الجمعة، 28 مارس 2014

موسوعة ( شعراء العربية ) 3 شعراءالعصر الاموي تاليف - فالح نصيف الحجية ج2 القسم الثاني عشر










                                                              39



قيس بن ذريح الكناني  
( قيس لبنى)




       هو قيس  بن ذريح بن سنة بن حذافة بن طريف بن عتوارة بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة من قبيلة كنانة  ومسكنه في ظاهر المدينة المنورة  شاعرمشهور . من العشاق المتيمين اشتهر بحب لبنى بنت الحباب  الكعبي  من خزاعة   سكنة المدينة المنورة . كان اخا  للحسين بن علي بن أبي طالب  من الرضاعة  أرضعتهما كليهما أم قيس.

    وقيل ان  سبب علاقته بلبنى بنت الحباب الكعبي الخزاعية أنه ذهب يوما  في  بعض حاجاته فمر ببني كعب وقد اشتد الحرعليه  فاستسقى الماء من خيمة منهم فبرزت إليه امرأة طويلة القامة بهية الطلعة عذبة الكلام   سهلة  المنطق  فناولته  اداوة فيها  ماء  فلما هم بالذهاب  قالت له : ألا   تبرد عندنا   وقد  تمكنت  من  فؤاده  فقال : نعم
    فمهدت له وطاءا واستحضرت ما يحتاج إليه حتى  جاء والدها  فلما وجده رحب به ونحر له جزوراً وأقام عندهم حتى مساء  ذلك  اليوم  ثم انصرف وقد  دخلت قلبه  ودخلته  وشغف بها  فجعل يكتم ذلك في قلبه  إلى أن غلب عليه الحب  والشوق  فنطق فيها  بشعره  وشاع  ذلك عنه وقيل أنه  مر بها ثانية  فنزل عندهم  وشكا  إليها  حين  تخاليا  ما  نزل  به  من وجده  وحبه لها  فوجد الذي  عندها أضعاف ما عنده  وعلم كل واحد ما عند الآخر. فمضى إلى أبيه  فشكا  إليه  فقال له  ابوه  دع  هذه   وتزوج بإحدى  بنات عمك  فغم منه  وكتم غيضه  وجاء  إلى أمه  فكان منها ما كان من أبيه  فتركهما. فأتى اخاه من الرضاعة  ( الحسين بن علي  رضي الله عليهما ) فشكى ما به  اليه  فقال له الحسين:
-  أنا أكفيك. فمضى معه إلى أبي لبنى فلما بصر به  وثب إليه  وأعظمه
وقال: يا ابن رسول الله  ما جاء بك إلي ؟ ألا بعثت إلي فآتيك ؟
قال: قد جئتك  خاطباً  ابنتك  لبنى  لقيس  بن  ذريح   وقد عرفت  مكانه مني.
فقال: يا ابن بنت رسول الله  ما كنت لأعصى لك أمراً  وما بنا عن الفتى رغبة  ولكن أحب الأمرين إلينا  أن يخطبها ذريح علينا  وأن يكون ذلك عن أمره   فإنا نخاف أن يسمع  أبوه بهذا  فيكون عاراً  ومسبة علينا.
فأتى الحسين رضي الله عنه  ذريحاً  والده   وقومه  مجتمعون  فقاموا إليه احتراما وتوقيرا  وقالوا له مثل قول الخزاعي.
فقال: يا ذريح، أقسمت عليك بحقي  إلا خطبت لبنى لابنك قيس.
فقال: السمع والطاعة لأمرك. فتزوجها.

      ولما تزوجها أقام مدة طويلة  على أرفع حال واحسن  ما يكون من  الأحوال ومراتب الإقبال  وفنون المحبة. الا انها لم تنجب له اولادا  وكان قيس أبر الناس بأمه  فألهته  لبنى وعكوفه عليها  عن بعض ذلك فقصر في  محبته  وبره  لها  فوجدت أمه في نفسها من ذلك  شيئا . وقالت في نفسها : لقد شغلت هذه المرأة ابني عن بري. وكتمت ذلك في قلبها ً حتى مرض قيس مرضاً شديداً  فلما  برئ  قالت أمه لأبيه: لقد خشيت أن يموت قيس ولم يترك خلفاً   وقد  حرم الولد من هذه المرأة  وأنت ذو مال  فيصير مالك إلى الكلالة  فرغب في تزويجه غيرها  لعل الله عز وجل يرزقه ولداً  وألحت عليه في ذلك. فأمهل  ذريحا  حتى اجتمع قومه .
ثم قال له: يا قيس، إنك اعتللت هذه العلة ولا ولد لك  ولا لي سواك  وهذه المرأة ليست بولود   فتزوج إحدى بنات عمك  لعل الله  أن  يهب لك ولداً تقر به عينيك  وأعيننا.
فقال قيس: لست متزوجاً غيرها أبداً.
فقال أبوه: يا بني، فإن مالي كثير  فتسر بالإماء.
فقال: ولا أسوؤها بشيء أبداً.
قال له  أبوه: فإني أقسم عليك إلا طلقتها.
 فأبى ورفض ذلك بشده
وقال: الموت- والله- أسهل علي من ذلك، ولكني أخيرك خصلة من خصال.
فقال: وما هي ؟
قال: تتزوج أنت  فلعل الله عز وجل أن يرزقك ولداً غيري.
فقال: ما فيّ فضل لذلك.
قال: فدعني أرحل عنك بأهلي  وأصنع ما  كنت  صانعاً  لو كنت مت في علتي هذه.
فقال: ولا هذا.
قال: فادع لبنى عندك  وأرتحل عنك إلى أن أسلوها  فإني ما تحب نفسي أن أعيش   وتكون لبنى غائبة عني أبداً  وأن لا تكون في حبا  لي.
فقال: لا أرضى  بذلك  أو تطلقها .
وحلف والده  لا يكنه سقف  ا و لا يسكن تحت  سقف بيت أبداً  حتى يطلق لبنى. وكان يخرج فيقف في حر الشمس  ويجيء قيس فيقف إلى جانبه  فيظله بردائه   ويصلى هو بحر الشمس الهاجرة   حتى يفيء الفيء عنه  وينصرف إلى لبنى  فيعانقها  ويبكي  وتبكي معه.
وتقول له: يا قيس  لا تطع أباك  فتهلك  وتهلكني معك.
فيقول لها: ما كنت لأطيع أحداً فيك أبداً.
وقيل  إنه مكث على هذه سنة كاملة ، ثم طلقها لأجل والده، فلم يطق الصبر عنها.
قال ابن جريج: أخبرت أن عبد الله بن صفوان لقي ذريحاً أبا قيس  فقال له: ما حملك على التفريق  بين  قيس ولبنى   أما علمت أن عمر بن الخطاب  قال: ما أبالي فرقت بين الرجل وامرأته  أو مشيت إليهما بالسيف.
 قال: قال الحسين بن علي رضي الله عنهما  لذريح أبي قيس:
- أحل لك أن فرقت بين قيس ولبنى،؟  أما أني سمعت عمر بن الخطاب، يقول: ما أبالي فرقت بين الرجل وامرأته  أو مشيت إليهما بالسيف    .
  
               وقيل ان  عمر بن أبي نصر انه  سمع قيس بن ذريح يقول ليزيد بن سليمان: هجرني أبواي  إثنتي عشرة سنة  أستأذن عليهما  فيرداني، حتى طلقتها.
      فلما أزمعت لبنى الرحيل بعد العدة جاء قيس  وقد قوض فسطاطها فسأل الجارية عن أمرهم فقالت: سل لبنى فأتى إليها فمنعه أهلها وأخبروه أنها غداة غد ترحل إلى أهلها فسقط مغشياً عليه  فلما أفاق وأنشد:

وإني لمفن دمع عيني بالبكى
                   حذار الذي قد كان أو هو كائن
وقالوا غداً أو بعد ذاك بليلة
                   فراق حبيب لم يبن وهو بائن
وما كنت أخشى أن تكون منيتي
                      بكفيك إلا أن ما حان حائن
وقال أيضاً:

يقولون لبنى فتنة كنت قبلها
                            بخير فلا تندم عليها وطلق
فطاوعت أعدائي وعاصيت ناصحي
                        وأقررت عين الشامت المتملق
وددت وبيت اللّه أني عصيتم
                       وحملت في رضوانها كل موثق
وكلفت خوص البحر والبحر زاخر
                          أبيت على اثباج موج مفرق
كأني أرى الناس المحبين بعدها
                          عصارة ماء الحنظل المتفلق
فتنكر عيني بعدها كل منظر
                          ويكره سمعي بعدها كل منطق


و حين ارتحلت تبعها  ينظر إليها، فلما غابت رجع يقبل أثر بعيرها  فلاموه على ذلك فأنشد:
وما أحببت أرضكم ولكن
           أقبل أثر من وطئ الترابا
لقد لاقيت من كلف بلبنى
             بلاء ما أسيغ له الشرابا
إذا نادى المنادي باسم لبنى
               عييت فلا أطيق له جوابا


ولما أجنه الليل أوى إلى مضجعه فلم يطق فراقها  ولم يقر به قرار فجعل يتالم و يتململ ويتمرغ في موضعه ويقول:
بت والهم يا لبينى ضجيعي
                     وجرت مذ نأيت عني دموعي
وتنفست إذ ذكرتك حتى زالت
                                         اليوم   عن فؤادي   ضلوعي

              و قيل  ان امه   أرسلت  إليه  يوماً  بنات يعبن  لبنى عنده ويلهينه   بالتعرض   إلى وصلهن  فأنشد:

يقر لعيني قربها ويزيدني بها
                         عجباً من كان  عندي يعيبها
وكم قائل قد قال تب فعصيته
                         وتلك   لعمري توبة لا أتوبها
فيا نفس صبر الست واللّه فاعلمي
                         بأول نفس غاب عنها حبيبها

           ولما  اشتد  شوقه  وزاد   غرامه  أفضى  به الى  مرض  ألزمه الفراش  واختلال العقل  واشتغال البال ، فلام الناس أباه على سوء فعله فجزع وندم وجعل يتلطف به، فأرسل له طبيباً  وقينات  يسألون عن حاله ويخففون ما به من سقم  ويلهونه  فلما أطالن عليه أنشد:
عند قيس من حب لبنى ولبنى
                            داء قيس والحب صعب شديد
فإذا عادني العوائد يوماً
                            قالت   العين   لا  أرى من أريد
ليت لبنى تعودني ثم أقضي
                          أنها    لا    تعود    فيمن   يعود
ويح قيس لقد تضمن منها داء
                           خبل     فالقلب    منه   عميد

فقال له الطبيب:  مذ  كم هذه العلة بك ؟ ومذ  كم غرمت  بهذه المرأة وتولهت؟  فقال:
تعلق روحي روحها قبل خلقنا
                             وليس إذا متنا  بمنفصم العقد
فزاد كما زدنا وأصبح نامياً
                                وليس إذا متنا بمنصم المهد
ولكنه باق على كل حادث
                          وزائرتي في ظلمة القبر واللحد


فقال :إنما يسليك عنها تذكر ما فيها من المساوي والمعايب وما تعافه النفس  وقيل أن أباه دخل عليه وهو يخاطب الطبيب  فجعل يؤنبه ويلومه، فلما لم يفد ذلك عرض عليه التزويج فأنشد:
لقد خفت أن لا تقنع النفس بعدها
بشيء من الدنيا وإن كان مقنعا
وازجر عنها النفس إن حيل دونها
وتأبى إليها النفس إلا تطلعا


       فلما أيس  منه  استشار قومه  في  دائه  فاتفقت آراؤهم  على أن يأمروه  ان يجوب  احياء العرب فلعل أن تقع عينه على امرأة  تستميل عقله فاقسموا عليه أن يفعل ففعل وأنه اتفق أن نزل بحي من فزارة فرأى جارية قد حسرت عن وجهها برقع خز وهي كالبدر حسناً وبهجة فسألها عن اسمها فقالت:  لبنى..
 فسقط مغشياً عليه فارتاعت منه  ونضحت وجهه بالماء وقالت:
-        إن لم تكن قيساً فمجنون.
     فلما أفاق استنسبته فإذا هو قيس فأقسمت عليه أن ينال من طعامها،  فتناول قليلاً وركب فجاء أخوها على أثره فأعلمته القصة فركب حتى استرده وأقسم عليه أن يقيم عنده شهراً  فقال شفقت علي وأجاب فكان الفزاري يعجب به ويعرض عليه الصهارة حتى لامته العرب وقالوا نخشى أن يصير فعلك سنة فيقول دعوني في مثل هذا الفتى يرغب الكرام وقيس يقول له إن فيكم الكفاية ولكني في شغل لا ينتفع بي معه فألح عليه حتى عقد له على أخته ودخل بها فأقام معها أياماً لا تهش نفسه إليها ولا يكلمها ثم استأذن في الخروج إلى أهله فأذنوا له فخرج إلى المدينة وكان له بها صديق فأعمله أن لبنى قد بلغها تزويجه فغمت لذلك وقالت إنه لغدار وإني طالما خطبت فأبيت والآن أجيب هذا وإن أبا ا لفتى قد اشتكى قيساً إلى معاوية وإنه يشبب بابنته فكتب إلى مروان بهدر دمه وأمره أن يزوج ابنته بخالد بن خلدة الغطفاني  وهو من  كنده  حليف  قريش  فجعل النساء  ليلة  زفافها يغنينها:
لبينى   زوجها  أصبح لا  حر  يوازيه

له فضل على الناس وقد باتت تناجيه

وقيس ميت حقاً  صريع   في  بواكيه

                         فلا     يبعده  اللّه   وبعداً   لنواعيه

       ولما بلغ ذلك قيساً اشتد به الغرام فركب حتى أتى محلة قومها فقالت له النساء ما تصنع هنا وقد رحلت مع زوجها  فلم يلتفت حتى أتى موضع خبائها فتمرغ به وأنشد:
إلى اللّه أشكوا فقد لبنى كما
                          شكا إلى اللّه بعد الوالدين يتيم
يتيم جفاه الأقربون فجسمه
                         نحيل   وعهد    الوالدين  قديم

       وقيل ان لبنى  قدمت للحج  في تلك السنة فاتفق خروجه أيضاً فتلاقيا فأبهت وأرسلت إليه مع امرأة تستخبرها  عن حاله وتسلم عليه فأعاد السلام والسؤال وأنشد:
إذا طلعت شمس النهار فسلمي
                      فإني يسليني عليك طلوعها
بعشر تحيات إذا الشمس أشرقت
              وعشر إذا اصفرت وحان رجوعها
ولو أبلغتها جارة قولي أسلمي طوت
               حزناً    وارفض  منها   دموعها


وحين انقضى  الحج مرض مرضاً أنهكه فأكثر الناس من عيادته فجعل يتكفر لبنى وعدم رؤيته لها فأنشد:
ألبنى لقد جلت عليك مصيبتي
                            غداة   غد إذ حل ما أتوقع
تمنيني نيلاً وتلويني به
                          فنفسي شوقاً   كل يوم تقطع
ألومك في شأني وأنت مليمة
                        لعمري وأجفى للمحب وأقطع
وأخبرت أني فيك مت بحسرة
                    فما فاض من عينيك للوجد مدمع
إذا أنت لم تبكي عليّ جنازة
                       لديك فلا تبكي غداً حين أرفع


     فحينما  بلغتها الأبيات جزعت جزعاً شديداً وخرجت إليه خفية على ميعاد فاعتذرت عن الانقطاع وأعلمته أنها إنما تترك زيارته خوفاً عليه أن يهلك وإلا فعندها ما عنده ولكنها جلدة وفي منازل الأحباب وفي حديث  يرفعه إلى ابن عباس قال: مررت بربع عفا رسمه وإذا بشخص فسلمت عليه لم يرد فمضيت وإذا هو يناديني فرجعت فرد علي السلام واعتذر ثم ذكر أنه تعتريه غيبة العقل أطواراً هذا ودمعه  يسفح كالغيث فقالت له من أنت قال قيس ابن ذريح وأنشد:
أمانيه لبنى ولم يقطع المدى
              بوصل ولا هجر فبيأس طامع
أبى اللّه أن يلقي الرشاد متيم
            ألا كل شيء حمّ لا شك واقع
هما برحابي معولين كلاهما
    فؤاد وعين ماقها الدهر دامع
إذا نحن أفنينا البكاء عشية
فموعدنا قرن من الشمس طالع


       وروى أن قيساً  انتقى  ناقة  من  إبله  وقصد  المدينة  ليبيعها فاشتراها  زوج  لبنى وهو لا يعرفه  ثم قال  له ائتني غداً  في دار كثير  بن الصلت أقبضك الثمن   فجاء في الموعد  وطرق الباب فأدخله و كان  قد صنع له طعاماً وقام لبعض حاجاته   فقالت المرأة لخادمتها سليه ما  بال وجهه متغيراً  شاحباً  فتنفس الصعداء  ثم قال هكذا  حال من فارق الأحبة.
 فقالت استخبريه عن قصته فاستخبرته فشرع يحكي أمره فرفعت الحجاب وقالت حسبك قد عرفنا حالك فبهت حين عرفها وبقي  ساعة لاينطق   ثم خرج  لوجهه هائما  فاعترضه الرجل  وقال ما بالك عدلت عن  قبض مالك وإن شئت زدناك  فلم يكلمه ومضى سائرا  فدخل الرجل فقالت له ما هذا الذي فعلت إنه لقيس فحلف أنه لا يعرفه،
وأنشد قيس معاتباً لنفسه:
أتبكي على لبنى وأنت تركتها
                    وكنت عليها بالملا أنت أقدر
فإن تكن الدنيا بلبنى تقلبت
                      فللدهر والدنيا بطون وأظهر
كأني في أرجوحة بين أحبل
                       إذا فكرة منها على القلب تخطر

        وقيل أنه حينما  جاء ليقبض ثمن الناقة  رأى لبنى فعاد مبهوتاً فسأله أأنت قيس قال نعم قال ارجع لنخيرها فإن اختارتك طلقتها وظن الرجل أنها تبغض قيساً فخيرها فاختارت قيساً فطلقها لوقته.
وقيل  أن سبب طلاقها أن قيساً قصد ابن أبي عتيق وكان أكثر أهل زمانه مروءة في ذلك، فجاء إلى الحسن والحسين السبطين رضي الله عنهما  وأعلمهما أن له حاجة عند زوج لبنى وطلب أن ينجداه عليه فمضيا معه حتى ا جتمعوا به وكلموه
فقال: سلوا ما شئتم
فقال له ابن أبي عتيق :أهلاً كان أو مالاً؟
قال :نعم
فقال: أريد أن تطلق لبنى ولك ما شئت عندي
فقال الرجل : أشهدكم أنها طالق ثلاثاً
        فاستحيوا منه وعوضه الحسن رضي الله عنه  مائة ألف درهم
وقال له لو علمت الحاجة ما جئت.
      وقيل أن لبنى عاتبت قيساً على زواجه من  الفزارية فحلف لها أن عينيه لم تكتحل برؤيتها ولم يكلمها لفظة واحدة وأنه لو رآها لم يعرفها وأخبرته لبنى أنها كارهة لزوجها وأعلمته أنها  لم تتزوجه رغبة فيه بل شفقة على قيس حين أهدر دمه ليخلى عنها  فطلقها  حين علم ما بينهما
وأرسل أخو الفزارية إلى قيس حين أبطا عنه يسأله الرجوع فأعاد الرسول بالخيار في أمر اخته فاختار الرجل عدم الفرقة وقصد قيس معاوية فمدحه فرق له وكان ذلك قبل طلاق لبنى.
فقال له: إن شئت كتبت إلى زوجها بطلاقها
فقال: لا ولكن ائذن لي أن أكون ببلدها ففعل

       فنزل قيس حين زال هدر دمه بحبها وظافرت مدائحه فيها حتى قيل ان  معبدا  والغريض واضرابهما قد تغنوا بهما  فرق الناس له ولما طلقت ونقلت إلى العدة بأمر ابن أبي عتيق فمنهم من يقول أنها أكملت عدتها وتزوجها وأقاما إلى الموت بدليل مدحه لابن أبي عتيق حيث قال:
جزى الرحمن أفضل ما يجازى
    على الاحسان خيراً من صديق
فقد جربت إخواني جميعاً
      فما ألفيت كابن أبي عتيق
سعى في جمع شملي بعد صدع
   ورأى حدت فيه عن الطريق
وأطفأ لوعة كانت بقلبي
أغصتني    حرارتها    بريقي

وقيل- في الاغلب -  أنها ماتت في العدة وأن مدحه لابن أبي عتيق حين لم يشك في عودها إليه وقد نهاه عن مدحه  والقائلون بموت لبنى في العدة أجمعوا أن قيساً خرج حين بلغه ذلك حتى وقف على قبرها وأنشد:
ماتت لبينى فموتها موتي
     هل ينفعن حسرة على الفوت
إني سأبكي بكاء مكتئب
        قضى حياة وجداً على ميت
وقال ايضا فيها :

لو أن امرأ أخفي الهوى عن
                      ضميره لمت ولم يعلم بذاك ضمير
ولكن سألقي اللّه والنفس لم تبح
                      بسرّك     والمستخبرون    كثير
وأخبارقيس  مع لبنى كثيرة جداً نكتفي بما ذكرناه  وبقي ان نقول ان قيسا  قد توفي في سنة \ 61 هجرية  الموافق لسنة 681ميلادية
 ومن قصائده فيها :

عفا سرف من أهله فسراوع
                           فجنبا أريك فالتلاع الدوافع
لعل (لبينى) أن يحم لقاؤها
                           ببعض البلاد إن ما حم واقع
بجزع من الوادي خلا عن أنيسه
                          عفا وتخطته العيون الخوادع
ولما بدا منها الفراق كما بدا
                بظهر الصفا الصلد الشقوق الشوائع
تمنيت أن تلقي( لبيناك) والمنى
                        تعاصيك أحيانا وحينا تطاوع
وما من حبيب وامق لحبيبه
                  ولا ذي هوى إلا له الدهر فاجمع
وطار غراب البين وانشقت العصا
                      ببين كما شق الأديم الصوانع
ألا يا غراب البين قد طرت بالذي
                                        أحاذر من لبني فهل أنت واقع!
أتبكي على لبني وأنت تركتها
                          وكنت كآت غيه وهو طائع
فلا تبكين في إثر شئ ندامة
                           إذا نزعته من يديك النوازع
فليس لأمر حاول الله جمعه
                           مشت ولا ما فرق الله جامع
كأنك لم تقنع إذا لم تلاقها
                           وإن تلقها فالقلب راض وقانع
فيا قلب خبرني إذا شطت النوى
                 (بلبنى) وصدت عنك ما أنت صانع
أتصبر للبين المشت مع الجوى
                   أم أنت امرؤ ناسي الحياء فجازع
فما أنا إن بانت (لبيني) بهاجع
                         إذا ما استقلت بالنيام المضاجع
وكيف ينام المرء مستشعر الجوى
                            ضجيع الأسى فيها نكاس روادع
فلا خير في الدنيا إذا لم تواتنا
                           (لبيني )ولم يجمع لنا الشمل جامع
أليست لبين تحت سقف يكنها
                                  وإياي هذا  إن نأت لي نافع
ويلبسنا الليل البهيم إذا دجا
                        ونبصر ضوء الصبح والفجر ساطع
تطا  تحت رجليها بساطا وبعضه
                             أطاه برجلي ليس يطويه مانع
وأفرح إن أمست بخير وإن يكن
                          بها الحدث العادي توعني الروائع
كأنك بدع لم تر الناس قبلها
                                ولم يطلعك الدهر فيمن يطالع
فقد كنت أبكي والنوى مطمئنة
                                بنا وبكم من علم ما البين صانع
وأهجركم هجر البغيض وحبكم
                                  على كبدي منه كلوم صوادع
فواكبدي من شدة الشوق والأسى
                                     وواكبدي  إني إلى الله راجع
وأعجل للإشفاق حتى يشفني
                              مخافة وشك البين والشمل جامع
وأعمد للأرض التي من ورائكم
                                    لترجعني يوما إليك الرواجع
فيا قلب صبرا واعترافا لما ترى
                                     ويا حبها قع بالذي أنت واقع
لعمري لمن أمسى وأنت ضجيعة
                         من الناس ما اختيرت عليه المضاجع
ألا تلك( لبنى) قد تراخى مزارها
                                وللبين  غم      ما يزال  ينازع
إذا لم يكن إلا الجوى فكفى به
                                  جوى خزق قد ضمنتها الأضالع
أبائنة ( لبنى) ولم تقطع المدى
                                     بوصل ولا صرم فييأس طامع
يظل نهار الوالهين نهاره
                                    وتهدنه في النائمين المضاجع
سواء فليلي من نهاري وإنما
                                  تقسم بين    الهالكين المصارع
ولولا رجاء القلب أن تسعف النوى
                                   لما حملته   بينهن    الأضالع
له وجبات إثر لبنى كأنها
                                 شقائق برق في السحاب لوامع
نهاري نهار الناس حتى إذا دجا
                                   لي الليل هزتني إليك المضاجع
أقضي نهاري بالحديث وبالمنى
                                       ويجمعني والهم بالليل جامع
لقد ثبتت في القلب منك مودة
                                  كما تثبتت في الراحتين الأصابع
أبى الله أن يلقى الرشاد متيم
                                    ألا   كل  أمر حم  لابد   واقع
هما برحا  بي معولين كلاهما
                                 فؤاد وعين جفنها - الدهر – دامع
إذا نحن أنفدنا البكاء عشية
                                     فموعدنا قرن من الشمس طالع
وللحب آيات تبين بالفتى
                                   شحوب وتعرى من يديه الأشاجع
وما كل ما منتك نفسك خاليا
                                       تلاقي ولا كل الهوى أنت تابع
وجانب قرب الناس يخلو بهمه
                                        وعاوده فيها هيام مراجع
أراك اجتنبت الحي من غير بغضة
                                  ولو شئت لم تجنح إليك الأصابع
كأن بلاد الله ما لم تكن بها
                                  وإن كان فيها الخلق قفر بلاقع
ألا إنما أبكي لما هو واقع
                                   وهل جزع من وشك بينك نافع
أحال على الدهر من كل جانب
                                  ودامت فلم تبرح على الفجائع
فمن كان محزونا غدا لفراقنا
                                فملآن     فليبك  لما هو واقع


             ********************************************  





                                        40

                  قيس بن الملوح العامري
               (مجنون  ليلى )

   
        هو قيس  بن الملوّح  بن  مزاحم   بن عدس  بن  ربيعة  بن جعده بن كعب بن ربيعة العامري   
          ولد   بنجد  في عام \24 هجرية – 645 ميلادية
       احب  ليلى بنت سعد العامري  ابنة عمه  حيث نشأ  معها  وتربى  واياها حيث كانا يرعيان مواشي والديهما  فاحب احدهما الاخر  فكانا بحق رفيقان  الطفولة والصبا  فعشقها وهام بها  وقد قال في ذلك:

تعلَقت  ليلى وهي  ذات   تمائم      
                                        ولم يبد للأتراب  من  ثديها  حجم

صغيرين  نرعى البهم  يا ليت أننا  
                                      إلى اليوم  لم نكبر   ولم تكبر البهم

      فخطبوها اليه   فرفض أهلها ان  يزوجوها  اليه  وهذه عادة عربية  جاهلية لا تزال  موجودة  في القرى والبوادي   وقيل  بسبب خلا ف  بين ابويهما  حول اموال وميراث –

    وقيل في الوقت نفسه  تقدم لليلى خاطب آخر من ثقيف  يدعى ( ورد بن محمد العُقيلي) وبذل لها عشرًا من الإبل وراعيها  فاغتنم والد ليلى الفرصة  وزوجها  لهذ الرجل  رغمًا  عنها. ورحلت  ليلى  مع  زوجها إلى الطائف  بعيدا عن حبيبها ومجنونها  قيس. ويقال أنه حين تقدم لها الخطيبان  قال أهلها :
  نحن مخيّروها بينكما فمن اختارت تزوجته ثم دخلوا إليها فقالوا :
 (والله لئن لم تختاري وردًا لنمثلنّ بك)
 فاختارت وردًا وتزوجته  مرغمة
 فهام على وجهه  في  البراري  و القفار  ينشد  الشعر  والقصيد   ويأنس  بالوحوش  و يتغنى  بحبه العذري  ولقب  ب(مجنون ليلى )
 فيرى  حيناً  في الشام  وحيناً  في نجد  وحيناً  في اخر الحجاز.

          وروي أن  امراه من  قبيلته  كانت تحمل له الطعام  في  كل يوم وتتركه فاذا عادت في اليوم التالي و لم تجد  الطعام  فتعلم انه ما زال حيا وفي أحد الايام وجدته لم يمس الطعام فابلغت اهله  بذلك  فذهبوا يبحثون عنه  حتي وجدوه في واد  كثير الحصى  وقد  توفي  ووجدوا  بيتين  من
الشعر عند راسه خطهما  باصبعه :                                          
                                              
                                                                
تَوَسَّدَ أحجارَ المهامِهِ والقفرِ   
                                  وماتَ جريح القلبِ مندملَ الصدرِ
فياليت هذا الحِبَّ يعشقُ مرةً         
                                   فيعلمَ ما يلقى المُحِبُّ من الهجرِ

  فحمل إلى أهله.  وكانت وفاته في  عام \68 هجرية – 687 ميلادية
 ومن شعره  فيها :

تَذَكَّرتُ لَيلى وَالسِنينَ الخَوالِيا 
                        وَأَيّامَ لا نَخشى عَلى اللَهوِ ناهِيا
وَيَومٍ كَظِلِّ الرُمحِ قَصَّرتُ ظِلَّهُ 
                            بِلَيلى فَلَهّاني وَما كُنتُ لاهِيا
بِثَمدينَ لاحَت نارُ لَيلى وَصُحبَتي
                    بِذاتِ الغَضى تُزجي المَطِيَّ النَواجِيا
فَقالَ بَصيرُ القَومِ أَلمَحتُ كَوكَباً
                           بَدا في سَوادِ اللَيلِ فَرداً يَمانِيا
فَقُلتُ لَهُ بَل نارُ لَيلى تَوَقَّدَت   
                           بِعَليا تَسامى ضَوءُها فَبَدا لِيا
فَلَيتَ رِكابَ القَومِ لَم تَقطَعِ الغَضى
                        وَلَيتَ الغَضى ماشى الرِكابَ لَيالِيا
فَيا لَيلَ كَم مِن حاجَةٍ لي مُهِمَّةٍ
                         إ ِذا جِئتُكُم بِاللَيلِ لَم أَدرِ ماهِيا
خَليلَيَّ إِن تَبكِيانِيَ أَلتَمِس خَليلاً
                             إِذا  أَنزَفتُ  دَمعي بَكى لِيا
فَما أُشرِفُ الأَيفاعَ إِلّا صَبابَةً  
                         وَلا  أُنشِدُ  الأَشعارَ  إِلّا تَداوِيا
وَقَد يَجمَعُ اللَهُ الشَتيتَينِ بَعدَما
                          يَظُنّانِ  كُلَّ الظَنِّ  أَن لا تَلاقِيا
لَحى اللَهُ أَقواماً يَقولونَ إِنَّنا   
                        وَجَدنا طَوالَ الدَهرِ لِلحُبِّ شافِيا
وَعَهدي بِلَيلى وَهيَ ذاتُ مُؤَصِّدٍ
                          تَرُدُّ عَلَينا بِالعَشِيِّ المَواشِيا
فَشَبَّ بَنو لَيلى وَشَبَّ بَنو اِبنِها
                    وَأَعلاقُ لَيلى في فُؤادي كَما هِيا
إِذا ما جَلَسنا مَجلِساً نَستَلِذُّهُ   
                          تَواشَوا بِنا حَتّى أَمَلَّ مَكانِيا
سَقى اللَهُ جاراتٍ لِلَيلى تَباعَدَت
                      بِهِنَّ النَوى حَيثُ اِحتَلَلنَ المَطالِيا
وَلَم يُنسِني لَيلى اِفتِقارٌ وَلا غِنىً
                     وَلا تَوبَةٌ حَتّى اِحتَضَنتُ السَوارِيا
وَلا نِسوَةٌ صَبِّغنَ كَبداءَ جَلعَداً  
                      لِتُشبِهَ     لَيلى ثُمَّ عَرَّضنَها لِيا
خَليلَيَّ لا وَاللَهِ لا أَملِكُ الَّذي   
                  قَضى اللَهُ في لَيلى وَلا ما قَضى لِيا
قَضاها لِغَيري وَاِبتَلاني بِحُبِّها
                          فَهَلّا بِشَيءٍ غَيرِ لَيلى اِبتَلانِيا
وَخَبَّرتُماني أَنَّ تَيماءَ مَنزِلٌ
                  لِلَيلى إِذا ما الصَيفُ أَلقى المَراسِيا
فَهَذي شُهورُ الصَيفِ عَنّا قَدِ اِنقَضَت 
                       فَما لِلنَوى تَرمي بِلَيلى المَرامِيا
فَلَو أَنَّ واشٍ بِاليَمامَةِ دارُهُ     
                   وَداري بِأَعلى حَضرَمَوتَ اِهتَدى لِيا
وَماذا لَهُم لا أَحسَنَ اللَهُ حالُهُم
                        مِنَ الحَظِّ في تَصريمِ لَيلى حَبالِيا
وَقَد كُنتُ أَعلو حُبَّ لَيلى فَلَم يَزَل
                     بِيَ النَقضُ وَالإِبرامُ حَتّى عَلانِيا
فَيا رَبِّ سَوّي الحُبَّ بَيني وَبَينَها     
                          يَكونُ كَفافاً لا عَلَيَّ وَلا لِيا
فَما طَلَعَ النَجمُ الَّذي يُهتَدى بِهِ 
                       وَلا الصُبحُ إِلّا هَيَّجا ذِكرَها لِيا
وَلا سِرتُ ميلاً مِن دِمَشقَ وَلا بَدا
                         سُهَيلٌ لِأَهلِ الشامِ إِلّا بَدا لِيا
وَلا سُمِّيَت عِندي لَها مِن سَمِيَّةٍ
                      مِنَ الناسِ إِلّا بَلَّ دَمعي رِدائِيا
وَلا هَبَّتِ الريحُ الجُنوبُ لِأَرضِها      
                         مِنَ اللَيلِ إِلّا بِتُّ لِلريحِ حانِيا
فَإِن تَمنَعوا لَيلى وَتَحموا بِلادَها
                          عَلَيَّ فَلَن تَحموا عَلَيَّ القَوافِيا
فَأَشهَدُ عِندَ اللَهِ أَنّي أُحِبُّها     
                            فَهَذا لَها عِندي فَما عِندَها لِيا
قَضى اللَهُ بِالمَعروفِ مِنها لِغَيرِنا    
                        وَبِالشَوقِ مِنّي وَالغَرامِ قَضى لَيا
وَإِنَّ الَّذي أَمَّلتُ يا أُمَّ مالِكٍ     
                         أ َشابَ فُوَيدي وَاِستَهامَ فُؤادَيا

أَعُدُّ اللَيالي لَيلَةً بَعدَ لَيلَةٍ  وَقَد
                              عِشتُ دَهراً لا أَعُدُّ اللَيالِيا
وَأَخرُجُ مِن بَينِ البُيوتِ لَعَلَّني 
                         أُحَدِّثُ عَنكِ النَفسَ بِاللَيلِ خالِيا
أَراني إِذا صَلَّيتُ يَمَّمتُ نَحوَها 
                         بِوَجهي وَإِن كانَ المُصَلّى وَرائِيا
وَما بِيَ إِشراكٌ وَلَكِنَّ حُبَّها     
                         وَعُظمَ الجَوى أَعيا الطَبيبَ المُداوِيا
أُحِبُّ مِنَ الأَسماءِ ما وافَقَ اِسمَها
                                  أَوَ اِشبَهَهُ أَو كانَ مِنهُ مُدانِيا
خَليلَيَّ لَيلى أَكبَرُ الحاجِ وَالمُنى
                              فَمَن لي بِلَيلى أَو فَمَن ذا لَها بِيا
لَعَمري لَقَد أَبكَيتِني يا حَمامَةَ ال
                               عَقيقِ وَأَبكَيتِ العُيونَ البَواكِيا
خَليلَيَّ ما أَرجو مِنَ العَيشِ بَعدَما     
                             أَرى حاجَتي تُشرى وَلا تُشتَرى لِيا
وَتُجرِمُ لَيلى ثُمَّ تَزعُمُ أَنَّني     
                             سَلوتُ وَلا يَخفى عَلى الناسِ ما بِيا
فَلَم أَرَ مِثلَينا خَليلَي صَبابَةٍ
                                أَشَدَّ عَلى رَغمِ الأَعادي تَصافِيا
خَليلانِ لا نَرجو اللِقاءَ وَلا نَرى
                               خَليلَينِ  إِلا   يَرجُوانِ   تَلاقِيا
وَإِنّي لَأَستَحيِيكِ أَن تَعرِضِ المُنى    
                           بِوَصلِكِ أَو أَن تَعرِضي في المُنى لِيا
يَقولُ أُناسٌ عَلَّ مَجنونَ عامِرٍ  
                                    يَرومُ سُلوّاً قُلتُ أَنّى لِما بِيا
بِيَ اليَأسُ أَو داءُ الهُيامِ أَصابَني     
                                 فَإِيّاكَ عَنّي لا يَكُن بِكَ ما بِيا
إِذا ما اِستَطالَ الدَهرُ يا أُمَّ مالِكٍ
                               فَشَأنُ المَنايا القاضِياتِ وَشانِيا
إِذا اِكتَحَلَت عَيني بِعَينِكِ لَم تَزَل
                                 بِخَيرٍ وَجَلَّت غَمرَةً عَن فُؤادِيا
فَأَنتِ الَّتي إِن شِئتِ أَشقَيتِ عِيشَتي  
                               وَأَنتِ الَّتي إِن شِئتِ أَنعَمتِ بالِيا
وَأَنتِ الَّتي ما مِن صَديقٍ وَلا عِداً
                                يَرى نِضوَ ما أَبقَيتِ إِلّا رَثى لِيا
أَمَضروبَةٌ لَيلى عَلى أَن أَزورَها
                                      وَمُتَّخَذٌ   ذَنباً   لَها أَن تَرانِيا
إِذا سِرتُ في الأَرضِ الفَضاءِ رَأَيتُني 
                                 أُصانِعُ رَحلي أَن يَميلَ حِيالِيا
يَميناً إِذا كانَت يَميناً وَإِن تَكُن 
                                  شِمالاً يُنازِعنِ الهَوى عَن شِمالِيا
وَإِنّي لَأَستَغشي وَما بِيَ نَعسَةٌ
                                      لَعَلَّ خَيالاً مِنكِ يَلقى خَيالِيا
هِيَ السِحرُ إِلّا أَنَّ لِلسِحرِ رُقيَةً
                                 وَأَنِّيَ لا أُلفي لَها الدَهرَ راقَيا
إِذا نَحنُ أَدلَجنا وَأَنتِ أَمامَنا    
                                    كَفا لِمَطايانا بِذِكراكِ هادِيا
ذَكَت نارُ شَوقي في فُؤادي فَأَصبَحَت
                                لَها وَهَجٌ مُستَضرَمٌ في فُؤادِيا
أَلا أَيُّها الرَكبُ اليَمانونَ عَرَّجوا
                                عَلَينا فَقَد أَمسى هَواناً يَمانِيا
أُسائِلُكُم هَل سالَ نَعمانُ بَعدَنا  
                                وَحُبَّ إِلَينا بَطنُ نَعمانَ وادِيا
أَلا يا حَمامَي بَطنِ نَعمانَ هِجتُما     
                               عَلَيَّ الهَوى لَمّا تَغَنَّيتُما لِيا
وَأَبكَيتُماني وَسطَ صَحبي وَلَم أَكُن    
                           أُبالي دُموعَ العَينِ لَو كُنتُ خالِيا
وَيا أَيُّها القُمرِيَّتانِ تَجاوَبا     
                             بِلَحنَيكُما ثُمَّ اِسجَعا عَلَّلانِيا
فَإِن أَنتُما اِسطَترَبتُما أَو أَرَدتُما
                          لَحاقاً بِأَطلالِ الغَضى فَاِتبَعانِيا
أَلا لَيتَ شِعري ما لِلَيلى وَمالِيا
                           وَما لِلصِبا مِن بَعدِ شَيبٍ عَلانِيا
أَلا أَيُّها الواشي بِلَيلى أَلا تَرى
                        إِلى مَن تَشيها أَو بِمَن جِئتُ واشِيا
لَئِن ظَعَنَ الأَحبابُ يا أُمَّ مالِكٍ  
                           فَما ظَعَنَ الحُبُّ الَّذي في فُؤادِيا
فَيا رَبِّ إِذ صَيَّرتَ لَيلى هِيَ المُنى
                                فَزِنّي بِعَينَيها كَما زِنتَها لِيا
وَإِلّا فَبَغِّضها إِلَيَّ وَأَهلَها
                             فَإِنّي بِلَيلى قَد لَقيتُ الدَواهِيا
عَلى مِثلِ لَيلى يَقتُلُ المَرءُ نَفسَهُ      
                    وَإِن كُنتُ مِن لَيلى عَلى اليَأسِ طاوِيا
خَليلَيَّ إِن ضَنّوا بِلَيلى فَقَرِّبا   
                          لِيَ النَعشَ وَالأَكفانَ وَاِستَغفِرا لِيا
وإن مت من داء الصبابة   فأبلغا
                      شبيهة  ضوء الشمس مني سلاميا

ومما قاله في الغزل ايضا :


ألاَ لا أرى وادي المياهِ يُثِيبُ     
                    ولا النفْسُ عنْ وادي المياهِ تَطِيبُ

أحب هبوط الواديين وإنني      
                       لمشتهر بالواديين     غريب

أحقاً عباد الله أن لست وارداً    
                          ولا صادراً إلا علي رقيب

ولا زائِراً فرداً ولا في جَماعَة ٍ
                          من الناس إلا قيل أنت مريب

وهل ريبة في أن تحن نجيبة    
                          إلى إلْفها أو أن  يَحِنَّ نَجيبُ

وإنَّ الكَثِيبَ الفرْدَ مِنْ جانِبِ الحِمى
                          إلي   وإن   لم   آته لحبيب

ولا خير في الدنيا إذا أنت لم تزر       
                                             حبيباً ولم يَطْرَبْ إلَيْكَ حَبيبُ

لَئِن كَثُرَت رُقابُ لَيلى فَطالَما    
                         لَهَوتُ   بِلَيلى ما لَهُنَّ رَقيبُ

وَإِن حالَ يَأسٌ دونَ لَيلى فَرُبَّما 
              أَتى اليَأسُ دونَ الشَيءِ وَهوَ حَبيبُ

وَمَنَّيتَني حَتّى إِذا ما رَأَيتِني     
                       عَلى شَرَفٍ لِلناظِرينَ يَريبُ

صَدَدتِ وَأَشمَتِّ العُداةَ بِهَجرِنا  
                      أ َ ثابَكِ فيما تَصنَعينَ مُثيبُ

أُبَعِّدُ عَنكِ النَفسَ وَالنَفسُ صَبَّةٌ
                       بِذِكرِكِ وَالمَمشى إِلَيكِ قَريبُ

مَخافَةَ أَن تَسعى الوُشاةُ بِظِنَّةٍ  
                       وَأَكرَمُكُم أَن يَستَريبَ مُريبُ

فَقَد جَعَلَت نَفسي وَأَنتِ اِختَرَمتِها       
                       وَكُنتِ أَعَزَّ الناسِ عَنكِ تَطيبُ

فَلَو شِئتِ لَم أَغضَب عَلَيكِ وَلَم يَزَل
                      لَكِ الدَهرَ مِنّي ما حَيِيتُ نَصيبُ

أَما وَالَّذي يَتلو السَرائِرَ كُلَّها    
                         وَيَعلَمُ   ما تُبدي   بِهِ  وَتَغيبُ

لَقَد كُنتِ مِمَّن تَصطَفي النَفسُ خُلَّةً
                         لَها دونَ خِلّانِ الصَفاءِ حُجوبُ

وَإِنّي لَأَستَحيِيكِ حَتّى كَأَنَّما      
                            عَلَيَّ بِظَهرِ الغَيبِ مِنكِ رَقيبُ

تَلَجّينَ حَتّى يَذهَبَ اليَأسُ بِالهَوى
                              وَحَتّى تَكادَ النَفسُ عَنكِ تَطيبُ

سَأَستَعطِفُ الأَيامَ فيكِ لَعَلَّها     
                        بِيَومِ سُروري في هَواكِ تَؤوبُ




                ************************









                                           41   
                       
                    كعب بن معدان الأشقري

            هو أبو مالك كعب بن معدان  الاشقري و أ شقر بطن من دوس واسمه  سعد بن  عائذ بن  مالك  بن عمرو بن مالك  بن فهم  بن غنم بن دوس  بن عبد الله  بن  زهران  الأزدي  و كانت  أمهم   تسمى الشقيراء  من عبد قيس.
        شاعر وخطيب وفارس  في الشجعان  كان رفيق المهلب بن ابي صفرة  والي خراسان في زمن الخليفة عبدالملك بن مروان الاموي  في  جميع  حروبه ومن أصحابه  وخاصته  والمذكورين  في  اغلب حروبه  للأزارقة وقد سطر  أروع  القصائد فيه يقول:

لولا المهلب ما زرنا بلادهم
                                          ما دامت الأرض فيها الماء والشجر
كنا نهون قبل اليوم شأنهم
                                               حتى     تفاقم   أمر  كان  يحتقر
نلقى مساعير أبطالا كأنهم
                                                جن  نقارعهم   ما  مثلهم  بشر
باتت كتائبنا تردي مسومة
                                               حول   المهلب  حتى  نور  القمر 
       أوفده المهلب بن أبي صفرة إلى الحجاج  بن يوسف الثقفي وقد ساله  الحجاج : أشاعر أنت أم خطيب؟
فقال: كلاهما.
 وأوفده الحجاج إلى الخليفة عبد الملك بن مروان.
وقال الفرزدق فيه : شعراء الإسلام أربعة: أنا  وجرير  وكعب بن معدان الأشقري  والأخطل.
     وكان  الخليفة  العباسي  أبو جعفر المنصور  يعجب  بقوله في مدح المهلب ومن شعره:

شفيت صدوراً بالعراقين طالما 
                                             تجاوب فيها النائحات الصوادح
مددت الندى والجود للناس كلهم               
                                             فهم  شرعُ  فيه  صديق وكاشح

         ولم  نجد مصادر تذكر تاريخ ولادته الا  انه ولد في القرن الاول الهجري   فهو قد ولد  بين أواخر عصر الخلفاء  الراشدين  وبداية تشكيل الدولة  الأموية  ومما  يدلنا  على ذلك  مشاركة   الشاعر في  الفتوحات الاسلامية  في  الشرق – خراسان  وما اليها-  مع  المهلب بن أبي صفرة في عهد الخليفة الاموي  عبد الملك بن مروان والذي تولى الحكم سنة \65هـ
         ولد كعب  في عمان  ثم انتقل إلى البصرة   وهذا يعني أنه عند انتقاله  من عمان  إلى البصرة  كان في سن الرشد وكذلك مشاركته في الفتوحات مع  المهلب  الذي كان  جعله  من  بين قواده   لذا  نستطيع    ان  نحدد  ولادته  ما   بين العقد  الرابع او  الخامس  من القرن  الأول الهجري او هكذا وصلتنا  ولادته  و لم  يذكر فيها  عام الولادة  ثم انتقل  الى مدينة ( مرو)  في  خراسان  حيث  تزوج  امرأة  اعجمية  انجبت له ولده ( فيروز )  وهو اكبر اولاده  وبه  يكنى .
        فهو أحد الشعراء الأمويين المعروفين  ورافق المهلب بن أبي صفرة  وبنيه  في  فتوحاتهم  في  خراسان  وكان  لحضور قبيلته الأزد أثر في  شعره  إذ  كانت  تمثل هذه القبيلة  الكبيرة  أكثر المشاركين في الفتوحات والمعارك  التي خاضها  الجيش الأموي في فتوحاته في شرق البلاد الاسلامية  وفي حروبه ضدّ الخوارج. وكان كعب حاضراً في أكثر تلك الأحداث. وقد توترت العلاقة بين كعب وبين أبناء المهلب بعد وفاة أبيهم  بسبب انتقال ولاية خراسان إلى قتيبة بن مسلم الباهلي خصم المهلب  مما جعل كعباً يتنكر ليزيد ويهجوه  فجرّ عليه ذلك أموراً لم يحسب حسابها  فهرب إلى عمان لكنه قتل هناك.
    قال المرزباني عنه: (إنه استفرغ شعره في مدح المهلب وولده )  وقد ذكر هو نفسه في إحدى قصائده أنه مدح آل المهلب خمسين عاماً  وقد قال شعراً  في  الفتوح  وحروب الأزارقة  . وكان  زياد الأعجم  هاجى   كعبا الأشقري  واتصل الهجاء بينهما ثم غلبه زياد  وكان  سبب  ذلك أن شرا وحربا  وقعت  بين  الأزد  وبين  عبد القيس  وأسكنها  المهلب  وأصلح بينهم  وتحمل  ما  أحدثه  كل  فريق على الآخر  وأدى ديات  من قتل  منهم  من هجائه فيهم :

إني وإن كنت فرع الأزد قد علموا
                                            أخزى إذا قيل عبد القيس أخوالي
فهم أبو مالك بالمجد شـرفـنـي
                                             ودنس العبد عبد القيس سربالـي

قال: فبلغ قوله زيادا الأعجم فغضب
 وقال: يا عجبا للعبد بن العبد بن الحيتان والسرطان
يقول :  هذا في عبد القيس  وهو  يعلم  موضعي  فيهم  والله  لأدعنه وقومه غرضا  لكل  لسان.

ثم قال يهجوه
نبئت أشقر تهجونا فقلت لـهـم 
                                             ما كنت أحسبهم كانوا ولا خلقوا
لا يكثرون وإن طالت حياتـهـم
                                               ولو  يبول عليهم ثعلب غرقـوا
قوم من الحسب الأدنى بمنـزلة
                                              كالفقع بالقاع لا أصل ولا ورق
إن الأشاقر قد أضحوا بمنـزلة
                                              لو يرهنون بنعلي عبدنا غلقـوا

فشكاه كعب الأشقري إلى المهلب وأنشده هذين البيتين :

هل تسمع الأزد ما يقال لهـا
                                           في   ساحة  الدار أم  بها  صمم
اختتن القوم بعد ما هـرمـوا
                                             واستعربوا   ضلة  وهم عجـم
وقال  كعب في هجائهم ايضا :

لعل عبيد القيس تـحـسـب أنـهـا
                                             كتغلب في يوم الحفـيظة أو بـكـر
يضعضع عبد القيس في الناس منصب
                                            دنيء وأحساب جبرن على كـسـر
إذا شاع أمر الناس وأنشقت العـصـا
                                               فإن لكـيزا لا تـريش ولا تـبـري

فقال المهلب: قد قلت له أيضا
 قال: لا والله ما انتصرت
 ولولاك ما قصرت وأي انتصار في قولي له:

يأيها الجاهل الجاري ليدركـنـي
                                             أقصر فإنك إن أدركت مصروع
يا كعب لاتك كالعنز التي بحثـت
                                          عن حتفها وجناب الأرض مربوع
وقوله:
لئن نصبت لي الروقين معترضـا
                                              لأرمينك   رمـيا  غـير   تـرفـيع
إن المآثر والأحسـاب أورثـنـي
                                         منها المجاجيع ذكرا غير موضوع

ومما جاء في هجاء كعب الأشقري لعبد القيس ايضا قوله:
ثوى عامين في الجيف اللواتي
                                              كطرحة على باب الفصـيل
أحب إلي مـن ظـل وكـن .
                                           لعبد القيس في أصل الفسيل
إذا   ثار  الفساء  بهم   تـغـنـوا
                                           ألم تربع على الدمن المثـول
تظل  لها  ضبابـات  عـلـينـا
                                          موانع  من  مبيت  أو مـقـيل

           ورغم تناثر شعر كعب  في  بضعة   مصادر لأن  اكثره  يتعلق بمدح رجل  برز  في  شعر لاقى  اهمالا  وطمسا  فظيعين مقارنة بالفنون الشعرية   الأخرى  إذ  أن  ذويه  ينطلقون  من عاطفة  مفعمة   بالايمان  الصادق.  وآل المهلب من  الذين  استرخصوا  حياتهم  في سبيل الاسلام.  فخاضوا حروبا  يشيب  لها  الولدان  ضد الأزارقة  صورها  أحد  أبناء عمان  وهو الشاعر  كعب بن معدان موضوع بحثنا  الذي اظهر عن قدرة فائقة  وجدارة  في الشعر والفروسية  والخطابة.
        إذن  فكعب شاعر عماني عاش  في العهد الأموي  ولا  شك  في أن التنافس الذي كان  سائدا  بين  الفرق الاسلامية  شعرا  ونثرا  قد  ضربت بسهم  وافر في  اثراء  شخصيته  الشعرية والخطابية.
           إن هذا القول  لم يكن محاباة  بدليل أن جرير كان خصما   للفرزدق  ومع ذلك فقد اشاد به. وما أكسبه إياه الا  ذيوع  صيته  وسط  بيئة أموية خيمت عليها سحابة  مؤججة بأشعار تنافح عن طروحات أحزاب سياسية مختلفة . فثابت تاريخيا أن آل المهلب خاضوا حربا ضروسا ضد الأزارقة. وقد ساير الشاعر هذا الحدث بسيفه ولسانه. مما أضفى على شعره حيوية وحركة  وهو  يصور  في  شعره  بسالة  المحاربين   ويخص  زعيمهم المهلب بن أبي صفرة  بمدح  نحتت ألفاظه من قلبه. لأنه رآه بأم عينيه يقصم ظهر هذا ويفصل رأس ذاك  يقول :

يا حفص اني عداني عنكم السفر
                                                  وقد أرقت فآذى عيني السهر
 وقد تركت بشط الزابيين لما                
                                              دارا بها يسعد البادون والحضر
هناك ولو حزانا بعدما فرحوا                                              
                                                 وحال  دونهم  الأنهار  الجدر
وفي مواطن قبل اليوم قد سلفت
                                              قد كان للأزد فيها الحمد والظفر
في كل يوم تلاقي الأزد مفظعة
                                           يشيب في ساعة من هولها الشعر
والأزد قومي خيار القوم قد علموا
                                              إذا قرومهم يوم الوغى خطروا
فيهم معاقل من عز يلاذ بها
                                              يوما إذا شمرت حرب لها درر

ويقول كعب الأشقري لعمر بن عبدالعزيز:

إن كنت تحفظ ما يليك فانما
                                          عمال أرضك بالبلاد ذئاب
لن يستجيبوا للذي تدعو له
                                         حتى تجلد بالسيوف رقاب
فلما سمع هذا الشعر. قال:
-       لمن هذا الشعر?
-       قالوا: لرجل من أزد عمان يقال له كعب الأشقري 
-       قال: ما كنت أظن أهل عمان يقولون مثل هذا الشعر
         أما  الخليفة  الاموي عبدالملك بن مروان فقد عرفه- قبل عمر بن عبد العزيز وقد حث الشعراء  ممن مدحه  على الاستعانة به في مدحه  و يقول للشعراء:
       تشبهونني  مرة  بالأسد  ومرة  بالبازي  ومرة  بالصقر ألا قلتم  كما قال كعب الأشقري في المهلب وولده وانشدهم من شعره :

براك الله حين براك بحرا
                                                      وفجر منك أنهارا غزارا
بنوك السابقون إلى المعـالـي
                                                 إذا ما أعظم الناس الخـطـارا
كأنهـم نـجـوم حـول بـدر
                                                     دراري  تكمـل  فـاسـتـدارا 
ملوك ينزلـون بـكـل ثـغـر
                                                  إذا ما الهام يوم الروع طـارا
رزان في الأمور ترى عليهـم
                                                من الشيخ الشمائل والنـجـارا
نجوم يهـتـدى بـهـم إذا مـا
                                              أخو الظلماء في الغمرات حارا

              وقد كان الخليفة عبد الملك  ذا بصرثاقب  ومعرفة جيدة  بالشعر حتى قال  جمهور من الشعراء وغيرهم  له:
- أنت والله يا أمير المؤمنين أشعر القوم .
 وعدوه  أيضا   متعبدا  وناسكا  وعالما  وفقيها   واسع  العلم  والمعرفة  والثقافة  وخاصة في الشعر.
          وقيل  توجه  كعب  بن  معدان  الأشقري  ومرّة  بن  تليد الأزدي من أزد  شنوءة   فوردا  على الحجاج  بن  يوسف  الثقفي  فلما  طلعا  عليه  تقدم  كعب فأنشده:
يا حفص اني عداني عنكم السفر
                                       وقد سهرت فأردى نومي السهر
فقال له الحجاج: أشاعر أنت أم خطيب?
 قال: كلاهما.
 ثم أنشده القصيدة. ثم أقبل عليه فقال:
-       خبرني عن بني المهلب.
-  قال كهب : المغيرة  فارسهم  وسيدهم  وكفى  بيزيد  فارسا  شجاعا  وجوادهم  وسخيهم  قبيصة  ولا يستحيي  الشجاع  أن  يفر من  مدرك  وعبدالملك  سم  ناقع  وحبيب موت  ذعاف  ومحمد  ليث غاب  وكفاك بالمفضل نجدة.
-       قال: فكيف خلفت جماعة الناس?
-       قال: خلفتهم بخير قد أدركوا ما أملوا  وأمنوا ما خافوا.
-       قال: فكيف كان بنو المهلب فيهم?
-       قال: كانوا حماة السرح نهارا  فاذا أليلوا ففرسان البيات.
-       قال: فأيهم كان أنجد?
-       قال: كانوا كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها.
-       قال: فكيف كنتم أنتم وعدوكم?
-       قال: كنا إذا أخذنا عفوهم طمعنا فيهم
-       وإذا أخذوا عفونا يئسنا منهم, وإذا اجتهدوا واجتهدنا بلغنا فيهم   آمالنا بإدراك الفرصة منهم.
-       فقال الحجاج: إن العاقبة للمتقين  كيف أفلتكم قطري?
-       قال: كدناه ببعض ما كادنا به  فصرنا منه الى التي نحب.
-       قال: فهلا اتبعتموه?
-       قال: كان الحد عندنا آثر من الفل.
-       قال: فكيف كان لكم المهلب وكنتم له?
-       قال: كان لنا منه شفقة الوالد  وله منابر الولد.
-       قال: فكيف اغتباط الناس?
-       قال: فشا فيهم الأمن  وشملهم النفل.
-       قال: أكنت أعددت لي هذا الجواب?
-       قال: لا يعلم الغيب إلا الله
-       قال: فقال: هكذا والله يكون الرجال! المهلب كان أعلم بك حيث وجهك لافض فوك  ياكعب.
ثم امر له بعشرة آلاف درهم وحمله على فرس  وأوفده الى عبدالملك بن مروان فأمر له بعشرة آلاف أخرى... وهو القائل:
سيذكرني قومي إذا جد جدهم
                                    وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر

  وقد جمع  كعب الاشقري  بين الشعر والفروسية والخطابة
  . وقد توترت العلاقة بين كعب وبين أبناء المهلب بعد وفاة أبيهم  بسبب انتقال ولاية خراسان إلى قتيبة بن مسلم الباهلي خصم المهلب  مما جعل كعباً يتنكر ليزيد ويهجوه .
و حاصر يزيد بن المهلب مدينة خوارزم في أيام ولايته  فلم يقدر على فتحها، وصعب عليه  الامر .ثم عزل  وولي  قتيبة  بن  مسلم  الباهلي فزحف إليها  فحاصرها ففتحها،
فقال كعب الأشقري يمدحه ويهجو يزيد بن المهلب بقوله :

رمتك فيل بما فيها وما ظلـمـت
                                             من بعد ما رامها الفجفاجة الصلف
قيس صريح وبعض الناس يجمعهم
                                                قرى وريف ومنسوب ومقتـرف
منهم شناس ومرداذاء نـعـرفـه
.                                             وفسخراء، قبور حشوها  القـلـف
لم يركبوا الخيل إلا بعدما هرمـوا
                                              فهم  ثقال  على  أكتافهـا  عـنـف
      فجرّ عليه  ذلك   أموراً  لم يحسب  حسابها  فهرب  إلى عمان - مسقط راسه -  لكنه    قتل هناك.
       اما وفاته  فقيل  كان  لكعب أخوان وكان احدهما قد تزوج  امرأة  سوداء  قيل انها من بلاد النوبة وكما جاء في شعره  انجبت لاخيه ابنا  وكانت علاقة كعب  بابن اخيه هذا  متردية وغير جيدة وخاصة بعد ان هجى الشاعر ابن اخيه  وعيّره في اخواله  في ابيات منها  :
إن السواد الذي سربلت تعرفه
                                                 ميراث جدك عن آبائه النوب
أشبهت خالك خال اللؤم مؤتسيا
                                               يهديه   سالكا  في  شر أسلوب  
       فبقي هذا الولد  كارها  لعمه كعب  فاستغل  زياد  بن المهلب بن ابي صفرة هذه الكراهية  فحثه على قتل  عمه  كعب  واغراه بالمال  وذلك في فتنة يزيد بن المهلب وهو بعمان يومئذ  فما  كان منه الا  ان يقدم على ضربه بفأس وهو نائم تحت شجرة فقتله وذلك في عام \ 102  هجرية  .
        وكان لكعب أخ غير أخيه الذي قتله ابنه  فلما قتل يزيد بن المهلب فرق مسلمة بن عبد الملك أعماله على عمال شتى فولي البصرة وعمان عبد الرحمن بن سليمان الكلبي  فاستخلف عبد الرحمن على عمان محمد بن جابر الراسبي  .  و ان  الاخ  الاخر لكعب  شكى ابن اخيه الى الوالي  محمد بن جابر الراسبي  والي عمان وطلب القود  بدم  كعب  فقيل له :
   ( قتل أخوك بالأمس ويقتل قاتله وهو ابن أخيك اليوم وقد مضى أخوك وانقضى فتبقى فردا كقرن الأعضب!
 فقال:- نعم إن أخي كعبا كان سيدنا وعظيمنا ووجيهنا، فقتله هذا  وليس فيه خير ولا في بقائه عز  ولا هو خلف من  كعب  فأنا  قاتله به  فلا خير في بقائه بعد كعب )
      فقتله  محمد بن جابر بدم كعب حيث امر  بضرب عنقه 
 وقيل  في رواية اخرى  انه توفي  سنة \80 للهجرة  -- 700 ميلادية
           ومن  شعر  كعب  الاشقري  في  مدح  المهلب  بن  ابي  صفرة  وملاحمه  البطولية  ووقع  حربه  هذه  الابيات  من  قصيدة  طويلة  في مدحه :
غرضن بمجلسي وكرهن وصلي .
                                            أوان كسيت من شمـط عـذارا
زرين علي حين بدا مـشـيبـي
                                              وصارت ساحتي لـلـهـم دارا
أتاني والـحـديث لـه نـمـاء .
.                                              مقالة جـائر أحـفـى وجـارا
سلوا أهل الأباطح مـن قـريش
                                             عن العز المـؤبـد اين صـارا
ومن يحمي الثغور إذا استحـرت
                                               حروب لا ينون لـهـا غـرارا
لقومي الأزد في الغمرات أمضى
                                                 وأوفـى ذمة وأعـز جــارا
هم قادوا الجياد علـى وجـاهـا .
                                              من الأمصار يقذفن المـهـارا
بكل مفـازة وبـكـل سـهـب .
                                             بسابس لا يرون لهـا مـنـارا
إلى كرمان يحملـن الـمـنـايا
                                              بكـل   ثـنـية   يوقـدن  نــارا
شوازب لم يصبن الثـار حـتـى
                                             رددناهـا    مـكـلـمة   مـرارا
ويشجرن العوالي السمر حـتـى
                                           ترى فيها عن الأسـل ازورارا
غداة تركن مصرع عـبـد رب .
.                                             يثرن عليه من رهج عـصـارا
ويوم الزحف بالأهواز ظـلـنـا
                                               نروي منهم الأسـل الـحـرارا
فقرت أعـين كـانـت حـديثـا
                                                 ولم يك نـومـهـا إلا غـرارا
صنائعنا الشوابـغ والـمـذاكـى
                                               ومن بالمصر يحتلب العـشـار
فهن يبحن كل حـمـى عـزيز
                                               ويحمين الحـقـائق والـذمـارا
طوالات الـمـتـون يصـن إلا
                                                إذا سار المهلـب حـيث سـارا
فلولا الشيخ بالمصـرين ينـفـي
                                               . عدوهم لقـد تـركـوا الـديارا
ولكن قارع الأبـطـال حـتـى
                                             أصابوا الأمن واجتنبوا الفـرارا
إذا وهنوا وحل بـهـم عـظـيم
                                                يدق  العظم كان لهـم جـبـارا
ومبهمة يحيد النـاس عـنـهـا
                                                تشب الموت شد لـهـا الإزارا
شهاب تنجلي الظلـمـاء عـنـه
.                                               يرى في كل مبهـمة مـنـارا
بل الرحمن جـارك إذ وهـنـا .
.                                              بدفعك عن محارمنا اخـتـيارا
براك الله حـين بـراك بـحـرا .
                                                  وفجر منـك أنـهـارا غـزارا



*************************************

                                                             42

                     ليلى  الأخيلية  


                هي ليلى بنت عبد الله بن الرحال بن شداد بن كعب الأخيلية من بني عقيل من عامر بن صعصعة .
       شاعرة عربية  مخضرمة عرفت بجمالها وقوة شخصيتها وفصاحتها  وشاعريتها  الفذة عاصرت صدر الإسلام  والعصر الأموي عرفت بعشقها المتبادل مع  توبة  بن الحُمَير. لها  العديد  من  قصائد  الشعر  في العشق والغزل والرثاء  واغلب رثا ؤ ها  فيمن عشقته وهو توبة  كما  كان بينها وبين الشاعر النابغة الجعدي مهاجاة.  تقول فيه :

 أنابغ  لم تنبغ  ولم  تك  أولا   
                                                وكنت صنياً بين صدين مجهلاَ
 أنابغ إن تنبغ بلؤمك لا تجد    
                                              لِلُؤمك إل اوَسَسْطَ جَعْدَة َ مَجْعَلا
  أعيرتني داء  بأمك   مثله
                                                 وأي  جواد  لا يقال  له: هلا
وما كنت وقاذفت جل عشيرتي 
                                              لأذكر َ قَعْبي  حَارزٍ  قد   تثمّلا
       هام  بها الشاعر  توبة بن الحمير الخفاجي وهي  واحدة من الشاعرات المتميزات في عصرها اذ لا يتقدمها في الشعر من النساء سوى الخنساء.
       و قد بادلته هي العشق  والمحبة  وكان  يعرف  توبة بالشجاعة والخلق الكريم وعرفت هي بجمالها وفصاحتها وشاع حبهما بين الناس  وتقدم توبة  لخطبتها من  ابيها  الا  ان  والدها  رفضه  بسبب اشتهار أمرهما وذيوع قصة حبهما ثم قام والدها بتزويجها من رجل آخر من بني  الادلع . وعلى الرغم من هذا استمر اللقاء  بين  توبة  وليلى  فشكوه الى قبيلته  فلم  يمتنع  فقام قومها بشكواه إلى السلطان فاباح لهم  إهدار دمه ان اتاهم للقائها مرة اخرى  . ( لاحظ  الشاعر تو بة بن الحمير  في كتابي ( شعراء صدر الاسلام  صفحة\ 95- 100 ) من هذه الموسوعة

         قصة  توبة  بن الحمير وليلى الاخيلية  فهما  شاعران تحاببا  وفاض  حبهما  منهلا  شعرا  كثيرا  زاخرا بالمودة المحبة والاخلاص  والوفاء لبعضهما  فهي  قصة  حب عذري لامست الكثير من المشاعر المعروفة  كباقي قصص الحب العذري التي شاعت في ذلك الوقت  في  مجتمع  اقرب ما يكون الى  بدايات  الاسلام  وقواعده  الشرعية  تلك التي  حكمت  سلوك  الافراد وسيرت مقاصدهم  وركزت على نواياهم الدفينة غير المعلنة و في  رقابة  نفسية  نوعية  تأسر  النفس والقلب والسلوك المجتمعي في  ظل معايير حفظ  الجانب للاخر  والابتعاد عن الظن  وتسليم  الناس  من الاذى في  القول  والفعل  وفي ترك  خواتم الاعمال التي لا  حكم  لها  الا على النية  التي لا يعلم بها   الا الله  تعالى . فكانت  قصة حب نقية لا شائبة  فيها وتبقى في اطارها الذي جعل  ليلى الاخليلة  بشعرها المخضرم بين صدر الاسلام  والعصر الاموي لتعيش بقية  حياتها  بين زمن الامويين التي تركزت سيرتها اكثر ما يكون في هذه الحقبة الزمنية و التي اعتبرت من شعراءها .
 . ومما قاله توبة فيها :

نـأتْـكَ بـليلى دارُها لا تَزورها
                                        وشـطّت نواها واستمَّر مريرُها
وخـفت نواها من جَنوب عُنيزةٍ
                                    كما خفّ من نيلِ المرامي جفيرُها
وقـال رجـال لا يَـضيرُكَ نأيُها
                                      بلى كلَّ ما شفَّ النفوسَ يضيرها
ألـيس يضير العينَ أنْ تكثرَ البُكا
                                        ويـمـنعَ منها نومُها وسُرورُها
         و قدم توبة لزيارتها مرة  وقد ترصّد له قومها في المكان الذي يلتقيان  فيه فعلمت  بذلك فخرجت إليه مسفرة على غير عاداتها حيث كانت تلقاه مبرقعة الأمر الذي جعله يشك بوجود أمر ما خطير فسارع بالانزواء  والهرب  فكانت سبباً في إنقاذ حياته.
       ظل توبة يهيم عشقاً بليلى وينشد فيها القصائد الشعرية حتى آخر يوم في حياته  ويقال إن ليلى تزوجت مرتين ولكن ظل حبها لتوبة يحتل مساحة من  قلبها واسعة .
       وقيل إن توبة خرج في إحدى الغزوات وأصابه الضعف فقتل ويقال إن قتله كان على يد  رجل  بني عوف بن عقيل.
 فلما سمعت  بمقتله قالت  ليلى فيه  :
أيـا عَـيْـنُ بَكّي تَوْبَةَ بن حُمَيِّرِ
                                           بـسَـحٍّ كَـفَيْضِ الجَدْوَلِ المُتَفَجّرِ
لِـتَـبْـكِ عَلَيْهِ مِنْ خَفَاجَةٍ نِسْوَةٌ
                                             بـمـاءِ شُـؤُونِ العَبْرَةِ المُتَحَدِّرِ
سَـمِـعْـنَ بِهَيْجا أزهَقَتْ فَذَكَرْنَهُ
                                          ولا يَـبْـعَـثُ الأَحْزانَ مِثْلُ التّذَكُّرِ
كـأنَّ فَـتى الفِتْيانِ تَوْبَةَ لَمْ يَسِرْ
                                             بِـنَـجْـدٍ ولَـمْ يَطْلُعْ مَعَ المُتَغَوِّرِ
ولَـمْ يَـرِدِ الـماءَ السِّدامَ إذا بَدا
                                     سَنا الصُّبْح في بادِي الجَواشي مُوّ ر  .

   وقيل ان الحجاج بن يوسف الثقفي لقي ليلى فقال لها :
-        انشدينا ما قلت في توبة :- فانشدت :
فتى كان أحيا من فتاة حييّة
                                         وأشجع  من  ليث بخفان   خادر
فنعم الفتى إن كان توبة فاجرا
                                          وفوق الفتى إن كان ليس بفاجر
فقال لها أحد الجالسين ، وهو أسماء بن خارجة :
-  أيتها المرأة انك تصفين هذا الرجل بشيء ما تعرفه العرب عنه .
فقالت : أيها الرجل ! هل رأيت توبة قط ؟
 قال : لا .
 فقالت : أما   والله   لو رأيته لو وددت أن كل فتاة شابة في بيتك حامل منه   فكأنما فقىء في وجه أسماء بن خارجة حبّ الرمان   أي احمر وجهه من الخجل !
      و ذهبت الى الشام ذات  مرة  ودخلت بيت  الخليفة عبد الملك بن مروان  ودخل الخليفة عبد الملك فلقيها عند  زوجته عاتكة بنت يزيد بن معاوية  فرأى عندها أمرأة بدوية فاستغرب قائلا :
- من أنت ؟
 فقالت : أنا الوالهة ، الحرى ليلى الاخيلية.
 قال : أنت التي تقولين :
أريقت جفان ابن الخليع فأصبحت
                                         حياض الندى زالت بهن المراتب

 وفيها   قمة المدح  لعشيقها وهو أن الكرم قد مات بموت توبة . واما الخليع  فهو  من اجداد توبة  .
 قالت : أنا التي أقول ذلك .
 قال : فما أبقيت لنا ؟
قالت : الذي أبقاه الله لك .
فقالت عاتكة مخاطبة زوجها الخليفة :
 - لست لابي يزيد- كنية الخليفة - إن انت قضيت لها حاجة من حاجتها  
 وذلك لتقديمها اعرابيا جلفا على أمير المؤمنين .
 فوثبت ليلى قائمة   تنشد  أبياتا  منها :
أأجعل مثل توبة في نداه  
                                            أبا الذبان فوه الدهر دامي

            وقيل ان ليلى الاخيلية حضرت مجلس  الحجاج بن يوسف الثقفي
فقالت‏:‏ إني قد قلت في الأمير قولا .
 قال‏:‏ هاتي  .
 فأنشأت تقول‏:‏ 

أحجاج لا تفلل سلاحك إنما ال
                                                       منايا تكن بالله حيث يراها 
أحجاج لا تعط العصاة مناهم
                                                    ولا الله  يعطى للعصاة مناها

إذا هبط الحجاج أرضًا مريضة
                                                 تتبع أقصى دائها فشفاها شفاها

من الداء العضال الذي بها غلام
                                                   إذا هز القناة   سقاها   سقاها

فرواها بشرب سجاله دماء
                                                    رجال   حيث   قال   حساها

إذا سمع الحجاج رز كتيبة
                                                      أعد لها قبل النزول قراها

أعد لها مسمومة فارسية
                                                   بأيدي رجال يحلبون صراها

فما ولد الأبكار والعون مثله
                                                    هجره لا أرض تحف ثراها

قال‏:‏ فلما قالت هذا البيت قال الحجاج‏:‏

قاتلها الله ما أصاب صفتي شاعر منذ دخلت العراق غيرها‏.‏ 

        وقيل كانت ليلى قادمة من سفر مع زوجها فأرادت أن تتوقف عند قبر توبة لتسلم عليه فرفض زوجها فأصرت على موقفها قائلة :
-        والله لا أبرح حتى أسلم على توبة .
 فتركها زوجها تفعل فلما دنت من القبر وقفت عليه  قائلة :
-        السلام عليك يا توبة  أ لست القائل :
-         
ولـو أنَّ  لـيلى الأخيليةَ  سَلّمت
                                             عـلـيَّ ودونـي جَنْدلٌ وصفائحُ
لـسـلمتُ تسليمَ البشاشةِ أو زقا
                                        إليها صدىً من جانبِ القَبر صائحُ
وأغبط  من ليلى  بما لا  أناله          
                                             ألا كل ما قرت به العين صالح
فما بالك لم تسلم علي كما قلت؟

        وكانت بجانب القبر طائر  فلما رأى الهودج فزع وطار في وجه بعير ليلى فسقطت عنه  ودق عنقها  فكانت فيها  وفاتها  فدفنت بجانب قبر توبة.
وذلك في عام \  80 هجرية – 704 ميلادية  عند منطقة يقال لها ساوة  في جنوب العراق – محافظة المثنى ..
 ومن شعرها هذه الابيات الرائعة  :

طربت وما هذا بساعة مطرب  
                                            إلى الَحيّ حَلّوا بين عَاذٍ فجُبْجُبِ
قَدِيمافأمْسَتْ دارُهُم قد تلعبتْ
                                            بها خرقات الريح من كل ملعبِ
وكَمْ قَدْ رَأى رائيهِم ورَأْيتُه
                                              بِها لِي مِنْ عمِّ كريم ومن أَبِ
فوارس من آل النفاضة سادة
                                            ومن آل كَعْبِ سؤددٌ غيرُ مُعْقَبِ
وحيِّ حريدٍ قد صبحْنا بغارة ِ    
                                           فلم يمس بيت منهم تحت كوكبِ
سننا عليهم ، كل جرداء شطبة 
                                                لجوج تباري كل أجرد شرجبِ
أجشُّ هزيمٌ في الخَبارِإذا انتحى
                                                 هَوادي عِطفَيْه  العِنان مُقرّبِ
لوحشِيها من جانبَي زَفيَانِها    
                                               حفيف كخذروف الوليد المنقبِ
إذا جاشَ بالماءِ الحَميمِ سِجالُها
                                           نَضَخْنَ به نَضْحَ البمزادِ المسرَّبِ
فذر ذا ، ولكن تمنيت راكباً      
                                                إذا  قالَ قوْلاً صادِقاً لم يكذّبِ
له ناقة عندي وساع وكورها   
                                            كلا مرفقيها عن رحاها بمجذبِ
إذا حركتها رحلة جنحت به     
                                          جنوح  القطاة تنتحي كل سبسبِ
جنوح قطاة الورد في عصب القطا
                                            قَربْنَ مِياهَ النَّهْي منْ كلّ مَقرَبِ
فغادين بالأجزاع فوق صوائق  
                                           ومدفع ذات العين أعذب مشربِ
فَظَلْنَ نَشَاوى بالعُيونِ كأَنَّها    
                                          شَروبٌ بَدَتْ عنْ مرزُبان مُحجَبِ
فنالَتْ قَلِيلاً شَافيا وتعجَّلَتْ      
                                             لنادلها   بين  الشباك   وتنضبِ
تبيت بمَوماة ٍ وتصْبحُ ثَاويا
                                           بها في أفاحيص الغوي المعصبِ
وضمت إلى جوف جناحاً وجؤجؤاً
                                              وناطَتْ  قَلِيلاً  في سِقاءٍ مُجبَبِ
إذا فترت ضرب الجناحين عاقبت
                                                عَلَى شُزنيها مَنْكبا بعد مَنكبِ
فلما أحسا جرسها وتضورا     
                                                 وأوبتَها  من  ذلك  المُتأوّبِ
تدلّتْ إلى حُص الرؤوسِ كأنَّها 
                                                 كرات غلام من كساء مرنبِ
فلما انجلت عنْها الدُّجى َ وسقتْهما
                                                 صبيب سقاء نيط لما يخربِ
غدَت كنواة ِ القَسبِ عنْها واصبَحَتْ   
                                                    تراطنها  دوية  لم  تعربِ
ولي في المُنى أَلا يعرّجَ راكِبي  
                                              ويحبس عنها كل شيء متربِ
ويفرج بوّابٌ لها عَنْ مُناخها
                                                 بقليدهِ بابَ الرتاج المُضبّبِ
إذا ما أنيهت بابن مروان ناقتي
                                            فليسَ عليها لِلهَبانيقِ مَرْكَبي
أدلت بقربي عنده وقضى لها   
                                             قضاءً فلم ينقض ولم يتعقبِ
فإنك بعد الله أنت أميرها 
                                          وقنعانها من كل خوف ومرعبِ
فتقضى فلولا أنه كل ريبة
                                             وكل قليل من وعيدك مزهبي
إذا ما ابتغى العادي الظلوم ظلامة
                                             لديَّ  وما استجلبَت للمتجلبِ
تُبادرُ  أبناءَ   الوَشاة ِ وتبتَغي  
                                           لها طلبات الحق من كل مطلبِ
إذا  أدلجت  حتى  ترى  الصبح
                                  واصلت  أديم نهار الشمس مالم تغيبِ
فلما رَأتْ دَارَ الأميرِ تحاوصَتْ
                                         وصوت المنادي بالأذان المثوبِ
وترجيعَ أصواتِ الخُصوم يردُّها
                                            سقوفُ بيُوتٍ في طِمارٍ مُبوَّبِ
يظل  لأعلاها   دوي   كأنه
                                            تَرَنُّمُ قارِي بيتِ نحّال مُجَوَّبِ




         ***************************


       انتهى القسم الثاني عشر ويليه الثالث عشر من كتاب 
                        

(شعراء العصرالاموي )




                                                            

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق