طبعة جديدة ضم فيها قصائده التي نظمها في الأربعينيات والتي برز فيها شاعراً كبيراً .

        شارك  في عام \1950 في المؤتمر الثقافي للجامعة العربية الذي عُقد في الاسكندرية .   وبعد عودته انتخب رئيساً لاتحاد الأدباء العراقيين ونقيباً للصحفيين .

     ولما واجه مضايقات مختلفة من قبل الحكومة العراقية انذاك  غادر العراق عام \1961 إلى لبنان ومن هناك سافر الى اوربا ليستقر في (براغ ) ضيفاً على اتحاد الأدباء التشيكوسلوفاكيين . وأقام في براغ سبع سنوات  وصدر له فيها في عام\ 1965 ديوان جديد سمّاه ( بريد الغربة).

     ثم عاد إلى العراق في عام \1968  حيث خصصت له حكومة العراق راتباً تقاعدياً قدره \150 ديناراً في الشهر .

وفي عام\ 1969 صدر له في بغداد ديوان (بريد العودة) .

        في عام \1971 أصدرت له وزارة الإعلام ديوان ( أيها الأرق) .وفي العام نفسه رأس الوفد العراقي الذي مثّل العراق في مؤتمر الأدباء العرب الثامن المنعقد في (دمشق) . وفي العام نفسه أصدرت له وزارة الإعلام العراقية ديوان ( خلجات).

     ترأس الوفد العراقي إلى مؤتمر الأدباء التاسع الذي عقد في( تونس ) في عام 1973 .

         لم يطب  له العيش في بلده لاختلاف الراي مع الحكومة فهاجر الى الخارج فاذا  ببلدان عديدة  تفتح له أبوابها للجواهري ترغب في  ان يكون ضيفا عليها  مثل مصر، المغرب، والأردن وسوريا ، وهذا دليل على مدى الاحترام الذي حظي به ولكنه اختار( دمشق) واستقر فيها واطمأن إليها واستراح  فكرمه الرئيس السوري حافظ الأسد بمنحه أعلى وسام في البلاد بعد القاء قصيدته دمشق وان قصيدة الشاعر الجواهري (دمشق جبهة المجد) اشراقة جديدة في الشعر العربي الحديث  يقول :


شممـت تربـك لا زلفـى ولا ملقا
                                                   وسـرت قصدك لا خبّـا ولا مذقا

ومـا وجـدت إلى لقيـاك منعطفا
                                                    إلا  إليـك  ومـا ألفيـت  مفتـرقا

كنت الطـريق إلى هاو تنـازعـه
                                                  نفـس تسـد عليه  دونها الطرقـا

وكـان قلبي إلى رؤيـاك باصـرتي
                                           حتى اتهمت عليك العـين والحدقـا

شممت تربك أسـتاف الصّبا مرحـا
                                              والشــمل مؤتلفا والعقـد مؤتلقا

وسـرت قصدك لا كالمشـتهي بلدا
                                          لكن كمن يشـتهي وجه من عشـقا

قالوا  دمشـق  و بغداد  فقلت هما
                                           فجر على الغد من أمسـيهما انبثقا

دمشــق عشـتك ريعانا وخافقة
                                           ولمـة   العيـون  السـود  والأرقـا

تموجـين ظلال الذكريات هـوى
                                           وتسـعدين  الأسـى  والهمّ  والقلقا


          توفي الجواهري في ( دمشق ) في السابع والعشرين من تموز\ 1997 ، ورحل بعد أن  تمرد  وتحدى الزمن  والطغاة الظالمين  ودخل معارك  كبرى وخاض غمراتها واكتوى بنيرانها فكان بحق شاهد العصر الذي لم يجامل ولم يحاب أحداً .  ولم يرضخ لاحد فكان نارا فوق علم  وان الجواهري  في  رايّ الخاص لهو متنبي العصر الحديث لتشابه اسلوبه باسلوبه وقوة قصيد ه ومتانة شعره .

     ومن دواعي الصدف ان الجواهري ولد وتوفي في نفس الشهر، وكان الفارق  يوماً  واحداً مابين عيد  ميلاده  ووفاته. فقد ولد في السادس والعشرين من تموز عام \1899 وتوفي في السابع والعشرين من تموز عام \1997

        تميّز الجواهري بموهبة شعريّة قوية  ومقدرة فنيّة عالية ونفس شعري طويل  إذ تجاوزت بعض قصائده اكثر من مئة بيت كما زاد بعضها على المئتين مع المحافظة على القيمة الفنية لهذه القصائد  و استطاع الحفاظ على صورة القصيدة العربية بأوزانها التقليدية ونفسها العربي الأصيل متحدياً بذلك كلّ حركات التجديد الشعري التي عاصرها كالمدرسة الرومانسية والابداعية ومدرسة الشعر الحرّ ومدارس الحداثة الأخرى . وكان  نتاجه الشعري الغزير يبلغ عشرات الآلاف من الأبيات الشعرية في شتّى الأغراض الإنسانية المختلفة حيث نظم في كل الاغراض والفنون الشعرية المعروفة من  فخر ومدح وهجاء  ورثاء وغزل وحكمة  فمن رثائه لزوجته ام فرات  يقول :

حُيِّيتِ  (أمَّ  فُـرَاتٍ)  إنَّ   والـدةً  

                                               بمثلِ ما انجبتْ  تُـكْنى  بما   تَـلِـدُ

تحيَّةً  لم  أجِدْ  من  بـثِّ  لاعِجِهَـا  

                                                 بُدَّاً, وإنْ  قامَ  سَـدّاً بيننا  اللَّحـدُ

بالرُوحِ  رُدَّي   عليها   إنّها  صِلَـةٌ  

                                              بينَ  المحِبينَ  ماذا  ينفعُ  الجَـســدُ

عَزَّتْ  دموعيَ  لو  لمْ  تبعثي   شَجناً  

                                                 رَجعتُ منهُ  لحرَّ  الدمعِ  أَبْـتَــرِدُ

خلعتُ ثوبَ اصطبارٍ كانَ يستُرُنـي  

                                              وبانَ  كَذِبُ  ادَّعائي   أنني   جَلِـدُ

بَكَيْتُ  حتى  بكا  مَنْ  ليسَ  يعرفُني  

                                               ونُحْتُ حتىَّ  حكاني  طائرٌ  غَــرِدُ

كما تَفجَّر عيناً  ثـرة  حَجَـــرُ  

                                               قاسٍ  تفجَّرَ   دمعاً  قلبيَ  الصَّلِــدُ

إنَّا  إلى  اللهِ!  قولٌ  يَستريحُ  بــهِ  

                                           ويَستوي فيهِ  مَن دانوا ومَن  جَحَدُوا

         وكان للجواهري القدح المعلى في شعره الوطني  للعراق والامة  العربية . ويتصف أسلوب الجواهري بالصدق في التعبير والقوة في البيان والحرارة في الإحساس الملتحم بالصور الهادرة كالتيار في النفس ، ولكنه يبدو من خلال أفكاره متشائماً حزيناً من الحياة تغلف شعره مسحة من الكآبة والإحساس القاتم الحزين مع نفسية معقدة تنظر إلى كل أمر نظر الفيلسوف الناقد الذي لا يرضيه شيء نتيجة  الاحداث والمواقف التي مرت عليه واثرت في نفسيته  الملهمة غيرالقانعة .
   واختم بحثي  بهذه القصيدة الرائعة من شعره :

أرح ركابكَ من أيـنٍ ومن عثَرِ
                                                    كفاك جيلانِ محمولاً على خـطر ِ

كفاك موحشُ دربٍ رُحتَ تَقطعهُ
كأنَّ    مغـبرَّة    لـيل   بلا   سحَرِ

ويا أخا الطير في ورْد ٍ وفي صَدَرٍ
في كلَّ يومٍ له عـُشٌ عـلى شجرِ

عريانَ يحمل مِنقاراً وأجـنحةً
أخـفَّ ما لمَّ مـن زادٍ أخو سَفَرِ

بحسبِ نَفسَكَ ماتعيا النفوسُ به
من فرط منطلق ٍ أو فرط منحدر

أناشدٌ أنت حتفاً صنعَ منتحرِ
أم شابكٌ أنت , مغتراً, يدَ القدر

خفـَّضْ جَناحيكَ لا تهزأ بعاصفةٍ
طوى لها النسر كشحيه فلم يطر ِ

ألفى له عِبرةً في جؤجؤٍ خضبٍ
من غيره, وجَـناحٍ منه منكسِر ِ

ياسامرَ الحي بي شوقٌ يرمِضٌني
إلى الَّلداتِ, إلى النجوى إلى السمَرِ

ياسامر الحي بي داءٌ من الضجَرِ
عاصاه حتى رنـيـنُ الكـأس والوترِ

لا أدَّعي سهرَ العشاق يشبعَهُم
ياسامرَ الحي بي جْـوع إلى السهَرِ

ياسامر الحي حتى الهم من دأبٍ
علـيه آب إلى ضربٍ من الخدَرِ

ياسامر الحي انَّ الدهرَ ذو عجبٍ
أعيت مذاهبه الجلىٌ على الفِكَرِ

كأنَ نـُعماءه حبلى بأبؤسهِ
من ساعةِالصفو تأتي ساعة الكـَدَرِ

تـندسُ في النـَّـشوات الحُمسِ عائذَةً
هذي فـُتـدركها الأخرى على الأثَرِ

ينَغٌص العَيش إنٌ المَوت يدرِكهُ
فنحن من ذين ِ بين الناب والظفرِ

والعمرُ كالليل نـحييه مغالطة
يـُشكى من الطول أو يشكي من القِصَرِ

وياملاعــبَ أترابـي بمنعَطَفٍ
من الفرات إلى كوفـانَ فالجِزُرِ

فالجسرُ عن جانبيه خفقُ أشرِعةٍ
رفـّافةٍ في أعالي الجو كالطررِ

إلى (الخورنق) باق في مساحبهِ
من أبن ماء السما ماجرٌ من أثرِ

تلكم (شقائقه) لــم تــأل ناشرةً
نوافج المسك فضـّتها يدُ المَطَرِ

بيضاءَ حمراءَ أسراباً يموجُ بها
ريشُ الطواويس أو مـَوْشـية الحَبَرِ

للآنَ يـُطرب سمعـي في شواطئه
صدحُ الحمـام وثغيُ الشـاة والبقر

والرملة ُ الدمثُ في ضوءٍ من القَمَرِ
والمدرجُ السَمحُ بين السـُوح والحُجَرِ

يا أهنأ الساع في دنـياي أجمَعُها
إذا عددتُ الهنيء الحلوَ من عُمري

تصوبـَّي من علٍ حتـى إذا إنحَدَرتْ
بي الحتـُوفُ لذاك الرمل فانحَدري

تـُمحى الغضارات في الدنيا سوى شفق
من الطفولة عـذبٍ مثلها غضَرِ

وتـُستطار طيوفُ الذكرياتِ سوى
طيفٍ من المهد حتى الـلحد مُدٌكَرِ

في(جنـَّـة الخلد) طافت بي على الكـبر
رؤيا  شبابٍ  وأحلام ٍ مـن  الصِغَرِ

مجنـَّـحاتُ  أحاسـيـس  ٍ وأخلية
مثل الفراشات في حقل الصـِبا النضِـر

أصطادهنَّ بزعمي وهي لي شركٍ
يصطادُني بالسنا واللطـِف والخفَرِ

أقتادهـُنَّ إلى حربٍ على الضجر
فيصْطلن على حربي مع الضجرِ




            *****************************




      انتهى الجزء الاول ويليه الجزء الثاني من المجلد التاسع من موسوعة شعراء العربية  باذن الله.
















                فهرس الجزء الاول


المقدمة                                    3
سيرة ذاتية                                5
الجزء الاول                               9
 تمهيـــد                                   11
 الشعراء                                   29
مصطفى ابراهيم الطرابلسي           31
فؤاد بليبل                                 35
ابراهيم طوقان                            45
محمود عبد الرحيم                       53
مصطفى وصفي التل –عرار            63
على محمود طه المهندس               69
بدر شاكرالسياب                          83
حسين مردان                              94
محمد عزيز اباظة                       105
محمد مهدي المجذوب                  120  
مفدى زكرياء                             132
محمود ابو الوفا                         152
عبد الله القباج                             164
شفيق جبري الدمشقي                   170
عبد الكريم الكرمي                       184
صلاح عبد الصبور                      198
 امل دنقل                                  206
عبد الحي التاب                           218
محمد عبد السلام الشلمان              224
صقر بن سلطان القاسمي               231
محمد خيرالدين                           241
بلند الحيدري                              250
عاتكة الخزرجي                           258
محمد مهدي الجواهري                  265



***************************

  




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق